المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم [الثاني]: اللعب بالشطرنج - كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌عملي في الكتاب

- ‌وصف النسخة:

- ‌1 - النسخة الخطية (ز1):

- ‌2 - النسخة الخطية (ز2):

- ‌3 - النسخة المطبوعة:

- ‌أمثلة للأخطاء في النسختين (الخطية، والمطبوعة) وتَمَّ تصويبها من مصادر التحقيق:

- ‌أمثلة الأخطاء في النسخة المطبوعة وتَمَّ تصويبها من المخطوط أو من مصادر التحقيق:

- ‌ترجمة ابن حجر الهيتمي

- ‌اسمه:

- ‌نسبه ومولده:

- ‌شيوخه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌ما أخذ العلماء عليه:

- ‌تصانيفه:

- ‌وفاته:

- ‌تنبيه:

- ‌صحَّة نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌المقدمةفي ذم المعازِف، والمزامِير، والأوتار ونحوها

- ‌الباب الأول: في أقسام الغناء المحرَّم وغيره

- ‌القسم الأول: فِي سماع مجرد الغناء من غير آلة

- ‌القسم الثاني: في سماع الغناء المقترن برقص أو نحو دف أو مزمار أو وتر

- ‌القسم الثالث: فِي قراءة القرآن بالألحان

- ‌القسم الرابع: فِي الدُّف

- ‌القسم الخامس: في الكُوبَة وسائر الطبول

- ‌القسم السادس: فِي الضرب بالصفاقتين

- ‌القسم السابع: في الضرب بالقضيب على الوسائد

- ‌القسم الثامن: فِي التصفيق ببطن أحد الكفين على الآخر

- ‌القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى:

- ‌القسم العاشر: في الشَّبَّابة والزَّمارَة وهي اليَراع

- ‌القسم الحادي عشر: الموصول

- ‌القسم الثاني عشر: المِزْمَار العِرَاقِي وما يُضرَب به مع الأَوْتَار

- ‌القسم الثالث عشر: الأوتار والمعازف

- ‌القسم الرابع عشر: في بيان أنَّ ما مرَّ صغيرة أو كبيرة

- ‌الباب الثاني: فِي أقسام اللهو المحرم وغيره

- ‌القسم الأول: اللعب بالنرد

- ‌القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج

- ‌القسم الثالث: اللعب بالحزة والقِرق

- ‌القسم الرابع: اللعب بما تسميه العامة الطاب والدك

- ‌القسم الخامس: اللعب بالكنجفة

- ‌القسم السادس: اللعب بالخاتم ونحوه

- ‌القسم السابع: اللعب بالجوز

- ‌القسم الثامن: اللعب بالحمام [

- ‌القسم التاسع: اللعب بغير الحمام

- ‌القسم العاشر: اللعب بأمورٍ أخرى في معنى ما مرَّ

- ‌القسم الحادي عشر: اللعب بالمسابقة بالجري ونحوه وبالمصارعة ونحوها

الفصل: ‌القسم [الثاني]: اللعب بالشطرنج

‌القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج

هو حَرامٌ عند أكثر العلماء، وكذا عندنا، أنَّ لعبَه مع مَن يعتقدُ تحريمه أو اقترن به قمارٌ أو إخراجُ صلاة عن وقتها أو سباب أو نحو ذلك من الفَواحش التي تغلب على أهله، وإلا كره كراهةَ تنزيهٍ.

(تَنْبِيه) الدليل على تحريمه مطلقًا أو بقيدٍ ممَّا ذكرناه الأحاديثُ الكثيرةُ فيه.

أخرَجَ أبو بكرٍ الأثرم في "جامعه" بسنده عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إنَّ لله عز وجل في كلِّ يوم ثلاثمائةً وستين نظرةً إلى خلقه، ليس لصاحب الشاه [فيها نصيب))، وفسَّر صاحب الشاه] بلاعب الشطرنج؛ لأنَّه يقول: شاه، وأخرجه الديلمي بلفظ:((إنَّ لله - تعالى - في كلِّ يومٍ وليلة ثلاثمائةً وستين نظرة لا ينظُر فيها إلى صاحب الشاه))؛ يعني: الشطرنج (1).

وأخرج الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" بلفظ: ((إنَّ لله تبارك وتعالى لوحًا ينظُر فيه في كلِّ يومٍ وليلة ثلاثمائةً وستين نظرة يرحَمُ بها عباده، ليس لأهل الشاه فيها نصيبٌ)) (2).

وأخرج أبو بكرٍ الآجري بسنده عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مرَرتُم بهؤلاء الذين يلعَبُون بهذه الأزلام - النرد والشطرنج وما كان من اللهو - فلا تُسلِّموا عليهم؛ فإنهم إذا اجتمَعُوا وأكبُّوا عليها جاءَهُم الشيطان بجنوده فأحدَقَ بهم، كلَّما ذهَب واحدٌ منهم

(1) أورده ابن حبان في "المجروحين"(2/ 297)، والديلمي في "الفردوس" (1/ 190 رقم 710) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه وقال ابن حجر في "الدراية" (2/ 240): رواه ابن حبان في "الضعفاء" في ترجمة محمد بن الحجاجِ المصغر وهو متروك.

(2)

أورده المتقي الهندي في "كنز العمال"(15/ 218 رقم 40657) وعَزاه إلى الخرائطي في "مساوي الأخلاق" من حديث واثلة بنِ الأسقعِ رضي الله عنه.

ص: 161

يصرف بصره عنها [لكَزَه] الشيطان بجنوده، فما يزالون يلعبون حتى يتفرَّقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملأت بطونها ثم تفرَّقت)).

وفي روايةٍ للآجُرِّي والدارقطني وأخرى: ((إذا مرَرْتُم بهؤلاء الذين يلعَبُون بالأزلام أو الشِّطرنج والنرد وما كان من اللهو [ز1/ 41/أ] فلا تُسلِّموا عليهم، وإنْ سلَّموا عليكم فلا تردُّوا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا وأكبُّوا عليها جاء إبليس - أخزاه الله - بجنوده فأحدَق بهم كلَّما ذهَب رجلٌ يصرف بصره عن الشطرنج [لكَزَه في ثغره] وجاءت الملائكة من وراء ذلك فأحدقوا بهم ولم يدنوا منهم، فما يزالون يلعبون حتى يتفرَّقوا عنها حين يتفرَّقون كالكلاب اجتمعت على جِيفة، فأكَلتْ منها حتى مَلأت بُطونها ثم تفرَّقت)) (1).

وأخرج ابن حزم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أشدُّ الناس عَذابًا يوم القيامة صاحب الشاه - يعني: صاحب الشطرنج - أمَا تراه يقول: قتلته، والله مات، والله افترى كذبا على الله)) (2).

وأخرج الديلمي: ((ملعونٌ من لعب بالشِّطرنج)) (3).

وأخرج ابن حزم: ((الشِّطرنج ملعونةٌ، ملعونٌ من لعب بها، والناظر إليها كآكل لحم الخنزير)) (4).

(1) أورده الديلمي في " الفردوس "(1/ 269 رقم 1045).

(2)

أورده ابن جزم في "المحلى"(7/ 569) من طريق ابن حبيبٍ حدثنا الجذامي، عن ابن أبي رواد، عن أبيه، ثم قال: عبدالملك لا شيء، وهو منقطع.

(3)

أورده الديلمي في "الفردوس"(4/ 126 رقم 6391) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4)

أورده ابن حزم في "المحلى"(7/ 569) من طريق عبدالملك بن حبيب عن أسد بن موسى، وعلي بن معبد عن ابن جريج عن حبة بن سلم. ثم قال: ابن حبيب لا شيء، وأسد ضعيف، وحبة بن سلم مجهول، وهو منقطع، وابن حجر في " لسان الميزان " (2/ 166) في ترجمة حبة بن سلم وقال: أخرجه بن حزم من طريق عبدالملك بن حبيب عن أسد بن موسى، وعلي بن معبد كلاهما عن بن جريج عن ابن جريج عن حبة بن سلم كذا قال، وقال بعده حبة بن سلم مجهول، وابن حبيب لا شيء، وأسد ضعيف وهو منقطع انتهى كلامه والسند الذي أورده أبو موسى هو من طريق عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد عن بن جريج قال حدثت عن حبة بن مسلم فذكره فأفاد أن بن حبيب لم ينفرد ولا شيخه ويكون في روايتهما سقط راو وهو من حديث بن جريج.

ص: 162

وأخرج الديلمي أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((مَلعونٌ مَن لعب بالشِّطرنج)) (1).

وأخرج أيضًا أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناسِ زمانٌ يلعَبُون بها، ولا يلعَبُ بها إلا كلُّ جبَّار، والجبَّار في النار (يعني: الشطرنج) لا يُوقَّر فيه الكبير، ولا يُرحَم فيه الصغير، يقتُل بعضهم بعضًا على الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب، لا يَعرفون معروفًا ولا يُنكرون مُنكرًا، يمشي الصالح فيهم مُستخفِيًا، أولئك شِرار خَلق الله لا ينظر إليهم)) (2).

وأخرج أيضًا: ((ألَا إنْ أصحاب الشاه في النار، الذين يقولون: قتلت والله شاهك)) (3).

وأخرج أيضًا: ((مَن لعب بالشِّطرنج فقد قارَف شِركًا، ومَن [يشرك] بالله فكأنما خرَّ من السَّماء)) (4).

وفي روايةٍ: ((مَن لعب بالشِّطرنج فقد عصَى الله ورسولَه)) (5).

(1) أورده الديلمي في "الفردوس"(4/ 126 رقم 6391) من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.

(2)

أورده الديلمي في "الفردوس"(5/ 440 رقم 8676) من حديث علي رضي الله عنه.

(3)

أورده الديلمي في "الفردوس"(1/ 138 رقم 488) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

أورده الفتني في "تذكرة الموضوعات"(1/ 187) وقال فيه: أبو عصمة الكذاب، وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (1/ 207): في إسناده كذَّاب، ولم يثبت في هذا الباب شيء.

(5)

أورده ابن عبدالبر في "التمهيد"(13/ 173) من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما وقال: هذا إسنادٌ عن مالك مظلم، وهو حديث موضوع باطل.

ص: 163

وأخرج أيضًا: ((اللاعِب بالشِّطرنج كالقاطع لحم الخنزير، والناظر إلى مَن يلعَبُ بالشطرنج كالغامس يده في لحم الخنزير)) (1).

وأخرج أيضًا: أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يُسلَّم على مَن لعب بنردٍ أو شِطرنج وعلى شارب الخمر)) (2).

وأخرج أيضًا: أنَّ عليًّا كرم الله وجهه مرَّ بقومٍ يلعَبون بها فلم يُسلِّم عليهم، فقال: أُسلِّم على قومٍ يَعكُفون على أصنامٍ لهم، سمعتُ خليلي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك (3).

وأخرج أيضًا: ((اللاعِبُ بالشِّطرنج يَأكُل لحمَ الخنزير)) (4).

وأخرج أيضًا: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقومٍ يلعَبُون الشِّطرنج فقال: ما هذه الكوبة؟ ألم أنه عنها؟! لعَن الله مَن لعب بها)) (5). [ز1/ 41/ب]

وفي روايةٍ: ((لعنَةُ الله على مَن يلعَبُ بها)) (6).

وأخرج أيضًا: ((نفرٌ من أمَّتي لا يُكلِّمهم الله ولا يَنظُر إليهم ولهم عَذاب أليم: المانعون الزكوات، والنائمون عن العِبادات، والمتلذِّذون بالشَّهوات، واللاعبون بالشاه، ومات الضاربون بالكُوبات

)) الحديث (7).

(1) أورده الديلمي في "الفردوس"(3/ 470 رقم 5462) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(1/ 207): في إسناده وضاع.

(2)

لم أقفْ عليه.

(3)

لم أقفْ عليه.

(4)

أورده الفتني في "تذكرة الموضوعات"(1/ 187) وقال: فيه مَن له موضوعات.

(5)

أخرجه ابن حبان في "المجروحين"(3/ 26 رقم 1065) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 783): لا أصلَ له، وقال ابن حجر في "الدراية" (2/ 240): أخرَجَه ابن حبان في ترجمة "مطهر بن الهيثم" وهو متروكٌ، وفي رجاله متروكان مجهولان أيضًا.

(6)

لم أقفْ عليه.

(7)

أورده الديلمي في "الفردوس"(3/ 36 رقم 4082) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: ((عشرة أصناف من أمَّتي لا يَنظُر الله إليهم يومَ القيامة ولا يُكلِّمهم ولهم عَذاب أليم، إلا أنْ يتوبوا أو يُنِيبوا: المتلذِّذون بالقهوات، واللاعبون بالمساهمات، والضاربون بالكوبات، واللاهون بالعرطيات، والمانعون الزكوات، والغانمون الأمانات، والنائمون عن العتمات والغدوات، والعشارون في الطرقات، والطالبون للشهوات واللذات، والراضوان في المنكرات)).

ص: 164

وأخرج الطبراني: إنَّ أعرابيًّا قال: يا نبيَّ الله، إنِّي رأيت البارحةَ في المنام أنَّه ليس من عبدٍ يشهَدُ أن لا إله إلا [الله] ويشهد أنَّك رسولُ الله إلا رفَعَه الله درجةً في الجنَّة، إلا أصحاب الشاه))؛ وهي الشطرنج (1).

وأخرج الديلمي: أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن اللعب بالشطرنج (2).

وأيضًا: ((يُغفَر ليلة النصف من شعبان لكلِّ متكبرٍ إلا صاحب الشاه))؛ يعني: الشطرنج (3).

وأخرج الحليمي حديثًا طويلاً فيه: ((ومَن لعب بالشطرنج والنرد [والجوز] والكعاب مقَتَه الله، ومَن جلس إلى مَن يلعَبُ بالشِّطرنج والنرد ينظُر إليهم [مُحيَتْ] عنه حسَناته كلها وصار ممَّن [مقته] الله)) (4).

قال علي كرم الله وجهه: ((الشطرنج ميسر الأعاجم)) (5).

(1) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(9/ 78 رقم 9181) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وقال الطبراني: لم يروِ هذين الحديثين عن نافعٍ عن ابن عمر إلا ثابت بن زهير، تفرَّد بهما داود بن مُعاذ ابن عمر، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (8/ 113): رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه ثابت بن زهير وهو ضعيفٌ.

(2)

لم أقف عليه.

(3)

لم أقف عليه.

(4)

أورده القرطبي في "تفسيره"(8/ 339).

(5)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، و"الشعب"(5/ 241 رقم 6518)، وقال البيهقي: هذا مُرسلٌ ولكنْ له شواهدُ.

ص: 165

ومرَّ [علي] كرم الله وجهه على قومٍ يلعَبون الشِّطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكِفون؛ لأنْ يمسَّ أحدكم جمرًا حتى تُطفَأ خيرٌ له من أنْ يمسَّها، ثم قال: والله لغيرِ هذا خُلِقتم (1).

وقال أيضًا: صاحب الشِّطرنج أكثَرُ الناس كذبًا يقول أحدهم: قتلت، وما قتل، ومات، وما مات (2).

وقال أبو موسى الأشعري: لا يلعَبُ بالشطرنج إلا خاطئ (3).

وقيل لإسحاق بن راهويه: أترى في اللعب بالشِّطرنج بأسًا؟ فقال: البأس كلُّه فيه، قيل له: أهل الثغور يلعَبُون بها لأجل الحرب، فقال: هو فُجور (4).

وسُئِلَ محمَّد بن كعب القرظي عن اللعب بها، فقال: أدنى ما يكون فيه أنَّ اللاعب بها يعرض - أو قال: يُحشَر - يومَ القِيامة مع أصحاب الباطل (5).

وسُئِلَ ابنُ عمر عنها - وهو صحيحٌ عنه - فقال: هي شرٌّ من الميسر (6)، ويُوافِقه قول مالك، وقد سُئِلَ عنها [فقال]: هي من النرد، ومرَّ في النرد أنَّه كبيرةٌ عند أكثر العلماء.

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، وأورده ابن حزم في "المحلى" (7/ 569) بلفظ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِرِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِشِطْرَنْجٍ فَقَالَ «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ» لَأَنْ يُمْسِكَ أَحَدُكُمْ جَمْرَةً حَتَّى تُطْفَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا، لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَضَرَبْت بِهَا وُجُوهَكُمْ ـ ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا، ثم قال: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ.

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212).

(3)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، و"الشعب"(5/ 241 رقم 6518) من حديث أبي مُوسَى الأشْعَرِي رضي الله عنه.

(4)

أخرجه أبو بكر الخلال في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(161).

(5)

لم أقفْ عليه.

(6)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، و"الشعب"(5/ 241 رقم 6518)، وأحمد في "الورع" (1/ 92) بلفظ: عن ابن عمرَ أنَّه سُئِلَ عن الشِّطرَنج فقال: هو شرٌّ من النرد.

ص: 166

وقال مالكٌ: بلغنا عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّه ولي مالاً ليتيمٍ فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها، ولو كان اللعب بها حَلالاً لما أجازَ إحراقها؛ لكونها مالَ يتيمٍ، لكنْ لَمَّا كان [ز1/ 42/أ] اللعب بها حَرامًا أحرَقَها، فتكون مثل الخمر إذا وجدت في مال اليتيم يجبُ إراقتها، هذا مذهب حبر الأمَّة ابن عباس رضي الله عنهما لكن قال الحافظ: هذا منقطعٌ، بل مُعضَل (1).

وعنه بسندٍ لا يصحُّ: المَيْسِرُ: النرد، والشِّطرَنج، والقمارُ حتى [الجُوزُ]، والفُلُوس، والحصَى، والكِعاب وما أَشبَه ذلكَ باطل حرامٌ (2).

وقيل لإبراهيم النخعي: ما تقولُ في اللاعب بها؟ فقال: إنَّه ملعون (3).

وقال وكيعٌ وسفيان (4) في قوله - تعالى -: {وأنْ تستَقسِموا بالأزلام} هي الشطرنج (5).

وقال مجاهد: ما من ميتٍ يموت إلا مُثِّلَ له جلساؤه الذي كان يجالسهم، فاحتضر بعض لاعبيها، فقيل له: قُل: لا إله إلا الله، فقال: شاهك، ثم

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، و"الشعب"(5/ 241 رقم 6518).

(2)

لم أقفْ عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما لكن أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 213)، وعبدالرزاق في "المصنف"(10/ 467)، والطبري في "تفسيره" (2/ 358) عن مجاهد موقوفًا بلفظ: الميسر القمار كله حتى الجوز الذي يلعب به الصِّبيانُ.

(3)

أورده المصنف في "الزواجر"(2/ 333).

(4)

الصواب قال: " سُفْيَان بْن وَكِيع " كما ذكره ابن جرير في تفسيره. وهو: سفيان بن وكيع بن الجراح روى عن: أبيه، وابن نمير، وابن عليَّه. وعنه: الترمذي، وابن ماجه، وابن جرير. توفي 247 هـ ـ (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني).

(5)

سورة المائدة: 3، وأثر سفيان بن وكيع أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/ 76) بلفظ: قال أبو جعفر: قال لنا سفيان بن وكيع: هو الشِّطرَنج.

ص: 167

ماتَ (1)، فكانت تلك الكلمة الخبيثة هي خاتمةَ نُطقِه بدل الكلمة الطيِّبة التي هي: لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ التي وعد صلى الله عليه وسلم: ((مَن كانت آخِرُ كلامِه بأنَّه يدخل الجنَّةَ)) (2) مع الناجين الفائزين السابقين.

(تَنْبِيه) إنْ قلت: هذه الأحاديث كلها [فيها] أعدَل شاهد وأظهَر مستند لما قاله أكثر العلماء أنَّ اللعب بالشِّطرَنج حرام مطلقًا وإن لم يقترن به شيء ممَّا مرَّ فما دليل القائلين بالحل؟ قلت: قال الحفَّاظ: إنَّ جميع تلك الأحاديث ليس فيها حديثٌ صحيحٌ ولا حسن، بل أقلها ضعيف وأكثرها منكر ساقط؛ ومن ثَمَّ قال الحافظ المنذري: وقد ورد ذكر الشِّطرَنج فِي أحاديث لا أعلم لشيء منها إسنادًا صحيحًا ولا حسنًا (3).

وقال شيخ الإسلام أبو الفضل العسقلاني: لا يَثبُت فِي الشِّطرَنج عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ، وقال تلميذه الحافظ السخاوي بعد ذِكره تلك الأحاديثَ والكلام على كلِّ واحدٍ منها بما يعلم منه أنَّه منكر ساقط - وهو الأكثر فيها - أو ضعيف: ليس فِي هذا الباب حديث صحيح، بل ولا حسن، فإنْ قلت: جاء عن عشرةٍ من الصحابة أنهم كرهوه وذموه كما مرَّ بعض ذلك، قلت: أكثر هؤلاء لم يصحَّ عنه ما نُقِلَ عنه وهم: عُقبة بن عامِرٍ، بل ما روي: لأَنْ أعبد وثنًا من دُون الله أَحَبُّ إلَيَّ من أنْ ألعَبَ

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في "المحتضرين"(238، 245).

(2)

أخرجه أبو داود (3116)، والبزار (2626)، والطبراني في "الكبير"(20/ 112)، والبيهقي في "الشعب"(1/ 108 رقم 94)، وابن منده في "الإيمان"(1/ 248)، وصحَّحه الحاكم (1/ 503 رقم 1299) من حديث مُعاذ بن جبل رضي الله عنه بلفظ:((مَن كان آخِر كلامه لا إله إلا الله دخَل الجنة))، قال ابن حجر في "تلخيص الحبير"(2/ 210) أعلَّه ابن القطان بصالح بن أبي عريب، وأنَّه لا يعرف، وتعقب بأنَّه روَى عنه جماعةٌ، وذكَرَه ابن حبان في "الثقات"، والحديث عند مسلم (26) من حديث عثمان رضي الله عنه بلفظ:((مَن مات وهو يعلَمُ أن لا إله إلا الله دخل الجنة)).

(3)

"الترغيب والترهيب"(4/ 24).

ص: 168

بالشِّطْرَنج (1)، كذبٌ صراح عليه؛ لأنَّ مثلَ هذه العبارةِ لا تصدر من مسلم، ومُعاذ، وأبو بكرة، وأبو سعيدٍ الخدري، وأبو موسى الأشعري، فإنَّ ما رُوِيَ عنه وإنْ صحَّ لكنَّه منقطعُ [ز1/ 42/ب] وعائشة، وابن عباس (2).

وأمَّا ما مرَّ عن ابن عمر فلا يلزم من كونه شرًّا من النرد الحرمة؛ لاحتمال أنَّه يرى حلَّ النرد، كما هو وَجْهٌ لبعض أصحابنا على أنَّه كما مرَّ عن علي مذهب صحابي وهو غير حجَّة عندنا لا سيَّما وقد جاء عن سبعةٍ من الصحابة أنَّ بعضهم لعبه وبعضهم أقرَّ عليه، وأُجِيبَ عن قول عليٍّ السابق أيضًا بأنَّ الشِّطرَنج إذ ذاك كان مصورًا بصور الفيلة ونحوها ممَّا هو موضوعٌ لها، وجاء عن كثيرٍ من التابعين ومَن بعدهم حلُّه وَعَنْ آخَرين امتناعه فيَتكافَآن نظير ما ذكر عن الصحابة، وإنْ كان القائلون بالحرمة أكثر.

فإنْ قلت: قد نازَع بعض الحفَّاظ المتأخِّرين فِي ثُبوت ما مرَّ عن أولئك السبعة الصحابة بأنَّ البيهقي أعلَمُ أصحاب الشَّافِعِي بالحديث وأنصحهم له ذكر إجماع الصحابة على المنْع منه ولم يحكِ عن الصحابة فِي ذلك نِزاعًا، قال: ومَن نقَل عن واحدٍ من الصحابة أنَّه رخَّص فيه فهو غالِطٌ، والبيهقي

(1) أورده ابن حزم في "المحلى"(7/ 569) من طريق ابن حبيب، عن أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن أبي قبيل، عن عقبة بن عامر الجهني، ثم قال: هذا كذبٌ بحت، ومَعاذَ الله أنْ يقول صاحب: إنَّ عبادة الأوثان من دون الله - تعالى - يعدلها شيءٌ من الذنوب، فكيف أنْ يكون الكُفر أخفَّ منها؟ ويحيى بن أيوب لا شيءَ، وأبو قبيل غير مذكور بالعدالة.

(2)

قال ابن القيم في "المنار المنيف"(1/ 134 رقم 303): أحاديث اللعب بالشِّطرَنج إباحةً وتحريمًا كلها كذبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يثبت فيه المنع عن الصحابة، وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (2/ 568): باب اللعب بالشِّطرَنج ليس فيه حديث صحيح.

ص: 169

وغيره من أهل الحديث أعلَمُ بأقوال الصحابة ممَّن ينقل أقوالاً بلا إسناد، والعلم عند الله - تعالى - ا. هـ.

قلت: الإجماع مدخولٌ؛ فقد جاء عن عمرَ من طرقٍ إباحتُه، فهو حسنٌ لغيره، بل صحَّح التاج السبكي بعضَ طرقه، وإنِ اعتُرِض، وصَحَّ عن الحسن بن علي رضي الله عنهما لكن من طريق الكلبي بن مزاحم، وهو وإنْ كان ثقةً على الأصحِّ إلا أنَّ اجتماعه بالصحابة مُنظَرٌ فيه، وكيف يُتعقَّل إجماع الصحابة والقائلون بالحلِّ من التابعين ومَن بعدهم لا يُحصَوْن؟ وصحَّ عن سعيد بن جبيرٍ أنَّه كان يلعبه من وَراء ظهره كثيرًا، وزعَم أنَّه تستَّر به عن طلَب الحجَّاج منه القضاء (1)، وكذا كان يلعبه بالغيب جماعةٌ آخَرون من التابعين؛ كالشعبي (2)، وهشام بن عروة (3).

(تَنْبِيه ثانٍ) ظاهر ما مرَّ عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وَعَنْ مالك، ووكيع، وسفيان، وإسحاق وغيرهم أنَّه كبيرة عند القائلين بتحريمه، وأمَّا القائلون بحِلِّه فلا يُنافِي كونه معصيةً فضلاً عن كونه صغيرة (4) فإنَّه إذا انضمَّ إليه قِمار أو إخراج صَلاة عن وقتها أو سب أو غير ذلك، فالمعصية والكبيرة إنما جاءَتْ من المنضمِّ إليه لا من ذاتِه، لكنْ قد يُفِيد

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 211) بلفظ: لَعِبَ سعيد بن جبير بالشِّطرنج من وراء ظهره، فيقول: بأيش دفع كذا؟ قال: بكذا، قال: ادفع بكذا.

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 211) بلفظ: قالَ مَعْمَرٌ: بلغنى أنَّ الشعبى كان يلعَبُ بالشطرنج ويلبس ملحفةً ويرخى شعرَه، وذلك أنَّه كان متواريًا من الحجاج.

(3)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 211) بلفظ: كان محمد بن سيرين وهشام بن عروة يلعبان بالشطرنج استدبارًا.

(4)

في المطبوع: فضلاً عن كونه كبيرة.

ص: 170

الانضِمام من القبح ما لم يُفدْه الانفِراد فلا يبعد جعْل [ز1/ 43/أ] هذا الانضِمام [من القُبح] مقتضيًا لمزيد التغليظ والتنفير عنه.

فإنْ قلت: كيف يكونُ إخراج الصلاة عن وقتها به كبيرةً مع أنَّه مشغولٌ به فهو غافلٌ، والغافل غير مُكلَّف، وكذا الجاهل والناسي فكيف يحكم بتأثيمه فضلاً عن كونه كبيرة؟

قلت: محلُّ عدَم تكليف النَّاسي والغافل والجاهل حيث لم ينشأ النسيان والغفلة والجهل عن تقصيره وإلا كان مُكلفًا آثمًا، أمَّا فِي الغَفلة فلمَّا صرَّحوا به فِي الشِّطرَنج من أنَّه لا يُعذَر باستغراقه فِي اللعب حتى خرَج وقت الصلاة وهو لا يشعُر؛ لما تقرَّر أنَّ هذه الغفلة نشَأتْ عن تقصيره بمزيدِ انكِبابه ومُلازمته على هذا المكروه حتى ضيَّع بسببه الواجب عليه، وأمَّا فِي الجهل فلِمَا صرَّحوا به من أنَّه لو مات إنسانٌ فمضَتْ عليه مُدَّةٌ ولم يُجهَّز ولا صُلِّي [عليه] أثم جاره وإنْ لم يعلم بموته؛ لأنَّ تركَه البحثَ عن أحوال جاره إلى هذه الغاية تقصيرٌ شديدٌ، فلم يبعد القول بعِصيانه وتأثيمه.

فإنْ قلت: ما الفرق عندكم بين النرد والشِّطرَنج؟

قلت: قد أشَرتُ إلى الفرق بقولي فِي النرد: وحِكمة تحريمه

إلى آخِر ما قدَّمته فِي مبحثه، وهو مستمدٌّ من فَرقِ أئمَّتنا بأنَّ التعويل فِي النرد على ما يخرجه الكعبان فهو كالأزلام، وفي الشِّطرَنج على الفكر والتأمُّل وأنَّه ينفع فِي تدبير الحرب.

(تَنْبِيه ثالث) اختلفوا فِي مشروعيَّة السلام على لاعبه والرد عليه، فعندنا يُشرَع عليه وإنْ علم أنَّه لا يجيب ويجب الردُّ عليه لو سلَّم، واختلف القائلون بحرمته؛ فقال أبو حنيفة: يسلم عليه؛ لأنَّه يشتغل بالرد عمَّا هو فيه،

ص: 171

وكَرِهَه أبو يوسف تحقيرًا له! لعلَّه يتوبُ، ومرَّ عن عليٍّ وغيره ما يشهَدُ له، وبه قال مالك وأحمد.

(تَنْبِيه رابع) فِي جملة الأقوال فِي الشِّطرَنج قد مرَّ أنَّ أكثر الصحابة والتابعين ومَن بعدهم على تحريم لعب الشِّطرَنج؛ ومنهم أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، ونُوزِع فِي نقْل التحريم عن مالك، ويردُّه قول ابن عبدالبر: أجمع مالك وأصحابه على تحريمه (1)، وبه جزَم الحليمي من كبار أصحابنا، واختاره القاضي الروياني، وجزم الذبيلي من أئمَّتنا أيضًا بأنَّه من الصغائر، وتمسَّك القائلون بالتحريم بقوله - تعالى -:{إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ} الآية (2)، فَسَّر علي وغيره الميسرَ بما يشمل الشِّطرَنج؛ حيث جعله منه [ز1/ 43/ب] ولم يَثبُتْ عن صحابيٍّ أنَّه خالَفَه فِي هذا التفسير، فهو إمَّا تفسير لغة فهو من أعلم أئمَّة اللسان فيُرجَع إليه، أو إبداء حُكمٍ فهو إجماع سُكوتي، أو قول صحابي لم يُخالَفْ، وهو حجَّة عند الجمهور، أو غيرهما فهو فِي حُكم المرفوع؛ إذ لا مجالَ للرأي فيه، وبقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الآية (3)، دلَّ على أنَّ كلَّ لهوٍ دعا قليلُه إلى كثيرِه وأوقع العَداوة والبَغضاء بين العاكفين عليه وصدَّ عن ذِكر الله وعَن الصلاة فهو كشُرب الخَمْر والميسر؛ فيكون حرامًا مثلهما، ولا شكَّ أنَّ الشِّطرَنج إذا استُكثِر منها يُؤدِّي لذلك كله، كيف ولاعبها لا يحسُّ بجوعٍ ولا عطشٍ ولا غيرهما من أحواله الضروريَّة فضلاً عن العاديَّة والعباديَّة، وقد شبَّه عليٌّ لاعبها بعابد

(1)"الاستذكار"؛ لابن عبدالبر (8/ 462) ط دار الكتب العلمية.

(2)

سورة المائدة: 90.

(3)

سورة المائدة: 91.

ص: 172

الصنم (1)، كما شبَّه صلى الله عليه وسلم شارِبَ الخَمْرِ بعابدِ الوَثَنِ (2)، وتمسَّكوا أيضًا بالأحاديث السابقة، وأقوال الصحابة فما كان منها صحيحًا فواضح أو مرسلاً قَوِيَ بتعدُّد طرقِه، وتمسَّكوا أيضًا بأنَّ العلَّةَّ فِي تحريم النرد أنَّه يوقع العَداوة والبَغضاء، ويصدُّ عن ذِكر الله وَعَن الصلاة، ويشغل القلب، والشِّطرَنج كذلك، بل هو أبلَغُ فِي إفساد القلوب من النرد؛ فإنَّه محتاجٌ إلى تقديرٍ وتفكُّر وحِساب النقلات قبل النقل، بخِلاف النرد فإنَّ صاحِبَه يلعب ويحسب بعد ذلك؛ ولهذا يُقال: إنَّ الشِّطرَنج مبني على مذهب الغدر، والنرد مبنيٌّ على مذهب الجبر؛ ومن ثَمَّ حُكِي عن بعض العلماء أنَّه قال: اللعب بالنرد خيرٌ من اللعب بالشِّطرَنج؛ لأنَّ لاعب النَّرد يعتَرِف بالقَضاء والقدر، ولاعب الشِّطرَنج ينفي ذلك؛ فهو أقرب إلى الاعتزال، وحكَى ابن أبي الدُّنْيَا عن بعضهم تفسيرَ النرد بالشِّطرَنج، قال المحرِّمون جوابًا عمَّا مرَّ: ممَّا يدلُّ للجواز، ولعبُ ابن جبير به إنما هو لكون الحجاج طلَبَه للقَضاء ففعَلَه ليكون قادحًا فيه، وحمل زجر عليٍّ على أنها كانت مُصوَّرة، يردُّه صِدق اسم التماثيل عليها وإنْ لم تكن مصورة؛ لأنها

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، وأورده ابن حزم في "المحلى" (7/ 569) بلفظ: أنَّ عليَّ بن أبي طالب مرَّ برجالٍ يلعبون بشطرنج فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟! لأنْ يمسك أحدُكم جمرةً حتى تطفأ خيرٌ له من أنْ يمسَّها، لولا أنْ تكون سنَّة لضربت بها وجوهكم، ثم أمَر بهم فحُبِسُوا"، ثم قال: هذا منقطع، وفيه ابن حبيب.

(2)

أخرجه البزار (6/ 367 رقم 2382) عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعًا بلفظ: ((شارب الخمر كعابد الوثن))، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (5/ 70): رواه البزار، وفيه فطر بن خليفة، وهو ثقة، وفيه كلامٌ لا يضرُّ، وأخرجه ابن ماجه (3375) من حديث أبى هريرة، وقال البوصيري (4/ 38): هذا إسنادٌ فيه مقال؛ محمد بن سليمان ضعَّفه النسائي وابن عدي وقوَّاه ابن حبان، وقال أبو حاتم يُكتَب حديثُه ولا يحتجُّ به، وباقي رجال الإسناد ثقات، وصحَّحه ابن حبان (12/ 166 رقم 5347) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:((مدمن الخمر كعابدِ وَثَنٍ)).

ص: 173

تمثل ببني آدم وغيرهم فِي أسمائها، ومَن لم ينهَ عنها من الصحابة ظنَّ أنها ليست ممَّا يلهي، وزعَم بعضهم أنَّ فيها تدبيرًا للحرب ممنوع، بل لا تنفع فِي الحرب وإنْ سُلِّمَ فهو لا يقصد منها، بل المقصود منها غالبًا اللعب والقمار، وتجويز إباحة ابن عمر للنرد بعيدٌ، كيف والأدلة ظاهرة فِي تحريمه [ز1/ 44/أ] لا سيَّما وهو من أشدِّ الصحابة اتِّباعًا وأعظمهم تحرِّيًا، وقد بالَغ ابن العربي المالكي فِي الإنكار على لاعِبِها فقال: انتهى مقال بعض الشافعيَّة إلى أنْ يقول: هو مندوبٌ إليه لأنَّ جمعًا من الصحابة والتابعين فعَلُوه، وهو يشحَذُ الذهن، حتى اتَّخذوه فِي المدارس ليلعَبُوا به عند الأعياد، تاللهِ ما مسَّها [يد تقي]، ولا لعب بها صحابيٌّ ولا غيرُه، ولا يتمهَّر فيها رجلٌ قطُّ له ذهن.

القول الثاني: إنَّه مباح، وهو - وإنْ قال به جماعة من أكابر أصحابنا وغيرهم - شاذٌّ، وقد تطابَق كثيرٌ منهم على قولهم وإفتائهم بما لفظه: إذا سلمت الأموال عن الخسران، واللسان عن الطُّغيان، والصلاة عن النِّسيان، فهو أنسٌ بين الإخوان، واشتغالٌ عن الغيبة والبهتان (1)، وحُكِي نحو هذه العبارةِ عن الشَّافِعِيِّ، وشرَط الماورديُّ للإباحة انتفاءَ سائر وُجوه الخلاعة، وتمسَّكوا بأنَّ الإباحة هي الأصل، وبأنَّ فعله والإقرارَ عليه جاء عمَّن لا يُحصَى من العلماء، وبأنَّه ينفَعُ فِي تدبير الحرب، وبأنَّ بعضَهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا ولدَه فِي إدمانه عليه فقال:((دعْه، فلا بأس به))، وقد ذهب بعض أصحاب الشَّافِعِي إلى جواز العمل بذلك؛ لأنَّ مَن رآى النبي صلى الله عليه وسلم فقد رآه حقًّا، قال التاج السبكي:

(1) هذا من قول سهل الصعلوكي، أورده ابن قاضي شهبة، وعبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي السبكي في "طبقات الشافعية" لهما في ترجمة سهل الصعلوكي.

ص: 174

واعلم أنَّا لم نجعَل عُمدتنا فِي إباحته ما مرَّ من الآثار، ولا ندَّعي أنها جميعها صحيحة؛ ولذلك لم نشتغلْ بالكلام على رجالها، ولكنَّا نقول: إنَّه غير محرَّم لعدم قيام ما يدلُّ على التحريم، وما أوردناه من الآثار ومذاهب السَّلَفِ يساعد القول بالحل، وإن لم يكن هو المستند، ا. هـ.

قال الماوردي: وفيها مع تدبير الحرب، ومكيدة العدوِّ، وتشحيذ الخواطر، وتزكية الأفهام، ووُجوه الحزم [ما يشبه] اللعب بالحِراب والرِّماية والفروسيَّة، فإنْ لم يكن لأجل ذلك ندبًا مستحبًّا، فأولى ألَاّ يكون حظرًا محرمًا (1)، وأجاب هؤلاء عن أدلَّة التحريم السابقةِ بأنَّ الميسر هو القمار ولا خِلافَ فِي تحريمه، وتفسير عليٍّ السابقُ لم يصحَّ عنه، لا سيَّما وقد حصَل فيه شكٌّ من بعض رواته، بل فِي حديثٍ مرسل مرَّ:((ثَلَاثة مِن المَيْسِرِ: القِمارُ، والضربُ بالكِعابِ، [والصَّفيرُ] بالحمامِ)) (2).

والخصم لا يحرِّم الأخيرَ مع الحكم عليه بأنَّه من الميسر، وبأنَّه حيث صَدَّ عن ذِكر الله وعَن الصلاة فهو كسائر [ز1/ 44/ب] المباحات إجماعًا حَرام حِينئذٍ، وليس هذا من محلِّ النِّزاع؛ إذ محلُّه فِي مجرَّد لعبٍ لم يقتَرِنْ به فُحْشٌ مطلقًا، وبأنَّ قولَ علي للاعِبيه ما مرَّ إرشادٌ على أنَّه كان يصور مسمياته كما مرَّ، قال الصولي: ولم يزل الشِّطرَنج على ذلك أيَّام بني أميَّة، وقد رأيت منها شيئًا كثيرًا، وكثرت فِي ذلك الزمن لقُرب أيَّام الأعاجم منه، ولأجل ذلك قال: التماثيل، ولم يُنهَ عنها نصًّا تامًّا؛ ومن ثَمَّ استدلَّ به بعضهم على أنَّه كان يقول بعدم تحريمها، وإلا لأمرهم بالمعروف وأقامهم عنها قهرًا عليهم؛ ومن ثَمَّ لعبها كثيرون من التابعين وهم بقَوْلِ عليٍّ أعلم، وهم إليه

(1)"الحاوي"؛ لأبي الحسن الماوردي (17/ 179).

(2)

أخرجه أبو داود في "المراسيل"(1/ 350 رقم 518) عن يزيد بن شريح مرسلاً.

ص: 175

أقرب، وقيل: إنما كَرِهَها منهم لتشاغُلِهم بها [عن] الأذان، وقوله:((مَيْسِرُ الأعاجِم)) (1) لا يدلُّ على التحريم على أنَّه مرسل، وقوله:((صاحِبُ الشِّطرَنجِ أكذَبُ الناس)) (2) لا يدلُّ على التحريم؛ لأنه كذبٌ صوري لا حقيقي، أو المراد أنَّه ينبغي التنزُّه عنه لأنَّه قد يُؤدِّي إلى الكذب، وقول ابن عمر:((إنَّه شرٌّ من النَّرْدِ)) (3) لا يدلُّ على صريح التحريم؛ لأنَّا لا نعلم مذهبه فِي النرد، على أنَّه قول صحابيٍّ خُولِف فيه، وأيضًا لم يقلْ أحد: إنَّه أغلظ تحريمًا من النرد، وإنما أخرَجَه مخرج المبالغة فِي الزجر عنه، و [ممَّن] قال: إنَّ الشِّطرَنج شرٌّ من النرد [السبكي وشرطه] أنْ يكونَ فيه قمار، وإلا فلا فيكون هذا الأمر متروكَ الظاهرِ بالإجماع فلا يحتجُّ به، قاله ابن السبكي.

واعتُرِضَ بأنَّ المالكيَّة يقولون: إنَّه شرٌّ من النرد مطلقًا، قيل: والعجب من أنَّه حَكاه، وأجاب عنه بأنَّ هذا اجتهادٌ لمالك، وليس اجتهادُه حجَّة علينا، قالوا: ولم يصحَّ فيه خبرٌ كما مرَّ، والخبر الصحيح السابق أوَّل هذا الباب لا دليل فيه؛ إذ لا يبعد أنْ يكون هذا قياسًا على ما استَثْناه صلى الله عليه وسلم من اللعب على أنَّه ورد فِي روايةٍ زيادةٌ رابعة وهي: تعلُّم السباحة، وأيضًا هو لا يستلزم التحريم لما عدا الخصال المذكورة فيه، بل قد يتمسَّك به القائل بالكراهة فإنَّه عام مخصوص بِمُلاعَبة الأطفال، كما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم:((يا أبا عُمَيْر، ما فعَل النُّغَيْرُ؟)) (4)، [وبلعب]

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، و"الشعب"(5/ 241 رقم 6518)، بلفظ:((الشِّطرَنجُ مَيْسِرُ الأعاجِمِ)) وقال البيهقي: هذا مرسَلٌ ولكن له شَواهدُ.

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212) من حديث علي رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212)، و"الشعب"(5/ 241)، وأحمد في "الورع"(1/ 92).

(4)

متفق عليه: أخرجه البخاري (6203)، ومسلم (2150) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 176

الحبشة بالحِراب بين يدَيْه صلى الله عليه وسلم كما مرَّ، وقد قال البخاري فِي باب الجهاد: باب اللعب بالحراب وغيرها، وأورد حديثَ الحبشة السابق (1)، وقياسه على النرد ممنوعٌ؛ لوضوح الفرق بينهما، إذ الشِّطرَنج موضوعةٌ لصحَّة الفكر [ز1/ 45/أ] وصَواب التدبير ونظام السياسة، فهي تُعِينُ على تدبير الحروب والحساب، والنرد موضوعٌ لما يُشبِه الأزلام، وتفسير النرد بالشِّطرَنج غير صحيح، وزعم أنَّ ابن جبير إنما فعَلَه خوفَ ولاية القضاء، يردُّه أنَّه لو كان كذلك اكتَفَى بمرَّة أو مرَّتين منه، وقد كان يلعَبُها من وَراء ظهر، وهذا إنما يأتي بإدامة طويلة حتى يحصل له تلك الملَكَة، وتمثيله بالحيوانات فِي الأسماء لا يضرُّ؛ لأنها مجازات.

وبالجملة: فقد قال التاج السبكي: إنَّ المنصف إذا نظَر فيما أوردناه من الجانبين علم أنَّ القول بالحلِّ هو الحق الأبلج، وجاءَ عن بعض أئمَّة أهل البيت أنَّه قال: ما مات شريفٌ من الطالبيين إلا بِيعَت الشِّطرَنج فِي ميراثه، قيل: ووُجِدَ فِي تركة الشَّافِعِي، وبالَغ بعض الحفَّاظ فِي ردِّه وتزييفه.

القول الثالث: أنَّه مكروهٌ كراهة تغليظٍ تُوجِب المنع، وكذا مذهب أبي حنيفة على ما حَكاه الماورديُّ فِي "حاويه"(2)، واعترض بأنَّ مذهبه التحريم كما مرَّ، ورُدَّ بأنَّ أصحابه كثيرًا ما يُرجِّحون خلاف ما ذهب إليه.

القول الرابع: أنَّه مكروهٌ كراهةَ تنزيهٍ، وهو الصحيح من مذهبنا، قال التاج السبكي: وهذا هو الذي نَدِين الله به [وهو الصحيح] ونراه الحقَّ الواضح والنهار الجلي، والمنصف إذا أزال العصبيَّة عن نفسه ونظَر فِي دلائل الفريقين علم أنَّ ذلك هو الحق الأبلج، وقيَّد الغزالي الكراهة بالمواظَبة، والأصحُّ أنَّه لا

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (454)، ومسلم (892) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

(2)

"الحاوي"؛ لأبي الحسن الماوردي (17/ 179).

ص: 177

فرق، وعَنْ مالك قول أنه كمذهبنا، ورجحه بعض أصحابه، ونازَع البلقيني فِي نقل الكراهة عن الشَّافِعِي بأنَّ كلامه فِي موضعٍ يُفهَم أنَّه خلاف ما يحبُّه، وفي موضعٍ [يقتضي] أنَّه استحسن ما مرَّ عن ابن جبير أنَّه كان يلعَبه خلف ظهره، بل نُقِلَ عنه نفسه أنَّه لعب به استدبارًا، ورُدَّ بأنَّ الأصحَّ فِي النقل عنه ما مرَّ من الكراهة، ومحلُّ حلِّه عندنا حيث لم يلعبْه مع مُعتقِدِ تحريمه، وإلا حرُم عليه كما رجَّحه التقي السبكي وتَبِعُوه؛ لما فيه من الإعانة على انتهاك الحرمة والجراءة وإنْ جاز الفِعلُ فِي اعتقاده فِي غير هذه الحالة فهو كمَن يُناوِل قدح خلٍّ لمن علم منه أنَّه يشربه مع ظنِّه كونه خمرًا؛ لأنَّه حينئذٍ مُعِينٌ له على معصيته فِي زعْم مُعتقِد التحريم، ونظيرُ ذلك ما لو تَبايَع رجُلان بعد أذان الجمعة: أحدهما تلزَمه والآخر لا تلزَمه، فيحرم على هذا [ظ1/ 45/ب] أيضًا على أصحِّ الوجهين وهو المنصوص، واعتَمَده الشيخان وغيرهما لإعانته الأوَّلَ على المعصية.

قال السبكي: لكنَّ التحريم فِي مسألتنا أخفُّ منه فِي هذه، فإنَّه على مَن تلزمه معلومٌ عندنا وعنده، وتحريم لعب الشِّطرَنج غير معلومٍ عندنا ولا عنده إذا كان حُكم الله فيه الحل فِي نفس الأمر، وإنما الحرام فعلُه مع اعتقاد حُرمتِه لا فعله مطلقًا، وهذا المجموعُ لم تحصل المعاونة عليه بل على بعضه، قال: وهذه دقيقةٌ ينبغي أنْ يُتنبَّه لها، ا. هـ.

فإنْ قلت: يُنافِي ما ذكر من التحريم فِي مسألة الجمعة قولَ الروياني فِي "بحره": لو أُرِيدَ بيع مال يتيم وقت نداء الجمعة للضرورة فبذل فيه مَن تلزَمُه دينارًا ومَن لا تلزمه نصفه، يحتمل وجهين:

أحدهما: [يباع] ممَّن لا جمعةَ عليه؛ لئلَاّ يوقع الآخَر فِي معصية.

ص: 178

والثاني: يُباع بالدينار؛ لأنَّ الذي إليه الإيجاب وهو غير عاصٍ به، وإنما القبول للطَّالِب وهو الذي يَعصِي به.

قلت: إنما يتوهَّم المنافاة على الثاني فقط، ولكنْ عند التحقيق لا مُنافاة، بل الثاني هو الأوجَهُ، وليس ممَّا نحن فيه؛ لأنَّ كلامنا فِي مُبايَعة مَن لا يلزمه لِمَن تلزَمه بلا ضرورة وهنا ضرورةٌ، وجوب الحظِّ لليتيم اقتضت المسامحة للوليِّ فِي بيع مَن تلزَمُه بالدينار، وإنْ أثم المشتري إنْ خشي فَوات الجمعة، ثم رأيت احتمالاً ثالثًا للروياني يوافق بعض ما ذكرته وهو قوله: يحتمل أنْ يرخص له فِي القبول [لنَفعِ] اليتيم إذا لم يُؤدِّ إلى ترك الجمعة، كما يرخص للولي الإيجاب لحاجة اليتيم إليه.

فإنْ قلت: ما مرَّ عن السبكي يُنافِيه قول ولده عنه فِي ترجمة الروياني فِي "طبقاته الوسطى" سمعت والدي يقول: لا يأثم شافعيٌّ لعب الشِّطرَنج مع حنفي، وفرَّق بينه وبين مسألة البيع وقتَ النداء بأنَّه حينئذٍ محرَّم عندهما، ولعب الشِّطرَنج ليس محرَّمًا عند الشَّافِعِي، وإنما المحرَّم عند الحنفي لعبه مع ظنِّه التحريمَ، وكلُّ واحدٍ من الجزأين ليس بِحَرام، أمَّا الظنُّ فهو [نتيجة] اجتهاد يُثاب عليه وليس بحرام، وأمَّا اللعب من حيث هو فليس بحرام لا عليه ولا [على] غيره إذا كان حُكم الله فيه ذلك فِي نفس الأمر.

فإن قلت: يظنُّ الحنفي - أي المحرِّم - صار حراما عليه، قلت: الذي صار حرامًا عليه لعبه مع ظنِّه لا لعبه مطلقًا، فالهيئة الاجتِماعيَّة [ز1/ 46/أ] هي المحرَّمة، وهي النسبة الحاصلة بين اللَّعِب المظنون والظنِّ، والشَّافِعِي اللاعب لم يعن إلا على أحد الجزأَيْن، وهو اللعب وهو بلسان [الحال] يردُّ على الحنفيِّ ويقول له: لا تظنُّ، ا. هـ ما فِي "الطبقات".

ص: 179

قلت: المعتمَد ما قدَّمته عنه أوَّلاً من الحرمة قِياسًا على مسألة الجمعة، وأمَّا هذا فهو اختيارٌ [له]، ويُجاب عنه بأنَّ المذاهب بعدَ أنْ تقرَّرت واتَّبع الناس [كلامها](1) والتزَمُوا العمل بها، لم يبقَ للنظر إلى نفس الأمر مَساغ، ولم يتوجَّه من شافعيٍّ على حنفيٍّ مثلاً ردٌّ، ولم يسغْ قوله له: لِمَ لا تظن حرمة الشِّطرَنج؟ وإذا تمهَّد هذا وتقرَّر فالشافعيُّ إذا لعبه مع حنفيٍّ مثلاً كان مُعينًا على معصيةٍ حتى فِي اعتقاد الشَّافِعِي؛ لأنَّ من جملة اعتقاده أنَّ مَن قلَّد مالكًا مثلاً يَحرُم عليه لعب الشِّطرَنج، فإذا لاعَبَه كان معينًا له على معصيةٍ فِي اعتقادهما، أمَّا فِي اعتقاد المالكي فواضح، وأمَّا فِي اعتقاد الشَّافِعِي فهو لا مُطلقًا، بل من حيث نظرنًا لاعتقاد المالكي؛ إذ لو استَفتَى مالكيٌّ شافعيًّا قال: أنا مذهبي مالكيٌّ فهل يحرم عليَّ لعبُ الشِّطرَنج؟ وجَب على الشَّافِعِي أنْ يقول له: نعم، يحرم عليك لعبه ما دمت مالكيًّا، وقد صرَّح الأئمَّة بما يدفع ما قاله السبكي هنا؛ حيث قالوا: يجبُ النهيُ عن المنكر فِي اعتقاد الفاعل وإنْ لم يكن منكرًا فِي اعتقاد المنكِر، وهذا شاملٌ لمسألتنا، فيُعلَم منه نصًّا أنَّه يجبُ على شافعيٍّ رأى مالكيًّا مثلاً يلعب بالشِّطرَنج وهو مستمر على [تقليد مالك] أنْ يُنكِر عليه بيَدِه ثم بلِسانه ثم بقَلبِه؛ نظَرًا لِمُباشَرته حَرامًا فِي اعتقاده، وهو واضحٌ، وكذا فِي اعتقاد الشَّافِعِي لا مُطلقًا، بل نظرًا لاعتقاد الفاعل، وإذا صرَّحوا بأنَّه يلزَم الإنكار عليه كانوا مُصرِّحين بأنَّه يحرم عليه اللعب [معه]؛ لأنَّه ضد الإنكار الذي أوجَبُوه عليه، فاتَّضح ما مرَّ أولاً وهو حُرمة لعبِه معه، وأنَّه منقولُ المذهب، وليس بحثًا للسبكي ولا لغيره، فتأمَّله، فإنَّ مَن تكلَّموا على المسألة كلهم يحكيها عن السبكي

(1) هكذا في المخطوطين وفي المطبوع: كلا منها.

ص: 180

ومَن تَبِعَه فقط، ولم يستَحضِروا ما ذكرته الذي علم منه أنَّ الحرمة منقولُ الأصحابِ، وأنَّه لا غبار عليها من حيث المعنى أيضًا، وأنَّ جميع ما نقَلَه التاج عن والده ثانيًا مردودٌ بما قرَّرته كما لا يَخفَى على مَن له أدنى ذوق (1).

(تَنْبِيه [خامس] (2) علم ممَّا مرَّ أنَّ محلَّ القول بالإباحة أو الكراهة ما لم تكنْ [ز1/ 46/ب] بَيادق الشِّطرَنج ونحوها مُصوَّرة كلها أو بعضها ولو [كان] واحدًا بصُورة حَيوان، وإلا حرم اللعب به لأنَّ فيه تعظيمًا له، وبه فارق الجلوس والنوم ونحوهما على المصور؛ لأنَّ فيه إهانةً له، وما لم يقترن به فُحشٌ وسفه، وإلا حرم كما قاله الصيمري (3)، بل نقل الإجماعَ على رَدِّ

(1) قال السبكي في "فتاويه"(2/ 636): (مسألة) قال الشيخ الإمام رحمه الله: إذا لَعِبَ الشافعيُّ الشطرنجَ مع الحنفيِّ والحنفيُّ يعتقد تحريمه فهل نقول: إنَّ الشافعيَّ الذي يعتقد حلَّه يحرم عليه في هذه الصورة؛ لأنَّ فيه إعانة على محرَّم أو لا؟ وهل هو كرجلين تبايَعَا وقتَ النداء أحدهما من أهل الجمعة حيث يحرم البيع والآخَر ليس من أهلها بحيث يحلُّ له البيعُ مع غيره، وقد اختلفوا هل يحرم عليه لما فيه من الإعانة أو لا؟ والذي أقوله في مسألة الشطرنج أنَّه لا يحرم على الشافعي وإنما يحرم على الحنفي، والفرق بينه وبين مسألة البيع وقت النداء أنَّ البيع وقت النداء محرَّم عندهما ولعب الشطرنج ليس محرمًا عند الشافعي، وإنما المحرَّم على الحنفي لعبه مع ظنِّ التحريم، وكلُّ واحد من الجزأين ليس بحرامٍ، أمَّا الظن فهو نتيجةُ اجتهادِه يُثاب عليه فليس بحرام، وأمَّا اللعب من حيث هو فليس بحرام عليه ولا غيره ولا على غيره إذا كان حُكم الله فيه ذلك في نفس الأمر، فإنْ قلت: بظن الحنفي صار حَرامًا عليه، قلت: الذي صار حرامًا عليه لعبه مع ظنِّه لا لعبه مطلقًا، فالهيئة الاجتماعيَّة هي المحرَّمة، وهي النسبة الحاصلة بين اللعب المظنون والظن، والشافعيُّ اللاعب لم يعنْ على أحد الجزأين وهو اللعب، وهو بلسان الحال يردُّ على الحنفي في ظنِّه ويقول له: لا تظن فلم يعنْ على محرَّم، وهذا البحث يُشبِه في أصول الدِّين بقولهما لو وقع خلاف المعلوم لزم انقِلاب العلم جهلاً، وما قيل في جوابه: إنَّه لو وقع خلاف المعلوم مع بَقاء العلم، وهذا مناقض، بل مَن وقع خِلافه يصير معلومًا، فإنَّ كلَّ ما يقع معلوم، والله أعلم، انتهى.

(2)

في (ز1): تنبيه رابع، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

(3)

أبو القاسم الصيمري: عبدالرحمن بن الحسن، أبو القاسم الصيمري الفقيه، شيخ الشافعية، وهو من أصحاب الوجوه، تفقَّه بأبي الفياض البصري، وهو شيخ أقضى القُضاة الماوردي، له كتاب "الإيضاح في المذهب" وهو كتاب جليل، ومن غرائب وجوهه أنَّه قال: لا يملك الرجل الكلأ النابت في ملكه ومنها: لا يجوز مسُّ المصحف لِمَن بعض بدنه نجس، كان حيًّا في سنة خمس وأربعمائة، ولم يعلمْ وقت وفاته؛ "الوافي بالوفيات"؛ للصفدي.

ص: 181

الشهادة به حينئذٍ، [وأمَّا] إذا لم يلعَبْه على الطريق وإلا حرم كما صرَّح به الصيمري أيضًا، وقال تلميذه الإمام الماوردي: تردُّ شَهادته بذلك، وفيما صرَّح به الصيمري فِي المسألتين نظَر؛ لأنَّ الفحشَ والسَّفه [إنْ] حُرِّمَ لذاته فالحرمة فيه لا فِي لعب الشِّطرَنج، إلا على ما قدَّمته فِي اجتماع الدُّفِّ والشَّبَّابَة مثلاً فراجِعْه، وكذا يُقال فيما إذا اقتَرَن به قمارٌ أو نحوه ممَّا يأتي، وأمَّا لعبه على الطريق فلا وجْه لحرمته، نعم إنْ كان قد تحمَّل شهادة حُرِّمَ عليه لا من حيث كونه لَعِبَ بشطرنج، بل من حيث كونه إزالة مُروءة يفضي لردِّ أمانةٍ تحمَّلها وهي الشهادة المتعلق بها حق الغير، واللازم على ردِّها ضَياع حقه ففيه إضرار له أي إضرار، فهو كمَن فرَّط فِي حِفظ وديعةٍ عنده يأثَم وتردُّ شهادته به، [وأمَّا] إذا لم يقتَرِن به قمار وإلا حرم إجماعًا، كما أشار إليه الشَّافِعِي فِي "الأم"، وما إذا لم تخرج الصلاة عن وقتها وإلا حرم إجماعًا، وما إذا لم يلعَبْه مع الأراذل ولم يورث نحو حقدٍ، ولم يؤدِّ إلى التكلُّم بكلامٍ غير لائقٍ بمثله، كذا قاله بعضهم، وفيه ما قدَّمته فِي لعبه على الطريق.

(تَنْبِيه [سادس] (1) يجوز بيعُ الشِّطرَنج ومَن كسر منه شيئًا ضمنه إلا أنْ يكون مصورًا، ولا يجوزُ الإنكارُ على لاعبيه إلا إنِ اعتقدوا حُرمته أو لعبوا مع مُعتقدِيها أو فعلوا شيئًا من المحرَّمات المذكورة، فيجبُ الإنكارُ عليهم كما مرَّ.

(تَنْبِيه [سابع] (2) اختلفوا فِي سُقوط عَدالة لاعبه؛ فعند أبي حنيفة ومالك هي ساقطة وشهادته مردودة على أيِّ وجْه لَعِبَه، لكن شرط ابن الحاجب

(1) في (ز1): تنبيه خامس، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

(2)

في (ز1): تنبيه سادس، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

ص: 182

إدمان لعبه، وهو فِي "المدونة" فِي موضعٍ ولم يقيد به فِي موضعَيْن آخرين منها، فإمَّا أنْ يحمل المطلق على المقيَّد أو يكون له فِي المسألة قولان، فظاهر كلام غير ابن الحاجب مُوافقته، قال بعض المالكيَّة: والإدمان أنْ يلعب بها فِي السَّنة أكثر من مرَّة، وقال آخَر منهم: أنْ يلعَب بها فِي السنة مرَّة، وبالإدمان قيَّد بعض الحنفيَّة أيضًا وهو صاحب "البدائع"(1)[ز1/ 47/أ] وصاحب "الذخيرة"، وفرَّقا بينه وبين النرد أنَّه حَرام بالنصِّ، وحكَى صاحب "المغني" من الحنابلة عن مالكٍ وأبي حنيفة أنَّه مثله، وكذا نقَلَه عن بعض أكابر أصحابهم (2)، وَعَنْ بعض أصحابه أنَّ لعبه مع معتقدٍ تحريمَه فكالنرد أو مع معتقد إباحته لم تردْ إلا إنِ اقترن به نحو قمار، وأمَّا عندنا فلا تسقُط العدالة إلا إنِ اقترن به محرم كما مرَّ وكذا إذا اقترن معه خارم مروءة؛ كلعبه به على الطريق، ولا نِزاع فيه وانقِطاعه إليه فِي أكثَرِ أحواله فتُرَدُّ به الشهادة على المنقول المعتمَد خِلافًا للبلقيني، قال بعضهم: وعلى هذا المنقول، فمَن أكبَّ عليه ممَّن بيده تدريس أو مشيخة أو غير ذلك من الوظائف التي يُشتَرط فيها العدالةُ فهو معزولٌ عنها شرعًا، وتَعاطِيه لذلك حَرامٌ إنْ كان قد وَلِيَها بطريق مُعتبَر شرعًا، ووجدت فيه الشُّروط المعتبرة أو أكثرها، فأمَّا مَن [اقتات](3) بذلك من أجْل [انتمائه] إلى مَن لا تمييز عنده فهو مُرتكبٌ للإثم ابتداءً وانتهاءً، انتهى.

وهي نفثة مَصدُور، على أنها سقطة فاحشة؛ إذ الذي تقرَّر أنَّ الإكباب عليه مخلٌّ بالمروءة، وهي ليست شرطًا فِي مُطلَق العدالة فِي قبول الشهادة فقط،

(1)"بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"(6/ 269) ط دار الكتب العلمية.

(2)

"المغني"(10/ 172) ط دار إحياء التراث العربي.

(3)

في (ز2): أفتى.

ص: 183

ألا ترى أنَّ الولي فِي النكاح شرطه العدالة، ومع ذلك لا يُؤثِّر فيه خرم المروءة؛ لأنَّه لا يخلُّ بالعدالة فِي غير [الشهادة]؛ ومن ثَمَّ كان المعتمَد فيه أنَّه إذا تابَ توبةً صحيحة زوَّج فِي الحال، وإنْ لم تُقبَل شَهادته إلا بعدَ استِبرائه سنة؛ لأنَّه يحتاط للشهادة ما لم يحتَطْ بغيرها، فقياس غيرِها عليها فِي ذلك اشتباهٌ، والقياس نشَأ عن فقْد استِحضار كلامهم فِي غير باب الشهادة، ويلزم على ما قاله هذا المصدور المقهور على أقذَر وظيفةٍ منه سعى عليها أنْ ولي اليتيم لو باشَر خرم مروءة؛ كأنْ أكَل فِي السوق وهو لا يَلِيقُ به سقطَتْ ولايته، وهو باطلٌ كما هو واضحٌ.

(تَنْبِيه [ثامن] (1) قد سبق أنَّه إذا اقترَنَ به قمار كان حَرامًا، وصُورة القمار المجمَع عليها أنْ يخرج العوض من الجانبين مع تَكافُئِهما لتحريم ذلك بالنصِّ؛ إذ الميسر فِي الآية هو القمار، ووجْه حُرمته أنَّ كلَّ واحدٍ منهما مُتردِّد بين أنْ يغلب صاحبه فيغنم أو يغلبه صاحبه فيغرم، فإنْ عدلا عن ذلك إلى حُكم السبق [ز1/ 47/ب] والرمي بأنْ ينفرد أحدُ اللاعبين بإخراج العوض ليُؤخَذ منه إنْ كان مغلوبًا ويمسكه إنْ كان غالبًا، فهذا مختلفٌ فِي جَوازه والأصح حُرمته، وبه جزَم الشيخان، وفرَّقوا بينه وبين جَوازه فِي المسابقة بأنَّ له غرَضًا فيها وهو الحذق فِي الفروسية والرماية، بخلاف الشِّطرَنج ليس [فيه] كبير غرض، وإذا قامر لم يلزم المال المشروط فإنْ أمسَكَه ولم يردَّه فسق ورُدَّتْ شهادته؛ لأنَّه غاصبٌ سواء الصورة الأولى والثانية، فإنْ لم [يأخُذْه] لم يفسقْ بالصورة الثانية؛ لوجود الخِلاف فيها، وكذا الأولى إنْ قطَع فيها بأنَّ أحدهما غالبٌ لزَوال صُورة القمار حينئذٍ.

(1) في (ز1): تنبيه سابع، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

ص: 184

(تَنْبِيه [تاسع] (1) مرَّ أنَّه إذا أخرج به الصلاة عن وقتِها فسق ورُدَّتْ شَهادته، ومرَّ ما فِي ذلك من إشكالٍ وجواب وتحقيقه، مع زيادة أنَّ الشيخين ذكَرَا أنَّه إذا لم يتعمَّدْ أخراجها به ولكنْ شغله اللعب بها حتى خرج وهو غافلٌ أنَّه إذا لم يتكرَّر ذلك منه لم تردَّ شهادته وإنْ كثُر منه فسق ورُدَّتْ شهادته، بخلاف ما إذا ترَكَها ناسيًا مِرارًا؛ لأنَّه هنا شغل نفسه بما فاتت به الصلاة.

قال الرَّافِعِيُّ: هكذا ذكَرُوه وفيه إشكالٌ لما فيه من تعصية الغافل واللاهي، ثم قِياسه الطَّرد فِي شغل النفس بسائر المباحات، وأشار الروياني إلى وجْه أنَّه يفسق، تكرَّر [ذلك منه] أو لم يتكرَّر، ا. هـ.

ومرَّ فِي التَّنْبِيه الثاني جوابُه مبسوطًا، وقد نصَّ الشَّافِعِي رضي الله عنه بما يُوضِّح ذلك الجواب فقال: إنْ غفل به عن صلاةٍ فأكثَرَ حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته، ردَدْنا شَهادته على الاستِخفاف بمواقيت الصلاة، كما نردُّها لو كان جالسًا فلم يُواظِبْ على الصلاة من غير نِسيانٍ ولا [علة] حتى غفل، فإنْ قِيلَ: فهو لا يترك الصلاة حتى يخرج وقتها للعب إلا وهو ناسٍ، قيل: كلا، يعودُ للعب الذي يورث النسيان وإنْ عاد له وقد جرَّب أنَّه يورثه ذلك فذلك استخفافٌ، فأمَّا الجلوس والنسيان بما لم يجلب على نفسه فيه شيئًا إلا حديث النفس الذي لم يمتنعْ منه أحدٌ، فلا يأثَمُ به، وإنْ قبح ما يحدث به نفسه والناس يمتنعون من ذلك، ا. هـ.

نصُّ الشَّافِعِي وهو مُؤيِّد لما فرَّقت به فيما مرَّ من أنَّ سبب العصيان تقصيره بتعاطيه ما يعلم أنَّ من شأن نفسه أنها إذا اشتَغلَتْ به ذهلت عن إدراك

(1) في (ز1): تنبيه ثامن، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

ص: 185

الزمن [ز1/ 48/أ] ومضيِّه حتى يخرُج وقت الصلاة وهو لا يشعُر ومفيد للفرق بين الشِّطرَنج وغيره، ورادٌّ لقول الرَّافِعِيّ: ثم قياسه الطرد

إلخ، ولم يحطْ بعضهم بحقيقة هذا النص فقال:[ويحتاج] إلى تأمُّل، ا. هـ.

وقد قال البلقيني بعد ذِكرِه النصَّ: وبه يحصل الجواب عن إشكال الرَّافِعِيِّ، وأنَّه لا يطرد فِي حديث النفس للفرق الذي أبْداه الشَّافِعِي، فقال: إنْ كان يسهو عن وقت الصلاة لشغله به فلا يعلم حتى يفوته [شطرها] هنا بأنْ كان ذلك الدُّفعة والدُّفعتين فلم ترد شهادته، فإنْ كثُر ذلك منه رُدَّتْ شهادته بذلك.

قال الشَّافِعِي: فإنْ كان متفكرًا فِي نفسه فكرًا شغَلَه عن الصلاة ولا يعلم خُروج وقتها لشغله لم تُرَدَّ شهادته بذلك وإنْ كثُر منه، قال: والفرق بينهما أنَّ اللاعب بالشِّطرَنج هو الذي أدخَلَ على نفسه ذلك فغلظ عليه، فلهذا لم تُقبَل شَهادته، وليس كذلك الذي لحقه الفكر والهوس؛ لأنَّه لم يدخل ذلك على نفسه، وذلك أنَّ الإنسان لا ينفكُّ عن فكرٍ يتفكَّر فيه، فلهذا قُبِلتْ شَهادته فدلَّ على الفرق بينهما، ا. هـ (1).

(تَنْبِيه [عاشر] (2) الشِّطرَنج فارسيٌّ مُعرَّب، وكسر شينه أجود، بل منَع الصاغاني الفتح، ووجَّه الحريري الكسر بأنَّه القياس فِي كلام العرب فِي المعرَّب أنَّه يُرَدُّ إلى نظيره فِي لغتهم، وليس منها فَعلَل بفتح أوَّله بل بكسره كجردحل وهو الضخم من الإبل، ومقتضى كلام آخَرين أنَّ الفتح أشهر؛ لأنَّه أعجمي، وقال آخَرون: الفتح غلطٌ، ومشى عليه فِي "القاموس"، ويجوز إبدال شينه سينًا، كالتشميت بالشين المعجمة إشارة لجمع الشمل،

(1)"الأم"؛ للشافعي (6/ 225) دار المعرفة.

(2)

في (ز1): تنبيه تاسع، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

ص: 186

وبالمهملة إشارة إلى أنَّه يرزق السمت الحسن، وزعم اشتقاق الشِّطرَنج من المشاطرة أو التشطير مردودٌ بأنَّ الأسماء الأعجميَّة لا تشتقُّ من الأسماء العربيَّة.

(تَنْبِيه [حادي عشر] (1) أوَّل من وضَع الشِّطرَنج صِصَّة بمهملتين أولهما مكسورة وثانيهما مشدَّد ابن زاهر الهندي وضَعَه لبهلبث، ويُقال له: بِهرم، بكسر أوَّله المعجم ملك الهند مُضاهاة لأزدشير أوَّل مُلوك الفرس الأخيرة حيث وضع النرد مُضاهاة للدنيا وأهلها، وافتخرت الفرس به فقضَتْ حُكَماء ذلك العصر بتَرجِيحه على النَّرد، وعُدَّ ككتاب "كليلة ودمنة"، والتسعة أحرف التي تجمَعُ أنواعَ الحساب فيما يُميَّز به أهلُ الهند على غيرهم، وقيل: إنَّ صِصَّة لَمَّا عرَضَه [ز1/ 48/ب] على الملك فرح به كثيرًا، وسأَلَه أنْ يقترح إليه ما يشتهي، فقال له: اقترحتُ أنْ تضع حبَّةً فِي البيت الأول ولا تزال يضاعفها حتى تنتهي إلى آخِرها فمهما [تبلغ] تعطيني، فاستصغر الملك ذلك من همَّته، وأنكر عليه ما قابَلَه من الفوز اليسير فِي ذلك المقام فقال: ما أريد غير ذلك، فأمَر له به فلمَّا حسبه أرباب الديوان قالوا للملك: ما عندنا ما يُقارب القليل من ذلك، فأنكر عليهم مقالَهم، فأوضَحُوا له بالبرهان، فلمَّا علم ذلك قال: أنت فِي اقتِراحك لما سألت أعجب حالاً من وَضعِك الشِّطرَنجَ، وسرُّ ذلك أنَّك تُضاعِف الأعداد إلى البيت السادس عشر فأثبت به اثنين وثلاثين ألفًا وسبعمائة وثمانية وستين حبَّة، فهذه الجملة مِقدار قدحٍ ثم تُضاعف السابع عشر إلى البيت العشرين يكونُ فيه ويبة، ثم تنتقل من الويبات إلى الأرادب، ولم تزَلْ تضعفها ففي

(1) في (ز1): تنبيه عاشر، والمثبت من (ز2) وهو الصحيح الموافق للترتيب.

ص: 187

البيت الأربعين تنتهي إلى مائة ألف أردب وأربعمائة وستين ألف أردب وسبعمائة واثنين وستين أردبًّا وثلثي أردب وهذا المقدار شونة، وهي الحظيرةُ الكبيرةُ التي تخزن فيها الحبوب، ثم تُضاعف الشون إلى البيت الخمسين يكون الجملة ألفًا وأربعة وعشرين شونة، وهذا المِقدار مدينة، ثم ضاعَف ذلك إلى الرابع والستين تكون الجملة ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربعة وثمانين مدينة، والعلم حاصِلٌ أنَّه ليس فِي الدُّنْيَا مدن أكبر من هذا المقدار، فإنَّ دور كرة الأرض ثمانية ألاف، ولم يُعرَف الشِّطرَنج إلا بعد أنْ فُتِحت البلاد، فإنَّ أصلَه من الهند، وانتقل منهم إلى الفرس بخلاف النرد فإنَّه كان معروفًا عند العرب.

وعن كعبٍ: أوَّل مَن لعب بالشِّطرَنج يوشع بن نون وصاحبه كالب بن موفثا - صلَّى الله على نبيِّنا وعليهما وسلَّم - وأوَّل مَن علمها قارون وتعلَّمتها الفرس من يوشع.

وأخرج الديلمي عن مالك بن أنسٍ أنّ أَوَّلُ مَنْ جَاءَ بِالشِّطْرَنْجِ، والنَّرْدِ عمرو بن العاصِ فعلم الحبري (1)، وبه ردَّ على مَن زعَمُوا أنَّ الصولي محمد بن يحيى هو الذي وضَعَه ووفاته سنة ست أو خمس وثلاثين [وثلاثمائة] أثنى عليه الخطيب فقال: كان أحد العُلَماء بفنون الآداب، حسَن المعرفة بالتواريخ، واسع الرِّواية، حسَن الحِفظ للآداب، حاذِقًا بتَصنِيف الكتب، حسَن الاعتقاد، جميل الطريقة، مقبول القول، كثير الشعر، وهو مَنسُوب لجدِّه صُول بضم أوَّله [ز1/ 49/أ] من مُلوك جرجان ثم أسلَمَ، لا لصُول المدينة المشهورة، ونادَمَ عدَّة من الخُلَفاء، وأخَذ عن أبي داود السجستاني،

(1) أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(719) بلفظ عن إسماعيل بن أبي أويس قال: سمعت مالك بن أنس يقول: "أوَّل مَن جاءَ بالكتاب العربي والشِّطرَنج والنرد عمرُو بن العاص، تعلم ذلك في الحيرة".

ص: 188

والبزار، والمبرد، وثعلب وآخَرين وروى عنه الدارقطني، وابن شاذان، قيل: لعلَّ السبب فِي نسبه أوَّل واضع الشِّطرَنج إليه أنَّه كان أوحَدَ زمنه فِي لعبه، حتى إنَّه يضرب به المثل فيه (1).

واختلف فِي سبب وضْع صِصَّة له فقيل: مضاهاة، كما مرَّ، وقيل: إنَّ امرأةً كان لها ابن ملك قُتِلَ فِي حرب وحده، فطلبت أنْ تراه عيانًا، فلمَّا عمل لها الشِّطرَنج ورأَتْه تَسلَّت، وقِيل: لأنَّ مُلوك الهند كانوا حُكَماء لا يرَوْن قِتالاً، فوضَعُوه ليروا صُورة ذلك، وقيل: إنَّه وُضِعَ لملكٍ جبان فأدمَنَه حتى صار أشجَع أهل زمنه.

(1)"تاريخ بغداد"(3/ 427).

ص: 189