الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهتف المسلمون بصوت واحد: الله أكبر.
وانسحبت يهود من ظهور أسوارها، وقد ملأها رعباً ويأساً مصرع فارسها مرحب.
ودب الحماس والنشاط في جيش المسلمين، فشددوا من هجماتهم وغاراتهم على اسوار خيبر واستطاعوا أن يقتلوا عدداً من رجال يهود. وأسروا في هجمة من هجماتهم كنانة بن الربيع، وهو سيد من سادات يهود، فطلبه محمد بن مسلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتله بأخيه محمود، فاستجاب له رسول الله، فأخذه إلى ناحية من عسكر المسلمين وضرب عنقه.
* *
هديه الرسول للمجاهد:
قضى محمد بن مسلمة حياته إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه فيهرع إلى تلبية النداء، ينتدبه لأعماله فينفذها على أحسن الوجوه وأكملها، يؤمره فيجده نعم الأمير.
وتقديراً من رسول الله لبطولات محمد بن مسلمة ناداه ذات يوماً وأهداه سيفاً وقال له: " يا محمد بن مسلمة، جاهد بهذا السيف في سبيل الله، فإذا رأيت المسلمين اقبل بعضهم على بعض فأت به أحداً فاضربه به حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة ".
وامتدت يد محمد بن مسلمة إلى يد رسول الله، وأمسكت بالسيف، ثم راح البطل العظيم يخطر بالسيف أمام المسلمين والفرحة تملأ فؤاده.
وعندما جلس ابن مسلمة إلى نفسه تذكر كلمات رسول الله: " فإذا رأيت المسلمين اقبل بعضهم على بعض فاضرب به أحداً، وساءل نفسه: أأعيش إلى أن أرى هذا اليوم الأغبر؟ أيمكن أن يضرب المسلمون رقاب بعض؟ ويرد على تساؤلاته فيقول: لا، لا، لا يمكن أن يسلّ المسلم سيفه في وجه أخيه المسلم! ولكنه عندما يتذكر أنه سمع هذه الكلمات من رسول الله نفسه، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أسألك العافية.
* *
محاورة:
كان لمحمد بن مسلمة – رضي الله عنه – من البنين عشرة ومن البنات ست، اجتمعوا عنده ذات ليلة، وقد بلغ السبعين، وأخذوا يلحون عليه لكي يحدثهم بأخبار جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأخباره مع خلفائه من بعده.
قال رضي الله عنه: إني لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط إلا واحدة في تبوك، خلفني على المدينة.
قال أحد أبنائه: هذا والله يا أبي شرف عظيم نتيه به على الدنيا، فهل تحدثنا عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: إنه ما من سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تخفى عليّ، إما أن أكون فيها أو أن أعلمها حين خرجت.
قال آخر من أبنائه: إنا لنعلم يا أبي أنك كنت ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانك امرؤ كاتب، والكاتبون على عهدكم قليل، فهل كتبت شيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم يا أبنائي، لقد كنت ممن شهد على وثيقة صلح الحديبية، كما شهت على الكتاب الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد ثمالة والحدّان في عُمان، كما شهدت على كتاب الرسول الأمين إلى زُميل بن عمرو من بني عذرة كما كتبت كتاب رسول الله – عليه السلام – إلى مهري بن الأبيض من أهل مهرة.
قال ولده: ما دمت حضرت الحديبية فإنا نحب أن نعرف ماذا فعلت فيها بالإضافة إلى شهادتك على كتاب الصلح؟
قال: عندما وصلنا الحديبية وصلت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً تستعد للحرب، وأنتم تعلمون أننا كنا نقصد العمرة ولا نريد قتالاً، ولكنا كنا دائماً على استعداد للحرب، لا نغفل عن ذلك أبداً، فقد كانت هذه توصيات رسول الله لنا، فعندما علم الرسول استعداد قريش للحرب أعد ثلاث فرق للحراسة والاستطلاع حتى لا نفاجأ بالعدو، وقد شرفني الرسول الكريم بأن أكون قائداً لفرقة منها،
وزاد في إكرامي وتشريفي أن أعطاني فرسه، فكنت اركبها أثناء قيادتي لفرقة الاستطلاع والحراسة.
قال ولده: وهل حدث تصادم بينكم وبين كفار قريش؟
قال: اعدت قريش فرقة من خمسين رجلاً من أبطال قريش وفرسانها، وأرادت أن تفاجئنا، ولكني استطعت أن اعلم خبرهم من العيون التي بثثتها، فهيأت لهم كميناً استطعت به أن آخذهم جميعاً اسرى وجئت بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ولده: لقد علمنا أنك قتلت مرحباً فارس يهود في غزوة خيبر، وكذلك سيداً من ساداتهم، فهل كان لك أعمال أخرى في غزوة خيبر، فإنها كانت من أعظم غزوات الرسول عليه السلام؟
قال: كل المسلمين كانوا يضطلعون بأعمال كثيرة، فالرجل المسلم في تلك الأيام كان يقوم بما يقوم به العشرة بل المائة من رجال اليوم، وقد كنت في خيبر على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا الذي ارتدت الموق الملائم لمقر قيادة الجيش الإسلامي.
قال ولده: لقد كسوتنا يا والدي فخراً ابدياً لا يحول ولا يزول، ونحب أن نعلم إن كنت رافقت الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية.
قال: نعم، لقد رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة
القضية، وعندما وصلنا إلى ذي الحليفة أمرني رسول الله أن اتقلد قيادة الفرسان، وكان معنا مائة فارس، ثم أمرني أن أتقدم الجيش بفرساني حتى نكون طليعة لهم.
قال ولده: أريد يا والدي أن أسألك سؤالاً أرجو أن لا يكون محرجاً، ما موقفك يوم فر المسلمون يوم أحد؟
قال: أي بني، إني لا أحتمل أن أفارق رسول الله لحظة في سلم وفي حرب، فعندما رأيت الدائرة تدور على المسلمين في أحد، هرعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكون بقربه أذبّ عنه وأدفع عنه الشر والأذى، أما أولئك الذين فروا من المعركة فقد ظنوا أن رسول الله – فداء نفسي وأهلي – قد قتل، وإلا لما فروا عنه أبداً، وأريدكم يا بني أن لا تصغوا إلى أقوال المتحذلقين الذي لا يجيدون سوى مضغ الكلام، فوالله لو كانوا معنا يوم أحد لمات واحدهم مكانه فزعاً وهلعاً.
قال ولده: وماذا عن غزوة ذي القصّة؟
قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية من عشرة من الصحابة لتأديب بني ثعلبة وبني عوال الذين كانوا يسكنون في ذي القصة، مكان يبعد عن المدينة أربعة عشر ميلاً، وحاولنا أن نحيط تحركاتنا بالسرية، ولكن القوم علموا بنا وكمنوا لنا بمائة من فرسانهم فأحاطوا بنا وأعملوا فينا سيوفهم، وقاومنا ما وسعتنا المقاومة، وقتل
أصحابي
العشرة، وأصبت أنا بجروح بليغة، فظن القوم أني مت فتركوني وانصرفوا، فقمت بعد انصرافهم ويسّر الله من حملني معه إلى المدينة.
قال ولده: سألناك عن أعمالك الجانبية مع رسول الله أما أعمالك الأخرى معه فإنا نعلمها ونحفظها، فهل قمت بأعمال للخليفة العظيم عمر بن الخطاب؟
قال: نعم، فقد ولاني صدقات جهينة، وعندما وصلت شكاوى أهل الكوفة على سعد بن أبي وقاص كلفني بتحري صحتها، وأمرني بأمور فنفذتها كما أمرني بها.
قال ولده: لقد أكثر أهل الكوفة من شكوى ولاتهم، واعجب لقوم يشكون خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وماذا كانت شكاتهم من سعد؟
قال: اشتكوا بأنه بنى داراً بالكوفة، وأنه احتجب فيها عنهم.
قال ولده: وبماذا امر عمر رضي الله عنه؟
قال: أمرني أن أعمد إلى باب الدار فأحرقه، ثم أبحث في شكاوى القوم.
قال ولده: وهل فعلت ذلك؟
قال: نعم، فعندما وصلت الكوفة سألت عن دار سعد وعمدت إلى بابها فأحرقته.
قال ولده: وهل حققت في شكاواهم؟
قال: وهل ذهبت إلا لذلك؟ لقد حققت فلم أجد إلا خيراً، وما كنت لأجد عند سعد إلا الخير والبر والتقوى.
قال ولده: نريد أن نسمع قصتك مع عمرو بن العاص.
قال: رأى عمر أن ابن العاص أثرى بمصر، فأحب أن يبرأ إلى الله، فأمرني أن أذهب إليه وأقاسمه ماله.
قال ولده: وهل فعلت؟
قال: نعم قد فعلت.
قال ولده: وماذا كان رد ابن العاص؟
قال: ما كان له أن يخالف أمر عمر. وما كان المال هم صحابة رسول الله عليه السلام.
قال ولده: لقد أكثرنا عليه من السؤال يا والدي، ولكنا أحببنا أن لا يفوتنا شيء من أخبار جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك فخر لنا.
قال: إنما الفخر أن تجاهدوا في سبيل الله كما جاهدنا، والفخر لكل من آمن بالإسلام هو العمل للإسلام والجهاد في سبيله، فهذا هو طريق الفلاح إلى يوم الدين.
قال أولاده بصوت واحد: أطال الله عمرك يا والدنا، ونحن على عهد الإسلام ما حيينا.
قال: بارك الله فيكم، لقد حان وقت النوم، فانصرفوا راشدين.