الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتهامس القوم، وكثر اللغط بينهم، وارتفعت أصوات تسفّه رأي سلام بن مشكم وتنعته بالجبن والخور، بل سمع من يقول: أخشى أن يكون سلام قد فارق دين موسى واتبع محمداً، فهو يدافع عنه ويصدكم عن الفتك به، يا أصحاب التوراة دونكم فرصتكم، ويا عمرو بن جحاش نفذ ما عزمت عليه!
وجاء الوحي إلى رسول الله، وأعلمه بما عزمت عليه يهود، فنهض من مكانه مسرعاً واتخذ طريقه إلى المدينة، ولما رأى أصحابه ذلك اسرعوا خلفه واشتدوا يريدون اللحاق به فلم يدركوه إلا بالمدينة.
قالوا: يا رسول الله، قمت ولم نشعر.
قال: همت يهود بالغدر، فأخبرني الله بذلك فقمت.
* *
إجلاء بني النضير:
ثم دعا رسول الله محمد بن مسلمة وأرسله إليهم وأمره أن يبلغهم هذه الرسالة: يا بني النضير " اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشراً، فمن رُئي بعد ذلك ضربت عنقه ".
قرار حاسم من رسول الله، فما دامت يهود لم تلتزم بما
عاهدت عليه وهمت بالغدر، وهو أبشع ما يتصف به قوم، فأقل جزاء لهم الجلاء.
وانطلق محمد بن مسلمة بالرسالة إلى منازل بني النضير، فوجد قوماً انخلعت قلوبهم رعباً، لا يدرون ما الله صانع بهم، وكانوا يخشون أن يبيد الرسول خضراءهم جزاء غدرهم، فلما رأوا محمد بن مسلمة هرعوا إليه وتعلقوا به، وهتفوا بصوت واحد: ما وراءك يا بن مسلمة؟ ما الذي أغضب أبا القاسم فغادر ديارنا دون أن يكلمنا؟ نحن على استعداد لأن ندفع دية الرجلين العامريين وحدنا. ألا يرضيك يا أيا عبد الرحمن هذا؟
وهز محمد بن مسلمة رأسه وقال: ما كان أغناكم عما أنتم فيه لو لم تكونوا قوماً غُدراً. إن رسول الله يأمركم بالجلاء عن المدينة، ومن وُجد منكم بعد عشرة أيام ضربت عنقه.
ولوى ابن مسلمة عنان فرسه وانطلق عائداً وانصرفت يهود تجهز نفسها للخروج، وما ظنوا أنهم قد نجوا من شر فعلتهم التي هموا بها.
وبينا هم في غمرة استعداداتهم للخروج أتاهم رسول من رأس النفاق يقول لهم: يقول لكم عبد الله بن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم وتمدكم قريظة
وحلفاؤكم من غطفان.
وفي كل مرة يثبت اليهود أنهم قوم لا يعقلون!
لقد غرهم عرض رأس النفاق وحسبوا أنه سيبر بوعده ويدخل معهم حصنهم ويقاتل المسلمين، وما أدركوا أنه لو كان صادقاً لواجه النبي وهو بين قومه وفي مدينته، وما دروا أن الذي يظهر الإسلام خوفاً من محمد لا يمكن أن ينحاز إليهم فيحاربه معهم. إن قلب ابن أُبي قد انهزم سلفاً أمام الرسول فنافق، فلا يمكن أن يقاتل بعد ذلك مع أحد أبداً.
ووقع اليهود في شر أعمالهم، وراحوا ضحية غرورهم وتفاهة تفكيرهم، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون:" إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك "!
فلما بلغت هذه الرسالة رسول الله، كبّر وقال: حاربت يهود، فكبر المسلمون لتكبير رسول الله، فارتجت جنبات المدينة بالهتاف الخالد:" الله أكبر، الله أكبر ". ووصلت أصوات التكبير إلى أسماع المنافقين، فارتعدت فرائصهم وخارت عزائمهم، ونكصوا عن نصرة بني النضير. أما بنو قريظة، فما إن سمعوا دوي التكبير حتى أغلقوا على أنفسهم حصونهم، وقالوا: بل نفي العهد الذي بيننا وبين محمد، فما لنا ولقوم جنوا على أنفسهم، ونكثوا عهودهم!