المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأسواق الآجلة: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ نقول عن بعض كتب الفقهاء، يستنار بها فيالتطبيق وفهم الحكم

- ‌ ابن رشد في بداية المجتهد:

- ‌المضاربة في السلع التجارية وأسواق البورصة الدولية

- ‌ الأسواق الآجلة:

- ‌الأسواق الآجلة للعملات الأجنبية

- ‌سوق الأوراق المالية (البورصة)

- ‌ملاحظات ختامية:

- ‌الفتاوى

- ‌ معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}

- ‌ معنى قوله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ}

- ‌ من هم عباد الرحمن وعبيد الرحمن

- ‌ تفسير قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}

- ‌ سبب اختلاف ألوان عباد الله من أحمر إلى أبيض إلى أسود

- ‌ هل ثبت بالسنة الصحيحة تلاوة هذه السور يوميا (يس - الدخان - الواقعة - الملك)

- ‌ الحكمة في أمر الله إبراهيم بذبح ابنه قرة عينه إسماعيل

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ الحكم إذا اجتمع قصد الدنيا والشهادة مع نية طلب العلم لنفع نفسه ومجتمعه

- ‌ سئل شخص عن مسألة فأفتى فيها، وبعد مدة تبين له أن ما أفتى به غير صحيح، فماذا عليه أن يفعل

- ‌درجة حديث الصدوق ومن في مرتبته

- ‌خامسا: نتيجة هذا البحث:

- ‌الإنكار في مسائل الخلاف

- ‌ المقدمة:

- ‌المصلحة عند الحنابلة

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: تتبع آراء الحنابلة في المصلحة:

- ‌الفصل الثاني: حكم المصلحة عند الحنابلة

- ‌مفاسد القول بالمجاز

- ‌القول بالمجاز بدعة ضلالة:

- ‌تعطيل الصفات:

- ‌تحطيم مدلول كلمة التوحيد:

- ‌قصر (الإيمان) على التصديق:

- ‌صرف ألفاظ الوحي عن دلالاتها الحقيقية:

- ‌المجاز سلم الباطنية:

- ‌نقص درجة المجاز:

- ‌خطر الربا وتغليظ تحريمه:

- ‌ما جناه الاستعمار الأوروبي على المسلمين:

- ‌الربا وأنواعه وما يجري فيه:

- ‌الخلاصة:

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءبالمملكة العربية السعودية

- ‌الآداب الإسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ الأسواق الآجلة:

للطرف الآخر المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة.

ص: 89

2 -

‌ الأسواق الآجلة:

خلافا للأسواق النقدية التي سبق ذكرها فقد نشأت أسواق أخرى تسمى الأسواق الآجلة، وفي هذه الأسواق يمكن للمنتج من صاحب مصنع أو مقاول أو مزارع أو تاجر ممن يتوقع حصيلة معينة مستقبلا، أو يتوقع حاجته لسلعة معينة مستقبلا أن يتعاقد على بيع أو شراء تلك السلعة أو الحصيلة بثمن معلوم حالا (أي: حال معرفته بحاجته أو حصيلته، والذي يسبق عادة وقت تحصيل الإنتاج أو تحقيق الحاجة الفعلية بزمن).

وهو بذلك يتأكد من دخله أو من تكلفته مستقبلا، ويتجنب مخاطر تذبذب أسعار هذه السلع بين الوقت الحاضر وبين وقت التسليم أو الاستلام الفعلي للسلعة أو الحصيلة، ويزعم مؤيدوا هذه الأسواق أنها تمكن هؤلاء المنتجين أو أصحاب الحاجة من تجنب مخاطر تقلبات الأسعار.

وقد نتج عن ذلك تطور سوق للاتجار في تلك المخاطر بواسطة فئة هم المضاربون، وعملية اتجارهم في مخاطر تقلبات الأسعار يمكن تسميتها بالمضاربة، كما نشأت عمليات مختلفة من العقود، متفرعة عن مبدأ تجنب مخاطر تذبذب الأسعار، يقوم بها المنتجون وأصحاب الحاجة لحماية أنفسهم مستقبلا تسمى التغطية الاحتياطية.

ص: 89

التغطية الاحتياطية:

وهي عبارة عن عملية التعاقد على بيع أو شراء بضاعة أو سلعة معينة مستقبلا؛ لتغطية التزام قائم على الشخص المتعاقد بالنسبة لهذه البضاعة معروف الآن وملتزم به من الشراء أو البيع بالسعر الحالي، ويراد بهذا العقد تحاشي التذبذب المحتمل في الأسعار بين الوقت الحاضر - وقت الالتزام - والمستقبل - وقت التسليم أو الاستلام -.

فالتاجر أو المنتج يعتمد في أعماله على هامش ربح بسيط لكي يكون منافسا، وأي تحرك غير متوقع في أسعار المواد الخام والسلع التي يتعامل بها تصنيعا أو تجارة أو توريدا يمكن أن يؤدي إلى خسارة فادحة، وهو يفضل الحد من هذه المخاطر بتغطية التزاماته الحالية بعقود مستقبلية، والمثال التالي سيوضح كيف تساعد التغطية الاحتياطية هذه:

تعاقد صاحب مطحنة دقيق مع صاحب مخبز في شهر يوليو على أن يورد له كمية 5000 كيس من الدقيق، يسلمها له في شهر ديسمبر، ولكي تنتج المطحنة هذه الكمية من الدقيق تحتاج إلى 25 ألف مكيال من القمح، والمطحنة لكي تنتج هذه الكمية

ص: 90

لتسليمها في شهر ديسمبر لن تحتاج للقمح إلا في شهر نوفمبر، ولكن في شهر يوليو عند التعاقد لا يعلم صاحب المطحنة عما سيكون عليه سعر القمح في شهر نوفمبر عندما يحتاج لشراء القمح؛ ولذلك فهو:

1 -

إما أن يوقع عقده مع صاحب المخبز على توريد الكمية، ويتم تحديد السعر في شهر نوفمبر (عندما يعرف تكلفة القمح عليه)، وهذا يناسب صاحب المطحنة، ولكنه لن يناسب صاحب المخبز الذي يرغب الدخول في عقود توريد خبز لعملاء كبار كمدارس أو مستشفيات أو مراكز تغذية، وبالتالي يحتاج لمعرفة التكلفة عليه من الآن.

2 -

أو أن يقوم صاحب المطحنة بشراء القمح من الآن بالسعر الحالي، ويحسب هذا السعر في تحديد قيمة الدقيق، ولكن هذا سيتطلب تجميد رأس مال كبير لفترة طويلة، علاوة على تعريض القمح للتلف من فترة التخزين الطويلة. كما سيتطلب توفير مستودعات كبيرة لتخزين حاجة شهر نوفمبر والأشهر التي قبلها إذا أراد صاحب المطحنة أن يشتري الآن لكل عقد يتعاقد عليه في المستقبل، وكل ذلك يزيد في التكلفة أيضا.

3 -

أن لا يتعاقد صاحب المطحنة من الآن ويؤجل التعاقد إلى

ص: 91

شهر نوفمبر، ولكن ذلك سيوجد حالة من عدم الاستقرار لكل من المطحنة والمخبز والعمال لديهما، كما أن المخبز لن يستطيع التعاقد مع عملائه من كبار المستهلكين لمنتجاته، بينما يفضل كل منهم أن يعرف خطته لفترة ستة أشهر أو عام؛ بحيث يخطط مشترياته وتوظيفاته وحاجته من المعدات وغيرها على أساسه.

4 -

أو أن يوقع العقد ويحدد السعر من الآن، ولا يقوم بشراء القمح إلا في شهر نوفمبر وفي هذه الحالة إن انخفض سعر القمح فسيكسب مكاسب كبيرة، وإن ارتفع سعره عما احتسبه فسيخسر خسائر كبيرة قد تؤدي لإفلاسه.

إن جميع هذه البدائل الأربعة صعبة ومكلفة، وفي حال وجود الأسواق الآجلة وعقود التغطية الاحتياطية، فباستطاعة صاحب المطحنة حماية نفسه من المخاطر، وذلك أن يقوم بالاستجابة لحاجة المخبز، وتوقيع عقد بيع الطحين من الآن، وتحديد السعر حسب التكلفة الحالية (أي حسب أسعار القمح السائدة حالا مضافا إليها تكلفة التغطية الاحتياطية)، ثم يقوم بالتغطية الاحتياطية، وذلك يعني أنه بتكلفة بسيطة لا تزيد عما يتوقع أن يتغير به السعر خلال الفترة يشتري عقد شراء من السوق

ص: 92

الآجلة لشهر ديسمبر بنفس الكمية، وفي شهر نوفمبر وقت حاجة القمح - يشتري من السوق الحالة حاجته من القمح، ويبيع عقد ديسمبر الآجل، فإذا كان عندها سعر القمح قد ارتفع بريال واحد للمكيال، تكون قد زادت تكلفة القمح عليه 25 ألف ريال عما احتسبه في تكاليفه، ولكنه أيضا يكون عقد ديسمبر قد ارتفعت قيمته؛ لارتفاع سعر القمح بقيمة مماثلة، وبالتالي فخسارته هنا يغطيها مكسبه في عقد الآجل، والعكس بالعكس لو انخفض سعر القمح فما يكسبه نتيجة انخفاض التكلفة، يخسره نتيجة انخفاض قيمة عقد الآجل، وبهذه الحالة يؤمن صاحب المطحنة وضعه من مخاطر الذبذبة في سعر القمح.

ويلاحظ أن العقد الآجل هنا يختلف عما لو قام صاحب المطحنة بشراء حاجته من القمح، بحيث تسلم له في شهر نوفمبر، فمثل هذا العقد يمكن أن يتم في السوق الفورية، ولكنه يتطلب دفعة مقدمة عالية، وبالتالي فهو يحتاج إلى رأس مال أكثر مما تحتاجه عقود التغطية الاحتياطية.

وفي المثال أعلاه فإن صاحب المطحنة يحاول أن يحمي نفسه من تذبذب السعر، ويحملها على المضارب الذي باعه العقد الآجل، حيث يؤمل المضارب أن يحصل على أرباح عالية، وفي سبيلها فهو مستعد لتحمل المخاطر، ودور المضارب هنا هو التجارة في تلك المخاطر فقط، فهو ليس منتجا للقمح أو متاجرا

ص: 93

فيه، وإنما هو مضارب يتاجر في احتمالات تذبذب الأسعار حسب توقعاته عن اتجاهات الأسعار، فإذا صدقت توقعاته حقق مكاسب عالية، وإذا لم تتحقق فإن خسائره عالية أيضا.

وفي هذه العقود لا يحتاج المضارب إلا إلى رأس مال منخفض جدا مقارنة بما يحتاجه المتاجر في نفس البضاعة، فالمضارب في هذه العقود يحتاج لدفع هامش ضمان، يحدد بناء على ما يتوقع من مجال تذبذب سعر السلعة في تلك الفترة، ويتراوح بين 5 % إلى 10 % من قيمة السلعة المتعامل بها، فعلى سبيل المثال إذا قام مضارب بشراء كميات كبيرة من القمح عندما يكون سعر المكيال 12. 5 ريالا فقيمة 25 ألف مكيال من القمح 312. 500 ريالا، فإذا كانت نسبة هامش الضمان الذي يتوجب عليه دفعه عند التعاقد 10 % فلن يدفع أكثر من 31. 250 ريالا.

فإذا ارتفع سعر القمح بريال وربع للمكيال الواحد أي 10 % فسيحقق ربحا مقداره 13. 250 ريالا، أي: نسبة 100 % من الهامش الذي دفعه، وهو رأس ماله المستثمر في هذه العملية، بينما لو قام بشراء القمح مقابل سداد كامل قيمته، وبعد ارتفاع القيمة قام ببيعه، فسيحقق نفس الربح إلا أن استثماره كان عشرة أضعاف السابق، أي: (321. 550 ريالا)، وبالتالي فإن ربحه لا يتجاوز 10 % من رأس ماله، غير أنه لو انخفضت الأسعار بنفس النسبة في حال الشراء بالهامش لكانت خسارته كامل رأس ماله؛ لذلك تتسم

ص: 94

المضاربة بدرجة من المخاطرة تفوق كثيرا المخاطر التي تنطوي عليها التجارة الحقيقية.

ويمكن تطبيق نفس المثال على أي سلعة خلاف القمح من السلع التي يتم التعامل بها في أسواق السلع، والمذكورة في بداية البحث.

المضاربة:

إن الفرق الرئيسي بين أسواق البيع العاجل (الفورية) والأسواق الآجلة ليس عامل الزمن، فالتسليم في الأسواق الآجلة يمكن أن يكون في الشهر الحالي، بينما التسليم في الأسواق الفورية يمكن أن يتفق عليه لوقت لاحق.

ومن قواعد الأسواق الآجلة أن السلعة بينما هي معروفة ومحددة الأوصاف والنوعية، إلا أنها ليست حسب عينة محددة، وبالتالي فقد تختلف درجة النوعية ضمن حدود معينة دون الخروج عن تعريفها وأوصافها المحددة في قواعد السوق، كما أن من قواعد السوق أن يكون التسليم بالشهر، أي: لشهر يناير أو يوليو أو ديسمبر مثلا، وليس بتاريخ معين من الشهر، وعليه فللبائع الحق في تحديد التاريخ من الشهر، والنوعية المعينة التي يريد تسليمها وفاء بالعقد، ويلتزم المشتري بالاستلام ما دامت

ص: 95

تنطبق شروط السوق، أما في الأسواق الفورية فإن المشتري يتعاقد على شراء السلعة حسب المواصفات، وبالشروط التي يعينها ويحدد درجة النوعية ومواصفاتها، بل وحسب عينة محددة إن شاء، كما يحدد تاريخ التسليم المرغوب فيه.

والفروقات الرئيسية بين الأسواق الفورية والآجلة هي:

1 -

الغرض من العقد:

لعل الفرق الرئيسي بين الأسواق الآجلة والفورية يكمن في المضاربة، ففي الأسواق الفورية فإن نية المشتري والبائع هي التسليم والاستلام، وهو الغرض من العقد، بينما في الأسواق الآجلة فمع أنه - نظاما وتعاقديا - يحق للبائع تسليم السلعة فعلا في أي موعد من الشهر المحدد في العقد، ويلتزم المشتري بالاستلام وتسليم كامل القيمة (كما أنه يحق للمشتري المطالبة بالاستلام، ويلتزم البائع بالتسليم) إلا أنه لا توجد نية لدى أي منهما للتسليم والاستلام عند إبرام العقد، وليس التسليم والاستلام هو الغرض من العقد، ولا يحدث التسليم والاستلام في السوق الآجلة إلا في حالات نادرة، ويتم تصفية 99 % تقريبا من العقود بعقود تعويضية مقابلة (أي تصفية عقود البيع بعقود شراء معاكسة)(1). والعكس بالعكس.

ومن قواعد السوق أنه إذا كان لدى الشخص عقدان

(1) انظر التعليق على ما جاء في هامش عنوان الأسواق النقدية أو (الفورية) ص 87، 88.

ص: 96

متعاكسان (بيع وشراء) لنفس السلعة وبنفس الأجل تتم المقاصة بينهما وتصفيتهما، وتتم التسوية بتسديد الفرق بين العقدين، فإن كان سعر الشراء أقل من سعر البيع حقق ربحا، وإن كان أكثر تحمل خسارة تحسم من الهامش الذي دفعه، فإن لم يكف الهامش طولب بالباقي، وعليه فقد يحقق المتعامل ربحا أو خسارة دون أن يتم التسليم أو الاستلام الفعلي للسلعة أو كامل القيمة.

2 -

دور الدفعة المقدمة (الهامش)

الفرق الثاني بين العقد في السوق الفوري والعقد الآجل يكمن في دور الهامش أو الدفعة المقدمة.

ففي كلا العقدين يطلب من المشتري دفع هامش أو دفعة مقدمة (إن لم يكن كامل القيمة في حال العقد الفوري) إلا أن نوع الهامش ودوره مختلف، ففي العقد الفوري يكون الهامش أكثر، تقريبا 25 % من قيمة العقد على الأقل، على أن يسدد الباقي عند استلام البضاعة، وقد يطلب منه ضمان بنكي يغطي باقي القيمة.

أو يحسب الباقي كقرض بذمة المشتري، أما في العقد الآجل فإن الهامش أقل كثيرا 5 % تقريبا، ويطلب من المشتري ومن البائع (ويحدد حسب التذبذب المتوقع في سعر السلعة)، ودور الهامش هنا لتغطية الخسارة المحتملة فيما لو انخفض سعر السلعة، وعند حدوث الانخفاض فقد تطلب هيئة المقاصة ضمانات إضافية، ويجب الاستجابة لطلبها خلال مدة ساعة من

ص: 97

استلام إشعار المطالبة.

فالمشتري في السوق الفورية عند تعاقده يتوقع، ويكون مستعدا للدفع الكامل لقيمة السلعة، بينما في السوق الآجلة يمكن أن يتعاقد ولا يكون لديه أكثر من الهامش، ولا ينوي أو يستعد بتوفير باقي القيمة.

3 -

الكاسب أحد المتعاقدين أو كلاهما:

والفرق الثالث بين السوقين أنه في السوق الفوري يمكن أن يكسب البائع، ويكسب المشتري عند بيعه السلعة عند ارتفاع سعرها، أو يمكن أن يخسر كلاهما لو انخفض سعر السلعة واستمر في الانخفاض، أما في الأسواق الآجلة فلا يحقق الربح فيها إلا فريق واحد حيث يتكبد الفريق الآخر الخسارة، حسب اتجاهات الأسعار، وبالتالي فهي كعملية الرهان.

4 -

صفقات الخيار:

والفرق الرابع وجود صفقات خيار يتاجر بها في الأسواق الآجلة، وهذا عادة يتم في الأسواق المالية للأسهم والسندات، وسيتم شرح ذلك فيما بعد، ولا يوجد صفقات خيار في الأسواق الفورية.

ص: 98

المتعاملون في الأسواق الآجلة:

وتجدر ملاحظة أنه بينما نشأت هذه الأسواق (الآجلة) بسبب الرغبة في التغطية الاحتياطية من قبل أصحاب الحاجات من بائعين ومشترين، إلا أنها تطورت ليدخلها أطراف آخرون، وواضح أنه لا يمكن لهذه الأسواق أن تدوم لولا وجود فئات أخرى من المستثمرين الذين يرغبون الاستثمار في المضاربة، وهم فئة المضاربين الذين يرغبون المخاطرة بأموالهم وتعريضها للخسارة العالية في سبيل تحقيق أرباح كبيرة.

ويمكن تصوير العمليات في هذه الأسواق بأنها: فصل عوامل المخاطرة في تقلبات الأسعار من عمليات الصناعة والتجارة والمقاولات والزراعة مثلا، وعرضها: أي عوامل المخاطرة للاتجار بها، (أو المضاربة عليها)، ويعمد للاتجار - أو المضاربة - في هذه العوامل فئة من المستثمرين يرغبون المخاطرة برأس مالهم؛ طمعا في تحقيق مكاسب عالية، والكاسبون في هذه المضاربات هم الفئة التي يتحقق حدسهم في توقع اتجاه الأسعار، إما بمحض الصدفة أو بما لديهم من أبحاث، أو معرفة بالأسواق ومقدرة على تحليل تلك الاتجاهات بدقة أفضل من غيرهم.

ولذا فالمتعاملون في هذه الأسواق الآجلة هم فئات مختلفة من أصحاب الحاجة التي يقصدونها؛ لتحقيق تغطية احتياطية لالتزاماتهم بيعا أو شراء، ومن المستثمرين الذين يرغبون استثمار أموالهم بالاتجار في هذه المخاطر، وهو كما هو واضح تعريض

ص: 99

لهذه الاستثمارات لمخاطر عالية.

المضاربة. والقمار:

هل المضاربة نوع من القمار؟ بما أن المضارب إنما يستثمر أمواله بتعريضها للخسارة العالية في سبيل تحقيق أرباح عالية لو صدق حدسه، فكأنما هو يراهن على اتجاه الأسعار، لقد ناقش الاقتصاديون هذا السؤال منذ مدة طويلة ولم ينته النقاش، فالبعض يرى أنهما متشابهان من عدة أوجه، فكلاهما يعتمد تحقيق نتائج في المستقبل المجهول، وكلاهما ينطوي على مخاطر الخسارة الكبيرة؛ بغية تحقيق الأرباح الكبيرة (1)، بينما يرى البعض الآخر أن هناك فرقا، فبينما يعتمد القمار على خلق مخاطر لا وجود لها بدون القمار، تعتمد المضاربة على افتراض وجود مخاطر تجارية في عالم الواقع (2)، وأن سوق المضاربة تخدم غرضا اقتصاديا؛ إذ تساعد ذوي الحاجة على تغطية المخاطر في أعمالهم بإتاحة الفرصة لهم، بعزل هذه المخاطر وعرضها للبيع في سوق المضاربة، كما حصل لصاحب المطحنة في المثال السابق.

(1) هذا هو الذي يشهد له الواقع.

(2)

كلاهما يعتمد إيقاع نفسه في مخاطر، ويخوض غمارها؛ طمعا في الكسب من غير وجهه الشرعي.

ص: 100