المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قتل سلام بن أبي الحقيق: - فدائيون من عصر الرسول

[أحمد الجدع]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة

- ‌مدخل

- ‌بوادر لبشائر:

- ‌عهد الضياع:

- ‌هذا الكتاب:

- ‌شعارات الحرب عند المسلمين:

- ‌البشائر:

- ‌عبد الله بن أنيس

- ‌رحلة الحج:

- ‌الدخول في الإسلام:

- ‌الحرص على الخير:

- ‌قتل سلام بن أبي الحقيق:

- ‌اختيار زعيم جديد لليهود:

- ‌نهاية اليسير:

- ‌الخطر الجديد:

- ‌المعالجة الحكيمة:

- ‌قتل الزعيم:

- ‌أفلح الوجه:

- ‌المكافأة الكبرى:

- ‌فراق الحبيب:

- ‌بعد النبي:

- ‌لقاء الأحبة:

- ‌محمد بن مسلمة الأنصاري

- ‌صفات الرسول:

- ‌المؤاخاة:

- ‌حراسة المدينة:

- ‌موادعة اليهود:

- ‌محاولة اليهود اغتيال الرسول:

- ‌إجلاء بني النضير:

- ‌يهود تنقض العهد:

- ‌العدو الألد:

- ‌إلى خيبر:

- ‌هديه الرسول للمجاهد:

- ‌الفتنة والاعتزال:

- ‌عمرو بن أمية الضمري

- ‌الرجال الذؤبان:

- ‌فترة العداء:

- ‌أبو سفيان يحاول اغتيال الرسول:

- ‌قتل جاسوس لقريش وأسر آخر:

- ‌رسول إلى الحبشة:

- ‌في الشام ومصر:

- ‌العودة إلى المدينة:

- ‌الوليد بن الوليد المخزومي

- ‌قبائل قريش:

- ‌هشام وابن عمه عياش:

- ‌نجاة الوليد من الأسر:

- ‌عمير بن عدي الخطمي

- ‌إيمان الأنصار

- ‌‌‌ذو الشهادتين

- ‌ذو الشهادتين

- ‌تحطيم أصنام بني خطمة

- ‌معركة بدر تخرج أضغان المشركين

- ‌نصرت الله ورسوله يا عمير

- ‌دخول النور إلى قلوب بني خطمة

- ‌سالم بن عمير

- ‌مؤمنون وكافرون

- ‌سالم بن عمير يقتل أبا عفك

- ‌سالم المجاهد

الفصل: ‌قتل سلام بن أبي الحقيق:

الذي كان يؤوده حضورها ليلاً، خاصة في رمضان الخير، وقد أحب أن يكون حاضراً ليلة القدر من كل رمضان ما دام لا يستطيع أن يحضر كل لياليه، فأتى الرسول وقال له: يا رسول الله، إني شاسع الدار، فمرني بليلة أنزل لها.

فقال – عليه السلام –: انزل ليلة ثلاث وعشرين.

فكان عبد الله حريصاً على هذه الليلة، لا يفوته النزول لها، ولا يشغله عن ذلك شيء مهما بلغ، وكان يرى أنها ليلة القدر.

* *

‌قتل سلام بن أبي الحقيق:

وبدأ الصدام بين الدولة الإسلامية الناشئة وبين من وقفوا في وجهها، وجاهروها بالعداء، فكانت الوقائع مع قريش الكفر، وكانت الصدامات مع يهود، وكان عبد الله ابن أنيس حاضراً لهذه الأحداث، لا يغيب عنها، إلا ما كان من غيابه عن بدر لعذر عند رسول الله مقبول.

وكشر يهود عن انيابهم، وسلوا سيوفهم في وجه الاسلام وأهله، وبذلوا أموالهم – وهم أضن الناس بها – للقضاء على الإسلام في المدينة، وكان من أشد الناس عداوة لله ورسوله والمؤمنين، ملك يهود في خيبر أبو رافع سلام بن أبي الحقيق فهو قد حرّض اخوانه يهود بني النضير على قتل الرسول

ص: 31

غيلة، وقد استمعوا اليه، وحاولوا، ولكن الله منع رسوله ونجّاه، وكان سلام – على حرصه وشحه – يبذل ماله للأعراب يحرضهم على غزو المدينة وانتهابها، وكان على رأس الوفد الذي أتى مكة مخططاً لغزو المدينة، ثم كان مندوب الأحزاب إلى قبائل غطفان يحرضهم ويدُعُّهم (1) إلى حرب الإسلام ممنياً إياهم بالنصر والغنم الكبير.

وفي مجلس الرسول الكريم تذاكر المسلمون عداء سلام ابن أبي الحقيق لله ورسوله، ورأوا أنه لا يكف عن الكيد للإسلام والمسلمين حتى يكف قلبه عن الخفقان، وأن ما فعله بالمسلمين وما يكنه لهم من حسد وحقد جدير بأن ينفذ المسلمون به حكم الموت.

وكان هذا ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم فانتدب من أصحابه لهذه المهمة من يجيدها فاختار عبد الله بن عتيك (2) لرئاسة المجموعة الفدائية وذلك لأنه كان متقناً للغة يهود واختار معه جماعة من أجرأ الرجال من بينهم عبد الله بن أنيس.

اجتمعت هذه الجماعة ورتبت أموراه وأعدت خطتها ثم عرضتها على رسول الله فأقرها وزود الجماعة بتوجيهاته

(1) يدعهم: يدفعهم بقوة.

(2)

عبد الله بن عتيك الخزرجي الأنصاري، شهد أحداً وما بعدها، استشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر سنة 12 هـ.

ص: 32

وتوصياته، وأمرهم بالانطلاق على بركة الله.

وفي ليلة النصف من جمادى الآخرة سنة ست من هجرته صلى الله عليه وسلم انطلقت المجموعة إلى هدفها، وكانت حريصة على تنفيذ توصيات الرسول في كتمان أمرهم وتعمية خطتهم عن عدوهم. فكانوا يسيرون الليل ويكتمون النهار إلى أن وصلوا مشارف خيبر وأطلوا على حصونها المتعددة، فقصدوا واحداً منها هو بغيتهم ومقصدهم، حصن سلام ابن أبي الحقيق، عدو الله وعدو رسوله.

وكمنت الجماعة في مكان قريب من الحصن وقدمت ابن عتيك ليدبر لهم طريقاً إليه، وانطلق القائد إلى هدفه ومكنته إجادته للغة يهود من دخول الحصن وأخذ يتفقده ويتعرض على مداخله ومخارجه، ثم تلبث حول البوابة الرئيسية يراقب حارسها، ويعد عليه حركاته وسكناته متصنعاً الانشغال بأمور عديدة وعينه لا تفارق الحارس وبوابته لعله يهتدي لطريقة يفتح بها الباب لأصحابه إذا جنّ عليهم الليل.

وعلا صوت الحارس يستحث المتأخرين للدخول: لقد حان وقت اغلاق الحصن، سوف لن أفتح لأحد بعد أن أغلقه، ادخلوا سريعاً وإلا فسوف تنامون في العراء!

وأسرع المتأخرون بالدخول، وأسرح الحارس فأغلق

ص: 33

الباب. وانزوى عبد الله بن عتيك يراقبه، ها هو ذا يغلق الباب بالمفتاح الضخم وها هو ذا يعلقه في زاوية بجانب الحائط بعيدة عن الانظار. . وها هو ذا ينصرف إلى بيته، إنه موعد تناول العشاء، وسوف يعود بعدها إلى مكانه من الباب. . .

سارع ابن عتيك إلى المفتاح فانتزعه من مكانه، وبخفة أداره في قفل الباب، ثم شقه شقاً خفيفاً، وأرسل إشارته إلى صحبه فأسرعوا بالدخول وأسرع هو إلى الباب فأغلقه، وأعاد المفتاح إلى مكانه!

كانت الأصوات في الحصن تدل على أن أهله لا يزالون أيقاظاً، فاتخذ الفدائيون الصحابة ركناً من الحصن يتوارون فيه بانتظار رقدة القوم. ولبثوا في مكمنهم إلى منتصف الليل، ولما سكنت الأصوات واطمأنوا إلى هجعة القوم قاموا من مكمنهم وتقدموا إلى هدفهم، أبي رافع سلام ابن أبي الحقيق الذي يرقد في القصر الذي يقابلهم.

كانت غرفته في علية بالقصر، يصعد إليها بدرج متعرج يمر على غرف متعددة. فحرص الفدائيون على أن لا يحدثوا نأمة (1) ، فتتابعوا يصعدون الدرج بخفة وسرعة، وعندما وصلوا غرفة الطاغية تنبهت امرأته فتقدم منها واحد من

(1) النأمة: الصوت الضعيف الخفي.

ص: 34

المجموعة ورفع عليها السيف، مهدداً متوعداً، ذاكراً وصية رسول الله أن لا يقتلوا سوى أبي رافع إن استطاعوا، فلاذت بالصمت وانكمشت في مكانها وهي ترتعد من الخوف، وتقدم الآخرون من فراش أبي رافع والظلمة الحالكة تلف المكان، فلا يكادون يتبينون موضعه، ولكنهم تناوشوا

جسده بالسيوف، فكانت ضرباتهم بين ضربة طائشة وأخرى غير قاتلة. وتقدم عبد الله بن أنيس بثبات إلى الجسد المسجى أمامه وقد سالت دماؤه وارتفع صوته بالنجدة والغوث، فغرس فيه سيفه حتى أنفذه.

ولم تتحمل امرأته ما رأت، فصرخت بأعلى صوتها، فنبهت من بالحصن فهرعوا إلى الصوت، وهرع الفدائيون إلى الدرج ينزلونه بسرعة وخفة فانزلق ابن عتيك فكسرت رجله، وصرخ بأصحابه مستنجداً: وارجلاه، وارجلاه. فعاد إليه عبد الله بن أنيس فحمله على كتفه حتى خرج به من الحصن.

وافتقد عبد الله بن أنيس قوسه. . لقد سقطت منه داخل الحصن عندما احتمل ابن عتيك، فأصر على استعادتها رغم ما سمعه في الحصن من هرج واختلاط، فقد كان حديد القلب، شجاعاً لا يهاب الرجال. فعاد والحصن يموج بالرجال لا يدرون ما يفعلون وليس لهم إلا سؤال واحد: من قتل

ص: 35

ابن أبي الحقيق؟ ! يسأل الرجل كل من يلقاه، عرفه أم لم يعرفه! .

ودخل ابن أنيس بين القوم واختلط بهم وسأل سؤالهم، إلى أن وصل إلى قوسه فأخذها وانسل عائداً إلى صحبه.

وانتظرت المجموعة في مكمنها تراقب الحصن لتتأكد من موت عدو الله، فلم تمر ساعة حتى نادى مناد:" لقد هلك سيد خيبر، لقد مات ملك يهود، أبو رافع سلام ابن أبي الحقيق ".

لقد نزلت هذه الكلمات على صورهم نزول الماء على الأرض العطشى، فانطلقوا والفرحة تغمرهم عائدين إلى مدينة الرسول، يستحثون ركابهم وهم في شوق غامر لمقابلة الرسول لينهوا إليه النبأ ويزفوا البشرى، لقد انتهى عدو الله، سلام بن أبي الحقيق.

واقترب الركب من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسمعوا صوته يحدث الناس، فأسرعوا إليه فنظر إليهم وهم يقبلون اليه بوجوه تنطق بالسرور، فقال لهم مبتسماً: أفلحت الوجوه! فما أعظمها من كلمة تخرج من فم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى: أفلحت الوجوه!

وتسارع الجماعة فترد عليه بصوت واحد: أفلح وجهك يا رسول الله.

ص: 36