الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول: اللعب بالنرد
(1)
وهو حَرامٌ كما نصَّ عليه الشَّافِعِي فِي "الأم" وجرى عليه أكثَرُ أصحابه، واعتمَدَه الشيخان وغيرهما، وعبارة الشَّافِعِي فِي "الأم": وأكرَهُ - من جِهة الخبَر - اللعبَ [بالنرد] أكثر ممَّا أكره اللعب بشيءٍ من الملاهي، ولا أحبُّ اللعبَ بالشِّطرَنج، وهي أخفُّ حالاً من النَّرْدِ، انتهت (2).
ومُرادُه كَراهة التحريم؛ إذ هو كثيرًا ما يُطلِق الكراهة ويريدُ بها التحريم؛ ولهذا قال فِي "البيان": المنصوص فِي "الأم" التحريمُ، وقيل: إنَّه مكروهٌ كراهةَ تنزيهٍ، وعليه أبو إسحاق المروزي، والإسفراييني، وحُكِي عن ابن [خير الله](3) وإفتاء أبي الطيب، وغلط الأصحاب هذا الوجه وقالوا: إنَّه ليس بشيء؛ لمخالفته الأدلة الآتية؛ إذ هي صريحة فِي التحريم بل فِي كونه كبيرةً كما يأتي، والمنقول عن الشَّافِعِي وأكثر أصحابه، فبطل هذا القول، وإنما يُحكَى ليُبيَّن بُطلانُه وزيفُه، وأنَّه لا يُعوَّل عليه ولا يُنظَر إليه، وممَّا يُزيِّفه أيضًا نقلُ القُرطبي فِي "شرح مسلم" اتِّفاقَ العلماء على تحريم اللعب به، ونقَل الموفَّق الحنبلي فِي "مغنيه" الإجماعَ على تحريم اللعب به (4)، وأمَّا قول جمعٍ: إنَّ المنصوصَ عليه فِي "الأم" وغيرها الكراهة، فهو غلطٌ منهم إنْ أرادوا كراهة التنزيه؛ لما مرَّ أنَّ الشَّافِعِي رضي الله عنه يُطلِق قوله:
(1) النرد: قال ابن منظور: والنرد معروف شيء يُلعَب به، فارسي معرَّب وليس بِعَربي وهو النَّرْدشير وفي الحديث:((مَن لعب بالنَّرْدشير فكأنما غمَس يدَه في لَحْمِ الخِنزير ودَمِه)) النرد: اسم أَعجمي مُعَرَّبٌ وشِير بمعنى حُلْو؛ "لسان العرب"(نرد)، وفي "المعجم الوسيط": لعبة ذات صندوق وحجارة وفصَّيْن تعتمد على الحظ وتنقل فيها الحجارة على حسَب ما يأتي به الفص (الزهر) وتعرف عند العامة بـ (الطاولة) يُقال: لعب بالنرد؛ "المعجم الوسيط"(نرد).
(2)
"الأم"؛ لمحمد بن إدريس الشَّافِعِي (6/ 225) طبعة دار المعرفة.
(3)
في (ز1): حيزان، والمثبت من (ز2).
(4)
"المغني"؛ لابن قدامة (10/ 172) ط دار إحياء التراث العربي.
وأكره كذا، مريدًا به التحريم كثيرًا؛ ولهذا قال فِي "البيان" كما مرَّ: إنَّ المنصوص فِي "الأم" التحريم، وبه قال كثير أصحابنا، وقال الروياني فِي "الحلية": أكثر أصحابنا على التحريم وقالوا: إنَّه مذهب الشَّافِعِي.
(تَنْبِيه) الدليل على تحريمه وتغليظ العُقوبة فيه خَبَرُ أحمد، ومسلم، وأبي دواد، وابن ماجه، وأبي عوانة، وابن حبَّان أنَّه صلى الله عليه وسلم قال:((مَن لعب [بالنَّردَشير] (أي: بفتح الدال) فكأنَّما غمَس يدَهُ في لحمِ خِنزير ودَمِه)) (1).
وخبر أبي داود وغيره، وصحَّحه ابن حبان، وقيل: فيه انقطاعٌ عَن أبِي مُوسى الأشْعريِّ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((مَن لعِب بالنَّرْدِ فقد عصَى الله ورسُولَه)) (2).
وخبر أحمد، وأبي يعلى، والبيهقي وغيرهم:((مَثَلُ الذي يلعَبُ بالنَّرْدِ ثم يقومُ يصلِّي، مَثَلُ الذي يتوَضَّأُ بالقيحِ ودَمِ الخِنْزِير، ثم يقومُ فيُصلِّي)) (3)؛ أي: فلَا تُقبَلُ له صلاة، كما صرَّحت به روايةٌ أخرى.
وخبر أحمد: [ز1/ 38/ب]((مَن لعبَ بالكِعاب فقدْ عصَى الله ورسولَه)) (4).
(1) أخرجه مسلم (2260)، وأبو داود (4939)، وابن ماجَهْ (3763)، وأحمد (5/ 352)، والبخاري في "الأدب المفرد"(1271) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود (4938)، وابن ماجَهْ (3762)، ومالك (1718)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 214)، وابن أبي شيبة (5/ 286 رقم 26141) وصحَّحه ابن حبان (5872)، والحاكم (160)، ووهم مَن عزاه إلى تخريج مسلم.
(3)
أخرجه أحمد (5/ 370)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 215)، وأبو يعلى (2/ 355 رقم 1104)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 291 رقم 1244) من حديث عبدالرحمن بن سعيد عن أبيه، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع"(8/ 113) رواه أحمد، وأبو يعلى وزاد:((لا تُقبَل صَلاته)) والطبراني، وفيه موسى بن عبدالرحمن الخطمي، ولم أعرفه، وبقيَّة رجال أحمد رجال الصحِيحِ.
(4)
أخرجه أحمد (4/ 392)، وعبد بن حميد في "مسنده"(1/ 193 رقم 548)، والروياني في "مسنده"(1/ 352 رقم 541)، والحاكم (1/ 115 رقم 161) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وخبر البيهقي عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: ((مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قومٍ يلعَبُون بالنَّرْدِ فقال: قلوبٌ لاهيةٌ، وأيدٍ عاملةٌ، وأَلسِنَةٌ لاغيةٌ)) (1).
وخبر أحمد: ((إيَّاكم وهاتانِ الكعبتانِ الموسُومتانِ اللتانِ [تزجُرانِ زَجْرًا]، فإنَّها من المَيْسِر؛ ميسرُ العَجَمِ)) (2).
وخبر الطبراني: ((اجتَنِبُوا هذه الكِعابَ الموسومة التي [يُزْجَرُ بها زَجْرًا]، فإنَّها من المَيْسِرِ)) (3).
وخبَر الديلمي: ((إذا مَررتُمْ بهؤلاءِ الذين يلعَبون بهذه الأزلام، والشطرنج، والنرد، وما كان من هذه - أي: وما شابه ذلك من كلِّ لهوٍ محرَّم - فلا تُسلِّموا عليهم، وإنْ سلَّموا عليكم فلا تردُّوا عليهم)) (4).
وفي روايةٍ تأتي في مبحث الشِّطرنج: ((إذا مرَرتُم بهؤلاء الذين يلعَبُون بهذه الأزلام النرد والشطرنج وما كان من اللهو فلا تُسلِّموا عليهم؛ فإنهم إذا اجتمعوا وأكبُّوا عليها جاءَهم الشيطان بجنوده فأحدَق بهم كلَّما ذهَب واحدٌ منهم يصرف بصَرَه عنها، لكَزَه الشيطان بجنوده، فلا يزالون يلعَبُون
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 216)، و"الشعب"(5/ 241 رقم 6516)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(45) مرسلاً عن يحيى بن أبي كثير.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 446) من حديث ابن مسعود، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (8/ 113): رواهُ أحمدُ والطبرانيُّ، ورجالُ الطبرانِيِّ رجالُ الصحِيح.
(3)
أخرجه بن أبي حاتم في "العلل"(2/ 297 رقم 2403) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع"(8/ 113): رواه الطبرانيُّ، فيه عليُّ بن يزيدَ، وهو متروكٌ، وقال أبو حاتم: هذا حديثٌ باطل، وهو من عليِّ بن يزيد، وعثمان لا بأسَ به.
(4)
أورده أبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب"(1/ 269 رقم 1045) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
حتى يتفرَّقوا كالكلاب إذا اجتمعت على جِيفةٍ فأكلت منها حتى مَلأت بُطونها ثم تفرَّقت)) (1).
وخبر ابن أبي الدنيا والبيهقي: ((اتَّقوا هذين الكعبين الموسومين اللذَيْن يزجران زجرًا، فإنهما من ميسر العجم)) (2).
وخبَرُ أبي داود في "مراسيله": ((ثلاثٌ [من] الميسر: [القمار]، والضرب بالكِعاب، والصفير بالحمام)) (3)، وحِكمة تحريمه أنَّ فيه حرزًا وتخمينًا فيُؤدِّي إلى التخاصُم والفتن التي لا غاية لها، ففطم الناس عنه حذَرًا من الشُّرور التي تترتَّب عليه.
(تَنْبِيه ثانٍ) اختلف أصْحابنا فِي اللعب بالنرد كبيرة أو صغيرة، وظاهر الأخبار المذكورة أنَّه كبيرةٌ، لا سيَّما الخبر الأوَّل، والخبر الذي فيه عدَم قبول الصلاة، وقد ذكَرتُ ذلك فِي "الزَّواجر عن اجتناب الكبائِر"، فقلت عقب ذكر تلك الأحاديث: عدُّ هذا هو ظاهِرُ هذه الأخبَارِ، لا سيَّما الخبر
(1) لم أقفْ عليه.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 446)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 215)، و"الشعب"(5/ 238 رقم 6502) من حديث ابن مسعود، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (8/ 113): رواه أحمد والطبراني، ورجال الطبراني رجالُ الصحِيح.
(3)
أخرجه أبو داود في "المراسيل"(1/ 350 رقم 518) عن يزيد بن شريح مرسلاً، وأورده المناوي فِي "فيض القدير" وقال:((ثلاث من الميسر)) كمسجد ((القِمار)) بكسر القاف ما يتخاطَر الناس عليه؛ كان الرجل فِي الجاهلية يُخاطِر عن أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بهما، ((والضرب بالكعاب))؛ أي: اللعب بالنرد، قيل: لما وجد الحكماء الدُّنْيَا تجري على أسلوبين مختلفين منها ما يجري بحكم الاتِّفاق، ومنها ما يجري بحكم الفكر والتخييل والسعي، وضَعُوا النرد مثالاً للأوَّل، والشِّطرَنج للثاني، ((والصفير بالحمام))؛ أي: دُعاؤها للعب بها، وفي "المصباح": الصفير: الصوت الخالي عن الحروف (د فِي "مراسيله" عن يزيد بن شُرَيح) بالتصغير، كذا وقفت عليه فِي نسخ، وهو إمَّا تحريفٌ من النساخ أو سهْو من المؤلف، وإنما هو شريك بن طارق (التيمي) الكوفي قال ابن حجر: يُقال: إنَّه أدرك الجاهليَّة (مرسلاً) أرسل عن أبي ذر وعمر، قال الذهبي:"ثقة"؛ "فيض القدير"؛ للمناوي (3/ 292 رقم 3433).
الثاني، والخبر الثالث؛ أنَّ التشبيه الذي فيهما يفيدُ وعيدًا شديدًا لو لم يكنْ منه إلا عدَم قبول الصَّلاة، وبذلك صرَّح في "البيان" نقلاً عن أكثر الأصحاب فقال: قال أكثر أصحابنا: يحرم اللعب بالنرد، وهو المنصوص في "الأم"، ويفسق به وتردُّ به الشهادة، اهـ (1).
وسَبَقه إلى ذلك الماورديُّ فصرَّح به في "حاويه"، [وعبارته]: الصحيح الذي ذهَب إليه الأكثَرُون [ز1/ 39/أ] تحريمُ اللعب بالنرد، وأنَّه فسقٌ تردُّ به الشهادة، انتهت، وتبعه الروياني في "البحر" على عادته فقال بعد قول الشافعي في المختصر: وأكرَهُ اللعب بالنرد [للخبر؛ قال عامَّة أصحابنا: يكره اللعب بالنرد](2) وتردُّ به الشهادة والكراهة للتحريم، وقال أبو إسحاق: هو كالشِّطرنج سواء وهذا غلطٌ، ا. هـ (3).
(1) قال الشافعي في "الأم" شهادة أهل اللعب (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: يُكرَه من وجه الخير اللعبُ بالنرد أكثر ممَّا يُكرَه اللعب بشيءٍ من الملاهي، ولا نحبُّ اللعب بالشِّطرَنج، وهو أخفُّ من النرد، ويكره اللعب بالحزة والقرق، وكل ما لعب الناس به؛ لأنَّ اللَّعِبَ ليس من صَنعة أهل الدِّين ولا المروءة، ومَن لعب بشيءٍ من هذا على الاستِحلال له لم تردَّ شهادته، والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر يلعبون بها إنْ غفل به عن الصلوات فأكثَرَ حتى تفوته ثم يعودُ له حتى تفوته ردَدْنا شَهادته على الاستِخفاف بمواقيت الصلاة كما نردها لو كان جالسًا فلم يُواظِب على الصلاة من غير نسيان ولا غلَبَة على عقل، فإنْ قيل: فهو لا يترك الصلاة حتى يخرج وقتُها للعب إلا وهو ناسٍ؟ قيل: فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، وإنْ عاد له وقد جرَّبه يورثه ذلك فذلك استخفافٌ.
فأمَّا الجلوس والنسيان فممَّا لم يجلب على نفسه فيه شيئًا إلا حديث النفس الذي لا يمتنع منه أحدٌ، ولا يأثَم به، وإنْ قبح ما يحدث به نفسه، والناس يمتنعون من اللعب، فأمَّا مُلاعَبة الرجل أهلَه وإجراؤه الخيل، وتأديبه فرسه، وتعلُّمه الرمي ورميه - فليس ذلك من اللعب، ولا يُنهَى عنه.
وينبغي للمرء أن لا يبلغ منه، ولا من غيره من تلاوة القرآن، ولا نظَر في عِلم ما يشغله عن الصلاة حتى يخرج وقتها، وكذلك لا يتنفل حتى يخرج من المكتوبة؛ لأنَّ المكتوبة أوجب عليه من جميع النَّوافل؛ "الأم"؛ لمحمد بن إدريس الشَّافِعِي (6/ 225) طبعة دار المعرفة.
(2)
سقط من (ز2).
(3)
"الزواجر عن اقتراف الكبائر"(2/ 331) طبعة دار الفكر.
وعبارة [تحريم](1) الروياني: وقال بعض أصحابنا فإنْ فعل فسق وردت شَهادته، وعبارة المحاملي فِي "تجريده": مَن لعب به فسق ورُدَّتْ شَهادته، هذا قول عامَّة أصحابنا إلا أبا إسحاق قال: هو كالشِّطرَنج وليس بشيءٍ، والأوَّل هو المذهب، ا. هـ.
وقال إمام الحرمين: الصحيح أنَّه من الكَبائر، [واعتمد] ذلك الأذرعيُّ فقال: مَن لعب بالنرد عالِمًا بما [جاء] فيه مستحضرًا له، فسق وردَّت شهادته فِي أيِّ بلد كان، لا من جهة ترْك المروءة بل لارتكاب النَّهي الشديد، ا. هـ.
والذي جرَى عليه الرَّافِعِي وسبَقَه إليه الشيخ أبو محمَّد أنَّه صغيرة، وعبارة الرَّافِعِي: ما حكمنا بتحريمه كالنرد هل هو من الكبائر حتى ترد الشهادة بالمرَّة الواحدة منه، أو من الصغائر يتعيَّن فيه الإكثار؟ فيه وجهان: كلام الإمام يميلُ إلى ترجيح أوَّلهما، والأشبه الثاني، وهو المذكور فِي "التهذيب" وغيره، ا. هـ.
واعتَمَده الأسنوي فقال: والصحيح ما قاله الشيخ أبو محمد، كذا رجَّحَه الرَّافِعِي فِي آخِر الفصل ثم أورد كلامه هذا، ثم قال: ورجَّحه الشرح الصغير لكن اعترض الإمام البلقيني ما رجَّحَه الرَّافِعِيُّ فقال: إنْ كان مورد التصحيح ما صحَّحه الأكثرون فقَد نقَل المحاملي فِي "التجريد" عن عامَّة الأصحاب مثلَ ما صحَّحه الإمام؛ أي: إنَّه كبيرة مطلقًا، وذكره الماوردي عن الأكثَرين أيضًا وقال: إنَّه الصحيح، وحينئذٍ فلا يستقيمُ قول الرَّافِعِي: إنَّه المذكور فِي "التهذيب" وغيره، وإنْ كان المراد الدليل فأين الدليل الذي استدلَّ به على مُدَّعاه، ا. هـ.
(1) في (ز1): تجزئه.
وأشار بذلك إلى أنَّ القول بأنَّه صغيرةٌ مخالفٌ لما عليه الأكثرون، وهو ظاهر؛ لما مرَّ من النَّقل عنهم، ولما جاء فيه من السُّنَّة وهو ظاهرٌ أيضًا لما مرَّ من الوعيد الشديد فيه، وفصَّل بعضُهم فقال: ينظر إلى عادة البلد؛ فحيث استعظَمُوه رُدَّتْ [شهادته] بمرَّة واحدة منه [ز1/ 39/ب] وإلا فلا، وهذه التفرِقة ضعيفة كما قاله البلقيني، وعلى القول بأنَّه صغيرةٌ فمحلُّه حيث خَلا عن القمار وإلا فهو كبيرةٌ بلا نِزاع كما أشار إليه الزركشي، وهو واضحٌ.
(تَنْبِيه ثالث) يُسمَّى نردشير بالشين المعجمة والراء نسبةً لأوَّل مُلوك الفرس؛ من حيث كونه أوَّل مَن وضَع له ذكره فِي "المهمات"، وقال القاضي البيضاوي فِي "شرح المصابيح": يُقال: وضَعَه سابور ابن أزدشير ثاني ملوك الساسان ولأجْله يُقال له: النردشير، وشبَّه رقعته بالأرض وقسمها أربعة أقسام تشبيهًا بالفصول الأربعة، وقال الماوردي: قيل: إنَّه على الفصول الاثني عشر، والكواكب السبعة؛ لأنَّ بيوته اثنا عشر كالبروج ونقطه من جانبي الفص سبع كالكواكب السبعة، فعدل به إلى تدبير الكواكب والبروج.
(خاتمة): فِي بيان أنَّ اللهو المباح مأذونٌ فيه منه صلى الله عليه وسلم وأنَّه فِي بعض الأحوال قد لا يُنافِي الكمال:
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ لهوِ المؤمِن السباحةُ، وخيرُ لهوِ المرأة المِغزَل))؛ أخرجه ابن عدي (1).
(1) أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 152)، وأورده ابن حجر في "لسان الميزان" في ترجمة "جعفر بن نصر" وهو: متَّهم بالكذب، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 268) وقال: هذا حديث لا يصحُّ.
وعن جابر بن عبدالله وجابر بن عمير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّ شيءٍ ليس من ذِكر الله لهوٌ ولعب، إلا ملاعبة الرَّجل امرأتَه، وتأدِيب الرَّجل فرسَه
…
)) الحديث؛ رواه النسائي (1).
وفي روايةٍ: ((اللهو في ثلاثٍ: [في] تأديب فرسك، ورميك بقوسك، ومُلاعبتك أهلَك)) (2).
وعن المطَّلب بن عبدالله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الهوا والعَبوا؛ فإنِّي أكرَهُ أنْ أرى في دِينكم غِلظة))؛ رواه البيهقي (3).
(1) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(5/ 303 رقم 8940)، والطبراني في "المعجم الكبير"(2/ 193 رقم 1785)، "والأوسط"(8/ 118 رقم 8147)، وقال ابن حجر في "الدراية" (2/ 240): أخرجه النسائي وإسحاق والطبراني والبزار بإسناد حسن، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 180 رقم 2014): رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد.
(2)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5/ 278 رقم 5309)، وصحَّحه الحاكم في "المستدرك" (2/ 104 رقم 2468) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (5/ 269): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سويد بن عبدالعزيز، قال أحمد: متروك، وضعَّفه الجمهور ووثَّقه دحيم، وبقيَّة رجاله ثقات، وقال الزيلعي في "نصب الراية" (4/ 274): وأمَّا حديث أبي هريرة: فرواه الحاكم في "المستدرك" في الجهاد عن سويد بن عبدالعزيز، ثنا محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((كلُّ شيءٍ من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة: انتضالك بقَوْسِك، وتأديبك فرسك، ومُلاعبتك أهلك، فإنهنَّ من الحق))، مختصر، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، انتهى.
وتعقَّبَه الذهبي في "مختصره"، فقال: سويد بن عبدالعزيز متروكٌ، انتهى.
وقال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل"(1/ 302 رقم 905، 1/ 335 رقم 997) سألت أبي، وأبا زرعة عن حديث رواه سويد بن عبدالعزيز عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال
…
فذكره، فقالا: هذا خطأ وَهِمَ فيه سويد، إنما هو عن ابن عجلان عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، قال: بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكره؛ هكذا رواه الليث وحاتم بن إسماعيل وجماعة، وهو الصحيح مرسلاً، قال أبي: ورواه ابن عُيَينة، عن ابن أبي حسين، عن رجل، عن أبي الشعثاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضًا مرسلٌ، انتهى كلامُهُ بتصرف يسير.
(3)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(5/ 247 رقم 6542)، وأورده أبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" (1/ 106 رقم 357) وقال البيهقي: هذا منقطع، وإنْ صحَّ فإنه يرجع إلى اللهو المباح، قال المناوى (2/ 161): فيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغسانى، قال الذهبى في الضعفاء: جرحه ابن حبان، وعمرو بن أبى عمرو مولى المطَّلب أورده أيضًا في "الضعفاء"، وقال: ليَّنَه يحيى وقال أحمد: لا بأس به.
وعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها - أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الأنصار فيهم غزل، فلو أرسَلتُم مَن يقولُ: أتيناكم أتيناكم، فحيَّانا وحيَّاكم))؛ رواه البيهقي (1).
وعن جابرٍ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أهديتُم الجارية - أي: زفَفتُموها إلى زوجها - فهلا بعَثْتُم معها مَن يغنيها يقول: أتيناكم أتيناكم،
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 289 رقم 14468) من حديث أبي الزبير عن جابر عن عائشة رضي الله عنها والطبراني في "المعجم الأوسط"(3265) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع"(4/ 289): "رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه رواد بن الجراح وثَّقَه أحمد وابن معين وابن حبان، وفيه ضعف".
وأخرجه ابن ماجه (1900) من حديث أبى الزبير عن ابن عبَّاس قال: أنكحت عائشة ذات قَرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((أهديتُم الفتاة؟)) قالوا: نعم، قال:((أرسلتم معها مَن يُغنِّي؟)) قالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنَّ الأنصار قومٌ فيهم غزل، فلو بعثتُم معها مَن يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيَّانا وحيَّاكم)).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة "(2/ 107): "هذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلا أنَّ الأجلح مُختلَفٌ فيه، وأبو الزبير قال فيه ابن عُيَينة: يقولون: إنَّه لم يسمَعْ من ابن عبَّاس، وقال أبو حاتم: رأى ابن عباس رؤيةً، انتهى، وأصله في "صحيح البخاري" من حديث ابن عبَّاس بغير هذا السِّياق، وله شاهدٌ من حديث جابر رواه النسائي في "الكبرى"، ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" من حديث جابرٍ عن عائشة، ورواه مُسدَّد في "مسنده" من حديث جابر، ورواه أحمد بن منيع في "مسنده" من طريق أبي الزبير عن جابر به"، وأحمد (3/ 391)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 332) من حديث أبي الزبير عن جابر، وأحمد (4/ 77) من طريق عمرو بن يحيى المازني عن جدِّه أبى حسن أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يكرَهُ نكاح السرِّ حتى يضرب بدفٍّ ويُقال: أتيناكم أتيناكم، فحيُّونا نحيِّيكم، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (4/ 289): رواه ابن أحمد، وفيه حسين بن عبدالله بن ضميرة، وهو متروكٌ".
فحيونا [نحيِّيكم]، فإنَّ الأنصار قومٌ فيهم غزل))؛ رواه أحمد، وابن منيع وغيرهما (1).
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((هل كان معكم من لهوٍ، فإنَّ الأنصار يحبون اللهو))؛ رواه الحاكم (2).
وعن [زوج ابنة أبي لهب](3)[ز1/ 40/أ][قال]: دخَل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوَّجتُ ابنة أبي لهب فقال: ((هل من لهو؟))؛ رواه أحمد (4).
وعن أبي أيُّوب رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((ما من شيءٍ تحضره الملائكة من اللهو إلا ثلاثة: الرجل مع امرأته، وإجراء الخيل، والنضال))؛ رواه الحاكم في "الكنى"(5).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخَل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعِندى جاريتان من جَوارِى الأنصار تُغنِّيان بما تَقاوَلت به الأنصار يوم بُعاث وليستا بمغنِّيتين، فقال أبو بكر [الصِّدِّيق رضي الله عنه]: أبمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك
(1) أخرجه أحمد (3/ 391)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 332) من حديث أبي الزبير عن جابر، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (4/ 289): رَواه أحمد، والبزَّار، وفيه الأجلح الكندي وثَّقَه ابن معين وغيره، وفيه ضعفٌ، وبقيَّة رجاله ثقاتٌ.
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 288 رقم 14464)، وصحَّحه الحاكم في "المستدرك"(2/ 200 رقم 2749).
(3)
في المخطوط والمطبوع: وعن روح بنت أبي لهب قالت، والصواب ما ذكرناه مصوبًا من مصادر التخريج.
(4)
أخرجه أحمد (4/ 67)، والطبراني في "الكبير"(24/ 258)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2/ 148 رقم 868)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(6/ 3)، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (4/ 289): رواه أحمد والطبراني، وفيه معبد بن قيس، ولم أعرِفْهُ.
(5)
أخرجه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"(4/ 1478) وقال: عبدالله هو الليثى مدني ضعَّفه أبو حاتم، وأورده المتَّقي الهندي في "كنز العمال"(15/ 214 رقم 40632) وعَزاه إلى الحاكم في "الكنى".
في يوم عيد، فقال:((يا أبا بكرٍ، لكلِّ قوم عيدٌ، وهذا عيدُنا))؛ رواه البخاري ومسلم (1).
وجاء عن عمر رضي الله عنه ((أنه كان إذا خلا في بيته ترنم بالبيت والبيتين))؛ ذكره المبرد في "كامله" في قصة، وذكره البيهقي في "المعرفة" عن عمر وغيره، ورواه المعافى النهرواني في كتاب "الجليس والأنيس"(2)، وابن منده في "المعرفة" في ترجمة أسلم الحاوي في قصة، وروى أبو القاسم الأصبهاني شيئًا من ذلك في قصة (3).
(1) متفق عليه: البخاري (949)، ومسلم (892).
(2)
المعافى بن زكرياء بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود، أبو الفرج النهرواني، ويُعرَف بابن طرارى، وُلِدَ سنة ثلاث وثلاثمائة، وقيل: سنة خمس وثلاثمائة، وكان إمامًا في النحو واللغة وأصناف الآداب، وكان يتفقَّه على مذهب محمد بن جرير الطبري. وصنَّف كتاب "الجليس والأنيس"، قال المعافى المذكور: حججت فكنت بمنًى فسمعت مناديًا ينادي: يا أبا الفرج، فقلت: لعلَّه غيري، ثم نادى يا أبا الفرج المعافى، فهممت أنْ أجيبه، ثم إنَّه رجع فنادى: يا أبا الفرج المعافى بن زكرياء النهرواني، فقلت عند ذلك: ها أنا، فما تريد؟ قال: لعلك من نهروان الشرق؟ قلت: نعم، قال: نحن نريدُ نهروان الغرب، قال: فعجبت من هذا الاتِّفاق، قلت: وهذا من الغرائب كونه طابق اسمه واسم أبيه والكنية والشهرة ويكون هذا من نهروان الشرق، وذاك من نهروان الغرب، وكانت وفاته في ذي الحجة وله خمس وثمانون سنة؛ "النجوم الزاهرة"؛ لابن تغري بردي.
(3)
أورد هذه القصة شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي في "المستطرف في كل فن مستظرف"(2/ 319) فقال: وعن عبدالله [الصواب عبدالرحمن] بن عوف قال: أتيت باب عمر بن الخطاب - رضِي الله تعالى عنه - فسمعته يغني بالركابية يقول:
فَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا = قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
وكان جميل بن معمر من أخصاء عمر قال: فلمَّا استأذَنتُ عليه قال لي: أسمعتَ ما قلت؟ قلت: نعم، قال: إذا خلونا ما يقول الناس في بيوتهم، وأورد هذه القصَّة ابن عبدالبر في "الاستيعاب"(1/ 73)، وابن الأثير الجزري في "أسد الغابة"(1/ 187)، وابن حجر في "الإصابة" (1/ 500) بلفظ: "وقال الزبير بن بكار: جاء عمر بن الخطاب إلى عبدالرحمن بن عوف فسمعه يَتغنَّى بالنصب يقول:
فَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا = قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
فقال: ما هذا يا أبا محمد؟ قال: إنَّا إذا خلَوْنا قلنا ما يقول الناس، وذكر المبرد هذه القصة فجعل عمر هو الذي كان يتغنَّى والله أعلم، قلت: لم أقف على أحدٍ أسند هذه الحكاية سواء عن عمر أو عبدالرحمن رضي الله عنهما.
(تنبيه) قوله صلى الله عليه وسلم: ((الهوا والعَبوا فإنِّي أكرَهُ أنْ أرى في دِينكم غِلظة)) (1)، فيه دليلٌ لطلب ترويح النفوس إذا [سَئِمتْ]، وجَلائها إذا صدأت باللهو واللعب المباح.
ومن ثَمَّ جاء عن عليٍّ كرم الله وجهه: "القلب إذا [كره] عمي"(2).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان، فاطلُبوا لها [طرائفَ] الحكمة"(3).
وعن غيره: "روِّحوا هذه القُلوب؛ فإنها سريعة [الدثور])) (4).
وعن عمر بن عبدالعزيز: "أنَّ ولده لَمَّا قال له: إنَّك لتَنام القائلة وذو الحاجة على بابك غير نائم! أجابَه بقوله: يا بنيَّ، إنَّ نفسي مطيَّتي، وإنْ حملت عليها في الطلب خسرتها)) (5).
(1) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(5/ 247 رقم 6542)، وأورده أبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب"(1/ 106 رقم 357)، وقال البيهقي: هذا منقطع، وإنْ صحَّ فإنه يرجع إلى اللهو المباح، قال المناوى (2/ 161): فيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغسانى، قال الذهبى في "الضعفاء": جرحه ابن حبان. وعمرو بن أبى عمرو مولى المطَّلب أورده أيضًا في الضعفاء، وقال: ليَّنه يحيى، وقال أحمد: لا بأس به.
(2)
لم أقفْ عليه.
(3)
لم أقفْ عليه من حديث ابن مسعود، وأخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 129 رقم 1389)، وأبو سعد السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (1/ 68) عن عليٍّ رضي الله عنه موقوفًا بلفظ:"روِّحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة؛ فإنها تملُّ كما تملُّ الأبدان".
(4)
أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 91 رقم 268)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 144) عن الحسن بلفظ: "
…
أنَّه قال: حادثوا هذه القلوب بذكر الله فإنها سريعةُ الدثور، واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة، وإنما تنزع إلى شرِّ غاية وإنَّكم إنْ تطيعوها في كلِّ ما تنزع إليه لا يبقى لكم شيئًا".
(5)
أخرجه أحمد في "الزهد"، وابن أبي عاصم في "الزهد" (1/ 293) بلفظ: عن عبدربِّه بن هلال قال: قال عبدالملك [بن عمر. ت. أ] بن عبدالعزيز لأبيه وقد دخل في القائلة: يا أبت، علامَ تقيل وقد تداركت عليك المظالم؟ لعلَّ الموت يُدرِكك في مَنامك وأنت لم تقضِ دأب نفسِك ممَّا ورد عليك قال: فشدد عليه قال: فلمَّا كان اليوم الثاني فعل به مثل ذلك قال عمر: يا بني، إنَّ نفسي مطيَّتي، وإنْ لم أرفق بها لم تبلغني، يا بني، لو شاء الله عز وجل أنْ ينزل القُرآن جملةً واحدة لفعل، نزل الآية بعد الآية حتى إبطاء ذلك في قلوبهم، يا بني، إنِّي لم أجد الحقحقة ترد إلى خير.
وعن ابن عباسٍ أنَّه كان إذا أكثر الكلام في القُرآن والسنن قال لِمَن عنده: ((احمضوا بنا - أي: نوصوا [بنا] في الشعر والأخبار)) (1)، وأصل ذلك أنَّ الإبل إذا أكثَرت الرعي في النبات الحلو أخرَجُوها إلى ما فيه حموضة؛ خَوفًا عليها من الهلاك.
ورُوِيَ: إنَّ في صحيفةٍ لآل داود - صلَّى الله على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء وسلَّم -: "لا ينبغي للعاقل الكامل أنْ يخلي نفسَه من واحدةٍ من أربع: [ز1/ 40/ب] عمل لمعادٍ، أو صَلاح لمعاشٍ، أو فكر يَقِفُ به على ما يصلحه ممَّا يفسده، أو لذَّة في غير كرمٍ يستعينُ بها على الحالات الثلاث)) (2).
وروى الخطيب عن علي: "رَوِّحوا القُلُوب وابتغوا لها طَرائف الحكمة؛ فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدان"(3).
وقال غيرُه: "رَوِّحوا القلوب تَعِي الذِّكرَ"(4)، وقال الزهري: "كان رجلٌ يُجالِس أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويُذاكِرهم، فإذا كثُر
(1) لم أقفْ عليه، وأخرج البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 360 رقم 607)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 129 رقم 1392) نحوه عن الزهري بلفظ: "كان الزهري إذا سُئِلَ عن الحديث يقول أحمضونا، قال أبو أحمد: وذلك أنَّ الإبل ترعى الخلة وهو ما خلا من النبت فتسأمه، فترعى الحمض وهو الشورق، فإذا اختلفا منه اشتهت الخلة فترد إلى الخلة، فكذا قال: أحمضونا
…
الحديث حتى تتفتَّح النفس"، ورواية الخطيب: "كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من حديثكم؛ فإنَّ الأذن مجة والقلب حمض".
(2)
لم أقفْ عليه.
(3)
أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 129 رقم 1389)، وأبو سعدٍ السمعاني في "أدب الاملاء والاستملاء"(1/ 68) عن عليٍّ رضي الله عنه موقوفًا.
(4)
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 177 رقم 35115)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 104)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 129 رقم 1390) عن قسامة بن زهير.
وثقُل عليه الحديثُ قال: "إنَّ الأذُن مجاجة، ألا فهاتوا من أشعاركم وحَدِيثكم"(1).
(1) أخرجه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 360 رقم 606)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 129 رقم 1391).