الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موادعة اليهود:
ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تنظيم العلاقة بين المسلمين وبين من جاورهم من يهود، وحضر زعماء يهود إلى مجلس رسول الله، وحادثهم وناقشهم ثم اتفق معهم على حسن الجوار، وكتب في ذلك وثيقة لهم، ومما جاء في هذه الوثيقة:
" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يرتغ (يُهلك) إلا نفسه وأهل بيته، وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه ".
بهذه الوثيقة أعطى رسول الله يهود المدينة أفضل ما يعطي حليف وجار، وجعل لهم أمان الله، وعليهم ميثاقه على أن يكونوا يداً واحدة مع المسلمين على كل من أراد شراً بالمدينة وأهلها، وأن يكونوا هم أنفسهم سلماً للمسلمين لا يغدرون بهم ولا يعينون عليهم أحداً.
لو عقلت يهود لعاشت في ظل المسلمين آمنة مطمئنة لا تخشى شيئاً، ولكن الحسد نهش قلوبها وأحرق الحقد أكبادها، فكيف يكون النبي الخاتم من غير بني إسرائيل؟ وكيف يسلمون له القيادة والسيادة ومن قبل كانت لهم على يثرب وأهلها القيادة والسيادة؟
لقد سيطرت على يهود الكبرياء المضلة، وأفقدهم توازنهم ما توارثوه عن أجدادهم من حب السيطرة على العالمين، وأدار عقولهم ما وقر فيها من اعتقاد بأنهم هم السادة وهم القادة وأن غيرهم لهم عبيد، وطمس على قلوبهم ما جبلوا عليه من احقار الناس فلم يعودوا يرون الحق حقاً والباطل باطلاً، ورأوا أن من حقهم نقض العهد وإخلاف المواثيق مع جميع الخلق من غير يهود!
بهذه الأخلاق أرادت يهود أن يتعاملوا مع رسول الله، وبغير هذه الأخلاق جاءت رسالة الإسلام، فكان الصدام بين المسلمين ويهود أمراً محتوماً وشيئاً لا مفر منه