الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
99 ـ
الدعاء للمسلمين
إنَّ من الأمور المهمَّة التي ينبغي أن يلحظها المسلمُ في الدعاء، بل قد عدَّه بعضُ أهل العلم في جملة آداب الدعاء العنايةَ بالدعاء للمسلمين بالتوفيق والمغفرة والرحمة والإعانة على الخير؛ إذ إنَّ الجميعَ مشتركون في الحاجة إلى ذلك، وما من ريب أنَّ كلَّ مسلمٍ يحبُّ من إخوانِه المسلمين أن يدعوا له، ويُسَرُّ بذلك، ويتمنى زيادته، والمسلمُ يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه من الخير، فكما أنَّه يحبُّ ذلك لنفسه فينبغي أن يكون معتنياً بذلك تجاه إخوانه المسلمين بحب الخير لهم، والدعاء لهم، والاستغفار ونحو ذلك، ومَن كان هذا شأنُه مع إخوانه المسلمين قيَّض الله له من إخوانه من يدعون له ويستغفرون له، والمسلم ينتفع بدعوة أخيه المسلم حيًّا وميِّتاً.
وإذا نظر المسلمُ إلى أحوال إخوانه المسلمين وجدها أحوالاً متفاوتة، وكلُّ واحد منهم بحاجة إلى دعاءِ إخوانه، فذاك مريضٌ يعاني من المرض ويُكابد آلامَه، ولربما يكون قد أمضى في مرضه الأسابيعَ العديدة أو الشهورَ الطويلة، وقد لا يغمض له جفن، ولا يهدأ له بالٌ في آلامٍ متعبة وأوجاع مؤلمة، فهو بحاجة إلى دعاء إخوانه المسلمين له بأن يشفي الله مرضَه، ويزيل بأسه، ويفرج همَّه، ويكشف كربَه، ويُلبسَه ثوبَ الصحة والعافية.
روى أبو داود والترمذي، وقال:" حسن "، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَن عاد مريضاً لَم يحضر أجلُه فقال
عنده سبعَ مرَّات: أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك إلَاّ عافاه الله "1.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض يدعو له قال: اللَّهمَّ ربَّ الناس أذهب الباس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلَاّ شفاؤك، شفاءً لا يغادر سُقماً "2.
ومن المسلمين مَن اخترمته المنيَّةُ وأدركه الموتُ، فهو في قبره محتَجزٌ، وبأعماله مرتَهن، وبما قدَّمت يداه مجزيٌّ، فهو بحاجة إلى دعاء إخوانه المسلمين بأن يُقيلَ الله عثرتَه، ويغفرَ زلَّتَه، ويتجاوزَ عن خطيئته، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 3، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: " هذا شاملٌ لجميع المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضُهم لبعض وأن يحبَّ بعضُهم بعضاً، ولهذا ذكر الله في هذا الدعاء نفيَ الغلِّ عن القلب، الشامل لقليله وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضدُّه وهو المحبَّةُ بين المؤمنين والموالاةُ والنصحُ ونحوُ ذلك ممَّا هو من حقوق المؤمنين
…
"4.
1 سنن أبي داود (رقم:3106)، وسنن الترمذي (رقم:2083) ، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:6388) .
2 صحيح البخاري (رقم:5675) ، وصحيح مسلم (4/1722) .
3 سورة الحشر، الآية:(10) .
4 تيسير الكريم الرحمن (8/103) .
ومن المسلمين مَن يعيشون في بلدانهم في فتن مؤرقة، وحروبٍ مهلكة، وبلاء شديد، قد تسلَّط عليهم عدوُّهم، فأُريقت فيهم الدماء، ورُمِّلت النساء، ويُتِّمَ الأطفالُ، ونُهبت الأموالُ، وهم بحاجة إلى الدعاء لهم بأن يُنفِّسَ اللهُ كربَهم، ويفرج هَمَّهم، ويكبِتَ عدوَّهم، وينشرَ الأمنَ والاطمئنانَ بينهم، وقد كان من هدي النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم القنوتُ في النوازل التي تنزل بالمسلمين، فيدعو للمسلمين بالنصر والنجاة، ولعدوِّهم بالهزيمةِ والهلاك، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه:" أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قنتَ في صلاة العَتَمَةِ شهراً يقول في قنوته: اللَّهمَّ أنْجِ الوليدَ بن الوليد، اللَّهمَّ أنْجِ سلمةَ بنَ هشام، اللَّهمَّ أنْجِ عيَّاشَ بن أبي ربيعة، اللَّهمَّ أنْجِ المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمَّ اشدد وطأتَك على مُضر، اللَّهمَّ اجعلها عليهم سنينَ كسِني يوسف، قال أبو هريرة: وأصبح ذات يوم فلم يدعُ لهم، فذكرتُ ذلك له، فقال: أَوَما تراهم قد قَدِموا "1.
وثبت في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قنتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رِعْلٍ وذكوان ويقول: عُصيَّة عَصت الله ورسولَه "2.
وكذلك قنوتُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه في محاربة الصحابة لمسيلمة الكذاب، وعند محاربة أهل الكتاب، وكذلك قنوتُ عمر بن
1 صحيح البخاري (رقم:804) ، وصحيح مسلم (1/467) ، واللفظ له.
2 صحيح البخاري (رقم:4094) .
الخطاب رضي الله عنه، وفيه يقول: " اللَّهمَّ عَذِّب كفرةَ أهل الكتاب الذين يصدُّون عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذبون رسلَك، ويتعدَّون حدودَك
…
"، إلى آخر دعائه رضي الله عنه1.
ومِن المسلمين مَن أرقهم الفقرُ، وأقعدتهم الحاجةُ، فمنهم مَن قد لا يجد لباساً يواريه، أو مسكناً يؤويه، أو طعاما يُشبعه ويغذيه، أو شراباً يرويه، بل منهم مَن أدركه حتفُه في مجاعات مهلكة، وقَحْطٍ مفجع، فهم بحاجة إلى دعوات صادقة بأن يغني الله فقيرَهم، ويُشبعَ جائعَهم، ويكسو عاريَهم، ويَسُدَّ حاجتَهم، ويكشفَ فاقتَهم، إلى غير ذلك من أنواع الاهتمام بأمور المسلمين وحبِّ الخيرِ لهم، والدعاء لهم، وذلك كلُّه منطلقٌ من الرابطة الإيمانية التي تجمعهم وتؤلف بينهم، قال الله تعالى:{إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 2، وقال تعالى:{وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى "، رواه البخاري ومسلم4.
1 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/372 ـ 373) ، وزاد المعاد لابن القيم (1/285) .
وأثر عمر أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2/155 ـ 156) وغيره ـ مع اختلاف في اللفظ عما أورد هنا ـ وقد صحَّحه الألبانيُّ في تعليقه على صحيح ابن خزيمة، وصحَّحه قبله الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (2/150) .
2 سورة الحجرات، الآية:(10) .
3 سورة التوبة، الآية:(71) .
4 صحيح البخاري (رقم:6011)، وصحيح مسلم (رقم:2586) .
وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه "1.
وثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُدُّ بعضُه بعضاً "2.
وروى الطبراني عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه أنَّه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: " لن تؤمنوا حتى تراحموا، قالوا: يا رسول الله كلُّنا رحيم، قال: إنَّه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنَّها رحمةُ الناس رحمةُ العامة "3.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فينبغي على المسلم أن يكون مراعياً لحقوق إخوانه المسلمين، مُحبًّا الخيرَ لهم، رحيماً بهم، عَطوفاً عليهم، داعياً لهم بالتوفيق والسداد، والخير والفلاح، والصلاح والاستقامة.
1 صحيح مسلم (رقم:4/2000) .
2 صحيح البخاري (رقم:6026)، وصحيح مسلم (رقم:2585) .
3 رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد (8/186)، وقال الهيثمي:" رجاله رجال الصحيح)) ، ورواه الحاكم في المستدرك (4/185) ، وقال: " صحيح الإسناد)) ، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/438) : " رجاله ثقات)) ، وللحديث شاهد من حديث أنس رواه أبو يعلى في مسنده (7/251) .