المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[علو الصفة قليل الجدوى] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ٣

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْمُكَاتَبَةُ]

- ‌[إِعْلَامُ الشَّيْخِ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابِ]

- ‌[الْوِجَادَةُ]

- ‌[كِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ]

- ‌[حُكْمُ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَأَدِلَّتُهَا]

- ‌[حُكْمُ ضَبْطِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[حُكْمُ دِقَّةِ الْخَطِّ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ ضَبْطِ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَة]

- ‌[رُمُوزُ الْكُتَّابِ وَحُكْمَهَا]

- ‌[الْحَثُّ عَلَى كِتْبَةِ ثَنَاءَ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ]

- ‌[الْمُقَابَلَةُ]

- ‌[تَخْرِيجُ السَّاقِطِ]

- ‌[التَّصْحِيحُ وَالتَّمْرِيضُ]

- ‌[الْكَشْطُ وَالْمَحْوُ وَالضَّرْبُ]

- ‌[الْعَمَلُ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ]

- ‌[الْإِشَارَةُ بِالرَّمْزِ]

- ‌[رَمْزُ قَالَ وَحَذْفُهَا]

- ‌[وَضْعُ " حَ " بَيْنَ الْأَسَانِيدِ وَمَعْنَاهَا]

- ‌[كِتَابَةُ التَّسْمِيعِ]

- ‌[صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَأَدَائِهِ]

- ‌[جَوَازُ الرِّوَايَةِ مِنَ الْكُتُبِ الْمَصُونَةِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ مِنَ الْأَصْلِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى]

- ‌[الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ]

- ‌[التَّسْمِيعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ]

- ‌[إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ]

- ‌[اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ]

- ‌[الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الشَّيْخِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إِسْنَادُهَا وَاحِدٌ]

- ‌[تَقْدِيمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ]

- ‌[إِذَا قَالَ الشَّيْخُ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ]

- ‌[إِبْدَالُ الرَّسُولِ بِالنَّبِيِّ وَعَكْسُهُ]

- ‌[السَّمَاعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْوَهْنِ أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ]

- ‌[آدَابُ الْمُحَدِّثِ]

- ‌[وُجُوبُ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ وَتَصْحِيحِهَا عِنْدَ التَّحْدِيثِ]

- ‌[اسْتِحْبَابُ عَقْدِ مَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ]

- ‌[آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[تَصْحِيحُ النِّيَّةِ وَتَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِهِ]

- ‌[الْعَالِي وَالنَّازِلُ]

- ‌[الْإِسْنَادُ خَصِّيصَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[الْمُوَافَقَةُ وَالْبَدَلُ]

- ‌[عُلُوُّ الصِّفَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى]

- ‌[عُلُوُّ الْإِسْنَادِ بِقِدَمِ السَّمَاعِ]

الفصل: ‌[علو الصفة قليل الجدوى]

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي جَمْعَةٍ لِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى خَيَّاطِ السُّنَّةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْثَرَ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ.

فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْعَدَدِ، كَأَنَّ شَيْخَتَنَا لَقِيَتِ النَّسَائِيَّ وَصَافَحَتْهُ، وَرَوَتْ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَكِنْ قَدْ نَازَعَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي التَّمْثِيلِ بِمَا الصَّحَابِيُّ فِيهِ مُخْتَلِفٌ فِي الطَّرِيقَيْنِ كَمَا وَقَعَ هُنَا، وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ، وَقَالَ: بَلِ التَّنْزِيلُ إِلَى التَّابِعِ وَالصَّاحِبِ سَوَاءٌ ; إِذِ الْمَقْصُودُ إِنَّمَا هُوَ الْغَايَةُ الْعُظْمَى، وَهُوَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا التَّنْزِيلِ، يَعْنِي كَذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مُعْجَمِ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ، وَعَمِلَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ عِنْدَ الْمَشَارِقَةِ مَعْرُوفَةٌ، مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ مَنْ أَنْكَرَهَا. انْتَهَى.

وَسَمَّاهُ تَنْزِيلًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْزِيلِ رَاوٍ مَكَانَ آخَرَ، وَكَذَا سَمَّاهُ عَصْرِيُّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ، وَجَعَلَهُ قِسْمًا مُسْتَقِلًا، فَقَالَ: وَعُلُوُّ التَّنْزِيلِ وَهُوَ الَّذِي يُولَعُونَ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ أَنْفُسٍ، وَيَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةٌ مَثَلًا، فَيَنْزِلُ هَذَا الْمُصَنِّفِ مَنْزِلَةَ شَيْخِ شَيْخِنَا.

[عُلُوُّ الصِّفَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى]

(744)

ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ

أَمَّا الْعُلُوُّ لَا مَعَ الْتِفَاتِ.

ص: 351

(745)

لِآخَرٍ فَقِيلَ لِلْخَمْسِينَا

أَوِ الثَّلَاثِينَ مَضَتْ سِنِينَا.

[عُلُوُّ الصِّفَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى] :

(ثُمَّ) حَيْثُ انْقَضَتِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ عُلُوُّ الْمَسَافَةِ، فَلْنَشْرَعْ فِي عُلُوِّ الصِّفَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ بِالْعُلُوِّ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْمَغَارِبَةِ: بَابٌ مُتَّسِعٌ، وَمَدَارُهُ عَلَى وُجُودِ الْمُرَجِّحَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ فِي أَنْ يُصَحِّحَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُصَحِّحُ الْآخَرُ ; إِذْ قُطْبُ دَائِرَتِهِ الظَّنُّ، وَأَهَمُّهُ مَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ الرَّاوِي، كَأَنْ يَكُونَ أَفْقَهَ، أَوْ أَحْفَظَ، أَوْ أَتْقَنَ، أَوْ أَضَبَطَ، أَوْ أَكْثَرَ مُجَالَسَةً لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، أَوْ أَقْدَمَ سَمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ وَفَاةً، قَالَ: وَعُلُوُّ الصِّفَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِالْأَنْدَلُسِ أَرْجَحُ مِنْ عُلُوِّ الْمَسَافَةِ خِلَافًا لِلْمَشَارِقَةِ، يَعْنِي الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: إِنَّهُ نَوْعٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْفُنُونِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ شَيْخِنَا: وَقَدْ عَظُمَتْ رَغْبَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ، حَتَّى غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ، بِحَيْثُ أَهْمَلُوا الِاشْتِغَالَ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ.

وَسَبَقَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: وَقَدْ عَظُمَتْ رَغْبَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي طَلَبِ الْعُلُوِّ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِخَلَلٍ كَثِيرٍ فِي الصَّنْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْإِعْرَاضُ عَمَّنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ بِتَمْيِيزِهِ إِلَى مَنْ أَجْلَسَ صَغِيرًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَلَا ضَبْطَ، وَلَا فَهْمَ ; طَلَبًا لِلْعُلُوِّ وَتَقَدُّمِ السَّمَاعِ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُوَافَقَاتِ وَمَا مَعَهَا: وَقَدْ كَثُرَ اعْتِنَاءُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَذَا النَّوْعِ، يَعْنِي مُفَرَّقًا وَمَجْمُوعًا عَلَى حِدَةٍ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَسَاكِرَ، قَالَ: وَمِمَّنْ وَجَدْتُهُ فِي كَلَامِهِ الْخَطِيبُ وَبَعْضُ شُيُوخِهِ وَابْنُ مَاكُولَا وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَبَقَتِهِمْ، وَمِمَّنْ جَاءَ بُعْدَهُمْ.

[عُلُوُّ الْإِسْنَادِ بِقِدَمِ الْوَفَاةِ] :

فَأَوَّلُ أَقْسَامِ عُلُوِّ الصِّفَةِ، وَهُوَ الرَّابِعُ:(عُلُوُّ) الْإِسْنَادِ بِسَبَبِ (قِدَمِ الْوَفَاةِ) فِي أَحَدِ رُوَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِرَاوٍ آخَرَ مُتَأَخِّرِ الْوَفَاةِ عَنْهُ اشْتَرَكَ مَعَهُ

ص: 352

فِي الرِّوَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ بِعَيْنِهِ، فَسَمَاعُنَا مَثَلًا لِلْبُخَارِيِّ مِمَّنْ رَوَاهُ لَنَا عَنِ الْبَهَاءِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيِّ وَالتَّقِيِّ ابْنِ حَاتِمٍ أَوِ النَّجْمِ بْنِ رَزِينٍ أَوِ الصَّلَاحِ الزِّفْتَاوِيِّ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِمْ أَعْلَى مِنْهُ مِمَّنْ رَوَاهُ لَنَا عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ ابْنِ عَبْدِ الْهَادِي، وَإِنِ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي رِوَايَتِهِمْ لَهُ عَنِ الْحَجَّارِ ; لِتَأَخُّرِ وَفَاةِ عَائِشَةَ عَنِ الْجَمِيعِ.

وَكَذَا سَمَاعُنَا لِمُسْلِمٍ مِمَّنْ رَوَاهُ لَنَا عَنِ التَّقِيِّ ابْنِ حَاتِمٍ أَوِ النَّجْمِ الْبَالِسِيِّ أَوِ التَّقِيِّ الدُّجْوِيِّ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِمْ أَعْلَى مِنْهُ مِمَّنْ رَوَاهُ لَنَا عَنِ الشَّرَفِ ابْنِ الْكُوَيْكِ، وَإِنِ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي رِوَايَتِهِمْ لَهُ عَنِ الزَّيْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي ; لِتَأَخُّرِ وَفَاةِ ابْنِ الْكُوَيْكِ عَنِ الْجَمِيعِ.

وَمَثَّلَ لَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ شَيْخٍ عَنْ آخَرَ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ الْحَاكِمِ أَعْلَى مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ شَيْخٍ عَنْ آخَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَفٍ عَنِ الْحَاكِمِ، وَإِنْ تَسَاوَى الْإِسْنَادَانِ فِي الْعَدَدِ ; لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الْبَيْهَقِيِّ

ص: 353

عَلَى ابْنِ خَلَفٍ، فَالْبَيْهَقِيُّ مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ (458 هـ) ، وَالْآخَرُ مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ (487 هـ) .

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقِسْمِ فِي الْعُلُوِّ أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلِيُّ فِي (الْإِرْشَادِ)، فَقَالَ: قَدْ يَكُونُ الْإِسْنَادُ يَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ بِتَقَدُّمِ مَوْتِ رَاوِيهِ، وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعَدَدِ.

وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ طَاهِرٍ فِي تَصْنِيفِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَمَثَّلَهُ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ ; لِحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى جَنْبِ خَشَبَةٍ» ; فَإِنَّهَا أَعْلَى مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْهُ ; لِأَنَّ وَفَاةَ الْحَسَنِ كَانَتْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، وَوَفَاةَ حُمَيْدٍ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.

قَالَ: فَلَا يَكُونُ الْإِسْنَادُ إِلَى الْحَسَنِ مِثْلَ الْإِسْنَادِ إِلَى حُمَيْدٍ، وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الرُّتْبَةِ، بَلِ الطَّرِيقُ إِلَى الْحَسَنِ أَعْلَى وَأَجَلُّ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الرَّاوِيَ لِهَذَا عَنِ الْحَسَنِ هُوَ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَالرَّاوِي لَهُ عَنْ حُمَيْدٍ هُوَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ.

قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ فِي طَبَقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا ; فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ حَدَّثَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُنَادِي، وَاسْمُهُ - عَلَى الْمُعْتَمَدِ - مُحَمَّدٌ لَا أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُبَيٍّ:( «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ» ) ، وَحَدَّثَ بِهِ بِعَيْنِهِ أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُنَادِي، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً.

فَالْبُخَارِيُّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتَأَخَّرَ شَيْخُهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ أَرْبَعَةَ عَشْرَةِ سَنَةً حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ السَّمَّاكِ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاةُ ابْنِ السَّمَّاكِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. فَهُمَا - وَإِنِ اجْتَمَعَا فِي الْمَنْزِلَةِ - فَقَدِ افْتَرَقَا

ص: 354

فِي الْجَلَالَةِ وَقِدَمِ السَّمَاعِ، فَلَا يَكُونُ الطَّرِيقُ إِلَى الْبُخَارِيِّ كَالطَّرِيقِ إِلَى ابْنِ السَّمَّاكِ.

وَمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ الْوَفَاةِ يَكُونُ حَدِيثُهُ أَعْلَى، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ سَمَاعُهُ أَوِ اقْتَرَنَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُتَأَخِّرِ يَنْدُرُ وُقُوعُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الَّذِي بَعْدَهُ ; لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ الْوَفَاةِ يَعِزُّ وُجُودُ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِالنَّظَرِ لِمُتَأَخِّرِهَا، فَيُرْغَبُ فِي تَحْصِيلِ مَرْوِيِّهِ لِذَلِكَ.

عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي الدَّمِ قَدْ نَازَعَ فِي أَصْلِ هَذَا الْقِسْمِ، وَقَالَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا رَوَى صَحَابِيَّانِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ، وَاتَّصَلَتْ سِلْسِلَةُ كُلِّ جَمَاعَةٍ بِمَنْ رَوَى عَنْهُ، وَتَسَاوَى الصَّحَابِيَّانِ مَعَ الْعَدَالَةِ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، وَتَسَاوَى الْإِسْنَادُ فِي الْعَدَدِ وَصِفَاتِ الرُّوَاةِ، إِلَّا أَنَّ أَحَدَ الصَّحَابِيَّيْنِ تُوُفِّيَ قَبْلَ الْآخَرِ، أَنَّ إِسْنَادَ مَنْ تَقَدَّمَتْ وَفَاتُهُ أَعْلَى مِنْ إِسْنَادِ مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ. قَالَ: وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا كَذَلِكَ، وَهُوَ لَازِمٌ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ أَيْضًا لَمْ يَرْتَضِهِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي (الِاقْتِرَاحِ) ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا فِي (تَوْضِيحِ النُّخْبَةِ) ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْعُلُوِّ الْمُبْتَنَى عَلَى تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ نِسْبَةِ شَيْخٍ إِلَى شَيْخٍ، وَقِيَاسِ رَاوٍ بِرَاوٍ.

[الِاخْتِلَافُ فِي حَدِّ تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ فِي الْعُلُوِّ] :

وَ (أَمَّا الْعُلُوُّ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ مُجَرَّدِ تَقَدُّمِ وَفَاةِ شَيْخِكَ (لَا مَعَ الْتِفَاتِ) نَظَرٍ (لِـ) شَيْخٍ (آخَرٍ) بِالصَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ ; فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ، (فَقِيلَ) يَكُونُ (لِلْخَمْسِينَا) مِنَ السِّنِينِ مَضَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْحَافِظِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَوْصَاءَ الدِّمِشْقِيِّ شَيْخِ الشَّامِ، وَكَانَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ، أَنَّهُ قَالَ: إِسْنَادُ خَمْسِينَ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ الشَّيْخِ إِسْنَادُ عُلُوٍّ. (أَوِ الثَّلَاثِينَ مَضَتْ سِنِينَا) ; أَيْ: مِنَ السِّنِينِ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: إِنَّهُ إِذَا مَرَّ عَلَى الْإِسْنَادِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَهُوَ عَالٍ.

ص: 355