الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ الْمَحَلَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ ابْتِدَاءً خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَشَكَّكَ فِيهِ أَيْضًا، بَلْ يَذْكُرُ لَهُ طَرَفَ ذَاكَ الْحَدِيثِ فَهُوَ غَالِبًا أَقْرَبُ فِي حُصُولِ الْأَرَبِ.
[اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ]
(652)
وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ سَمِعْ
…
مَتْنًا بِمَعْنًى لَا بِلَفْظٍ فَقَنِعْ
(653)
بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَسَمَّى الْكُلَّ صَحْ
…
عِنْدَ مُجِيزِي النَّقْلِ مَعْنًى وَرَجَحْ
(654)
بَيَانُهُ مَعْ قَالَ أَوْ مَعْ قَالَا
…
وَمَا بِبَعْضٍ ذَا وَذَا وَقَالَا
(655)
اقْتَرَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يَقُلِ
…
صَحَّ لَهُمْ وَالْكُتْبُ إِنْ تُقَابَلِ
(656)
بِأَصْلِ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِهِ فَهَلْ
…
يُسْمِي الْجَمِيعَ مِعْ بَيَانِهِ احْتَمَلْ
[كَيْفِيَّةُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ] :
الْفَصْلُ السَّابِعُ: (اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ) فِي مَتْنٍ وَكِتَابٍ، أَوِ اقْتِصَارُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ عَلَى بَعْضِهَا، (وَحَيْثُ) كَانَ الرَّاوِي (مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (سَمِعَ مَتْنًا) أَيْ: حَدِيثًا (بِمَعْنًى) وَاحِدٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ (لَا بِلَفْظٍ) وَاحِدٍ، بَلْ هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، (فَقَنِعْ) حِينَ إِيرَادِهِ إِيَّاهُ (بِلَفْظٍ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ، (وَسَمَّى) مَعَهُ (الْكُلَّ) حَمْلًا لِلَفْظِهِمْ عَلَى لَفْظِهِ، بِأَنْ يَقُولَ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ اللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَثَلًا: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا فُلَانٌ.
(صَحْ) ذَلِكَ (عِنْدَ مُجِيزِي النَّقْلِ مَعْنًى) أَيْ بِالْمَعْنَى، وَهُمُ الْجُمْهُورُ كَمَا سَلَفَ فِي بَابِهِ، سَوَاءٌ بَيَّنَ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَمِمَّنْ فَعَلَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَلْفَاظَ جَمَاعَةٍ يَسْمَعُ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ عَلَى لَفْظِ أَحَدِهِمْ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي لَفْظِهِ.
(وَ) لَكِنْ (رَجَحْ بَيَانُهُ) عِنْدَهُمْ، أَيْ:
هُوَ أَحْسَنُ بِأَنْ يُعَيَّنَ صَاحِبُ اللَّفْظِ الَّذِي اقْتُصِرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. وَنَحْوَ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ سِيَاقِ الْمَتْنِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ بَعْدَ سِيَاقِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَمْيِيزَ لَفْظِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، فَالرَّاجِحُ بَيَانُهُ أَيْضًا.
كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ: ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ - زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَحْفَظْ حَدِيثَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ هَذَا، وَلَا حَدِيثَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ هَذَا - قَالَا: قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي عَائِشَةَ -: ( «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَدْيِ» ) . وَذَكَرَ حَدِيثًا.
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: ثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ، دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ. ثُمَّ هُوَ فِي سُلُوكِهِ الْبَيَانَ حَيْثُ مَيَّزَ، بِالْخِيَارِ بَعْدَ تَعْيِينِ صَاحِبِ اللَّفْظِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ (مَعْ) إِفْرَادِ (قَالَ أَوْ مَعْ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ فِيهِمَا (قَالَا) إِنْ كَانَ أَخَذَهُ عَنِ اثْنَيْنِ، أَوْ قَالُوا، إِنْ كَانُوا أَكْثَرَ.
[اعْتِنَاءُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ] :
وَقَدِ اشْتَدَّتْ عِنَايَةُ مُسْلِمٍ بِبَيَانِ ذَلِكَ حَتَّى فِي الْحَرْفِ مِنَ الْمَتْنِ وَصِفَةِ الرَّاوِي وَنَسَبِهِ، وَرُبَّمَا، كَمَا قَدَّمْتُهُ، فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى كَانَ بَعْضُهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ مَعْنًى، وَرُبَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهِ تَغَيُّرٌ، وَلَكِنَّهُ خَفِيٌّ لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ إِلَّا مَنْ هُوَ فِي الْعُلُومِ بِمَكَانٍ.
وَاسْتُحْسِنَ لَهُ قَوْلُهُ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِعَادَتَهُ ثَانِيًا ذِكْرَ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً يُشْعِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَهُ.
وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: ثَنَا حَفْصٌ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ» ) .
فَإِنَّ لَفْظَ أَبِي بَكْرٍ - كَمَا فِي (مُصَنَّفِهِ) - حَفْصٌ، بِدُونِ صِيغَةٍ، وَسَاقَ سَنَدَهُ قَالَ: كُنْتُ عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَكُنْتُ أَتَصَدَّقُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَوْلَايَ يَنْهَانِي، أَوْ سَأَلَهُ فَقَالَ:(الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا) . وَلَفْظُ زُهَيْرٍ كَمَا عِنْدَ أَبِي يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ. وَسَاقَ سَنَدَهُ، قَالَ:«كُنْتُ مَمْلُوكًا، وَكُنْتُ أَتَصَدَّقُ بِلَحْمٍ مِنْ لَحْمِ مَوْلَايَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (تَصَدَّقْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ» ) .
وَعَنْ أَبِي يَعْلَى أَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ) ، فَانْحَصَرَ كَوْنُ اللَّفْظِ لِمَنْ أَعَادَهُ ثَانِيًا، فِي أَمْثِلَةٍ لِذَلِكَ لَا نُطِيلُ بِهَا، وَرُبَّمَا لَا يُصَرِّحُ بِرِوَايَةِ الْجَمِيعِ عَنْ شَيْخِهِمْ، كَقَوْلِهِ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: ثَنَا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ.
وَرُبَّمَا تَكُونُ الْإِعَادَةُ لِأَجْلِ الصِّيغَةِ حَيْثُ يَكُونُ بَعْضُهُمْ بِالْعَنْعَنَةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالتَّحْدِيثِ أَوِ الْإِخْبَارِ، وَعَلَيْهِ ; فَتَارَةً يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَّفِقًا، وَتَارَةً مُخْتَلِفًا.
وَكَثِيرًا مَا يُنَبِّهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّوَافُقِ فِي الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ صَاحِبِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ: ثَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُسَدَّدٌ، الْمَعْنَى. وَرُبَّمَا قَالَ: الْمَعْنَى وَاحِدٌ. كَقَوْلِهِ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَهِيَ أَوْضَحُ، فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ كَوْنَهُ الْمَعْنِيَّ، بِكَسْرِ النُّونِ نِسْبَةً
لِمَعْنٍ. وَيَتَأَكَّدُ حَيْثُ لَمْ يَقْرِنْ مَعَ الرَّاوِي غَيْرَهُ.
وَقَدْ يَكُونُ فِي حَدِيثِ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَتْقَنَ، كَقَوْلِ أَبِي دَاوُدَ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَنَا لِحَدِيثِهِ أَتْقَنُ.
وَمِمَّنْ سَبَقَ مُسْلِمًا لِنَحْوِ صَنِيعِهِ شَيْخُهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى تَمْيِيزِ الْأَلْفَاظِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ.
وَقَدْ يَنْشَأُ عَنْ بَعْضِهِ لِمَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ إِثْبَاتُ رَاوٍ لَا وُجُودَ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَا: أَنَا هِشَامٌ، قَالَ عَبَّادٌ: ابْنُ زِيَادٍ. حَيْثُ ظَنَّ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّ زِيَادًا هُوَ وَالِدُ عَبَّادٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ وَالِدُ هِشَامٍ، اخْتُصَّ عَبَّادٌ بِزِيَادَتِهِ عَنْ رَفِيقِهِ يَزِيدَ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي الْأَبْيَضِ - قَالَ حَجَّاجٌ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ - عَنْ أَنَسٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا. فَلَيْسَ قَوْلُهُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَصْفًا لِحَجَّاجٍ، بَلْ هُوَ مَقُولُهُ وَصَفَ بِهِ أَبَا الْأَبْيَضِ، انْفَرَدَ بِوَصْفِهِ لَهُ بِذَلِكَ عَنْ رَفِيقِهِ، وَحَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ أَحَدُ شَيْخَيْ أَحْمَدَ فِيهِ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
[حُكْمُ خَلْطِ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ] :
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا اخْتِصَاصَ لِلصِّحَّةِ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ بِمَا يَخُصُّ فِيهِ الرَّاوِي وَاحِدًا بِجَمِيعِ الْمَتْنِ، بَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ (مَا) يَأْتِي فِيهِ (بِبَعْضِ) لَفْظِ (ذَا) أَيْ: أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ، (وَ) بَعْضِ لَفْظِ (ذَا) أَيِ: الْآخَرِ مِمَّا اتَّحَدَ عِنْدَهُمَا الْمَعْنَى فِيهِ، مَيَّزَ الرَّاوِي لَفْظَ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، أَوْ لَمْ يُمَيِّزْ، (وَقَالَا) أَيْ:
الرَّاوِي لَفْظَ: (اقَتَرَبَا) أَيْ: كُلٌّ مِنَ الشَّيْخَيْنِ (فِي اللَّفْظِ) أَوْ قَالَ: الْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَمَا أَشَبَهَهُمَا، (أَوْ لَمْ يَقُلْ) شَيْئًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَيْضًا قَدْ (صَحَّ لَهُمْ) أَيْ لِمُجِيزِي النَّقْلِ بِالْمَعْنَى، وَالْأَحْسَنُ أَيْضًا الْبَيَانُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عِيبَ بِتَرْكِهِ الْبُخَارِيُّ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِيمَا قَالَهُ غَيْرُهُ، حَتَّى إِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ (صَحِيحِهِ) ، بَلْ وَاقْتَصَرَ مُسْلِمٌ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ عَلَى خُصُوصِ رِوَايَتِهِ عَنْ ثَابِتٍ.
[الْكَلَامُ عَلَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ] :
لَكِنْ قَدْ رُدَّ عَلَى مَا عَابَ الْبُخَارِيَّ بِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ إِسْقَاطًا إِذَا كَانَ فَاعِلُهُ يَسْتَجِيزُ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى.
هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ لَمْ يَتَأَخَّرِ الْبُخَارِيُّ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنِ التَّخْرِيجِ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الِاحْتِجَاجَ بِحَمَّادٍ مَعَ كَوْنِهِ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ مِنَ الْأَبْدَالِ ; لِأَنَّهُ قَدْ سَاءَ حِفْظُهُ، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ صَنِيعِهِ وَصَنِيعِ ابْنِ وَهْبٍ، بِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَتْقَنُ لِمَا يَرْوِيهِ وَأَحْفَظُ.
وَبِهِ يُجَابُ عَنِ الْبُخَارِيِّ، عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُعَرِّجُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ هُوَ - كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدَ تَعَاطَى الْبَيَانَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ كَقَوْلِهِ فِي تَفْسِيرِ " الْبَقَرَةِ ": ثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، ثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا.
وَفِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ أَيْضًا، ثَنَا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ. وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِكَوْنِهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْخِهِ كَمَا
سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى.
وَرُبَّمَا يَسْلُكُ مَسْلَكًا دَقِيقًا يَرْمُزُ فِيهِ لِلْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ - هُوَ الزُّهْرِيِّ - عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ» ) .
فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقْطَعَ السَّنَدَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ مِنَ الثَّانِي: كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. لِكَوْنِ اللَّفْظِ لِلثَّانِي فَقَطْ، وَيَتَأَيَّدُ بِجَزْمِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِأَنَّ سَتْرَ الْكَعْبَةِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ خَاصَّةً دُونَ عُقَيْلٍ، وَحِينَئِذٍ فَرِوَايَةُ عُقَيْلٍ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَابِ الَّذِي أَوْرَدَهَا فِيهِ، وَهُوَ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} [المائدة: 97] الْآيَةَ.
وَلِذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: إِنَّ عَادَةَ الْبُخَارِيِّ التَّجَوُّزُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) : ثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو تَوْبَةَ، الْمَعْنَى قَالَا: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِهِمَا مَعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ: وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَبِي تَوْبَةَ فَقَطْ، وَيَكُونَ اللَّفْظُ لِلْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ: وَاللَّفْظُ لِفُلَانٍ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَلَّا يَكُونَ رَوَاهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَا إِذَا قَالَ: أَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ. لَا انْحِصَارَ لَهُ فِي أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمَعْنَى، وَأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ لَفْظٌ ثَالِثٌ غَيْرُ لَفْظَيْهِمَا.
وَالْأَحْوَالُ كُلِّهَا آيِلَةٌ فِي الْغَالِبِ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسُوقَ الْحَدِيثَ عَلَى لَفْظٍ مَرْوِيٍّ لَهُ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْبَاقِيَ
بِمَعْنَاهُ. انْتَهَى.
وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ، فَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ مُلَفَّقًا مِنْهُمَا، إِذْ مِنْ فُرُوعِ هَذَا الْقِسْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مَا إِذَا سَمِعَ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ قِطْعَةً مِنْ مَتْنٍ، فَأَوْرَدَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ بِدُونِ تَمْيِيزٍ.
[حُكْمُ السَّمَاعِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَالْمُقَابَلَةِ بِأَصْلِ بَعْضِهِمْ] :
(وَالْكُتْبُ) بِسُكُونِ التَّاءِ، الْمُصَنَّفَةُ، كَـ (الْمُوَطَّأِ) وَ (الْبُخَارِيِّ) ، الْمَسْمُوعَةُ عِنْدَ الرَّاوِي مِنْ شَيْخَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي (إِنْ تُقَابَلْ بِأَصْلِ شَيْخٍ) خَاصَّةً (مِنْ شُيُوخِهِ) أَوْ شَيْخَيْهِ دُونَ مَنْ عَدَاهُ.
(فَهَلْ يُسْمِي) بِسُكُونِ ثَانِيهِ، عِنْدَ رِوَايَتِهِ لِذَلِكَ الْكِتَابِ الْجَمِيعَ مَعَ بَيَانِهِ أَنَّ اللَّفْظَ لِفُلَانٍ الَّذِي قَابَلَ بِأَصْلِهِ؟ (احْتَمَلْ) الْجَوَازَ كَالْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ قَدْ سَمِعَهُ بِنَصِّهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ بِلَفْظِهِ، وَاحْتَمَلَ عَدَمَهُ ; لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِكَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ مَنْ عَدَاهُ حَتَّى يُخْبِرَ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمَعْنَى.
وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي إِطْلَاقِ الِاحْتِمَالِ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ حِينَ الرِّوَايَةِ الْوَاقِعَ، أَمَّا إِذَا بَيَّنَ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، فَالْأَصْلُ فِي الْكُتُبِ عَدَمُ الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ فُرِضَ فَهُوَ يَسِيرٌ غَالِبًا تَجْبُرُهُ الْإِجَازَةُ، هَذَا إِذَا لَمْ يُعْلَمُ الِاخْتِلَافُ، فَإِنْ عَلِمَهُ فَقَدْ قَالَ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةَ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ فِي أَلْفَاظٍ، أَوْ فِي لُغَاتٍ، أَوِ اخْتِلَافِ ضَبْطٍ، جَازَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَادِيثَ مُسْتَقِلَّةٍ فَلَا.