المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحثأحكام الذبائح واللحوم المستوردةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد العاشر

- ‌بحثأحكام الذبائح واللحوم المستوردةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادسماحة الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية للذكاةإعدادأ. د إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌‌‌الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد الهواري

- ‌الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد الهواري

- ‌المفطراتإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌مفطرات الصائمفي ضوء المستجدات الطبيةإعداد الدكتور محمد جبر الألفي

- ‌ضابط المفطراتفي مجال التداويالأكل والشربإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المفطراتإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌المفطراتفي مجال التداويإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌التداوي والمفطراتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌المفطراتفي ضوء الطب الحديثإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌العقود المستجدةضوابطها ونماذج منهاإعدادالدكتور نزيه كماد حماد

- ‌العقود المستجدةضوابطها ونماذج منهاإعدادد. محمد بن علي القري

- ‌الاستنساخ البشريإعدادالشيخ محمد المختار السلامي مفتى الجمهورية التونسية

- ‌نظرة في الاستنساخ وحكمه الشرعيإعدادآية الله محمد علي التسخيري

- ‌الاستنساخ البشريبين الإقدام والإحجامإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌الاستنساختقنية، فوائد، ومخاطرإعدادد. صالح عبد العزيز الكريم

الفصل: ‌بحثأحكام الذبائح واللحوم المستوردةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

‌بحث

أحكام الذبائح واللحوم المستوردة

إعداد

القاضي محمد تقي العثماني

قاضي محكمة النقض العليا بباكستان

مقدمة البحث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى أحل للمسلمين أن يأكلوا من لحوم الحيوانات الطيبة، وينتفعوا بأجزائها الأخرى، ولكن جعل هذا الحل خاضعا لأحكام شرعها في الكتاب والسنة، وإن هذه الأحكام ترجع إلى التنويه بأن الحيوان في أصله مثل الإنسان من حيث يوجد فيه الروح والإدراك، والحواس التي تبعث فيه الراحة والألم. ومن هذه الجهة، كان الأصل أن لا يباح للإنسان ذبحه وأكل لحمه، والانتفاع بأجزائه، ولكن الله سبحانه جعل الإنسان أشرف المخلوقات ومخدوما للكون، وخلق لصالحه جميع ما خلق، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] .

وبما أن أكل الحيوانات إنما أبيح على خلاف الأصل بمحض فضل من الله سبحانه وتعالى، فقد جعله الله تعالى خاضعا لبعض الأحكام التعبدية، ينبئ الامتثال بها عن اعتراف العبد بأن حل الحيوان له نعمة من الله سبحانه وتعالى وفضل منه، وأنه لا يستحق الاستمتاع بمثله من الحيوان، والالتذاذ بأكله إلا بعد الاعتراف بهذه النعمة والشكر عليها، والالتزام بالطرق التي شرعها الله سبحانه لإزهاق روح الحيوان.

ص: 29

ومن هنا، امتازت الشريعة الإسلامية عن الشرائع الأخرى في تحديد طرق الذبح، ووضع مبادئها وشرع أحكامها. فليست قضية ذبح الحيوان من الأمور العادية التي يتصرف فيها الإنسان كيفما يشاء حسب حاجته، أو مصلحته، أو حسبما يتيسر له دون أن يتقيد في ذلك بأصول وأحكام، وإنما هي من الأمور التعبدية التي يجب على المسلم الالتزام بأحكامها المبينة في الكتاب والسنة.

فما ذهب إليه المفتي محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا من كون ذبح الحيوان من الأمور العادية التي يجوز أن يتصرف فيها الإنسان بكل حرية (1) ، خطأ صريح، وقول مصادم للنصوص الصريحة، ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) .

وأصرح من ذلك رواية أخرى، ولفظها:

((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها)) (2) .

وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح الذبيحة في هذا الحديث بالصلاة واستقبال القبلة، وجعله من ميزات الشريعة الإسلامية التي يمتاز بها المسلم عن غيره، ومن العلامات والشعائر التي تنبئ عن كون الرجل مسلماً، والتي يعصم بها دمه وماله. وأية شهادة أكبر من شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ذبح الحيوان بالطريق المشروع من الأمور التعبدية، ومن شعائر الدين التي تدل على إسلام من يمارسه؟ ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث:

(وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك)(3) .

ولولا أن ذبح الحيوان خاضع لأحكام خاصة، لجاز كل حيوان قتله وثني أو مجوسي أو دهري، ولما اقتصر الحل على ذبيحة مسلم أو كتابي. ومن الواضح أن الأغذية غير الحيوانية المصنوعة من النباتات وغيرها لا يشترط فيها أن يكون صانعها مسلما أو كتابيًا، بل يجوز تناول هذه الأغذية بقطع النظر عن ديانة صانعها، فلو كان الذبح من الأمور العادية التي لا تتقيد بأحكام تعبدية، لجاز أكل لحم الحيوان بقطع النظر عن ديانة الذابح، وهذا دليل على أن الأغذية الحيوانية لها وضع خاص في الشريعة الإسلامية، ولا بد لحلة تناولها أن تكون موافقة لأحكام الذبح المشروعة في الكتاب والسنة.

(1) راجع تفسير المنار

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، باب فضل استقبال القبلة، رقم: 391 و 392، عن أنس بن مالك رضي الله عنه

(3)

فتح الباري: 1/ 497

ص: 30

ومن هنا أصبحت أحكام الصيد والذبائح من أهم أبواب الفقه الإسلامي، وقد بسط الفقهاء هذه الأحكام مستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وآثار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بحيث لا يخلو كتاب من كتب الفقه، إلا وهو مشتمل على "كتاب الصيد والذبائح ".

ولا نريد في هذا البحث استقصاء هذه الأحكام، ولكن الغرض بيان مبادئها الأساسية، وتطبيقها على الأوضاع المعاصرة. وقد قسمنا هذا الموضوع على فصول آتية:

1-

التذكية الشرعية وشروطها:

أ- طريق إزهاق الروح

ب- ذكر اسم الله تعالى عند الذبح

ج- كون الذابح مسلما أو كتابيا

2-

طرق الذبح المستخدمة في المسالخ الحديثة.

3-

حكم ما جهل ذابحه.

4-

حكم اللحوم المستوردة.

ونسأل الله التوفيق للسداد والصواب والهداية إلى ما يحبه ويرضاه.

ص: 31

التذكية الشرعية وشروطها:

التذكية والذكاة في أصل اللغة بمعنى الإتمام، ومن ذلك الذكاء في السن والفهم وهو التمام (1) . وسمي الطريق المشروع للذبح ذكاة، لأنه يتم الشروط التي يباح بها أكل الحيوان. وفسر القرطبي رحمه الله، قول الله سبحانه في سورة المائدة:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} بقوله: (أي أدركتم ذكاته على التمام)(2) .

وذهب بعض العلماء إلى أن التذكية الشرعية مأخوذة من التذكية بمعنى التطييب، وهو من قولهم:(رائحة ذكية) ، والحيوان إذا أسيل دمه فقد طابت رائحته.

هذا بالنسبة لمعناها اللغوي، أما معناها الاصطلاحي، فقد ذكره القرطبي: أنه عبارة عن إنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور، والعقر في غير المقدور عليه؛ مقرونا بنية القصد لله تعالى وذكره عليه (3) .

وبما أن بعض الشروط التي ذكرها القرطبي في هذا التعريف مختلف فيها، فالأحسن في تعريف الذكاة أن يقال:(إزهاق روح الحيوان بالطريق المشروع الذي يجعل لحمه حلالا للمسلم) .

أما الشروط التي ذكرها الفقهاء للذكاة الشرعية، فإنها ترجع إلى ثلاثة عناصر، الأول: طريق إزهاق الروح، والثاني: ذكر اسم الله، والثالث: أهلية الذابح. فلنتكلم على هذه العناصر الثلاثة بشيء من التفصيل، والله المستعان.

(1) راجع لسان العرب، لابن منظور: 14/ 288 تحت مادة ذكا

(2)

تفسير القرطبي: 6/ 51

(3)

تفسير القرطبي: 6/ 52 و 53

ص: 32

أ- طريق إزهاق الروح:

إن طريق إزهاق الروح الذي اعتبرته الشريعة الإسلامية كافيا لحصول الذكاة الشرعية يختلف باختلاف أنواع الحيوان، فالحيوان الذي هو غير مقدور عليه- إما لكونه وحشياً، وإما لكونه شاردا من الحيوانات الأليفة- يكفي فيه أن يجرح بأية آلة جارحة تنهر الدم حتى يموت، ولا يشترط له أن يذبح أو ينحر. وهذا النوع من الذكاة يسمى: ذكاة اضطرارية، وهي مشروعة في حالة الصيد، ولسنا بصدد بيان أحكامها في هذا البحث.

أما الحيوانات المقدور عليها، إما لكونها أليفة، أو لكونها سيطر عليها الإنسان من الحيوانات الوحشية، فالواجب فيها إنهار الدم عن طريق فري الأوداج، والعمدة في ذلك النصوص الآتية:

(1)

- عن رافع بن خديج، رضي الله عنه، في حديث طويل، أن جده ((سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفنذبح بالقصب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) (1) . وكان السؤال عن الذبح، والذبح قطع الأوداج كما فسره عطاء فيما علق عنه البخاري (2) ، فدل مجموع السؤال والجواب على أن الذكاة الشرعية تحصل بقطع الأوداج بما يسبب إنهار الدم.

(2)

- عن ابن عباس وأبي هريرة، رضي الله عنهما، قالا:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح، فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج، تترك حتى تموت)) (3) .

(1) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة، رقم 5498

(2)

باب النحر والذبح (رقم الباب: 24) من الذبائح والصيد

(3)

أخرجه أبو داود في الأضاحي، باب المبالغة في الذبح، وسكت عليه. وفي إسناده عمرو بن عبد الله الأسوار، يقال له: عمرو بن برق؛ وذكر الحافظ في التقريب أنه صدوق فيه لين

ص: 33

وقال ابن الأثير رحمه الله: "الشريطة: الناقة ونحوها التي شرطت، أي أثر في حلقها أثر يسير كشرطة الحجام، من غير قطع الأوداج، ولا إجراء الدم، وكان هذا من فعل الجاهلية، يقطعون شيئا يسيرا من حلقها، فيكون ذلك تذكيتها عندهم. وإنما أضافها إلى الشيطان، كأن الشيطان حملهم على ذلك". (1)

(3)

- عن عدي بن حاتم الطائي رضي عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، إن أحدنا أصاب صيدا، وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال: "أمرر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل)(2) ، وأخرجه النسائي، ولفظه: إني أرسل كلبي فآخذ الصيد، فلا أجد ما أذكيه به، فأذبحه بالمروة والعصا، قال:"أنهر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل "(3)

(4)

- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ما فرى الأوداج فكله"(4)

(1) جامع الأصول، لابن الأثير: 4/ 482، رقم: 2574

(2)

أخرجه أبو داود، باب الذبيحة بالمروة، وسكت عليه هو والمنذري

(3)

سنن النسائي، الأضاحي، باب إباحة الذبح بالعود: 7/ 225، رقم 4401، وفي إسناده مرى بن قطري الكوفي؟ ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا يعرف (تهذيب التهذيب: 10/ 99)

(4)

أخرجه مالك بلاغا في الموطأ: 2/ 489، في الذبائح، باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة

ص: 34

وعلى أساس هذه الأحاديث وأمثالها اشترط الفقهاء لشرعية الذبح أن تقطع الأوداج. والأوداج جمع الودج- بفتحتين- وهو عرق في العنق، وهما في الأصل ودجان، قال ابن منظور ناقلا عن ابن سيده:(الودجان: عرقان متصلان من الرأس إلى السحر، والجمع أوداج)(1) ولكن توسع بعض الفقهاء في استعمال هذه الكلمة بما يشمل الحلقوم والمريء. قال الكاساني: (ثم الأوداج أربعة؛ الحلقوم والمريء، والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء)(2) والحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام. ولا خلاف في أن الأكمل قطع هذه الأربعة جميعاً؟ الحلقوم، والمريء، والودجين (3) ولكن اختلف الفقهاء فيما إذا قطع بعضها دون بعض على أقوال:

فقال الشافعي رحمه الله: يجب قطع الحلقوم والمريء، وإن ذلك يكفي للذكاة ولو لم يقطع من الودجين شيئا (4)

واختلفت الروايات عن مالك، والراجح عندهم فيما هو مذكور في كتبهم أنه يجب قطع الحلقوم والودجين، ولا يجب قطع المريء (5)

(1) لسان العرب: 2/ 397 تحت المادة.

(2)

بدائع الصنائع: 5/ 41

(3)

المغني لابن قدامة: 11/ 45، دار الكتب العلمية، بيروت

(4)

فتح الباري: 9/ 641، والأم: 2/ 259

(5)

الذخيرة للقرافي: 4/ 133

ص: 35

واختلفت الروايات كذلك عن أحمد بن حنبل، رحمه الله، فعنه رواية موافقة لقول الشافعي، ورواية أخرى أنه يجب قطع الودجين مع الحلقوم والمريء، فكأنه اشترط قطع الأربعة جميعا (1)

وقال الإمام أبو حنيفة، رحمه الله: إذا قطع الثلاثة- أية ثلاثة كانت-وترك واحدا يحل الحيوان. وقال أبو يوسف: لا يحل حتى يقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين. وقال محمد: لا يحل حتى يقطع من كل واحد من الأربعة أكثره (2)

وبالرغم من اختلاف الفقهاء في هذه التفاصيل الجزئية، فإنهم اتفقوا

على أن محل الذكاة الاختيارية هو الحلق واللبة، ولا بد من قطع أكثر من واحد من هذه الأربعة. والظاهر أن من اشترط قطع أحد الودجين على الأقل، فإن قوله هو الراجح، لأن إنهار الدم بكامله إنما يتحقق بقطع الودج الذي هو مجرى الدم. قال القرافي رحمه الله تعالى:(3)"ويؤكده قوله عليه السلام: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) . وإنهار الدم إنما يكون من الأوداج، وأصل الإنهار: السعة، ومنه النهر، لاتساعه للماء، والنهار، لاتساع الضوء فيه".

(1) المغني لابن قدامة: 11/ 44 و45

(2)

بدائع الصنائع: 5/ 41.

(3)

الذخيرة للقرافي: 4/ 133.

ص: 36

ووجه قول الإمام أبي حنيفة أن قطع الثلاثة من العروق الأربعة يقوم مقام الكل، على أن للأكثر حكم الكل فيما بني على التوسعة في أصول الشرع، والذكاة بنيت على التوسعة، حيث يكتفي فيها بالبعض بلا خلاف بين الفقهاء، وإنما اختلفوا في الكيفية، فيقام الأكثر فيها مقام الجميع (1)

آلة الذبح:

واتفق الفقهاء على أنه يجب للذكاة الشرعية أن تكون آلة الذبح محددة، تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها، ولا يجب أن تكون سكينا، بل يجوز الذبح بكل ما له حد، سواء كان من الحديد أم من الحجر أم الخشب. والدليل على ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه:((قلت: يا رسول الله! إنا ملاقو العدو غدًا وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر)) (2)

وقد مر حديث عدي بن حاتم، رضي الله عنه، حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالمروة وشقة العصا، فقال:((أمرر الدم بما شئت)) . ولكن الأحاديث كلها متفقة على أنه يجب إنهار الدم بما يقطع ويخرق. ووجوب كون الآلة محددة كلمة إجماع فيما بين الفقهاء المتبوعين، غير أنهم اختلفوا في السن والظفر، فذهب الأئمة الحجازيون إلى عدم جواز الذبح بهما، سواء كانا متصلين بالجسم أو منفصلين، وذلك لعموم حديث رافع بن خديج رضي الله عنه الذي مر آنفا، وقد استثنى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم السن والظفر. أما أبو حنيفة، رحمه الله: فحمل الحديث على السن والظفر إذا كانا قائمين في الجسم، لأن الموت حينئذ يحصل بالخنق. أما إذا كانا مقلوعين، فتحصل منهما الذكاة مع الكراهة (3)

(1) بدائع الصنائع: 5/ 42

(2)

أخرجه الجماعة، راجع جامع الأصول، لابن الأثير: 4/ 489

(3)

راجع رد المحتار: 5/ 208

ص: 37

إزهاق الروح بغير قطع الأوداج:

أما إزهاق الروح بغير فري الأوداج، فلا تحصل به الذكاة الشرعية في الحيوان المقدور عليه، واتفق على ذلك الفقهاء. وقال الله سبحانه وتعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) } [المائدة: 3] .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "والمنخنقة، وهي التي تموت بالخنق، إما قصدا، وإما اتفاقا، بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به، فهي حرام. وأما الموقوذة، فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت، كما قال ابن عباس وغير واحد: هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت. قال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي، حتى إذا ماتت أكلوها. وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله! إني أرمي بالمعراض (1) الصيد، فأصيب، قال:((إذا رميت بالمعراض فخزق (2) فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ، فلا تأكله)) (3) ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله، وما أصاب بعرضه فجعله وقيذا لم يحله، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء

وأما المتردية فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال فتموت بذلك فلا تحل. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: المتردية: التي تسقط من جبل.

(1) المعراض- بكسر الميم- سهم يرمى به بلا ريش، ولا نصل، يمضي عرضا فيصيب بعرض العود، لا بحده. لسان العرب لابن منظور: 9/ 42؛ وجاء في تاج العروس: 5/ 50، هو من العيدان دقيق الطرفين غليظ الوسط، كهيئة العود الذي يحلج به القطن، فإذا رمى به الرامي ذهب مستويا، ويصيب بعرضه دون حده

وإن قرب منه الصيد أصابه بموضع النصل منه فجرحه، ومنه حديث عدي بن حاتم.

(2)

الخزق: الطعن، وخزق السهم: إذا أصاب الرمية ونفذ فيها وأسال الدم، راجع اللسان وتاج العروس.

(3)

هذا الحديث أخرجه الجماعة في أبواب مختلفة من طرق شتى.

ص: 38

وقال قتادة: هي التي تتردى في بئر، وقال السدي: هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر. وأما النطيحة، فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها فهي حرام، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم، ولو من مذبحها

{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} أي ما عدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب فأكل بعضها فماتت بذلك، فهي حرام، وإن كان قد سأل منها الدم ولو من مذبحها، فلا تحل بالإجماع، وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك، فحرم الله ذلك على المؤمنين. وقوله:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته، فأمكن تداركه بذكاة، وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله:{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: إلا ما ذكيتم، يقول: إلا ما ذبحتم من هؤلاء، وفيه روح فكلوه، فهو ذكي. وكذا روي عن سعيد بن جبير، والحسن البصري والسدي ".

وتبين بهذه الآية الكريمة أن الحيوان إنما يحل إذا وقع إزهاق روحه بالذكاة الشرعية، ولا يحل بالخنق أو الوقذ ولا بأن يسيل دمه بأي طريق كان، لأن النطيحة ربما يسيل الدم من مذابحها، وكذلك ما قتله السبع، ولكن صرح القران الكريم بحرمتهما، فظهر بذلك أن الحيوان لا يحل بمجرد سيلان الدم، ولو من مذابحه، وإنما يجب أن يسيل الدم بطريق شرعه الله للتذكية.

ص: 39

ب- التسمية عند الذبح:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجب للذكاة الشرعية أن يذكر الذابح اسم الله تعالى عند الذبح، فإن ترك التسمية عمدا فلا تحل ذبيحته عند أبي حنيفة ومالك وأحمد وجمهور الفقهاء، وأما إذا نسيها فالذكاة معتبرة عند الحنفية والمالكية، ولا فرق عندهم في هذا بين الذبيحة والصيد. أما عند الحنابلة، فالنسيان معفو عنه في الذكاة الاختيارية فقط. أما في الصيد فلا تعتبر الذكاة إذا لم يذكر الصائد اسم الله عند إرسال السهم أو الكلب، سواء أتركها عمدا أم نسيان (1)

أما الإمام الشافعي رحمه الله فالمشهور عنه أن التسمية ليست واجبة عنده، وإنما هي سنة (2) فتحل الذبيحة وإن تركها الذابح عمدا، ولكن الذي يظهر من مراجعة كتاب الأم للشافعي أنه لم يصرح بحل متروك التسمية عمدا، وإنما صرح يحل ما نسي الذابح ذكر الله عليه، وعبارته ما يلي:

"وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمي، فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل، لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة، فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل، لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي"(3)

(1) راجع بدائع الصنائع: 5/ 46 لمذهب الحنفية، والذخيرة للقرافي: 4/ 134 والصاوي على الدردير: 2/ 171 لمذهب المالكية، والمغني لابن قدامة: 11/ 4 لمذهب الحنابلة.

(2)

قليوبي وعميرة: 4/ 245

(3)

كتاب الأم، للشافعي: 2/ 227 كتاب الصيد والذبائح، باب تسمية الله عز وجل عند إرسال ما يصطاد.

ص: 40

ثم إن الإمام الشافعي رحمه الله صرح فيما بعد بأن من يترك التسمية عند الذبح استخفافا لا يحل أكل ذبيحته، فقد ذكر رحمه الله في معرض ما هو مسَلَّم عنده:

"أن المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته، وإن تركه استخفافاً لم تؤكل ذبيحته"(1)

وقد صرح بعض العلماء بأن الفقهاء أجمعوا على ذلك. فقد جاء في التفسير المظهري نقلا عن شرح المقدمة المالكية:

"وكل هذا في غير المتهاون، وأما المتهاون فلا خلاف أنها لا تؤكل ذبيحته تحريماً، قاله ابن الحارث والبشير؛ والمتهاون هو الذي يتكرر منه ذلك كثيرا، والله أعلم"(2)

وهذه العبارات تدل على أن مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ليس على إطلاق الحل فيما تعتمد ترك التسمية عليه، وإنما تحرم الذبيحة عنده إذا ترك عليها التسمية تهاونا واستخفافا، وجعله الرجل عادة له. ومفاد ذلك أن حكم الحل مقتصر عنده على من ترك التسمية مرة أو مرتين اتفاقا، لا تهاونا واستخفافا، وفي تلك الصورة أيضا لا يخلو ذلك من كراهة، لأنه قال:"أحببت له أن يسمي". وقد صرح الفقهاء الشافعية بأن ترك التسمية عمدا مكروه، وأنه يأثم به التارك (3)

(1) كتاب الأم: 2/ 131 باب ذبائح أهل الكتاب

(2)

التفسير المظهري: 3/ 318، سورة الأنعام.

(3)

انظر روضة الطالبين: 3/ 205، ورحمة الأمة: ص 118

ص: 41

وبهذا ظهر أن متروك التسمية عمدا حرام عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وحرام عند الشافعي، رحمه الله، أيضا إذا كان ذلك استخفافا وتهاونا، وصار كالعادة للذبائح. وما وقع اتفاقا فإنه لا يحكم بحرمته عنده، ولكنه لا يخلو من كراهة. وهذه الرخصة أيضا لا تساندها نصوص القرآن والسنة، حيث تضافرت الآيات والأحاديث على اعتبار التسمية ركناً من أركان الذكاة الشرعية. قال الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ٍ. [الأنعام: 121]

وأية عبارة أصرح على كون متروك التسمية حراماً من هذه الآية الكريمة الواضحة التي ليس فيها إجمال ولا خفاء؟ فإن فيه نهياً صريحاً، والنهي يقتضي التحريم، ولم يكتف القرآن بصيغة النهي، بل أتبعها بقوله {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] بما يقطع كل شبهة في هذا الباب. وليست هذه الآية هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم، التي تدل على كون التسمية ركنا من أركان الذكاة، وإنما جاءت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على ذلك، فمنها الآيات الآتية:

(1)

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] .

(2)

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] .

(3)

{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [الحج: 36] .

(4)

{وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَاّ يَطْعَمُهَا إِلَاّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَاّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 138] .

(5)

{وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119] .

ص: 42

وهذه الآيات كلها تدل بأساليب مختلفة أن ذكر اسم الله تعالى من أهم العناصر التي تحل للمسلم أكل لحم الحيوان، ولم يكتف القرآن ببيان ذلك في آية أو آيتين، وإنما ذكر هذا الركن في كل من الذبيحة والصيد والأضحية بصفة مستقلة، وأنكر على من يتركه إنكارا بليغا، فجعله افتراء على الله، وأنكر أيضاً على من لا يستحل الذبيحة التي ذكر اسم الله عليها، بما يدل على أنه من أعظم الشروط للذكاة الشرعية.

وكذلك تكاثرت الأحاديث التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم التسمية في معرض الأركان التي يجب توافرها لحلة الذبيحة والصيد، وانظر الأحاديث الآتية:

(1)

عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) (1)

(2)

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه (2)

وهذا دليل على أن حرمة متروك التسمية كانت من جملة شريعة إبراهيم عليه السلام.

(3)

عن جندب بن سفيان البجلي، قال:((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة ذات يوم، فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة، فلما انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة، فقال: من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله.)) (3)

(1) صحيح البخاري، باب التسمية على الذبيحة، رقم: 5498، وأخرجه الجماعة.

(2)

صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم: 3826، وأخرجه أيضا في الذبائح رقم: 5499

(3)

صحيح البخاري، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: فليذبح على اسم الله، رقم: 5500

ص: 43

(4)

عن عباية بن رفاعة، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) (1)

(5)

عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أسئلة، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤاله في الصيد، فقال:((فما صدت بقوسك فأذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلابك المعلمة فاذكر اسم الله وكل)) (2)

(6)

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك)) (3)

(7)

عن عدي بن حاتم قال: ((قلت: يا رسول الله إني أرسل كلبي أجد معه كلباً آخر، لا أدري أيهما أخذه؟ فقال: لا تأكل، فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره)) (4)

(8)

وعنه رضي الله عنه مرفوعا: "وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل "(5)

ٍ (9) وعنه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إن أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ قال:"أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله عز وجل ". (6)

(1) صحيح البخاري، باب ما أنهر الدم من القصب

الخ، رقم 5503

(2)

صحيح البخاري، باب آنية المجوس، رقم: 5496

(3)

صحيح البخاري، باب ما جاء في التصيد، رقم: 5487

(4)

صحيح البخاري، باب إذا وجد مع الصيد كلباً آخر، رقم: 5486

(5)

صحيح البخاري، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، رقم: 5484

(6)

أخرجه أبو داود في باب الذبيحة بالمروة، رقم: 2824، والنسائي، باب إباحة الذبح بالعود، رقم 4401 وقد مر

ص: 44

وإن هذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على مدى التأكيد والتركيز على ذكر اسم الله تعالى عند الذبح، وإن النص الواحد من هذه النصوص كان كافيا لبيان أن التسمية ركن من أركان الذبح، ولكن الشارع لم يكتف ببيان هذا الحكم مرة واحدة، وإنما جاء به مرارا وتكرارا في عدة مناسبات وبأساليب مختلفة، وما ذلك إلا لأهميته البالغة، ولكونه شرطاً قطعيا لحصول الذكاة الشرعية في الحيوان.

وإن الحالة الوحيدة التي استثنيت من وجوب التسمية هي حالة النسيان. قال الجصاص رحمه الله تعالى:

"إن ترك التسمية ناسياً لا يمنع صحة الذكاة، من قبل أن قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} خطاب للعامد دون الناسي، ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وليس ذلك صفة للناسي، ولأن الناسي في حال نسيانه غير مكلف بالتسمية، وروى الأوزاقي عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) . وإذا لم يكن مكلفاً للتسمية فقد أوقع الذكاة على الوجه المأمور به فلا يفسده ترك التسمية. وغير جائز إلزامه ذكاة أخرى لفوات ذلك منه، وليس ذلك مثل نسيان تكبيرة الصلاة، أو نسيان الطهارة ونحوها، لأن الذي يلزمه بعد الذكر هو فرض آخر، ولا يجوز أن يلزمه فرض آخر في الذكاة لفوات محلها"(1)

(1) أحكام القرآن، للجصاص: 3/ 7 و 8، طبع لاهور

ص: 45

ويدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم يكفيه اسمه، فإن نسي أن يسمى حين يذبح فليسم، وليذكر اسم الله ثم ليأكل)) (1) ذكره الحافظ في التلخيص، ثم قال: وقد صححه ابن السكن (2) وقد أعله بعض المحدثين بمعقل بن عبد الله، ومحمد بن يزيد بن سنان. ولكن معقل بن عبد الله من رجال مسلم، ومحمد بن يزيد بن سنان وثقه ابن حبان والنفيلي ومسلمة، (3) وقد أخرج عبد بن حميد عن راشد بن سعد مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ذبيحة المسلم حلال سمي أو لم يسم، ما لم يتعمد، والصيد كذلك)) ذكره السيوطي في الدر المنثور. (4)

وهذه الروايات المرفوعة مؤيدة بما علقه البخاري عن ابن عباس موقوفا قال: " من نسي فلا بأس ". (5) ووصله الدارقطني، وسعيد بن منصور وغيره، ثم قال الحافظ:"وسنده صحيح "(6)

وبإزاء النصوص المتكاثرة التي تدل على وجوب التسمية عند الذبح، ما يستدل به الشافعية على عدم وجوبها لا يداني هذه النصوص في الثبوت والدلالة.

فمثلا: استدل بعضهم بقول الله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} قائلين: إن الله سبحانه وتعالى أطلق التذكية ولم يقيده بالتسمية، فظهر أنها غير واجبة. والجواب عن هذا الاستدلال واضح، وهو أن التذكية لها مفهوم معين في الشريعة، وقد دلت النصوص التي أسلفناها على أنها لا تحصل إلا بالتسمية، فالتسمية داخلة في مفهوم التذكية الشرعي، كما أن فري الأوداج داخل فيه. فذكر الله سبحانه التذكية كمفهوم كلي يشمل جميع أركانه الشرعية الثابتة بغيرها من النصوص، ومن جملتها التسمية، فالتسمية ملحوظة في قول الله عز وجل:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} .

(1) نصب الراية، للزيلعي: 2/ 261

(2)

التلخيص الحبير

(3)

وراجع للبحث على إسناده: إعلاء السنن للتهانوي: 17/ 68

(4)

الدر المنثور، للسيوطي: 3/ 42

(5)

صحيح البخاري، باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا، باب 15 من الذبائح

(6)

فتح الباري: 9/ 624

ص: 46

وكذلك استدل بعضهم بما أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا عليه أنتم وكلوه ". قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر)) (1)

ولكن هذا الحديث لا يتم به الاستدلال على حلة ما علم فيه باليقين أن ذابحه ترك التسمية عمدا، لأن غاية هذا الحديث حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، ومفاده أن المسلم إن قدم لحماً أو طعاماً، فالظاهر أنه حلال مذبوح بطريقة مشروعة، فيحمل على الظاهر، ونحن مأمورون بإحسان الظن بكل مسلم، فلا يجب البحث عن طريقة ذبحه، ما لم يتبين أنه ذبحه بطريقة غير مشروعة. وإن هؤلاء القوم الذين وقع السؤال عنهم كانوا مسلمين، وإن كانوا حديثي عهد بالكفر، كما صرحت به عائشة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل فعلهم على الظاهر، وهو أنهم ذكروا اسم الله عليه، ولا يلزم منه حل الذبيحة إذا تيقن الرجل بأن ذابحها ترك التسمية متعمدا. ومن البديهي أن هذا الحديث صريح في أن السؤال إنما كان عن حالة لا نعلم فيها بيقين أن الذابح المسلم سمي على الذبيحة أو لم يسم؛ وهذا هو الواقع الذي يقع لمعظم المسلمين في اللحم الذي يوجد في أسواق المسلمين، فإننا لم نشاهد الذين ذبحوه هل سموا عند الذبح أم لا؟ فالحديث يبين حكم هذه الحالة، وأين ذلك من الحالة التي نعلم فيها بيقين أن الذابح ترك التسمية عن قصد وعمد؟ وكيف تقاس الحالة الثانية على الأولى؟

(1) صحيح البخاري، باب ذبيحة الأعراب، رقم: 5507

ص: 47

وقد يستدل بعضهم بما رواه أبو داود في مراسيله عن الصلت السدوسي مرسلا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر، إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله)) (1) ، وهذا الحديث مروي عن الصلت السدوسي، وهو مجهول، كما قال ابن حزم وابن القطان: إنه لا يعرف بغير هذا الحديث، ولا روي عنه غير ثور بن يزيد (2) فإسناده لايخلو من ضعف، ولئن ثبت بطريق صحيح، فيمكن حمله على ترك التسمية في حالة النسيان، وذلك لتطبيقه على النصوص المتظاهرة المتكاثرة التي تدل على وجوب التسمية، وعلى أن ما ترك عليه التسمية عمدا حرام.

ومن أجل هذه الدلائل القوية، رجح بعض العلماء الشافعية قول الجمهور في هذا الباب. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وقواه الغزالي في الإحياء محتجا بأن ظاهر الآية الإيجاب مطلقاً وكذلك الأخبار، وأن الأخبار الدالة على الرخصة تحتمل التعميم وتحتمل الاختصاص بالناسي فكان حمله عليه أولى، لتجري الأدلة كلها على ظاهرها، ويعذر الناسي دون العامد". ولم يعقبه الحافظ بشيء (3) وقد ذكر عبارة الغزالي رحمه الله في باب ذبيحة الأعراب، ويظهر من صنيعه أنه مائل أيضا إلى ترجيح قول الجمهور في وجوب اشتراط التسمية، حيث ذكر قول الغزالي رحمه الله في ختام البحث، وضعف الحديث الذي استدل به على جواز متروك التسمية (4)

(1) مراسيل أبي داود، ص 41

(2)

راجع نصب الراية للزيلعي

(3)

فتح الباري: 9/ 624

(4)

فتح الباري: 9/ 634، رقم الباب 21

ص: 48

جـ- شروط في الذابح:

ومن الشروط المهمة لحصول التذكية الشرعية أن يكون الذابح مسلما أو كتابيا، على كونه عاقلا مميزا، فلا تجوز ذبيحة غير أهل الكتاب من الكفار والمشركين، وهذا الشرط قد اتفق عليه الفقهاء، لا نعلم بينهم في ذلك خلافا، حتى حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك (1) وإن معنى تحريم ذبيحتهم أن الكافر من غير أهل الكتاب -وإن ذبح ذبح المسلمين- فإنه لا تؤكل ذبيحته، قال الجصاص رحمه الله:"وقد علمنا أن المشركين وإن سموا على ذبائحهم لم تؤكل". (2)

ولقد شذ بعض المعاصرين، فقصر الحرمة على ذبيحة الوثنيين من أهل العرب، وأباح ذبيحة سائر الكفار غيرهم، سواء أكانوا وثنيين، أم ملحدين، أم دهريين، أم عبدة النار. وهذا قول خاطئ لا عهد به في الكتاب والسنة، ولا في أقوال السلف رحمهم الله تعالى، وإنما اشتبه الأمر عليهم بما زعموا أنه لا يوجد هناك نص صريح في الكتاب أو السنة يدل على أن ذبيحة غير أهل الكتاب من الكفار حرام، والأصل في الأشياء الإباحة، فلا يقال بحرمتها إلا بالنص (3)

(1) انظر موسوعة الإجماع، لسعدي أبو جيب: 2/ 912 و 948، وسيأتي الكلام على ذبيحة المجوس

(2)

أحكام القرآن للجصاص: 3/ 6

(3)

فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، ص 19-22

ص: 49

والواقع أن الأصل في الحيوانات الحرمة، ولا تحل إلا بما جاءت الشريعة بحله ، والدليل على ذلك ما مر من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: " قلت: يا رسول الله، إني أرسل كلبي أجد معه كلبا آخر، لا أدري أيهما أخذه؟ فقال ((لا تأكل، فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره)) (1) فهذا الحديث يدل على أنه متى وقع الشك في حصول الذكاة الشرعية واستوى الاحتمالان، حرم أكل الحيوان، وهو دليل على أن الأصل في الحيوان الحرمة، فإنه لو كان الأصل الإباحة لما حرم الحيوان في حالة الشك.

ثم إن قول الله سبحانه قد خص الحل بذبيحة أهل الكتاب حيث قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، ولو كان طعام جميع الكفار حلالا لما خضهم بالذكر، وليس هذا استدلالا بمفهوم اللقب، كما زعمه بعض المعاصرين، وإنما هو رجوع في المسكوت عنه إلى الأصل، وهو الحرمة في الحيوان كما قدمنا.

(1) صحيح البخاري، باب إذا وجد مع الصيد كلباً آخر، رقم 5486

ص: 50

فالصحيح الذي أجمعت عليه الأمة طوال القرون أنه لا تحل الذبيحة للمسلمين إلا إذا كان الذابح مسلما أو من أهل الكتاب، والمراد بأهل الكتاب؛ اليهود والنصارى، وهناك بعض أقوال شاذة في اعتبار المجوس من أهل الكتاب استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (1) ولكن الصحيح أن هذا الحديث إنما يتعلق بأخذ الجزية منهم، فإن الحديث ورد في هذا الموضوع، وإن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مترددا في أنه هل تؤخذ منهم الجزية، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بهذا الحديث، فأخذ الجزية من المجوس. روى مالك في الموطأ عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس فقال: ما لك كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (2)

واستدل الجمهور على اقتصار لقب أهل الكتاب على اليهود والنصارى بقول الله عز وجل: {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 156]

وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عد المجوس من جملة أهل الكتاب، وإنما قال:((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) ، يعني في أخذ الجزية، فتبين أنهم ليسوا من أهل الكتاب، وإنما يعاملون معاملة أهل الكتاب في قبول الجزية منهم.

(1) راجع المحلى، لابن حزم: 7/ 456

(2)

موطأ الإمام مالك، كتاب الزكاة، جزية أهل الكتاب

ص: 51

مسألة ذبائح أهل الكتاب:

أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد أجمعت الأمة على أن ذبيحتهم حلال، وهم من أهل التذكية، والدليل عليه قول الله عز وجل:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، والمراد من الطعام في هذه الآية الذبائح بإجماع أهل العلم. قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

{وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان: يعني ذبائحهم. وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس" (1)

وهل يشترط في ذبح أهل الكتاب ما يشترط في ذبح المسلمين من فري الأوداج، ومن الآلة المحددة، ومن ذكر اسم الله؟ هذه المسألة تحتاج إلى دراسة بالنظر إلى ما ادعى بعض المعاصرين من حل ذبيحتهم، بقطع النظر عن الطريق الذي اختاروه لذلك. ونريد أن نتكلم على هذه المسألة في شقين: الشق الأول: هل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذبحوا الحيوان بطريقة مشروعة للذبح من فري الأوداج بآلة محددة؟ والشق الثاني: هل يجب أن يذكروا اسم الله تعالى عند الذبح؟

(1) تفسير ابن كثير: 19/2 طبع لاهور 1393 هـ

ص: 52

أما المسألة الأولى: فالجمهور من الفقهاء على أن ذبيحة الكتابي إنما تحل إذا ذكاها بقطع العروق اللازمة بآلة محددة، وهو الحق الثابت بالأدلة الناطقة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى، لكن زعم بعض المعاصرين أن ذبيحة الكتابي حلال، بأي طريق قتلها، لأنه داخل في عموم قول الله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} وتمسكوا في ذلك بقول القاضي ابن العربي رحمه الله حيث قال: "ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها: هل يؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه؟ وهي المسألة الثامنة. فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا، إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه"(1)

ولكن هذا القول الغريب من ابن العربي رحمه الله متعارض تمام التعارض مع الأصل الذي ذكره هو نفسه في نفس الكتاب قبل نحو صفحة من هذه العبارة، وعبارته هناك ما يلي:

"فإن قيل: فما أكلوه- أي أهل الكتاب- على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؟ فالجواب: أن هذه ميتة، وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم، وهو حرام علينا، فهذه مثله، والله أعلم"(2)

(1) أحكام القرآن، لابن العربي: 2/ 556 طبع عيسى البابي الحلبي

(2)

المرجع السابق: 2/ 255

ص: 53

وهذا تعارض صريح في عبارتي ابن العربي، ومتى وقع التعارض بين عبارتيه، فالأجدر بالقبول ما هو ثابت بالنصوص، ومؤيد بتعامل الأمة، دون الفتوى الشاذة التي تنابذها الأدلة القوية الآتية:

1-

إن الله سبحانه وتعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) } ٍ [المائدة: 3] فحرم المنخنقة والموقوذة على الإطلاق. فيشمل كل ما مات بالخنق والوقذ، فمن يستدل بعموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} على كون مخنوقة الكتابي أو موقوذته حلالا، يلزمه أن يقول بحل الخنزير الذي ذبحه كتابي، لأنه من جملة "طعام أهل الكتاب "، فإن تمسك بالآية المذكورة في حرمة لحم الخنزير، فإن نفس الآية تحرم المنخنقة والموقوذة، ولا سبيل إلى التفريق بينهما، فإن خصت الآية المذكورة لحم الخنزير من عموم "طعام أهل الكتاب " فإنها خضت المنخنقة والموقوذة أيضا على قدم سواء، بل بالطريق الأولى، لأن الخنزير حلال في دينهم، والمنخنقة والموقوذة حرام في أصل دينهم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فإن كان الطعام الذي هو حلال في دينهم- وهو الخنزير- مستثنى من طعام أهل الكتاب المباح للمسلمين، فالطعام الذي هو حرام في أصل دينهم - وهو لحم المنخنقة والموقوذة- يكون مستثنى بالطريق الأولى.

ص: 54

2-

قد تقرر في أصول الفقه واللغة أنه متى ورد حكم على اسم مشتق، فمادة اشتقاقه هي العلة لذلك الحكم، مثلا إذا قلنا: أكرموا العلماء، فإن حكم الإكرام ورد على العلماء الذي هو اسم مشتق، فمادة اشتقاقه، وهي العلم، علة الإكرام، وهذا واضح مسلم. فإذا ورد حكم الحرمة في آية المائدة على المنخنقة والموقوذة فإن الخنق والوقذ علة لهذا الحكم، وإن ذلك يدل على أنه متى وجد الخنق أو الوقذ، ثبت حكم الحرمة، ولا تأثير في ذلك لديانة الخانق أو الواقذ، فيحرم الحيوان بالخنق والوقذ، سواء كان الفاعل مسلما أم كتابيا.

3-

غاية ما يثبت من قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} أنهم في أمر الذبائح في حكم المسلمين سواء بسواء، لا أنهم يفوقون المسلمين، حتى يحل منهم ما يحرم من المسلمين، ونتيجة قول ابن العربي أن تكون للكفار مزية على المسلمين من حيث إن ما يقتلونه بأي طريق حلال طيب، وما يقتله المسلم بنفس الطريقة حرام ، وهذه النتيجة باطلة بالبداهة.

4-

من المسلم في الأمة الإسلامية أن الكفار كلهم ملة واحدة، وكان هذا الأصل يقتضي أن يكون أهل الكتاب مثل الكفار الآخرين في تحريم ذبيحتهم، ولكن الشريعة الإسلامية ميزت أهل الكتاب من بين سائر الكفار في أمر الذبيحة والمناكحة، لأن أحكام الذبح والنكاح عندهم كانت مماثلة لأحكام الإسلام في كلا الأمرين، فكانوا يراعون في الذبح نفس الشروط التي فرضها الإسلام على المسلمين، وهذه الأحكام موجودة حتى الآن في كتبهم المقدسة، بالرغم من التحريفات الكثيرة التي وقعت فيها. وإليكم بعض النصوص من كتابهم المقدس:

جاء في سفر اللاويين (الذي قد يسمى سفر الأحبار) :

"وأما شحم الميتة وشحم المفترسة، فيستعمل لكل عمل لكن أكلا لا تأكلوه"(لاوليين 7: 24) .

وجاء في سفر الاستثناء:

"وأما ذبائحك فيسفك دمها على مذبح الرب إلهك، واللحم تأكله. احفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك"(الاستثناء: 12: 27 و 28)

ص: 55

وهذان الكتابان يعترف بهما كل من اليهود والنصارى.

أما كتب النصارى فقط، فقد جاء في سفر أعمال الرسل- المنسوب إلى لوقا:

"لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر، غير هذه الأشياء الواجبة، أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا". (أعمال 15: 28) .

وجاء في موضع آخرمن نفس الكتاب:

"وأما من جهة الذين آمنوا من الأمم، فأرسلنا نحن إليهم وحكمنا أن لا يحفظوا شيئاً مثل ذلك سوى أن يحافظوا على أنفسهم مما ذبح للأصنام، ومن الدم، ومن المخنوق، والزنا". (أعمال 21: 25) .

وإن بولوس (St'paul) الذي هو رسول في زعم النصارى، وهو المقتدى عندهم، يكتب في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس:

"بل إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين لا لله، فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين، لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين، لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين"(1- كورنثوس 10: 20و21) .

ويجدر بالذكر أن بولوس هو الشخص الذي حكم- بالرغم من نصوص سيدنا عيسى عليه السلام بنسخ جميع أحكام التوراة في حق النصارى، ومع ذلك فإنه أبقى الأحكام المتعلقة بالذبح محكمة غير منسوخة، فحرم الحيوان المخنوق، وأوجب أن يكون الذبح لله تعالى. وبهذا يتبين أن أحكام الذبح في أصل دين النصارى كانت باقية على نحو ما كانت عند اليهود، وإن كتب اليهود مملوءة بالأحكام التفصيلية للذبح، وجاء في كتاب مشنا، وهو المرجع الأساسي للأحكام المشروعة عند اليهود:

'If he slaughtered with a hand- sickle or with a b lint or with a reed. what he slaugters is valid.All may slaughter and at any time and with any implement excepting a reaping sickle or a saw or teeth or the finger- nails ، since these choke".

"إن ذبح المرء بشفرة يدوية أو بزجاج حاد أو بقصب، فإن ما يذبحه حلال. كل أحد يستطيع أن يذبح، وفي أي وقت وبأية أداة، إلا بالمحصدة أو بالمنشار أو بالسن أو بظفر الأصابع، لأنها تخنق"(1)

(1) The mishnah ، hullin. l. p. 513 ، oxford 1987.

ص: 56

وإن الدكتور هربرت دينبي يكتب تحت هذا النص من مشنا أن أحكام الذبح التي اعتبرها اليهود جزء للشريعة التي أوتي موسى عليه السلام على الطور تتلخص في خمسة:

(أ) يجب أن لا تقع هناك وقفة في إمرار السكين، بل يجب أن يستمر السكين في حركات قدامية وخلفية.

(ب) يجب أن لا يضغط الحيوان بثقل.

(ج) يجب أن لا يضغط بالسكين على الجلد أو على الحلقوم والمريء.

(د) يجب أن لا يتجاوز السكين الموضع المعلوم من الحلق.

(هـ) يجب أن لا يؤثر عمل الذبح في إزالة الحنجرة أو المريء من موضعهما (1)

وإن هذه النصوص من الكتب التي يقدسها اليهود والنصارى، والتي هي المأخذ الأساسي لدينهم وشريعتهم تدل على الأمور الآتية:

أولا: أن المنخنقة والموقوذة حرام في شريعتهم، كما هو حرام في شريعتنا.

ثانياً: الظاهر أنهم يوجبون أن يكون الذبح لله، وبعبارة أخرى: بذكر اسم الله كما يظهر من رسالة بولوس إلى أهل كورنثيوس التي نقلنا عبارتها قريبا.

ثالثا: إن ابن العربي رحمه الله، حينما أفتى بحل الدجاجة التي فتل نصراني عنقها في العبارة المنقولة من أحكام القرآن- إن صحت نسبتها إليه ،فإنها متعارضة مع عبارته الأخرى في نفس الكتاب- فإنما أفتى على زعم منه أن المخنوقة حلال عند النصارى، لأنه علل هذه المسألة بقوله:(وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا) وقد تبين من النصوص النصرانية أن زعمه هذا خاطئ، فإن كتبهم المقدسة تصرح بكون المخنوق حراماً، كما حكينا عن سفر أعمال الرسل 15: 28 وا2: 25، ولئن علم أن المخنوق حرام في دينهم لما أفتى بذلك.

(1) ibid ، p. 513

ص: 57

رابعاً: يتبين منه صحة ما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه"(1)

5-

نظرًا إلى ما سردنا من النصوص النصرانية يتحصل من حلة المخنوقة أو الموقوذة بيدِ نصرانيٍّ أنه لو كان الخانق أو الواقذ مسلما، فإن الحيوان حرام، ولو خنقه نصراني، فإن الحيوان حرام في دين النصارى أيضا ولكن نقول بأنه حلال للمسلمين، وإن كان حراما للنصارى!

فكأن كون الخانق من الكفار مزية تبرر أفعاله التي هي محظورة في شريعتنا وفي شريعتهم جميعا. وإن هذه النتائج الباطلة بالبداهة إنما تحصل إذا قلنا: إن ما قتله أحد من أهل الكتاب حلال للمسلمين، ولو قتله بطريق غير مشروع. وما يؤدي إلى مثل هذه النتائج الباطلة باطل.

6-

إن ما يتميز به اليهود والنصارى من بين سائر الكفار أمران:

الأول: حل ذبيحتهم.

والثاني: حل مناكحة نسائهما، ومن المسلم أن التزوج بامرأة من أهل الكتاب إنما يحل إذا روعيت فيه جميع الشروط الواجبة في شريعتنا.

ولئن وقع النكاح بامرأة من أهل الكتاب على غير طريق المسلمين، مثل نكاح إحدى المحرمات، أو النكاح بغير شهود، أو بغير الإيجاب والقبول المشروعين؛ لا يقول بحله أحد. فتبين أن حلة نساء أهل الكتاب مشروطة بأن يقع العقد بطريق مشروع عند المسلمين، ولو وقع العقد بطريق غير مشروع فلا يصح الاستدلال على حلته بقول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٍ [المائدة: 5] فكيف لا تكون حلة ذبائحهم مشروطة بأن يقع الذبح بطريق مشروع؟ ولئن وقع ذبحهم بطريق غير مشروع مثل الخنق والوقذ، فكيف يصح الاستدلال على حدته بقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} مع أن كلا الحكمين مقترنان في نسق واحد؟

(1) تفسير ابن كثير 19/2

ص: 58

7-

بما أن حرمة الميتة والمنخنقة والموقوذة ثابتة بالنص القطعي المطلق، فإن فقهاء الأمة أطبقوا على حرمتها، ولو كان الخانق أو الواقذ من أهل الكتاب. ولم يقل أحد بحل المخنوقة أو الموقوذة بيد كتابي فيما نعلم إلا ابن العربي في عبارته المذكورة، وهي متعارضة كما رأيت بعبارته الأخرى المذكورة في نفس الكتاب قبل نحو صفحة فقط. أفتترك نصوص الكتاب والسنة والأدلة القوية التي ذكرناها بمجرد فتوى شاذة لابن العربي في حين أنها متناقضة، وفي حين أنها مبنية على زعم أن المخنوقة حلال في دين النصارى، وقد تبين خطؤه بنصوص كتبهم المقدسة؟.

ولو قطعنا النظر عن التناقض في عبارتي ابن العربي، وسلمنا أن ذلك مذهب له، فإن هذا مذهب شاذ ترده نصوص الكتاب والسنة والأدلة القوية التي أخذ بها جماهير علماء الأمة، فلا يجدر بأن يؤخذ بها في مثل هذه القضية الخطيرة التي متى وقع فيها الشك بين الحل والحرمة يرجح جانب الحرمة، فكيف إذا كان جانب الحرمة هو المتعين بالنظر إلى النصوص القطعية واتفاق أهل العلم؟

فالحق الصريح أنه لا تحل ذبيحة أهل الكتاب إلا إذا ذبحوا الحيوان بالطريق المشروع من قطع العروق وإسالة الدم، ولا يحل الحيوان إذا قتلوه بخنق أو وقذ، أو بأي طريق آخر غير مشروع.

ص: 59

هل التسمية شرط في ذبيحة الكتابي؟

المسألة الثانية: هل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذكروا اسم الله عند الذبح؟ اختلف فيه الفقهاء على أقوال:

القول الأول: إن التسمية شرط لذبيحة المسلم والكتابي سواء بسواء. وهو مذهب الحنفية والحنابلة. قال ابن قدامة رحمه الله:

"فالتسمية مشترطة في كل ذابح مع العمد، سواء كان مسلما أو كتابيا، فإن ترك الكتابي التسمية عن عمد، أو ذكر اسم غير الله لم تحل ذبيحته. وروي ذلك عن علي، وبه قال النخعي والشافعي (1) وحماد وإسحاق وأصحاب الرأي. "(2)

(1) هكذا ذكر ابن قدامة مذهب الشافعي، والمشهور عنه أنه لا يوجب التسمية للمسلمين، فكيف بأهل الكتاب؟ إلا أن يقال: إنه لا يقول بحل الذبيحة إذا ترك عليها التسمية استخفافاً وتهاوناً، والظاهر من الكافر أنه يترك استخفافا، فلا تحل ذبيحته عنده من هذه الجهة إذا ترك التسمية، والله سبحانه أعلم.

(2)

المغني لابن قدامة: 11/ 56

ص: 60

وقال الكاساني في البدائع:

"ثم إنما تؤكل ذبيحة الكتابي إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شيء، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده، لأنه إذا لم يسمع منه شيء، يحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى وجرد التسمية، تحسينا للظن به كما بالمسلم (1) ولو سمع منه ذكر اسم الله تعالى، لكنه عنى بالله عز وجل المسيح عليه الصلاة والسلام، قالوا: تؤكل، لأنه أظهر تسمية هي تسمية المسلمين، إلا إذا نص فقال: بسم الله الذي هو ثالث ثلاثة، فلا تحل.

وقد روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب وهم يقولون ما يقولون، فقال رضي الله عنه: قد أحل الله ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. فأما إذا سمع منه أنه سمي المسيح عليه الصلاة والسلام وحده، أو سمي الله سبحانه وتعالى وسمي المسيح، لا تؤكل ذبيحته. كذا روي عن سيدنا علي رضي الله عنه، ولم يرو عنه غيره خلافه" (2)

(1) هذا إذا عرف من أهل الكتاب أنهم يسمون الله تعالى عند الذبح عموما. أما إذا عرف منهم ترك التسمية فلا

(2)

بدائع الصنائع: 5/ 46

ص: 61

والقول الثاني: إنه لا يجب لحل ذبيحة الكتابي أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح، فتحل الذبيحة إذا سكت عن التسمية، أما إذا ذكر غير الله تعالى مثل اسم المسيح وغيره فلا تحل ذبيحته، وهو قول المالكية. جاء في الشرح الصغير للدردير:

"وجب عند التذكية ذكر اسم الله بأي صيغة من تسمية أو تهليل أو تسبيح أو تكبير، لكن لمسلم لا كتابي، فلا يجب عند ذبحه ذكر الله، بل الشرط أن لا يذكر اسم غيره مما يعتقد ألوهيته) (1)

والقول الثالث: لا تجب التسمية لحل ذبيحة الكتابي، وتحل ذبيحته ولو سمي غير الله تعالى، وهو مروي عن عطاء ومجاهد، ومكحول، كما حكى عنهم ابن قدامة في المغني (2)

وإذا تأملنا في النصوص، وجدنا أن القول الأول هو الراجح، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وإن صيغة المجهول في {لَمْ يَذْكُرِ اسْمُ اللَّهِ} دليل واضح على أن ترك التسمية محرم للحيوان، سواء أكان الذابح مسلما أم كتابيا. وكذلك قول الله عز وجل في معرض بيان المحرمات:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} وَرَدَ بِصِيغَة الْمَجْهُولِ، فشمل ما إذا كان الذابح مسلما أو كتابيا، وكذلك قوله تعالى:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}

(1) الشرح الصغير للدردير مع الصاوي: 2/ 170 و 171

(2)

المغني لابن قدامة: 11/ 56

ص: 62

وقد سبق منا أن كلا من اليهود والنصارى كانوا يذبحون الحيوانات على اسم الله تعالى، وقد حرم بولس على النصارى ما تذبحه الأمم الأخرى، لكونها تذبح للشياطين لا لله، كما مر من نصه في رسالته الأولى إلى أهل كورنثيوس (10: 20و21) ومن أجل هذا أبيحت ذبائح أهل الكتاب للمسلمين، كما سبق عن الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى. فإذا تركوا التسمية أو سموا غير الله تعالى، فقدت العلة التي أحلت ذبائحهم بسببها، وعادت الحرمة. وإن معظم ما ذكرنا من الأدلة على حرمة المخنوقة أو الموقوذة بيد كتابي، ينطبق على موضوع ذكر اسم الله تعالى أيضا، غير أن قضية ترك التسمية أخف بالنسبة إلى مسألة الخنق والوقذ، من جهة أن حرمة متروك التسمية من ذبائح أهل الكتاب مسألة مجتهد فيها، كما ذكرنا. أما مسألة الخنق والوقذ فليست محل اختلاف فيما بين الأئمة المتبوعين، ولا عبرة بعبارة ابن العربي المتعارضة، حتى تجعل المسألة خلافية. فالصحيح الراجح المؤيد بالنصوص الظاهرة أن ذبائح أهل الكتاب إنما تحل إذا راعوا جميع شروط الذبح المنصوصة في القرآن والسنة، وكان ذلك هو المعهود منهم حين نزلت الرخصة في أكل ذبائحهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 63

ذبائح الماديين والدهرين المتسمين باسم النصارى:

ثم إن حلة ذبائح أهل الكتاب إنما يشترط لها أن يكون الذابح على دين النصارى واليهود، معتقدا مبادئ دينهم الأساسية، وإن كانت تلك المبادئ تخالف الإسلام، مثل عقيدة التثليث والكفارة، والإيمان بالتوراة والإنجيل المحرفتين، لأن الله سبحانه وتعالى سماهم أهل الكتاب بالرغم من كونهم يعتقدون هذه العقائد الباطلة عند نزول القرآن، وقد صرح بذلك القرآن الكريم حيث قال:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30]، وقال:{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73]، و {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 13] ، وقال الجصاص رحمه الله تعالى:(وروى عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث: أن عاملا لعمر بن الخطاب كتب إليه أن ناسا من السامرة يقرءون التوراة ويسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث، فما ترى؟ فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب)(1)

(1) أحكام القرآن، للجصاص: 2/ 323

ص: 64

فثبت بهذا أنه لا يشترط في كون الرجل من أهل الكتاب أن يؤمن بالتوحيد الخالص كما هو عقيدة المسلمين، ولا أن يؤمن بتحريف التوراة والإنجيل الموجودتين، ولا أن يؤمن بنسخ شريعة موسى وشريعة عيسى عليهما الصلاة والسلام، بل يكفي لذلك أن يؤمن بالعقائد الأساسية التي يؤمن بها اليهود والنصارى، والتي يتميزون بها عن الملل الأخرى.

ولكن لا يكفي لاعتبار المرء من أهل الكتاب مجرد أن يكون اسمه كاسم النصارى، ولا أن يعد في عدادهم عند الإحصاءات الرسمية فحسب، بل يجب أن تكون عقائده كعقائدهم. وقد ظهر في زماننا- ولا سيما في البلاد الغربية- عدد لا يحصى من الناس، أسماؤهم كأسماء النصارى، وربما يسجلون في الإحصاءات كنصارى، ولكنهم في الواقع دهريون أو ماديون، لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، فضلا عن العقائد الأخرى، بل يستهزؤون بالأديان كلها، وإن مثل هؤلاء من الرجال ليسوا من النصارى، فلا يجوز اعتبارهم من أهل الكتاب، فلا تحل ذبيحتهم.

والدليل على ذلك واضح، وهو أن أهل الكتاب إنما تميزوا عن سائر الكفار بفضل عقيدتهم بوجود الله جل ثناؤه، وبإيمانهم بالرسل وكتبهم السماوية، فمن لا يعتقد بوجود الله رأسا، ولا بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لا يسوغ أن يعتبر من أهل الكتاب. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل هذا الحكم في نصارى بني تغلب.

ص: 65

قال الجصاص رحمه الله تعالى:

"وروى محمد بن سيرين عن عبيدة قال: سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب فقال: لا تحل ذبائحهم، فإنهم لم يتعلقوا من دينهم بشيء إلا بشرب الخمر"(1)

ومعنى ذلك أن هؤلاء لا يؤمنون بالتوراة والإنجيل، ولا بعقائدهم الأساسية، فلذلك لا يمكن اعتدادهم من جملة أهل الكتاب لمجرد كونهم منسوبين إلى النصرانية.

ولكن هذا الحكم إنما يتأتى في رجل تحقق فيه أنه لا يؤمن بالله ولا بالرسل ولا بالكتب السماوية. أما إذا كان الرجل باسمه ومظهره نصرانيا، يجوز أن نعتبره من النصارى، ما لم يتبين أن عقائده كعقائد الماديين.

حكم ما جهل ذابحه:

إذا جهل الذابح وطريق ذبحه، فإن ذلك لا يخلو من أحوال آتية:

1-

إذا كان البلد مسلما، بمعنى أن أغلبية سكانها مسلمون، فما يوجد في أسواق ذلك البلد يحل أكله، ولو لم نعرف الذابح بعينه، أو لم نعرف هل سمي على الذبيحة أم لا؛ لأن ما وجد في بلاد الإسلام يحمل على كونه موافقا للأحكام الشرعية، ونحن مأمورون بإحسان الظن بالمسلمين، والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها:

((أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا، فقال: سموا عليه أنتم وكلوه)) .

قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر (2)

(1) أحكام القرآن، للجصاص: 2/ 323

(2)

صحيح البخاري، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، رقم الحديث: 5507

ص: 66

وقال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث:

"قال ابن التين: وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمي. ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين، لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر) (1)

ثم قول عائشة رضي الله عنها:"وكانوا حديثي عهد بالكفر" يدل على أنه كان يخشى منهم أن لا يعرفوا وجوب التسمية عند الذبح، ومع ذلك أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل اللحم، لأن أمر المسلم، وإن كان جاهلا، يحمل على الصحة ما لم يتيقن المرء أنه باشر عملا على غير وجهه الصحيح. وإلى هذا المعنى أشار البخاري رحمه الله حيث ترجم على هذا الحديث:(باب ذبيحة الأعراب ونحوهم) وقد وقع التصريح بكونهم من الأعراب في رواية النسائي، كما حكى عنه الحافظ في الفتح، والأعراب يقل علمهم عادة.

2-

أما إذا كان غالب أهل البلد من الكفار غير أهل الكتاب، فاللحم المعروض للبيع في السوق لا يحل للمسلمين، حتى يتبين بيقين أو بالظن الغالب أن هذا اللحم بعينه ذبحه مسلم أو كتابي بالطريق المشروع. وهذا ظاهر جدا.

3-

وكذلك الحكم إذا كان أهل البلد مختلطين ما بين مسلم ووثني أو مجوسي؛ لأن ما وقع فيه الشك لا يحل حتى يتبين كونه حلالا، والدليل على ذلك حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه الذي مر فيما قبل، حيث حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيد الذي شارك في اصطياده كلاب أخرى.

4-

أما إذا كان غالب أهل البلد من أهل الكتاب، فالأصل فيه ما سبق من حكم بلاد المسلمين، فإن أهل الكتاب حكمهم في أمر الذبيحة حكم المسلمين، لكن إذا عرف باليقين أو بالظن الغالب أن أهل الكتاب في ذلك البلد لا يذبحون الحيوان بالطريق المشروع، فلا يحل أكل اللحم حتى يتبين أن هذا اللحم بعينه حصل بالذكاة المشروعة، وهذا هو الحال في معظم البلاد الغربية اليوم، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

(1) فتح الباري: 9/ 635 و 636

ص: 67

طرق الذبح الآلية الحديثة:

قد سبب ازدياد العمران وكثرة متطلباتهم الغذائية أن تستخدم الأجهزة الآلية (الأوتوماتيكية) لذبح الحيوانات أيضا، وقد أنشئت لذلك مجازر ومسالخ ضخمة تبلغ منتجاتها آلاف الحيوانات كل يوم، فلا بد من معرفة حكمها الشرعي، وإن استخدام مثل هذه الأجهزة يختلف طريقه بالنسبة إلى نوع الحيوان، فطريق الذبح في الدجاج يختلف عن طريقه في البقر والغنم.

ذبح الدجاج:

أما الطريق الذي يستخدم في ذبح الدجاج- وقد شاهدته في كندا، وجنوب إفريقيا، وفي جزيرة ري يونين- أن الجهاز الواحد- وهو كبير جدا- يتكفل جميع مراحل الذبح والإنتاج، بحيث يدخل فيها الدجاج من طرف واحد، ويخرج لحمه الصافي معلبا من الطرف الآخر، وجميع المراحل ما بين ذلك؛ من ذبحه، ونتف ريشه، وإخراج أمعائه، وتنظيف لحمه، وتقطيعه وتعليبه، تتم بواسطة الجهاز الكهربائي، وإن هذا الجهاز يحتوي على قضيب حديدي طويل ينصب في عرض القاعة ما بين الجدارين، وإن هذا القضيب في أسفله علاقات كثيرة تتجه عراها إلى الأرض. فيؤتى بمئات من الدجاج في شواحن كبيرة، ثم يعلق كل دجاج برجليه، بحيث تعلق رجلاه في عروة العلاقة، وسائر جسمه معلق معكوسا- بمعنى أن حلقومه ومنقاره متجه إلى الأرض- وإن هذه العلاقات تسير على القضيب مع الدجاج المعلقة، حتى تأتي إلى منطقة ينصب فيها الماء البارد من فوقٍ في صورة شلالة صغيرة، فتمر بهذه الدجاج من خلال هذا الماء البارد، والمقصود بغمسها في الماء تنظيفها من الأدران، وفي بعض الحالات يحتوي هذا الماء على تيار كهربائي يخدر الدجاج،

ص: 68

ثم تأتي هذه العلاقات إلى منطقة وضع في أسفلها سكين دوار يدور بسرعة شديدة، وإن هذا السكين الدوار منصوب في مكان تصل إليه أعناق الدجاج المعلقة معكوسة، فحينما تأتي العلاقة في هذه المنطقة فإنها تدور حول هذا السكين الدوار بشكل هلالي، فتصل أعناق عديد من الدجاج إلى طرف هذا السكين الدوار دفعة واحدة وتمر عليه، فيقطع السكين حلقوم كل واحد منها تلقائيا، ثم تتقدم العلاقات إلى الأمام وقد فرغ الجهاز من قطع حلقوم الدجاجات المعلقة فيها، وبعد قليل تمر على منطقة ينصب فيها الماء من فوق مرة أخرى، ولكن هذا الماء حار، ومقصود المرور عليه نتف ريش الدجاج، ثم هناك مراحل أخرى من إخراج أمعائه وتصفيته وتقطيعه في نفس الجهاز، ولكن نترك ذكرها لكونها خارجة عن عملية الذبح المقصودة بالبحث هنا، والجدير بالذكر أن هذا الجهاز الكهربائي لا يزال يسير طوال النهار، وأحيانا على مدار الساعة، لا يقف إلا في حالات استثنائية،

وإن ما يحتاج إلى البحث في هذه الطريقة من الناحية الشرعية أمور أربعة:

الأول: المرور على الماء البارد الذي فيه تيار من الكهرباء.

الثاني: قطع الحلقوم بالسكين الدوار.

الثالث: المرور على الماء الحار.

الرابع: كيف يتأدى واجب التسمية في هذا الطريق الميكانيكي؟

ص: 69

أما المرور على الماء البارد قبل قطع حلقوم الدجاج، فلا يستخدم هذا الطريق في جميع المسالخ، بل يستغنى عنه في كثير منها، وإن كان الماء البارد بدون أثر كهربائي فهذا لا يؤثر في قضية الذبح، فإن كان في الماء أثر من الكهرباء، فإن ذلك لا يسبب موت الحيوان عادة، وإنما يخدر دماغه، والتخدير وإن كان يسبب انكماشا في القلب، فلا يخرج منه الدم عادة بذلك المقدار الذي يخرج من المذبوح بدون التخدير، ولكن مجرد ذلك لا يجعل الحيوان ميتة، ولكن إذا تحقق في حيوان بعينه أن هذه العملية سببت موته فلا يجوز أكله، وإن قطع حلقومه بعد ذلك بطريق مشروع، فلا بد من التأكد من أن برودة الماء أو تيار الكهرباء ليسر بتلك القوة التي تكون كافية لموت الحيوان، ثم لابد من مراقبة ذلك مراقبة دقيقة، حتى لا يخرج منه حيوان ميت، ومع ذلك فتركه أولى، للابتعاد عن أية شبهة.

وأما الذبح بالسكين الدوار، فإن هذا السكين يشبه الرحى وأطرافه حادة، وإن هذا الرحى لا يزال يدور بسرعة، وتمر على أطرافه أعناق الدجاج من جانب الحلقوم فتقطع تلقائيا، والظاهر أنه يقطع عروق الدجاج، ولكن قد يحدث أن تتحرك الدجاجة في العلاقة لسبب من الأسباب، فلا ينطبق عنق الدجاج على طرف السكين الدوار، فإما أن لا يقطع عنقه بتاتا، أو يقطع جزء قليل منه بحيث يقع الشك في قطع العروق، وفي كل من الحالتين لا تحصل به الذكاة الشرعية.

ص: 70

أما قضية التسمية، فإنها صعبة جدا في استخدام هذا الطريق، فالمشكلة الأولى في تعيين الذابح، لأن التسمية إنما تجب على الذابح، حتى لو سمي رجل وذبح غيره لا يجوز، فالسؤال إذن، من هو الذابح في هذا الجهاز الميكانيكي؟ فيحتمل أن نقول: إن من شغَّل هذا الجهاز لأول مرة يعتبر ذابحا، لأن عمليات الأجهزة الكهربائية إنما تنسب إلى من شغلها؛ لأن الآلة ليست من ذوي العقول حتى ينسب إليها الفعل، فينسب الفعل إلى من استعملها، فيصير هو الفاعل بواسطة الآلة، ولكن المشكلة هنا: أن من يشغل هذا الجهاز في أول النهار مثلا، إنما يشغله مرة واحدة، ثم لا يزال يسير الجهاز طول أوقات العمل، وفي بعض الأحيان على مدار الساعة، فيقطع أعناق آلاف من الدجاج، فإذا سمي من شغله في أول النهار مرة واحدة، فهل تكفي هذه التسمية الواحدة للآلاف من الدجاج التي تذبح بهذا التشغيل في سائر النهار؟ والظاهر من النص القرآني:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أن كل حيوان يحتاج إلى تسمية مستقلة يذبح بعدها على الفور، وعلى هذا الأساس استنبط الفقهاء الأحكام الآتية:

"وأما الشرط الذي يرجع إلى محل الذكاة، فمنها تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية، وعلى هذا يخرج ما إذا ذبح وسمي، ثم ذبح أخرى، يظن أن التسمية الأولى تجزئ عنهما؛ لم تؤكل، فلا بد أن يجدد لكل ذبيحة تسمية على حدة"(1)

(1) الفتاوى الهندية، كتاب الذبائح، الباب الأول: 5/ 286

ص: 71

"ولو أضجع شاة وأخذ السكين وسمى، ثم تركها وذبح شاة أخرى وترك التسمية عامدا عليها لا تحل". كذا في الخلاصة.

"وإذا أضجع شاة ليذبحها وسمي عليها، ثم كلم إنسانا، أو شرب ماء، أو حدد سكينا، أو أكل لقمة أو ما أشبه ذلك من عمل لم يكثر، حلت بتلك التسمية، وإن طال الحديث وكثر العمل كره أكلها، وليس في ذلك تقدير، بل ينظر فيه إلى العادة، إن استكثره الناس في العادة يكون كثيراً، وإن كان يعد قليلا فهو قليل"(1)

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

"والتسمية على الذبيحة معتبرة حال الذبح أو قريباً منه، كما تعتبر على الطهارة، وإن سمي على شاة ثم أخذ أخرى فذبحها بتلك التسمية لم يجز، سواء أرسل الأولى أو ذبحها، لأنه لم يقصد الثانية بهذه التسمية، وإن رأى قطيعا من الغنم فقال: بسم الله. ثم أخذ شاة فذبحها بغير تسمية لم يحل، وإن جهل كون ذلك لا يجزئ، لم يجر مجرى النسيان؛ لأن النسيان يسقط المؤاخذة، والجاهل مؤاخذ، ولذلك يفطر الجاهل بالأكل في الصوم دون الناسي؛ وإن أضجع شاة ليذبحها وسقى، ثم ألقى السكين وأخذ أخرى، أو رد سلاما، أو كلم إنسانا أو أستسقى ماء ونحو ذلك وذبح حل؛ لأنه سمي على تلك الشاة بعينها ولم يفصل بينهما إلا بفصل يسير، فأشبه ما لو لم يتكلم) . (2)

(1) الفتاوى الهندية، كتاب الذبائح، الباب الأول: 5/ 288

(2)

المغني لابن قدامة: 11 / 33

ص: 72

وقال المواق المالكي رحمه الله تعالى:

"قال مالك: لا بد من التسمية عند الرمي وعند إرسال الجوارح وعند الذبح لقوله {وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} (1)

وهذه العبارات الفقهية صريحة في أن الجمهور من الأئمة الذين يشترطون التسمية عند الذبح يشترطون أن تقع التسمية على حيوان بعينه، وأن تكون عند الذبح، وأن لا يفصل بين التسمية وبين الذبح فاصل يعتد به.

وهذه الشروط مفقودة في الطريق المذكور من الجهاز الميكانيكي، فإنه لو سمي من شغّله لأول مرة، لم يسم على حيوان بعينه، وقد وقع بين تسميته وبين ذبح آلاف الدجاج فاصل كبير، ربما يمتد إلى نهار كامل، أو يوم أو يومين، فالظاهر أن هذه التسمية لا تكفي لذكاة هذه الحيوانات بأجمعها، وهذا قريب مما ذكره ابن قدامة أن من رأى قطيعا من الغنم فقال: بسم الله، ثم أخذ شاة فذبحها بغير تسمية، فإنه يحرم (2)

(1) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل: 3/ 219، كتاب الذكاة

(2)

وهذه المسألة مذكورة أيضا في الفتاوى الهندية: 5/ 289

ص: 73

وقد يستشكل هذا بما ذكره بعض الفقهاء:

(ولو أضجع إحدى الشاتين على الأخرى تكفي تسمية واحدة إذا ذبحهما بإمرار واحد، ولو جمع العصافير في يده فذبح وسمي، وذبح آخر على أثره ولم يسم لم يحل الثاني، ولو أمرَّ السكين على الكل جاز بتسمية واحدة)(1)

وقد يتوهم منه أن مسألتنا مشابهة لمن أضجع شاتين، أو جمع العصافير في يده، حيث تكفي تسمية واحدة، ولكن الحق أن مسألتنا لا تنطبق على هاتين الصورتين، لأن ذبح الشاتين أو العصافير إنما وقع في فور واحد، دون أن يقع بين التسمية وبينه فصل يعتد به، ولذلك قد صرح في نفس الجزئية المذكورة، أن الذابح إن جمع العصافير في يده وذبح بعد التسمية، ثم ذبح عصفورا آخر على أثره لم يحل هذا العصفور الأخير، لأن ذبحه قد انفصل عن العصافير التي ذبحت في فور واحد. أما في مسألتنا فلا نستطيع أن نقول: إن جميع ما ذبح من الدجاج في مدة يوم أو يومين مذبوح في فور واحد، وإنما هي عمليات كثيرة من الذبح تقع واحدة تلو الأخرى، فالفرق واضح.

(1) الفتاوى الهندية: 5/ 289

ص: 74

فهذا يدل على أنه لا يكفي التسمية الواحدة من مشغل الجهاز لذبح سائر الدجاج، وإن أقيم رجل عند السكين الدوار ليسمي عندما تأتي الدجاجات إليه فيقطع حلقومها- وهذا شيء رأيته في مذبح من مذابح كندا - فإن في كون تسميته معتبرة شرعا إشكالات آتية:

الأول: أن التسمية ينبغي أن تصدر من الذابح، وهذا الرجل الواقف أمام السكين الدوار لا علاقة له بعملية الذبح، فإنه لم يشغل الجهاز، ولا أدار السكين، ولا قرب الدجاجة إليه، وإنما هو رجل منفصل عن عملية الذبح تمام الانفصال، فتسميته ليست من الذابح.

والثاني: أن السكين الدوار تأتي إليه عدة دجاجات بفصل ثوان، ولا يمكن لهذا الرجل الواقف أن يسمي على واحد من هذه الدجاجات من غير فصل.

والثالث: أن هذا الرجل الواقف إنسان، وليس جهازا أوتوماتيكيا، فلا يستطيع أن لا ينشغل بأي عمل آخر دون التسمية، فربما تعرض له حاجات تشغله عن التسمية، وفي هذه الأثناء تمر عشرات من الدجاج على السكين الدوار، فتذبح بغير تسمية. وقد شاهدت بنفسي في المذبح المذكور من كندا أن هذا الرجل يغيب عن موضعه عند الجهاز لفترات ربما تستغرق نصف ساعة أو أكثر.

ص: 75

وهناك ملحظ آخر في موضوع التسمية على هذا الجهاز الأوتوماتيكي، وهو أن نقيس تشغيل الجهاز على إرسال كلب الصيد، حيث لا تجب التسمية عند هلاك الصيد، وإنما تجب عند إرسال الكلب، وقد يكون بين الإرسال وبين هلاك الصيد فاصل كبير، وقد يهلك كلب الصيد عدة حيوانات في إرسال واحد، والظاهر أن التسمية الواحدة تكفي لحل جميعها. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

"وإن سمي الصائد على صيد فأصاب غيره حل، وإن سمي على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاده به، لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة". ويحتمل أن يباح قياسا على ما لو سمي على سكين ثم ألقاها وأخذ غيرها. " وسقوط اعتبار تعيين الصيد لمشقته لا يقتضي اعتبار تعيين الآلة فلا يعتبر". (1)

وهذا، وإن كان متعلقاً بالذكاة الاضطرارية، ومسألتنا تتعلق بالذكاة الاختيارية، ولا تقاس حالة الاختيار على حالة الاضطرار، ولكن إذا نظرنا إلى حاجة إكثار الإنتاج في أسرع وقت، وذلك لازدياد العمران، وتكاثر عدد المستهلكين، وقلة الذابحين، وإلى أن الشريعة إنما أسقطت اعتبار تعيين الصيد لمشقته، كما يقول ابن قدامة رحمه الله، والمعهود من الشريعة في مثله دفع الحرج، فإن ذلك ربما يبدو مبررا لقياس حالة الاختيار على حالة الاضطرار في موضوع التسمية فقط، دفعا للحرج وتيسيرا على الناس.

(1) المغني لابن قدامة: 33/11 و 34

ص: 76

ولست أجزم بمدى قوة هذا الملحظ، لكن أردت أن أطرحه للبحث أمام العلماء للبت في هذا الموضوع، ولم أُفتِ بذلك حتى الآن، وخاصة في حين أن عندنا بديلا مناسباً للسكين الدوار، وهو يلبي حاجة الإنتاج في نفس الوقت، وذلك أن يزال السكين الدوار عن موضعه في الجهاز، ويقوم في محله أربعة أشخاص مسلمين يتناوبون في قطع حلقوم الدجاج مع ذكر اسم الله تعالى، كلما تمر عليهم العلاقات بالدجاج، وهذا أمر اقترحته على مذبح كبير في جزيرة ري يونين، فعملوا بذلك، وقد دلت التجربة على أن ذلك لم ينقص من كمية الإنتاج شيئا؛ وذلك لأن هؤلاء الأشخاص يقطعون حلقوم الدجاج في نفس الوقت الذي كان السكين الدوار يقطعه، وإن هذا الجهاز لا يغني عن استعمال الطاقة البشرية بالكلية، فقد شاهدنا أنهم اضطروا إلى تعيين رجال يقومون في بعض المناطق التي تمر عليها هذه العلاقات، وإنهم يستعملون أيديهم أو آلات يدوية لإخراج الأمعاء وغيرها من بطن الدجاج، ولم أعرف مذبحا يستغني عن مثل هذا العمل البشري بتاتا. فإن كانوا يقيمون أشخاصا لهذا الغرض، فإنهم يستطيعون أن يقيموا أربعة أشخاص عند مرحلة الذبح أيضا، فيقع الذبح بالطريقة المشروعة بأيدي ذابحين مسلمين، يسمون الله تعالى عند الذبح، والأمور الباقية يتكفلها الجهاز.

ص: 77

وإضافة إلى جزيرة ري يونين، رأيت نفس الطريق معمولا به في مذبح أكبر منه بقرب من مدينة دربن في جنوب إفريقيا، وإنتاجهم اليومي يبلغ إلى ألوف من الدجاج كل يوم، وقد قبلوا هذا الاقتراح من المسلمين، ويعملون به دون أية صعوبة.

وكذلك كلمت أصحاب المذبح الذي زرته في كندا، واقترحت عليهم هذا الاقتراح، فأبدوا صلاحيتهم للعمل بذلك إذا طلب منهم المسلمون، ولكن جمعية المسلمين التي تصدر شهادة بكون ذبائحهم حلالا، لم تقبل ذلك مع الأسف الشديد.

وما دام هذا البديل متوفرا فلا تظهر هناك حاجة كبيرة لاستخدام السكين الدوار، ولقياس الذكاة الاختيارية على الاضطرارية، والله سبحانه أعلم.

مرور الدجاج على الماء الحار:

المسألة الأخيرة في موضوع هذا الجهاز، هي أن الدجاج- بعد المرور على السكين الدوار- تمر على منطقة ينصب فيها ماء حار من الفوق، وذلك لنتف ريشها، وهذا الماء الحار يمكن أن يسبب إشكالين:

الأول: أن الدجاج إذا لم يقطع حلقومه بالسكين الدوار بصورة مقبولة شرعا، فإنها تبقى حية إلى أن تمر على هذه المنطقة التي يغطس فيها الدجاج في ماء حار، فلا يبعد احتمال أن تموت تلك الدجاجة بحرارة الماء فتكون حراما.

والثاني: قد يستشكل بعض الناس من هذا الطريق أن هذا الغطس في الماء الحار إنما يقع قبل أن تخرج النجاسات من بطن الدجاج، فربما تسري هذه النجاسات إلى لحم الحيوان بفضل الغليان، وقد ذكر الفقهاء أن مثل هذا الحيوان لا يحل أبدا. جاء في الدر المختار:

"وكذا دجاجة ملقاة حالة غلي الماء للنتف قبل شقها".

ص: 78

وقال ابن عابدين تحته:

(قال في الفتح: إنها لا تطهر أبدا، لكن على قول أبي يوسف تطهر، والعلة- والله أعلم- تشربها النجاسة بواسطة الغليان)(1)

ولكن هذا الإشكال غير وارد في مسألتنا، لأن درجة الحرارة في هذا الماء لا تبلغ إلى نقطة الغليان، حيث تكون أقل بكثير من مئة درجة مئوية، ثم بقاء الدجاج في هذا الماء الحار لا يجاوز دقائق معدودة لا تكفي لتشرب اللحم النجاسة، والفقهاء الذين قالوا بنجاسة الدجاج إنما قالوا ذلك إذا كان الماء بلغ إلى درجة الغليان، ويبقى فيه الدجاج مدة تكفي لتشريب اللحم النجاسة. قال ابن عابدين رحمه الله بعد بيان المسألة المذكورة:

"وعليه اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس، لكن العلة المذكورة لا تثبت ما لم يمكث اللحم بعد الغليان زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم، وكل منهما غير متحقق في السميط حيث لا يصل إلى حد الغليان، ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة إلى ظاهر الجلد لتنحل مسام الصوف، بل لو ترك يمنع انقلاع الشعر"(2)

وهذا ينطبق تماما على هذا الماء الحار الذي تمر من خلاله الدجاج في هذا الجهاز، وقد أدخلت يدي في الماء فلم يكن محرقا، فضلا من كونه بلغ إلى حد الغليان.

(1) رد المحتار لابن عابدين: 1/ 334، قبيل فصل الاستنجاء.

(2)

رد المحتار: 334/1

ص: 79

نتائج البحث في الطريق الآلي لذبح الدجاج:

ويتحصل مما ذكرنا من الطريق الآلي لذبح الدجاج أن هذا الطريق فيه خلل من الناحية الشرعية بوجوه:

1-

في بعض المذابح يغطس الدجاج قبل ذبحه في ماء بارد فيه تيار كهربائي، ويخشى منه أن يسبب موت الدجاج قبل ذبحه، لأن بعض المتخصصين يرون أن هذا التيار الكهربائي يحدث توقف القلب في 90 % من الدجاج، والله أعلم.

2-

السكين الدوار، وإن كان كافيا لقطع العروق، في معظم الأحيان، ولكن الدجاج في بعض الحالات لا يصل عنقه تماما إلى طرف السكين، فلا يقطع حلقومه أو يقطع جزء قليل منه، بحيث تبقى العروق غير مقطوعة.

3-

لا يمكن مع وجود السكين الدوار أن تقع التسمية على كل دجاجة، والتسمية عند تشغيل الجهاز، أو من قبل شخص واقف عند السكين لا يفي بالمتطلبات الشرعية.

4-

إن الماء الحار الذي تمر من خلاله الدجاج يخشى منه أن يسبب موت الدجاج التي لم يقطع عنقها بالسكين الدوار أو قطع ناقصا.

وبعد النظر في الأسباب الأربعة للخلل، يتبين أن تدارك هذا الخلل ليس بعسير، ويمكن استخدام هذا الجهاز الآلي للذبح بعد إجراء بعض التعديلات في طريق استخدامه، وهي ما يلي:

ا- عدم استخدام التيار الكهربائي في الماء البارد، أو التأكد من أن هذا التيار لا يسبب توقف قلبه.

2-

عدم استخدام السكين الدوار، وإقامة أشخاص مسلمين أو من أهل الكتاب يتناوبون في ذبح الدجاجات التي تمر أمامهم، وذلك بأيديهم ومع تسمية الله تعالى على كل دجاجة، وقد ذكرت طريقه التفصيلي، وأن ذلك معمول به في عدة مذابح كبيرة طلب من أصحابها المسلمون ذلك، ولا يقلل ذلك من كمية الإنتاج.

3-

التأكد من أن الماء الحار الذي تمر منه الدجاجات المذبوحة لا يبلغ إلى حد الغليان.

وبمراعاة هذه الأمور الثلاثة تكون الدجاجات المذبوحة بواسطة هذا الجهاز حلالا.

ص: 80

الذبح الصناعي للأنعام:

أما ذبح الأنعام من البقر والغنم من الحيوانات الكبيرة، فطريقه غير طريق الدجاج، فلا يقع إزهاق الروح فيها بالسكين الآلي، وإنما يقع بأعمال يباشرها إنسان، فمن هذه الأعمال الخنق، كما هو المتبع في الطريقة التي تسمى الطريقة الإنكليزية، ويخرق فيها الصدر بين الضلعين، وينفخ فيه حتى يختنق الحيوان بضغط هواء المنفاخ على رئتيه، ولا يخرج من الحيوان دم. ومن البديهي أن الحيوان في هذه الصورة داخل في المنخنقة التي نطق بحرمتها القرآن الكريم، وقد حققنا فيما سبق أن الخنق محرم للحم الحيوان، سواء أصدر الخنق من مسلم أم من كتابي، فلا سبيل إلى حلة الحيوان المخنوق بهذه الصفة.

ولكن في معظم المذابح اليوم يتم الذبح بأنهار الدم بقطع جانب من العنق، أو بقطع الرقبة، وبما أن الطرق في جرح الحيوان متعددة، فلا نجزم هل هي تقطع الأوداج، أو تقطع الحيوان من محل آخر، ولا يحل الحيوان حتى يثبت أنه قطع من حلقه ما يجب أن يقطع شرعاً. ولكن إذا كان الذابح مسلماً فإنه يسع له أن يذبح الحيوان بطريقة مشروعة من فري الأوداج، ولكن محل البحث في ذبيحة هذه المجازر أنهم يصرون على تدويخ الحيوان أو تخديره قبل أن يشرع الإنسان في عملية الذبح، وإن هذا التدويخ في نظرهم واجب لإراحة الحيوان عند الذبح وتخفيف ألمه. ويستعملون عدة آلات لحصر الحيوان تضمن عدم انفلاته وتقديم عنقه إلى الذابح بسهولة.

ص: 81

أما التدويخ، فيقع بطرق مختلفة، ولعل من أكثرها استعمالا، هو التدويخ بالمسدس، وهذا المسدس غير مسدس الرصاص، وإنما تخرج منه عند إطلاقه إبرة أو قضيب معدني، ويضعون المسدس في وسط جبهة الحيوان فيطلقونه، فتخرج هذه الإبرة أو القضيب، وتثقب دماغ الحيوان، فيفقد الحيوان الوعي فورا، وبعد ذلك يذبح.

والطريق الثاني للتدويخ هو: استعمال مطرقة ضخمة يضرب بها الحيوان على جبهته وهي مؤلمة للحيوان، ولذلك تركوها في معظم المجازر، واستبدلوا بها طريق استعمال المسدس.

والطريق الثالث: استعمال الغاز، ويحبس فيها الحيوان في هواء يحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة معلومة، وإن هذا الغاز يؤثر على دماغه فيفقده الوعي، ثم يذبح الحيوان باليد.

والطريق الرابع للتدويخ: استعمال الصدمة الكهربائية، وتوضع فيها آلة كالملقط على صدغي الحيوان، ويرسل من خلاله تيار كهربائي ينفذ إلى الدماغ، فيفقد الحيوان الوعي بسبب هذه الصدمة الكهربائية.

والحكم الشرعي لهذا التدويخ يحتاج إلى البحث من ناحيتين: الأولى: هل استخدام هذا الطريق جائز شرعا؟ والثانية: هل تكون الذبيحة حلالا إن ذبحها مسلم أو كتابي بالطريق المشروع بعد هذا التدويخ؟

ص: 82

أمَّا كون هذه الطرق جائزة شرعا، فيتوقف الحكم فيه على أن هذا الطريق يخفف من ألم الذبح على الحيوان أم لا؟ وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان ذبح الحيوان والرفق به في الحديث المعروف، حيث قال:((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) (1)

وكان من المسلم أن الطريق الذي شرعه الإسلام من قطع عروق حلق الحيوان أحسن الطرق لإزهاق روحه وأسهلها على الحيوان، أما التدويخ ففي بعض الحالات يضر بالحيوان ويؤلمه أكثر مما يؤلمه الذبح، كالضرب بالمطرقة على جبهته، فلا شك في كون هذا الطريق غير جائز في الشريعة، أما الطرق الأخرى، فلا نجزم بأنها تخفف من ألم الحيوان أو تزيد، لأن إطلاق المسدس على الجبهة إنما يحصل به وقذ عنيف، والصدمة الكهربائية لا تخلو من ألم، وحبس الحيوان في الغاز يؤدي إلى الضيق التنفسي، ولكن خبراء علم الحيوان يدعون أن ذلك يخفف من ألمه، فإذا تحقق ذلك قطعا وأنه لا يموت به الحيوان، جاز استعمالها، وألا فلا.

(1) أخرجه مسلم في الصيد، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، رقم: 1955، وأخرجه أيضاً الترمذي في الديات؛ باب النهي عن المثلة، وأبو داود، والنسائي، كما في جامع الأصول:481/4

ص: 83

أما حكم الحيوان الذي يذبح بعد هذا التدويخ، فيتوقف فيه الحكم على أن هذا التدويخ يسبب الموت أم لا؟ ويدعي الخبراء اليوم أنه لا يسبب موت الحيوان، بل يجعله فاقد الوعي ويعدم إحساسه بالألم، ولكن هذا الادعاء محل نظر: أما التدويخ بالمسدس، فإنه يحدث وقذا عنيفا في جبهة الحيوان ودماغه، ولا يبعد أن يموت به الحيوان، فيصير موقوذة، وقد شاهدت هذا الطريق للتدويخ في مدينة ديترويت من الولايات المتحدة ، فرأيت أن القضيب الخارج من المسدس دخل في دماغ البقرة بقدر طول الإصبع تقريبا، وخرج من دماغه الدم وأنهار الحيوان على الأرض فورا، وانقطعت حركات أعضائه بالكلية كأنه ميت، ولكن قال لي صاحب المجزرة الأمريكي: إن الحيوان يبقى بعد إطلاق المسدس حيا لبضع دقائق، ولو لم يذبح في خلال اثنتي عشرة دقيقة فإنه يموت، ولم أستطع أن أتأكد من مدى صحة ما أدعاه، ولكن ما رأيته جعلني أشك في ادعاء أن هذا التدويخ لا يسبب موت الحيوان، ولم يكن هناك ما يبعد احتمال أن يموت بعض الحيوانات على الأقل بهذه الصدمة العنيفة.

وأما الصدمة الكهربائية، فقد اعترف بعض الخبراء بأنها توقف حركة القلب في بعض الحالات، وكذلك الغاز إذا تجاوز نسبة معلومة يمكن أن يسبب الموت.

ص: 84

وإن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة فنية عميقة من المتخصصين المسلمين الغيورين على دينهم، وبما أن الموضوع خارج عن اختصاصي، فلا يسع لي أن أبت فيه بشيء، وأقترح على المجمع أن يكوِّن لجنة من الخبراء المسلمين ليقدموا تقريرا بعد دراستهم للموضوع، ولا شك أن هذه الطرق للتدويخ لو كانت مسببة للموت، أو يخشى منها الموت فلا يجوز استعمالها، ولا القول بحلة الحيوان المذبوح بعد التدويخ، وما دامت هذه الطرق مشكوكة، فالأسلم أن يبتعد عنها، ومن المعروف أن اليهود لا يقبلون أي طريق للتدويخ، والمسلمون أولى منهم بالابتعاد عن الشبهات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم اللحوم المستوردة:

قد اكتظت الأسواق اليوم باللحوم المستوردة من البلاد الأجنبية، من إنكلترا، ومن الولايات المتحدة، ومن هولندا، وأستراليا، والبرازيل. وقد ثبت بما سبق من الدلائل في هذا البحث أن ذبائح أهل الكتاب إنما تحل للمسلمين إذا كانوا يراعون الشروط اللازمة للذكاة الشرعية، وكان ذلك هو المعهود منهم حينما أباح القرآن الكريم ذبائحهم، فأما اليهود، فالمعروف عنهم حتى الآن أنهم يحتفظون بأحكام دينهم في اللحوم، وقد استطاعوا أن ينظموا لأنفسهم مجازر خاصة تحت رقابة علمائهم وأحبارهم، وقد تميز لحمهم باسم:(كوشر) وهو متوفر في كل مكان يوجد فيه اليهود.

ص: 85

أما النصارى، فقد خلعوا ربقة التكليف في موضوع الذبائح إطلاقا، ولا يلتزمون اليوم بالأحكام التي هي مصرحة حتى اليوم في كتبهم المقدسة، والتي نقلنا بعض نصوصها فيما سبق، وحينئذ فلا تحل ذبيحتهم حتى يثبت أنه قد توفر فيها الشروط الشرعية.

فاللحوم التي تباع في أسواق البلاد الغربية، والتي تستورد إلى البلاد الإسلامية، وجوه المنع فيها كثيرة:

ا- لا سبيل إلى معرفة ديانة ذابحه، فإن تلك البلاد يوجد فيها وثنيون، ومجوسيون، ودهريون وماديون بكثرة، فلا يحصل اليقين بكون الذابح من أهل الكتاب.

2-

ولو ثبت بالتحقيق، أو بحكم غلبة السكان أن ذابحه نصراني، فلا يعرف هل هو نصراني في الواقع، أو هو مادي في عقيدته، وقد سبق أن ذكرنا أن العدد الكثير منهم لا يعتقد بوجود خالق لهذا الكون، فليس هو نصرانيا في الواقع.

3-

ولو ثبت بالتحقيق، أو على سبيل الحكم بالظاهر أنه نصراني، فإن المعروف من النصارى أنهم لا يلتزمون بالطرق المشروعة للذكاة، بل منهم من يهلك الدابة بالخنق، ومنهم من يقتله بغير فري الأوداج، ومنهم من يستعمل الطرق المشتبهة للتدويخ التي فصلناها.

4-

الثابت يقينا أن النصارى لا يذكرون اسم الله عند الذبح، والقول الراجح المنصور عند جمهور أهل العلم أن التسمية شرط لحل ذبائح أهل الكتاب أيضاً.

وعند وجود هذه الوجوه القوية للمنع، لا يجوز لمسلم أن يأكل هذه اللحوم التي تباع في أسواق البلاد الغربية، حتى يتيقن في لحم معين أنه حصل عن طريق الذكاة الشرعية، وقد ثبت بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن الأصل في لحوم الحيوان المنع حتى يثبت خلافه، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيد الذي خالط فيه كلاب غير كلاب الصائد، وكذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصيد:

((إن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري؛ الماء قتله أو سهمك)) (1)

(1) صحيح مسلم كتاب الصيد، رقم 943، وراجع تكملة فتح الملهم: 494/3

ص: 86

وبهذا يثبت أنه إذا اجتمع في حيوان وجوه مبيحة ووجوه محرمة، فالترجيح للوجوه المحرمة، وهذا أيضاً يدل على أن الأصل في اللحوم المنع، حتى يثبت يقيناً أنه حلال ، وهذا أصل ذكره غير واحد من الفقهاء. وكذلك الحكم في اللحوم المستوردة، فإنها تتأتى فيها جميع الوجوه الأربعة المذكورة، أما الشهادات المكتوبة على العلب أو على الكرتونات أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية، فقد ثبت بكثير من البيانات أنها شهادات لا يوثق بها، وقد قامت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مشكورة ببعث مندوبيها إلى المجازر الأجنبية التي تصدر منها اللحوم إلى البلاد الإسلامية، وقد بعث هؤلاء المندوبون بتقاريرهم لما شاهدوه في تلك المجازر، ويكفينا أن نحكي هذه التقارير وما علقت عليها هيئة كبار العلماء، فإنها كافية في إثبات ما قلنا.

(1)

تقرير من الداعية الأستاذ أحمد بن صالح محايري، عن اللحوم المستوردة من البرازيل إلى المملكة العربية السعودية، نصه:

تقرير في كيفية ذبح الطيور والمواشي الواردة إلى المملكة من البرازيل: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ص: 87

معالي الرئيس العام العلامة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز المحترم حفظه الله تعالى:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد،

فتنفيذا لما جاء في رسالة سماحتكم السرية رقم 4/3442 وتاريخ 21/ 6/ 1398 هـ بشأن التحري عن كيفية ذبح الطيور والمواشي الموردة إلى المملكة، فيشرفني أن أرفع لمعاليكم ما يلي:

قمت في الفترة الواقعة ما بين 14رجب (20 حزيران) 1398 هـ إلى 30من رجب 1398 هـ في جولة بطريق البر إلى سبع مدن برازيلية، فيها شركات مصدرة للحوم والدواجن، وهذه المدن هي:

كورتيبا - وتبعد عن لوندرينا 450 كيلو مترا.

بونطا كروسا - وتبعد 210 كيلو مترا.

وكومبو كراندي - وتبعد 750 كيلو مترا.

وكويابا - وتبعد 1250 كيلو مترا.

وغويانا - وتبعد 110 كيلومترا.

وبروذينتي برودينتي - وتبعد 250 كيلو مترا.

وسان جوزيف - وتبعد 375 كيلو مترا.

ومع أنني اتصلت بكافة الشركات المصدرة للحوم في هذه المدن، واطلعت على كيفية الذبح فيها، إلا أنني أقتصر في تقريري هذا- إن شاء الله- على الكلام عن الشركات الموردة للملكة العربية السعودية، وعن ملاحظاتي واقتراحاتي على ضوء ما وصلت إليه من معلومات خلال جولتي هذه.

ص: 88

شركة برنسيسا للدجاج والدواجن:

ومكانها في مدينة بونتا كروسا بولاية بارانا في البرازيل، تقوم هذه الشركة بتربية الدواجن في مزارعها الخاصة، وتذبح ما ينوف عن 150 طن في الشهر، وتقوم بتغليفها وتصديرها إلى عدة بلدان عربية؛ كمسقط وعمان والكويت، والمملكة العربية السعودية، وذلك عن طريق شركة بتروبراز البرازيلية، وذلك ضمن أكياس نايلون وكراتين كتب عليها باللغة العربية:" ذبح على الطريقة الإسلامية " -وقد أدرجت طيه أحد الأكياس للإحاطة - ولما طلبت وزارة التجارة في بعض الدول الإسلامية من المستوردين أن يكون مع أوراق الاستيراد ما يثبت أن اللحم المورد ذبح على الطريقة الإسلامية؛ قامت الشركة المذكورة بالاتصال برئيس الجمعية الإسلامية في مدينة كورتيبا القريبة منها، والمدعو حسين العميري، واتفقت معه أن يشهد خطيا عند كل شحنة أن الذبح جرى وتم على الطريقة الإسلامية، وذلك لقاء نسبة ا % من قيمة الشحن تدفعها الشركة للمذكور لقاء شهادته هذه، (وتجدون طيه صورة لإحدى الشهادات التي يوقعها المذكور باللغتين العربية والبرتغالية) .

ص: 89

في 14 رجب 1398 هـ توجهت من لوندرينا لهذه الشركة مارا بمدينة كورتيبا، لأصطحب معي في الزيارة حسين العميري رئيس الجمعية، وفعلا وصلت إلى مقر الشركة بصحبته في مدينة بونتا كروسا، فبعد أن رحب بنا المسؤولون طلبت مشاهدة عملية الذبح، وفعلا فقد رأيت بنفسي ما يلي:

تعلق الطيور- في هذه الشركة- من أرجلها حية منكوسة الرأس على آلة متحركة تسوقها إلى مكان فيه رجل قائم بسكينة يقطع بها وريد كل دجاجة قادمة ويبالغ في السرعة ليتمكن من قطع وريد الطير الذي يليه وهكذا

ونفس الآلة تسوق الطير المعلق بعد عملية الذبح إلى مكان فيه ماء ساخن لتغمسه فيه، كي يتم نتفه وتنظيفه وتعبئته بالأكياس النايلون الآنفة الذكر، والمحظور في عملية الذبح المذكورة أنه لا يتحقق في الغالب قطع الوريدين؛ لعامل السرعة المفروضة على الذابح، كما أن الدجاج المذبوح يغمس في الماء المغلي بعد مدة وجيزة من الذبح- قد لا يكون الطير خلالها قد فارق الحياة- فيحصل أنه يموت خنقا، كما يجب التأكد من عقيدة الذابح هل هو كتابي أم وثني؟

بعد خروجنا من المسلخ عقدت اجتماعا مع مدير وأعضاء الشركة المذكورة، وبينت لهم المحاذير الشرعية التي لاحظتها في طريقة الذبح، وشرحت لهم كيفية الذبح الإسلامي، وطلبت منهم تطبيقه، وخاصة بالنسبة للكميات التي تصدر إلى البلاد الإسلامية.

ص: 90

فقال لي مدير الشركة ما يلي:

إن شركتنا على استعداد تام لتعديل عملية الذبح كي تصبح على الشريعة الإسلامية تماما، كما يمكننا إجراء تعديل آلات الذبح نفسها، وتوظيف رجل مسلم يقوم بعملية الذبح بنفسه، ولكن لا يتحقق هذا الأمر إلا بناء على طلب مسبق يبين الكمية اللازمة للتصدير، وعلى ضوئه يمكننا تعديل الأمر حسب الشريعة الإسلامية.

وبعد أن غادرنا مكتب الشركة بينت بحكمة ووضوح لرئيس الجمعية خطأه في التوقيع على أن عملية الذبح تمت على الشريعة الإسلامية، وطلبت منه الإقلاع عن ذلك الأمر بالكلية ريثما يشرف بنفسه، أو يوظف من يشرف على عملية الذبح لتكون على الطريقة الإسلامية، فوعدني خيرا، والله أعلم.

شركة ساديا أويسته للدواجن:

من أكبر الشركات العالمية للحوم البقر والدواجن، ولها ما ينوف عن عشرين فرعا في الولايات البرازيلية، وتصدر إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ولها مذابح حديثة في كل من سان باولو وكويابا، وبورت اليكري وكامبوكراندي، والريودي جنيرو، ويبلغ تصدير هذه الشركات من الطيور فقط نحو 300 طن في الشهر، وتحصل على شهادات خطية أن الذبح على الشريعة الإسلامية من بعض الجمعيات الإسلامية في سان باولو، وأشهرها: جمعية السانتومارو الإسلامية والجمعية الخيرية الإسلامية، لقاء مساعدة مالية تدفعها الشركة للجمعيتين الموقعتين.

وتختلف طريقة ذبح الدواجن في هذه الشركة الآنفة الذكر- أعني شركة برنسيسيا- أن الأولى: تذبح الطير المعلق من قدمه في الآلة المتحركة بطريقة أكثر تؤدة، مما يجعل قطع الوريدين قد يتحقق في الغالب، ولكن المحظور يبقى قائما؛ وهو أن الآلة تغمس الذبيحة في الماء الساخن المغلي قبل أن تفارق الروح، كما ليس من المؤكد في هذه الشركة أن يكون الذابح كتابيا، هذا فيما يتعلق بذبح الدواجن في هذه الشركة.

ص: 91

أما فيما يتعلق بذبح الأبقار وتصديره إلى المملكة بواسطة هذه الشركة (ساديا) فأرفع لمعاليكم ما يلي:

في يوم الأحد 0 2 رجب (25 حزيران) 1398 هـ، سافرت إلى مدينة كويابا مارا ومدينتي بروذينتي وكومبوكراندي، وفي يوم الخميس 24 رجب (29 حزيران) 1398 هـ ذهبت بصحبة رئيس الجمعية الإسلامية في مدينة كويابا- الأستاذ خالد القرعاوي مع سكرتير الجمعية الأخ فيصل فارس- لزيارة هذه الشركة.

وبعد أن عقدنا اجتماعا مع مدير الشركة المدعو أديسون جواو فرانسيكون ولفيف من المسؤولين، وبينت لهم في الاجتماع محاسن الذبح على الطريقة الإسلامية، فأخبرني مدير الشركة بأن الشركة كانت تصعق بالكهرباء الذبائح، وتقوم بسلخها بعد ذلك دون أن يخرج الدم، إلا أن الشركة اكتشفت بأن اللحوم التي تذبح بطريقة الصعق الكهربائي سريعا ما تفسد- ولو كانت في الثلاجات- وسريعا ما يتغير لونها إلى رمادي قاتم، حتى أوصى الأطباء البيطريون العاملون في الشركة بوجوب قتل الذبيحة بطريقة يخرج فيها كل الدم، فقاطعته قائلا: والدم لا يخرج من الذبيحة كلية إلا إذا مر من الوريدين بقطعهما وليس من مكان آخر، فقال: وهكذا نفعل هنا، إذ نذبح يوميا (1500) ألف وخمسمائة رأس بقر للتصدير، فطلبت منه أن أرى بنفسي طريقة الذبح،

ص: 92

فألبسونا ألبسة خاصة وأدخلونا إلى المسلخ- وهو مكان فسيح جدا- إلى أقسام، وعند المدخل يساق الثور إلى مكان ضيق، ثم يغلق عليه بطريقة لا يستطيع الخلاص، ثم يقوم أحدهم بمطرقة في يده بضرب رأس الثور ضربة غير مميتة بقصد أن يغيب الثور عن وعيه ليمكن السيطرة عليه أثناء الذبح، وفعلا يسقط الثور على الأرض وفي نفس الثانية واللحظة تتناول قدمه رافعة ترفعها أوتوماتيكيا إلى الأعلى، ورأسه منكس في الأسفل، فيأتي رجل بسكين فيشق حلق الرقبة ليصل إلى الوريد، ثم يبدل السكين بمدية أكبر ويقطع الوريد فينزل الدم بغزارة وكأنه ينزل من صنبور إلى أن يفارق الحياة، والمهم في هذه الطريقة أن تثار مسألة هذه الضربة غير المميتة قبل الذبح، أتقاس في الجواز على صيد الحيوان الشارد الآبق الذي لا يمكن السيطرة عليه؟ وهل يجوز شق جلد الرقبة قبل الذبح- أعني قبل قطع الوريدين- ثم إن الذي يباشر عملية الذبح كتابي أو وثني؟.

ولما طلبنا من مدير الشركة أن يطلعنا على كيفية حصولهم على الشهادة الخطية التي تشهد بأن الذبح تم على الطريقة الإسلامية قال: نحصل عليها من بعض الجمعيات الإسلامية في سان باولو، فقلت له: وكيف ذلك وبينكم وبين سان باولو 1800 كيلو متر؟

ص: 93

الشركة الأرجنتينية للأغنام:

أثناء وجودي في مدينة بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين مع فضيلة الشيخ صالح المزروع والدكتور أحمد باحفظ أثناء جولتنا على دول أمريكا اللاتينية؛ قمنا بزيارة الشركة الأرجنتينية للأغنام التي تصدر لحم الغنم معلبا، ومهروسا، ومقطعا؛ إلى المملكة العربية السعودية.

وفي صباح الخميس 15 ذي القعدة 1398 هـ توجهنا بصحبة وفد من المركز الإسلامي الأرجنتيني إلى مقر الشركة، وأطلعنا على كيفية ذبح الأغنام، فوجدنا أن آلة تعلق الأغنام إلى أعلى ويقوم رجل بسكين حادة ليذبح رأس الذبيحة تماما على الشريعة الإسلامية؛ لأنه يقطع الوريدين والمريء معا، إلا أن الأمر لنعته:(ذبحا شرعيا) متوقف على الذابح الكتابي هو أم لا؟ ويقوم المركز الإسلامي الأرجنتيني بتقديم شهادة خطية على أن الذبح جرى على الطريقة الإسلامية عند كل شحنة مصدرة- وطيه تجدون نموذجا من الشهادات التي يصدرها المركز المذكور، أدرجها طيه للتكرم بالإحاطة.

الشركة الدانماركية للحوم:

وهذه الشركة الدانماركية بأوروبا وليست في البرازيل، ولكن إتماما للفائدة أدرج طيه قصاصة من مجلة (الوطن العربي) التي تصدر عن الجالية العربية في فرنسا (باريس) باللغة العربية، وتجدون في القصاصة مقابلة أجرتها الصحيفة مع أحد العمال العرب في الدانمارك المدعو محمد الأبيض المغربي الذي يعمل في مصنع لتعليب اللحوم، فيقول عن اللحوم والدواجن المصدرة إلى البلاد العربية: إنهم يكتبون عليها ذبحت على الطريقة الإسلامية، وهذا غير صحيح لأن القتل يتم كهربائيا في كل الحالات.

ص: 94

سماحة الرئيس العام:

بعد أن عرضت على معاليكم صورة من عملية الذبح في البرازيل يشرفني أن أرفع أن المركز الإسلامي في برازيليا الذي تم تأسيسه بعضوية السفراء العرب والمسلمين، والذي ليس له حتى الآن منفذ معتمد أو مدير دائم، هذا المركز الإسلامي الذي بنى مدرسة للمسلمين في برازيليا، وسرعان ما أغلقها ثم سلمها دون قيد أو شرط لبعض البرازيليين، ليفتحوها مدرسة برازيلية- نعم برازيلية المنهج والإدارة- وذلك لفشله في اتخاذ ولو قرار واحد فيما يتعلق بالمسلمين بالمنطقة، هذا المركز الإسلامي قد اتخذ قرارا ليشرف بنفسه على عملية الذبح، وهذه خطوة لو تحققت فإنها جيدة، ولكن كيف يشرف وبينه وبين أماكن الذبح مئات الأميال، وليس عنده موظفون ليستخدمهم في هذا؟.

لذا فأقترح أن يصلكم عن طريق وزارة التجارة السعودية أسماء الشركات الموردة للحوم وعناوينها وأسماء المستوردين، وذلك لتعميد مبعوثكم للدعوة في تلك البلاد بزيارة الشركات الموردة، لدراسة إمكانية ترشيح مسلم مقيم في تلك المدينة مستعد، ليذبح بنفسه أو تحت إشرافه لقاء جعل يكفيه للتفرغ لهذا، على أن تدفع هذا الجعل الشركة نفسها أو المورد، وفي هذه الحالة يشهد مبعوثكم وتحت مسؤوليته أن الذبح قد تم بمعرفته وإشراف (فلان) الذي اعتمد للتفرغ والإقامة في مكان الذبح، وبذلك تتوحد الجهود المبذولة، وتصبح الرئاسة هي المعتمدة إن شاء الله للإشراف على جميع أعمال الذبح، علما بأن العدو الإسرائيلي يرسل دوريا مبعوثين من قبله- يهودا- إلى البلاد الموردة للحوم؛ ليذبحوا بأنفسهم ويقيموا بصورة دائمة في أماكن الذبح بأجر يتقاضونه من الشركة الموردة، وقد وصلت مجموعات منهم إلى سان باولو والريودي جنيرو وكورتيبا وبعض المدن البرازيلية الأخرى لهذا الغرض، كما يوجد في الأرجنتين عناصر يهودية مقيمة لهذا الغرض تتقاضى رواتبها من الشركات الموردة. والله أعلم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والله ولي التوفيق.

تلميذكم الداعية

أحمد صالح محايري

ص: 95

يتلخص التقرير فيما يلي:

طريقة شركة برنسيسا في ذبح الدجاج:

ا- يعلق الدجاج من أرجله بآلة تسير به إلى رجل بيده سكين يقطع به رقابها بسرعة بالغة، وتمشي بها الآلة إلى ماء ساخن تغمس فيه، لينتف ريشها، وتنظف ثم تعد للتصدير.

2-

قد يقطع أحد الوريدين دون الآخر، وقد يغمس الدجاج في الماء الساخن قبل انتهاء موته لزيادة سرعة الذابح وسرعة سير الآلة.

3-

أشك في الذابح هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد.

4-

يكتب على الغلاف "ذبح على الطريقة الإسلامية"، ويصدق على

ذلك من لم يشاهد الذبح بنفسه ولا بنائب عنه، ويأخذ على ذلك أجرة، وذلك بناء على طلب وزارة التجارة من المستوردين كتابة ما يثبت أن الذبح إسلامي.

5-

طلبت من مدير الشركة تعديل طريقة الذبح حتى يكون إسلاميا، فوافق على شرط أن نبين له الكمية اللازمة أولا.

طريقة الذبح في شركة ساديا أويسته:

ا- طريقتها في ذبح الدجاج كطريقة الشركة السابقة؛ في تعليقها من أرجلها وغمسها بسرعة بماء ساخن يغلي قبل انتهاء حياتها، وكتابة "ذبح على الطريقة الإسلامية" ، والتصديق عليها من جمعيتين إسلاميتين بأجرة، إلا أن الذبح بتؤدة بشق الجلد أولا ثم قطع الوريدين غالبا، وهل الذابح كتابي أو وثني؟.

2-

أما الأبقار فكانت أولا تصعق بكهرباء، ثم تسلخ دون أن يخرج منها دم، ولما بين لهم الأطباء ما في بقاء الدم من الخطر؛ صاروا يضربونها ضربة غير مميتة بمطرقة في رأسها، فإذا سقطت علقت من أرجلها بآلة رافعة، ثم يشق جلد الرقبة، ثم يقطع الوريد بسكين آخر، وينزل الدم بغزارة إلى أن يفارق الحياة، أما حال الذابح والشاهد ، فكما مضى في ذبح الدجاج.

ص: 96

طريقة الشركة الأرجنتينية في ذبح الأغنام:

ا- هناك آلة ترفع الأغنام إلى أعلى، ويقطع رجل الوريدين والمريء بسكين على الطريقة الإسلامية.

2-

يكتب الشهادة المركز الإسلامي الأرجنتيني.

3-

لم يعرف حال الذابح.

طريقة الشركة الدانماركية للحوم:

يقول محمد الأبيض- الذي يعيش في الدانمارك، ويعمل في مصنع لتعليب اللحوم-: إنهم يصعقون الأغنام بالكهرباء على كل حال ويكتبون على صناديقها: مذبوحة على الطريقة الشرعية.

أقترح إرسال من يذبح ذبحا شرعيا، أو يشرف على الذبح، فإن اليهود يفعلون ذلك محافظة على موافقة الذبح لما يرونه، ونحن أولى بذلك.

تقرير من الشيخ عبد الله بن علي الغضية مرشد الرئاسة بالقصيم عن اللحوم المستوردة من لندن وفرنسا، نصه:

"أما عن موضوع الدجاج المستورد وذبحه، فقد حاولت في لندن التعرف على طريقة الذبح؛ فاتصلت بمدير شركة مكائن الذبح متظاهرا أني أريد إقامة مصنع ذبح في المملكة، فأعطاني كتلوجا مصورا عن المصنع الذي تنتجه شركته، فلما قام يشرح لي كيفية العملية قلت له: إن الدجاجة ظهرت لجهاز التغليف دون قطع رأسها، فسألني مستفهما: ولماذا قطع الرأس، فقلت: إننا في الشرق الأوسط لا نأكل رؤوس الطيور. وأرفق لسماحتكم صورة فوتوغرافية للمصنع وفيه أولا: تقف السيارة عند باب المصنع كما يتضح لكم في الرسم المترجم، ثم ينزل الدجاج منها فيعلق بأرجله، ثم يمر بآلة مستديرة تنفتح من النصف، فيدخل به رأس الدجاجة مكتوب عليه الذبح بطريقة التدويخ، لأنه يضرب رأس الدجاجة هواء شديد الانفجار، فتصبح الدجاجة بعد لا تسمع ولا ترى، وتنتظر الموت بعد لحظات، ثم تمر بجهاز آخر يقطر فيه إن ظهر منها سائل دم أو غيره، بعده تمر على جهاز يعمل بالبخار أو الماء الحار جدا وفيه تموت إن كان بها حياة، وتخرج منه لأجهزة النتف والتنظيف إلى أن تخرج لأكياس النايلون، ثم للكرتون الذي كتب عليه باللغة العربية: ذبح على الطريقة الإسلامية.

ص: 97

وهذا المصنع صغير وينتج في الساعة ألفي دجاجة، ويقول من سألت: إن في فرنسا نفس الطريقة، إلا أنهم يزيدون أن الدجاج إذا اكتمل نموه فإنهم يضعونه في مستودعات شديدة البرودة، ويسحب منها حسب طلب الأسواق، وبالطبع تخرج الدجاجة من هذه المستودعات ميتة، ثم توضع في برك حارة استعدادا للنتف والتصدير، وهذا لم أره إنما ذكره بعض من سافر لفرنسا وأمريكا، وأتمنى لو انتدب أحد لغرض الاطلاع ونقل الحقيقة. وباطلاع سماحتكم على صور المصنع يتضح لكم منه ما ذكرت. أسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يصلحهم حكاما ومحكومين، والله يحفظكم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ".

ثم نشرت له مجلة الدعوة السعودية مقالا في عددها 676 بتاريخ 27من ذي الحجة 1398 هـ تحت عنوان: "معلومات عن الدجاج المستورد" جاء فيه نصه:

"إن من يلقي نظرة على أسواقنا وبقَّالاتنا يجد بها أعدادا كبيرة جدا من الدجاج المستورد والمذبوح خارج بلادنا، والذي لا يصل إلينا إلا بعد مدة طويلة من ذبحه، ويكتب على ظروفه: ذبح على الطريقة الإسلامية، فهل يا ترى إذا كتبت هذه العبارة يحل أن نأكل بموجبها دون تحر وتقص؟ أو أن المسلم مأمور بالابتعاد عن المتشابهات، لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله: " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه ".الحديث.

وأنا إذ أكتب هذا المقال اطلعت على ما نشر في مجلة المجتمع بعددها 414في 1/ 11/ 1398 هـ ص 20بعنوان حول شرعية ذبح الدجاج في الدانمارك، والذي وجهته جمعية الشباب المسلم، وخلاصته أن الدجاج هناك لا يذبح على الطريقة الإسلامية المشروعة، ولا يحل لمسلم أن يأكله، ولو كتب على الكرتون:"ذبح على الطريقة الإسلامية" ومن المعلوم أن الدجاج، يذبح هناك بالآلاف، فأنا أقدم صورة مصنع لذبح الدجاج وهو من أصغر المصانع الأوروبية، وينتج في الساعة الواحدة ألفي دجاجة.

ص: 98

قصة وصول صورة المصنع إليّ:

كنت في لندن في أول هذا العام، وحرصت على أن أرى مصنعا من مصانع ذبح الدجاج، فاتفقت مع شركة إنجليزية لتطلعني على ما أردت، ودفعت رسم زيارة المصنع مبلغ مائة وخمسين جنيها، واصطحبت المترجم وتركنا لندن إلى إحدى ضواحيها التي تبعد مسافة قطعتها السيارة بساعة، فلما وصلنا هناك فوجئت بأنني خدعت؛ إذ لم أر ما أريد، لأنني متظاهر أنني تاجر سعودي لدي مؤسسة في السعودية، وأرغب إقامة مشروع دواجن، وأريد مصنعا أوتوماتيكيا لذبح وتعليب الدجاج. ومما يظهر أنهم لا يرغبون أن يطلع على ذبحهم أحد، كما حصل للشبيبة المسلمة في الدانمارك، فقد حاولوا عدة مرات الاطلاع على طريقة الذبح، فلم يسمح لهم بذلك، ولو كان موافقا للطريقة الإسلامية- كما يقولون- لاطلعوا عليها، المهم أننا دخلنا محلا صغيرا به حوالي عشرة عمال من المسلمين الباكستانيين يذبحون بأيديهم بالطريقة المعروفة لدينا هنا، يضعون الدجاج في ماء حار، وبعد ذلك ينتف بواسطة النتافة المعروفة والتي هي عبارة عن دائرة تدار بالكهرباء ولها أصابع من الكاوتشوك لينة تضرب الدجاج بقوة فتنزع الريش منه، وهي معروفة وموجودة عندنا في المملكة، فبعد ذلك عرفت أن هؤلاء يتبعون لتاجر باكستاني مسلم غيور على إسلامه، التقيت به في محله وفي المركز الإسلامي بلندن، وهو يذبح الدجاج والأغنام للمسلمين في لندن ويبيعها عليهم، وكنا نشتري منه.

ص: 99

فقلت للمترجم: هذا موجود عندنا الذبح باليد والنتف بالآلة، فرد الإنجليزي الخبيث: أنا عرفت أنه مسلم من السعودية، ولا يصلح أن يقيم في بلده مصنعا يذبح الدجاج فيه كالذي عندنا في أوروبا، فقوانين بلاده لا تسمح بمثل هذا.. فقلت: أنا رغبتي بمشاهدة المصنع الأوتوماتيكي ولا دخل له فيما أريد. فقال: حسنا، إذن ترتب له زيارة ثانية لأحد مصانع الدجاج الأوتوماتيكية- وكان هذا الكلام قبل سفري راجعا إلى المملكة بيومين- فقلت: إني مسافر وقد انتهى وقتي، حيث أمضيت شهرا، ولكني أرغب (بكتالوج) المصنع الأوتوماتيكي لأطلع عليه وأدرسه، فسلمني كتلوجا من حقيبة كانت معه، وقال: هذا المصنع صغير يكفيه من الكهرباء كذا، ومن الأرض كذا، والعمال والماء كذا، وهو ينتج بالساعة ألفي دجاجة مذبوحة مغلفة، فأخذته- وأرفق صورة منه للاطلاع، وقد طبعت منه خمسة عشر ألف نسخة.

نبذة عن المصنع:

أ- تحضر السيارة الدجاج من الحظائر التي ربما مات بعضه فيها قبل أن ينزل أو نتيجة للبرد أو التحميل أو التنزيل، ومعروف سرعة موت الدجاج.

2-

كما يتضح من الصورة تعلق الدجاجة برجليها، ثم يحيط بها حزام متحرك فوق الرأس، فتذهب بطريقة آلية، حيث تمر بجهاز كتب تحته بطريقة التدويخ.

3-

هناك حوض يستقبل السوائل من الدجاج إن خرج منها شيء.

4-

وهو بيت القصيد، مغطس ضخم كتب عليه: جهاز محرق جدا، يعمل بالبخار أو بالماء الحار، فتغطس فيه الدجاجة المسكينة لتفقد فيه آخر رمق من الحياة، ثم بعد ذلك تخرج منه جثة هامدة بعد أن تعرضت للخنق والوقذ والتردي، والله تعالى قد قال:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ}

ص: 100

وهذا الدجاج قد تعرض لشيء مما ذكر، ثم بعد نتفه وتنظيفه من الرأس يغلف بكراتين كتب عليها (ذبح على الطريقة الإسلامية) وتلاحظ قارئي العزيز أن الدجاجة دخلت المذبح وخرجت منه ميتة، منتوفة الريش منظفة الأحشاء مقطعة الأرجل، إلا أن رأسها قد صحبها منذ خلقها الله، ولا يقطع منه إلا إذا كانت سوف تصدر للشرق الأوسط، وقد سألت الإنجليزي لما خرجت من المذبح ورأسها موجودة فيها، فقال لي: أما رأيت أن الطيور عندنا والذبائح رؤوسها موجودة لا تقطع، وفعلا رأيت الطيور والذبائح رؤوسها معلقة فيها، وهي معروضة للبيع دون أن ترى في رقابها أثرا للذبح، وهذا يشاهده كل من زار لندن أو غيرها من البلاد الأوروبية، إذ أنهم يعتبرون الذكاة الشرعية الإسلامية طريقة وحشية لا يقرها القانون، كما أنهم لا يتركون الحيوان ينزف دمه مدعين أنه يفقد وزنه، وهذا يلاحظ في الدجاج المستورد منتفخة، أما ما تذبحه أنت فتراه ينقص ويقل وزنه، وهم لا يريدون ذلك بل يريدون الوزن الكثير للحصول على الربح الوفير.

وبعد، فماذا يرى علماؤنا الأجلاء؟ أصحاب الفضيلة العلماء، قد كتبت للمعنيين منكم تقريرا مفصلا إثر عودتي من لندن عن كل ما رأيت، وأهم ذلك الدجاج، وقلت: إنه لا ينبغي للعالم أن يسكت عن مثل هذه المواضيع الهامة؛ كالمطعم والمشرب الذي يرد معظمه من بلاد كافرة، وطلبت أن ينتدب أناس للوقوف على الحقيقة، وأن لا يكتفى بقول التجار ولا الشركات الموردة بأنه ذبح على الطريقة الإسلامية، ثم بعد ذلك يبين للناس هل يأكلون أم لا..؟

ص: 101

وأن لا يكتفى بقول الله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، فالشريعة بينت معنى ذلك، فالميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة إذا لم تدرك فيها الحياة وتذكى ويذكر اسم الله عليها؛ فهي حرام ولو كانت عند المسلم وفي بلد إسلامي، فكيف بالذبائح والدجاج يتعرض لبعض هذه الأمور في بلاد كافرة، وعند أناس كفار قد فارقوا دينهم وارتدوا عن البقية الباقية منه، فبعضهم دهري والآخر علماني، ومعظم شبابهم قد اعتنق الشيوعية، فمع هذه المصائب كلها لا يذبحون على الطريقة الإسلامية، ولا يذكرون اسم الله، ومعلوم أن المسلم لو ذبح على غير الطريقة الإسلامية بأن خنق أو وقذ ذبيحته فهي لا تحل وإن ذكر اسم الله، فذكر اسم الله لابد أن يقترن مع التذكية الشرعية، وقد نشرت مجلة (المجتمع) عن ذلك أكثر من مرة، آخر ذلك ما جاء في عددها 414 في 1 ذي القعدة سنة 1398 هـ، حيث نشرت نداء جمعية الشباب المسلم بالدانمارك خلاصته أن الدجاج الدانماركي يذبح على غير الشريعة الإسلامية، وأنه لا يحل أكله والحالة هذه.

ص: 102

تقرير من مبعوث الرئاسة في اليونان للدعوة الأستاذ جمال بن حافظ إدريس اليوناني، نصه:

" بسم الله الرحمن الرحيم

من جمال بن حافظ إدريس المبعوث في اليونان

إلى سماحة صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وفقه الله في الدارين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلتني رسالتكم الكريمة تطلبون بيان الطريقة التي تذبح بها الحيوانات، قد زرت بعض الأماكن المشهورة في اليونان فرأيت ما يلي: الأول: فيها مكان تذبح الحيوانات فيه كما نذبح نحن المسلمين، تذبح بعد خروج دمائها ثم تسلخ وتقطع.

والثاني: الحيوان إذا كان كبيرا يضرب من رأسه بآلة كمسدس، فيسقط ويذبح قبل مماته، وهذا القبيل أو الأصول مشكوك أن روح المذبوح بهذه الطريقة تخرج قبل خروج دمه، أما الطيور: فيتم نتف ريشها قبل ذبحها، فتذبح بالآلات الأوتوماتيكية.

أخبرني أحد الأطباء أننا إذا أردنا أن نعرف ما إذا كان الذبح على الطريقة الشرعية فننظر إلى عظام ذلك الحيوان في أثناء التناول، فإذا كان يميل لون العظام إلى البياض، فهذا أكبر دليل على أن دم هذا الحيوان قد خرج بالكامل، أي ذبح بالطريقة الشرعية، وإذا كان يميل اللون إلى السواد، فهذا دليل على أن الحيوان لم يذبح بالطريقة الشرعية.

والأماكن التي زرتها هي في اليونان فقط بناء على عدم توضيح في رسالتكم المباركة الأماكن خارج اليونان، ولم أفهم هل أردتم أماكن اليونان فقط أم خارج اليونان أيضا، فنرجو التوضيح من سيادتكم، إنني مستعد أن أزور أماكن كثيرة إذا أردتم ذلك، أطال الله عمركم ويوفقنا إلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابنكم المخلص جمال بن إدريس اليوناني"

ص: 103

خلاصته

إن للذبح حالتين:

الأولى: على الطريقة الإسلامية.

الثانية: أن يضرب الحيوان الكبير في رأسه بمسدس فيسقط ويذبح، وفي هذه الطريقة شك في كون التذكية حصلت والحيوان حي أو بعد موته.

ورد تقرير من الشيخ صهيب حسن عبد الغفار مبعوث الرئاسة في لندن، نصه:

" بسم الله الرحمن الرحيم

استفتاء

أرجو من مجلس أعضاء لجنة الفتوى الموقر التابعة لرئاسة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد إصدار الفتوى الشرعية في اللحوم المستوردة من الخارج، وذلك بعد النظر في طريقة ذبح الحيوانات في المجازر الغربية حسبما جاء في مشاهداتي الشخصية، وما ذكر في التقرير المرفق الذي نشرته مجلة (المجتمع) الكويتية في عددها رقم 414 بتاريخ أول ذي القعدة 1398 هـ، وما يترتب على هذه الطريقة من آثار سيئة حسب تحقيق بعض الأطباء المسلمين في بريطانيا.

ص: 104

(أ) طريقة الذبح في مذابح بريطانيا خاصة:

أولا: الخرفان والأبقار:

يؤتى بالخروف والبقر إلى مكان مخصوص، حيث يقوم رجل بإيصاله صدمة كهربائية بواسطة آلة أشبه بالمقص توضع على مقدم رأسه، مما يجعل الحيوان يفقد حواسه ويسقط على الأرض، وهناك طريقة أخرى لاتزال تتبع في كثير من الأمكنة، وهي ضرب الحيوان بمطرقة حديدية على الرأس، يسقط الحيوان مغشيا عليه، ثم يعلق رأسا على عقب برافعة، ويدفع إلى الجزار، فإذا كان الجزار مسلما- وذلك في مجازر معينة تستأجر للجزارين المسلمين لذبح كمية محدودة للاستهلاك المحلي للسكان المسلمين فقط- قام بذبح الحيوان المعلق بسكين حاد على الطريقة المألوفة لدى المسلمين، فيخرج منه الدم، وينتقل بعد ذلك إلى المرحلة التالية من السلخ والقطع، وأما إذا كان الجزار غير مسلم؛ قام بغرز السكين داخل الحلق من الطرف، ثم أخرجه بقوة إلى الخارج، مما يقطع بعض أوداجه ليسيل منه الدم.

ص: 105

ثانيا: الدجاج:

أما الدجاج فإنما يتم تخديره بصدمة كهربائية أيضا، ولكن على قاعدة الغسيل بالماء الذي يمر به التيار الكهربائي، ثم يجرح رقبته بسكين حاد أتوماتيكيا ليخرج منه الدم، إلى أن تتم المراحل الباقية من النتف والتصفية ليكون جاهزا للتصدير.

(ب) الآثار التي تترتب على هذه الطريقة:

إن المجازر الغربية اتخذت الطرق المذكورة للذبح رحمة بالحيوانات حسب ادعاء جمعيات الرفق بالحيوانات، ولكن من البديهي أن الغربيين اختاروا هذه الطرق للحصول على أكبر كمية من اللحم في مدة قصيرة، أو بعبارة أخرى لأجل تحقيق مكاسب تجارية على مستوى واسع، وقد قام عدد من الأطباء المسلمين بإجراء تحقيق كامل في مثل هذه اللحوم، ووصلوا إلى النتائج التالية- كما ورد في كتاب الدكتور غلام مصطفى خان رئيس جمعية أطباء المسلمين في بريطانيا وتقرير الدكتور محمد نسيم رئيس وقف المسجد الجامع في مدينة برمنجهام-:

أولا: تخدير الحيوان قبل الذبح يسبب فتورا لدى الحيوان وانكماشا في قلبه، فلا يخرج منه الدم عند الذبح بالكمية التي تخرج عادة، ومن المشاهد أن طعم اللحم الذي خرج منه الدم كاملا غير طعم الحيوان الذي بقيت فيه كمية من الدم، وأخبرني أحد المشرفين على مجزرة إسلامية كبرى في برمنجهام أن من الإنجليز من يفضل الحيوان المذبوح بالطريقة الإسلامية للأكل، وذلك لأجل طعمه المتميز عن بقية اللحوم.

ثانيا: أن الصدمة الكهربائية لا تؤدي مقصودها في جميع الأحوال، فإذا كانت الصدمة مثلا خفيفة بالنسبة لضخامة الحيوان؛ بقي مفلوجا بدون أن يفقد الحواس ويشعر بالألم مرتين، الأولى: بالصدمة الكهربائية أو بضربة المسدس، والثانية: عند الذبح، أما إذا كانت الصدمة الكهربائية شديدة لا يتحملها الحيوان أدت إلى موته بتوقف القلب، فيصير ميتة لا يجوز أكله بحال من الأحوال.

ص: 106

ثالثا: أن الطريقة المتبعة لدى المسلمين أرحم بالحيوانات، وذلك لأن الذبح يتم بسكين حاد وبسرعة فائقة، ومن الثابت أن الشعور بالألم ناتج عن تأثير الأعصاب الخاصة بالألم تحت الجلد، وكلما كان الذبح بالطريقة المذكورة خف الشعور بالألم أيضا، ومن المعروف أن قلب الحيوان الذي لم يفقد حسه أكثر مساعدة على إخراج الدم- كما مر آنفاً-.

خُلاصة:

1-

صعق الأبقار بكهرباء أو بضرب رأسها بمطرقة.

2-

استئجار مسلم لذبح كمية منها ذبحا شرعيا لاستهلاك المسلمين المحلي.

3-

أما الجزار غير المسلم فيغرز طرف السكين في الحلق لإخراج الدم بقطع الأوداج.

4-

أما الدجاج فيخدر بتيار كهربائي، ثم تجرح رقبته بسكين حاد أوتوماتيكيا ليخرج الدم.

الآثار السيئة المترتبة على ذلك:

ا- تخدير الحيوان قبل الذبح يحدث ضعفا وانكماشا في قلبه، ولذا لا تخرج كمية كثيرة من دمه، وينشأ عن ذلك ضعف تغذيته والتلذذ بطعمه.

2-

الصدمة الكهربائية إن كانت خفيفة تألم منها الحيوان وتألم من الذبح، وإن كانت قوية مات منها الحيوان قبل ذبحه لوقوف قلبه.

3-

دعوى أن التخدير أو الصعق فيه راحة للحيوان ليست صحيحة، وإنما القصد ذبح الكثير في زمن قليل رغبة في زيادة الكسب.

ص: 107

تقرير من الشيخ عبد القادر الأرناؤوط المبعوث

من الرئاسة إلى يوغسلافيا للدعوة، نصه:

" بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد القادر الأرناؤوط إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله من كل سوء، ووقاه من كل مكروه، ووفقه لما فيه خير الدنيا والآخرة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من عند الله مباركة طيبة، وبعد،

فإني أرجو الله عز وجل أن تكونوا بخير وعافية يا سماحة الشيخ، وإني أرسل لكم هذه الرسالة من يوغسلافيا جوابا على رسالتكم الكريمة التي أرسلت إلي من قِبَلكم بتاريخ 21/ 6/ 1398 هـ. وإني قد درست موضوع اللحوم في يوغسلافيا، وإني أكتب لكم خلاصة ما توصلت إليه في هذا:

أما في القرى فإنهم يذبحون الحيوانات من الغنم والبقر والماعز ذبحا شرعيا بأيديهم وفي أمكنة خاصة، والذين يذبحون من المسلمين، وأما في المدن؛ ففي مدينة (سيراجيفو) Sarajevo التي هي عاصمة البوسنة والهرسك، وتسمى عندهم جمهورية إسلامية، فكذلك يذبح بها المسلمون لكن بطرق حديثة: يأتون بالبقر ويضربون البقرة بين عينيها بآلة كهربائية ضرباً خفيفاً كي تقع على الأرض، ثم يدخلونها وهي على قيد الحياة تحت المقصلة- وهي آلة حادة- فيقطعون رأسها ويسيل منها الدم، ثم يدخلونها ضمن آلات تخرج معبأة ضمن علب الكونسردة، فهذه أيضا لا شبهة فيها، ويكتب عليها:(صنع سيراجيفو) ، وفي غيرها من المدن ربما يكون الذابح غير مسلم، ولكن قد يكون كتابيا، وقد يكون شيوعيا، ولكن حسبما ظهر لي أن أكثر الذين يدعون أنهم شيوعيون إنما هم بالاسم لمصلحة خاصة أو منفعة مادية، والشيوعي الحزبي لا يقوم بمثل هذه الأعمال، وهم كأنهم توافقوا بأن الحيوان إذا ضرب على رأسه مثلا وقتل بهذه الضربة وبقي دمه في جسمه ولم يسفح؛ إن اللحم يفسد ويكون ضررا على آكله، إلا أنهم قد يذبحون بنفس الآلات الخنازير ثها يذبحون بعدها مثلا البقرة، وهذا هو المحظور في هذه المسألة، وهذه لم أستطع أن أتحقق منها، وقد قال لي بعضهم: يذبحون الخنازير بمحلات خاصة، والبقر في محلات خاصة، وعند ذلك يزول الإشكال.

ص: 108

وعلى كل فالأحسن أن يؤخذ من علب الكونسردة التي تصنع في (سيراجيفو) المسلمة، أما الحيوانات التي ترسل إلى البلاد الخارجية من الغنم مثلا والبقر فإنها تذبح- كما ذكرت لكم- في القرى ذبحا شرعيا، وبأيدي المسلمين، وكذلك في مدينة سيراجيفو المسلمة بأيدي المسلمين ذبحا شرعيا، وفي غيرها من المدن: الذين يذبحون إما من المسلمين وإما من النصارى الكاثوليك ، وقليل ما هم من الشيوعيين أرباب المصالح الخاصة والأشياء المادية، فشيوعيتهم ليست دينا، وإنما هي مصلحة ووظيفة، وكما ذكرت لكم: الشيوعي المادي الملحد الحزبي على الغالب لا يقوم بمثل هذه الأعمال الخسيسة في نظرهم، وعلى كل تذبح وتقطع رؤوسها ويخرج منها الدم المسفوح، وترسل إلى البلاد العربية، وكثيرا ما يراعون الذبح إذا كان للسفر إلى خارج بلادهم.

وأرجو دعواتكم الصالحة، وإني أسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم وأن ينصر الحق وأهله، وأن يعيننا على أداء مهمتنا على أحسن وجه، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أخوكم

عبد القادر الأرناؤوط- يوغسلافيا- استوغ "

ص: 109

خلاصته:

1-

يذبح أهل القرى الأغنام ذبحا شرعيا بأيديهم في أماكن خاصة، والذابح مسلم.

2-

في مدينة (سيراجيفو) عاصمة البوسنة والهرسك يذبح فيها المسلمون الأنعام كذلك بالطريقة الشرعية، غير أنهم يضربونها بآلة كهربائية ضربا خفيفا لتقع على الأرض، ثم يدخلونها وهي حية تحت المقصلة، ويقطع رأسها ويسيل منها الدم، ثم تعلب ويكتب على الشحنة سيراجيفو.

3-

في غير هذه المدينة من المدن قد يكون الذابح غير مسلم؛ كتابيا أو شيوعيا بالاسم لا بالحقيقة من أجل الوظيفة أو المصلحة.

4-

أما الحيوانات التي ترسل إلى البلاد الخارجية، فإنها تذبح كما ذكرت لكم في القرى ذبحا شرعيا بأيدي المسلمين.

5-

قد يكون ذبح الأنعام بالآلة التي تذبح بها الخنازير.

6-

النصح بالاقتصار على شراء علب اللحوم التي ذبحت في سيراجيفو لما تقدم.

ص: 110

ونشرت مجلة (الدعوة) بالرياض مقالا للدكتور محمود الطباع بأبها في عددها 673 بتاريخ 21 من ذي القعدة 1398 هـ تحت عنوان "لئلا نأكل حراما "جاء فيه ما نصه:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

قرأت في مجلة (الدعوة) العدد 667 تاريخ 9 شوال 1398 هـ المقال الذي كتبه عبد الرحمن المحمد الإسماعيل- جزاه الله خيرا- بعنوان "لئلا نأكل حراما"، وأرغب أن أوضح ما يلي:

أنا الدكتور محمود الطباع طبيب بيطري، درست في ألمانيا الغربية،وفي بدء دراستي تعرضت مع إخوتي المسلمين لمشكلة اللحوم المذبوحة، وهل يجوز الأكل منها؟ ولنتأكد من طريقة الذبح ذهبت مع عدد من الإخوان لزيارة المسلخ في مدينة هانوفر، فشاهدنا الجزارين يحضرون قطيعا من الأبقار يطلقون على رأسها من مسدس خاص، وبعد أن وقعت جميعها على الأرض بدون حراك أخذ العمال استراحة يأكلون فيها ما يقارب الثلث ساعة، ثم قاموا وعلقوا الأرجل الخلفية في الرافعات المتحركة وقطعوا الرأس، ثم نزعوا الجلد وشقوا البقرة إلى نصفين وغسلوها بالماء بعد إخراج الأعضاء والأمعاء، فكانت مياه الغسيل بلون الدم، وقبل أن ينتهي العمال من فترة الاستراحة يبدؤون بقطع رأس الأبقار، تأكدنا أن جميع الأبقار كانت ميتة ولا يحل أكلها في ديننا الحنيف، وقد نبهنا على الطلبة المسلمين وشرحنا لهم ما شاهدنا- ولكن مع الأسف الشديد- فقد كان أغلبهم لا يتوانون عن أكل لحم الخنزير، فكيف بلحم الميتة....

الدكتور محمود الطباع

أبها- المديرية العامة للشؤون البلدية والقروية بالجنوب- صحة البيئة"

خلاصته:

أنه شاهد الجزارين في ألمانيا الغربية يطلقون المسدس على رأس الأبقار، ثم يستريحون، ثم يقطعون رؤوسها بعد ألا يكون بها حراك، وأكد أنها ما ذبحت إلا بعد أن صارت ميتة.

ص: 111

ونشرت مجلة (المجتمع) الكويتية (1) مقالا عن جمعية الشباب المسلم بالدانمارك، تحت عنوان "حول شرعية ذبح الدجاج في الدانمارك " جاء فيه ما نصه:

"نظرا للاستفسارات العديدة التي وردت إلى جمعيتنا من المسلمين المقيمين في الدول الغربية للتأكد من كيفية ذبح اللحوم والدجاج المصدر من الدانمارك، لذلك فقد انتهينا بعد بحث هذا الأمر والتحقق منه في دائرة الدانمارك إلى عدة نتائج، نوردها فيما يلي:

لقد علمنا من مصادر رسمية أن الفئة القاديانية بالدانمارك قامت منذ تأسيسها عام 1967 م بتمثيل المسلمين والإسلام في هذه البلاد، فكانت تصادق على شهادات تصدير اللحوم والدجاج إلى الدول الإسلامية، وهي تتقاضى مقابل ذلك من الشركات المصدرة رسوما مقابل هذا التصديق، وعلمنا كذلك أن السفارات الإسلامية هنا كغيرها من السفارات في العالم؛ لا تمثل الإسلام من قريب أو بعيد، بل تمثل الحكام الذين يرفعون ويخفضون، فضلا عن حرص هذه السفارات البالغ على اتباع السنن الدبلوماسية في حفلاتها وسهراتها، هذا إذا استثنينا- خشية التعميم- بعض الأفراد القلائل العاملين في هذه السفارات، والذين هداهم الله إلى التمسك بالدين بعيدا عن المؤثرات المهنية.. وهم قلة.

(1) الصادرة يوم الثلاثاء الموافق 1من ذي القعدة سنة 1398 هـ، عدد 414 من السنة التاسعة

ص: 112

وعلمنا كذلك من خلال الأعوام الماضية أن بعض هذه الشركات يتحايل لكي يبيع الدجاج الدانماركي للدول الإسلامية، ومن صور هذا التحايل تشغيل تسجيل عليه أشرطة القرآن الكريم داخل المجازر ظنا منهم أن مثل هذه الطقوس تحل لنا أكل اللحوم.. كما يقوم بعضهم- ذرا للرماد في العيون- بتعيين عامل مسلم أو أكثر في المصنع يقوم بمهام عادية ليس له علاقة بالذبح، وحتى لو قام بالذبح فلا يعقل أن يتمكن من ذبح الآلاف من الدجاج المنتج كل يوم، بل قل كل ساعة.. وقد كانت ليبيا من أول الدول التي اكتشفت هذه المهزلة في الدانمارك وخارج الدانمارك، فقررت منع استيراد اللحوم والدجاج من أوروبا بالمرة.. والله أعلم إن كان هذا المنع مازال ساري المفعول أم لا..

أما من جانب المستهلك- المسلم- فخلال الأعوام العشرة الماضية كانت مشكلة الدجاج المستورد من أوروبا لا تكاد تشغل بال السواد الأعظم من المسلمين لصغر حجمها بالقياس إلى المصائب والمؤامرات التي كانت ومازالت تحاك ضد الإسلام والمسلمين، ولكن كان من بينهم من يحاول ترويج هذه الذبائح بحجة أنها من طعام أهل الكتاب، ونحن لا نقر هذا الرأي لأنه يكفي أن ننظر من حولنا لنجد الزنا والعري والخمر والميسر والشذوذ الجنسي وقطع الأرحام وعقوق الوالدين والربا

وغيرها من الموبقات والكبائر مباحة بنص القانون في التشريعات المحلية الوضعية، فلا مجال هنا لتسميتهم بأهل الكتاب بحال من الأحوال، بل هم أقرب إلى الشيوعيين والوثنيين منهم إلى النصارى.

واليوم.. كنتيجة طبيعية للغموض المكثف لهذه الأمور، ولشعورنا بمسؤولية التحقق من هذا الأمر؛ قامت جمعيتنا بتوجيه خطاب إلى جميع المجازر الدانماركية التي تقوم بتصدير الدجاج إلى الخارج.. وعددها 35 مجزرة للدجاج والطيور.

ص: 113

وفيما يلي ترجمة للخطاب:

"وصلتنا في الشهور الماضية بصفتنا منظمة إسلامية ثقافية بالدانمارك عدة استفسارات من مسلمين مقيمين في داخل الدانمارك وخارجها على الطرق المتبعة لذبح الدجاج والطيور المعدة للتصدير إلى الدول العربية، إن الإجابة على هذه الاستفسارات تعتبر ذات أهمية كبيرة لنا نحن المسلمين؛ إذ أن طريقة الذبح يجب أن تكون تبعا لما ورد في القرآن الكريم من أحكام، لهذا نرجو منكم السماح لمجموعة من جمعيتنا (حوالي 3- 4 أشخاص) بزيارة مجزرتكم للاطلاع على طريقة الذبح

الخ.

كما نود مستقبلا نشر هذا التحقيق في مجلتنا الشهرية (الصراط) حتى يطلع المسلمون عليها، مع مراعاة عدم التعرض لاسم شركتكم بسوء، راجين أن يصلنا ردكم في أقرب فرصة".

وعند استلامنا الردود أتضح أن بعض هذه المجازر لا يصدر إلى الدول الإسلامية بالمرة، وهذا النوع من المجازر لم يمانع من زيارتنا لأماكن الذبح، لكن الشركات التي تصدر إلى الدول الإسلامية لم توافق على الزيارة بالمرة، وبعضها أبدى صراحة عدم ترحيبه بقدومنا، وأحال البعض الآخر نظر هذه القضية إلى لجنة مهنية خاصة بتصدير الدجاج والطيور بحجة أنها الجهة الممثلة لهم والمتكفلة ببحث مشكلة الذبح الإسلامي، وباتصالنا بهذه اللجنة رفضت بعد محاولات استمرت فترة طويلة السماح بأي نوع من المعاينة، بحجة أنها لا تجد أن منظمتنا تمثل الإسلام والمسلمين في الدانمارك، وأن هذه اللجنة على اتصال مع جهة إسلامية بالدانمارك..تمثل الإسلام في نظرهم لاتصالها بعدد من السفارات العربية، وأن هذه الجهة الإسلامية توافق على طريقة الذبح وتصادق على شهادات التصدير، مع علمها التام بأن الدجاج المصدر لا يفترق عن غيره من الدجاج المنتج باستثناء المغلف المطبوع عليه عبارة:" ذبح على الطريقة الإسلامية".

ص: 114

وبقيامنا بمزيد من التحريات وجدنا أن الجهة الإسلامية القائمة على التصديق ليست هي الفئة القاديانية كما جرت العادة خلال العشر سنوات الماضية، لكنها جهة إسلامية انتزعت من القاديانية مهمة التصديق على شهادات التصدير، وما يتبعها من مهام أخرى، كالدفاع عن مصالح شركات الدجاج ومصالح المستوردين العرب ومصالح السفارات العربية الواقعة وراءها.

وبحديث هاتفي مع مدير لجنة التصدير الدانماركية المذكورة، اتضح لنا الآتي:

أولا: ليس لدى المذابح الدانماركية أي فكرة عن متطلبات الذبح الإسلامي، والمعلومات التي لديها لا تعدو أن تكون شائعات وردت إليها بطريق الحديث العفوي مع فئات من المسلمين، بعض هذه المعلومات متضاربة، مما جعل الأمر في النهاية- في نظر المجازر الدانماركية- ليس له ضابط ديني محكم.

ثانيا: أن المستورد العربي هو الذي يطلب وضع عبارة "ذبح إسلامي " ويجهزها له، والمصدر الدانماركي يوافق طالما أن البيع في ازدياد، والجهات الرسمية تصادق على شهادات التصدير.

ثالثا: أن الذبح يجري بطريقة قص الرأس بعد التخدير الذي يشترطه قانون الطب البيطري، وأن الذبح بغير هذه الطريقة يتطلب الحصول على تصريح خاص.

ص: 115

رابعا: أن الذي يهم الشركات الدانماركية في الوقت الحاضر هو موقف السفارات التي تتبع الدول المستوردة، لأنها هي التي تصدق على توقيع الجهة الإسلامية التي تعاين الذبح، وطالما أن هذه الجهات متفقة، فليس لأحد- في نظرهم- مصلحة في التدخل، وطلبنا من مدير اللجنة الرد كتابة على هذه النقاط، فوعد بذلك، ثم تأخر في الرد مدة طويلة، وفي النهاية وصلنا منه رد دبلوماسي بعيد عن النقاط التي تحدثنا عنها هاتفيا.

مما سبق يتبين أن المسؤول الأول عن هذه المهزلة ليس هو المصدر الدانماركي، بل هو بالدرجة الأولى المستورد العربي ومن ورائه السفارات التي تصدق على جريمته.

وعليه فنحن جمعية الشباب المسلم بالدانمارك، نعلن من هنا إلى كافة المسلمين أينما وجدوا: أن الذبائح التي تصدر إليهم من الدانمارك ليست مذبوحة بطريقة خاصة، ولا تختلف عن الذبائح التي تصدر إلى الدول الأخرى، وأن الذبح يتم بطريقة قص الرأس بعد التخدير، والفارق الوحيد هو في الأغلفة التي تحمل عبارات عربية لخداع المستهلك المسلم.

ص: 116

الحل: لم يكن الهدف الأساسي من التحريات التي قمنا بها إيجاد حل إسلامي لقضية الذبائح المستوردة، بل كانت الغاية المرجوة هو التأكد من طريقة الذبح وإعلانها إلى المسلمين حتى يجتهدوا بأنفسهم للتوصل إلى الحل المُرضي إسلامياً. إلا أن هناك بعض الفوائد التي يمكن الاستفادة منها قبل البحث عن حلول القضية، فمن خلال مباحثات تمت منذ سنوات مع أحد المجازر الدانماركية، رغب بعض الإخوة في الاتفاق مع الشركة على ذبائح خاصة للتصدير إلى الدول الإسلامية، فوافقت هذه الشركة على ذلك بشرط أن يقوم الإخوة أنفسهم باستجلاب العمال المسلمين بمعرفتهم، مع ضمان استمرارهم في العمل، وحين البحث عمن يقوم بهذا العمل تبين أن هذه المجزرة تقع في قرية صغيرة بعيدة عن المدن الكبرى، وهذا الأمر لا يشجع أحدا على قبول هذا العمل لتعارضه مع ميول العمال الأجانب عادة في السكنى في العاصمة، أو على الأقل في المدن الكبيرة لأسباب تتعلق بأوضاعهم الاجتماعية في الغربة، وحرصهم على المجتمع لسهولة التفاهم وتبادل الأخبار والزيارات، وهذا الأمر لا يتحقق بالسكنى في القرى النائية، فالأمر إذن يتطلب إخلاصا وتفانياً من بعض المسلمين لإنجازه على الوجه المطلوب، كما يتطلب إيفاد من له دراية شرعية بالقضية، وتخصيص ميزانية مناسبة لإنشاء مجزرة إسلامية للتصدير للدول الإسلامية، تتوفر فيها الشروط الشرعية والعصرية في آن واحد، والجمعية من جانبها على استعداد للمساعدة في الاتصالات التمهيدية مع الشركات التي تصنع آلات الذبح، والاتفاق مع إحدى شركات الاستشارة والتخطيط لعمل دراسة مستوفية لتكاليف المشروع واحتياجاته.

ص: 117

بقيت كلمة أخيرة لا تتعلق بالدجاج ذاته، ولكن تتعلق بمن يأكل منه من المسلمين، فالمعروف أن القلة من الناس هي التي تتحرى الحلال، والأغلبية لا تفكر في ذلك، بل تظن التحري في بعض الأحيان عسرا ومشقة، وهي للأسف سمة العصر الذي نعيش فيه؛ الاهتمام بإشباع الغرائز والميول أولًا، ثم بعد ذلك يساء استخدام عبارة {أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} كما يريد أغلبنا دخول الجنة ولقاء الله تعالى دون علم أو عمل أو تضحية ولو بسيطة، فقد يلجأ الكثير من المسلمين إلى قطع مسافات طويلة- قد تصل إلى السفر- في سبيل الحصول على سلعة أو طعام معين بمواصفات معينة، والتكبد في سبيل ذلك المشاق الكثيرة، ليس إرضاء لله وللرسول، ولكن إرضاء للهوى فحسب، فإذا تعلق الأمر بحكم شرعي تحايلوا وتهربوا بحجة أن "الدين يسر" ولم يقولوا مرة:{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ، وإن دخول الجنة لن يتم إلا بتكبد الصعاب، وأضرب على ذلك مثالا يتعلق بفئة (النباتيين) الذين يمنعون أنفسهم من أكل اللحوم ومشتقاتها، فهؤلاء معروفون في العالم كله، وحرصهم شديد على تحري ما يأكلون، حتى إن منهم من يبلغ به حد الورع مبلغا، فلا يأكل الكعك والمربى المطروحة في الأسواق خشية أن تكون مصنوعة من دهون الحيوانات، ويسألون قبل الشراء عن مكونات الطعام، ولهم حوانيت خاصة بهم في كل مكان

فهؤلاء وضعوا قوانينهم بأنفسهم ويحترمونها، ولا يعتبرون التحري والدقة ضرباً من التعصب أو تضييع الوقت والجهد، فما بال المسلمين ينزل عليهم كتاب من الله وتصلهم سنة نبيه فلا يهتمون ولا يتحرون.

عسى أن ينفعنا الله بما قلنا. وأن يكون ما بلغنا إبراء لذمتنا يوم القيامة، وأن يتقبل عملنا خالصا لوجهه تعالى.

جمعية الشباب المسلم بالدانمارك"

ص: 118

خلاصته:

ا- الذين يصدقون على شهادات تصدير اللحوم والدجاج إلى الدول الإسلامية بأنها ذبحت على الطريقة الشرعية قاديانيون، ويتقاضون على الشهادات أجرا، ثم إن جهة أخرى إسلامية انتزعت التصديق على الشهادات من القاديانيين، وقامت بذلك مع مهام أخرى، كالدفاع عن مصالح شركات الدجاج ومصالح المستوردين العرب، ومصالح السفارات العربية الواقفة وراءها.

2-

الذين يعملون في السفارات الإسلامية- إلا القليل- لا يمثلون الإسلام، وإنما يحرصون على السنن الدبلوماسية.

3-

نصارى الدانمارك ومن في حكمهم خرجوا على مبادئ أهل الكتاب، فلا مجال لتسميتهم أهل كتاب، بل هم أقرب إلى الشيوعيين والوثنيين منهم إلى النصارى.

4-

امتناع من يقوم على المجازر المصدرة للحوم والدجاج من الدانمارك إلى الدول الإسلامية من تمكين جماعة من الشباب المسلم من مشاهدة طريقة الذبح في تلك المجازر، بزعم أنهم لا يمثلون المسلمين، وإنما تمثلهم السفارات الإسلامية التي تصدق على الشهادة عند التصدير، أما الذين لا يصدرون اللحوم إلى الدول الإسلامية، فقد مكنوهم من مشاهدة طريقة الذبح في مجازرهم.

5-

ليس عند المذابح الدانماركية معلومات عن الذبح الإسلامي مستقاة من مصدر إسلامي معتبر، وإنما إشاعات عما يجب أن يكون عليه الذبح الإسلامي متضاربة، لذا لم تهتم بها المجاز لعدم وجود ضابط ديني محكم.

6-

المستورد العربي هو الذي يطلب وضع عبارة "ذبح إسلامي" ويجهزها، وما على المصدر الدانماركي إلا الموافقة مادام ذلك في مصلحته.

7-

الذبح يجري بقص الرقبة بعد التخدير، دون فرق بين ما يصدر إلى الدول الإسلامية وغيرها، ولا يختلف إلا في كتابة العبارة على الغلاف.

8-

الذي يهم الشركات الدانماركية المصدرة للحوم إلى الدول الإسلامية موافقة سفارات الدول الإسلامية المستوردة وتصديقها.

9-

الحل هو إيجاد مجازر إسلامية لتصدير لحوم إلى الدول الإسلامية، والتعاون في إتمام ذلك بالعلم والعمل والمادة.

ص: 119

قال الأستاذ عبد الله علي حسين (1) في كتابه (اللحوم- أبحاث مختلفة في الذبائح والصيد واللحوم المحفوظة) :

" وأما اللحوم المحفوظة في العلب مثل (بولي بيف) ، ومرقة الثور وهي المسماة (كيف اكسو) ، وشوربة الفراخ بالشعرية

وهكذا من اللحوم المحفوظة في علب صفيح وما يشتق منها، أيًّا كان نوعها الذي يصدر إلى مصر من أوروبا وأستراليا وأمريكا، وحكمها أن يحرم استعمالها قطعا، لأنها لحم حيوان موقوذ مضروب حتى مات، فإن طريقة الذبح في جميع هذه البلاد تكاد تكون واحدة؛ وهي ضرب الحيوان في مخه فيخر صريعا بلا حركة لأنها تصيب المخ، ومتى وقع حمل إلى التقطيع بعد السلخ، فيعمل من هذا الحيوان كافة أنواع اللحوم المحفوظة وما يخرج عنها، وقد أردت أن أعرف طريقة ذبحهم بطريقة رسمية لا تقبل الجدل أو الشك في تطبيق الأحكام الشرعية، فكتبت كتابا دوريا أرسلته لقناصل 14 دولة: ا- إنجلترا، 2- فرنسا، 3- أسبانيا، 4- هولندا، 5- إيطاليا، 6- تركيا، 7- جنوب إفريقيا، 8- الولايات المتحدة، 9- البرازيل، 10- أستراليا، 11- روسيا، 12- الدانمارك، 13- سويسرا، 14- رومانيا. ويتضمن هذا الكتاب ثلاثة أسئلة:

(1) من علماء الأزهر، ولديه ليسانس في الحقوق

ص: 120

أولا: ما هي طريقة الذبح في بلادكم -أو قتل الحيوان عندكم-؟

ثانيا: ما هو المكان الأول الذي يضرب فيه الحيوان من جسمه، لقتله في بلادكم؟

ثالثا: ما هي الصناعات المختلفة من اللحوم المحفوظة التي تصنع وتصدر من بلادكم؟

ثم ذكر أن التي أجابت من تلك الدول هي تركيا واليونان وهولندا وإسبانيا والدانمارك، والذي يبدو واضحا في المخالفة للطريقة الشرعية ما جاء في إجابة هولندا والدانمارك، فلذلك نسوقها فيما يلي:

ا- طريقة هولندا كما في إجابتها:

"تقتل البهائم بعد تدويخها بأسرع ما يمكن بإسالة دمها، وتحصل عملية التدويخ بواسطة آلات تغيب في المخ، فتفقد البهيمة وعيها في الحال -وقطع الرأس أو الرقبة ممنوع وكذلك الذبح بسكين بموجب مرسوم ملكي- إذن تقتل البهائم بواسطة خوذة بها مثقاب، وهذه الآلة معمرة بالبارود الذي يشعل فيدفع مثقابًا مجوفا إلى داخل المخ، وهذا المثقاب المجوف يعود إلى مكانه قبل أن تسقط الرأس ".

2-

طريقة الدانمارك كما جاء في نص إجابتها:

الخيول والثيران والعجول الكبيرة تذبح بطريقة صعقها بإطلاق الرصاصة على رأسها في موضع المخ بالمسدس، برصاص خاص لهذه العملية، أو بمسدس يقذف مسماراً نافذا، والعجول الصغيرة والأغنام تذبح بطريقة الصعق؟ إما بالرصاص أو بالضرب الشديد على جبهتها الأمامية بمطرقة، أما الدواجن فيشترط لذبحها أن يكون ذلك بطريقة الصعق السريع بالضرب الشديد بالمطرقة على رأسها، أو بقتلها قتلا سريعا بفصل رأسها، وعند ذبح الخيول والثيران والعجول الكبيرة بالطريقة المذكورة تصفى دماؤها بإدخال سكين في أسفل رقبتها في الشريان الكبير الواقع في مدخل الصدر من أعلى، وتستعمل لهذا الغرض السكين العادية، أما العجول الصغيرة والأغنام؟ فتصفى دماؤها بتشريطها من الجانب الأسفل من رقبتها في الشريان الكبير الواقع خلف الرأس حول الرقبة، فتفصل شرايينها. "اهـ.

ص: 121

ثم علق المؤلف بقوله: " وكل هذه أدلة رسمية قاطعة في صدق ما ندعيه من أن ذبائحهم موقوذة مقتولة (فطيس) نجسة محرمة لا يصح لمسلم أن يتعاطاها أو يحملها أو يبيعها، وقد كنت أكتفي بما أعلمه شخصيا وأنا طالب بأوروبا خمس سنوات من أن طريقة ذبح الحيوانات عندهم في المجازر هي القتل بضربها على رأسها على المخ من مقدم الرأس بين القرنين في الجبهة، وهي ضربة واحدة بآله خصصت لذلك، فيخر الحيوان صريعاً لوقته، ولكن خشية ادعاء ما لا أعرف أقمت الدليل الكتابي من حكوماتهم أنفسهم، وها هو ننشره ليعلمه الناس وكفى..".

ثم قال: "وقد أرسلت لحضرة الدكتور العلامة الأستاذ عبد الحميد مصطفى فرغلي المتخصص في وظائف أعضاء الحيوان بأمريكا - الولايات المتحدة - جامعة جونس هوبكنز بمدينة بلتمور، أسأله عن كيفية قتل حيوانات الأكل عندهم في أمريكا، فورد منه جواب في 15/ 7/ 1947م يقول: سألت عن طريقة الذبح؛ الطريقة: أن يضربوا الحيوان بمطرقة مدببة في مخه فيموت، وبعد ذلك يقطعون رقبته، ولكنهم لا يذبحون كما يفعل المسلمون أو اليهود، وهذا الإجراء يشمل جميع الحيوانات ".

ص: 122

قرار هيئة كبار العلماء بشأن اللحوم المستوردة:

"رابعا: تطبيق القواعد الشرعية على الذبائح المستوردة على ضوء ما عرف عنها من المشاهدات ونحوها:

إن مجرد البيان لطريقة الذبح الشرعية دون الحكم بها على واقع اللحوم المستوردة إلى المملكة العربية السعودية من دول أوروبا وأمريكا وغيرها؛ لا يفيد من يتحرى الحلال فيما يأكل، ويجتهد في اجتناب ما حرم الله عليه من ذلك، إلا إذا عرف أحوال التذكية وأحوال المذكين في تلك الشركات الغربية وغيرها التي تستورد منها اللحوم إلى المملكة، وأنى له ذلك، فإن السفر إلى تلك البلاد فيه كلفة، لبعد الشقة، فلا يتيسر إلا للنزر اليسير، وأكثر من يسافر إليها يكون سفره لضرورة من علاج ونحوه، أو لإشباع رغبة وحب استطلاع ولا يعنى بهذا الأمر، ولا يكلف نفسه البحث عنه والوقوف على حقيقته،

ولذا كتبت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى المسؤولين عن استيراد اللحوم وغيرها من المأكولات تستفسر منها عن الواقع، وتوصيها بالعناية بما تستورده من ذلك من الجهة الشرعية، محافظة على الدين، وعلى سلامة الرعية من تناول ما حرم الله عليهم من الأطعمة، وتوفير ما تحتاج إليه الأمة مما أحل الله.

ص: 123

وجاء منهم إجابة مجملة لا تكفي لإزالة الشك وطمأنينة النفس، فكتبت إلى دعاتها في أوروبا وأمريكا ليطلعوا على كيفية الذبح وديانة الذابحين هناك، فأجاب منهم جماعة إجابة في بعضها إجمال، وكتب جماعة من أهل الغيرة في المجلات عن صفة الذبح والذابحين، جزى الله الجميع خيرا، ولكن كل ذلك لم يستوعب الشركات التي يستورد منها المسؤولون عن ذلك في المملكة، مع ما في بعضها من الإجمال، ومع ذلك فاللجنة تعرض خلاصة ما جاءها من التقارب، وما اطلعت عليه في المجلات على ما تقدم؛ من طريقة الذبح الشرعية، وما صدر في الموضوع من فتاوى كلية، ليتبين الحكم على اللحوم المستوردة من تلك البلاد، وعلى هذا يمكن أن يقال:

أولا: بناء على ما جاء في كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء من أنه قد وردت إلى معاليه تقارير تفيد أن بعض الشركات الأسترالية التي تصدر اللحوم للأقطار الإسلامية وخاصة شركة: (الحلال الصادق) ، والتي يملكها القادياني "حلال الصادق " لا تتبع الطريقة الإسلامية في ذبح الأبقار والأغنام والطيور، ويحرم الأكل من ذبائح هذه الشركات، وتجب مراعاة ما قررته الرابطة وأوصت به في كتابها (1)

(1) ص 44 من الأعداد

ص: 124

ثانيا: بناء على ما جاء في تقرير الأستاذ أحمد بن صالح محايري في طريقة الذبح في شركة (برنسيسا) من أن الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد، ومن الشك في قطع الوريدين أو أحدهما، ومن أن شهادة المصدق على الشحنة لم تُبنَ على معاينته بنفسه أو بنائبه للذبح ولا على معرفته بالذابح؛ لا يجوز الأكل من هذه الذبائح، ويؤكد كون التذكية غير شرعية موافقة مدير الشركة على تعديل طريقة الذبح لتكون شرعية بشرط بيان الكمية اللازمة للجهة المستوردة أولا (1)

ثالثا: وبناء على ما جاء عنه أيضا في طريقة ذبح الدجاج والبقر في شركة (ساديا أويسته) من أن الذابح مشكوك في ديانته هل هو كتابي أو وثني، ومن أن الأبقار تصعق بكهرباء، فإذا سقطت رفعت من أرجلها بآلة ثم شق جلد رقبتها بسكين، ثم قطع الوريد بسكين آخر، فينزل الدم بغزارة، لا يجوز الأكل من هذه الذبائح (2)

رابعا: بناء على ما جاء في تقرير الشيخ عبد الله الغضية عن الذبح في لندن من أن الذابحين من الشباب المنحرف الوثني أو الدهري، ومن أن الدجاجة تخرج من الجهاز ميتة منتوفة، ورأسها لم يقطع بل لم يظهر في رقبتها أثر الذبح، وإقرار إنجليزيٍّ من أهل المذبح بذلك، ومن خداع القائمين على المذبح لمن أراد الاطلاع على طريقة الذبح في المذبح الأوتوماتيكي الذي يذبح فيه للتصدير، واطلاعهم على مذبح يذبح فيه قلة من المسلمين للمسلمين بالداخل، وذلك مما يبعث في النفس ريبة في كيفية الذبح وديانة الذابح، لذلك لا يجوز الأكل من هذه الذبائح (3)

(1) ص 45 من الأعداد

(2)

ص 50 من الأعداد

(3)

ص 51-56 من الأعداد

ص: 125

خامسا: بناء على ما جاء في تقرير الأستاذ حافظ عن طريقة الذبح في بعض الأمكنة المشهورة في اليونان من أن ذبح الحيوان الكبير يكون بعد سقوطه من ضرب رأسه بمسدس، ومن الشك في كون الذبح حصل بعد موته من المسدس أو قبل موته؛ لا يجوز الأكل منه، وهناك طريقة أخرى قال فيها صاحب التقرير: إن الذبح فيها على الطريقة الإسلامية، ولم يبين كيفية الذبح ولا ديانة الذابح، كما أنه لم يبين أماكن الذبح ولا شركاته في اليونان (1)

سادسا: بناء على ما جاء في تقرير الشيخ عبد القادر الأرناؤوط عن طريقة الذبح في يوغوسلافيا من أن الذبح في القرى وفي (سيراجيفو) على الطريقة الشرعية، والذابح مسلم؛ يجوز الأكل مما ذبح فيها، وبناء على ما جاء فيه عن الذبح في غيرها من مدن يوغوسلافيا من أن الذابح قد يكون غير مسلم، كتابيا أو شيوعيا ظاهرا، لا في حقيقة الأمر، لا يجوز الأكل من ذبائح هذه المدن للشك في أهلية الذابح.

سابعا: بناء على ما جاء في تقرير الدكتور الطباع عن طريقة الذبح في ألمانيا الغربية من أن الأبقار تضرب بمسدس في رؤوسها أولا، ثم لا تذبح إلا بعد أن تصير ميتة، لا تؤكل هذه الذبائح (2)

(1) ص 54 من الأعداد

(2)

ص 63- 67 من الأعداد

ص: 126

ثامنا: بناء على ما جاء في المقال الذي نشرته مجلة (المجتمع)(1) عن طريقة الذبح بالدانمارك من أن الذابح إلى الشيوعيين والوثنيين أقرب منه إلى النصارى، ومن أن الشركة هناك ليست عندها معلومات عن طريقة الذبح الإسلامي - إلا من جهة الإشاعات- حتى يتأتى لها أن تراعي في ذبحها الطريقة الإسلامية وأن تكتب على الطرود (ذبح على الطريقة الإسلامية) ، وإنما تكتب هذه الصيغة الجهة المستوردة ليصدق عليها هناك من لا يؤمن، مع امتناعهم من تمكين من يريد معرفة كيفية الذبح في الشركة المصدرة من الإطلاع على ذلك (2)

وبناء على ما جاء أيضا عن الأستاذ أحمد صالح محايري عن محمد الأبيض المغربي الذي يعمل في تعليب اللحوم بالدانمارك من أنهم يكتبون عليه: (ذبحت على الطريقة الإسلامية) وهذا غير صحيح، لأن قتل الحيوان يتم كهربائيا على كل حال، وبناء على هذا وذاك لا يجوز الأكل من تلك الذبائح.

تاسعا: ما ذكر عن ابن العربي من إباحة الأكل مما ذكاه أهل الكتاب من الأنعام والطيور ونحوها مطلقا، وإن لم توافق تذكيتهم التذكية عندنا، وأن كل ما يرونه حلالا في دينهم فإنه حلال لنا، إلا ما كذبهم الله فيه؛ مردود بما تقدم في بيان طريقة الذبح وفي الفتاوى.

عاشرا: مما تقدم في بيان كيفية الذبح وديانة الذابحين يتبين أن ما ذكر في كتب (3) وزارة التجارة والصناعة إلى الرئاسة، لا يقوى على بعث الاطمئنان في النفس إلى أن الذبائح المستوردة يحل الأكل منها، بل يبقى الشك على الأقل يساور النفوس في موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية، والأصل المنع، وعلى هذا لابد من البحث عن طريق لحل المشكلة.

(1) عدد 414

(2)

ص 50 من الأعداد

(3)

ص42- 43 من الأعداد

ص: 127

خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة":

يتلخص ذلك فيما يأتي:

ا- الإكثار من تربية الحيوانات، والعناية بتنميتها، واستيراد ما يحتاج إليه منها إلى المملكة حيا، وتيسير أنواع العلف لها، وتهيئة المكان المناسب لتربيتها وتذكيتها بالمملكة، وبذل المعونة لمن يعنى بذلك من الأهالي شركات أو أفرادا تشجيعا له، وتسهيل طرق توزيعها في المملكة.

وكذا الحال بالنسبة لإنشاء مصانع الجبن وتعليب اللحوم والزيوت والسمن وسائر الأدهان.

2-

إنشاء مجازر خاصة بالمسلمين في البلاد التي يراد استيراد اللحوم منها إلى البلاد الإسلامية أو المملكة العربية السعودية، ويراعى في تذكية الحيوانات بها الطريقة الشرعية.

3-

اختيار عمال مسلمين أمناء عارفين بطريقة التذكية الشرعية ليقوموا بتذكية الحيوانات تذكية شرعية في تلك الشركات بقدر ما تحتاج المملكة إلى استيراده منها.

4-

اختيار من يحصل به الكفاية من المسلمين الأمناء الخبيرين بأحكام التذكية الشرعية وأنواع الأطعمة، ليشرف على تذكية الحيوانات وعلى مصانع الجبن وتعليب اللحوم ونحوها في الشركات التي تصدر ذلك إلى المملكة العربية السعودية.

وإذا كان اليهود حريصين على أن يكون الذبح متفقا مع عقيدتهم ومبادئهم، فخصصوا لذلك مجازر لهم وعمالا يذبحون لهم كما يريدون، فالمسلمون أحق بذلك منهم وأولى أن يستجاب لهم، لكثرة ما يستهلكون من اللحوم ومنتجات المصانع الغربية، وشدة حاجة أولئك إلى تصريف ما لديهم من لحوم ومنتجات أخرى. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء العضو: عبد الله بن قعود العضو: عبد الله بن غديان

النائب لرئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز

وإن ما نقلناه من تقارير المندوبين لهيئة كبار العلماء وتوصيات اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء يكفي لإثبات أن معظم الشهادات المكتوبة على علب اللحوم المستوردة من كونها مذكاة بالطريقة الشرعية لا يوثق بها إطلاقاً، وعلى هذا فلا يجوز أكلها ما لم يثبت بطريق موثوق أنه مذبوح بالطريقة الشرعية.

وإليكم الآن خلاصة ما توصلنا إليه في هذا البحث.

ص: 128

خلاصة البحث

1-

إن قضية الذبح ليست من القضايا العادية التي لا تتقيد بأحكام، مثل طرق الطبخ، وإنما هو من الأمور التعبدية التي تخضع لأحكام مشروعة في الكتاب والسنة، بل هو من شعائر الدين وعلاماته التي تميز المسلم من غيره، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) .

2-

لا يحل حيوان، ولو كان مأكول اللحم، إلا بالتذكية الشرعية التي يشترط لها الأمور الآتية:

(أ) أن يقع إزهاق الروح في الحيوانات المقدور عليها عن طريق قطع العروق في الحلق، على اختلاف الفقهاء في تعيين القدر الأقل منها.

(ب) أن يكون الذابح، على كونه عاقلا مميزا من المسلمين أو من اليهود والنصارى.

(ج) أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح، فلو تركت التسمية عمدا فالذبيحة في حكم الميتة على قول جماهير الفقهاء، وهو القول المنصور بالنظر إلى النصوص القطعية ثبوتا والواضحة دلالة، وأما من ترك التسمية ناسيا، فإنه معذور تحل ذبيحته، وإن الإمام الشافعي الذي ينسب إليه القول بجواز متروك التسمية عامدا لا يوجد له نص صريح في ذلك، بل تدل عباراته في كتاب "الأم " على أنه إنما يقول بالجواز في حالة النسيان، وقد صرح بالحرمة عند ترك التسمية استخفافا.

ص: 129

3-

ذبائح أهل الكتاب إنما أجيزت لأنهم كانوا يتقيدون بالقيود الشرعية عند ذبحهم، فكانوا يحرمون الميتة والمخنوقة والموقوذة والفريسة، كما هو مذكور في كتبهم المقدسة التي سردت نصوصها في متن البحث، وكانوا لا يذكرون عند الذبح إلا اسم الله تعالى، ومن هذه الجهة اعتبرت ذبائحهم بمثابة ذبائح أهل الإسلام، وأحلت لهم.

4-

وكذلك أحلت للمسلمين نساء أهل الكتاب من جهة أنهم كانوا يلتزمون في أمر المناكحات أحكاما تشابه الأحكام المشروعة في الإسلام، ولذلك يجب لجواز هذا النكاح شرعا أن يقع النكاح حسب الأحكام الشرعية في الإسلام.

فكما أن قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} مقيد إجماعا بأن يلتزم الزوجان بالأحكام الشرعية، فكذلك قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} مقيد بأن يقع الذبح بالتزام الأحكام الشرعية، فإن كلا الحكمين مقرون في نسق واحد.

5-

إن قول ابن العربي في حل ما خنقه أحد من أهل الكتاب قول يتعارض مع ما ذكره هو بنفسه من أن أهل الكتاب إنما تحل ذبائحهم إذا التزموا بالأحكام الشرعية، فيؤخذ من قوليه المتعارضين ما هو موافق للنصوص الصريحة ولإجماع أهل العلم. ثم إن القول بالحل مبني على كون المخنوقة حلالا في دين النصارى، والثابت من كتبهم خلافه، فلا يعتد بهذا القول الشاذ.

6-

الراجح أن التسمية شرط في حل ذبائح أهل الكتاب، كما هو شرط في ذبائح المسلمين، فإن قول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، يعم المسلمين وأهل الكتاب، وخاصة بالنظر إلى صيغة المجهول في قول الله تعالى:{لَمْ يُذْكَرِ} .

ص: 130

7-

المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى الذين يؤمنون بعقائدهم الأساسية، وإن كانوا يؤمنون بالعقائد الباطلة من التثليث والكفارة وغيرهما، أما من لا يؤمن بالله ولا برسول ولا بالكتب السماوية فهو من الماديين، وليس له حكم أهل الكتاب، وإن كان اسمه مسجلا كنصراني أو يهودي.

8-

اللحم الذي جهل ذابحه في بلاد المسلمين، يحمل على كونه ذكي بالطريقة الشرعية، ويحل أكله، إلا إذا ثبت أن ذابحه لم يذبحه بالطريقة الشرعية، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في ذبائح الأعراب.

9-

وما يوجد في أسواق أهل الكتاب يعتبر من ذبائح أهل الكتاب، إلا إذا ثبت كون الذابح من غيرهم.

10-

إن النصارى اليوم خلعوا ربقة التكليف في قضية الذبح، وتركوا أحكام دينهم، فلا يلتزمون بالطرق المشروعة، فلا تحل ذبائحهم اليوم إلا إذا ثبت في لحم بعينه أنه ذكاه نصراني بالطريق المشروع، فلا يحل اللحم الذي يباع في أسواقهم ولا يعرف ذابحه.

11-

إن الطرق الآلية للذبح في الدجاج عليها عدة مأخذ من الناحية الشرعية:

(أ) غمس الدجاج قبل ذبحه في الماء البارد الذي فيه تيار من الكهرباء، فإنه لا يؤمن منه أن يموت الدجاج بالكهرباء.

(ب) تعذر التسمية على ما يذبح عن طريق السكين الدوار.

(ج) الشبهة في قطع العروق في بعض الحالات.

ص: 131

12-

يمكن أن نختار الطريق الآلي للذبح الشرعي بالطرق الآتية:

(أ) أن يستغنى عن طريق استعمال التيار الكهربائي للتخدير، أو يقع التأكد من خفة قوته بحيث لا يسبب موته قبل الذبح.

(ب) أن يستعاض السكين الدوار بأشخاص يقومون ويذبحون بالتسمية عند الذبح.

(جـ) أن يكون الماء الذي تمر منه الدجاج بعد الذبح لا يبلغ إلى حد الغليان.

13-

الطريق الآلي لذبح البقر والغنم عليه مؤاخذتان: الأولى: أن الطرق التي تستخدم للتخدير من إطلاق المسدس، واستخدام الغاز من ثاني أكسيد الكربون، والصدمة الكهربائية لا يؤمن معها من موت الحيوان قبل الذبح، فيجب تعديل هذه الطرق إلى ما يقع التأكد من أنها ليست مؤلمة للحيوان، ومن أنها لا تسبب موته. والمؤاخذة الثانية أن الذبح قد لا يقع عن طريق قطع العروق.

فإذا وجدت الطمأنينة بإبعاد هذين الاحتمالين جاز استخدام الطريق الآلي للذبح.

14-

أن ما يستورد من اللحوم من البلاد غير المسلمة لا يجوز أكلها، وإن كان يوجد عليها التصريح بأنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية، فإنه قد ثبت أن هذه الشهادات لا يوثق بها، والأصل في أمر اللحوم المنع.

ص: 132

توصيات:

ا- أن تعنى البلاد الإسلامية بالإكثار من إنتاج الثروة الحيوانية، بحيث لا تحتاج إلى استيراد اللحوم من البلاد غير المسلمة.

2-

ولئن احتاجت دولة إلى استيراد اللحوم فلتحاول أن يقتصر الاستيراد من البلاد المسلمة.

3-

وإلى أن تصل البلاد الإسلامية في إنتاجها إلى هذا المستوى، فلتفرض الحكومة على شركات الاستيراد أن تبعث وفودا من علماء الشريعة والخبراء إلى الشركات المصدرة، لتطلب منها التعديل في طريق الذبح بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية، وتعين في بلدها رجالا من ذوي الغيرة من المسلمين يراقبون طريق ذبحهم بصفة دائمة بطريق يوثق به، ولا يصدرون شهادتهم على التذكية الشرعية إلا بعد الطمأنينة الكاملة على حصولها، ولا يصدرون شهادتهم بصفة إجمالية من أن هذا اللحم حلال، أو أنه مذبوح بالطريقة الإسلامية، بل تكون شهادتهم على التصريح بجميع العناصر اللازمة للتذكية الشرعية؛ من أن الحيوان ذبح بيد مسلم أو كتابي سمى عند الذبح، وقطع العروق اللازمة لحلة الحيوان.

4-

أن تمنع الحكومات الإسلامية الشركات المستوردة من استيراد اللحوم من بلاد غير إسلامية، ومن استخدام العبارات المجملة من كون اللحم حلالا، إلا بعد إنجاز ما سبق في الفقرة السابقة من الشروط.

5-

أن يعقد مجمع الفقه الإسلامي ندوة يدعى إليها المسؤولون من الشركات المستوردة للحوم وممثليهم من شتى مناطق الوطن الإسلامي بقدر الإمكان، لتشرح لهم أهمية القضية، وطريق التعامل المشروع، والتقييد بتوصيات المجمع في هذا الصدد.

القاضي محمد تقي العثماني

ص: 133