الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودوّى صراخ عدو الله من ألم الطعنة وهول الصدمة. . . فانطلق سالم مبتعداً عنه بينما هرع إليه نفر من قومه منجدين، فما أدركوه الا جثة هامدة. . .
والتف القوم حول الرجل الهالك، ونظر كل منهم الى الآخر كأنما يسأل ما العمل؟ وطال حديث العيون وصمت الألسنة الى أن قال واحد منهم: من قتل أبا عفك؟ ولما لم يتلق جواباً من أحد قال: والله لو نعلم من قتله لقتلناه به. . .
وسمعت قالة الرجل المتوعد امرأة مسلمة كانت تقف معهم وتنظر الى عدو الله السابح بدمه، فردت على المتوعد ساخرة بوعيده. . . لقد كان يعلم أن قاتله من المسلمين ولكنه يجبن عنه وعن التصدي له، فقالت تخاطب المتوعد بمخاطبة القتيل:
حباك حنيف آخر الليل طعنة أبا عفك، خذها على كبر السن!
وعلم الناس أن سالم بن عمير قد قتل أبا عفك، فسر ذلك المسلمين وحفظوه له، وساء ذلك المشركين والمنافقين واليهود وودوا لو قتلوه به، ولكن الخوف من المسلمين كان قد تمكن من قلوبهم والهيبة منهم كانت قد ملأت عيونهم. . . فتركوه يمشي بينهم يزيد في غيظهم فتغلي أحقادهم في صدورهم.
سالم المجاهد
تمكن الايمان من قلب سالم بن عمير فأحب الجهاد في سبيل الله، وكذلك هو الايمان اذا تمكن من قلب حبب اليه الجهاد في سبيل الله، فكان حريصاً على أن يكون الى جانب رسول الله في كل غزاة بغزوها ومعركة يخوضها، فحضر بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها. . .
كان سالم بن عمير فقير المال غني القلب بالايمان، فكان مما يجلب الهم الى قبه كلما دعا الداعي لغزاة في سبيل الله خشيته أن لا يتمكن من تجهيز نفسه بالسلاح والركوبة، فقد كان المسلمون على عهد رسول الله يجهر الرجل نفسه بأدوات القتال، ولكنه في كل غزاة كان يتدبر أمره، فما من غزاة غزاها الرسول الا كان سالم من بين رجالها حتى كانت غزوة تبوك، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهز لغزو الروم، وقد كانت هذه الغزاة في عام جدب وحر، كما كانت المسافة بين المدينة وتخوم
الروم بعيدة تحتاج إلى إعداد وعدة في السلاح والزاد والركاب، واين لسالم بن عمير وفقراء المسلمين من مال يجهزون به انفسهم لهذه الغزاة؟ .
وكبر الأمر على سالم، كيف يغزو رسول الله غزاة لا يشارك فيها؟ وحاول أن يتدبر امره فلم يستطع، وشكا أمره الى بعض المسلمين من امثاله فوجدهم مثله في هم كبير، فاستقر رأيهم على أن يذهبوا لرسول الله يطلبون منه العون في ذلك. . .
سالم وصحبه البكاؤون
وجاؤوا رسول الله يبكون. . . يا رسول الله لا نجد مالاً نجهز به أنفسنا، فاحملنا يا رسول الله على ركوبة من عندك. . .
ولم يكن عند رسول الله ما يحملهم عليه، فردهم بما عرف عنه من لطف ولين وحنان، فانصرفوا من عنده باكين على ما سوف يفوتهم من فضل الجهاد في هذه الغزاة
…
وسمع المسلمون بقصة هؤلاء النفر الذين بكوا بين يدي الرسول طالبين منه أن يعينهم ليتمكنوا من المشاركة في الجهاد، واعتذار
رسول الله لهم لضيق ذات يده. . . فأسرع المحسنون منهم فأعانوهم. . .
كانوا سبعة نفر، حمل اثنين منهم يامين بن عمير، وحمل اثنين آخرين العباس بن عبد المطلب، وحمل الثلاثة الباقين عثمان بن عفان. . .
ولا تسل عن فرحة سالم بن عمير وعن غبطته وسروره، فقد يسر الله له طريقاً الى الجهاد، ولم تكن نفس عمير تسر لشيء سرورها للجهاد في سبيل الله.
وخلد القرآن سالم بن عمير وصحبه في كتابه العزيز، فقال جل من قائل:
" لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا
مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَاّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ " (1)
وبتخليد القرآن الكريم لهؤلاء النفر من المسلمين المخلصين خلدهم اخوانهم من المسلمين، فأطلقوا عليهم لقب البكائين، وأصبحوا يعرفون به منذ ذلك الحين الى يومنا هذا وسوف يعرفون به الى يوم الدين.
(1) الآيتان: 91، 92 من سورة التوبة.
على الدرب. . .
وانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى، وانتقلت الخلافة الى الراشدين من بعده، واستمرت مسيرة الجهاد المباركة، فشارك فيها سالم بن عمير، ففتح المسلمون المشارق والمغارب، وسالم لا تفتر له همة في الجهاد في سبيل الله. . .
وطال العمر بالمجاهد في سبيل الله، سالم بن عمير، حتى ادرك شطراً من خلافة معاوية، وبعد أن سطر صفحات بيضاء في كتاب الجهاد الاسلامي انتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً. . .