الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسِهِ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ. بَلْ قَالَ الْخَطِيبُ عَقِبَ حِكَايَتِهِ: يُقَالُ: إِنَّ أَيُّوبَ كَانَ قَدْ سَمِعَ تِلْكَ الْكُتُبَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْفَظُهَا، فَلِذَلِكَ اسْتَفْتَى ابْنَ سِيرِينَ فِي التَّحْدِيثِ مِنْهَا. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ وَرَدَ عَنْهُ كَرَاهَةُ الرِّوَايَةِ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي لَيْسَتْ مَسْمُوعَةً.
فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَجِدُ الْكِتَابَ، أَيَقْرَؤُهُ أَوْ يَنْظُرُ فِيهِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَسْمَعَهُ مِنْ ثِقَةٍ. فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ فَضْلًا عَنِ الْوَصِيَّةِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ: أَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ عِنْدَهُ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، وَقَالَ: لَا يَلْبَثُ عِنْدِي كِتَابٌ.
[الْوِجَادَةُ]
الثَّامِنُ: الْوِجَادَةُ.
(548)
ثُمَّ الْوِجَادَةُ وَتِلْكَ مَصْدَرْ
…
وَجَدْتُهُ مُوَلَّدًا لِيَظْهَرْ
(549)
تَغَايُرُ الْمَعْنَى وَذَاكَ إِنْ تَجِدْ
…
بِخَطِّ مَنْ عَاصَرْتَ أَوْ قَبْلُ عُهِدْ
(550)
مَا لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْ
…
فَقُلْ بِخَطِّهِ وَجَدْتُ وَاحْتَرِزْ
(551)
إِنْ لَمْ تَثِقْ بِالْخَطِّ قُلْ وَجَدْتُ
…
عَنْهُ أَوِ اذْكُرْ قِيلَ أَوْ ظَنَنْتُ
(552)
وَكُلُّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْأَوَّلُ
…
قَدْ شِيبَ وَصْلًا مَا وَقَدْ تَسَهَّلُوا
(553)
فِيهِ بِعَنْ قَالَ وَهَذَا دُلْسَهْ
…
تَقْبُحُ إِنْ أَوْهَمَ أَنَّ نَفْسَهْ
(554)
حَدَّثَهُ بِهِ وَبَعْضٌ أَدَّى
…
حَدَّثَنَا أَخْبَرَنَا وَرُدَّا
(555)
وَقِيلَ فِي الْعَمَلِ إِنَّ الْمُعْظَمَا
…
لَمْ يَرَهُ وَبِالْوُجُوبِ جَزَمَا
(556)
بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَهْوَ الْأَصْوَبُ
…
وَلِابْنِ إِدْرِيسَ الْجَوَازَ نَسَبُوا
(557)
وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ خَطِّهِ فَقُلْ
…
قَالَ وَنَحْوَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ
(558)
بِالنُّسْخَةِ الْوُثُوقُ قُلْ بَلَغَنِي
…
وَالْجَزْمُ يُرْجَى حِلُّهُ لِلْفَطِنِ
الْقِسْمُ
(الثَّامِنُ) مِنْ أَقْسَامِ أَخْذِ الْحَدِيثِ وَنَقْلِهِ (الْوِجَادَةُ) ، (ثُمَّ) يَلِي مَا تَقَدَّمَ (الْوِجَادَةُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، (وَتِلْكَ) ; أَيْ: لَفْظُ الْوِجَادَةِ (مَصْدَرْ وَجَدْتُهُ مُوَلَّدًا) ; أَيْ: غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنَ الْعَرَبِ، بِمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الِاصْطِلَاحِ - كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا النَّهْرَوَانِيُّ - وَلَّدُوا قَوْلَهُمْ: وِجَادَةٌ. فِيمَا أُخِذَ مِنَ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ وَلَا إِجَازَةٍ وَلَا مُنَاوَلَةٍ، اقْتِفَاءً لِلْعَرَبِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَصَادِرِ " وَجَدَ " لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ.
(لِيَظْهَرَ تَغَايُرُ الْمَعْنَى وَذَاكَ) ; أَيْ: قِسْمُ الْوِجَادَةِ اصْطِلَاحًا نَوْعَانِ:
حَدِيثٌ وَغَيْرُهُ ; فَالْأَوَّلُ (أَنْ تَجِدَ بِخَطِّ) بَعْضِ (مَنْ عَاصَرْتَ) سَوَاءً لَقِيتَهُ أَمْ لَا، أَوْ بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ (قَبْلُ) مِمَّنْ لَمْ تُعَاصِرْهُ مِمَّنْ (عُهِدَ) وُجُودُهُ فِيمَا مَضَى فِي تَصْنِيفٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يَرْوِيهِ، مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَكَذَا الْمَوْقُوفُ وَمَا أَشْبَهَهُ.
(مَا لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْ) لَكَ رِوَايَتَهُ (فَقُلْ) حَسْبَمَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِيمَا تُورِدُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا مَعْنَاهُ (بِخَطِّهِ) أَيْ: بِخَطِّ فُلَانٍ (وَجَدْتُ)، وَكَذَا: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: كَقَرَأْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، أَوْ فِي كِتَابِ فُلَانٍ بِخَطِّهِ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ.
وَتَذْكُرُ شَيْخَهُ وَتَسُوقُ سَائِرَ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، أَوْ مَا وَجَدْتَهُ بِخَطِّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، (وَاحْتَرِزْ) عَنِ الْجَزْمِ (إِنْ لَمْ تَثِقْ بِ) ذَاكَ (الْخَطِّ) بِطَرِيقِهِ الْمَشْرُوحِ فِي الْمُكَاتَبَةِ، بَلْ (قُلْ وَجَدْتُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ فُلَانٍ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ، أَوْ أَذْكُرُ: وَجَدْتُ بِخَطٍّ قِيلَ: إِنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ لِي فُلَانٌ: إِنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ.
(أَوْ ظَنَنْتُ) أَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ أَوْ ذَكَرَ كَاتِبَهُ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الْمُفْصِحَةِ بِالْمُسْتَنَدِ فِي كَوْنِهِ خَطَّهُ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ خَطِّهِ فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ
يَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ لِلْوُثُوقِ بِهِ وَعَدَمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي قَرِيبًا.
ثُمَّ إِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّقْيِيدِ بِمَنْ لَمْ يُجِزْ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى الْوِجَادَةِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْإِجَازَةِ، أَهِيَ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ أَوِ الْعَمَلِ؟ وَإِلَّا فَقَدَ اسْتَعْمَلَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَعَ الْإِجَازَةِ فَيُقَالُ: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ وَأَجَازَهُ لِي.
وَهُوَ - كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - وَاضِحٌ، وَرُبَّمَا لَا يُصَرِّحُ بِالْإِجَازَةِ كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي: ثَنَا فُلَانٌ. وَلَفْظُ الْوِجَادَةِ يَشْمَلُهُمَا (وَكُلُّهُ) أَيِ: الْمَرْوِيُّ بِالْوِجَادَةِ الْمُجَرَّدَةِ سَوَاءٌ وَثِقْتَ بِكَوْنِهِ خَطَّهُ أَمْ لَا.
(مُنْقَطِعٌ) أَوْ مُعَلَّقٌ، فَقَدْ قَالَ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ فِي (الْغُرَرِ الْمَجْمُوعَةِ) لَهُ: الْوِجَادَةُ دَاخِلَةٌ فِي بَابِ الْمَقْطُوعِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الرِّوَايَةِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ عَدَّهُ مِنَ التَّعْلِيقِ أَوْلَى مِنَ الْمُنْقَطِعِ وَمِنَ الْمُرْسَلِ - يَعْنِي بِالنَّظَرِ لِثَالِثِ الْأَقْوَالِ فِي تَعْرِيفِهِ - وَإِنْ أَجَازَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الرِّوَايَةَ عَنِ الْوِجَادَةِ فِي الْكُتُبِ مِمَّا لَيْسَ بِسَمَاعٍ لَهُمْ وَلَا إِجَازَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي (الْكِفَايَةِ) وَعَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا وَسَاقَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي قَائِمِ سَيْفِ أَبِيهِ عُمَرَ رضي الله عنهما صَحِيفَةً فِيهَا كَذَا.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: رَأَيْتُ فِي كِتَابٍ عِنْدِي عَتِيقٍ لِسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ أَبُو الزِّنَادِ. وَذَكَرَ حَدِيثًا.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: أَوْدَعَنِي فُلَانٌ كِتَابًا، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُ هَذِهِ، فَوَجَدْتُ فِيهِ: عَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ، وَكَانَ يُحَدِّثُنَا بِأَشْيَاءَ مِمَّا فِي الْكِتَابِ وَلَا يَقُولُ: أَنَا وَلَا ثَنَا فِي آخَرِينَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَاكَ عَمَّنْ سَمِعُوا مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَعَرَفُوا حَدِيثَهُ مَعَ إِيرَادِهِمْ لَهُ بِوَجَدْتُ أَوْ رَأَيْتُ وَنَحْوِهِمَا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَرِهَ الرِّوَايَةَ عَنِ الصُّحُفِ غَيْرِ الْمَسْمُوعَةِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا، وَسَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: (إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ كِتَابًا فِيهِ عِلْمٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَالِمٍ فَلْيَدْعُ بِإِنَاءٍ وَمَاءٍ فَلْيَنْقَعْهُ فِيهِ حَتَّى يَخْتَلِطَ سَوَادُهُ مَعَ بَيَاضِهِ) .
وَعَنْ وَكِيعٍ قَالَ: لَا يُنْظَرْ فِي كِتَابٍ لَمْ يَسْمَعْهُ ; لَا يَأْمَنُ أَنْ تَعْلَقَ بِقَلْبِهِ مِنْهُ. وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَمَا فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، بَلْ قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُمُ اتَّفَقُوا، يَعْنِي بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ الْمَاضِي عَلَى مَنْعِ النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ بِالْوِجَادَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ كَثِيرٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَمَّا وَجَدَهُ فِي الْكِتَابِ.
قُلْتُ: وَمَا وَقَعَ فِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِنَ الْمَنَاقِبِ مِنْ (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ) مِمَّا رَوَاهُ عَنْ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ بِي قَالَ: فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَلَمْ تَحْمِلْهُ عَنْ أَحَدٍ؟ .
قَالَ: وَجَدْتُهُ فِي كِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. لَا يُخْدَشُ فِيهِ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ نَفْسِهِ مُتَّصِلًا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ (وَ) لَكِنِ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا إِذَا وَثِقَ بِأَنَّهُ خَطُّهُ (قَدْ شِيبَ وَصْلًا) أَيْ: بِوَصْلِ (مَا) حَيْثُ
قِيلَ فِيهِ: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ. لِمَا فِيهِ مِنَ الِارْتِبَاطِ فِي الْجُمْلَةِ، وَزِيَادَةِ قُوَّةٍ لِلْخَبَرِ، فَإِنَّهُ إِذَا وُجِدَ حَدِيثٌ فِي (مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ) مَثَلًا وَهُوَ بِخَطِّهِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَحْمَدَ كَذَا. أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَحْمَدُ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ رُبَّمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ وَالتَّغْيِيرَ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى بِخِلَافِ الْخَطِّ.
(وَقَدْ تَسَهَّلُوا) ; أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَبَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، وَوَائِلِ بْنِ دَاوُدَ.
(فِيهِ) أَيْ: فِي إِيرَادٍ مَا يَجِدُونَهُ بِخَطِّ الشَّخْصِ فَأَتَوْا (بِ) لَفْظِ (عَنْ) فُلَانٍ أَوْ نَحْوِهَا، مِثْلَ " قَالَ " مَكَانَ " وَجَدْتُ " ; إِذْ أَكْثَرُ رِوَايَةِ بَهْزٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِيمَا قِيلَ مِنْ صَحِيفَةٍ، وَكَذَا قَالَهُ شُعْبَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ فِي رِوَايَةِ وَائِلٍ عَنْ وَلَدِهِ بَكْرٍ.
وَصَرَّحَ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمَّا قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، عَمَّنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُحَدِّثُنَا؟ فَقَالَ: صَحِيفَةٌ وَجَدْنَاهَا. وَالْجُمْهُورُ فِي رِوَايَةِ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ. وَكَذَا قِيلَ: إِنَّ الْحَكَمَ عَنْ مِقْسَمٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ سِوَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ، وَالْبَاقِي كِتَابٌ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (وَهَذَا دُلْسَةٌ تَقْبُحُ إِنْ أَوْهَمَ) الْوَاجِدُ بِأَنْ كَانَ مُعَاصِرًا لَهُ (أَنَّ نَفْسَهُ) أَيِ: الشَّخْصُ الَّذِي وَجَدَ الْمَرْوِيَّ بِخَطِّهِ (حَدَّثَهُ بِهِ) أَوْ لَهُ مِنْهُ إِجَازَةٌ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يُوهِمْ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُعَاصِرًا لَهُ (وَبَعْضٌ) جَازَفَ فَـ (أَدَّى) مَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ قَائِلًا: ثَنَا وَأَنَا.
قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا صَاحِبٌ لَنَا مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ ثِقَةٌ يُقَالُ لَهُ: أَشْرَسُ. قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَكَانَ يُحَدِّثُنَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا إِسْحَاقُ فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ لَقِيتَهُ قَالَ: لَمْ أَلْقَهُ، مَرَرْتُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَوَجَدْتُ كِتَابًا لَهُ.
وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَبُو جَعْفَرٍ: اسْتَوْصِ بِإِسْحَاقَ خَيْرًا فَإِنَّهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَقِيَ الزُّهْرِيَّ، وَحِينَئِذٍ ; فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي عَنَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِالْبَعْضِ، فَقَدْ ظَهَرَ الْخَدْشُ فِيهِ وَلَعَلَّهُ عَنَى غَيْرَهُ، وَمُقْتَضَى جَزْمِ غَيْرِ وَاحِدٍ بِكَوْنِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَدِّهِ، إِنَّمَا وَجَدَ كِتَابَهُ فَحَدَّثَ مِنْهُ، مَعَ تَصْرِيحِهِ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ قَلِيلَةٍ بِالسَّمَاعِ وَالتَّحْدِيثِ، إِدْرَاجُهُ فِي الْبَعْضِ،
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدَ (رَدَّا) ذَلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ أَجَازَ النَّقْلَ فِيهِ بِذَلِكَ وَلَا مَنْ عَدَّهُ مَعَدَّ الْمُسْنَدِ. انْتَهَى.
وَلَعَلَّ فَاعِلَهُ كَانَتْ لَهُ مِنْ صَاحِبِ الْخَطِّ إِجَازَةٌ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى إِطْلَاقَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ كَمَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ، ثُمَّ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ.
وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقَوْلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ: إِنَّ الْمُجَوِّزِينَ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يَقُولَ: أَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ. احْتَجُّوا بِأَنَّهُ إِذَا وَجَدَ سَمَاعَهُ بِخَطٍّ مَوْثُوقٍ بِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: ثَنَا فُلَانٌ، يَعْنِي كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ أَقْبَحُ تَدْلِيسٍ قَادِحٍ فِي الرِّوَايَةِ.
(وَ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ (قِيلَ فِي الْعَمَلِ) بِمَا تَضَمَّنَهُ (إِنَّ الْمُعْظَمَا) مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ (لَمْ يَرَهُ) قِيَاسًا عَلَى الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَمْ يَتَّصِلْ، وَكَانَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا يُفَرِّقُ بِأَنَّهُ هُنَاكَ فِي الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ، وَأَمَّا مَنْ يَرَى مِنْهُمُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ فَقَدْ يُفَرِّقُ بِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا الِاتِّصَالَ.
(وَ) لَكِنْ (بِالْوُجُوبِ) فِي الْعَمَلِ حَيْثُ سَاغَ (جَزَمَا) أَيْ: قَطَعَ (بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ) مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عِنْدَ حُصُولِ الثِّقَةِ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ عُرِضَ عَلَى جُمْلَةِ الْمُحَدِّثِينَ لَأَتَوْهُ ; فَإِنَّ مُعْظَمَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً.
(وَ) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ (هُوَ الْأَصْوَبُ) الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ، يَعْنِي الَّتِي قَصُرَتِ الْهِمَمُ فِيهَا جِدًّا، وَحَصَلَ التَّوَسُّعُ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى الرِّوَايَةِ لَانْسَدَّ بَابُ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ شَرْطِ
الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، يَعْنِي: فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُجَرَّدُ وِجَادَاتٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ.
قُلْتُ: وَقَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ: (كُنَّا نَسْمَعُ بِالصَّحِيفَةِ فِيهَا عِلْمٌ فَنَنْتَابُهَا كَمَا يَنْتَابُ الرَّجُلُ الْفَقِيهَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا هَهُنَا آلُ الزُّبَيْرِ وَمَعَهُمْ قَوْمٌ فُقَهَاءُ) مُشْعِرٌ بِعَمَلِهِمْ بِمَا فِيهَا كَالْعَمَلِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ.
(وَلِـ) لْإِمَامِ الْأَعْظَمِ (ابْنِ إِدْرِيسَ) الشَّافِعِيِّ (الْجَوَازَ نَسَبُوا) أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ نُظَّارِ أَصْحَابِهِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِعِيَاضٍ: وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَرْبَابِ التَّحْقِيقِ. فَاجْتَمَعَ فِي الْعَمَلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ، الْوُجُوبُ، الْجَوَازُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ لِلْعَمَلِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟) قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ، قَالَ:(وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟) وَذَكَرُوا الْأَنْبِيَاءَ، قَالَ:(وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟) قَالُوا: فَنَحْنُ، قَالَ:(وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟) قَالُوا: فَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدَكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِهَا» ) حَيْثُ قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَدْحُ مَنْ عَمِلَ
بِالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِمُجَرَّدِ الْوِجَادَةِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ.
قُلْتُ: وَفِي الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ ; فَالْوُجُودُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُسَوِّغُ الْعَمَلَ.
(وَ) أَمَّا (إِنْ يَكُنْ) وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مَا تَجِدُ مِنْ مُصَنَّفٍ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ عَاصَرْتَهُ أَوَّلًا كَمَا بَيَّنَ أَوَّلًا (بِغَيْرِ خَطِّهِ) أَيِ: الْمُصَنِّفِ، مَعَ الثِّقَةِ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ بِأَنْ قَابَلَهَا الْمُصَنِّفُ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ بِالْأَصْلِ أَوْ بِفَرْعٍ مُقَابَلٍ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ.
(فَقُلْ: قَالَ) فُلَانٌ كَذَا (وَنَحْوَهَا) مِنْ أَلْفَاظِ الْجَزْمِ، كَذَكَرَ فُلَانٌ، أَوِ بِخَطِّ مُصَنِّفِهِ مَعَ الثِّقَةِ بِأَنَّهُ خَطُّهُ فَقُلْ أَيْضًا: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ. وَنَحْوَهَا كَمَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَاحْكِ كَلَامَهُ، (وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالنُّسْخَةِ الْوُثُوقُ) فَـ (قُلْ: بَلَغَنِي) عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ ذَكَرَ كَذَا، أَوْ وَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي الْجَزْمَ.
(وَ) لَكِنِ (الْجَزْمُ) فِي الْمَحْكِيِّ لِمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (يُرْجَى حَلُّهُ لِلْفَطِنِ) الْعَالِمِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مَوَاضِعُ الْأَسْقَاطِ وَالسَّقْطِ وَمَا أُحِيلَ عَنْ جِهَتِهِ ; أَيْ: بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِهَا.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَإِلَى هَذَا - فِيمَا