المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى: - كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌عملي في الكتاب

- ‌وصف النسخة:

- ‌1 - النسخة الخطية (ز1):

- ‌2 - النسخة الخطية (ز2):

- ‌3 - النسخة المطبوعة:

- ‌أمثلة للأخطاء في النسختين (الخطية، والمطبوعة) وتَمَّ تصويبها من مصادر التحقيق:

- ‌أمثلة الأخطاء في النسخة المطبوعة وتَمَّ تصويبها من المخطوط أو من مصادر التحقيق:

- ‌ترجمة ابن حجر الهيتمي

- ‌اسمه:

- ‌نسبه ومولده:

- ‌شيوخه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌ما أخذ العلماء عليه:

- ‌تصانيفه:

- ‌وفاته:

- ‌تنبيه:

- ‌صحَّة نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌المقدمةفي ذم المعازِف، والمزامِير، والأوتار ونحوها

- ‌الباب الأول: في أقسام الغناء المحرَّم وغيره

- ‌القسم الأول: فِي سماع مجرد الغناء من غير آلة

- ‌القسم الثاني: في سماع الغناء المقترن برقص أو نحو دف أو مزمار أو وتر

- ‌القسم الثالث: فِي قراءة القرآن بالألحان

- ‌القسم الرابع: فِي الدُّف

- ‌القسم الخامس: في الكُوبَة وسائر الطبول

- ‌القسم السادس: فِي الضرب بالصفاقتين

- ‌القسم السابع: في الضرب بالقضيب على الوسائد

- ‌القسم الثامن: فِي التصفيق ببطن أحد الكفين على الآخر

- ‌القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى:

- ‌القسم العاشر: في الشَّبَّابة والزَّمارَة وهي اليَراع

- ‌القسم الحادي عشر: الموصول

- ‌القسم الثاني عشر: المِزْمَار العِرَاقِي وما يُضرَب به مع الأَوْتَار

- ‌القسم الثالث عشر: الأوتار والمعازف

- ‌القسم الرابع عشر: في بيان أنَّ ما مرَّ صغيرة أو كبيرة

- ‌الباب الثاني: فِي أقسام اللهو المحرم وغيره

- ‌القسم الأول: اللعب بالنرد

- ‌القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج

- ‌القسم الثالث: اللعب بالحزة والقِرق

- ‌القسم الرابع: اللعب بما تسميه العامة الطاب والدك

- ‌القسم الخامس: اللعب بالكنجفة

- ‌القسم السادس: اللعب بالخاتم ونحوه

- ‌القسم السابع: اللعب بالجوز

- ‌القسم الثامن: اللعب بالحمام [

- ‌القسم التاسع: اللعب بغير الحمام

- ‌القسم العاشر: اللعب بأمورٍ أخرى في معنى ما مرَّ

- ‌القسم الحادي عشر: اللعب بالمسابقة بالجري ونحوه وبالمصارعة ونحوها

الفصل: ‌القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى:

‌القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى:

اعلَمْ أنَّ هذا النَّوع قد اشتَهَر فِي هذه الأزمنة بين أهل الفُسوق والشَّرَبة للخُمور؛ حتى صار من أظهر شعارهم فِي مَعاصِيهم وعلى شُربهم واجتماعهم بالقَيْنات والغِلمان، وتركوا من أجله كثيرًا من ذَوات الشُّعور والأوتار؛ لما وجدوا فيه من اللذَّة التي فاقَتْ سائِرَ اللَّذَّات؛ لما فيها من البدائع والترقيقات، والصوت العجيب والطرب الغريب، كما يَزعُمون كلَّ ذلك، ويعترفون بأكثر ممَّا هنالك، ويدلُّ على هذا تغالُبهم على سماعه وحُضوره، ووزنهم النقود الكثيرة لضاربه ليحظوا بلذَّة صوته وفُجوره؛ فلذلك [ز1/ 24/أ] عَظُمَ الخطب فيه، وتعيَّنت المبالغة فِي زجْر مُتَعاطِيه؛ لعلَّهم ينفكُّون عن تلك القبائح التي لا تَتناهَى، وينزَجِرون عن مَعاصِيهم وسَفاهاتهم التي أشغلتْ نفوسهم عن رُشدها وتَقواها؛ فلذلك أفتيتُ غيرَ مرَّة بِحُرمة ذلك، وأنَّه مُلحَقٌ بذوات الأوتار فِي حُرمتها الأكيدة وعُقوبتها الشديدة؛ لما قدَّمته من أنَّ لذَّة هذا وإطرابَه فاقَ لذَّة تلك وإطرابها، وقوانينه ونغماته أنساهم قوانين تلك ونغماتها، وقد بلغني لَمَّا أفتيتُ بذلك عن بعض مَن يزعُم أنَّ له نوعًا ما من فضيلة أنَّه اعتَرضَ ذلك الإفتاء بِخُرافات تُضحِك الناس عليه، وتشدُّقات تجرُّ وَبال الخِزي والبَوار إليه، على أنَّ هذا منه ليس لكونه مسألة علميَّة يتعرَّف حُكمَ الله فيها، وإنما هو لأنَّه كان جعَل سماع ذلك شبكةً يتصيَّد بها غِزلان القاذورات، ويتحيَّل بها على استِجلاب المخمورين والمخمورات، فلمَّا أنْ ظهر الإفتاء بِحُرمة ذلك تعطَّلت عليه أغراضُه، واستحكمتْ أهويته وأمراضُه؛ فأحبَّ أنْ يُغيِّر فِي الوجوه الحسان؛

ص: 99

لعلَّه يغير فِي الأحكام الشرعيَّة بما له من البُهتان، الذي حُقَّ له به الخذلان والهوان - وفَّقنا الله لطاعته.

على أنِّي لم أبتَدِعْ ذلك الإفتاءَ، وإنما أخذته من كلامهم بالأولى؛ لأنَّهم إذا حرَّموا ما مَرَّ من الضرب بالصفاقتين وغيرهما مع أنَّه ليس فيها كبيرُ إطرابٍ، فما بالك بهذا الذي فاقَ إطرابه كما تواترت [به أخبارُ](1) سامعيه إطراب العُود وغيره، وإذا علمت ما يأتي فِي الشَّبَّابَة وغيرها ظهَر لك اتِّضاح ما قلته وظهور ما بيَّنته وقرَّرته.

وممَّا يعلم منه ذلك قطعًا وهو من جملة مستنداتي فِي الإفتاء السابق "أنَّ شخصًا كان بزمننا فِي مصر، وكان يملأ إناءً من صيني ماء، ويمرُّ أصبعه على حافَّة الإناء، وينشد عليه كلام الصوفيَّة كالإمام [العارف] (2) عمر بن الفارض (3) فسُئِلَ عنه مشايخنا كشيخ الإسلام خاتمة المتأخِّرين أبي يحيى زكريا الأنصاري، ومعاصروهم كالكمال بن أبي شريف والشمس الجوجري شارحي "الإرشاد" (4) وغيرهم، فبعضهم جزَم بِحُرمته لأنَّ فيه طربًا، وبعضهم تردَّد فقال: إنْ كان فيه إطرابٌ حرم وإلَاّ فلا، فهم متَّفِقون

(1) في (ز2): كما أخبر.

(2)

في (ز2): العارف بالله تعالى.

(3)

قال الحافظ ابن كثير: ابن الفارض: ناظم التائية فِي السلوك على طريقة المتصوفة المنسوبين إلى الاتحاد، هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، وكان أبوه يكتب فروض النساء والرجال، وقد تكلم فيه غير واحد من مشايخنا؛ بسبب قصيدته المشار إليها، وقد ذكره شيخنا أبو عبدالله الذهبي فِي ميزانه وحط عليه، مات فِي هذه السنة (أي: سنة 632 هجرية)، وقد قارب السبعين؛ "البداية والنهاية"؛ لابن كثير.

(4)

"الإرشاد في فروع الشافعية"؛ لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي المتوفَّى سنة ست وثلاثين وثمانمائة اختصر فيه: "الحاوي الصغير"؛ للقزويني وعمل عليه شرحًا في مجلدين، وممَّن شرح "الإرشاد" العلامة الشمس محمد بن عبدالمنعم الجوجري؛ "كشف الظنون".

ص: 100

على أنَّه إذا كان فيه إطرابٌ يحرم؛ وإذا اتَّفقوا فِي هذا على ذلك فما نحنُ فيه أولى بالحرمة [ز1/ 24/ب] قطعًا؛ لإجماع كلِّ ذي عقلٍ سمعهما أو تَواتَرَ عنده خبرُهما ووصفهما على أنَّ ما نحن فيه يَفُوق ذاك فِي الإطراب بمراحل، فعلم أنَّه لا غُبار على إفتائي بالتحريم فِي ذلك، وأنَّ مَن عانَد فِي ذلك بل توقَّف فيه كان ممَّن ضلَّت به المسالك، وعُجِّلتْ له المهالك، نسأَلُ الله السلامة من ذلك بمنِّه وكرمه، آمين.

وممَّا يزيدُ ما قرَّرته وُضوحًا أيضًا قول الدولقي الذي استدلَّ النووي بكلامه فِي "الروضة"، ونقل عنه تحريم الشَّبَّابَة ما حرَّمت الأشياء التي ذكَرُوها لأسمائها وألقابها، بل لما فيها من الصدِّ عن ذِكر الله - تعالى - وعَن الصلاة، ومُفارَقة التقوى والميل إلى الهوى.

وقول القرطبي: كلُّ ما لأجله حُرِّمتِ المَزَامِير موجود فِي الشَّبَّابَة وزيادةً؛ فيكون أولى بالتحريم.

قال الأذرعي: وما قاله حقٌّ واضح، والمنازَعة فيه مُكابَرة، انتهى.

فلذلك نقول: كلُّ ما حُرِّمتِ الأوتار لأجله موجودٌ فِي هذا [وزيادة](1)؛ فكان أولى بالتحريم منها، وما حرم ما نصوا عليه لاسمه ولقبه؛ بل لما ذكر من أنَّه شِعار الشَّرَبة، وفيه الصدُّ عن ذِكر الله والصلاة، وكلُّ ذلك موجودٌ فِي هذا مع زِيادات؛ فكان أولى بالتحريم كما تقرَّر.

على أنَّ النووي صرَّح فِي "شرح المُهَذَّب" بأنَّ المسألة إذا دخَلتْ تحت عُموم كَلام الأصحاب كانت منقولةً، وهذه دخلت تحت عُموم كَلامهم حتى المختصرات الصغيرة كـ"الحاوي الصغير" وفروعه، فإنهم اتَّفقوا على

(1) في (ز2): مع زيادات.

ص: 101

حُرمة سَماع ذلك المطرب، وقد تقرَّر أنَّ هذا من أعلى المطرِبات، فيشمله كلامهم بالنصِّ، وحينئذٍ فالمسألة منقولة، وصرَّح بها المتقدِّمون أيضًا؛ إذ لا شكَّ أنَّ العراقيين من أئمَّتنا هم المعوَّل عليهم فِي المذهب نقلاً وترجيحًا، وقد أطبَقُوا على قولهم: الأصوات المكتسَبة بالآلات ثلاثَةُ أضرُب: ضَرْب حرام؛ وهي التي تطرب من غير غِناء

إلى آخِر ما يأتي، فكلامهم هذا شاملٌ لما نحن فيه كما لا يَخفَى على مَن له أدنى مسكةٍ من فهمٍ، فيكون التحريم الذي قرَّرته منقولاً للأصحاب، وحينئذٍ لا يبقى للنِّزاع فيه مَساغ، اللهم إلا مع العِناد؛ فإنَّه لا ينفَعُ معه شيء حتى الأدلَّة القرآنيَّة؛ لأنَّ الهوى يُعمِى ويصمُّ، نعوذُ بالله منه.

وقال الشمس الجوجري فِي "شرح الإرشاد": ويمكن أنْ يستدلَّ لتحريم الشَّبَّابَة بالقِياس على الآلات المحرَّمة؛ لاشتراكه معها فِي كونه مطربًا [ز1/ 25/أ] بل ربما كان الطرب الذي فيه أشدَّ من الطرب الذي فِي نحو الكمنجة والرباب، فهو إمَّا قياس الأولى أو المساواة بالنسبة إلى المذكورين، وهما حَرام بلا خلافٍ، انتهى.

وصرَّح بما يعمُّ ذلك إمامُ الحرمين أيضًا، ونقَلَه عنه الأذرعي، وقال [عَقِبَهُ]: إنَّه فِي غاية الحُسن، وعبارة توسطه، وقد أشار الإمام إلى ضابط المحرَّم من ذلك وغيره بقوله: ما يصدر منه ألحانٌ مُستلَذَّة تهيج [السامع] وتستحثُّه على الطرب ومجالسة أحداثه فهو المحرَّم، فهذه العبارة تشمَل ما نحن فيه بالنص؛ لأنَّ ما ذُكِرَ موجودٌ فيه وزيادة.

* * * * *

ص: 102