الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ لَهُ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: (إِنَّ فِي الْحِكْمَةِ كَذَا -: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنِ الصُّحُفِ) . لِذَلِكَ، وَرُوِّينَا فِي (مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ) عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا زَالَ هَذَا الْعِلْمُ عَزِيزًا يَتَلَقَّاهُ الرِّجَالُ حَتَّى وَقَعَ فِي الصُّحُفِ، فَحَمَلَهُ أَوْ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ أَهْلِهِ.
إِذَا عُلِمَ هَذَا فَاللَّحْنُ - كَمَا قَالَ صَاحِبُ (الْمَقَايِيسِ) : - بِسُكُونِ الْحَاءِ، إِمَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ الصَّحِيحَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، يُقَالُ: لَحَنَ لَحْنًا. قَالَ: وَهُوَ عِنْدَنَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَلَّدِ ; لِأَنَّ اللَّحْنَ مُحْدَثٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ، وَاللَّحَنُ بِالتَّحْرِيكِ الْفِطْنَةُ، يُقَالُ: لَحَنَ لَحْنًا فَهُوَ لَحِنٌ وَلَاحِنٌ، وَفِي الْحَدِيثِ:( «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» ) .
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ مِثْلَهُ وَقَالَ: يُقَالُ فِي الْفِطْنَةِ: لَحِنَ بِكَسْرِ الْحَاءِ يَلْحَنُ بِفَتْحِهَا، وَفِي (الزَّيْغِ عَنِ الْإِعْرَابِ) : لَحَنَ بِفَتْحِ الْحَاءِ.
[إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ]
(642)
وَإِنْ أَتَى فِي الْأَصْلِ لَحْنٌ أَوْ خَطَا
…
فَقِيلَ يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطَا
(643)
وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ يُصْلِحُ
…
وَيَقْرَأُ الصَّوَابَ وَهْوَ الْأَرْجَحُ
(644)
فِي اللَّحْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ
…
وَصَوَّبُوا الْإِبْقَاءَ مَعْ تَضْبِيبِهِ
(645)
وَيَذْكُرُ الصَّوَابَ جَانِبًا كَذَا
…
عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ نَقْلًا أُخِذَا
(646)
وَالْبَدْءُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى وَأَسَدْ
وَأَصْلَحُ الْإِصْلَاحِ مِنْ مَتْنٍ وَرَدْ
…
(647) وَلْيَأْتِ فِي الْأَصْلِ بِمَا لَا يَكْثُرُ
كَابْنٍ وَحَرْفٍ حَيْثُ لَا يُغَيِّرُ
…
(648) وَالسَّقْطُ يَدْرِي أَنَّ مَنْ فَوْقَ أَتَى
بِهِ يُزَادُ بَعْدَ، يَعْنِي مُثْبِتَا
…
(649) وَصَحَّحُوا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ فِي
كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ
…
(650) صِحَّتَهُ مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ سَنَدْ
كَمَا إِذَا ثَبَّتَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ
…
(651) وَحَسَّنُوا الْبَيَانَ كَالْمُسْتَشْكِلِ
كِلْمَةً فِي أَصْلِهِ فَلْيَسْأَلِ
الْفَصْلُ السَّادِسُ: (إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ) : الْوَاقِعَيْنِ فِي الرِّوَايَةِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ، وَهِيَ مِنْ فُرُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاغْتِفَارُ اللَّحَقِ الْيَسِيرِ الَّذِي عُلِمَ سَهْوُ الْكَاتِبِ فِي حَذْفِهِ، وَكِتَابَةُ مَا دَرَسَ مِنْ كِتَابِهِ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
[الْخِلَافُ فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ وَإِبْقَاءَهُ] :
(وَإِنْ أَتَى فِي الْأَصْلِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، (لَحْنٌ) فِي الْإِعْرَابِ، (أَوْ خَطَا) مِنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِصْلَاحِهِ، (فَقِيلَ) : إِنَّهُ (يُرْوَى كَيْفَ) يَعْنِي: كَمَا (جَاءَ) اللَّفْظُ بِلَحْنِهِ أَوْ خَطَئِهِ، حَالَ كَوْنِهِ (غَلَطَا) ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِإِصْلَاحٍ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، كَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، فَقَدَ رُوِّينَا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حُرُوفٍ، يَعْنِي: يَحْكُونَ أَلْفَاظَ شُيُوخِهِمْ حَتَّى فِي اللَّحْنِ.
وَكَذَا كَانَ أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ يَلْحَنُ اقْتِفَاءً لِمَا سَمِعَ، وَأَبَى نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنْ يَلْحَنَ كَمَا سَمِعَ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَعَنْ آخَرِينَ مِثْلَهُ، لَكِنْ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ لَحْنٌ.
قَالَ زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ عَقِبَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ بِلَفْظِ (أَتَرْوُنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟
لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ) : أَمَا إِنَّهَا لَحْنٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا حَدَّثَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا.
رُوِّينَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، وَنَحْوُهُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهَذَا غُلُوٌّ فِي مَذْهَبِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ وَالْمَنْعِ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّهُمْ - كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ فِي (جَامِعِهِ) - يَرَوْنَ اتِّبَاعَ اللَّفْظِ وَاجِبًا. وَقِيلَ - وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي (الِاقْتِرَاحِ) : إِنَّهُ يَتْرُكُ رِوَايَتَهُ إِيَّاهُ عَنْ ذَاكَ الشَّيْخِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ إِنْ تَبِعَهُ فِيهِ، فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، وَإِنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الصَّوَابِ فَهْوَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ كَذَلِكَ. وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ لَكِنَّهُ أَبْهَمَ قَائِلَهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْعِزِّ، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَاسَهُ غَيْرُهُ عَلَى إِذَا مَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ; فَإِنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ الْفَاسِدَ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَا الصَّحِيحَ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ.
[الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ] :
(وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ) وَالْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي (جَامِعِهِ) ، وَمِنْهُمْ هَمَّامٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ
عُيَيْنَةَ، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سَأَحْكِيهِ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ، وَصَوَّبَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ (يُصْلِحُ) فَيُغَيِّرُ (وَيَقْرَأُ الصَّوَابَ) مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَعْرِبُوا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَرَبًا.
وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِإِصْلَاحِ اللَّحْنِ فِي الْحَدِيثِ. وَمِمَّنْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ الشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَيْثُ سُئِلُوا عَنِ الرَّجُلِ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَيَلْحَنُ ; أَيَرْوِيهِ السَّامِعُ لَهُ كَذَلِكَ أَمْ يُعْرِبُهُ؟ فَقَالُوا: بَلْ يُعْرِبُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي كِتَابِ (الْإِعْرَابِ) لَهُ.
وَعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَلْحَنْ، فَقَوِّمُوهُ. وَرُوِّينَا فِي " جُزْءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْخِرَقِيِّ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ لَحْنٌ، نُقَوِّمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْقَوْمُ لَمْ يَكُونُوا يَلْحَنُونَ، اللَّحْنُ مِنَّا. وَعَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ مَعِينٍ: مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُقَوِّمُ لِلرَّجُلِ حَدِيثَهُ، يَعْنِي يَنْزِعُ مِنْهُ اللَّحْنَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ يُقَوِّمُ كُلَّ لَحْنٍ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ إِصْلَاحَ اللَّحْنِ جَائِزٌ.
وَقَالَ فِي (الْجَامِعِ) : إِنَّ الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ عَلَى الصَّوَابِ، وَتَرْكُ اللَّحْنِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سُمِعَ مَلْحُونًا ; لِأَنَّ مِنَ اللَّحْنِ مَا يُحِيلُ الْأَحْكَامَ، وَيُصَيِّرُ الْحَرَامَ حَلَالًا، وَالْحَلَالَ حَرَامًا، فَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ السَّمَاعِ فِيمَا هَذِهِ سَبِيلُهُ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى وَغَيْرِهِ.
(وَهُوَ) أَيِ الْإِصْلَاحُ (الْأَرْجَحُ فِي اللَّحْنِ) الَّذِي (لَا يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ) وَفِي أَمْثَالِهِ، أَمَّا الَّذِي يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ فَيُصْلَحُ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ جَزْمًا. وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى: لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ لَهُ اتِّفَاقًا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ: مَا زَالَ الْقَلَمُ فِي يَدِ أَبِي حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَتَصَرَّفِ الشَّيْءُ فِي مَعْنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْلَحَ. أَوْ كَمَا قَالَ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنَيِّرِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ: (نَضَّرَ اللَّهُ) : ( «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ) . يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى عَدَمِ تَقْلِيدِ الرَّاوِي فِي كُلِّ مَا يَجِيءُ بِهِ.
وَكَذَا احْتَجَّ لَهُ ابْنُ فَارِسٍ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ: (فَبَلَّغَهَا كَمَا سَمِعَ) لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ: كَمَا سَمِعَ مِنْ صِحَّةِ الْمَعْنَى وَاسْتِقَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا رُوِّينَا فِي (جَامِعِ الْخَطِيبِ) : إِذَا كَتَبَ لَحَّانٌ، وَعَنِ اللَّحَّانِ آخَرُ مِثْلُهُ.
وَعَنِ الثَّانِي ثَالِثٌ مِثْلُهُ صَارَ الْحَدِيثُ بِالْفَارِسِيَّةِ. وَنَحْوُهُ مَا قِيلَ فِي تَرْكِ الْمُقَابَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْقَوْلُ بِهِ، أَيْ بِالرِّوَايَةِ عَلَى الصَّوَابِ مَعَ الْإِصْلَاحِ، لَازِمٌ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ فِي تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى. فَقَوْلُهُ: لَازِمٌ. يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ التَّغْيِيرُ فِي صَوَابِ اللَّفْظِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجِبَ فِي خَطَئِهِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ إِلْزَامِهِمُ الْقَوْلَ بِهِ لِكَوْنِهِ هُنَا آكَدُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْخَطِيبُ بِالْجَوَازِ فَقَالَ: وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُذْكَرَ الْخَطَأُ الْحَاصِلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ مُتَيَقَّنًا، بَلْ يُرْوَى عَلَى الصَّوَابِ.
بَلْ كَلَامُهُ فِي (الْكِفَايَةِ) قَدْ يُشِيرُ إِلَى الِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ اللَّحْنُ يُحِيلُ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ يُحَرِّفُونَ الْكَلَامَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيُزِيلُونَ الْخِطَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ أَخَذَ عَمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ أَنْ يَحْكِيَ لَفْظَهُ إِذَا عَرَفَ وَجْهَ
الصَّوَابِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَعْرُوفًا، وَلَفْظُ الْعَرَبِ بِهِ ظَاهِرًا مَعْلُومًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَدِّثَ لَوْ قَالَ: لَا يَؤُمُّ الْمُسَافِرَ الْمُقِيمُ. بِنَصْبِ الْمُسَافِرِ وَرَفْعِ الْمُقِيمِ، كَانَ قَدْ أَحَالَ الْمَعْنَى؟ فَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ لَفْظِهِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ: كَانَ إِذَا مَرَّ بِأَبِي لَحْنٌ فَاحِشٌ غَيَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْلًا تَرَكَهُ وَقَالَ: كَذَا قَالَ الشَّيْخُ.
وَكَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَى الْخَطَأِ فِيهِ، إِمَّا بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ لِلِسَانِ الْعَرَبِ، أَوْ بِوُضُوحِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَزْمٍ فِي (الْإِحْكَامِ) لَهُ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْوَاقِعَ فِي الرِّوَايَةِ إِنْ كَانَ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ حَرُمَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ مَلْحُونًا، لِتَيَقُّنِنَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَلْحَنْ قَطُّ، وَإِنَّ جَازَ وَلَوْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ أَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ.
وَنَحْوُهُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَسَوِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ: إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ قُرِئَ عَلَى الصَّوَابِ وَأُصْلِحَ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ، فَلَا ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِلُغَتِهِمْ. يَعْنِي كَقَوْلِهِ عَلَى لُغَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ فِي قَلْبِ اللَّامِ مِيمًا:( «لَيْسَ مِنَ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ» ) .
وَمِنْ ثَمَّ أَشَارَ ابْنُ فَارِسٍ إِلَى التَّرَوِّي فِي الْحُكْمِ عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْخَطَأِ، وَالْبَحْثِ الشَّدِيدِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ وَاسِعَةٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ كَثِيرًا مَا نَرَى مَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَطَأً، وَرُبَّمَا غَيَّرُوهُ، صَوَابًا ذَا وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ خَفِيَ وَاسْتُغْرِبَ، لَا سِيَّمَا فِيمَا يَعُدُّونَهُ خَطَأً مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ لُغَاتِ الْعَرَبِ
وَتَشَعُّبِهَا، هَذَا أَبُو الْوَلِيدِ الْوَقْشِيُّ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي اللُّغَةِ وَكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ وَافْتِنَانِهِ وَثُقُوبِ فَهْمِهِ وَحِدَّةِ ذِهْنِهِ، كَانَ يُبَادِرُ إِلَى الْإِصْلَاحِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الصَّوَابَ فِيمَا كَانَ فِي الرِّوَايَةِ، كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّمْرِيضِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةٌ، وَلِأَهْلِ الْحَدِيثِ لُغَةٌ، وَلُغَةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَقْيَسُ، وَلَا نَجِدُ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِ لُغَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ السَّمَاعِ.
وَرُئِيَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْمَنَامِ وَكَأَنَّهُ قَدْ مَرَّ مِنْ شَفَتِهِ أَوْ لِسَانِهِ شَيْءٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لَفْظَةٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيَّرْتُهَا بِرَأْيِي، فَفُعِلَ بِي هَذَا.
[كَيْفِيَّةُ إِصْلَاحِ اللَّحْنِ أَوِ الْخَطَأِ] :
وَلِذَا كُلِّهِ (صَوَّبُوا) أَيْ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ (الْإِبْقَاءَ) لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَتَقْرِيرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ حَتَّى إِنَّهُمْ سَلَكُوهُ فِي أَحْرُفٍ مِنَ الْقُرْآنِ جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ مَا فِي التِّلَاوَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، بِحَيْثُ لَمْ يُقْرَأْ بِهَا فِي الشَّوَاذِّ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، كَمَا وَقَعَ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وَ (الْمُوَطَّأِ) وَغَيْرِهَا. كُلُّ ذَلِكَ (مَعْ تَضْبِيبِهِ) أَيِ اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنَ الْعَارِفِ مِنْهُمْ بِالْعَلَامَةِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى خَلَلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، (وَيَذْكُرُ) مَعَ ذَلِكَ (الصَّوَابَ) الَّذِي ظَهَرَ (جَانِبًا) ، أَيْ بِجَانِبِ اللَّفْظِ الْمُخْتَلِّ مِنْ هَامِشِ الْكِتَابِ.
(كَذَا عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ) حَالَ كَوْنِهِ (نَقْلًا) لِعِيَاضٍ عَنْهُمْ (أُخِذَا) مِمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ أَيْضًا عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانِ رَاوِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَلَى مَا سَمِعَهُ لَحْنًا، وَيَكْتُبُ عَلَى حَاشِيَةِ كِتَابِهِ: كَذَا قَالَ، يَعْنِي الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ، وَالصَّوَابُ كَذَا. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا
الْبَابِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمَيَّانِشِيِّ: صَوَّبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا، وَأَنَا أَسْتَحْسِنُهُ، وَبِهِ آخُذُ. وَأَشَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ إِلَى أَنَّهُ أَبْقَى لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنْفَى لِلْمَفْسَدَةِ. يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَنَفْيِ التَّسْوِيدِ عَنِ الْكِتَابِ أَنْ لَوْ وُجِدَ لَهُ وَجْهٌ، حَيْثُ تُجْعَلُ الضَّبَّةُ تَصْحِيحًا.
كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ، قَالَ: وَالْأَوْلَى سَدُّ بَابِ التَّغْيِيرِ وَالْإِصْلَاحِ لِئَلَّا يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ، وَهُوَ أَسْلَمُ مَعَ التَّبْيِينِ، فَيَذْكُرُ ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ كَمَا وَقَعَ، ثُمَّ يَذْكُرُ وَجْهَ صَوَابِهِ، إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ. وَمِمَّنْ فَعَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَيْثُ أَدَّى كَمَا سَمِعَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّوَابَ كَذَا.
وَصَرَّحَ الْخَطِيبُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي (الْكِفَايَةِ) : إِنَّ الْوَاجِبَ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا حُمِلَ مِنْ خَطَأٍ وَتَصْحِيفٍ، ثُمَّ بَيَانُ صَوَابِهِ. (وَالْبَدْءُ بِ) قِرَاءَةِ (الصَّوَابِ) أَوَّلًا، ثُمَّ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ، بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا: وَقَعَ عِنْدَ شَيْخِنَا، أَوْ فِي رِوَايَتِنَا، أَوْ مِنْ طَرِيقِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، (أَوْلَى) مِنَ الْأَوَّلِ الَّذِي ابْتُدِئَ فِيهِ بِالْخَطَأِ تَبَعًا لِلرِّوَايَةِ، (وَأَسَدّ) بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَقْوَمُ، كَيْلَا يُتَقَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، (وَأَصْلَحُ الْإِصْلَاحِ) أَنْ يَكُونَ مَا يُصْلَحُ بِهِ ذَلِكَ الْفَاسِدُ مَأْخُوذًا (مِنْ مَتْنٍ) آخَرَ (وَرَدْ) مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ فَضْلًا عَنْهَا ; لِأَنَّهُ بِذَلِكَ آمَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَقَوَّلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا أَنَّ خَيْرَ مَا يُفَسَّرُ بِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ.
[طَرِيقَةُ إِصْلَاحِ اللَّحْنِ الْيَسِيرِ] :
هَذَا كُلُّهُ فِي الْخَطَأِ النَّاشِئِ عَنِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ، وَأَمَّا النَّاشِئُ عَنْ سَقْطٍ خَفِيفٍ (فَلْيَأْتِ فِي الْأَصْلِ) وَنَحْوِهِ رِوَايَةً
وَإِلْحَاقًا، (بِمَا لَا يَكْثُرُ) مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْوَاقِفِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَيْهِ، (كَابْنٍ) مِنْ مِثْلِ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَ " أَبِي " فِي الْكُنْيَةِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنَ الْكِتَابِ فَقَطْ لَا مِنْ شَيْخِهِ، (وَ) كَـ (حَرْفٍ حَيْثُ لَا يُغَيِّرُ) إِسْقَاطُهُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا كُلِّهِ لَا بَأْسَ بِرِوَايَتِهِ.
(وَ) إِلْحَاقِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى سُقُوطِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَنِ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي حَجَّاجٌ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ; يَجُوزُ لِي أَنْ أُصْلِحَهُ ابْنَ جُرَيْجٍ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ.
وَسَأَلَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَيَسْقُطُ مِنْ كِتَابِهِ الْحَرْفُ مِثْلُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَيُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُصْلِحَهُ. وَنَحْوُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُزَادُ فِيهِ الْوَاوُ وَالْأَلِفُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا.
وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي قَالَ: كَانَ جَدِّي لَا يَرَى بِإِصْلَاحِ الْغَلَطِ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي غَلَطِهِ بَأْسًا. وَرُبَّمَا نَبَّهَ فَاعِلَهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّقِيقِيُّ بِحَدِيثٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، وَقَالَ: كَذَا فِي كِتَابِي، وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ لَهُ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ: عَنْ بُحَيْنَةَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: إِنَّمَا هُوَ ابْنُ بُحَيْنَةَ، وَلَكِنَّهُ كَذَا قَالَ.
(وَالسَّقْطُ) أَيِ: السَّاقِطُ مِمَّا (يَدْرِي أَنَّ مِنْ فَوْقُ) بِضَمِّ آخِرِهِ مِنَ الرُّوَاةِ (أَتَى بِهِ يُزَادُ) أَيْضًا فِي الْأَصْلِ لَكِنْ (بَعْدَ) لَفْظِ (يَعْنِي) حَالَ كَوْنِهِ لَهَا (مُثْبِتَا) فَقَدْ فَعَلَهُ الْخَطِيبُ، إِذْ رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ (كَانَ صلى الله عليه وسلم يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ) .
عَنْ أَبِي عُمَرَ
بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمَحَامِلِيِّ، بِسَنَدِهِ إِلَى عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، فَقَالَ: يَعْنِي عَنْ عَائِشَةَ.
وَنَبَّهَ عَقِبَهُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ شَيْخِهِ مَعَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ، وَأَنَّهُ لِكَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، مَعَ اسْتِحَالَةِ كَوْنِ عَمْرَةَ صَحَابِيَّةً، أَلْحَقَهُ، وَلَكِنْ لِكَوْنِ شَيْخِهِ لَمْ يَقُلْهُ لَهُ زَادَ " يَعْنِي " اقْتِدَاءً بِشُيُوخِهِ، فَقَدْ رَأَى غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَعَلَهُ فِي مِثْلِهِ. بَلْ قَالَ وَكِيعٌ: أَنَا أَسْتَعِينُ فِي الْحَدِيثِ بِـ " يَعْنِي ". وَصَنِيعُ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَكَذَا أَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّقِيقِيُّ فِي الْبَيَانِ حَسَنٌ.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَإِنْ كَانَ الْإِصْلَاحُ بِالزِّيَادَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنًى مُغَايِرٍ لِمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، تَأَكَّدَ فِيهِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ يَذْكُرُ مَا فِي الْأَصْلِ مَقْرُونًا بِالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا سَقَطَ لِيَسْلَمَ مِنْ مَعَرَّةِ الْخَطَأِ، وَمِنْ أَنْ يَقُولَ عَلَى شَيْخِهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيمَا إِذَا سَقَطَ مِنْ كِتَابِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا أَسْلَفْتُهُ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَضَبْطِهِ.
[كَيْفَ يَسْتَدْرِكُ مَا دَرَسَ فِي الْكِتَابِ؟] :
(وَ) كَذَا (صَحَّحُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحَدِيثِ، (اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ فِي كِتَابِهِ) بِتَقْطِيعٍ أَوْ بَلَلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، (مِنْ) كِتَابٍ آخَرَ (غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ) الْمُسْتَدْرِكُ (صِحَّتَهُ) أَيْ ذَاكَ الْكِتَابِ، بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ ثِقَةً مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنْ شَيْخِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بِحَيْثُ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّاقِطُ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَدْ فَعَلَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ، إِذَا كَانَ السَّاقِطُ (مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ) بَعْضِ (سَنَدْ) كَمَا قَيَّدَهُ الْخَطِيبُ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَكَذَا وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ حَيْثُ اتَّحَدَ الطَّرِيقُ فِي الْمَرْوِيِّ، وَلَمْ تَتَنَوَّعِ الْمَرْوِيَّاتُ، بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالرِّوَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ.
وَامْتَنَعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَاسِيٍّ مِنْ مُطْلَقِ الِاسْتِدْرَاكِ، فَإِنَّهُ احْتَرَقَتْ بَعْضُ كُتُبِهِ، وَأَكَلَتِ النَّارُ بَعْضَ حَوَاشِيهَا، وَوَجَدَ نُسَخًا مِنْهَا فَلَمْ يَرَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ الْمُحْتَرِقَ مِنْهَا.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَاسْتِدْرَاكُ مِثْلِ هَذَا عِنْدِي جَائِزٌ. يَعْنِي بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ. (كَمَا) يَجُوزُ فِيمَا (إِذَا) شَكَّ الرَّاوِي فِي شَيْءٍ، وَ (ثَبَّتَهُ) فِيهِ (مَنْ يُعْتَمَدْ) عَلَيْهِ ثِقَةً وَضَبْطًا، مِنْ حِفْظِهِ أَوْ كِتَابِهِ، أَوْ أَخَذَهُ هُوَ مِنْ كِتَابِهِ، حَسْبَمَا فَعَلَهُ عَاصِمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، إِذْ لَا فَرْقَ، (وَحَسَّنُوا) فِيهِمَا (الْبَيَانَ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي الْأَوْلَى، وَحَكَاهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَإِنَّهُ قَالَ: أَنَا عَاصِمٌ، وَثَبَّتَنِي فِيهِ شُعْبَةُ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، وَثَبَّتَنِي فِيهِ مَعْمَرٌ. وَمِمَّنْ فَعَلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا فُلَيْحٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَاخْتُلِفَ: هَلْ أَحْمَدُ رَفِيقُ أَبِي الرَّبِيعِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ فُلَيْحٍ، وَيَكُونُ الْبُخَارِيُّ حَمَلَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ رَفِيقُ الْبُخَارِيِّ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ؟ وَلَكِنْ لَسْنَا بِصَدَدِ بَيَانِهِ هُنَا.
وَفِي بَابِ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ قُبَيْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ مِنْ (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ) أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ، يَعْنِي أَخَاهُ، عَنْ أَبِيهِ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
زَيْدٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي - هُوَ زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِي أَبَاهُ -: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ» ؟)، وَفِي بَابِ قَوْلِهِ:{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] مِنَ الْأَدَبِ أَوْرَدَ حَدِيثًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، لَكِنَّهُ عَكَسَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ أَحْمَدُ: فَهِمْتُ إِسْنَادَهُ مِنَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَفْهَمَنِي الْحَدِيثَ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، أَرَاهُ ابْنَ أَخِيهِ.
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ. قَالَ شَيْخُنَا: فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ابْنَ يُونُسَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي بَابِ (قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ) مِنَ الِاسْتِئْذَانِ سَاقَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَصَارَ يَرْوِي هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ سَمِعَهَا، لَكِنْ لَمْ يَفْقَهْهَا.
وَفِي (الْبُخَارِيِّ) أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ الْأَحْكَامِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا) فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: (كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ) .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ: ( «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً» ) قَالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا، فَقَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً، وَفِي لَفْظٍ: كَلَامًا لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَهْ، مَا قَالَ؟ فَذَكَرَهُ.
وَأَصْلُهُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ: (فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا) .
وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُبَيٍّ فِي أُنَاسٍ، فَأَثْبَتُوا لِيَ الْحَدِيثَ.
عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِدُونِ بَيَانٍ، وَلَكِنَّ هَذَا أَرْجَحُ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ كَثِيرٍ نَحْوَهُ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ فِي الصَّرْفِ بِلَفْظِ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ. أَوْ قَالَ: جَارِيَتِي. ثُمَّ قَالَ: أَنَا شَكَكْتُ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ عَلَى مَالِكٍ صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ، ثُمَّ طَالَ عَلَيَّ الزَّمَانُ وَلَمْ أَحْفَظْ حِفْظًا، فَشَكَكْتُ فِي جَارِيَتِي أَوْ خَازِنِي، وَغَيْرِي يَقُولُ عَنْهُ: خَازِنِي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ مِنَ الْفُرُوعِ التَّالِيَةِ لِثَانِي أَقْسَامٍ التَّحَمُّلِ، وَهَذَا الْفَرْعُ مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الرِّوَايَةُ مَعَ الشَّهَادَةِ، وَإِنِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] فَإِنْ بَيَّنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَنْ ثَبَّتَهُ فَلَا بَأْسَ، كَمَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي (سُنَنِهِ) عَقِبَ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيِّ فَقَالَ: ثَبَّتَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
(وَكَ) مَسْأَلَةِ (الْمُسْتَشْكِلِ كِلْمَةً) مِنْ غَرِيبِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا ; لِكَوْنِهِ وَجَدَهَا (فِي أَصْلِهِ) غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ، (فَلْيَسْأَلِ) أَيْ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَسْأَلُ عَنْهَا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهَا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ، وَلْيَرْوِهَا عَلَى مَا يُخْبَرُ بِهِ، وَقَدْ أَمَرَ أَحْمَدُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَرْفٍ فَقَالَ: سَلُوا عَنْهُ أَصْحَابِ الْغَرِيبِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّنِّ. وَسَيَأْتِي فِي الْغَرِيبِ.
وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي ذَلِكَ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَكْتُبُ الْحَرْفَ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يَدْرِي أَيُّ شَيْءٍ هُوَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ صَحِيحًا ; أَيُرِيهِ إِنْسَانًا فَيُخْبِرَهُ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ.
وَعَنْ أَبِي حَاتِمٍ سَهْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيِّ النَّحْوِيِّ قَالَ: كَانَ عَفَّانُ يَجِيءُ إِلَى الْأَخْفَشِ وَإِلَى أَصْحَابِ النَّحْوِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْحَدِيثَ يُعْرِبُهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَخْفَشُ: عَلَيْكَ بِهَذَا. يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فَكَانَ عَفَّانُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيئُنِي حَتَّى عَرَضَ عَلَيَّ حَدِيثًا كَثِيرًا.
وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي كُتُبَهُ إِذَا كَانَ فِيهَا لَحْنٌ لِمَنْ يُصَحِّحُهَا.
وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي الْحَدِيثَ فَاعْرِضُوهُ عَلَى أَصْحَابِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ أَحْكِمُوهُ. وَعَنِ ابْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا شَكَّ فِي الْكَلِمَةِ يَقُولُ: أَهَاهُنَا فُلَانٌ؟ كَيْفَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ.
وَسَمِعَ سَعِيدُ بْنُ شَيْبَانَ - وَكَانَ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ - ابْنَ عُيَيْنَةَ وَهُوَ يَقُولُ: " تَعْلَقُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ". بِفَتْحِ اللَّامِ، فَقَالَ لَهُ:" تَعْلُقُ " يَعْنِي بِضَمِّهَا مِنْ " عَلَقَ "، يَعْنِي بِفَتْحِ اللَّامِ، فَرَجَعَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إِلَيْهِ.
وَسَمِعَ الْأَصْمَعِيُّ شُعْبَةَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ يَقُولُ: " فَيَسْمَعُونَ جَرَشَ طَيْرِ الْجَنَّةِ " قَالَهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ،.
فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِيُّ: جَرَسَ. يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ.
فَقَالَ شُعْبَةُ: خُذُوهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَّا.
وَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَافِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ أَبَا الْقَاسِمِ الدَّارَكِيَّ أَحَدَ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا يَقُولُ فِي تَدْرِيسِهِ: إِذَا أَزِفَتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ.
فَسَأَلَ عَنْهَا ابْنَ جِنِّيٍّ النَّحْوِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهَا، فَسَأَلَ الْمُعَافَى بْنَ زَكَرِيَّا فَقَالَ: أُرِفَّتْ، يَعْنِي بِالرَّاءِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْأُرَفُ الْمَعَالِمُ، يُرِيدُ إِذَا ثَبَتَتِ الْحُدُودُ وَعُيِّنَتِ الْمَعَالِمُ وَمُيِّزَتْ فَلَا شُفْعَةَ.
إِذَا عُلِمَ هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِثْبَاتَ مِنْ غَيْرِهِ عَنْ شَيْءٍ عَرَضَ لَهُ فِيهِ شَكٌّ، فَلَا يَذْكُرَ