المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ترويج أهل الباطل للأدعية الباطلة بالحكايات الملفقة - فقه الأدعية والأذكار - جـ ٢

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌مقدمة

- ‌ فضل الدعاء

- ‌من أدلة السنة على فضل الدعء وذكر ضابط في المفاضلة بين الذكر والدعاء

- ‌ ومن فضائل الدعاء

- ‌ افتقار العبد إلى اللَّه وحاجته إلى دعائه

- ‌إجابه الله سبحانه للداعيين

- ‌ إجابة الدعاء موقوفةٌ على توفُّرِ شروطٍ وانتفاء موانع

- ‌ أربعة أسباب لإجابة الدعاء

- ‌ الدعاءُ حقٌّ خالصٌ لله

- ‌ أهميَّةُ اتباع السنة في الدعاء

- ‌ التحذيرُ من الأدعية المُحدَثة

- ‌ الآثار السيِّئة للأدعية المُحدَثة

- ‌ جوامع الكلم والأدعية المأثورة

- ‌ أهميَّة العناية بالألفاظ النبوية في الذِّكر والدعاء

- ‌ التحذير من الاعتداء في الدعاء

- ‌ من الاعتداء في الدعاء

- ‌ من آداب الدعاء إخفاؤُه

- ‌ أنواع التوسُّل المشروع

- ‌ التحذير من الانحراف في فهم معنى التوسُّل

- ‌ من التوسُّل الباطل دعاء الصالِحين من دون الله

- ‌ أوقاتٌ يُستجابُ فيها الدعاء

- ‌ أحوالٌ للمسلم يُستجابُ فيها الدعاء

- ‌ مَن تُستجابُ دعوتُهم

- ‌ التحذيرُ من الأدعية المبتدعة

- ‌ خطورة دعاة الباطل وأئمَّة الضلال

- ‌ خطورة التعلُّق بالقبور

- ‌ الغلُوُّ في قبور الصالِحين يصيرها أوثاناً تُعبد

- ‌ إذا سألتَ فاسأل الله

- ‌ ترويجُ أهل الباطل للأدعية الباطلة بالحكايات المُلفَّقة

- ‌ من آداب الدعاء عدم استعجال الإجابة

- ‌ أهميَّة حضور القلب في الدعاء وجُملة من الآداب الأخرى

- ‌ افتقارُ العبدِ إلى الله

- ‌ جملةٌ من آداب الدعاء

- ‌ تعرَّف إلى الله في الرَّخاءِ يعرفك في الشدَّة

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌ مراتب رفع اليدين في الدعاء

- ‌ الدلائل والمعاني المستفادة من رفع اليدين

- ‌ رفع الأيدي إلى الله من دلائل عُلُوِّه

- ‌ الأخطاء المتعلِّقة برفع اليدين

- ‌إستقبال الداعي الى القبلة

- ‌ التحذير من السماعات المبتدعة

- ‌الفرق بين السماع المشروع والمحدث

- ‌ الدعاء للمسلمين

- ‌ الاستغفار للمسلمين

- ‌ فضلُ الدعاء للمؤمنين والإمساك عن الطعن فيهم

- ‌ الدعاء للوالدين ولذوي القربى

- ‌الدعاة لولاة امر المسلمين

- ‌ أقسام الدعاء باعتبار المدعو له

- ‌ خطورة الدعاء على النفس أو الغير

- ‌ التوبةُ من الذنوب بين يدي الدعاء

- ‌ المبادرة إلى التوبة والنصح فيها

- ‌ قرن التوبة بالاستغفار، وقرن الاستغفار بالتوحيد

- ‌ مكانة الاستغفار وحال المستغفرين

الفصل: ‌ ترويج أهل الباطل للأدعية الباطلة بالحكايات الملفقة

83 ـ‌

‌ ترويجُ أهل الباطل للأدعية الباطلة بالحكايات المُلفَّقة

سبق الكلامُ على أهميَّةِ الإخلاصِ في الدعاء وأنَّه شرطٌ هامٌّ من شروطِ قبوله، وأنَّ عدمَ إخلاصِه لله من أعظم الاعتداء والعدوان، والذُّلِّ والهوانِ، سواءٌ في ذلك مَن دعا غيرَ الله دعاءً مستقِلاًّ، أو جعله واسطةً بينه وبين الله، فإنَّ ذلك من أعظمِ الإثمِ وأشدِّ الضلال، والله يقول:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ الله مَن لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} 1.

وها هنا أمرٌ لا بدَّ من التنبيه عليه، وهو أنَّ طائفةً من الضُّلال من عُبَّاد القبور والأضرحة والقِباب ونحوها قد يلبِّسون على العوام وجهَّال الناس في هذا الباب بذكرِ بعض القصص والأخبار بأنَّ فلاناً دعا عند قبر فلانٍ فأُجيب، وأنَّ جماعاتٍ دعوا عند قبور جماعاتٍ من الأنبياء والصالحين فاستجيب لهم الدعاء، وكقولهم: إنَّ قبرَ فلان ترياقُ المجرِّبين، وزعمهم بأنَّه عند القبور تُقال العثراتُ، وتستجابُ الدعواتُ، وتتنزَّلُ الرحمات، وأنَّ بعضَهم رأى منامات في الدعاء عند قبور بعض الأشياخ، وجرَّب أقوامٌ استجابة الدعاء عند قبور معروفة، ونحو ذلك مِمَّا لبَّس به هؤلاء الضُّلاّل على بعض جُهال المسلمين، فصرفوهم بذلك عن التوحيد الخالص واليقين الصادق والثقة بالله إلى التعلُّق بالقبورِ والعكوفِ عندها والاستغاثةِ بأهلها ودعائِهم من دون الله.

1 سورة الأحقاف، الآية:(5) .

ص: 140

وما مِن ريبٍ أنَّ القَصصَ والحكاياتِ لها تأثيرٌ بالغٌ في قلوب العامَّةِ والجُهالِ، فكم أوقعت كثيراً منهم في صنوف الضَلال وأنواعٍ من الباطل، والواجبُ على عبد الله المسلمِ أن لا يَبْنِيَ دينَه على شيء من ذلك؛ إذ لا عبرةَ به ولا مُعوَّلَ عليه، ولا حُجَّة فيه وإنَّما الحُجَّةُ في كتاب الله تعالى وسنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، لا في الحكايات المختلقَة والقصص الملَفَّقةِ والأخبار المزوَّرة.

قال الإمام العلَاّمة ابن القيم رحمه الله وهو بصدد بيان بعض الأمور التي أوقعت بعضَ الناسِ في الافتتان بالقبور والتعلُّقِ بها مع أنَّ ساكنيها أمواتٌ لا يملكون لهم ضرًّا ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، قال رحمه الله: " ومنها [أي الأمور التي أدَّت إلى ذلك] : حكايات حُكيت لهم عن تلك القبور أنَّ فلاناً استغاث بالقبر الفلاني في شدَّة فخلص منها، وفلاناً دعاه أو دعا به في حاجة فقُضيت له، وفلاناً نزل به ضرٌّ فاسترجى صاحبَ ذلك القبر فكشف ضُرَّه، وعند السَدنة والمَقَابريَّة مِن ذلك شيءٌ كثير يطول ذكرُه، وهم مِن أكذبِ خَلق الله تعالى على الأحياء والأموات

"، إلى آخر كلامه رحمه الله1.

وما كان لهذا التقرير الفاسد والاستدلال الباطل أن يَرُوجَ بين أحد من المنتسبين للإسلام والمنتمين لهذه الملَّة الحنيفية؛ لولا غلبةُ الجهل وقلَّةُ العلم بحقيقة ما بعث الله به رسولَه صلى الله عليه وسلم، بل جميعَ الرسل من تحقيق التوحيد وقطع أسباب الشرك ووسائلِه.

وقد ذكر أهل العلم أجوبةً كثيرةً ووجوهاً عديدة في الردِّ تُبيِّن وهاءَ

1 إغاثة اللهفان (1/233) .

ص: 141

هذا الاستدلال وفسادَه، ومِن تلك الأجوبة:

أنَّ دينَ الله تامٌّ كاملٌ لا نقص فيه، والله يقول:{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} 1، فما لَم يكن ديناً زمن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه فليس اليوم ديناً، ولن يكون ديناً إلى أن تقوم الساعة، والله جلَّ وعلا لا يقبل في الدِّين إلَاّ ما دلَّ عليه كتابه وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وأما الحكاياتُ والمناماتُ والقَصصُ والأخبارُ فليست مما يُقام عليه شرعٌ أو يُبنى عليه دينٌ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وإنَّما المتَّبَع عند علماء الإسلام في إثبات الأحكام هو كتابُ الله وسنةُ رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيلُ السابقين الأولين، ولا يجوز إثباتُ حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة نصًّا أو استنباطاً بحال "2.

ولَم يرِد في تحرِّي الدعاء عند القبور آيةٌ مُحكمةٌ ولا سنَّةٌ متَّبَعةٌ ولم يُنقل في جواز ذلك شيءٌ ثابتٌ عن القرون الثلاثة المفضَّلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " خير أمتي القرن الذي بُعثتُ فيهم ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم "3، ولم يُنقل شيءٌ من ذلك عن إمامٍ معروف، ولا عالِمٍ متَّبَع.

ثمَّ إنَّ كثيراً من هذه الحكايات والمنامات التي تُروى في هذا الباب لا تصح عمَّن نُقلت عنه، وإنَّما هي متقوَّلةٌ مكذوبةٌ مفتراةٌ، ولا سيما منها ما يُنسب إلى بعض أهل العلم والفضل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا والحمد لله لَم يُنقل عن إمام معروف ولا عالم

1 سورة المائدة، الآية:(3) .

2 اقتضاء الصراط (ص:344) .

3 صحيح مسلم (رقم:2534) ، والمسند (2/228) .

ص: 142

متبع، بل المنقول في ذلك إمَّا أن يكون كذباً على صاحبه، وإما أن يكون المنقولُ من هذه الحكايات عن مجهول لا يُعرف، ومنها ما قد يكون صاحبُه قاله أو فعله باجتهاد يخطئ فيه ويُصيب، أو قاله بقيود وشروط كثيرة على وجه لا محذور فيه، فحُرِّف النقلُ عنه كما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أذِن في زيارة القبور بعد النهي عنها فَهِمَ المبطلونَ أنَّ ذلك هو الزيارةُ التي يفعلونها من حجها للصلاة عندها والاستغاثة بها "1.اهـ.

ثمَّ إنَّ قضاءَ حاجات بعض هؤلاء الداعينَ وتحقُّقَ رغباتهم لا يدلُّ على صحَّةِ عملِهم وسلامتِه، فقد تكون الإجابةُ استدراجاً وابتلاءً وامتحاناً، فليس مجرَّدُ كونِ الدعاءِ حصل به المقصودُ أو تحقَّقَ به المرادُ دليلاً على أنَّه سائغٌ في الشريعة، فإنَّ حصولَ التأثير ليس دليلاً على المشروعية، فالسِّحرُ والطلِسمات والعين وغيرُ ذلك من المؤَثِّرات في العالم بإذن الله قد يقضي الله بها كثيراً من أغراض النفوس الشرِّيرة، ومع ذلك فهي محرَّمةٌ وباطلةٌ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وليس مجرَّد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدلُّ على أنَّه سائغٌ في الشريعة، فإنَّ كثيراً من الناس يدعون مِن دون الله من الكواكب والمخلوقين، ويحصُلُ ما يحصل من غرضِهم، وبعضُ الناس يقصدون الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التي في الكنائس ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو بأدعيةٍ محرَّمة باتِّفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضهم.

1 اقتضاء الصراط المستقيم (ص:343 ـ 344) مختصراً.

ص: 143

فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإنَّ ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلَاّ فجميع المحرَّمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لمَّا كانت مفاسدُها راجحةً على مصالحها نهى الله ورسوله عنها كما أنَّ كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرَّةً، لكن لَمَّا كانت مصلحتُه راجحةً على مفسدتِه أمر به الشارع، فهذا أصل يجب اعتبارُه "1.

ثمَّ إنَّ تلك التأثيرات قد تكون من الشيطان فإنَّه قد يتراءى لبعض هؤلاء في صورة من يعظِّمُه أو يعتقد فيه أو ينتسب إليه، وقد يخاطبُ هؤلاء أو يقضي بعض حوائجهم بإذن الله فيكونُ فتنةً لهم ويُظنُّ أنَّ ذلك كرامةٌ لهؤلاء المدعوِّين، وما هو في الحقيقة إلَاّ فتنة، ولا يعلم هؤلاء أنَّ هذا من جنس ما تفعله الشياطين بعُبَّاد الأوثان حيث تتراءى أحياناً لِمَن يعبدها وتخاطبُهم ببعض الأمور الغائبة وتقضي لهم بعض طلباتهم فكان ذلك أعظمَ أسباب عبادة الأوثان والتعلُّقِ بها.

والحاصلُ أنَّ مثلَ تلك الحكايات لا يستقيمُ الاحتجاجُ بها ولا يصح الاعتمادُ عليها، ولا يُبنى دينُ الله على شيءٍ منها وإنَّما يُبنى على ما جاء في الكتاب والسنة لا على الظنون والتخرُّصات والقَصص والحكايات والتجارب والمنامات، أعاذنا الله من الزَّلَلِ ووفّقنا لصائبِ القول وصحيحِ العمل.

1 مجموع الفتاوى (1/264 ـ 265) .

ص: 144