الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التأويل، وتقديم العقل على النقل والتحاكم إليه، في مجالات العقيدة والتشريع والتفسير والاجتهاد.
القول بالمجاز بدعة ضلالة:
فالقول بالمجاز بدعة محدثة واصطلاح حادث، ما عرف إلا بعد القرون الثلاثة الأولى، المشهود لها بالخيرية.
فما نقل عن أحد من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - ولا من التابعين، ولا من تابعيهم بإحسان، أنه قال به، أو أشار إليه.
كما لم يتكلم به أحد من الأئمة المشهورين في العلم؛ كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، أو الليث بن سعد.
بل ولا تكلم به أو التفت إليه أحد من أئمة اللغة؛ كالخليل بن أحمد، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، والكسائي، والفراء، وأبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي عمرو الشيباني.
وأول من تكلم بلفظ (المجاز): أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي، المتوفى سنة 210 هـ، صنف كتابا بعنوان:(مجاز القرآن).، إلا أنه لم يعن به قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية: معناها وتفسيرها، على عادة غيره، ممن سمى كتابه في
فهم دلالات الكتاب العزيز: (معاني القرآن) ليس غير.
كما ورد استعمال لفظ المجاز، على لسان الإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 هـ، في كتابه:(الرد على الجهمية والزنادقة) حيث قال رحمه الله:
أما قوله - سبحانه - لموسى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} (1)، فهذا في مجاز اللغة، يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك كذا.
وأما قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (2)، فهو جائز في اللغة، يقول الرجل الواحد للرجل: سأجري عليك رزقك، أو سأفعل بك خيرا. .).
وواضح أن مراد الإمام أحمد، من استعماله لفظ (المجاز): أن ذلك مما يجوز في اللغة، كأن يقول العظيم الذي له أعوان: إنا فعلنا كذا، وسوف نفعل كيت، لا أنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وأنه خلاف الحقيقة. . ومما يؤكد مراده هذا، قوله في التعليق على الآية الثانية:(فهو جائز في اللغة)، فدل ذلك على أنه أراد بـ (المجاز): الجائز لغة، لا المجاز بمدلوله الاصطلاحي، الذي وضعه المتأخرون، وتعارفوا عليه.
(1) سورة الشعراء الآية 15
(2)
سورة طه الآية 46
وإن أول من تكلم بالمجاز - بمعناه الاصطلاحي، الذي هو نقيض الحقيقة - المعتزلة والجهمية ومن تبعهم من أهل الكلام، اشتهر القول به عنهم بعد المائة الرابعة للهجرة، وليس من بين من قال به منهم علم من أعلام الإسلام الذين يوثق بهم في فن من فنون الإسلام المختلفة كالتفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو علم أصول الفقه، أو اللغة العربية.
فدل! هذا كله: على أن القول بالمجاز، إنما هو بدعة اعتزالية محضة، وصنعة كلامية صرفة، اجتهد في نشرها، والتبشير بها، وتدعيم أصولها، ووضع قواعدها، بعد المائة الرابعة؛ لتحقيق أغراض مستورة، تلتقي في نهايتها، للعمل على زعزعة أصول هذا الدين، والنيل من ثوابته، وصرف الناس عن فهم هذه الأصول وتلكم الثوابت الفهم السليم السديد، مواكبة في ذلك كله لبدعة أخرى، ظهرت هي الأخرى متزامنة معها، موافقة لها، في المصدر والنشأة، والمنهج والغرض، ألا وهي: بدعة التأويل.
هذا. . علما بأنه لو كان في القول بالمجاز والتأويل، أدنى ذرة خير، أو أدق شعرة فضل، لكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة أسبق الناس إليه، باعتبارهم السباقين أبدا إلى كل خير وفضل، لا أن يكون سباقا إليه أعلاج علم الكلام، وصيارفة البدع، ومتنطعوا مذهب الاعتزال.