الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاز سلم الباطنية:
ثم إن المجاز - ورديفه التأويل - هو السلم الذي اعتلته الفرق الباطنية، من أجل بلوغ أغراضها، والتكأة التي اعتمدت عليها، لزخرفة أفكارها، وعرضها على الناس بصورة جميلة مستحسنة؛ بغية التدليس عليهم، وبالتالي إيقاعهم في شرك حبائلها الجهنمية الضالة.
قالوا: (لا إله إلا الله. . محمد رسول الله) مجاز، لا يدل على ظاهر لفظه، وإنما هو دليل على الأئمة السبعة، و (لا إله إلا الله) اثنا عشر حرفا، دليل على الحجج الاثني عشر.
وكذا (بسم الله الرحمن الرحيم) تسعة عشر حرفا، هي دليل على سبعة الأئمة، واثني عشر حجة (1).
قالوا: والقرآن الكريم هو تعبير محمد صلى الله عليه وسلم عن المعارف التي فاضت عليه، ومركب من جهته، وقد سمي (كلام الله) مجازا.
وقالوا بإبطال القول بالمعاد والعقاب، وأنكروا الجنة والنار، وما الجنة إلا نعيم الدنيا، وما العذاب إلا اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصوم والحج الجهاد (2).
ثم انتقلوا إلى التكاليف والمصطلحات الشرعية واليقينية،
(1) انظر: "بيان مذهب الباطنية وبطلانه"، محمد الحسن الديلمي، ص (41 و43).
(2)
انظر: "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة"، ص (396 - 397) الطبعة الأولى 1409 هـ.
فأعملوا فيها معاول المجاز والتأويل، فغدت رموزا إلى بواطن لا أكثر:
فالجناية مثلا هي مبادرة المستجيب بإفشاء ما ألقي إليه من أسرار.
والغسل: تجديد العهد على فعل ذلك.
والصيام: الإمساك عن كشف الأسرار.
والجهاد: صب اللعنات على الخصوم.
والبعث: الاهتداء إلى مذهبهم الباطن.
والزكاة: بث العلوم لأهل مذهبهم ودينهم، يتزكون بها.
أما ألفاظ القرآن فجميعها مجازات، تخضع لتأولات عقولهم، وتوجهات أهوائهم:
قالوا: (اعلم أن كل ما ورد في كتاب الله عز وجل، من ذكر الجنات والأنهار والنخيل والأعناب وجميع الشهوات، هو دال على الأئمة عليهم السلام، ثم على الحجج، ثم على اللواحق، ثم على الدعاة، ثم على المستجيبين البلغ، ثم على الأدنى فالأدنى. وما ورد في كتاب الله من الجبت والطاغوت وإبليس وهاروت وماروت ويغوث ويعوق ونسر وود وسواع،
فمثلهم وشكلهم على أهل الظاهر - أي السنة والجماعة - ورؤسائهم وعلمائهم بعد أئمتهم الجائرين، المعاندين لأهل الحق، الذين هم أهل الباطن).
وقالوا في تفسير قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (1): الشمس والقمر: الحسن والحسين (2).
وفي قوله: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} (3): أي بظهور الإمام الغائب.
وفي قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (4) الميتة: هي الاعتماد على ظاهر القرآن، دون الالتفات إلى باطنه (5).
أما المنخنقة: فالذي نقض العهد، وهو المنخنق تحت السكين.
و (الموقوذة): ما ضرب بعصا الداعي.
و (ما أكل السبع): ما استزله منافق، أو وقع عليه عذاب من الشيطان، فكشف أمر الله (6).
(1) سورة الرحمن الآية 5
(2)
كتاب " القرامطة "، طه الولي، ص (31)، الطبعة الأول، 1981م، بيروت.
(3)
سورة الأعراف الآية 53
(4)
سورة المائدة الآية 3
(5)
" القرامطة "، طه الولي، ص (116).
(6)
"بيان مذهب الباطنية وبطلانه"، الديلمي، ص (48).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا وغربوا (1)» .
فقالوا: القبلة مجاز، لا كما تفهم على ظاهر لفظها، إنها رمز للإمام، ومعنى الحديث: أي لا تظهروا ولاية الإمام، ولا تظهروا البراءة منه (2).
وقد سلكت غلاة الصوفية المسلك نفسه، فأوغلوا في النظرة المجازية إلى عبارات الكتاب الكريم، ومضوا يتعسفون في تأوليها حسب أهوائهم، وبما يتفق وشطحاتهم المعهودة:
ففي قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3)، قال ابن عربي:(هي الحقيقة المحمدية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني الإلهي)(4).
وفي قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (5)، قالوا:(أنزل من السماء أنواع الكرامات، فأخذ كل قلب بحظه ونصيبه، فسالت أودية قلوب العلماء وأودية قلوب الصوفية).
(1) رواه البخاري (394) في الصلاة، باب قبلة أهل المدينة والشام، ومسلم (264) في الطهارة، وأبو داود (9) في الطهارة، والترمذي (8) فيها، والنسائي:(1/ 21) فيها أيضا.
(2)
" بيان مذهب الباطنية وبطلانه "، ص (44).
(3)
سورة طه الآية 5
(4)
" الفتوحات المكية "، ابن عربي، (1/ 152).
(5)
سورة الرعد الآية 17