الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثامن: اللعب بالحمام [
ز1/ 50/ب]
قال الشيخان والعبارة للرافعي: اتِّخاذ الحمام للبيض والفرخ أو الأنس أو حمل الكتب جائزٌ بلا كَراهة، وأمَّا اللعب به بالتطيير والمسابقة ففيه وجه أنَّ حكمه كذلك؛ لأنَّ فيه تعليمها وترسيخها لإنهاء الأخبار.
والظاهر وعبارة "الروضة": والصحيح أنَّه مكروهٌ كالشِّطرَنج (1)، وهذه الفائدة تتعلَّق بتَطييرها دون المسابقة واللعب بها، ثم لا تُرَدُّ الشهادة بمجرَّده، فإنِ انضمَّ إليه قمارٌ وما فِي معناه رُدَّتِ الشهادة، ا. هـ.
وذكَر الماوردي لمتَّخِذ الحمام ثلاثة أحوال:
أحدها: اتخاذه للفرخ وغيره كما سبق فلا تُرَدُّ به الشهادة.
الثاني: أنْ يخرج باتِّخاذها إلى السَّفاهة، أمَّا للمُتدلِّه فِي أفعاله والخنا فِي أقواله فتُرَدُّ بذلك شَهادته.
الثالث: ما اختُلِف فِي ردِّ الشهادة به، وهو اتِّخاذها للمسابقة، وفيه وجهان بِناءً على ما سبق فِي خبر:((لا سَبَقَ)) وقد سبق؛ أي: ولفظه: ((لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ أو نَصْلٍ أو حافِرٍ)) (2)، وهو حديث صحيح، والسَّبَق بفتح السين والباء الموحدة ما يجعل للسابق على سبقه من جُعْلٍ، واقتصر الدارمي وغيره على قولهم: ويكره اللعب بالشِّطرَنج، والحمام، وعبارة مجموع المحاملي: فأمَّا اللعب بها فهو مكروهٌ نصَّ عليه الشَّافِعِي. ومن أصحابنا مَن قال: مُباح لإنهائه بعلم المجيء من البلاد ونقل الأخبار، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ اللعب بها لا يحصل به منفعةٌ، والكلام إنما هو فِي كراهته دُون إرسالها
(1)"روضة الطالبيين"(11/ 227).
(2)
أخرجه أبو داود (2574)، والنسائي (6/ 226)، والترمذي (1700)، وابن ماجَهْ (2878)، وأحمد (2/ 256)، وصحَّحه ابن حبان (4690) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
من البلاد، وإذا ثبَت أنَّه مكروهٌ فلا يفسق به ولا تسقط الشهادة، وَعَنْ مالكٍ وأبي حنيفة: يفسق وتسقُط شهادته، والدليل على هذا ما ذكَرَاه فِي الشِّطرَنج، ا. هـ.
قال الأذرعي: واعلَمْ أنَّ اتِّخاذ الحمام لحمل الكتب من شَأن الملوك ونوَّابهم لا من أغْراض العامَّة ومَقاصدهم، فالمختار الجاري على القَواعد أنَّ مَن أظهَرَ اللعب بها بالتطيير والمسابقة مجانًا - أي: من غير قمار - وعرف بذلك مردود الشهادة؛ إذ العرف [فِي هذه الأعصار](1) مطَّردٌ بأنَّه لا يَتعاطَى ذلك إلَاّ أراذل الناس وسفلتهم، ومَن خلَع جِلبابَ الحياء والمروءة على أنَّ الذي يُقتَنَى للعب به بالتطيير نوعٌ غير ما يُقتنَى لحمل الكتب، والأوَّل لا يكاد يخرج عن سَماء الدار أو البلد [ز1/ 51/أ] إلا نادرًا.
وقال الشيخ الموفَّق الحنبلي: اللاعب بالحمام بتطييرها لا شَهادة له؛ لأنَّه سفهٌ ودَناءة وقلَّة مُروءة، ويتضمَّن أذَى الجيران بتطييره وإشْرافه على دُورِهم ورميه إيَّاها بالحجارة، وقد رأَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يتبعُ حَمامةً، فقال: شَيْطانٌ يَتْبَعُ شَيْطانةً (2)، ا. هـ (3).
وصرَّح صاحب "الترغيب" بأنَّ اللعب بها مكروهٌ واقتناؤها مباح، إلا إذا اقتناها لسرقةِ حمامِ غيرِه، وظاهرٌ أنَّ الحمام مثال وأنَّ غيرها ممَّا يُقتَنى للعب به من الحيوانات كذلك.
(1) في (ز2): في الأخبار.
(2)
أخرجه أبو داود (4940)، وابن ماجَهْ (3765)، وأحمد (2/ 345)، والبخاري في "الأدب المفرد"(1300)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 19)، و"الشعب"(6534)، وصحَّحه ابن حبان (5874) من حديث أبي هريرة.
(3)
"المغني"(10/ 173) ط دار إحياء التراث العربي.
(تَنْبِيه) ممَّا يدلُّ لقٌبح اللعب بالحمام بل لحرمته حديثٌ أبي داود فِي "المراسيل"، والبَغَوي فِي "الصحابة" وهو مرسلٌ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثةٌ من المَيْسِرِ: القِمارُ، والضَّربُ بالكِعاب، والصفيرُ بالحمامِ)) (1).
(فائدة) نقَل بعض المفسِّرين أنَّ اللعب بالحمام كان من دأب قومِ لوط، وأنَّه من جملة المنكر الذي كانوا يأتونه فِي ناديهم كما أخبر الله - تعالى - عنهم به (2).
(1) أخرجه أبو داود في "المراسيل"(1/ 350 رقم 518) عن يزيد بن شريح مرسلاً.
(2)
القرطبي (13/ 342)، وابن كثير (3/ 413).