المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاستنساخ البشريبين الإقدام والإحجامإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد العاشر

- ‌بحثأحكام الذبائح واللحوم المستوردةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادسماحة الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية للذكاةإعدادأ. د إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌‌‌الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد الهواري

- ‌الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد الهواري

- ‌المفطراتإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌مفطرات الصائمفي ضوء المستجدات الطبيةإعداد الدكتور محمد جبر الألفي

- ‌ضابط المفطراتفي مجال التداويالأكل والشربإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المفطراتإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌المفطراتفي مجال التداويإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌التداوي والمفطراتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌المفطراتفي ضوء الطب الحديثإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌العقود المستجدةضوابطها ونماذج منهاإعدادالدكتور نزيه كماد حماد

- ‌العقود المستجدةضوابطها ونماذج منهاإعدادد. محمد بن علي القري

- ‌الاستنساخ البشريإعدادالشيخ محمد المختار السلامي مفتى الجمهورية التونسية

- ‌نظرة في الاستنساخ وحكمه الشرعيإعدادآية الله محمد علي التسخيري

- ‌الاستنساخ البشريبين الإقدام والإحجامإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌الاستنساختقنية، فوائد، ومخاطرإعدادد. صالح عبد العزيز الكريم

الفصل: ‌الاستنساخ البشريبين الإقدام والإحجامإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

‌الاستنساخ البشري

بين الإقدام والإحجام

إعداد

الدكتور أحمد رجائي الجندي

الأمين العام المساعد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستنساخ البشري بين

الإقدام والإحجام

لقد حفل القرن العشرون بتطور تكنولوجي هائل في العلوم الأساسية والذي انعكس بدوره على المجالات التطبيقية وكان نصيب الطب منها حظًّا وافرًا، ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت بأن ما شهدته الخمسون عامًا الماضية من تطور وتقدم يعتبر أكثر بكثير مما أحرزته البشرية في القرون الماضية، ومن بين ما أنتجته وأفرزته العلوم البيولوجية (الهندسة الوراثية) التي أصبحت حديث الساعة، وتطالعنا الأنباء بتقدم كبير يومًا بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، فقد استطاعت هذه التقنية الجديدة في علم الوراثة أن تشرح الكثير مما غمض أو غم على العلماء من قبل، بل هي الآن في مراحل متقدمة سيشهدها القرن الحادي والعشرون بتطبيقات كبيرة في علاج الأمراض المستعصية، فقد أصبح العلاج الجيني قاب قوسين أو أدنى أن يظهر إلى حيز الوجود وتتناقله الصيدليات لاستخدامه في علاج أمراض كثيرة.

وقد قدر العاملون في هذا المشروع بأنه في عام 2010 سوف يشهد العالم إعلان الخريطة الجينية للجسم البشري، والتي عن طريقها سوف يعرف الكثير من المعلومات الصحية والأسباب المرضية والتوقعات للمسيرة الإنسانية في المستقبل، ورغم أهمية هذا الجانب إلا أنه أثار العديد من المشاكل الأخلاقية المتعلقة بسرية المعلومات وأهميتها ومن له الحق في تداولها وإصدار القرار المبني على معرفتها، إلى غير ذلك من الأسئلة التي يحاول علماء الأخلاقيات والمهتمون بها وعلماء الأديان عاكفين على محاولة الإجابة عنها، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية تولي هذا الموضوع أهمية كبرى وستدعو في القريب العاجل إلى ندوة لدراسة الحِل والحرمة من منظور إسلامي لكل ما ظهر حتى الآن في هذه الموضوعات.

وما لبث هذا الموضوع الساخن والهام يبدأ في تفهمه العامة والخاصة والتشوق لسماع أخباره حتى ظهر موضوع الاستنساخ البشري الذي أثار ضجة كبرى، وتناولته الأقلام بانفعال شديد اضطرت الحكومات ورؤساؤها والبرلمانات وعلماء الأخلاقيات والأديان أن يناقشوا الموضوع تحت ضغط الرأي العام، وصدر العديد من الفتاوى والآراء قبل أن يدرس الموضوع دراسة علمية متأنية، إن موضوع الاستنساخ هو محاولة أنانية للتغلب على الموت أملًا في الخلود باستمرار نسخ الشخص نفسه واستنساخه جيلًا بعد جيل وهذه المحاولات للخلود ليست الأولى فقدماء المصريين كما يحكي لنا التاريخ اعتقدوا بأن الموت مرحلة ستعقبه مرحلة حياة أخرى، ولذلك وضعوا بجانب جثث موتاهم المحنطة ما لذ وطاب من أصناف الأكل والشرب التي كان يحبها المتوفى اعتقادًا منهم بأنه سيصحو يومًا ما فيجد مأكله ومشربه حاضرًا بين يديه، والشيطان عندما أغوى آدم سأله

{هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120]

نظرة تاريخية: إن أول من تنبأ بعلم الاستنساخ البشري هو العالم النمساوي هبرلانت، عام 1902 حيث قال: التكاثر النسخي سيطبق يومًا ما. ورغم أن نبوءته هذه جاءت في أوائل القرن الحالي ولم يكن علم الوراثة قد استقر بعد إلا أن هذه النبوءة بدأت بوادر تحققها تظهر في أواخر القرن العشرين، وظل الحديث هكذا بين المد والجزر حتى أوائل الستينيات حيث قام البروفسور (إف، سي ستبورد) وزملاؤه في معهد (كورتل) بأخذ بعض خلايا الجزر ووضعها في وسط غذائي دقيق الإعداد يحتوي على حليب جوز الهند فحدث أمر مرعب، حيث بدأت بعض هذه الخلايا بالانقسام كما لو كانت ملقحة، وهي في الواقع لم تكن ملقحة أبدًا، حتى إن بعض الخلايا الناشطة انبثقت منها البراعم وأرسلت الجذور، وفي أوساط غذائية أخرى تفرعت منها أغصان خضراء ونما بعضها إلى أن تحول إلى جزر ناضج طبيعي في كل شيء، ومن هنا أطلق عليها Clones وأصلها يونانية Klan التي تعني الحشد أو الشتل.

ص: 1297

وبعد وقت قصير تم تطبيق التكاثر النسخي على الحيوانات والنباتات وابتداء من أواخر الستينيات واستنادًا إلى العمل الرائد الذي قام به اثنان من العلماء الأمريكيين - الدكتور بريجز، والدكتور كينج - قام الدكتور جوردون من جامعة أكسفورد بتطبيق التكاثر النسخي على الضفدع الإفريقي ذي المخلب، حيث استعمل الأشعة فوق البنفسجية لإتلاف النواة في البييضة غير الملقحة لهذا الضفدع، ثم أدخل في هذه البييضة عن طريق الجراحة المجهرية نوى خلايا جسمية مأخوذة من الضفدعة، وعندها شاهد جهازًا معينًا للإرشاد داخل بلازما البييضة يأمر النواة بالانقسام تمامًا كما لو كانت البييضة قد اكتملت صبغياتها عن طريق التلقيح بالنطفة، واستمر الانقسام إلى أن تشكل ضفدع جديد كامل التكوين.

الدكتورة بياتريس منتز (Beatric mintz) من مؤسسة أبحاث السرطان في فيلادلفيا توصلت إلى طريقتين تقاربان الاستنساخ، الأولى: النسخ الناتج عن تفكيك الأجنة، والثانية: دمج الأجنة وتشكيل كائنات لها زوجان من الأبوين بدلًا من زوج واحد.

والطريقة الأولى معروفة الآن، وهي نفس الطريقة التي نشرها ستيلمان وهول على الأجنة البشرية عام 1993، وسيتم شرحها بالتفصيل فيما بعد.

أما تفاصيل الطريقة الثانية أي الالتحام الجنيني فقد توصلت إليها أثناء بحثها عن أوساط بيولوجية مفيدة لدراسة التمايز الخلوي وتشكُّل الخلايا الجنينية.

أخذت الدكتورة (منتز) جنينًا ناتجًا عن التلاقح الطبيعي لزوج من الفئران البيض النقية ووضعته في أنبوبة اختبار مع جنين آخر ناتج عن التلاقح الطبيعي لزوج من الفئران السود النقية ثم أضافت في أنبوب الاختبار هذا بعض المركبات الكيماوية المذيبة للمادة التي تربط الخلايا ببعضها فتفككت الخلايا وامتزجت وبعد قليل أخذت تلتصق ببعضها، بغض النظر عن ارتباطاتها السابقة، وكونت هذه الخلايا أخيرًا جنينًا واحدًا.

زرعت دكتورة منتز هذا الجنين المركز في رحم إحدى الفئران لتقوم بدور الأم البديلة فتثبت الجنين في الرحم وتطور بشكل طبيعي وولد فأرة سليمة نمت وعاشت بصورة طبيعية، غير أن لونها كان غريبًا بعض الشيء. وبهذه الطريقة تم تشكيل المخلوقات المتعددة الآباء والأمهات.

أما الدكتور هيرو شهورن رئيس قسم الوراثة الطبية في معهد جبل سيناء الطبي بنيويورك، وكان رئيسًا سابقًا للجمعية الأمريكية للوراثة البشرية، فقد قال:" إن النسخ ليس فقط ممكنًا بل إن هناك احتمالًا كبيرًا في نجاحه وأعتقد بأن هذا النجاح سيتحقق في وقت أسرع مما يظنه الناس بكثير ".

ص: 1298

ولا شك في أن نسخ البشر أصعب من نسخ الضفادع والجزر، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن البييضة البشرية لا بد أن يتم حملها في الرحم بدلًا من تركها على إحدى الصخور أو نقعها في حليب جوز الهند، بالإضافة إلى أن البييضة البشرية أصغر بكثير من بييضة الضفدع وأسرع منها عطبًا لذلك فإن أكبر عقبة تواجه المتخصصين في هذا المجال هي إيصال النواة المتناهية الصغر للخلية الجسمية سالمة إلى داخل سيتوبلازم البييضة، وعندما يتمكن العلم من القيام بذلك فلن يكون هناك ما يمنع نمو هذه البييضة كأية بييضة ملقحة بالطريقة العادية، (هذه المقولة قيلت قبل ظهور طفل الأنابيب، وبعد النجاح الكبير في مجال طفل الأنابيب أصبح التخوف من رفض الأرحام للأجنة المخصبة في غير محله) .

وكان العلم قد تمكن من إيجاد وسيلة لغرس البييضة الملقحة في أرحام الأمهات، وقد أجري العديد من التجارب على الحيوانات بهذا الخصوص قبل الإنسان، حيث تمكنوا من تحفيز أبقار ذات صفات عالية لتبيض عددًا كبيرًا من البييضات ثم تم تلقيحها خارج الرحم من ذكور ذات صفات ممتازة لإنجاب أبقار جديدة ذات صفات عالية في الجودة والإنتاج الحيواني من لحم وألبانٍ ومقاومةٍ للأمراض.

ماهو الاستنساخ؟

الاستنساخ كما ذكرت المراجع العلمية على نوعين:

الأول: التقليدي: وهو عبارة عن نقل نواة خلية جسمية (تحتوي على 46 كروموسومًا) مكان نواة بييضة (تحتوي على 23 كروموسومًا) ويتولى السيتوبلازم المحيط بالنواة الجديدة في البييضة حث النواة المزروعة وتنبيهها على الانقسام، فتبدأ في الانقسام مكونة الخلايا الأولى للجنين الذي سيصبح بعد ذلك إنسانًا هو صورة طبق الأصل من صاحب النواة الجسدية التي زرعت نواته في البييضة، وتصل نسبة التطابق من الناحية المظهرية إلى نسبة كبيرة جدًا، أما الصفات الأخرى النفسية والعقلية والسلوكية وغيرها فستتأثر بالأم الحاضنة والبيئة التي سينشأ فيها وغير ذلك من عوامل النشأة التي اختلفت بين الأصل والصورة.

الثاني: وقد ظهر عام 1993 من العالمين الأمريكيين ستيلمان وهول حيث أخذا حيوانًا منويًا (يحتوي على 23 كروموسومًا) ولقحا بييضة (تحتوي على 23 كروموسومًا) لينتجا بييضة ملقحة بنواة ذات ستة وأربعين كروموسومًا ثم انقسمت هذه الخلية الملقحة لتعطي أربع خلايا.

ص: 1299

الجديد في بحث ستيلمان وهول الآتي:

1 -

أنهما توصلا إلى أنزيم ومواد كيميائية تستطيع أن تذيب الغشاء البروتيني السكري المحيط لهذه الخلايا فانفصلت عن بعضها البعض.

2 -

توصلا إلى مادة جديدة من الطحالب البحرية لإصلاح جدار الخلايا المنفصلة وتغطيتها بحيث لا تفقد صلاحيتها.

3 -

أخذا كل خلية من هذه الخلايا وقاما باستنساخ كل واحدة على حدة لتنتج أربع خلايا مرة ثانية، أي الناتج ست عشرة خلية، ثم فصلا هذه الخلايا واستنسخاها على أربع وستين.

ثم جمدا هذه الخلايا والتي هي البداية الأولى للجنين، وأخذا واحدة فقط لتنميتها حتى وصلت إلى 32، خلية ولم يكملا العمل خوفًا من الجوانب الأخلاقية.

ستيلمان وهول لم يتمكنا من إنتاج إنسان بسبب أن البييضات التي استخدماها كانت ملقحة مرتين من حيوانين منويين، حيث البييضة تحتوي على عدد كبير من الكروموسومات بسبب تلقيحها من الحيوان الثاني، إلا أنهما حققا هدفًا كانا يسعيان إليه، ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا نفسها لبييضة ملقحة تلقيحًا طبيعيًّا لتنتج المطلوب من الأجنة التي سوف تتطور إذا ما وضعت في أرحام الأمهات إلى إنسان كامل.

الفرق واضح عن الاستنساخ التقليدي الأول حيث البداية نواة خلية جسدية تنقل إلى بييضة خالية من نواتها، أما النوع الثاني فالبداية كانت من حيوان منوي وبييضة، يمكن أن تكون هذه الطريقة مفيدة إذا تم ذلك من أب حيواناته المنوية معظمها ميت إلا القليل جدًّا منها به حياة، أو ضعيفة أو مصابة بتشوهات، ويمكن أن تكون البيضة من الأم، وفي هذه الحالة يمكن التغلب على مشكلة العقم بطريقة علمية مأمونة.

هذا البحث جرى بعيدًا عن أعين اللجان الأخلاقية، وأذيع في أحد المؤتمرات عام 1993 وأثار زوبعة من علماء الأخلاقيات وعلماء الدين، إلا أن علماء الخلايا والبيولوجيا منحوه جائزة أحسن بحث في المؤتمر. وقد زعما أنهما أخذا تصريحًا بهذا العمل، إلا أن التصريح لم يكن من أجل هذه التجارب، وهذا ما أفزع علماء الأخلاقيات وطالبوا بوضع حدود معينة للأبحاث في هذا المجال.

النوع الثالث من الاستنساخ:

هو الاستنساخ العضوي والخلوي والجيني، ويقصد به استنساخ بعض الأعضاء التي يحتاجها الإنسان في حياته حال حدوث عطب في أحد هذه الأعضاء، ولقد نجحت حتى الآن زراعة الجلد البشري ويوجد بنوك لهذا الجلد في معظم دول العالم، ومن المعروف أن الجلد يعتبر أحد الأعضاء الهامة والتي يتوقف عليها إنقاذ إنسان تعرض جسده بنسبة كبيرة للحروق. وكما ذكر أحد الباحثين بإمكانية النجاح في استنبات المبايض والخصى الذكرية البشرية مخبريًّا بحيث يمكن الحصول منها على بييضات ونطف بشرية.

ص: 1300

أما الاستنساخ الجيني: فقد تمكن العلماء منذ فترة قصيرة من اكتشاف أسباب كثيرة من الأمراض الوراثية فإذا أمكن إصلاح هذا العطب في الجين يمكن بعد ذلك استنساخه واستخدامه في العلاج.

أما عن استنساخ الخلايا، فقد نجح بشكل كبير في البكتريا، فاستخدامها يتم بالتعاون مع الهندسة الوراثية لإنتاج أنواع لها وظائف فزيولوجية معينة بعد تغيير بعض الأجزاء في حامض النوويك قابل الالتحام، ثم استنساخ البكتريا الجديدة ذات الصفات الفزيولوجية الجديدة.

فمثلًا تم تعديل الصفات الفزيولوجية لبعض أنواع البكتريا لكي تنتج أنسولين الآن في المعمل، وهو ما يسمى بالأنسولين البشري.

وهناك أنواع أخرى من البكتريا تم فيها تعديل الشفرة الوراثية واستنساخها للتغلب على مشكلة التلوث بالبترول

وهناك الكثير والكثير.

إنتاج الخروف دولي

تم أخذ خلية من ضرع الأم واندمجت مع بييضة خالية من النواة لتدخل الخلية الجسمية مع البييضة وتكون الحياة الباكرة للجنين ومن حوالي 277 خلية مندمجة، نجح فقط 29 بدأت في النمو في المعمل وتم زرعها جميعًا، وقد ثبتت 13 فقط من هذه الخلايا التي تحتوي على خلايا جنينية في رحم النعاج، واستمر ثلاثة في الحمل اثنان أجهضا وماتا والثالث فقط (دولي) هي التي ولدت.

الطريقة كانت عشوائية ولا أحد يعرف الأسرار ولا كيف تمت، وقد صرح العاملون في هذا المشروع بأن الهدف الرئيسي لهذا الموضوع هو إنتاج خروف قد تم تعديل حقيبته الوراثية لإنتاج بعض المواد الصيدلية مثل إنتاج بروتين شبيه ببروتين الإنسان أو هرمونات في اللبن.

سؤال هام يثور هنا من أن (دولي) أنتجت من خلية من نعجة عمرها ست سنوات، ومن المعروف أن الخلايا لها عمر افتراضي، فهل سيقدر لدولي أن تعيش مثل الخراف العادية أم أنها ستعيش الجزء الباقي من حياة الخلية؟

سؤال ثان: هل دولي سيكون عقيمًا أم لا؟ حيث وجد أن الضفادع المنتجة عن طريق الاستنساخ كانت عقيمة.

هذه الطريقة ليست جديدة، فقد سبق أن طبقت على الفئران منذ عشرين عامًا وعلى الأبقار منذ عشر سنوات - إلا أن الجديد أنها على القردة. وهكذا نجد أن الخلايا الجنينية التي استهل بها الانقسام مسيرته كانت لها القدرة العامة على إنتاج الخلايا المتخصصة فمنها تولد خلايا الجلد واللحم والعظم

فضلًا عن الأوعية الدموية التي تمدها بالغذاء المطلوب لها، والأعصاب التي تضبط حركتها الحية وإفرازاتها الحيوية، والتي يضبطها في نهاية الأمر جهاز مركزي هو أكثر الأجهزة تعقيدًا وكفاءة.

والأمر الجدير بالملاحظة أن هذه الخلايا الجنينة بمجرد أن تتحول إلى خلايا ناضجة محددة الهوية يتم قفل برنامج حمضها النووي بما يشبه التأمين الذي يغلق به مغذي الكمبيوتر ملفًّا ما حتى لا يضيع ما اختزنه فيه من معلومات قبل أن يغادر مقعده أمام لوحة المفاتيح والشاشة المضيئة، ولهذا فليس أمام خلية الجلد البالغة مثلًا، إلا أن تنتج جلدًا فقط فهذا هو البرنامج الوحيد المقترح أمامها وذلك لتعويض ما يتهرأ من نسيج الجلد وما يموت من خلايا، فإذا ما أتيح لهذه الخلية أن تسترسل في الانقسام في وسط تغذوي كاف فإنها تصبح قادرة معمليًا على إنتاج أمتار عديدة من الجلد حسب اللون المخزن فيها وهكذا بقية الخلايا.

ص: 1301

إذن السبق العلمي الذي وصل إليه (ويلموت) لإنتاج النعجة أنه أتاح الفرصة معمليًا لخلية جسدية بالغة ومحددة الهوية للعودة إلى صفاتها الجنينية بتعريضها لوسط فقير في مكوناتها الغذائية الأمر الذي أفضى بحمضها النووي إلى أن ينكفئ على نفسه فاضًا ختم تخصصه مستعيدًا ذاكرته القديمة مستردًا قدرته الأولية على إنتاج جنين متنوع الأعضاء كامل النمو متكامل الوظائف، وكأن رجل الكمبيوتر عاد إلى مقعده أمامه ونقر على لوحة المفاتيح بحروف كلمة السر وعلى أثرها انفتحت مغاليق مغارة علي بابا الأسطورية.

إن الذي حدث إنجاز تقني وليس بإعجاز علمي، إنه إفراز تكنولوجي وليس علمًا جديدًا أو معرفة أخرى، وعلينا أن نعي هذا رغم اندهاشنا العظيم، ونعي أكثر أن التكنولوجيا يجب ألا تكون بديلًا عن العقل، ويجب ألا ندعها من الآن فصاعدًا أن تفكر لنا وتشير علينا، وإلا فإن نسخ (فرانكشتين) هو الذي سوف يقود خطانا في دروب جهولة سوف تغطي بنا عوالم غير إنسانية.

إن الباحث يعمل في شركة دواء تسمى PPL وهذه تحاول أن تنتج بروتينًا معينًا يفرز في ألبان هذه الحيوانات وتستعمل بعض هذه البروتينات كعوامل مجلطة لمرض الهيموفيليا أو سيولة الدم، وبعضها يستعمل كهرمونات مثل هرمون النمو لعلاج التقزم الناتج عن ضمور الغدة النخامية. أو هرمون الأنسولين لعلاج مرض السكر، وبناء على أسلوب الهندسة الوراثية المستحدثة يتم معالجة جينات البييضة المخصبة لأنثى حيوان ثديى، وبعد المعالجة يتاح لهذه البييضة أن تحمل في رحم حملًا طبيعيًا حتى تولد، وعند بلوغها يمكن الحصول على المركب البروتيني المطلوب من إفرازها اللبني.

ولم تكن النعجة (روزي) والدة (دولي) إلا واحدة من المحطات الحية لتحضير مركب بروتيني بعينه، ولم تطرأ فكرة الاستنساخ إلا خوفًا على الصفات الوراثية التي اكتسبتها (روزي) من المعاملة الجنسية ومحاولة الحصول على (دولي) بنفس الصفات الوراثية لروزي.

إنتاج القردة

في نفس الوقت الذي أذاعت الأنباء إنتاج النعجة (دولي) أذيع أن جامعة (أوريجون) أنتجت قردة.

أذاع السيد (ريك فينر) و (جون شفارتز) المحرران العلميان في مجلة الواشنطن بوست بتاريخ 2 مارس 1997 ص A04 بأن إنتاج القردة في جامعة أوريجون تم بطريقة استنساخ خلايا جنينية وليست مثل إنتاج النعجة (دولي) ، وقد صرح الدكتور (دون ولف) الباحث الرئيس في جامعة أوريجون الذي كان وراء إنتاج القردة بأن الأبحاث لم تكن مصممة لإنتاج قردة مثل النعجة دولي، ولكن كان الهدف إنتاج قردة توائم متشابهة من الناحية الجنينية لاستخدامها في الأبحاث الطبية، والتي تحتاج دائمًا إلى تشابه كامل في حيوانات التجارب. والطريقة التي تم إنتاج القرود بها تمت على مرحلتين.

الخطوة الأولى: تم تلقيح بييضة من الأنثى بحيوان منوي من الذكر بطريقة طفل الأنابيب، وبعد التلقيح وانقسام هذه الخلايا إلى ثمانية قام العلماء بفصل هذه الخلايا عن بعضها البعض.

الخطوة الثانية: قام العلماء بانتزاع نواة من تلك الخلايا الجنينية السابقة وزرعوها في بييضة أخرى منزوعة الخلية، وهذه البييضة الجديدة لديها القدرة أن تنقسم لتصبح جنينًا، ثم أخذوا تسعة من هذه الأجنة وزرعوها في أرحام تسع قردة أنثوية؛ ثلاث من هذه القردة حملت، إلا أن جنينًا واحدًا مات، بينما الاثنتان الأخريان ولدتا القردين اللذين ظهرا أمام العالم، ورغم أنهما ولدا من أمهات مختلفة إلا أنهما أخوان، نظرًا لأن البداية كانت من ذكر واحد وأنثى واحدة.

ص: 1302

وأضاف العالمان صاحبا الإنتاج بإمكانية استخدام الاستنساخ مع الهندسة الوراثية للتحكم في الصفات الوراثية المطلوبة من المواليد الجدد. ثم يذكر العلماء بأن هذه التقنية سوف تتغلب على كثير من الصعاب التي تواجه المصابين بالعقم بحيث يمكن التغلب عليه.

إن إذاعة أنباء استنساخ الثدييات قد دفع الكثيرين إلى انفعال شديد، والآن هناك لغط حول الموضوع؛ هل إجراء هذا الموضوع صحيح؟ هل هناك حدود يجب الالتزام بها؟ وهل هناك معايير يجب التقيد بها؟

وقد لوحظ أن عددًا كبيرًا من الناس قد دخل النقاش وهم في تهور شديد، وبالتأمل القليل في الإجابات، نجد أن الناس يجيبون باندفاع شديد تحكمهم في ذلك العاطفة أكثر من العقل.

الانعكاسات الأخلاقية على الاستنساخ:

لقد انقسم العلماء على أنفسهم؛ منهم من يرفض الموضوع رفضًا مطلقًا، ومنهم من يؤيده تأييدًا مطلقًا، ولكل حججه وبراهينه.

وفيما يلي سنورد ما ذكره الرافضون:

فالرافضون للموضوع يخشون جنوح الأمر أمام الخيال الذي لا حدود له، فعالم الوراثة الكبير (واطسن) الحائز على جائزة نوبل للبيولوجيا يقول:"إن هذا العمل سيؤدي إلى تشويش كبير في النشوء والتطور، وهذا يعني الفوضى الأبدية "، ثم يضيف قائلًا:" إنه لأمر شديد الخطورة أن تسلب ابنك شعوره بذاته كفرد وتفرض عليه أمرًا قد لا يرضاه لنفسه بتدخلك السافر ضد طبيعة الأمور "، ويردف قائلًا:" إن ذلك قد يؤدي إلى تغيير طبيعة الارتباط بين الطفل ووالديه تغييرًا جذريًّا لدى من نشؤوا نشأة دينية، هذا عدا القيم التي يحملها كل فرد، وهي قيم خاصة به كشخص متميز عن غيره من الناس ".

أما الدكتور (ليون كاس) الأخصائي في البيولوجيا الجزيئية (Molecular Biology) وآداب البيولوجيا في كلية (صن كوين) في أنا بوليس، وصف النسخ بقوله:"إنه استمرار طابع وراثي معين يحقق استمرارًا مصطنعًا من جيل لآخر، ويمكن تخيل مخاطر هذا الإجراء على الجنس البشري بسيادة البعض وانقراض الآخر ".

وقد كتب الدكتور (دانيا كالاهان) مقالًا مطولًا يقول فيه: "إن جانبًا كبيرًا من مشاعره وأفكاره ودوافعه الفطرية هو مع (د. كاس) وهو يخشى أن تؤدي ممارساتنا اللامسؤولة في مجال التخليق والتصنيع إلى تجريدنا من إنسانيتنا إلى درجة خطيرة، وهو أمر وارد حقًّا، فإننا كبشر قد توصلنا منذ زمن قريب إلى تعريف دقيق لـ (الإنسان) ، وبالرغم من ذلك فإننا لا نزال حتى الآن في طور تفسير ذاتنا، ويضيف قائلًا: إن إلغاء الجماع والتوالد وإشاعة التزواج اللاجنسي عن طريق الاستنساخ وأمثاله يؤدي إلى تجريد الإنسان من إنسانيته، وقد ميزه الله عن بقية المخلوقات الحيوانية بذاتيته إذ لا يمكن القبول أن يكون إنتاجه بصورة تشبه إنتاج قطيع من الأبقار أو الخراف ".

ص: 1303

ويرى بعض المعارضين أن هذا تطاول على الخالق، حيث تنبأت شركة (راند) ذات النظرة الواقعية بتخليق (أشباه البشر) لتكليفها بالأعمال المتدنية، وقد لوحظ أن بعض أرباب العمال يفضلون استخدام العمال المتخلفين عقليًّا، لأنهم الأناس الوحيدون الذين هم على استعداد تحمل أعباء هذه الأعمال كمسح الأرض وغير ذلك من الأعمال المتدنية.

ثانيًا: المؤيدون للاستنساخ ماذا يقولون؟

إن السعي إلى تحقيق التوالد النسخي سيزود العلماء بكثير من المعلومات العلمية الأساسية عن تمايز الخلايا والسرطان والوراثة والمناعة وتحقيق نسخ الإنسان قد يدفع الأبحاث النفسية والعصبية وما شابهها قدمًا إلى الأمام لاكتشاف الكثير مما غم على العلماء.

الدكتور (فلتشر) وهو أحد أهم الباحثين في علم البيولوجيا يقول:

"إن الشرط الأول والأخير للتصرف الأخلاقي للإنسان هو أن يتمتع هذا الإنسان بحرية الاختيار فبدونها لا يمكن اعتبار تصرفه أخلاقيًّا لأن ما يجبر على القيام به لا يمت إلى الأخلاق بصلة، ولذلك يجب فتح مجال الأبحاث على مصراعيه مهما كانت العواقب، لأنها تصب أولًا وأخيرًا في صالح الإنسان

!! ".

ثم يضيف قائلًا: "وإن وجود العديد من النسخ المتطابقة قد يحث كلا منها على السعي لتحقيق التفوق على النسخ الأخرى، وبالتالي إثبات شخصية متميزة، ومن ناحية أخرى يمكن للنسخة أن تعوض عن نقصها بادعائها أنها تتمتع بمزية عجيبة هي التطابق مع أفراد آخرين في عالم يختلف فيه كل فرد عن الآخر ".

وبعضهم يقول: "إن الخلية هي من صنع الله، وما قمنا به هو مجرد نقل نواة من خلية شخص إلى بييضة أنثى، وبأمر الله انقسمت ونمت، وكلها من صنع الله، وهذا ليس تطاولًا على الله كما يدعي البعض ".

البعض الآخر يثير نقطة هامة هي:

أن الطبيعة فيها كثير من الاستنساخ بين الكائنات الثديية وحتى بين الإنسان، فقد أكدت الدكتورة هيلين (Helen spurway) الأستاذة في الكلية الجامعية بلندن، أن هناك احتمالًا بوقوع ولادة بكرية (وهي الولادة التي تحصل نتيجة حمل ناشئ عن انقسام بييضة أنثوية غير مخصبة بنطفة ذكرية) ، واحدة في كل مليون إلى مليوني امرأة، ذلك لا يتم إلا بشروط، منها تطابق الزمرة الدموية بين الأم وابنتها، بدون رفض، فإذا أمكن توفر كل هذه الشروط في إحدى النساء فإنها ستحمل، وهناك حيوانات كثيرة تتحول الذكور فيها إلى إناث إذا ما زاد عدد الذكور والعكس بالعكس، مثل بطلينوس البحر.

ص: 1304

أما الدكتور (غلاس) فإنه يذكر بعد أن لاحظ تحقيق إنجازات معينة في مجال أنسجة الثدييات فتنبأ بتوصل العلم قريبًا إلى استنبات أجزاء المبايض والخصي البشرية مخبريًّا بحيث يمكن الحصول منها باستمرار على بييضات ونطف بشرية.

بعض المؤيدين يعتقدون بأن الاستنساخ البشري سوف يساعد على تحسين الحياة للأجيال القادمة.

وآخرون يرون أنه قد حان الأوان بأن يتدخل الإنسان ليساعد الطبيعة على انتقاء الأنواع بدلًا من ترك الطبيعة منفردة بذلك.

ويعتقد هؤلاء العلماء أن هذا هو الهدف الرئيسي لهم تجاه المجتمع والتزامهم نحو الأجيال القادمة.

بعض أطباء أمراض النساء يشجعون أبحاث الاستنساخ لأنه سوف يكشف الكثير من الغموض عن أسباب الإجهاض المبكر دون معرفة سببه.

اختصاصيو تحديد النسل يعتقدون بأنه إذا تم إيجاد كيفية تعرف الجنين زرع نفسه في الرحم سيتمكنون من إيجاد وسيلة لمنع الجنين من الانزراع داخل الرحم، وبذلك يتوصلون إلى وسيلة جديدة لمنع الحمل. اختصاصيو السرطان يعتقدون بأن ذلك سيفتح أمامهم طريقًا للتعرف على الأسباب وراء سرعة انقسام الخلايا السرطانية، والتي تبين أنها تماثل سرعة انقسام الخلايا الجنينية، وبالتالي فإذا تم التعرف على طريقة معينة لإيقاف انقسام الخلايا الجنينية فإنه يمكن استخدام ذلك في وقف انقسام الخلايا السرطانية.

مجال آخر من مجالات فوائد الاستنساخ البشري هو الخلايا الجذعية (Stem cell) هذه الخلايا لا يمكن تمايزها وبالتالي يمكن أن تتطور إلى أي نوع من الخلايا في الجسم، وهذه الخلايا لا تهاجم بالجهاز المناعي الشخصي للجسم، وذلك لسرعة تطورها إلى حالة لا تحايزية.

ويعتقد كثير من الأطباء أن هذه الخلايا الجذعية يمكن استخدامها في علاج دمار المخ والجهاز العصبي، حيث إن هذه الأجهزة عند دمارها في البالغين لا يمكن إصلاحها، وبالتالي فإن الخلايا الجذعية يمكن استخدامها نظريًّا لعلاج هذه الحالات، ولهذا فإن خلايا الأجنة المستنسخة يمكن استخدامها لإنتاج عدد كبير من الخلايا الجذعية.

كما يمكن استخدام الاستنساخ في المسح الجيني وفي حالة إصابة أحد الوالدين بمرض ما مثل (Cystic fibrosis) ، وحتى يمكن تلافي إصابة الأبناء فيمكن عن طريق الاستنساخ الجنيني إنتاج عدد من الأجنة بهذه الطريقة، وإجراء الاختبار على أحدها وتجميد الآخرين، فإن ثبت عدم الإصابة؛ فإنه يمكن استخدام أحد الأجنة المجمدة لغرسه في رحم الأم، لأن الاختبار يؤدي إلى هلاك الخلايا الجنينية التي تم إجراؤه عليها.

وإذا ثبت أن الاختبار إيجابي فيمكن تدمير بقية الأجنة المخزونة.

ص: 1305

ومجال آخر يطرقه المؤيدون للاستنساخ إلا أنه يثير الكثير من علامات الاستفهام، هو استخدام الاستنساخ لتوفير الأعضاء البشرية للزراعة نظرًا لندرتها وأهميتها في الوقت نفسه، إذ يمكن للأهل أن ينفقوا على إجراء الاستنساخ لأكثر من جنين بزرع واحد فقط في الأم ويجمد الباقي احتياطيًّا للوليد إذا ما أصابه مكروه أو توفي، وفي هذه الحالة يمكن استخدام الاحتياطي.

وهنا يتساءل المرء: أين الجوانب الأخلاقية التي تحكم هذا الموضوع بالذات؟ وما موقف الأخ من أخيه الذي استخدم كضحية له؟ والعديد من الأسئلة الحائرة في أذهان علماء الدين والمشتغلين بالأخلاقيات.

وقد قدم مؤيدو الاستنساخ قائمة طويلة لتطبيقاته التي قد ينجذب إليها الكثيرون في المستقبل إذا لم يكونوا قد انجذبوا إليها فعلًا الآن، وهذه القائمة هي:

1 -

نسخ أشخاص بهدف تحسين النوع وإضافة البهجة على الحياة.

2 -

تأمين مجموعات كبيرة من البشر المتطابقين وراثيًّا، بغية إجراء دراسات علمية عليهم لمعرفة أهمية كل من البيئة والتربية في مختلف أوجه الأداء البشري.

3 -

نسخ الأصحاء لتلافي مخاطر الأمراض الوراثية الكامنة في يانصيب التراكيب الجنسية.

4 -

منح طفل للزوجين العقيمين.

5 -

إنجاب طفل له طابع وراثي معين حسب الطلب.

6 -

التحكم بجنس الأطفال في المستقبل.

7 -

إنتاج مجموعات من الأشخاص المتطابقين لأداء مهمات خاصة في الحرب.

8 -

إنتاج نسخة جنينية لكل شخص تحفظ وقت الحاجة إليها أثناء مرضه أو إعادته مرة ثانية للحياة.

9 -

التفوق على الروس والصينيين، ومنع حدوث فجوة علمية في مجال النسخ.

10 -

من بين التطبيقات بالتعاون مع الهندسة الوراثية والاستنساخ هو تغيير الوظائف الفزيولوجية لبعض أنواع البكتيريا لإنتاج أنواع ذات صفات معينة لها قدرات خاصة، إما لمعالجة مشاكل مثل: بكتريا البترول والأنفلونزا، أو إنتاج سلالات لها مقاومة خاصة لأنواع من المضادات الحيوية، خاصة تلك التي تستخدم في الحرب الجرثومية.

محاذير أخلاقية:

إن موضوع الاستنساخ البشري سوف يثير الكثير من التحفظات والأسئلة خاصة في الدول الإسلامية - بل وفي كل دول العالم - حول: الأسرة وتعريفها، الأبوة والأمومة، مفهوم الإنسان والذات الإنسانية، حق الأبناء في ذاتيتهم الإنسانية، التطور الذي تفرضه الطبيعة والبيئة، الإرث، فقدان الهوية للأصل والصورة، الحق القانوني للنسخة، هل من حق أي شخص إذا أراد أن يحسن نسله أن يلجأ إلى هذه الوسيلة؟ إذا نجح الاستنساخ في إنتاج نسخة بها عيوب خطيرة.. ما مصير هذا الإنسان هل يقتل أو يبقى هكذا؟ ومن المسؤول عنه؟ ما نسب النسخة؟ هل هو ابن صاحب الخلية أم شقيقه؟ والحاضنة هل هو ابنها أم زوجها أم شقيق زوجها؟

ص: 1306

لكن سؤالًا يثيره أخصائيو التكاثر السكاني: إذا كان مني الأب خاليًا من الحيوانات المنوية أو به حيوانات منوية ولكنها كلها ميتة أو مشوهة هل له الحق في الاستنساخ بالطريقة الأولى أو الثانية؟ ، وسيجرنا هذا الموضوع إلى وضع تعريف جديد لمن هو الإنسان؟ هل هو القادم مثل بقية الحيوانات من قطيع أو هو الذي كرمه ربه حسب قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وقوله سبحانه:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} . [الإسراء: 70]

هل هذا تدخل في مشيئة الله، أو هذا من مشيئة الله ومن قدره ومما فتح الله على الإنسان من مكنونات أسراره واستخدامها؟

سؤال آخر: لكل خلية عمر افتراضي، هل الخلية التي أخذت من إنسان عمره 50 عامًا - على سبيل المثال - عند أخذ نواتها واستنساخها ما هو عمر هذه النسخة، هل هو نفس العمر أم استكمال للجزء الباقي من عمر صاحبه أم عمر جديد؟

ويعتقد المؤيدون للاستنساخ بأن هذا الموضوع سيفتح الآفاق أمام التغلب على الشيخوخة إذا نجحت هذه الأبحاث.

هنا يثور سؤال: هل الإنسان إلى تقدم وازدهار أم إلى خراب ودمار؟ هل هذه الثورة الهائلة ضد الموضوع هي مسائل عادية في مواجهة كل جديد مثلها في ذلك مثل كل شيء خرج إلى حيز الوجود يمس الكيان الإنساني والبشري؟

وفي غمرة هذه الانتصارات البشرية نعود لنذكر مفهوم العلم في القرآن، إن الله سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ لم يتركها قراءة عبثية أو بما فيها من هوى للنفس الأمارة بالسوء، ولكنه سبحانه أمره بأن يقرأ قراءة نافعة وبكل ما هو خير للبشرية، فأمره بأن يقرأ باسم الله، وهنا نعود لنقول: إن انفصال العلم عن الدين والحكمة سيضل ويضل صاحبه، وإن القرآن بين أيدينا يقص علينا قصة آدم ومحاولات الشيطان إغواءه، فوسوس له الشيطان في قوله سبحانه:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) } [طه: 122- 123] ، وهنا يوسوس الشيطان مرة أخرى تحت دعاوى فصل الدين عن العلم وبأن يكون ما لقيصر لقيصر وما لله لله، إنها دعوة ما أنزل الله بها من سلطان، ستكون نتيجتها على البشرية خرابًا ودمارًا.

إن هذه التقنية إذا استمرت على ما هي عليه فقد تصل يومًا ليد دكتاتور كبير يسخرها ضد البشرية، فالاكتشافات البشرية جميعها الآن مسخرة لدمار الإنسان، فمخزون العالم اليوم من القنابل النووية بأنواعها كفيل بتدمير الأرض عشرات المرات، وكل فرد على هذا الكوكب مخصص له 500 كجم من مادة (TNT) ، ورغم هذا التقدم فشل الإنسان في أن يحل مشكلة المجاعات في العالم، ففي صباح كل يوم يموت عشرات الألوف من البشر بسبب عدم توفر الغذاء أو الدواء.

ص: 1307

القنابل الجرثومية والعنقودية تغص بها ترسانات السلاح دون توجه لزيادة الموارد الغذائية أو اكتشاف دواء لأمراض كثيرة بسيطة تعاني منها شعوب فقيرة كثيرة.

إن المجانين الذين يحكمون العالم كثيرون ويحلمون بالخلود والسيطرة وبذل كل غال ونفيس للحصول على مثل هذه التقنيات الخطيرة ظنًّا منهم أنهم سيخرقون الأرض أو يبلغون الجبال طولًا

العالم الآن بجبروته وقوته يقف عاجزًا أمام فيروس بسيط لا يرى بالعين المجردة من أضعف الفيروسات، وهو (الإيدز) هذا هو التحدي الإلهي يقول للإنسان: تعلم وابحث واجتهد ولكن لا تتطاول ولا تظن أنك أصبحت قادرًا عليها، إن قومًا قبلكم ظنوا أنهم قادرون عليها فأرسلنا عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول.

إن التداوي واجب وأمر محتم، وطلب العلاج أباحه الإسلام، بل اعتبره واجبًا على كل مسلم بالطرق المشروعة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم)) ، وكان يقصد بذلك تناول الخمر كعلاج، فمن باب أولى احترام بنية الإنسان، فهو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:((الإنسان بناء الله ملعون من هدمه)) .

ماذا يحدث لو تحول المجتمع كله إلى أصحاء أقوياء أذكياء، بالتأكيد سيشقى هذا المجتمع، فستموت بين أهله الرحمة والمودة والإيثار، إن وجود المعوق والعاجز والمريض والمتخلِّف وغيرهم ما هي إلا نماذج بشرية تذكرنا بنعم الله علينا، وبأن يكون بيننا التراحم والتحاب والتآلف، ولا نكون أشداء قست قلوبنا على أنفسنا، فسنجني وبالًا شديدًا لا محالة. ماذا يمكن أن يحدث لو استنسخنا نسخًا عدة من شخص ما؟ ما هو الموقف القانوني خاصة إذا ما وضعت إحدى هذه النسخ في بيئة إجرامية طغى فيها عنصر الشر على الخير

من المسؤول في هؤلاء إذا ضاعت المعالم؟ وهنا يظهر دور البيئة على التكيف والتربية.

أما الدكتور (جيمس واطسن) وهو حائز على جائزة نوبل فكان يتصور أن نسخ الإنسان سيؤدي إلى ما يشبه انهيار الحضارة، وكان يشعر بأن ذلك النسخ سيتحقق لا محالة إذا لم نتخذ الاحتياطات اللازمة لمنعه.

إلا أن هناك من أغواهم الشيطان فانحرفت أفكارهم عن الطريق الصحيح، فهذا (فرانسيس كريك) الحائز على جائزة نوبل يعتقد بأن إنجاب الأطفال ينبغي أن يولي اهتمامًا لكل من الرجل والمرأة المرشحين للزواج بإثبات جدارتهما، وألا يترك الإنجاب عرضة للصدفة التي تحكمت فيه أجيال.

إن تقنية الاستنساخ لن تكون حكرًا على القوى العظمى فقط، بل ستنتشر وسرعان ما ستتملكها قوى أخرى أقل مكانة من العظمى، والشاهد على ذلك تقنية طفل الأنابيب التي أصبحت مشاعًا في كل دول العالم، ومن هنا تأتي المخاطر الكبرى.

أحد هؤلاء المتحمسين للاستنساخ يعتبر أن الرغبة البشرية لا تقل أهمية عن أي شيء، ويجب أخذها ووضعها بعين الاعتبار ومحاولة تحقيقها بأي وسيلة أو طريقة حتى لو كانت غير مشروعة.. أية رغبة هذه التي يمكن أن تحول الإنسان إلى ذئب ينهش الأعراض ويأكل الحرام؟

ثم يضيف بأن من يستخفون بالرغبة الإنسانية فإنهم يعيشون في عقم نفسي.

ص: 1308

وهناك قائمة طويلة لعلماء يقفون مع التناسخ البشري مثل (ج. ب. س هالدين) الذي يعده الكثيرون أحد ألمع علماء القرن العشرين، وهو الذي اقترح نسخ أشخاص ذوي مواصفات خاصة كانعدام الشعور بالألم، والرؤية في الظلام، والقزامة، كما أكد (جان روسنان) العالم البيولوجي الفرنسي المعروف أن التكاثر النسخي قد يستخدم لإضفاء نوع من الخلود المتسلسل على الفرد باستبدال النسخ المهترئة بنسخ جديدة إلى الأبد. واقترح الدكتور (جوشدا ليدبرج) الحائز على جائزة نوبل الاستفادة من التشابه العصبي بين الأصول والنسخ في رأب الصدع الكائن بين الأجيال بعضها مع بعض

وافترض الدكتور (ألوف أكسل كارلسون) تطبيق النتائج البشرية على الموتى وذلك للاستفادة من أشخاص تاريخيين من نفس الطابع الوراثي مثل (توت عنخ آمون) .

لقد أثبت إنتاج النعجة (دولي) والقردة أن الاستنساخ ممكن، لكن الطريق قد يبدو شاقًّا وطويلًا، ولكنها الخطوة الأولى.

إن الضجة التي أحدثتها الإعلانات الخاصة باستنساخ (دولي) ، والقردين أدت بكثير من الخبراء العاملين في هذا المجال إلى توخي الحذر في الإعلان عن أبحاثهم وعما يجري في المعامل، خوفًا من المطالبة بوقف هذه الآمال التي تراود العلماء.. وقد صرح البعض بأنه من المستحسن أن يعلن عن استنساخ الإنسان بعد وقوعه وليس قبل ذلك.

وقال: إن أحدًا لا يستطيع وقف اختطاف البندقة الآن، فالضجة نفسها حدثت عندما أذيع لأول مرة عن طفل الأنابيب وزراعة الأعضاء، بل عند استخدام الدم في العلاج، إن الأجنة الآن متوفرة، وبكميات كبيرة لدى عيادات علاج العقم، فماذا يحدث لو راود أحد الأطباء البدء بتجربة مثل هذه الأبحاث بعيدًا عن الأعين والبروتوكولات، خاصة أنها لا تحتاج إلى تجهيزات كثيرة ومعقدة.

وقد اضطرت إدارة الرئيس ريجان والرئيس بوش لوقف أبحاث الاستنساخ البشري تحت ضغط عدم توفر الميزانية، لكنها عادت مرة ثانية في عهد الرئيس كلينتون حيث ميزانية الأبحاث تم تدعيمها، لكنها أولًا وأخيرًا مهما وضعت لها مقاييس ومعايير سوف يتوقف كل شيء على ضمير القائمين على كل حالة على حدة، والخطورة هنا ناشئة من أن قانون الأبحاث الجديد أصبح يبيح للباحث ألا يعلن أبحاثه إلا بعد الوصول إلى نتائج يرى أنها تحفظ حقه في الامتلاك الفكري، لذلك فإن معظم هذه الأبحاث تجري في الظلام وبعيدًا عن الأعين، ولذلك فقد نفاجأ يومًا ما بأخبار استنساخ إنسان موجود بالفعل كما يشاع الآن.

هناك جدل في الغرب الآن مفاده بأن فكرة الاستنساخ على الحيوانات كانت بهدف فصل الجنين إلى جنينين متشابهين تمامًا في جميع الصفات.

ص: 1309

إلا أن تعريف الموضوع يختلف في حالة الإنسان عنه في حالة الحيوان فهل يعتبر الجنين إنسانًا أم لا؟ واختلف الباحثون في هذا الخصوص، فمنهم من رأى أن الجنين إنسان كامل فيه كل المواصفات الإنسانية، وهي المراحل الأولى للإنسان البالغ، والبعض الآخر قرر أنه مجموعة من الخلايا لا أكثر ولا أقل، ورغم أن هذه المناقشات هي مناقشات عقيمة، إلا أن السؤال الهام الذي يطرح نفسه هو: هل الخلايا الجنينية في مراحلها الأولى تتمتع بنفس الاحترام للإنسان الكامل؟ وهنا أحب أن أذكر بأن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية كانت سباقة في هذا المجال وبحثت هذا الموضوع وقررت بأن الخلايا الجنينية هي الخلايا الباكرة لإنسان الغد، والاعتداء عليها اعتداء على الإنسان، وهي حياة محترمة في كل أطوارها تتدرج عقوبتها حسب أطوارها.

الأسئلة المثارة الآن عن الاستنساخ والتي يتداولها العامة والخاصة تنحصر في: هل الاستنساخ البشري ممكن؟ وهل هو أخلاقي ويتوافق مع الدين؟ وهل هو قانوني؟

وهذه الأسئلة تنظر إلى البعد الآخر للموضوع، فالمتتبع لهذا الموضوع يلاحظ بأن الإعلان عن إنتاج النعجة (دولي) ظهر فجأة وبعد إنتاجها بعدة أشهر، وهذا يعني أن الأبحاث تجري على قدم وساق داخل أروقة المعامل، وبعيدة عن الأعين وعن- القوانين، فاستصدار قرار بوقف الاستنساخ لن يوقفه ولن يكون حائلًا دون إجراء الأبحاث والخروج بنتائج مبهرة للباحثين ومدهشة للسامعين ولعلنا جميعًا لاحظنا أن المؤتمر الذي أعلن- فيه الدكتور (ويلموت) عن إنتاجه للنعجة (دولي) كانت خلفيته أنه يوجد عليها اسم الشركة التي مولت الأبحاث والتي لها الحق في استخدامه تجاريًّا، ومن هنا يكمن الخطر وهو دخول التجارة كعنصر أساسي في هذا الموضوع.

إن المبادئ التي تحكم الأبحاث البيولوجية والطبية قد تغيرت كثيرًا، ففي السابق كانت الأبحاث تجري تحت أنظار اللجان المختلفة التي تحكم العملية البحثية وتنشر النتائج أولًا فأولًا، إلا أن هذا الاتجاه قد تغير في الفترة الأخيرة، ودخلت هذه الأبحاث إلى الأسواق التجارية وتتنافس الشركات المهتمة بتمويل هذه الأبحاث لاستخدامها بعد ذلك تجاريًّا، خاصة أن قانون حماية الإنتاج الفكري الآن يعطي لهؤلاء الحق في احتكار هذه التقنية لمدة عشرين عامًا ومدير الشركة الممولة لأبحاث إنتاج مواد بروتينية تماثل تمامًا البروتين البشري لاستخدامها مباشرة كغذاء، وفي العلاج وإنتاج أدوية، وبناء على ذلك، فهل هو صادق أم أنها تغطية قانونية للموضوع، ومظلة يحتمي فيها حسب القانون الأمريكي الصادر أخيرًا؟ ولا يخفى على أحد أثر الإغراء المادي والشهرة والأضواء على الإنسان مهما كان ملتزمًا.

ص: 1310

المشكلة الأخرى أن العلماء العاملين في مثل هذه المجالات الطموحة والخيالية لا يهتمون ولا يؤمنون كثيرًا بالجوانب الأخلاقية، ولذلك فإن عملهم في كثير من الأحيان يجري بعيدًا عن رقابة القوانين غير عابئين بأقوال وأحاديث وتحفظات المهتمين بالأخلاقيات، وهذه حماقة قد تؤدي إلى كوارث لا يعرف مداها إلا الله.

وهنا تظهر أهمية دراسة الأخلاقيات الطبية وإدراجها ضمن برامج كليات الطب وعدم الاكتفاء بعدد محدود من الساعات في نهاية الدراسة الجامعية؛ إذ يتضح الآن أهمية ترسيخ العقائد والجوانب الأخلاقية، ومدى الحِل والحرمة للطبيب، وأهمية الالتزام بهذه الجوانب ليس فقط في سلوكياته المهنية، ولكن أيضًا في أبحاثه وقبل أن يبدأ بها ليعرف معنى القيم الإنسانية وأهمية ما يقوم به وانعكاساته على الإنسان من حيث هو إنسان. وهنا يمكن أن يطرح سؤال هام: هل ننتظر رأي الدين وعلماء الأخلاقيات بعد وقوع الواقعة وخروج المارد من الزجاجة، وفي هذه الحالة يصعب السيطرة عليه أم يجب إبداء الرأي قبل وقوع الكارثة ومنذ بداية التفكير في إجراء التجارب والهدف منها؟

إن الأمر يبدو خطيرًا وأبعاده أخطر من أن ترى الآن، وإذا أردنا أن نوقف هذا الهدر وهذه الكوارث المحدقة بنا فعلينا أن نغلظ العقوبات على الاستنساخ البشري - ويكون ذلك معلومًا للباحثين في هذا المجال وأن أبحاثهم لن تنشر، ويجب وقف الدعم الحكومي والأهلي ودعم المنظمات والهيئات لهذه الأبحاث.

ص: 1311

إننا أمام عقد اجتماعي عالمي جديد لا يجب أن يمر هكذا، فإن البشرية تعاني اليوم من اكتشافها للانشطار النووي وتحدق بها الأخطار بعد أن أصبحت هذه التكنولوجيا متوافرة لدى الجميع، حتى الدول النامية التي قد لا يزيد دخل الفرد فيها على بضع مئات من الدولارات سنويًّا وتعتمد على الغير في غذائها ودوائها، لكن الشهرة وحب السيطرة والدكتاتورية تسول للإنسان أنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولًا.

ويجب علينا ألا نخضع لابتزاز العاملين في هذا المجال بأن العلم والتكنولوجيا يجب أن يكونا هما السيدين المطاعين، وهنا يمكن تطويع التكنولوجيا والعلم للإرادة البشرية والإنسانية وحاجتها باستخدام الحكمة والعقل وليس باستخدام الجينات والاستنساخ.

ثم هل الإقدام على الاستنساخ سيفتح آفاقًا جديدة للإنسان للتغلب على متاعبه ومشاكله، ومحاربة الأمراض، أم أنها خطوة لتحطيم إنسانيته وتؤدي به إلى انحدار وتدهور الصفات الوراثية؟

ولعل الندوة تتطرق إلى النقاط الآتية:

1-

وضع تعريف كامل لمعنى الاستنساخ بكل أنواعه.

2 -

وضع الرأي الشرعي في كل نوع من أنواع الاستنساخ.

3 -

الحدود الشرعية التي يجب ألا يتخطاها البحث العلمي في هذا المجال.

4 -

الضوابط المطلوبة لهذا الموضوع لضمان عدم انحرافه.

5 -

العقوبات لمن لم يلتزم بهذه الضوابط الأخلاقية.

ص: 1312

بيان صحفي لمنظمة الصحة العالمية / 20

11 مارس 1997:

المدير العام للمنظمة يدين الاستنساخ البشري

في بيان صدر اليوم في جنيف علق الدكتور هيروشي ناكاجيما، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية (م. ص. ع) ، على الإعلان الذي صدر مؤخرًا عن نجاح عملية الاستنساخ لنعجة بالغة على يد فريق من العلماء في أسكتلندا، وأشار إلى أنه أثار اهتمامًا عظيمًا كما أثار قلقًا عظيمًا لدى كل قطاعات المجتمع في جميع الثقافات، وقال: إن م. ص. ع، في هذه المرحلة، ترى أن من الضروري أن تتناول القضية وتوضحها كي يمكن القيام بتقدير معقول لما ينطوي عليه هذا البحث.

وقال ناكاجيما: إن م. ص. ع، تعتبر استخدام الاستنساخ لإنتاج نسخ لأفراد من البشر عملًا غير مقبول أخلاقيًّا، كما أن فيه انتهاكًا لبعض المبادئ الأساسية التي تحكم الإنجاب عن طريق العون الطبي، ويدخل في هذا احترام كرامة الإنسان وحماية أمن المادة الوراثية الإنسانية.

وذكر المدير العام بأن البرنامج الخاص للبحث والتطوير والتدريب البحثي في مجال التكاثر البشري كلف - عام 992 - مجموعة علمية بمراجعة الجوانب التقنية للإنجاب المدعوم طبيًّا والقضايا الأخلاقية المتعلقة به، وقد أيدت المجموعة- كل إنسان في التمتع بمنافع التقدم العلمي وتطبيقاته، كما أيدت الحاجة إلى احترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي، لكن المجموعة أكدت كذلك على أن هناك إجماعًا عالميًّا على الحاجة إلى تحريم الأشكال المتطرفة من التجارب، مثل الاستنساخ البشري والتخصيب بين الأنواع، وتخليق الكائنات الخرافية cHIMERAS، وأخيرًا، تغيير الأطقم الوراثية genome في أصل الخلية.

ص: 1313

وقال الدكتور ناكاجيما: إن م. ص. ع تود أن تقترح جعل هذه المبادئ الهادية بمثابة منطلق للحوار العام المطلوب على المستويين الوطني والدولي لإرساء المعايير والاحتياطات الوقائية اللازمة.

لكنه أوضح أن معارضة الاستنساخ البشري يجب ألا تؤدي إلى حظر على إجراءات وبحوث الاستنساخ دون تمييز، فالاستنساخ في حقل الخلية البشرية هو إجراء معتاد في إنتاج الأجسام المضادة النقية من أجل التشخيص والبحث في أمراض كالسرطان، كما أن الاستنساخ في الحيوان يوفر مجالات لتقدم البحث في الطب المتعلق بتشخيص الأمراض التي تؤثر على البشر وبعلاجها.

وبينما البحث في استنساخ الحيوان وفي الأنواع عبر الوراثة قد تنتج عنه منافع من بينها التطبيقات العلاجية، فإن علينا في كل الأوقات أن نبقى متيقظين لنتائجها السلبية المحتملة كأن تنقل إلى الإنسان الأمراض القابلة للانتقال بين الأنواع، وتريد م. ص. ع، أن تؤكد على أهمية أن نلاحظ في جميع الأحوال مبادئ الاحتياط وأن نكون قادرين على الاعتماد على الإرشادات الفنية والأخلاقية التي تؤمن الحماية الكاملة لصحة الكائن البشري وكرامته، وهذا يتطلب تدقيقًا واعيًا وحوارًا جماهيريًّا وآخر منظمًا يشمل كل القطاعات والهيئات المعنية ويأخذ في الاعتبار مختلف البنيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وأكد د. ناكاجيما أن م. ص. ع، ستمسك بالزمام في تنظيم هذا الحوار، وقال:" إننا نطالب بوجوب أن تكون الجوانب الأخلاقية في البحوث والتقنية المتعلقة بالصحة هي جوهر الحوار، وفي حدود قدرتنا سوف نركز في البداية على منطقتين لهما أولوية: صحة الإنجاب، والتطبيقات الطبية الأحيائية للبحوث الجارية على الطاقم الوراثي البشري، وسوف يكون هدفنا هو أن نساعد في تقويم الاحتياجات والممارسات الحالية، وأن نراجع الطرق الفنية والإجراءات، وأن نعين في بناء إجماع على الاحتياطات التقنية والأخلاقية التي ستطبق ".

وبين المدير العام أن مجموعة المراجعة العلمية والأخلاقية للإنجاب البشري سوف تتولى قيادة العمل على الجانب الأخلاقية للبحث في صحة الإنجاب، وأعلن أنها ستراجع قضية الاستنساخ في اجتماعها التالي، في الفترة من 23 - 25 أبريل، وسوف تكون هذه خطوة مهمة نحو تنظيم سلسلة من المشاورات القطرية والإقليمية التي ستساعد في تحديد القيم المشتركة التي يجب أن تقوم عليها معايير الممارسة السليمة والتوجيهات والتشريعات.

وقال د. ناكاجيما في ختام بيانه: " سوف تجري أولى هذه المشاورات في مطلع أبريل في بانكوك، إن م. ص. ع، تطلب المساهمة على أوسمع نطاق ممكن في هذه العملية العالمية ".

ص: 1314

مخاوف أخلاقية

إرشادات لكل الولايات حول استنساخ الأجنة البشرية:

نظرًا لأن البحث في ميدان الكيس الجنيني البشري (embryo) لا يزال في بدايته، فقد كان هناك تسرع في تقرير أي الإرشادات يمكن أن تعتمد لتنظيم بحوث الاستنساخ، ومن أجل أن نساعد (المركز القومي للصحة) في تحديد تجارب الاستنساخ التي سيمولها، فقد كونت هيئة طبية لوضع مجموعة أولية من الإرشادات، بدأ (ستيفن موللر Steven Moller) ، رئيس الهيئة، وبمساعدة عدد من علماء الأحياء البارزين، من بينهم (بريجد هوجان Brigid Hogan) واختصاصي الأجنة (مارك هيوز Mark Hughes) ، في وضع مجموعة من الإرشادات التي تزيل مخاوف كل من التجمعات العلمية والدينية، أما التجمعات الدينية فإنها تعارض بقوة جميع إجراءات الاستنساخ البشري، وتتعاطف التجمعات العلمية مع هموم التجمعات الدينية.

لكنها لا تحب أن تحرم من الكم الهائل من المعلومات التي يمكن أن تكتسب من الاستنساخ البشري، وقد أعلنت هيئة موللر مجموعة من الإرشادات تأمل أن تكون مقبولة لدى الفريقين كليهما، لقد أوصوا بإباحة البحث في الأكياس الجنينية في المرحلة السابقة على التخلق preextsting، ويسمح بتنمية هذه الأكياس لمدة أربعة عشر يومًا بما فيها اليوم الرابع عشر، كما يسمح للباحثين أن ينتجوا أكياسًا جديدة تكون فقط لازمة لما يعتبر في نظر (المركز القومي للصحة) بحثًا إجباريًّا، وكذلك يرخص للباحثين في إزالة بعض الخلايا الجنينية من الأجنة المخطط لها أن تخصب خارج الرحم في وقت لاحق (Marshall 1024) .

ص: 1315

لم تتوصل الهيئة إلى قرار بشأن مجالات أخرى عديدة تنتظر بحوثها التمويل، فالبحث حول البييضات الجنينية غير الناضجة، والبحث حول الأكياس الجنينية التي لا يوجد من تبرع بها لأخذ موافقته قد تركا بدون اتخاذ قرار بشأنهما، وقد نجم عن ذلك سؤال عمن أسقط جنينًا (fetus) هل تبقى له عليه حقوق الوالدية أم لا؟ فالجنين المسقط ليس شخصًا في حكم القانون وليس له اعتبار قانوني، والمجتمع بحاجة إلى أن يقرر ما إذا كان الجنين له اعتبار أخلاقي أم لا.

لقد اقترحت الهيئة أنه يجوز السماح بالبحث بعد الأربعة عشر يومًا من النمو بناء على الملابسات، لكن لا يسمح به قطعًا بعد اليوم الثامن عشر، حيث يبدأ انغلاق الأنبوب العصبي، والأنبوب العصبي هو بداية النظام العصبي، بما في ذلك الدماغ، في الإنسان البالغ:(مارشال 1024) ، وعلى هذا يبدو أن جماعة العلماء يولون الكيس الجنيني اعتبارًا أخلاقيًا أكثر مما تعطي أغلبية المجتمع للجنين الأكثر نموًا، أما التجارب التي أوصت الهيئة بمنعها فتشمل الأكياس الجنينية البشرية المخصبة في أنواع أخرى من الحيوان، والأكياس المستنسخة في بشر، واستخدام الأكياس لانتقاء نوع الجنين، ونقل نواة من كيس إلى آخر، وهذه ليست سوى بعض الإجراءات التي أحست الهيئة أنها غير ملائمة لتلقي التمويل الفيدرالي:(مارشال 1024) وأود أن أكون واضحًا بشأن هذه الحقيقة: هذه القيود المذكورة سابقًا إنما تطبق فقط على التجارب الممولة من الصندوق الفيدرالي، ولا يوجد في الوقت الحاضر أي قوانين تحرم بشكل مباشر أيًّا من الإجراءات السابقة في نطاق البحوث الخاصة، وكذلك يجب أن نبين أن كل الإجراءات السابقة قد نفذت أو يمكن أن تنفذ بالإمكانات التقنية الحالية.

الدكتور أحمد رجائي الجندي

ص: 1316