الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم من مصادر التشريع بعبارة ميسرة يفهمها القارئ العادي، فإذا ما عرفها واجتنبها، واقتصر على ما أحل الله له، جعل الله له من أمره يسرا، ورزقه من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2)، وقال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3).
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2)
سورة الطلاق الآية 3
(3)
سورة الطلاق الآية 4
الربا وأنواعه وما يجري فيه:
الربا لغة: الزيادة.
وشرعا: ثلاثة أنواع:
الأول: ربا الفضل، ويقع فيما اتحد فيه العوضان جنسا وعلة، والمراد بالجنس الصنف الواحد، ويعتبر الذهب صنفا والفضة صنفا، وعملة كل نظام صنفا، والبر صنفا وهكذا بقية أصناف المطعومات، والمراد بالعلة: العلة المسببة للربا التي وقع تحريمه بسببها، وهي النقدية فيما سبب الربا فيه النقدية كالذهب والفضة وما يلحق بهما من العملات النقدية أو النقدية والوزن فيما يتداول منها بالوزن كالذهب والفضة، أو الطعم والكيل في المطعومات كالبر والشعير والتمر والزبيب والملح ونحوها، فإذا اتحد العوضان جنسا وعلة فلا يجوز البيع فيها إلا
مثلا بمثل يدا بيد، وإذا لم يحصل التماثل بين العوضين فقد وقع ربا الفضل فالذهب بالذهب لا بد أن يكون وزنا بوزن، وكذلك الفضة بالفضة والعملة السعودية بالعملة السعودية لا بد أن تكون ريالا بريال، والورقة من فئة خمسمائة أو من فئة مائة ونحوها بما يعادلها بالريال من الفئات الأخرى سواء بسواء وإلا وقع ربا الفضل وكذلك سائر العملات، فعملة كل بلد أو نظام جنسا فلا يجوز فيه التفاضل.
وكذلك الحال في المطعومات إذا اتحد العوضان جنسا وعلة؛ كالبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والزبيب بالزبيب والملح بالملح والذرة بالذرة والدخن بالدخن ونحوها، لا يجوز البيع فيها إلا مثلا بمثلى يدا بيد، حتى لو كان جيدا برديء، فلا يجوز فيه التفاضل وإلا وقع ربا الفضل، لاختلال شرط التساوي، ومثله في الحكم مجهول التساوي فلا يجوز بيع قلادة من الذهب والخرز بقدر معلوم من الذهب، ولا قلادة من الفضة والخرز بقدر معلوم من الفضة، لعدم العلم بالتساوي، وكذلك لا يجوز بيع صبرة الطعام من البر أو الشعير أو التمر ونحوها بجنسه مكيلا ولا بيع رطب بيابس كالرطب بالتمر أو الزبيب بالعنب أو ثمرة الحائط بجنسه؛ للجهل بالتساوي لأن مجهول التساوي كمعلوم التفاضل لحديث:«لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق - والورق: الفضة - إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبا بناجز (1)» متفق عليه. وفي لفظ: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة
(1) صحيح البخاري البيوع (2177)، صحيح مسلم المساقاة (1584)، سنن الترمذي البيوع (1241)، سنن النسائي البيوع (4570)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 4)، موطأ مالك البيوع (1324).
والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء (1)» رواه أحمد والبخاري. وفي لفظ:«ولا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء (2)» رواه أحمد ومسلم، ولحديث: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تفعلوا بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا (3)» راوه البخاري، وما في هذا المعنى من الأحاديث.
ولحديث: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر (4)» رواه مسلم.
ولا بد هنا من التنبيه على مسألة يجهلها كثير من الناس عند شراء الحلي وهي أنه لا يجوز استبدال الرجيع أو الذهب المختلط بغيره أو من عيار أدنى بذهب مصنع أو عيار آخر مقاصة، بل لا بد من بيع الرجيع، أو المختلط بغيره، أو العيار الأدنى بقيمته من غير جنسه، وقبض الثمن ثم شراء المصنع لئلا يقع في ربا الفضل، ولا بد أن يكون يدا بيد حتى لا يقع في ربا النسيئة.
ولحديث فضالة بن عبيد قال: «اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يباع حتى يفصل (5)» رواه مسلم، والنسائي، وأبو داود والترمذي وصححه. وفي لفظ: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم أتي بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حتى تميز
(1) صحيح البخاري البيوع (2176، 2202)، صحيح مسلم المساقاة (1584، 1584)، سنن الترمذي البيوع (1241، 1241)، سنن النسائي البيوع (4565، 4565)، سنن ابن ماجه التجارات (2257)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 50، 3/ 97)، موطأ مالك البيوع (1324، 1324).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2177)، صحيح مسلم المساقاة (1584)، سنن الترمذي البيوع (1241)، سنن النسائي البيوع (4570)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 4)، موطأ مالك البيوع (1324).
(3)
صحيح البخاري البيوع (2202)، صحيح مسلم المساقاة (1593)، سنن النسائي البيوع (4553)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 60)، موطأ مالك البيوع (1314).
(4)
صحيح مسلم البيوع (1530)، سنن النسائي البيوع (4547).
(5)
صحيح مسلم المساقاة (1591)، سنن النسائي البيوع (4573).
بينه وبينه"، فقال: إنما أردت الحجارة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، حتى تميز بينهما" قال: فرده حتى ميز بينهما (1)» رواه أبو داود.
فتبين من هذه النصوص أن التفاضل في الجنس الواحد ربا، وأن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل في وقوع الربا، إلا ما رخص فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم من بيع العرايا، (فقد رخص في بيع العرية، النخلة أو النخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا) متفق عليه.
الثاني: ربا النسيئة: ويقع فيما اتحد فيه العوضان جنسا وعلة: كالأصناف التي يقع فيها ربا الفضل، فإنه إذا لم يحصل التقابض فيها في مجلس العقد، وقع ربا النسيئة أيضا، فلا يجوز بيع شئ منها بجنسه ولا بغير جنسه إذا اتحدت العلة إلا يدا بيد، لما سلف من حديث:«ولا تبيعوا غائبا بناجز (3)» متفق عليه.
ولحديث: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد (4)» رواه أحمد والبخاري.
ولحديث: «الذهب بالورق ربا، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء، والتمر
(1) صحيح مسلم المساقاة (1591)، سنن النسائي البيوع (4573)، سنن أبو داود البيوع (3351)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 19).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2205)، صحيح مسلم البيوع (1542)، سنن الترمذي البيوع (1300)، سنن النسائي البيوع (4549)، سنن أبو داود البيوع (3368)، سنن ابن ماجه التجارات (2265)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 123)، موطأ مالك كتاب البيوع (1317)، سنن الدارمي البيوع (2555).
(3)
سنن الترمذي البيوع (1241)، سنن النسائي البيوع (4571)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 73)، موطأ مالك البيوع (1324).
(4)
صحيح البخاري البيوع (2176، 2202)، صحيح مسلم المساقاة (1584، 1584)، سنن الترمذي البيوع (1241، 1241)، سنن النسائي البيوع (4565، 4565)، سنن ابن ماجه التجارات (2257)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 50، 3/ 97)، موطأ مالك البيوع (1324، 1324).
بالتمر ربا، إلا هاء وهاء (1)» متفق عليه، ومعنى هاء وهاء، أي: هاك وهات.
ولحديث: «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (2)» رواه أحمد ومسلم، وللنسائي وابن ماجه وأبي داود نحوه وفي آخره:«وأمرنا أن نبيع البر بالشعير، والشعير بالبر، يدا بيد كيف شئنا (3)» .
فتبين من هذه النصوص أن بيع الجنس بنظيره جنسا وعلة، يجتمع فيه ربا الفضل عند التفاضل أو عدم العلم بالتساوي وربا النسيئة عند عدم التقابض في المجلس، ويقع فمه ربا النسيئة وحده فيما إذا اختلف العوضان جنسا واتحدا علة، كالذهب بالفضة، والبر بالشعير عند عدم التقابض في المجلس.
وتبين أنه إذا اختلف العوضان جنسا وعلة، كالطعام بالنقد أو العكس أو انتفت علة الربا، كبيع الحيوان بالحيوان، والقماش بالقماش، والإناء بالإناء، والسيارة بالسيارة، والخشب بالخشب، والحديد بالحديد، والنحاس بالنحاس، التي لا يوجد فيها علة الربا التي هي النقدية أو الطعم انتفى الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، فيجوز بيع البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين، والمتر القماش بالمترين، والإناء بالإنائين، والسيارة بالسيارتين، أو أقل من ذلك أو أكثر حاضرا أو إلى أجل، لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه:«أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة (4)» رواه أحمد، وأبو داود،
(1) صحيح البخاري البيوع (2134، 2134)، صحيح مسلم المساقاة (1586، 1586)، سنن الترمذي البيوع (1243، 1243)، سنن النسائي البيوع (4558، 4558)، سنن أبو داود البيوع (3348، 3348)، سنن ابن ماجه التجارات (2253، 2253)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 45، 1/ 45)، موطأ مالك البيوع (1333، 1333)، سنن الدارمي البيوع (2578، 2578).
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1587)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 320).
(3)
صحيح مسلم المساقاة (1587)، سنن الترمذي البيوع (1240)، سنن النسائي البيوع (4561)، سنن أبو داود البيوع (3349)، سنن ابن ماجه التجارات (2254)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 314)، سنن الدارمي كتاب البيوع (2579).
(4)
سنن أبو داود البيوع (3357)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 171).
والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي وقوى الحافظ إسناده، وقال ابن المنذر:(ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين واشترى جارية بسبعة أرؤس، وهكذا).
الثالث: ربا القرض، ويقع إذا حصل المقرض على فائدة بسبب القرض، سواء كانت مشروطة أو متعارفا عليها، قلت أو كثرت، كأن يقرضه مائة ألف ريال مقابل مائة وعشرة آلاف ريال عند الأداء أو مقابل أن يهدي له شيئا وقت الأداء أو قبله أو بعده، أو يشتري منه سلعة بأكثر من ثمنها، أو يبيعه سلعة بأقل من ثمنها، أو تحت أي ستار، أو يقدم له خدمة لحديث:«إذا أقرض أحدكم أخاه فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك (1)» رواه ابن ماجه.
وعند البخاري في تاريخه: "إذا أقرض فلا يأخذ هدية"، وأخرج البيهقي عن فضالة موقوفا:«كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا» رواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم، ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث علي بلفظ:«أن النبي- صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة» ، وفي رواية:«كل قرض جر منفعة فهو ربا» ، قال الشوكاني: قال عمر بن زيد في المغني: لم يصح فيه شيء، ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا: إنه صحيح. ولا خبرة لهم بهذا الفن، ومعنى هذا الأثر صحيح، لما سبق من الأدلة، ولحديث: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا
(1) سنن ابن ماجه الأحكام (2432).