الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقود المستجدة
ضوابطها ونماذج منها
إعداد
د. محمد بن علي القري
مركز أبحاث الاقتصاد الاسلامي
جامعة الملك عبد العزيز- جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
1 -
مقدمة:
لا تزال حياة الناس تتبدل وتتغير، وظروف عيشهم تتنوع وتختلف،
وتنوع حاجتهم إلى أنواع متجددة من المعاملات قائم على الدوام، وشريعة الإسلام صالحة لكل مكان وزمان، ولأن الدين عند الله الإسلام، ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام، هي للبشر كافة، جاءت هذه الشريعة مجهزة بقدرات فريدة على الوفاء بحاجات الناس المتجددة، ولذلك فاقت نظرية العقد في الشريعة الإسلامية كل نظرية عرفها الإنسان، مما أهَّلها - بحمد الله - لأن تكون أساسًا صالحًا على الدوام لتحقيق العدل بين المتعاقدين واستقرار المعاملات في المجتمع، وأول معالم ذلك موقف الشريعة الإسلامية من مبدأ سلطان الإرادة العقدية.
لم يكن مبدأ سلطان الإرادة العقدية معترفًا به في القانون الروماني ولا في غيره من الشرائع البائدة، إذ كان لابد لكل عمل قانوني من إجراءات ومراسم وألفاظ تتم طبقًا لأوضاع معينة، ومتى تمت وجد العمل القانوني ثم ترتبت عليه آثار يحددها القانون، أما الإرادة المجردة فليست في ذاتها كافية لتكوين العمل القانوني، وليس دور، حتى لو اقترنت بالإجراءات المقننة،
في تحديد آثار ذلك التصرف، ولذلك سارت القوانين القديمة على أن الأعمال التعاقدية شكلية في تكوينها محددة في آثارها، فلم يعترف
القانون الروماني إلا بالعقود المسماة التي خصصها ذلك القانون بأسماء معينة، وتولى تنظيمها وتحديد الآثار المترتبة عليها.
وفي الجهة المقابلة فقد غالت القوانين الوضعية المعاصرة، متأثرة بالمذهب الفردي، في إطلاق سلطان الإرادة، فقررت أن إرادة الإنسان هي التي تلزمه وهي التي تحدد مدى التزامه، وأن تدخل القانون في حرية الإرادة يجب أن يكون عند الحد الأدنى، كما أن كافة الحقوق والالتزامات إنما تستند في الأصل إلى سلطان الإرادة، فأضحى للفرد حرية التعاقد فيلتزم بما يبرم من عقود أو يمتنع عن إبرام عقد معين، والأهم من ذلك أن لطرفي العقد حرية تحديد الآثار القانونية التي تترتب على تعاقدهما وشروط ذلك التعاقد، فيجوز لهما أن يتفقا على أحكام تغاير نصوص القانون (غير الآمرة) ، فلا يحدث اتفاقهما عندئذ إلا الآثار التي اتجهت إليها إرادتهما، فالعقد عندهم شريعة المتعاقدين، ومجرد اتجاه الإرادة لإحداث أثر قانوني كافي لإحداث ذلك الأثر.
أما الشريعة الإسلامية فقد جاءت وسطًا، بعيدة عن الغلو وعن التطرف، فهي لم تقتصر على عقود محصورة العدد لا يجوز للمكلفين الاتفاق خارج نطاقها، كما لم تشترط إجراءات شكلية أو مراسيم أو إشارات معينة لإتمام العقود، إذ أن أنواع العلاقات التعاقدية بين أفراد المجتمع يمكن أن تكون بصيغ مستجدة لا تندرج تحت أي من العقود المسماة في كتب الفقه، ذلك لأن العقود التي وردت في كتب الفقه إنما هي العقود التي غلب وقوع التعامل بها في زمن أولئك الفقهاء، ومن ثم سجلت تلك الكتب آراءهم واجتهاداتهم فيها، ولم تكن على سبيل الحصر من جهة التشريع، كما كان الحال في القانون الروماني. يقول ابن تيمية رحمه الله في القواعد النورانية:
" ومعلوم أن البيع والإجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حدًا لا في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا نقل عن أحد من أصحابه والتابعين أنه عين للعقود صفة معينة الألفاظ أو غيرها أو قال ما يدل على ذلك من أنها لا تنعقد إلا بالصيغ الخاصة، بل قد قيل: إن هذا القول مما يخالف الإجماع القديم وأنه من البدع
…
فإذا لم يكن (للبيع) حد في الشرع ولا في اللغة كان المرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم، فما سقوه بيعًا فهو بيع، وما سقوه هبة فهو هبة ". (1)
وجعل التشريع الإسلامي لسلطان الإرادة العقدية المكانة المناسبة بلا إفراط ولا تفريط، ويظهر ذلك جلي في عناية الفقه الإسلامي بجانبين مهمين من جوانب سلطان الإرادة:
الأول: هو الرضا وما له من أهمية بالغة في العلاقات التعاقدية، كما جاء في قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وما أخرج ابن حبان وابن ماجه والبيهقي عنه صلى الله عليه وسلم:((إنما البيع عن تراض)) .
يقول ابن تيمية رحمه الله في فتاواه: " والأصل في العقود رضا المتعاقدين ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد ".
علق عليها الأستاذ مصطفى الزرقا في المدخل الفقهي بقوله: " فهذه العبارة الجليلة هي التي يجب أن تعتبر بحق دستور الفقه الإسلامي في مبدأ سلطان الإرادة العقدية ". (2) ، بل استخدام كلمة (الرضا) هو بحد ذاته بالغ التعبير في مسألة سلطان الإرادة العقدية لأنها أدل من أي كلمة أخرى على كمال الإرادة وبلوغ الاختيار نهايته. (3)
(1) القواعد النورانية الفقهية، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد حامد الفقي، ص 133- 134
(2)
بل أن الشيخ محمد زكي عبد البر بعد استعراض كلام المفسرين في قوله تعالى: {إِلَاّ أن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ} والآيات التي وردت فيها كلمة (تراض) ، يصل إلى اجتهاد مفاده أن التراضي هو العلة، وليس مجرد شرط وصفة. ويترتب على ذلك أن يقاس على التجارة، كما قال: " كل أخذ وعطاء للمال بتراض فيحل، وأن يخرج من حكم التجارة هنا - وهو الحل - كل أخذ وعطاء للمال من غير تراض، وإلحاق كل تعامل مالي فيه تراض بالتجارة في الحل، ص 98، الربا وأكل المال بالباطل، الكويت، دار القلم 1986
(3)
نشأت الدريني، الرضا، ص 57
والثاني: هو مسألة الشروط، وما صح عنه صلى الله عليه وسلم:((المسلمون عند شروطهم)) ، قال في بدائع الصنائع:" فظاهره يقتضي لزوم الوفاء بكل شرط إلا ما خُصَّ بدليل، لأنه يقتضي أن يكون كل مسلم عند شرطه وإنما يكون كذلك إذا لزمه الوفاء به.. وهذا لأن الأصل أن تصرف الإنسان يقع على الوجه الذي أوقعه إذا كان أهلًا للتصرف والمحل قابلًا ، وله ولاية عليه ". (1)
فسلطان الإرادة العقدية موجود وله مكانته السامية في الفقه الإسلامي
إلا أنه منضبط بالنظام العام الذي يمثل أحكام الشريعة الإسلامية بجملتها، إذ لا يجوز لسلطان الإرادة العقدية أن يخترق هذا النطاق، بحيث ينافي المقاصد العامة أو يناقضها، يقول الشاطبي في (الموافقات) بعد الكلام عن مقاصد الشريعة:" لو فرض اختيار العبد خلاف هذه الأمور لحجر عليه ولحيل بينه وبين اختياره، ومن هنا صار فيها مسلوب الحظ محكومًا عليه في نفسه ". (2)
ولذلك فإن للمسلمين أن ينشئوا من العقود ما يحقق لهم مصالحهم في
مجال المعاملات، غير مقيدين بصيغ بذاتها أو ألفاظ بعينها، ومن ثم فمنهاج النظر في العقود المستجدة والعقود المركبة والعقود المجمعة
…
إلخ هو انضباطها داخل حدود ذلك النظام العام، أي خلوها من الربا والغرر وبيع ما ليس عند الإنسان، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من مفسدات العقود، فإن كانت خالية مما ذكر فلا يؤثر في الحكم عليها كون أنها مستحدثة لم تكن معروفة عند القدماء.
(1) بدائع الصنائع: 5/ 259
(2)
الموافقات، للشاطبي: 2/ 137
2 -
العقود المستحدثة:
يقصد بالعقود المستحدثة (أو المحدثة) تلك التي تنظم أنواعًا من العلاقات المستجدة بين الناس، والتي لا أصل لها تقاس عليه؛ لأن محلها لم يكن أمرا معهودًا في القديم، أو لأنها جاءت وليدة التطورات في التقنية والاتصالات والمعلومات التي هي من سمات هذا العصر الحديث، مثال ذلك عقد الاشتراك في المجلات والجرائد، فهو عقد يتقدم فيه دفع الثمن ويتأجل قبض المبيع، ولكنه ليسر سلما لأنه غير موصوف في الذمة ولا سلعة مثلية، إذ العقد يتعلق بمجلة بعينها، كما أنه ليس استصناعًا لأن الصفات في هذا المصنوع (المجلة) يحددها الصانع لا المستصنع، فهو الذي يتولى التحرير وإعداد المحتويات لكل عدد، فعقد الاشتراك في المجلات من العقود المستجدة التي لم يعرفها القدماء، لأنها محلها (الصحف السيارة) هو أمر محدث.
وليست العقود المستجدة وليدة العصر الحديث فحسب، بل هي
تظهر في كل عصر استجابة للتغيرات التي تحدث في حياة الناس، فتولد أنواعًا جديدة من العلاقات والمعاملات بينهم، كما تستجد في كل عصر ظروف وأوضاع للناس لم تكن معروفة عند سابقيهم، فتظهر لهذا السبب أنواع من العلاقات والعقود التي تنهض بحاجاتهم إلى تلك المعاملات المختلفة.
من ذلك ما ذكر صاحب المغني في السفينة أو الدابة يعطيها مالكها لآخر يعمل عليها بجزء من الدخل المتولد منها، وهي معاملة احتاج الناس إليها في ذلك الوقت، فإذا قيست على الإجارة، كانت النتيجة عدم الجواز؛ لأن الأجر فيها مجهول، وإذا قيست على المضاربة لم تجز أيضًا؛ لأن رأس المال فيها ليس نقودًا وهو شرط صحة المضاربة، فهي إذن عقد مستجد للناس فيه مصلحة، وليس فيه الربا ولا الغرر، ولا أكل أموال الناس بالباطل.. كما أن له ما يشبهه من العقود الجائزة وهي المزارعة والمساقاة، لذلك قال فيه ابن قدامة:" إنها عين تنمّى بالعمل عليها، فصح العقد عليها ببعض نمائها ". (1)
(1) المغني: 117/5
3 -
العقود المجتمعة:
يقصد بالعقود المجتمعة تلك الاتفاقيات التي تولد حقوقًا والتزامات مستمدة من أكثر من علاقة تعاقدية مستمدة، كأن يجتمع فيها البيع والإجارة والوكالة
…
إلخ، ولكل واحد من هذه العقود معالمه الواضحة وأركانه وشروطه المكتملة، لكنها تقع جميعًا في داخل تلك الاتفاقية، وقد اتجهت إرادة العاقدين إلى جمع تلك العقود في اتفاقية واحدة لمصلحة تتحقق لكليهما، بحيث إنها لو انفصلت عن بعضها البعض أو استقلت، لم تتحقق تلك المصلحة، أو ربما لم تتحقق بالصورة التي يرغبان فيها.
مثال ذلك الاتفاقية المتعلقة بسكن المسافر في أحد الفنادق، إذ يجتمع فيها عدة عقود، منها عقد إجارة الغرفة التي يسكن فيها، وعقد بيع الطعام الذي يحصل عليه في غرفته أو في مطعم الفندق، وعقد وديعة للأموال التي يضعها في صندوق حفظ الأمانات
…
إلخ، وقد جعلت تلك العقود جميعًا في عقد واحد لمصلحة يراها الطرفان، فالنزيل سيفضل أن يحل في سفره على فندق يتوفر على كافة الخدمات، فلا يحتاج إلى الخروج منه لطلب الطعام وغسل الملابس
…
إلخ، وصاحب الفندق له مصلحة في جعل كل تلك الخدمات في اتفاقية واحدة، لأنه عندئذ ربما قبل الربح القليل في الطعام في سبيل أن يزيد من ربحه في تأجير الغرف
…
إلخ، كما أن جميع تلك العقود في اتفاقية واحدة يقلل تكاليف التعاقد، وهو أمر مهم في حياة الناس المعاصرة.
ولا تثير العقود المجتمعة مشكلة كبيرة من الناحية التعاقدية، إذ أن تلك العقود وإن اجتمعت في اتفاقية واحدة إلا أنها تحتفظ باستقلالها العقدي فلا تمتزج مع بعضها البعض، ففي المثال السابق ليس النزيل في الفندق ملزمًا بأكل طعام ذلك الفندق، ولذلك يستطيع إذا رغب أن يقصر الاتفاقية المذكورة على السكن فحسب، فتصبح عقد إجارة عادي، لكن وجوده ساكنًا في الفندق يمكنه من طلب الطعام في الغرفة، ويكون له عندئذ ثمنه الخاص وإن كان جزءًا من الاتفاقية، والعوض في كل عقد من هذه العقود معلوم ومحسوب بطريقة واضحة مستقلة عما سواه، فثمن الطعام مستقل عن أجرة السكن أو رسوم الهاتف
…
إلخ.
وربما تكون العقود المجتمعة هي تكرار لعقد واحد فيلتزم الطرفان أو أحدهما في اتفاقية بإمضاء عقد من العقود بصفة متكررة خلال فترة معينة. مثال ذلك الاتفاقية التي يوقعها تاجر مع المصرف الإسلامي، يكون له خلال مدتها أن يشتري سلعًا بالمرابحة إلى حد معين يذكر في تلك الاتفاقية (5 ملايين أو أكثر أو أقل) ، ويلتزم المصرف خلال مدة الاتفاقية أن يقدم له التمويل متى طلب، وأن لا يزيد ربحه (الزيادة من أجل الأجل) في كل بيع عن نسبة كذا المتفق عليها، عندئذ فقد اجتمعت في تلك الاتفاقية عدة عقود للمرابحة وجد الطرفان مصلحة في جمعها، فالمصرف يستفيد منها في تقليل الإجراءات وتخفيض تكاليف دراسة الطلب ومتطلبات الموافقة عليه، والتاجر يطمئن إلى أن المصرف قد ألزم نفسه بتقديم تلك الخدمات خلال الفترة المتفق عليها.
3 – 1 هل يكون التجميع بحد ذاته عقدًا؟
هذا التجميع الذي يتفق عليه الطرفان لمصلحة يريانها هل يكون هو
في حد ذاته عقدًا من نوع ما؟ وما طبيعة الالتزام الذي يتولد عن مثل هذه الاتفاقيات؟ وهل يجوز فيه المعاوضة؟
لا ريب أن هذه الاتفاقية التي تم من خلالها تجميع تلك العقود يمكن
النظر إليها كعقد، إذ هي تولد التزامًا على الطرفين (وأحيانًا على طرف واحد فقط) ، فإذا نظرنا إلى اتفاقية المرابحة آنفة الذكر وجدنا أنه قد ترتب عليها التزام من المصرف بتقديم المرابحة بربح محدد في خلال فترة الاتفاقية، وقد حدث ذلك كقبول لإيجاب من عميل المصرف، طلب فيه الشراء بالمرابحة، وهي اتفاقية مستقلة عن عقود المرابحة اللاحقة، إذ أن كل بيع بالمرابحة سينعقد في حينه بإجراءات متفق عليها، بل أن الاتفاقية قائمة خلال مدتها وهي موجودة ويتولد عنها الالتزام المذكور، حتى لو مر جميع وقتها ولم يشتر العميل بالمرابحة؛ فهي مواعدة ملزمة يمكن أن تكون بحد ذاتها نوعًا من أنواع العقود المستجدة، لأنها عقد يلتزم فيه طرف (أو طرفان) بالدخول في عقود معينة في المستقبل، فإذا أخذنا بعين النظر إمكانية أن يكون لهذه الاتفاقية ثمن (على صفة رسوم مدفوعة ما) رجح عندنا أنها هي بذاتها عقد مستجد، فيه إيجاب وقبول وصيغة ومحل، والثمن فيه يسمى (رسوم الارتباط) ، ففي الحالة المذكورة أعلاه من بيع المرابحة يحصل على تلك الرسوم لمجرد أنه يقف مستعدًا خلال فترة الاتفاقية على إمضاء العقود المتفق عليها، وهذا هو الالتزام الذي يولده ذلك العقد.
4 -
العقود المركبة:
يقصد بالعقود المركبة تلك الاتفاقيات التي تجتمع فيها عناصر
مستمدة من أكثر من عقد من العقود المسماة، مع ترابط في تلك العناصر بطريقة لا يتحقق مقصود الطرفين من الاتفاقية المذكورة إلا بوجودها جميعًا. ولعل أهم اختلاف بين العقود المجمعة والعقود المركبة أن عناصر العقود في العقد المركب لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، بل إن أي محاولة لفصل بعضها عن بعض ربما أدى إلى انتفاء المقصود منها، وهي (أي تلك العناصر) ربما حدثت في نفس الوقت، وبطريقة لا يكاد يظهر أي واحد منها هو المقصود بعينه في تلك اللحظة.
مثال ذلك الاعتمادات المستندية لغرض الاستيراد، فإن فيها عنصر الوكالة وعنصر الكفالة (أو الضمان) وعنصر القرض، وليس أي واحد منهما مقصودًا بصفة مستقلة عن الآخر، ولا يكفي لتحقق الغرض توفر واحد منهما فحسب، كما أن العوض المدفوع مرتبط بالاتفاقية بكل عناصرها بحيث لا يعرف ما هو الثمن المقابل لكل عنصر فيها.
ولذلك يمكن القول أن الحكم على العقود المركبة معتمد على العناصر المكونة لها، فإذا جمعت بين عقود معاوضة فحسب، فالنظر إليها مختلف عن الجمع فيها بين عقود المعاوضة وعقود التبرع، فمثلًًا قد ورد النهي عن بيع وسلف؛ لأن الزيادة المشروطة في القرض والزيادة فيه ربا من الربا المحرم، فإذا جمع البيع والزيادة فيه هي ربح مباح مع القرض في عقد واحد لم يعرف ما إذا كانت الزيادة هي في حقيقتها ربح أو ربا؟ فوقع المحظور ، أو الجمع بين عقد معاوضة وضمان، فالإجماع على أن الأجر على الضمان لا يجوز، أما الجمع بين البيع والإجارة فهو أقل إشكالًا؛ لأن كليهما عقد معاوضة فلا يكون الجمع بينهما مظنة الذريعة إلى المحظور من جهة الربا، وربما قيل: أن العقود المركبة بهذا التعريف إنما هي عقود مستحدثة ليس لها أصل تقاس عليه وحتى اشتمالها على عناصر من عقود ليس مبرِّرًا كافيًا لربط الحكم عليها بالحكم على تلك العقود لسبب مهم، هو أن الجمع بين العقود كمثل بيع وسلف ليس فيه إنشاء عقد جديد، وإنما هو إدخال عقد في آخر، بيد أن العقود المركبة بالوصف المذكور لا تستغني عناصرها عن بعضها البعض ولا تفي بحاجة المتعاقدين لو حدثت، ومن ثَمّ لزم القول أن العقود المركبة هي معاملات جديدة يُرجع فيها إلى أصل الشريعة في الإباحة فيما سكت عنه الشارع.
4 -
1 الباعث على ظهور العقود المركبة والعقود المجمَّعة واستحداث العقود الجديدة في النشاط الاقتصادي:
قامت حياة المسلمين الاقتصادية على أنواع من المعاملات التي نظمتها عقود مشهورة في فقه المعاملات، مثل البيع والسلم والشركة والمضاربة
…
إلخ، وكانت تلك العقود كافية للوفاء بحاجات الناس وتنظيم المعاملات بينهم وضبط الحقوق والالتزامات المترتبة في النشاط الاقتصادي بصيغها المعروفة، إلا أن هذه الصيغ وتلك الصور لم تعد كافية فاحتاج الناس إلى أنواع جديدة من المعاملات التي تتضمن عقودًا مركبة وصيغًا مطورة، فما الباعث على مثل ذلك؟ وما هي المستجدات في حياة المسلمين التي ولدت مثل تلك الحاجة؟
إن تطور الحياة المعاصرة هو بلا شك أساس تلك الحاجة ومبعثها،
لكن النظر إلى هذه المسألة في إطار العلاقات التعاقدية تحديدًا يكشف لنا عناصر مهمة في الإجابة عن السؤال.
الأول: انفصال وظيفة التمويل عن وظيفة البيع في المعاملات المعاصرة وظهور ما يسمى بالائتمان:
يعد استقلال عملية التمويل من البيع وغيره من عقود المعاوضات وتميزها بعقود خاصة بها ومؤسسات يقتصر عملها عليها يعد بلا ريب أحد سمات الحياة المعاصرة لمجتمعات الإسلام.
لم يعرف المسلمون قديمًا وظيفة تسمى التمويل، بل عرفوا أنواع البياعات التي تحدث حاضرة (مثل المساومة والمرابحة) ومستقبلية (مثل السلم والاستصناع) ، وعقود المعاوضات الأخرى كالإجارة، وعرفوا الشركة المضاربة
…
إلخ، وإلا يعني ذلك أن لم تكن للناس حاجة إلى التمويل، لكن المسألة أن وظيفة التمويل لم تكن منفصلة عن تلك المعاملات.
خذ على سبيل المثال عقد السلم، فهو عقد يعجل فيه الثمن ويؤجل فيه قبض المبيع، فهو في ظاهره بيع، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة أن الباعث عليه عند البائع هو الحاجة إلى تمويل نشاطه الزراعي أو التجاري فهو يستعجل قبض الثمن فيشتري به البذور وحاجات الزرع
…
إلخ، فيزرع ثم يحصد ثم يسلم ما باع إلى المشتري، وبدون ذلك لم يكن ممكنًا له أن ينهض بالعملية الزراعية التي تنتج القمح والشعير
…
إلخ.
وكذا حال المضاربة فهي عقد شركة في الربح، لكنها تنهض ببعض حاجات التمويل أيضًا، فهذا التاجر ذو الخبرة في شؤون الأسواق يحتاج إلى مال لتوسيع عملياته التجارية فيحصل على مدخرات رب المال ويوجهها نحو شراء السلع ثم بيعها
…
إلخ.
لكن الجديد في عالم اليوم هو استقلال عمليات التمويل بمؤسسات متخصصة، مما احتاج إلى تجلية العناصر التمويلية في بعض العقود، وتركيب عقود جديدة تسلخ منها العناصر التي هي من صميم عمل التجار وأمثالهم، ويقتصر على ما كان متعلقًا بوظيفة التمويل. من ذلك بيع المرابحة (مع تأجيل الثمن) ، فيه جوانب تمويلية منها تمكين غير القادر على الشراء نقدًا من الحصول على السلعة ودفع ثمنها منجمًا، وفيه جوانب تجارية (تبادلية) مثل " نطح الأسواق " والتربص بالسلع لتعظيم الربح، وإنشاء المستودعات والمعارض والترويج للمبيعات وما إلى ذلك. عندئذ اقتصرت المؤسسة المصرفية على الجانب الأول فقط لرغبتها التخصص في التمويل، وتركت الجانب الثاني إلى التجار، فاحتاجت لهذا السبب إلى تطوير واستنباط صور جديدة للشروط في العقود التي هي في أصلها جائزة كالبيع والإجارة وغيرها. والائتمان من المصطلحات الجديدة التي تصف أمرًا قديمًا معهودًا عند كل المجتمعات في القديم والحديث.
والائتمان يختلف في مفهومهم من القرض فهو يشير إلى " تمكين مقدم الائتمان المستفيد منه من استخدام القوة الشرائية التي يتوفر عليها الأول للحصول على السلم والخدمات والنقود بمقابل نقدي مرتبط بالزمن " فجاءت المرابحة للآمر بالشراء مع الوعد الملزم
…
إلخ، والذي يظهر لنا أن الجزء الأكبر من الباعث على العقود المركبة والمجمعة إنما مرده هذه الظاهرة التي ما كانت معروفة في القديم، وهي انفصال وظيفة التمويل عن التجارة والنشاطات الاقتصادية الأخرى وظهور ما ليس بالائتمان.
الثاني: اكتشاف قانون الأعداد الكبيرة:
يعد قانون الأعداد الكبيرة، والذي يسمى أحيانًا قانون الاحتمالات، واحدًا من أهم الاكتشافات في علم الإحصاء، ويمكن تلخيص الفكرة الأساسية في هذا القانون كما يلي:" كلما زاد عدد الملاحظات الإحصائية كلما اقتربت النتائج الحقيقية (أي التي ستقع في المستقبل) مع تلك المتوقعة نظريًّا (أي المحتملة الآن) بحيث يتطابقان في اللانهاية ".
ويعود اكتشاف هذا القانون إلى القرن السابع عشر الميلادي عندما قام مجموعة من علماء الرياضيات بدراسة أرقام الوفيات في أوروبا، إذ اكتشفوا أنه بقدر ما يزيد عدد الوفيات والمواليد التي يدخلونها في تلك الإحصاءات بقدر ما يتجه عدد الإناث والذكور إلى التساوي، ثم جاء عالم الإحصاء المشهور (سيمون بواسان) الذي طور هذه الفكرة في القرن التاسع عشر وأسماها قانون الأعداد الكبيرة. ويعتمد هذا القانون في فكرته الأساسية على اتجاه الاستنتاجات إلى الاستقرار كلما زاد عدد الملاحظات الإحصائية، فما يبدو وكأنه عشوائي من الحوادث الفردية، يظهر متصفًا بالاستقرار قابلًًا للتوقع الدقيق إذا كبر حجم العينة، فمثلًا عندما أقذف قطعة نقدية بيدي لمرة واحدة فإنه من المستحيل تقريبًا أن أعرف نتيجة ذلك، أي هل ستستقر القطعة النقدية على وجهها أم على قفاها، ولكني لو فعلت ذلك عددًا كبير كافيًا من المرات فالنتيجة ستكون، بشكل شبه يقيني، نصف عدد المرات على الوجه ونصفها على القفا، ولذلك سيكون نوعًا من الخطر أو المقامرة أن أراهن على أن القطعة النقدية ستستقر على قفاها في رمية واحدة، ولكنه سيكون معلومًا وأبعد ما يكون عن الخطر أن أراهن أن 50 % من المرات ستستقر القطعة النقدية على قفاها عندما ترمى 1000 مرة.
وهكذا فإن كثيرا من الحوادث التي تبدو عشوائية بصفة فردية تُظهر
قدرًا كبيرًا من الانتظام إذا زاد عددها في مجموعة واحدة، فنحن لا نستطيع أن نعرف ما إذا كانت سيارة عمرو ستتعرض لحادث اليوم، ولكننا نستطيع أن نعرف بشكل يكاد لا يخطئ عدد السيارات التي ستتعرض للحوادث اليوم في مدينة كبيرة كجدة. لا يوجد طريقة يمكن أن نعرف بها ما إذا كان زيد سيموت هذه السنة، لكنا نستطيع أن نعرف أنه من كل 100.000 شخص هناك مثلًا 50-60 شخصًا سيموتون هذه السنة، وليس لذلك علاقة البتة بعلم الغيب، بل كل ذلك مستمد من قانون الأعداد الكبيرة. وهكذا صار بأيدينا أداة نستطيع أن نتوقع من خلالها ما سوف يحدث في المستقبل بشكل دقيق، الذي يهمنا هنا هو تأثير اكتشاف قانون الأعداد الكبيرة على العلاقات التعاقدية بين الناس.
إن المؤسستين الماليتين الأكثر أهمية في حياة الناس المعاصرة، وهي:
البنوك وشركات التأمين هما (هبة) قانون الأعداد الكبيرة، فلقد أصبح ممكنًا بعد اكتشاف الإمكانيات التي يتيحها هذا القانون تصميم مؤسسة الوساطة المالية بطريقة مكنتها من أن تقوم بجمع مدخرات الأفراد وتقف أمامهم مستعدة - على الدوام - لردِّها إليهم بمجرد الطلب أو في وقت قصير جدًّا، حتى يكاد يبدو أن نقودهم محفوظة لديها في صناديق، ولكنها في نفس الوقت تستخدم نفس تلك المدخرات لتمويل عمليات متوسطة وطويلة الأجل كالتجارة والصناعة والإنشاءات العمرانية
…
إلخ.
لقد أصبح ذلك ممكنا لإعمال قانون الأعداد الكبيرة على المدخرين،
لأنهم يعدون بالآلاف، فأصبح ممكنًا أن نعرف، بشكل شبه يقيني، كم منهم سوف يسحب نقوده، وكم منهم سيبقيها، ولأي مدة، فإذا عرفنا مثلًا أن ثلثي هذه المدخرات سيبقى في المصرف لمدة تزيد عن سنتين، أمكننا الدخول في عقود تمويلية مدتها سنتين بتلك المبالغ
…
وهكذا، وكذا في عمل شركات التأمين، فإن فكرة التأمين بكافة صورها وأنماطها سواء منها ما كان تجاريًّا أو تعاونيًّا إنما هي معتمدة على قانون الأعداد الكبيرة، إذ أمكن من خلال الإمكانيات التي يوفرها هذا القانون توقع ما سوف يقع في المستقبل؛ أضرار من نوع من الحوادث، ثم معرفة حجم الأموال الذي سنحتاج إليه لتعويض المتضررين من ذلك النوع من الحوادث مثل حوادث السيارات، ثم بناء على ذلك تحديد رسوم الاشتراك بطريقة تغطي تلك التعويضات وتكاليف إدارة المشروع التأميني.
إن ما يهمنا في هذه المسألة هو أن ظهور هاتين المؤسستين بنشاطهما المعتمد على فكرة قانون الأعداد الكبيرة اقتضى ترتيبات تعاقدية جديدة لم تكن معروفة من قبل، وولد أنواعًا من الالتزامات والحقوق ليس لها سوابق تقاس عليها، فلم يكن ممكنًا ممارستها لأنشطتها إلا بعقود جديدة بعضها مستجد وبعضها مركب.
فمثلًا قام نشاط شركة التأمين على نوع عقد معاوضة، إذا نظر إليه من منظار العلاقة الفردية بين المستأمن وشركة التأمين فإن فيه غررًا فاحشَا لا يشبهه إلا عقود الحظ والقمار، لكنه على خلاف الأخيرة يحقق منافع واضحة وفوائد محببة إلى النفوس لطرفي العقد، بحيث لا يشعر أي منهما بالغبن كما هو الحال بالعقود ذات الغرر الفاحش، وإذا نظر إليه من منظور قانون الأعداد الكبيرة وجد أنه أبعد ما يكون عن الخطر والقمار، ولا يكاد يوجد فيه الغرر، وكذلك الحال في البنوك فقد قام جمعها للمدخرات في الودائع الجارية المعتمدة على عقد القرض (في البنوك الربوية والإسلامية) ولكنه قرض ذو طبيعة مختلفة، فظاهر أن غرضه ليس الإرفاق ولا القربة ولا تتجه إرادة طرفيه إلى ذلك أبدًا، وهو قرض يجر منافع واضحة للدائن فيه على صفة معاملات متميزة ودفتر شيكات
…
إلخ، فهذا بلا شك وإن كان ينطبق عليه تعريف القرض إلا أن له جوانب مستجدة ليس لها أصل تقاس عليه، ومرد هذا الاختلاف هو قانون الأعداد الكبيرة، وغير ذلك كثير.
الثالث: انتشار العمل بصيغة الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة:
الشخصية الاعتبارية اختراع قانوني يتولد عنه إضفاء بعض صفات الآدمي على كيان اعتباري، ولاسيما ما يتعلق بالذمة المالية، فأضحى لتلك الشخصية القانونية المستقلة عن أصحابها القدرة على التعاقد مع غيرها من الشخصيات الطبيعية والاعتبارية، وأن تكون وعاء للحقوق والالتزامات وأن تنشغل ذمتها بالديون
…
إلخ، وليست فكرة الشخصية الاعتبارية بجديدة إذ قد عرفت في القديم، وتضمنها التشريع الإسلامي ممثلة في الوقف وبيت المال، إذ لكل واحد منها شخصية اعتبارية بها أوصاف معتبرة، إلا أن المهم في المسألة ليس فكرة الشخصية الاعتبارية بذاتها بل فكرة المسؤولية المحدودة.
ذلك أن فكرة المسؤولية المحدودة لم يعرفها المسلمون قديمًا،
وإنما هي مستوردة في عند غير المسلمين. (1)
ويقوم النشاط الاقتصادي في الوقت الحاضر على العمل (المؤسسي) ، إذ لم يعد لأفراد التجار أثر يذكر أو حضور مهم إلا من خلال مؤسساتهم التجارية وشركاتهم المسجلة والتي تتمتع بشخصيات اعتبارية، كما أن النشاط المالي والمصرفي والمشاريع الاقتصادية ذات الحجم الكبير في الصناعة والزراعة وغيرها إنما تنهض به شركات مساهمة، وهي المثال الحي في يوم الناس هذا على (محدودية المسؤولية) .
لقد أدى ذلك كله إلى بروز الحاجة إلى أنواع جديدة من العلاقات التعاقدية التي تأخذ باعتبارها الطبيعة الخاصة لهذه الشركات، لا سيما عندما ترتبط تلك الشخصيات الاعتبارية مع بعضها البعض بعلاقات تعاقدية، فمعلوم أن الشركة ذات المسؤولية المحدودة مستقلة عن ملاكها وعن العاملين فيها، فإذا كانت طرفًا في عقد فإن مديرها يوقع عنها بالنيابة ولا يتحمل بنفسه - ولو كان مالكا لها - الالتزامات التي يولدها ذلك العقد. ولكن الشخصية الاعتبارية تختلف عن الإنسان، فهي لا تموت ولا تمرض ولا يمكن الحكم عليها بكفر أو إسلام، كما لا معنى لوصفها بالأمانة أو الخيانة، وفوق ذلك لا يمكن أن تكون عرضة للعقوبات الجنائية أو التعزير بالحبس أو الجلد
…
إلخ؛ فاحتاج الأمر إلى أنواع متميزة من العلاقات التعاقدية وإلى شروط في العقود، الغرض منها أن تأخذ بالاعتبار هذه الفروق المهمة، فالمماطلة في تسديد الديون مع الملاءة عقابها في الشريعة التعزير بالجلد أو الحبس دون المال، ولكن إذا حصلت المماطلة من الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة، كيف يكون علاج ذلك؟
(1) وليس صحيحًا أن شركة المضاربة ذات مسؤولية محدودة، أو أن العبد غير المأذون بالتجارة يمثل سابقة للفقه الإسلامي في مسألة محدودية المسؤولية؛ انظر التفصيل في بحثنا في الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة.
الرابع: هيمنة حضارة الغرب على العالم:
لا خلاف بأن حضارة الغرب قد هيمنت على عالم اليوم، وأثرت
بشكل قوي على ثقافات الشعوب وقيم المجتمعات وطرائق التعامل بين الأفراد في كل مجالات الحياة، ومن ذلك بلاد المسلمين لعظم اتصالها بالغرب وتشابك مصالحها - ولا سيما الاقتصادية - مع دوله ومجتمعاته، والحضارة الغربية حضارة مادية علمانية، وهي مع رقي أنظمتها القانونية وانضباطها إلا أنها تفتقد أمرًا أساسيًّا يعد أحد أهم أركان التشريع الإسلامي، وهي المقاصد المتعلقة بحقوق الخالق وعلاقة العبد بربه، فجاءت عقودهم وأنظمتهم القانونية منفلتة أي ضابط (أخروي) واقتصرت على الجوانب المادية والمصالح الدنيوية، فانتشرت هذه الروح في العالم أجمع.
ولقد شكل ذلك ضغطًا نفسيًّا وماديًّا على المسلمين الذين يتنافسون
مع الغرب ومن لف لفه من أمم الأرض في مضمار النشاط الاقتصادي والتجارة والمال، فتولدت لدى المسلمين الحاجة إلى أنواع جديدة من العقود. فمثلًا معلوم أن المضاربة عقد أمانة؛ لأن المضارب مؤتمن على رأس المال وعلى حسن الأداء والعمل وعلى الإفصاح عن الربح الحقيقي المتولد من النشاط التجاري، والأمانة صفة من صفات المؤمن، إذ يقول رسولنا الكريم:((لا إيمان لمن لا أمانة له)) ، فهي مرتبطة بعلاقة العبد بربه.
فإذا قامت العلاقات التعاقدية بين الناس على استيعاب العلاقات المادية بين الأفراد فحسب، دون العناية بالجوانب الخاصة بعلاقة العبد بربه رأينا أن المضاربة لا تصلح كصيغة شركة، ولم تعد تنهض بحاجات الناس؛ لأن العلاقات التعاقدية في مجال المال والأعمال قامت على أساس أن الإنسان لا يخون لأنه لا يستطيع أن يخون وليس لأنه يتعفف عن الخيانة، وهذا ما عليه أمر الناس اليوم، ولذلك وجدنا شعور الكثيرين بالحاجة إلى تصميم صيغ مطورة للمضاربة، وإدخال شروط جديدة، الغرض منها إبعاد عنصر الأمانة عن دائرة التأثير في العقد.. وهكذا.
5 -
ضوابط العقود المستجدة:
لقد ذكرنا آنفًا حاجة الناس إلى عقود جديدة، ورأينا أن الشريعة الإسلامية قادرة على النهوض بتلك الحاجة ضمن حدود المباح من قواعد المعاملات، ولذلك فللمسلمين أن يستحدثوا العقود التي يحتاجون إليها ما دامت منضبطة بالاعتبارات التالية:
1 -
أن يكون العقد المستجد غرضه سد حاجة مشروعة وتحقيق مصلحة معتبرة لأطرافه.
2 -
أن يخلو العقد المستجد من الربا وشبهته، ومن الغرر الفاحش، ومن الغش والتدليس، ومن أكل أموال الناس بالباطل، وأن لا يؤدي إلى ضرر بالآخرين، أو إلى حرمان ذي حق من حقه المشروع.
3 -
أن لا يخالف هذا العقد نصًّا أو إجماعًا صريحًا في موضوعه.
4 -
والعقود المستجدة إما أن تكون:
أ - عقودًا جديدة مستحدثة بحيث لا تشبه في أركانها وغرض العاقدين منها عقدا من العقود المعروفة في الشريعة، وكانت سالمة مما ذكر أعلاه، عندئذ فإن الحكم عليها مرده إلى أصل أن ما سكت عنه الشارع وهو الإباحة.
ب - عقودًا جديدة مستحدثة لكنها شبيهة في أركانها وغرضها ومقصود عاقديها لعقد من العقود المعروفة في الفقه، ولكنها تختلف عنها في بعض الشروط، فعندئذ ينظر هل افتقد شروطًا أم زاد شروطًا جديدة.
1 -
فإن كان مفتقرًا لشرط وكان شرطًا منصوصًا فالحكم هو الحرمة؛ مثال ذلك البيوع الآجلة في أسواق السلع الدولية فإنها تشبه السلم تمامًا، وإنما تختلف في افتقادها لشرط تسليم رأس المال في مجلس العقد، وهو شرط منصوص في قوله في: " من أسلم فليسلم في شيء معلوم
…
"إلخ الحديث.
2 -
وإن كان الشرط أو الشروط التي افتقدها العقد المستحدث اجتهادية قال بها الفقهاء قديمًا فينظر أن كان لذلك الاجتهاد علة، فالحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا (فمن اشترط إسلام المضارب إنما قال بذلك لأن غير المسلم لا يتورع عن أكل الربا والعمل في المحرمات، أما وقد انضبطت النشاطات التجارية بمحاسبات ودفاتر ومراجعات حسابية، لم يعد لهذا التخوف وجه، فإذا افتقد العقد المستحدث هنا لشرط لم يؤثر عليه) ، أو أن يكون مرجعه إلى عرف كان في زمانهم (مثل كون الشعير والقمح والملح مكيلات بينما هي اليوم موزونات) ، أو بسبب تغير الظروف والأحوال المعيشية والاقتصادية (فمن أخرج الفلوس من أحكام الصرف وأجاز فيها السلم إنما فعل ذلك يوم كانت نقود الناس الدرهم والدينار، وليس للفلوس أهمية تذكر فلم تكن أثمانًا) .
3 -
وإن كان الاختلاف مرده شروط جديدة لم تعرف في الصيغة القديمة، فالشروط بعضها جائز وهو ما كان فيه مصلحة للعاقدين أو أحدهما ولا ينافي مقتضى العقد، وبعضها فاسد ومفسد للعقد وهو كل ما كان منافيًا لمقتضاه أو أدى إلى الحرام.
ب - وإما أن تكون عقودًا مستحدثة ولكنها على صفة اتفاقيات جُمعت فيها عدة عقود، فهذا مرده إلى ما تقرر في الشريعة من الجمع بين العقود، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وروى أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفقتين في صفقة، وروى أبو داود مرفوعًا عن أبي هريرة رضي الله عنه:((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) . (1) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف، ولذلك فاجتماع العقود هو مظنة الحظر، فيجب أن يعرف أن كانت تجمع بين معاوضة وتبرع كالبيع الذي غرضه الربح وطريقه المساومة، والسلف الذي غرضه الإرفاق والقربة ، فهي غير جائزة، فلزم أن تستقل عن بعضها البعض استقلالًا يعلم منه أن القرض غير جارٍّ نفعا مشروطًا للدائن، وإن جمعت بين عقود معاوضة كالبيع والإجارة لم يؤثر الاجتماع على صحتها (مثل الإيجار المنتهي بالتمليك الذي يتعاقد فيه الطرفان على البيع المضاف بسعر محدد، فإنه عقد مستحدث جمع بين البيع والرهن وسمي إيجارًا تجاوزًا) .
د - وإما أن تكون عقودًا مستحدثة وكذا مركبة، عندئذ أن كان التركيب فيها حيلة للتوصل إلى ما لا يجوز فالأمور بمآلاتها، وإن كان الغرض من التركيب فيه مصلحة معتبرة وسداد حاجة للمتعاملين، وقد سلم من المحظورات المذكورة أعلاه؛ فلا مناص من النظر إليه كعقد جديد ليس له أصل يقاس عليه، فيرجع في الحكم عليه إلى الأصل وهو الإباحة. ذكر ابن تيمية رحمه الله: "
…
أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًّا أو قياسًا.... " (2)
(1) وقد اختلف الفقهاء في معنى بيعتين في بيعة، إلا أن أشهر صور هذه المعاملة هي: أن يقول الرجل: أبيعك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة بعشرين، ولا يفارقه على إحدى البيعتين، أو يقول: بعتك هذين الثوبين بعشرة على أن البيع قد لزم في أحدهما، أو يقول: أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك هذا بكذا، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري.
(2)
ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 26/ 123
6 -
أمثلة ونماذج للعقود المستجدة:
6 -
الإيجار المنتهي بالتمليك:
تعد صيغة الإيجار المنتهي بالتمليك إحدى صيغ التمويل التي انتشر العمل بها لدى البنوك الإسلامية في السنوات الأخيرة؛ لما تقدمه من مرونة تفوقت بها في حالات محددة على الصيغ الأخرى المتاحة للعمل المصرفي الإسلامي، وبخلاف المرابحة التي جاءت تطويرًا لعقد البيع المعروف في كتب الفقه، فإن صيغة الإيجار المنتهي بالتمليك إنما هي صيغة معروفة عند الغربيين، ولا سيما في الولايات المتحدة، وقد جرى تهذيبها بعض الشيء لتكون ملائمة لظروف ومتطلبات العمل المصرفي الإسلامي والقيود الشرعية عليه، وإن كانت الصيغة نفسها التي تعمل بها البنوك الإسلامية (أي تلك التي يفترض انضباطها شرعيًّا) معروفة ومستخدمة في بلاد الغرب. وليس لصيغة الإيجار المنتهي بالتمليك نموذج واحد فحسب، بل تختلف تطبيقات البنوك الإسلامية له اختلافًا مؤثرا من الناحية الشرعية، وإن كان يسيرًا من الناحية العملية، وشأن هذا العقد شأن عقد المرابحة للآمر بالشراء، ذلك أن تلك الصيغة تطبق أحيانًا مع الإلزام بالشراء، وتطبق تارة أخرى بدون الإلزام، وهو أمر ربما بدا يسيرًا من الناحية التطبيقية، لكن له أبعاده الشرعية التي لا تخفى.
ولا تتوقف الاختلافات عند الإجراءات وصفة العقد، بل تصل إلى التسمية، فربما سمي هذا العقد " الإجارة والاقتناء " وربما سمي " البيع الإيجاري " ويسميه آخرون " البيع المستور بالإيجار " أو " الإيجار مع الوعد بالبيع " أو " الإيجار الذي ينتهي بالبيع " أو " الإيجار المنتهي بالتمليك " كما هي التسمية الأكثر شيوعًا
…
وهكذا، ونحن سنعنى بالمعنى لا بالمبنى، إذ لا مشاحة في الاصطلاح، مع عدم إنكارنا أن التسمية تكشف طرفًا من تصور المتعاملين لحقيقة العقد.
6 -
1 - 1 الباعث على استخدام هذا العقد:
الباعث على استخدام الإيجار المنتهي بالتمليك عند الغربيين هو الميزات التي يقدمها النظام الضريبي في بعض الدول الغربية لمن يستثمر في الأصول الحقيقية، إذ يمكن له أن يخصم ذلك من الوعاء الضريبي فتصبح أموال الشركة الخاضعة للضريبة أقل، فيدفع مبلغًا أدنى من الضرائب للحكومة، عندئذ وجدت الشركات التي تتوقع أن يتحقق لها فائض مرتفع من عملياتها أن من الأفضل لها استثمار جزء منه في شراء الأصول (كالمعدات والطائرات والآلات الصناعية
…
إلخ) ثم تأجيرها للآخرين، بدلًا من الإفصاح لمصلحة الضرائب عن معدل ربح عال في نهاية العام، ولما كانت تلك الأصول مملوكة للشركة فإنها سوف تدرج في ميزانيتها فتستفيد منها ضريبيًّا، وهي لأنها قد حققت المنفعة من هذا الإجراء في تخفيض نسبة ما تدفعه على شكل ضريبة، تكون مستعدة - في الغالب - لتوفير الأصول المؤجرة بسعر مناسب لا يزيد عن تكلفة شرائها بالأجل، ولا يزيد عن تكلفة الاقتراض من المصرف بالفائدة، فولد ذلك طلبًا على عمليات التأجير في البلاد الغربية ولا سيما في الولايات المتحدة.
أما الباعث على استخدامه عندنا (وإن كان أمر الضريبة لا يستبعد) فهو على الأرجح:
أ - تميز عقد الإيجار المنتهي بالتمليك على عقد المرابحة الذي يعد الصيغة الرئيسة للتمويل في المصارف الإسلامية، ويتميز التأجير على المرابحة من أوجه:
1 -
أن ملكية الأصل المؤجر تبقى لدى البنك، فلا حاجة به عند مماطلة العميل إلى استصدار حكم من المحكمة للتنفيذ على الضمانات كما في المرابحة، بل يستطيع مباشرة أن يسترد ذلك الأصل.
2 -
لا يحتاج العميل في عقد الإيجار المنتهي بالتمليك إلى تقديم ضمانات ورهون تساوي كامل (أو ما يزيد عن) قيمة الأصل، بل يكتفي البنك بضمان يقابل قسطًا واحدًا، أو يقابل تكاليف الصيانة أو ما إلى ذلك مما يسهل على العملاء الحصول على التمويل اللازم، إذ من المعلوم أن كثيرًا منهم يحجم عن طلب التمويل لعجزه عن تقديم الضمانات.
3 -
إمكانية تغير الثمن على صفة مراجعة الأقساط الإيجارية (مما سيأتي بيانه) وتعذر - مثل ذلك في بيع المرابحة لأن الثمن فيها يصبح دينًا ثابتًا مستحق الأداء بمبلغه بلا زيادة.
ب - استخدامه بديلًا عن البيع بالتقسيط عند تعذر الرهن، ففي بعض البلدان التي لا يوجد فيها إجراءات معتمدة لتسجيل الرهون وضبطها من قبل جهات رسمية، يعمد التجار الذين يبيعون بالأجل إلى استخدام سجل الملكية كوسيلة للاحتفاظ بالأصل حتى يكمل المشتري سداد جميع الأقساط، عندئذ لا يمكن تسمية العقد بيعًا؛ لأن البيع يقتضي انتقال الملك إلى المشتري، فيسمونه إيجارًا ويسمون ما يدفعه المشتري أقساطًا إيجارية، إلا أن شروطه والالتزامات المترتبة على أطرافه تدل على أنه بيع، فلو توقف العميل (المشتري) عن الدفع يقوم المؤجر باسترداد الأصل، ثم بيعه واقتطاع ما بقي من ثمنه في ذمة العميل (أي الأقساط التي لم تسدد بعد) .
وردُّ ما زاد عن ذلك إلى المستأجر، وإذا لم يف ذلك الثمن بما بقي من دَين (أي الأقساط التي لم تسدد) رجع على المستأجر ببقية الثمن، كما يتحمل المستأجر كافة تكاليف الصيانة بأنواعها وتبعات هلاك الأصل، وكل ذلك دليل على أن حقيقة العقد هي البيع والرهن، وليس الإيجار.
6 -
1 - 2 صيغة هذا العقد وإجراءاته المعتادة:
سوف نعرض أدناه الصورة الأكثر انتشارًا في مجال العمل المصرفي الإسلامي لعقد الإيجار المنتهي بالتمليك، ثم ننتقل إلى صور أخرى موجودة وذلك لاستكمال جوانب الموضوع.
صيغة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك (والذي سنسميه من الآن فصاعدًا " عقد الإيجار " لغرض الاختصار) هي صيغة تمويل، ذلك أنه ينهض بحاجة المستثمرين وأرباب الأعمال إلى الحصول على الأموال التي يشترون بها الآلات والمعدات والأصول الرأسمالية المختلفة، أو التي يستخدمونها لأغراض غير إنتاجية كما سيأتي بيانه فيما بعد.
يتقدم هذا العميل المصرفي بطلبه إلى البنك، وبعد الموافقة على
طلبه من الناحية الائتمانية (أي التأكد من ملاءة العميل وحسن وفائه بالتزاماته
…
إلخ) يطلب إليه أن يوقع على وعد بأنه سوف يستأجر هذا الأصل من المصرف عندما يصبح الأصل المطلوب في ملك الأخير وحوزته، بالشروط المتفق عليها، هذه الشروط تتضمن عادة:
أ - تحديد الأقساط الإيجارية، أي مدفوعات الإيجار الشهرية أو الفصلية، وعدد هذه الأقساط.
ب - تحديد سعر البيع في نهاية عقد الإيجار، ذلك أن الأصل يباع على ذلك العميل إذا أكمل تسديد جميع تلك الأقساط في أوقاتها، ويكون البيع بثمن متفق عليه عند التعاقد.
تحديد مقدار ربح المصرف، والذي يتمثل في الفرق بين الثمن
الذي دفعه المصرف لشراء الأصل ومجموع مبالغ الأقساط وثمن البيع.
وجلي أن الأقساط وثمن البيع تحسب جميعًا بحيث يحقق المصرف
ربحًا صافيًا من هذه العملية، أي أن يحقق المصرف إيرادًا يزيد على ثمن شراء الأصل بنسبة متفق عليها تحسب مقابل الزمن وبناء على طول المدة. ومن الواضح أيضًا أن الأقساط الإيجارية لا يكون لها علاقة - إلا فيما ندر وفي حالات خاصة - بالمعدل السوقي للإيجار (أي إيجار المثل) فهي تكون أعلى من ذلك بكثير، ذلك لأن المبالغ المدفوعة كإيجار وتلك المدفوعة كثمن للبيع في نهاية العقد يجب أن تغطي كامل ثمن شراء الأصل وربح البنك خلال مدة تقل ربما كثيرا، عن العمر الافتراضي للأصل الذي هو محل المعاملة؛ لأن العميل يرغب في إكمال دفع الأقساط وامتلاك الأصل، ولما يزل له منافع استعمالية.
وإذا كانت مدة الإيجار طويلة (كخمس أو عشر سنوات) ، خشيت
البنوك أن تتغير معدلات الربح في القطاع المصرفي أو يرتفع سعر الفائدة في السوق المالية خلال هذه المدة، فيضحي العائد من هذا التمويل (الإيجار) أقل من العوائد في العمليات المماثلة، فاتجهوا لمعالجة هذه المشكلة إلى جعل العقد يتضمن شرطًا ينص على أن الأقساط الإيجارية قابلة للمراجعة كل ستة أشهر (مثلًا) ويشار إلى ذلك بأنه تجديد للعقد (مع ملاحظة أن التزام العميل بالاستئجار هو لكامل المدة، ولا خيار له في الفسخ عند مراجعة تلك الأقساط) فتكون تلك طريقة لتغير سعر الإيجار، وتحسب هذه الزيادة على مبلغ الأقساط الباقية ليتحقق منها العائد المناسب مع الظروف الجديدة، فمثلًا حسبت الأقساط الإيجارية بحيث تحقق عائدًا سنويًا للمصرف قدره (9 %) وهو سعر الفائدة السائد عند التوقيع على العقد، ثم عند المراجعة الأولى (بعد ستة أشهر) وجد أن سعر الفائدة قد زاد فأصبح (11 %) ، عندئذ سيحسب مبلغ الأقساط الباقية التي لم تسدد بعد بحيث يحقق دخلًا سنويا قدره (11 %) ، وتعدل مبالغ تلك الأقساط الإيجارية تبعًا لذلك.
وقد يجد بعض العملاء في مثل تلك المراجعة مصلحة، إذ ربما انخفضت أسعار الفائدة (وهي المقياس المعتمد لعدم وجود البديل) خلال مدة العقد، بدون تلك المراجعة سيكون مضطرًا لأن السعر ثابت والأقساط تحددت في وقت كان سعر الفائدة فيه أعلى من الآن) إلى دفع أقساط أعلى من اللازم، ولو حصلت المراجعة لانخفضت تلك الأقساط فأصبحت مماثلة للسعر السائد في السوق لعمليات التمويل الممائلة، ويشيرون إلى ذلك في العقود بأنه إجارة المثل.
وإذا واظب هذا العميل في دفع كامل الأقساط حتى نهاية المدة، فما
عليه عندئذ إلا أن يدفع المبلغ المتفق عليه كثمن للأصل فيمتلكه، أي تنتقل ملكيته إليه، وهذا سبب تسمية العقد بأنه ينتهي بالتمليك، ونظرًا إلى أن رغبة العميل هي " تمويل امتلاكه لذلك الأصل " وليس شراء المنافع كما هو مقصود عقد الإيجار، فإن توزيع المدفوعات بين أقساط إيجارية وثمن للأصل في نهاية العقد لا يحكمه - في غالب الحالات - إلا الوضع المالي لذلك العميل، فيمكن أن تكون هذه الأقساط الإيجارية كبيرة متسارعة حتى إذا انتهى عقد الإيجار لم يبق إلا مبلغ بسيط يعد عندئذ ثمن للبيع، وقد يصل الأمر إلى جعل ثمن البيع لطائرة في نهاية العقد دولارًا واحدًا، وقد تصمم المدفوعات الإيجارية بحيث تكون كبيرة في بداية العقد ثم صغيرة في الفترات اللاحقة أو العكس من ذلك
…
إلخ ذلك.
وقد أدركت بعض البنوك الإسلامية التي تطبق عقود الإيجار أن على
هذه الصيغة عددًا من الملاحظات الشرعية، فسعت إلى تعديلها بطريقة تتفادى تلك النواقص وتحقق قدرًا أكبر من الانضباط الشرعي فيه، من ذلك:
أ- أنها وجدت أن بيع الأصل عند التعاقد على الإيجار بحيث يقع البيع في المستقبل غير جائز لأنه من البيوع المضافة حيث يتأجل فيه البدلان، ولذلك استبدلته بوعد من المؤجر - أي المصرف - بالبيع بثمن محدد لا يقابله التزام من المستأجر بأنه سوف يشتري، وإنما يكون مخيرًا في هذه المسألة إن شاء أمضى البيع ودفع الثمن وإن شاء أرجع الأصل إلى المؤجر، عندئذ يكون ذلك شرط في عقد الإيجار لا عقد بيع في عقد إيجار فيصير إلى بيعته أو إلى بيع مضاف، وإذا أخذنا برأي الموسعين في مسألة الشروط قبلنا ذلك كشرط، على أن هذا التغيير وإن كان جوهريًّا من الناحية التعاقدية، إلا أن تأثيره محدود من الناحية العملية، ذلك أن المستأجر الذي يدفع أقساطًا إيجارية تزيد كثيرًا على إيجار المثل فإنه يعلم أن تلك الزيادة هي مدفوعات تقابل ثمن ذلك الأصل، أي أن الأقساط التي يدفعها مقسومة إلى جزءين: جزء هو ثمن للمنافع، وجزء ثمن للرقبة، ومن ثم فإنه عندما يصل إلى نهاية عقد الإيجار يكون قد دفع من ثمنه ما يجعل اختياره للشراء أمرا مسلّمًا حتى لو لم يرغب في امتلاكه، إذ يمكن له شراؤه بالثمن الضئيل وبيعه بثمن المثل في السوق، والذي سيكون أعلى من ذلك قطعًا.
ب - ثم إنها وجدت أن تغير المدفوعات الإيجارية بصفة دورية في عقد يغلب على طبيعته البيع لا الإيجار يترتب عليه وجود جهالة في الثمن، وعقود الإيجار المنتهي بالتمليك هي في طبيعتها عقود متوسطة إلى طويلة الأجل (خمس سنوات وأكثر) لا تصلح لعمل البنوك إلا أن تكون متغيرة، ولذلك فالبنوك تواجه في مثل تلك العقود مخاطرة تقلب أسعار الفائدة.
ورب قائل: ما علاقة سعر الفائدة وهو ربا بعمل البنوك الإسلامية؟
من المعلوم أن مؤسسات الوساطة المالية بشكل عام وفيها البنوك الإسلامية تعتمد على موارد مالية قصيرة الأجل (فالودائع الجارية والاستثمارية يسمح لأصحابها سحبها خلال مدة قصيرة) لتمويل استخدامات طويلة الأجل (مثل عقد الإيجار الذي يمتد لسبع سنوات مثلًا) ، فإذا ارتفعت أسعار الفائدة في السنة الثانية مثلًا، فسوف يجد المصرف أن عددًا (ربما يكون كبيرًا) من المودعين سوف يسحبون أموالهم إذا لم يحصلوا على عائد مساو للعائد من الفرص الأخرى المتاحة، فيقع المصرف في أزمة سيولة، لذلك هو يضطر إلى إدخال عنصر التغير في عائدات تمويلية حتى تتغير العائدات التي يدفعها للمستثمرين لديه.
وقد اعتادت البنوك التقليدية على معالجة هذه المشكلة بربط المدفوعات الإيجارية بسعر الفائدة، ذلك أنها تعتبر عقد الإيجار هذا نوعًا من أنواع الائتمان، ولذلك لا بد لهذا العميل من دفع الفائدة على المبالغ المتعلقة في ذمته والتي تعد دينًا عليه، هذه المبالغ هي عبارة عن مدفوعات الإيجار إلى نهاية العقد وثمن البيع إلى ذلك العميل.
فإذا كان القسط الشهري الذي يدفعه هو 1000 ريال، فإن هذا المبلغ سيزيد في كل شهر بمقدار الفائدة السنوية على الأقساط الباقية وثمن البيع في نهاية العقد، وهذه الفائدة السنوية متغيرة ومربوطة بأحد مؤشرات سعر الفائدة المشهورة (مثل ليبور) ، وحتى لو كانت رسوم الإيجار في العقد ثابتة غير متغيرة فإنه بإمكان المصرف التقليدي بيع تلك العقود أو لوجود أسواق منظمة لتبادل الديون وتصكيكها، فيظهر أثر تغير سعر الفائدة على صفة تقلب في سعر بيع تلك الديون.
وترى البنوك الإسلامية مشكلة مماثلة في عقود الإيجار ذات الأجل الطويل، ولذلك فهي للتوصل إلى حل لهذه المشكلة، أدخلت في عقودها شرط (تجديد) العقد كل ستة أشهر، وعندئذ تتم مراجعة القسط الإيجاري آخذة في الاعتبار زيادته بمقدار التغير في المؤشر المعتمد، إلا أن هذا التجديد المذكور ليس إلا مراجعة لمبلغ القسط، إذ لا يسمح العقد لأي من الطرفين بالفسخ، كما أن مدة العقد تبقى كما هي (أي خمس سنوات، لا ستة أشهر) ، وظاهر أن هذا وإن حقق غرض إدخال عنصر التغير في عائدات المصرف إلا أن النواحي الشرعية فيه غير منضبطة.
وقد حاولت بعض البنوك الإسلامية معالجة هذه المشكلة بطريقة أخرى، إذ لا مناص عندها من مراجعة القسط الإيجاري كل ستة أشهر، ولكنها لتفادي الحرج الشرعي جعلت هذه المراجعة حقيقية، بأن أعطت الطرفين حق الفسخ إذا لم يتفقا على المبلغ الجديد للقسط، وهذا حسن إلا أن ذلك عسير التطبيق من الناحية العملية، إذ لا يقبل البنك ولا العميل مثل ذلك الخيار لو كان حقيقيًّا؛ لأنه يدخل في العملية مخاطرة لا طاقة لهم بها، فأدخلت في العقد شروطًا جزائية صارمة تجعل ذلك العميل لا يجرؤ على الفسخ.
وقد تصل تلك الشروط الجزائية إلى حد الإلزام بالتعويض عن الفرق بين ذلك المبلغ الذي رفضه الفاسخ ومبلغ القسط الإيجاري الذي يتفق عليه عندما تتم إعادة التأجير لطرف ثالث بعد الفسخ، مما يجعل الفسخ خيارًا مكلّفًا للغاية بل يكاد يكون لا معنى له، فمثلًا إذا كان الإيجار 100، ثم عند المراجعة قال البنك: أريد أن أرفع الإيجار إلى 120، فقال العميل: لا يعجبني وأريد أن أفسخ العقد، كان له ذلك، عندئذ يقوم البنك بتأجير الأصل إلى طرف ثالث، فإذا لم يحصل على الإيجار المطلوب بل أقل منه مثل أن يؤجره بـ 110 عندئذ التزم ذلك العميل بحكم الشرط الجزائي بدفع 10 وهي الفرق في السعرين إلى البنك تعويضًا له عن الخسارة.
ج- وليس عسيرًا على أرباب البنوك الإسلامية التي تعمل بالإيجار
ملاحظة أن دفع هذا العميل لقسط إيجاري يساوي أضعاف أجرة المثل هو علامة تدل على أن العقد في حقيقته ليس عقد إيجار بل هو بيع، ومن ثم كان على أطرافه الالتزام بشروط البيع لا الإيجار، ومنها أن الثمن يضحي دينًا متعلقًا في ذمة العميل منذ تاريخ التعاقد، وأن الأصل المؤجر هو ملك لذلك العميل منذ لحظة قبضه إياه من البنك، ومثل ذلك يلغي الميزات الأساسية لعقد الإيجار المنتهي بالتمليك، وهي قدرة المصرف على استرداد ذلك الأصل إذا ماطل العميل أو تأخر في السداد، ولذلك حاولت مواجهة هذه المشكلة بجعل الأقساط الإيجارية مساوية لأجرة المثل، إلا أن تأجيره بأجرة المثل يترتب عليه نتيجتان:
الأولى: أن البنك لا يضحي ملتزما ببيع هذا الأصل إلى العميل (الذي ما دخل في هذا العقد إلا لرغبته في التملك) لأن ما دفع في هذه الحالة لا يتعدى أن يكون ثمنًا للمنافع التي حصل عليها، وهذا أمر لا يقبله عملاء البنوك، وكذلك في الجهة المقابلة فإن دفع العميل لثمن المنافع فقط لا يولد الحافز المناسب عنده للتمليك والرغبة في الشراء، فعندئذ ربما قرر العميل في نهاية العقد أو قبل ذلك عدم رغبته في الشراء بعد مرور وقت وتغير الظروف وتحول الأسواق، بحيث تضحي قيمة الأصل لو باعه البنك بعد رد العميل له أقل كثيرًا من المبلغ المطلوب الذي يحقق الربح له، إن مجرد وجود مثل ذلك الاحتمال يترتب عليه خطر لا يقبله المصرف ابتداء.
الثانية: أنه حتى لو التزم العميل بالشراء في نهاية العقد، فإن التأجير بأجرة المثل يجعل مبلغ الثمن المتبقي كبيرًا جدًّا لا يستطيع ذلك العميل دفعه، فالأصل في العمر الافتراضي الذي يصل إلى 20 سنة (مثل الطائرة) والذي يريد المصرف تمويل امتلاك العميل له في خمس سنوات، إذا وقع تأجيره بأجرة المثل بقي من ثمنه في نهاية الفترة المذكورة قريبًا من 80 % وهذا يجعل شراءه أمرًا عسيرًا على المستأجر، عندئذ، وكحل لهذه المشكلة حاولت البنوك إيجاد طريقة يجمع فيها بين أجر المثل ودفع ثمن الشراء، فطلبت تلك البنوك من ذلك العميل المستأجر أن يدفع أجر المثل وأن يودع شهريًّا (أو بحسب دورية الأقساط) مبلغًا إضافيًّا في حساب استثماري (يحجزه البنك بحيث لا يستطيع هذا العميل السحب منه، والأرباح المتولدة منه تكون لذلك العميل) ، والمدفوعات في هذا الحساب مساوية للفرق بين أجرة المثل والمبلغ المطلوب أصلًا كمدفوعات شهرية في عقد الإيجار المنتهي بالتمليك، وفي نهاية العقد يكون المبلغ المودع في الحساب الاستثماري (قريبًا من 80 % في مثالنا السابق) كافيًا لدفع ثمن الأصل إلى المصرف، فيستلمه ويبيع الأصل إليه بالثمن المنصوص في أصل الاتفاق.
د - وكذلك فقد أدركت بعض البنوك الإسلامية أن جعل ثمن البيع في نهاية العقد مبلغًا ضئيلًا جدًّا - مثل دولار واحد - لا يوحي بقدر كبير من الثقة في حقيقة هذا العقد ولا يظهر معنى الإيجار فيه، فاتجهت في ذلك عدة اتجاهات لتفادي هذا الوضع:
* فمنها من تبنى طريقة " الهبة " فيذكر في العقد أن العميل المستأجر إذا دفع كامل الأقساط الإيجارية وواظب على ذلك بدون تأخير أو مماطلة، فإن المصرف (المالك) سوف يهب هذا الأصل المؤجر إليه بدون ثمن، ولا بأس من اقتران الإيجار بالهبة؛ لأن الهبة ليست من عقود المعاوضات فخرجت عن بيعتين في بيعة (إذا وافقنا على أن حقيقتها الهبة لا المعاوضة) . ولا تتبنى هذه الطريقة إلا العدد القليل من الشركات والبنوك المشتغلة
في التأجير، وفي الولايات المتحدة يثير هذا الترتيب مشكلة قانونية، ذلك أن الهبة عقد غير لازم عندهم، والمالك حتى لو ألزم نفسه به فإن الموهوب له (أي المستأجر) غير ملزم بالقبول، فيتولد عن ذلك مخاطرة للمصرف، فإذا رفض العميل قبول الهبة في نهاية العقد (وهو ربما فعل ذلك إذا تحولت الأسواق وتغيرت الأسعار، وصار الأصل المؤجر عالي الكلفة في التشغيل) ، وقع المصرف في ورطة لا سيما إذا كان الأصل المؤجر طائرة أو سفينة، أو آلة معقدة مركبة في داخل مصنع العميل، مثل هذه الأصول تحتاج إلى تكاليف باهظة في تشغيلها وإلى مصاريف عالية حتى لمجرد إيقافها في المطارات أو الموانئ وضرائب مرتفعة ورسوم تأمين
…
إلخ مما لا ترغب المصارف في التعرض له حتى ليوم واحد، وإن مجرد مثل هذه النتيجة كاحتمال يعني مخاطرة في العقد لا ترغب البنوك في ركوبها.
*ومنها من تبنى البيع بثمن المثل في السوق عند نهاية العقد، فإن شاء المستأجر شراءه اشتراه بذلك الثمن وإلا بيع إلى طرف ثالث، وهي طريقة غير محببة إلى المتعاملين في هذه العقود، لأنها تدخل في العقود مخاطرة تغير الظروف وتبدل الأثمان، ومن ثم لا تأتي نتائج العملية كما خطط لها.
6 -
ا - 3 هل الإيجار المنتهي بالتمليك بالتمليك من العقود المستجدة؟
هل يكون هذا العقد من العقود المجمعة، أم العقود المركبة أم العقود المستجدة؟ الذي يظهر لنا أنه عقد من العقود المستجدة، لكن له أصلًا يقاس عليه، ذلك أن مقصود العاقدين فيه هو البيع الآجل، وإن أركانه تشبه عقد البيع، وشروطه وقع الاختلاف فيها عن عقود البيع المعتادة في جانبين، الأول: هو تغير مبلغ الأقساط، والثاني: هو دخول الرهن كجزء من العقد، وتغير مبلغ الأقساط الإيجارية يولد جهالة في الثمن، أما تعاقب عقد البيع والرهن على محل واحد في أن واحد فربما يتسامح فيه إذا افترضنا أن الرهن معلق بانعقاد الإيجار (البيع) وأنه وسيلة توثيق من نوع ما، وليس رهنًا مقبوضة، وعلى ذلك يمكن القول أن عقود الإيجار المنتهي بالتمليك ذات الأقساط المتغيرة غير جائزة نسبب جهالة الثمن.
6 -
2 المشاركة المصرفية:
المشاركة لفظ غلب استعماله لوصف صيغ تمويل تجريها البنوك الإسلامية مستمدة من عقد الشركة المعروف في الفقه الإسلامي، والشركة مشروعة في الكتاب والسنة، وقد أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على جواز الشركة، سواء تلك التي يجد الناس أنفسهم أطرافًا فيها وتسمى شركة الملك أو المال (مثل اشتراك الورثة في تركة الميت أو في الغنية أو الوصية) ، أو تلك التي يتفقون على إنشائها وتسمى شركة العقد.
وقد تكون الشركة بالأموال كأن يتفق مجموعة من الأفراد على المساهمة في مال لتأسيس شركة، والربح بينهم بحسب حصة كل منهم في رأس المال، وتسمى شركة العنان، وربما اجتمعوا للاشتراك في العمل كمجموعة من الصناع أو التجار، وما تحقق لهم من أجرة فهي بينهم، وتسمى شركة الأبدان أو شركة العمل، أو ربما اشتركوا بوجاهتهم وسمعتهم بدون رأس مال ولا صنعة، فيشترون السلع بالثمن الآجل ويبيعون والربح بينهم وتسمى شركة الوجوه.
وقد تختلف أسماء الشركات بين المذاهب، وقد تتباين بعض أحكامها وأقسامها، ولكن صيغتها الأصلية مجمع على جوازها، والشركة عقد ولذلك لزم لصحتها ما يشترط لصحة العقود ويضاف إليها مسائل لها خصوصية في عقد الشركة، مثل اشتراط أن تكون الخسارة بقدر حصة كل من الشركاء في المال، وأجاز بعض الفقهاء التفاوت في الربح إذا كان لبعض الشركاء تميز أو أثر يفيد الشركة، وأن يكون رأسمالها نقودًا أو مقوّمًا بالنقود، والمشاركة التي تجريها البنوك تشبه عقد الشركة في أن رأس المال الذي يتولد منه الربح يكون مملوكًا لطرفي العقد (أو أطرافه) أي البنك والعميل، وتستخدم بعض القوانين الوضعية لفظ المشاركة ليشير إلى أنواع الشركة التي لا تنشئ عملًا ذا شخصية اعتبارية، إذ أنه يكون مؤقتا لمدة معينة فهي أشبه بالصفقات التجارية، وقد جرى إدخال عدد من الشروط في هذا العقد لكي يتناسب مع عمل البنوك، وطبيعة النشاط الاستثماري المعاصر والضوابط المحاسبية والقيود على العمل المصرفي التي تفرضها الأنظمة الحكومية والدولية.
ولعقد المشاركة المذكور أشكال، بعضها يكون مماثلًا لعقد شركة العنان المعروف، لا حاجة لنا في الحديث عنه هنا، وبعضها لا يكاد يحمل من صيغة الشركة إلا جانب الاشتراك في رأس المال أو في الربح، ولذلك فإنه يعد من العقود المستجدة، وأحيانًا من العقود المركبة، وسوف نعرض في هذه الورقة لبعض أشكال هذا النوع من المشاركة، وأهم صوره.
6 -
2 - االمشاركة المتناقصة:
المشاركة المتناقصة صيغة تمويل تعتمد على اشتراك المصرف مع
أحد عملائه في شراء أصل من الأصول المنتجة كطائرة أو عقار أو شركة قائمة.. إلخ، والغرض من صيغة المشاركة المتناقصة هو أن تكون بديلًا عن القرض الربوي، حيث يقدم المصرف الائتمان لعملائه على غير أساس الفائدة، ومن المعلوم أنه عندما يحتاج أحد عملاء المصرف إلى التمويل لشراء أصل من الأصول الكبيرة (مثل العقار أو الطائرة أو السفينة أو البضائع
…
إلخ) ، فإنه يمكن له أن يقترض الثمن من البنك التقليدي الذي يعمل بالفائدة ثم يشتري ما يريد بذلك المبلغ نقدًا، ويسدد إلى المصرف الدائن القرض وفوائده، كما يمكنه أن يحصل على التمويل من المصرف الإسلامي للغرض ذاته، ولكن على أساس المشاركة المتناقصة وليس القرض، وصفة ذلك أن ينشئ المصرف والعميل شركة ذات طبيعة خاصة وغرض محدد هو شراء ذلك الأصل المطلوب وتسمى (مشاركة) ، ويشتركان في رأس مالها فيدفع العميل نسبة ضئيلة لأنه لا يتوفر على السيولة الكافية) مثل 5 % أو أكثر أو أقل، ويدفع المصرف النسبة الباقية، عندئذ يصبح هذا الأصل بعد الشراء، مِلكًا للطرفين بنسبة مساهمة كل منهما في رأس المال، ولما كان غرض العملية هو امتلاك ذلك العميل للأصل، وليس للمصرف رغبة في الإبقاء عليه في ملكه، يتفق الطرفان على قيامه (أي العميل) بشراء نصيب المصرف في المشاركة المذكورة (والمتمثلة في حصة مشاعة في ذلك الأصل) بصفة متدرجة، فإذا كان العميل يرغب في دفع الثمن على مدى عشر سنين مثلًا جعلت حصة المصرف عشر شرائح كل شريحة تمثل 10 %، ويتفق الطرفان على شراء ذلك العميل لعُشر حصة المصرف، أي لشريحة واحدة، في كل سنة، واستئجار النسبة الباقية المملوكة للمصرف إذا كان العميل يقطن في العقار وإذا لم يكن جرى تأجيره واقتسم إيجاره بين الطرفين.
وقد تباينت التطبيقات لهذه الصيغة بين المصارف الإسلامية، فمنها
من يجعل رسوم الإيجار السنوي لحصة البنك معلومة محددة ومتفق عليها عند توقيع العقد، وكذلك ثمن البيع لكل شريحة من حصة البنك، ومنها من يعمد إلى تقويم سنوي لقيمة الأصل في السوق في تاريخ محدد من كل سنة، ثم يحدد بناء عليه ثمن الشريحة من حصة المصرف التي التزم العميل بشرائها كجزء من تلك القيمة. كذلك يتحدد الإيجار السنوي لما بقي من حصة البنك بنفس الطريقة، ولعل الاتجاه الثاني مرده إلى التوجيه في أن البيوع المضافة إلى المستقبل لا تجوز.
إلا أن التطبيق العملي له لم يكن ناجحًا، ذلك أن الأثمان ربما تغيرت بالارتفاع أو الانخفاض خلال مدة التسديد ، عندئذ ربما وجد العميل نفسه بعد دفع مبلغ كبير لازال عاجزًا عن امتلاك الأصل؛ لأن قيمة حصة البنك ترتفع باستمرار تزايد الأسعار في الأسواق، وفي الجهة المقابلة ربما وجد المصرف نفسه يحقق خسارة لانخفاض سعر ذلك الأصل عند التثمين السنوي عما كان متوقعا عند التعاقد.
6 -
2 - ا - اهل المشاركة المتناقصة من العقود المستجدة؟
لا شك أن عقد المشاركة المتناقصة هو من العقود المستجدة، وهو
عقد مركب من شركة وبيع، وقلنا: إنه مركب لعدم إمكانية فصل العقدين واستقلالهما عن بعضهما البعض، إذ لا تحقق المصلحة المستهدفة من التعاقد بين الطرفين، ولا شك أن الجمع بين الشركة والبيع جائز، إلا أن مشكلة هذا العقد أن عقد البيع فيه مضاف يتأجل فيه البدلان، وهو ليس على سبيل الوعد، بل هو مولد للالتزام بالبيع والشراء، ولذلك فالصيغة التي تترك تحديد الثمن إلى وقت إجراء البيع جيدة، لأنها تخرج الصيغة من حرج البيع المضاف إلى المستقبل.
6 -
2 - 2 المشاركة المتتالية:
يقصد بالمشاركة المتتالية (وربما سميت بغير ذلك أحيانًا) استبدال المصرف مستثمرًا مكان آخر في تمويل يعتمد صيغة الدَين، وربما يجد القارئ بعد التفصيل أن ليس لهذه المشاركة من اسمها نصيب، وهي على أية حال صيغة معقدة نبسطها بقدر ما يسمح مطلب عدم الإخلال.
صفتها أن يقوم المصرف مثلًا بتمويل زيد لشراء طائرة بالمرابحة بمبلغ 100 مليون دولار مثلًا، ثم يصبح ذلك الثمن (وربح البنك) دينًا يسدده العميل، على أقساط خلال سبع سنوات، ولأن المصرف وسيط مالي فإن مبلغ المائة مليون المذكور إنما جمعه من المستثمرين الذين يودعون أموالهم لديه في الحسابات الاستثمارية، لنفترض أن هذه الأموال جاءت من عشرين مستثمرًا، عندئذ هم شركاء في هذه العملية، والربح لهم (وللمصرف نصيبه
من الربح كمضارب أو له الحصول على رسوم إدارة إذا كان وكيلًا بأجر
…
إلخ) ومن هنا جاء وصفها بالمشاركة، ولكن نحن نعلم أن هؤلاء المستثمرين لا يرغبون في بقاء أموالهم لدى المصرف سبع سنين، لا سيما أن الحسابات الاستثمارية التي تحظى بتفضيل المدخرين هي تلك التي يكون أجلها قصيرًا (ستة أشهر) ، فكيف السبيل إلى تمويل عملية طويلة الأجل باستخدام ودائع استثمارية قصيرة الأجل؟
لا تثير هذه المسألة إشكالًا كبيرا عند المصارف التقليدية؛ لأن العائد من القرض الذي سيدفعه زيد للمصرف محسوب على شكل فائدة مرتبطة بالزمن، وكذلك الحال في الجهة المقابلة للأموال التي يدفعها البنك لأصحاب الودائع، فإذا أراد مودع قديم أن يسحب أمواله تم إحلال مودع جديد مكانه فقبض الأول وديعته وهي المبلغ الذي قدمه الثاني، وصار الثاني يقبض الفوائد حتى ينتهي الأجل، فيقبض المال المسترد من المقترض والذي كان في أصله وديعة من المدخر الأول وحل هو محله وهكذا، فتتحقق عندئذ للمصرف القدرة على المواءمة بين مصادر قصيرة الأجل للأموال واستخدامات طويلة الأجل، ذلك أن الودائع قروض بالفائدة على المصرف فليست مرتبطة بعملياته التجارية، فالمودع ليس شريكًا في شراء الطائرة ولا يرتبط مع الجهة التي اشترت الطائرة بأي علاقة كانت، وحتى لو خسرت عملية تمويل الطائرة فإن ودائعه مضمونة بأموال البنك.
هل يمكن أن تنهض صيغة للمشاركة بنفس الغرض؟ هذا ما تقوم به المشاركة المتتالية، وصفة ذلك تحديد أجل قصير لذلك المستثمر الذي استخدمت مدخراته في تمويل العملية ابتداء (ستة أشهر مثلًا) ، وعندما يأتي وقت استرداده لماله يكون له أن يقبض الربح الذي يغطي الفترة المذكورة (ستة أشهر) لاستحقاقه ذلك بحكم مشاركته، وله أن يسترد وديعته، ولكن من أين يأتي المصرف بالأموال، والمدين لم يسدد بعدُ دَينَه؟ يمكن للمصرف أن يرد إليه أمواله بالسماح لمستثمر جديد أن يحل محله، أو يقوم المصرف بدفع مبالغ الأقساط التي سددها المدين (والتي هي حق على سبيل الشيوع لجميع المشاركين في التمويل من المستثمرين) دفعها لأولئك الذين يريدون استرداد أموالهم، وتأجيل الباقين حتى يتم التسديد النهائي، ولا فرق بين الطريقتين؛ لأن الأخيرة تؤول أيضًا إلى حلول بعض الشركاء (الباقين) محل الآخرين (الذين خرجوا) .
وفي كلا الحالين فإن في العملية معنى الحوالة، ذلك أن الخارج المسترد لأمواله قبل الأجل يحيل المشاركين الجدد (أو شركاءه الذين لم يخرجوا كما في الحالة الثانية) بالدين الذي له على عميل المصرف ويستعجل هو قبض دينه منهم، لكن المشكلة أنه يحيل بكامل الدين ويقبض مبلغا يقل عن قيمته الاسمية، فإذا كانت حصته 1200 دولار تستحق بعد ثلاث سنوات، وتتكون من أصل وديعته وهي 1000 دولار، نصيبه من ربح المرابحة للفترة الباقية وهي 200 دولار فإنه سيحيل هذا الداخل الجديد بمبلغ 1200 دولار، ويقبض هو أصل وديعته فحسب (وهو أصل وديعة الداخل الجديد) وهي 1000 دولار، على افتراض أن الربح لن يتحقق إلا في نهاية العقد.
ولا يتصور قبول الداخل الجديد دفع 1200 دولار اليوم والانتظار
ثلاث سنوات لقبض نفس المبلغ، وهنا مكمن الإشكال فيما يسمى بالمشاركة المتتالية، فهي حوالة تتضمن زيادة من أجل الأجل في دين، فهي مماثلة لحسم (خصم) الأوراق التجارية (الكمبيالات) ، فحقيقتها والحال هذه بيع الدين على غير من هو عليه بأقل من قيمته الاسمية، والعمل بهذه الطريقة واسع منتشر في نشاط المصارف الإسلامية، وهي صيغة معقدة كما أسلفنا لاختلاف المبالغ والمدد بين المستثمرين والمتمولين، وما ذكرنا من مثال أعلاه هو صورة مبسطة، الغرض منها التوضيح، فلا ندعي أنها بصفتها المذكورة موجودة.
6 -
2 - 2 - اهل المشاركة المتتالية من العقود المستجدة؟
لا ريب أن المشاركة المتتالية هي عقد من العقود المستجدة، ووجه
الجدة فيه تطبيقاته وعرضه ومقصود أطرافه منه، إلا أنه كثير الشبه بأمر معروف معهود في القديم هو بيع الدين لغير من هو عليه بأقل من مبلغه، وهو من العقود غير الجائزة التي تعد من الربا.
6 -
2 - 3 المشاركة بنظام النقاط:
يعد التمويل بكشف الحساب (وهو ما يسمى أحيانًا الحساب الجاري المدين) أحد أهم صيغ الائتمان في البنوك التقليدية.
ولا يكاد يسلم من الحاجة إليه أحد من التجار أو أرباب الأعمال،
وهي حاجة حقيقية؛ لأن الشركات وأمثالها يكون لها إيرادات ومصروفات مالية يومية وهي قلما تتساوى في كل يوم، فتزيد الإيرادات من النفقات في يوم ثم ربما حصل عكس ذلك في يوم آخر، فكيف تفعل عندما تحتاج اليوم إلى دفع مبالغ تقل عن إيراداتها اليوم؟
لما كان للشركة حساب مع المصرف فما عليها إذن إلا أن تتفق مع ذلك المصرف بأنه إذا كانت السحوبات من حساب الشركة في المصرف أكثر مما أودع فيه من أموال في ذلك اليوم سمح بانكشافه، وذلك بإقراض المصرف الشركة ما يحقق التساوي بين السحب والإيداع بفائدة تقوم بالحساب اليومي، وهو معاملة تتضمن الربا، لذلك احتاجت المصارف الإسلامية إلى بديل ينهض بالحاجة المذكورة ويكون خاليًا من المحرم، ومن الصيغ التي استخدمت لهذا الغرض في بعض البلدان ما يسمى بالمشاركة بنظام النقاط. وتبدأ العملية بتقويم المركز المالي للشركة ودراسة ميزانياتها وتحديد قيمة صافية لها توافق عليها إدارة الشركة ويوافق عليها البنك المعني، ولنفترض أنها خمسون مليونًا من الريالات، تقوم المعاملة على افتراض أن هذه القيمة الصافية ثابتة لا تتغير خلال فترة العقد، وهي سنة، لارتباطها بميزانية الشركة، ويتضمن الاتفاق شروطًا محددة تتعلق بإعلان الأرباح وتوزيعها، الهدف منها حفظ حقوق البنك، وكذلك قيودًا على قدرة الإدارة على الاقتراض حتى لا تتحمل المؤسسة الديون، فلا تصبح قادرة على تحقيق الأرباح، وعلى محددات تضبط أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى زيادة النفقات مثل تغير سلم الرواتب والأجور
…
إلخ.
يقوم المصرف بفتح حساب جار معتاد، يمكن تلك الشركة من أن
تودع فيه وأن تسحب منه على المكشوف (أي بمبلغ يزيد على ما أودع فيه) ، وعندما تسحب منه على المكشوف (مبلغ مليون ريال مثلًا) يصبح البنك عندئذ شريكًا في المؤسسة المذكورة بمقدار ما يمثل هذا المليون إلى جملة القيمة الصافية لها (أي 5/1 في هذه الحالة) ويستمر شريكًا حتى يقوم البنك بإيداع مبلغ في الحساب يغطي ما انكشف منه. لنفترض لغرض التسهيل أن الحساب استمر مكشوفًا لمدة خمسة أيام فقط، ولم ينكشف بعد ذلك لنهاية العام، عندئذ سيشارك البنك في أرباح المؤسسة مقابل هذه المدة فقط، فعند إعلان الأرباح في نهاية العام سوف تقسم تلك الأرباح على عدد أيام السنة فتحدد ربح اليوم الواحد، ثم تقسم الأرباح على رأس المال لتحديد ربح كل ريال، فيكون نصيب البنك من الربح الكلي للمؤسسة هوجزء يمثل حصته في رأس المال لمدة خمسة أيام [أي (الربح / 50) ×5] ، ولذلك سمي بنظام النقاط. إن التطبيق العملي لهذا النوع من المشاركات أكثر تعقيدًا؛ لأن الحساب ينكشف ثم يغطى مرات كثيرة خلال العام.
6 -
2 - 3 - اهل المشاركة بنظام النقاط من العقود المستجدة؟
لا شك أن هذا العقد هو نوع شركة، ولكنه عقد مستجد يختلف
اختلافًا كبيرًا عن عقود الشركة المعروفة، فهو يقوم على فرضية التصفية الحكمية اليومية، كما يقوم على افتراض أن ما تحقق من ربح في آخر العام كان في واقع الأمر يتحقق بصفة يومية متدرجة طوال السنة، يظهر حصة كل يوم من الربح، ويعتمد على افتراض أن القيمة التي تحددت لموجودات الشركة في أول عقد باقية لا تتغير طوال مدته، ولذلك فإذا اشترى المصرف حصة تساوي قيمتها مبلغ مليون ريال، فإن دفع مبلغ مليون ريال بعد عدة أيام أو عدة شهور سيساوي قيمتها، إذ لا يحدث التغير في تلك القيمة، وهو أمر غير معتاد في طبيعة عمل الشركات، وقد يبدو أن في الصيغة بيع العينة، لكن ذلك غير صحيح لأن شراء الحصة ثم بيعها لا يكون إلا نقدا وليس بالأجل ولا زيادة فيه تخرج من بيع العينة، وظاهر أن هذه صيغة معقدة وجديدة.
6 -
3 اتفاقيات التمويل:
لعل من أهم سمات عمليات التمويل في العمل المصرفي المعاصر
حاجة البنك إلى إنجاز سلسلة من الإجراءات المطولة قبل منح العميل الموافقة على التمويل، من تلك الإجراءات دراسة الوضع المالي للعميل المتقدم بطلب التمويل، والتدقيق في سجله لدى البنك والبنوك الأخرى، والتحليل الائتماني للطلب الذي تقدم به
…
إلخ، كل ذلك يستغرق وقتا ويحتاج إلى جهود مختصين في المحاسبة والائتمان والاقتصاد
…
إلخ. ولما وجدت المصارف أن مجموعة من الحاجات التمويلية للتجار والمؤسسات هي حاجات متكررة ومتشابهة لا تختلف إلا من حيث حجم التمويل وتوقيته، اتجهت إلى عقد ما يسمى باتفاقيات التمويل مع ذلك العميل، والتي تخوله للحصول على التمويل بصفة متكررة خلال فترة محددة وبحجم حدد له سقف (حد أعلى) دون الحاجة إلى المرور في كل مرة بسلسلة الإجراءات المذكورة.
على سبيل المثال، تاجر يستورد من خارج البلاد شحنات من البضائع بصفة دورية (كل شهر مثلًا) وفي كل مرة هو يحتاج إلى تمويل من المصرف، يمكنه عندئذ توقيع اتفاقية تمكنه من الحصول في كل مرة على تمويل ضمن السقف المتفق عليه بطريقة ميسرة لا تحتاج إلا إلى الحد الأدنى من الإجراءات، وكل عملية يدخل فيها العميل مع المصرف ضمن هذه الاتفاقية تكون عقدًا منفصلًا.
وهذا العميل عندما يحصل على موافقة المصرف على هذه الاتفاقية
لا يلزمه بالضرورة أن يستخدمها (أي يستفيد من فرص التمويل المتاحة) ولكنها تكون جاهزة للتنفيذ حينما يرغب في ذلك، وتشترط أكثر البنوك دفع ذلك العميل الرسوم في هذه الاتفاقية، إذ يفرض بعضها رسمًا لمجرد الموافقة على طلبه، وأخرى في حالة عدم استفادته من الاتفاقية، واتفاقيات التمويل يعمل بها في البنوك الإسلامية، إذ تخول العميل الحصول على التمويل بطريقة المرابحة بصفة متكررة خلال مدة معينة، يلتزم خلالها البنك بالبيع مرابحة على ذلك العميل بضائع لا تزيد قيمتها عن مبلغ متفق عليه. ربما نظرنا إلى هذه الاتفاقية أنها نوع مواعدة بين الطرفين، أي أنهما يتواعدان على الدخول في عقد في المستقبل، لكن وجود الرسوم المذكورة تدخل فيها عنصر المعاوضة.
6 -
3 - اهل تكون اتفاقيات التمويل من العقود المستجدة؟
يمكن أن تصور اتفاقيات تمويل على أساس أنها التزام من المصرف بأن يبيع إلى عميل بضائع لا تزيد قيمتها عن مبلغ معين متى رغب العميل ذلك، فلا يكون للمصرف في ظل هذه الاتفاقية الامتناع عن البيع إذا التزم العميل بشروط الاتفاقية، وهي عقد معاوضة لأن ذلك العميل يدفع رسمًا لمجرد الموافقة على قيد الاتفاقية، وهو من العقود المستجدة التي ليس لها شبه تقاس عليه من العقود المألوفة، هي بلا شك عقد معاوضة، لكن الثمن المدفوع لا يقابله إلا التزام بالبيع؛ لأن عقد البيع والثمن فيه يأتي لاحقًا ويكون مستقلًا من الثمن المدفوع للاتفاقية، ورب قائل: إن هذا من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن البنك لا يقدم شيئًا مقابل ذلك الثمن، وهو في النهاية بائع ، فلماذا يفرض رسمًا على من أراد الشراء منه؟ والواقع أن الأمر ليس كذلك؟ لأنه يعني ضرورة تأكيده من توفر الأموال لديه بطريقة تمكنه من الوفاء بالتزامه، والمصرف محتاج إلى فرز العملاء واستبعاد أولئك الذين يحبون إلزام البنك وعدم الالتزام من جانبهم، وليس أنجع من دفع ثمن يجعل غير ذوي الجدية لا يقدمون على توقيع مثل تلك الاتفاقيات.
د. محمد علي القري
بطاقات المعاملات المالية
The Financial Transacation Cards
دراسة فقهية تحليلية مقابلة
إعداد
أ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
مكة المكرمة – المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن أهم ما أبدعه العصر الحديث في الخمسين عامًا الماضية في المجال الاقتصادي نظام بطاقة المعاملات المالية الذي ظهر أول ما ظهر في أمريكا، ثم البلاد الأوروبية، ثم أخذ في الانتشار بشكل واسع وسريع في البلاد الإسلامية، وغير الإسلامية.
أثبت هذا النظام في مجال الاقتصاد والتجارة فعاليته وربحيته العالية، فاستخدمت المؤسسات المالية والاقتصادية خبراتها الطويلة، ومعرفتها بنفسية المجتمعات لإغراء الأفراد على المستويات كافة وبخاصة الغنية والمتوسطة للاشتراك فيه، والانضمام إليه، تركز الإعلان عنه على الجوانب الإيجابية فيه من النواحي الأمنية، والمظهر الاجتماعي، وإشباع الرغبات والطموحات المادية، وتتكتم على الجوانب السلبية والمضرة بالإفراد: دينيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا؛ كالمديونية، والزيادات الربوية التي لا يدركها الفرد العادي، وإذا ذكرت فإنما تذكر في إجمال وإبهام، وبأسلوب رقيق لا يلفت النظر، كالفوائد المفروضة على كل عملية شراء، والزيادة المفروضة على القرض النقدي، وصرف العملات الأجنبية، والفوائد الربوية على تأخير التسديد التي قد تجتمع كلها في عملية واحدة فتمثل نسبة كبيرة إلى أصل القرض، وتشكل جميعها مديونية تثقل كاهل حامل البطاقة بما لا طاقة له به مستقبلًا، وبخاصة أصحاب الدخل المتوسط، والمحدود.
كل هذه لا تكشف عنها الاتفاقية بين مصدر البطاقة وحاملها،
ولا ينوه عنها إلا بإشارات غامضة غير صريحة، كأنه لا وجود لها في حساب التعامل بينهما، في حين أنها التي يعتمد عليها البنك في معظم أرباحه في الوقت الحاضر، يحقق منها أمجاده المالية، وربحيته العالية منها أكثر من الفوائد على الديون الأخرى التقليدية.
نشأ نظام البطاقات، وتطورت أنظمته ولوائحه في البلاد الغربية على أساس الاقتصاد الرأسمالي، بفلسفته وأساليبه، وبلغ من الإحكام بحيث لم يترك منفذًا إلا سلكه، أو طريقًا للربح من حامل البطاقة إلا قننه ونفذ إليه.
ولما أن للمجتمع الإسلامي مبادئه الاقتصادية الخاصة، وأساليبه المتميزة في المعاملات قام علماء الاقتصاد بعرض نظام البطاقات وشرحه بلغة الاقتصاد ومصطلحاته المفهومة لديهم، المتداولة في مجالهم، مثلهم في هذا مثل المتخصصين في المجالات العلمية الأخرى، فلكل علم مصطلحاته وتعبيراته، ربما لا يدركها غيرهم، وإن أدركوها فربما أدركوها ناقصة مبتورة.
عنونت البحوث المقدمة من أساتذة الاقتصاد الإسلامي، والاقتصاد الوضعي، ورجال المال والأعمال بـ (بطاقات الائتمان) .
تظل كلمة (الائتمان) تتردد في ثنايا البحوث الاقتصادية والإعلانات الصحفية، وعلى ألسنة المتحدثين، وهي بالنسبة للشخص غير المتخصص في الاقتصاد لا يتجاوز مفهومها لديه معناها اللغوي:(الثقة والأمانة) ، هذا إن أحسن فهمها؛ إذ ليس في هذا العنوان ما يدل على حقيقة النظام المالي الذي تقوم عليه البطاقة، ولا على مدلولها ومسماها في القاموس الاقتصادي، فمن ثم اهتم هذا البحث أول ما اهتم به هو تصحيح عنوان هذا النظام (نظام البطاقات) .
اكتفت البحوث الاقتصادية المقدمة للفقهاء في الغالب بعرض
الواقع لهذا النظام، وتسليط الأضواء على الجوانب الظاهرة فيه في حدود الاقتصاد، دون تحليل داخلي أو خارجي لطبيعته، وإظهار أبعاده ونتائجه، فلم يسهم في إيجاد تصور كامل صحيح، وبالطبع لم يساعد في توحيد رأي الفقهاء، أو على الأقل رأي واحد تتبناه الأغلبية؟ إذ لا يزال الفقهاء الشرعيون في اختلاف وتباين في الرأي بين مجيز ومحرم، حسب التكييف الفقهي الذي يراه بناء على فهمه للطرح الاقتصادي الذي بين يديه، وتحت ناظريه.
إن الحل الصحيح الموفق رهين بالدراسة الموضوعية، والتحليل العلمي، والتكييف الفقهي السليم، ولا يكون هذا إلا بالتتبع والوصول إلى جذور العقد، أو العقود في أساسات هذا النظام.
إن التصور لنظام البطاقات يكتمل تماما، وتجتمع له أسباب الصحة وشروطها، ومن ثم يمكن دراسته دراسة فقهية شرعية، إذا توافرت له الدراسات القانونية في البلاد التي تأسس فيها، وتطورت لوائحه وأنظمته في مؤسساتها التشريعية والقضائية.
إن هذه الدراسة تمثل حجر الزاوية، وهي الطرف الثاني في
المعادلة، فأصحابه أدرى بمداخله ومخارجه، وأعرف بحقيقته. الدراستان: الاقتصادية والقانونية شرط أساس لاكتمال التصور الفقهي؛ إذ أن كليهما يشترك في إعطاء التصور التام الصحيح، ومن ثم يهيئان لدراسة شرعية سليمة إن شاء الله.
لا يعني العرض القانوني التسليم بمسلماته وتوجهاته، ولكنه الإسهام في صحة التصور، فقد يكون التطابق في التكييف والتصوير فيستأنس به، وليس في هذا ما يضير الفقه، أو الفقيه، حيث ينفرد الفقه الإسلامي عن غيره في المبادئ والأحكام. أن التكييف والتصوير فكر إنساني مشترك، والمهم هو الأحكام والأصول والمبادئ التي يتميز بها فكر عن فكر، وفقه عن فقه.
وضع البحث في اهتمامه الأول عرض الدراسة القانونية من مصادرها الأجنبية في البلاد التي تأسس وتطور فيها بلغته ومصطلحاته. كما لم يهمل العرض والدراسة في هذا القسم الاستعانة بالعرض الاقتصادي وتحليلاته متى استدعت الحاجة إليه، تمثل كل هذا في القسم الأول من البحث بعنوان:" الدراسة القانونية لبطاقة المعاملات المالية ". يشتمل هذا القسم على فصلين وعدة مباحث.
الفصل الأول بعنوان: " التحليل والأقسام ".
يتضمن المباحث التالية:
المبحث الأول: بطا قات المعاملات المالية: التعريف والمصطلحات.
المبحث الثاني: عقود بطاقات المعاملات المالية: الإجراءات والأركان.
المبحث الثالث: بطاقات المعاملات المالية المتداولة: الأقسام،
والأنواع، والأرباح
المبحث الرابع: المصدرون للبطاقات عالميًّا.
المبحث الخامس: الحماية القانونية لحاملي بطاقات المعاملات المالية.
الفصل الثاني بعنوان: " العلاقات والمسؤوليات في البطاقات البنكية ". يتضمن المباحث التالية:
المبحث الأول: العقود التي تتضمنها البطاقات البنكية.
المبحث الثاني: علاقة مصدر البطاقة (المقرض) بحامل البطاقة
(المقترض) ومسؤولياته.
المبحث الثالث: مسؤوليات حامل البطاقة (المقترض) .
المبحث الرابع: إنهاء اتفاقية البطاقة بين مصدرها وحاملها وآثار ذلك.
المبحث الخامس: العلاقات والمسؤوليات بين مصدر البطاقة
والتاجر.
ما من شك أننا معنيون هنا بالناحية الفقهية الشرعية أصالة، فهي المقصود ومحط المطاف، فكل ما أوصل إليها، ودل عليها يكون مطلوبًا لها.
لا جرم أن يعتمد هذا البحث في التوصل إلى هذه الغاية على الناحيتين الاقتصادية والقانونية فهما جناحا الموضوع.
التحليل الاقتصادي مطلوب؛ لأنه يفسر الواقعة الاقتصادية ويبين
أبعادها.
التحليل القانوني مطلوب، لأنه يدل على حقيقتها، ويساعد في فهمها وتكييفها.
العنصر الثالث - للتمهيد للدراسة الفقهية الشرعية - الدراسة الميدانية، وهي مهمة للإحاطة بالجوانب النظرية وتفسيرها على أرض الواقع، والمزاولة اليومية، يضاف إلى كل ذلك دراسة اتفاقات البنوك وشروطها لمنح البطاقة.
أسهمت العناصر الثلاثة المتقدمة: الاقتصادية، والقانونية، والميدانية في إيجاد تصور واضح لحقيقة بطاقات المعاملات المالية المتداولة عالميًّا ومحليًّا، ومن ثم التوصل إلى الحكم الشرعي لتلك العقود: الربوي المحرم، والمباح الخالي من الربا.
الدراسة الفقهية الشرعية هي نتاج ذلك التصور، وهي التي تمثل
القسم الثاني والأخير من البحث، تعتمد التأمل في القسم السابق القانوني والدراسات الاقتصادية ونصوص الاتفاقات وشروطها، بمنطق الشريعة الإسلامية وأصولها في ضوء تفهم الواقع، واستقلالية التصور والتكييف، مع التركيز على مزاولة البنوك المحلية في المملكة العربية السعودية ذات الصلاحية لإصدار البطاقات بعنوان:" عقود بطاقات المعاملات المالية في الفقه الإسلامي ".
يشتمل هذا القسم على فصلين:
الفصل الأول بعنوان: بطاقات المعاملات المالية وعقد الإقراض في الفقه الإسلامي.
الفصل الثاني بعنوان: العلاقة الشرعية بين أطراف عقود البطاقات بالنسبة للتسديد والخصم.
يتكفل البحث بدراسة هذا الموضوع، والتعبير عن مصطلحاته بلغة وتعبيرات مفهومة للمتخصصين والعامة، مع الحرص على استعمال المصطلحات الفقهية في الفقه الإسلامي التي ترسخت معانيها ومدلولاتها وأحكامها في أذهان عامة المسلمين، كذلك بالنسبة للقانون الوضعي المترجم، دون تجاوز في المعاني والمدلولات، حتى تتم المقابلة عرضًا بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، فيخلص البحث إلى تصور سليم، وأحكام شرعية صحيحة إن شاء الله.
تنتهي الدراستان بخاتمة تضم أهم النتائج وبعض الملاحظات والتوصيات وبعض المقترحات، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته الطاهرين أجمعين.
أ. د. عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان
المدخل: تصحيح العنوان
(بطاقات الائتمان) عنوان غير صحيح
جرت عادة الاقتصاديين والمصرفيين تقديم هذا النوع من البطاقات بعنوان (البطاقات الائتمانية) سواء في هذه البحوث العلمية، والإعلانات المصرفية، وهي في نظر هؤلاء ترجمة لكلمة:(Credit Cards) في اللغة الإنجليزية.
لدى الرجوع إلى معنى هذه الكلمة (Credit) في المعجم الإنجليزي
نجد أن لها عدة معان:
تطلق غالبًا على شرف الشخص، واعتزازه، وانتمائه.
الاعتراف بكفاءته.
سمعته الطيبة.
المبدأ والثقة.
ملاءته ورصيده في البنك مما هو تحت تصرفه.
قدرته على الحصول على حاجياته قبل دفع الثمن بناء على الثقة
بوفائه بالدفع.
الاعتراف بإسهاماته.
الدرجة العلمية مرتفعة النسبة على درجة النجاح في الامتحان.
السمعة والشرف في الأعمال التجارية) (1)
(1) The concise oxford Dictionary English Edition (Printed in U.S.A، 1990)(Credit) & (Card) ، p.272.
هذا ما يخص معنى الكلمة الأولى وهي محور البحث، أما كلمة
(Card) فلها معان عديدة، ومنها المعنى المعروف المتداول " البطاقة تكون من ورق سميك مسطح، أو بلاستيكي يصدرها بنك، أو غيره لحاملها، وعليها بعض البيانات الخاصة بحاملها، فإذا كانت من قبيل (Credit) فإنها تصدر بقصد الحصول على نقد، أو دين "(1)
كما ورد معناها المركب (Credit Card) في قاموس أكسفورد كالتالي:
(البطاقة الصادرة من بنك أو غيره تخول حاملها الحصول على حاجياته من البضائع دينًا (On Card)(2)
لم يهمل قانون الحكومة الأمريكية الفدرالية والبريطانية توضيح المقصود من كلمة (Credit) في المجالين الاقتصادي والتجاري.
جاء في قانون الحكومة الأمريكية الفدرالية توضيح معنى كلمة (e)(103 Credit truth in lending act) .
" كردت: تعني منح دائن لشخص قرضًا مؤجل التسديد. أو إحداث دين مؤجل الدفع ذي علاقة ببيع البضائع والسلع، وتقديم الخدمات ". (3)
وفي القانون البريطاني لإقراض المستهلك الصادر عام 1979:
تطلق كلمة (Credit) لدى خصوص دفع النقود، ولكن ليس في حالة دفع قيمة البضاعة مقدمًا.
كما ورد تحديد معنى الإقراض (Credit) في الفصل التاسع منه:
" تعني هذه الكلمة (Credit) الدين النقدي، وأي نوع آخر له صيغة مالية.
إنما جاء التعبير بـ (أي نوع آخر له صيغة مالية) ليدخل ضمن مدلوله الصيغ والأساليب المالية الجديدة التي لما تظهر بعد، وليس فقط الموجودة المعروفة في الوقت الحاضر " (4)
مما سبق يتضح أن كلمة (Credit) في المصطلح الاقتصادي والتجاري والقانوني الإنجليزي والأمريكي في مجال البطاقات المالية تعني صراحة (الإقراض) .
هذا هو حقيقة مصطلح هذه الكلمة لديهم، ومدلولها حيثما استعملت في المجالات الاقتصادية والتجارية والقانونية المشار إليها، الذي يفترض أن يترجم معناها إليه في اللغة العربية. (5)
كما أن أطراف عقد هذا النوع من البطاقات يسمى مقرضًا (Creditor) ومقترضًا (Borrowar) .
(1) The concise oxford Dictionary، (Credit Card) P. 272
(2)
The concise oxford Dictionary، (Credit Card) P. 272
(3)
، Al- Melhem A.AHMED the legal Regime of payment cards، Acomparative study between American، British and Kuwaite laws with particular refrence to credit cards، thesis for the degree Ph.D. in the Faculty of Law، uni. of Exeter، 1990، P.5
(4)
Jones، Sally A. the law relating to credit cards (London، Bsp Professional Books، 1989) P.76
(5)
انظر: Jones، Saly، P.80
العنوان السليم المناسب لهذا النوع من البطاقات هو: (بطاقات الإقراض) ؛ إذ هو الوصف المناسب الدال على حقيقتها وماهيتها، المميز لها عن نظيراتها من البطاقات الأخرى في الشروط وتسديد الديون، الذي ينبني عليه أحكام شرعية، متفقة ترجمة مع الأصل المنقول عنه. يضاف إلى هذا أن المصطلح الشرعي للقرض ينطبق على هذه الحالة نصًّا، يقول العلامة ناصر المطرزي: (المقروض: مال يقطعه الرجل من أمواله فيعطيه عينًا، فأما الحق الذي يثبت له دينًا فليس بقرض
…
. (1) هنا يخول مصدر البطاقة حامل البطاقة قدرًا معينًا من النقود يتصرف فيه، أما كلمة (الدين) فهي بلا شك أعم من القرض، إذ جاء تعريفه:" الدين: ما وجب في الذمة بعقد أو استهلاك، وما صار في ذمته دينًا باستقراضه فهو أعم من القرض ". (2) فمن ثَمّ يتضح أن استعمال كلمة (إقراض) في هذا الخصوص وفي هذه العلاقة هي الأدق تعبيرًا.
أما كلمة (ائتمان) فليس عنوانًا صحيحًا، ولا وصفًا مناسبًا؛ إذ أنه لا أثر له أصلًا، أو وضعًا في صحة تكييف العقد فيبنى عليه حكم، ولا يشير أصالة إلى حقيقته، ولا يتفق مع الأصل المترجم عنه.
من اللبس أيضًا في البحوث العلمية والاقتصادية أن تعنون جميع
أنواع البطاقات بـ (بطاقات الائتمان) بالمعنى السابق في المصطلح الاقتصادي، في حين أن (الإقراض) لا يتحقق في بعض أنواع البطاقات مثل بطاقة السحب المباشر من الرصيد. (3)(Debit card) .
المصطلح الاقتصادي العربي في تسمية القرض بـ (الائتمان) تسمية لا تدل على حقيقة الوصف الذي ينبغي أن تعنون به هذه البطاقة وأمثالها، ولعل تسمية القرض (ائتمان) من قبيل افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه، الأمر لم تكن إليه إشارة في التعريف بكلمة ائتمان (Credit) اقتصاديًّا؛ ذلك أن هذا الاصطلاح يعني بوجه عام:
" منح دائن لمدين مهلة من الوقت، يلتزم المدين بانتهائها دفع الدين
…
(1) المغرب في ترتيب المعرب - بيروت، دار الكتاب العربي، مادة (القرض) ، ص 378
(2)
ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار: 4/ 169.
(3)
انظر عناوين هذا الموضوع في بحث مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي من مجلة المجمع، الدورة السابعة، العدد السابع، الجزء الأول
وفي الشؤون المالية يعنى (الائتمان) عادة قرضًا، أو حسابًا على المكشوف يمنحه البنك لشخص ما، كما يعني (حجم الائتمان) المقدار الكلي للقروض والسلف التي يمنحها النظام المصرفي ". (1)
ورد أيضًا تعريف (بطاقة الائتمان) اقتصاديًّا بما ينم عن حقيقتها وخصوصية معناها بأنها:
" بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله، تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع، أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مصدر الائتمان، فيسدد قيمتها له، ويقدم المصرف للعميل كشفًا شهريًّا بإجمالي القيمة لتسديدها، أو لخصمها من حسابه الجاري لطرفه ". (2)
هذان التعريفان صريحان في الوصف وحقيقة معنى هذا النوع من البطاقات، له لفظ موضوع في اللغة العربية هو (القرض) ، وما اشتق منه، لا يوجد سبب واضح للعدول عنه إلى ألفاظ أقل ما فيها أن المراد منها غامض على أهل العربية أنفسهم.
بيد أن المصطلح الاقتصادي العربي يتفادى استعمال كلمة (قرض) التي هي أدل على المعنى والحقيقة إلى عنوان أقل ما يقال فيه التباس معناه، وعدم إدراك المقصود منه في الاستعمال اليومي. لا يعلم السبب في هذا العدول؟! ولكن قد يجاب: بأن لكل علم مصطلحاته، ولا مشاحة في الاصطلاح. لكن لا ينبغي أن يخرج المصطلح عن معاني اللغة وطرائقها، وإذا أضفنا إلى هذا أن لهذه الكلمة (القرض) العنوان المنطوق والمفهوم دلالتها وأحكامها الشرعية التي ينبغي أن يحافظ عليها تفاديًا للبس واختلاط المفاهيم.
عندما يذكر (القرض) باسمه وعنوانه الصريح المألوف؛ فإن أحكامه معلومة لدى المسلم من الدِّين بالضرورة، فينبغي الالتزام به، وبخاصة من فئة علماء الاقتصاد الإسلامي.
(1) عمر حسين، موسوعة المصطلحات الاقتصادية، الطبعة الثالثة - جدة، دار الشروق، عام 1399 هـ/ 1979 م، ص 7
(2)
بدوي، أحمد زكي، معجم المصطلحات التجارية والتعاونية: عربي، إنجليزي، فرنسي - بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، عام 1404 هـ/ 1984 م، كلمة (بطاقة ائتمان CREDIT) ، ص 62
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: " الاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة ". (1)
تحقق المفسدة هنا جلي واضح في صرف أنظار الأمة عن أحكام الإقراض، وآثاره الشرعية، وأضراره الاجتماعية والاقتصادية بما يترتب عليه من زيادات وعمولات ربوية محرمة، أقل ما يقال فيه أنه " يزيل لقبًا شرعيًّا اصطلح عليه ". (2) ، ويكون من قبيل تسمية الأشياء بغير أسمائها حتى لا يلتفت إلى حكمها الشرعي.
وردت كلمة (استئمان) في المصطلح الشرعي الفقهي بما يدل على حقيقة الوصف: " هو أن يشتري منه ولا يسأله كيف يبيع ". وكذلك " بيع الأمانة والاسترسال: هو أن يقول الرجل اشتر مني سلعة كما تشتري من الناس فإني لا أعلم القيمة، فيشتري منه بما يعطيه من الثمن ". (3)
أما أصل هذه الكلمة؛ الائتمان في اللغة فإنه مأخوذ من كلمة (أمانة) ، ومن مشتقاتها (استئمان)، وهو " لفظ مستعمل شائع لدى الفقهاء في أبواب المعاملات المالية بمعنى: جعل يد الغير على ماله يد أمانة. يترتب على هذا أحكام فقهية عديدة من أهمها:
أن من وضع هذا الموضع يسمى (أمينًا) فلا يضمن ما هو في عهدته أمانة إلا بتعد أو تفريط، كيد الوديع، والشريك، والمضارب، والوكيل بالبيع.
الاستئمان في اللغة: طلب الأمان، وتستعمل بمعنى خاص فيما يتصل بالمعاهدات والاتفاقات مع غير المسلمين، وضمان الإقامة لهم بين ظهراني المسلمين في أمان واطمئنان ". (4)
جاء التعريف بما يسمى (عقد الاستئمان) في الفقه الإسلامي: بأنه
" عقد الاسترسال والاستسلام. وصورته: أن يكشف طالب البيع أو الشراء، أو نحوهما للعاقد الآخر أنه لا دراية له فيما هو مقدم عليه، وأنه واضع ثقته به، ومستنصحه، فيطلب منه أن يبيع منه، أو يشتري بما تبيع به الناس، أو تشتري، ويتم العقد بينهما على هذا الأساس ".
(1) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: ج 3، ص 306، تحقيق: محمد حامد الفقي، (بيروت، دار الفكر)
(2)
أبو زيد، بكر بن عبد الله، فقه النوازل، قضايا فقهية معاصرة: 1/ 141، الطبعة الأولى (بيروت: مؤسسة الرسالة، عام 416 اهـ/ 1996 م) ، وله في هذا الكتاب بحث قيم بعنوان:(المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغة، دراسة ونقد) : ص 101، 105
(3)
القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الخزامي، شرح المسايل التي وضعها ابن جماعة في البيوع، مخطوط - مكة المكرمة: مكتبة مكة المكرمة، فقه حنفي رقم 31، ص 64
(4)
انظر: حماد، نزيه، معجم المصطلحات الاقتصادية، في لغة الفقهاء، الطبعة الأولى (أمريكا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عام 1414 هـ/ 1993 م) ، مادة (استئمان) ، ص 56
قال الحطاب: " وأما بيع الاستئمان والاسترسال فهو أن يقول الرجل: اشتر مني سلعتي كما تشتري من الناس، فإني لا أعلم القيمة، فيشتري منه بما يعطيه من الثمن ". (1)
بهذا يتبين أن القرض في الفقه الإسلامي لا يدخل ضمن عقود الاستئمان، وأن الأولى أن تعنون هذه البطاقات بوصفها الظاهر الملائم الذي يشير إلى حقيقتها، وأهم خصائصها، وبما ينسجم مع المصطلح الشرعي الشائع.
يضاف إلى ما تقدم أن نسبة كبيرة ممن يحمل هذه البطاقة ويستخدمها في معاملاته المالية لا يعرف معنى كلمة (ائتمان) حتى يدرك أحكامها الشرعية، ومسؤولياتها.
دليل هذا أن جريدة عكاظ التي تصدر بجدة في المملكة العربية السعودية، العدد 10960 من السنة الثامنة والثلاثين، يوم الخميس، الأول من شهر ربيع الآخر عام 1417 هـ، الموافق 15 أغسطس عام 1996 م، قامت بتحقيق صحفي وإحصائي واسع عن بطاقة الائتمان في استبيان عام، أجريت الدراسة على عينة لثلاثمائة شخص يحملون هذه البطاقة، رصدت فيه كثيرًا من الحقائق عنها، ورد ضمن أسئلة الاستبيان:
هل تفهم كلمة (ائتمان) ؟
وحددت لهم ثلاث إجابات هي: هدية، وديعة، اقتراض.
وقد رأى 6 أفراد بنسبة 2 % أن معناها هدية. رأى 108 بنسبة 36 % أن معناها وديعة، بينما أجاب 62 % بمعناها الصحيح ". (2) الراجح أن هؤلاء معظمهم من رجال الأعمال الذين لا يقدمون على عقد حتى يدركوا أبعاده.
العنوان الصحيح الذي يشمل جميع أقسام البطاقة وأنواعها كما هو
في اللغة الإنجليزية واحد من اثنين:
الأول: بطاقات المعاملات المالية (The Financial Transcation Cards)
الثاني: بطاقات الدفع، أو الشراء (The Payment Cards) .
إن الالتزام بذكر المصطلحات الشرعية الفقهية المألوفة، وتبسيط موضوعات البحث ليكون سهل الفهم، سريع الهضم للقارئ العربي المسلم يستوجب أن يكون عنوان البحث:
(البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد) ليكون أبلغ في الكشف عن حقيقتها وأقسامها المتداولة، يدركه المثقف والعامي، التاجر والمستهلك، من يحملها، ومن تقدم له، مصطلح ترسخ معناه في أذهان الجميع، يعرفون آثاره ومسؤولياته، الحلال منه والحرام، معلومة أحكامه من الدين بالضرورة، مسلم المبادئ والأحكام. وليس من سبب يدعو لهجره والعدول عنه.
* * *
(1) حماد نزيه، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء. مادة (استئمان) ، ص 56
(2)
العامود5، ص 4
القسم الأول
الدراسة القانونية لبطاقات الائتمان البنكية
الفصل الأول
التحليل والأقسام
الفصل الثاني
العلاقات والمسؤوليات في البطاقات البنكية
الهيكل التنظيمي لإصدار البطاقة البنكية
الراعي لإصدار البطاقة
فيزا أمريكان اكسبرس
البنوك المحلية المخولة بإصدار البطاقة من قبل (فيزا)
حامل البطاقة التاجر وفيما يلي شرح وتحليل لكل طرف في هيكل نظام البطاقة السابق.
الفصل الأول
التحليل والأقسام
المبحث الأول: المصدرون للبطاقات عالميًّا.
المبحث الثاني: التعريف والمصطلحات للبطاقات البنكية.
المبحث الثالث: الإجراءات والأركان لعقود البطاقات.
المبحث الرابع: البطاقات البنكية المتداولة.
المبحث الخامس: الحماية القانونية لحاملي البطاقات البنكية.
المبحث الأول:
المصدرون للبطاقات عالميًّا
يتولى إصدار البطاقات العالمية على اختلاف أنواعها جهتان
رئيستان:
" أمريكان إكسبرس " و " فيزا " العالميتان: يطلق عليهما البنكيون اسم (راعي البطاقة) .
فيما يلي نبذة مختصرة عنهما، وآلية إصدار البطاقات باسمهما:
أولًا- بطاقة: " الأمريكان إكسبرس " American Express Card.
من المعروف أن (الأمريكان إكسبريس) بنك ومؤسسة مالية كبيرة
تزاول الأنشطة المصرفية فضلًا عن أنها المصدرة لبطاقات (أمريكان إكسبرس)(Amex) تشرف هذه المؤسسة المصرفية مباشرة على عملية إصدار البطاقات دون أن تمنح تراخيص إصدار البطاقات لأي بنك أو مؤسسة مصرفية أخرى، وهي التي ترتب موضوع استيفاء حقوق التجار والمؤسسات التي تقبل البطاقة لحقوقهم منها مباشرة نيابة عن حملة البطاقة، ولا تلزم حملة بطاقتها فتح حسابات مصرفية لديها، أو في فروعها، ويكفيها أن تتعرف على مقدار الملاءة المالية للعميل لكي تقوم وفق معايير ائتمانية (قرضية) تناسب سياستها بإصدار البطاقة لمن تقبلهم من المتقدمين للحصول عليها.
لا تقبل (الأمريكان إكسبرس) وضع اسم لأي بنك آخر على بطاقاتها إلا في حالة نوع واحد من بطاقاتها هو (الأمريكان إكسبرس الذهبي) وعلى شرط أن يكون لدى البنك المصدر لهذه البطاقة حساب العميل المطلوبة له البطاقة، وأن يكون هذا البنك ضامنًا للعميل.
وتصدر الأمريكان إكسبرس ثلاثة أنواع من البطاقات، تناسب كل
منها نوع العميل، وحجم التسهيلات المقدمة له، وهذه الأنواع هي:
1 -
بطاقة الأمريكان إكسبرس الخضراء.
2 -
بطاقة الأمريكان إكسبرس الذهبية: وتمنح للعملاء الذين يتمتعون بكفاءة مالية عالية، وتتميز بكون تسهيلاتها الممنوحة للعميل غير محدودة بسقف ائتماني (قرضي) معين.
3 -
بطاقة الأمريكان الماسية.
ثانيًا: بطاقة (الفيزا)(Visa Card) :
منظمة (الفيزا)(Visa) ، هي صاحبة الترخيص (الامتياز) للبطاقات المصرفية التي تحمل اسم (Visa) ، وهي لا تقوم بإصدار هذه البطاقات وهي ليست مؤسسة مصرفية، بل هي مثل ناد يساعد البنوك الأعضاء على إدارة خدماتهم، وتكون إدارتها من ممثلي البنوك الأعضاء.
ترخص للبنوك الراغبة في إصدار البطاقة (فيزا) حسب الاتفاق المبرم بينها وبينهم، وتتميز بمرونة كافية بحيث تخضع البطاقات الصادرة من أعضاء منظمة (فيزا) للأنظمة التي يضعها البنك المصدر لها، ووفقًا لما يتناسب مع تطلبات عملائه وأنظمته الداخلية، دون تدخل من منظمة (الفيزا) ، وفي ضوء هذه المرونة يمكن أن تكون البطاقة المصدرة بطاقة خصم فوري من الرصيد (الحساب الجاري) ، أو بطاقة خصم شهري، أو بطاقة ائتمان (إقراض) ، كل ذلك اعتمادا على سياسة البنك المصدر.
تمنح منظمة الفيزا العالمية تراخيص إصدار ثلاثة أنواع من بطاقاتها ، وهي:
1 -
بطاقة الفيزا الفضية: وهي ذات حدود ائتمانية (إقراض) منخفضة نسبيًا، وتمنح لأغلب العملاء، عند انطباق الحد الأدنى من المتطلبات عليهم، وتوفر هذه البطاقة جميع أنواع الخدمات المتوافرة من قبل منظمة الفيزا كالسحب النقدي من البنوك، أو أجهزة الصرف الآلي، أو الشراء من التجار.. إلخ.
2 -
بطاقة الفيزا الذهبية: وهي ذات حدود ائتمانية (إقراض) عالية وتمنح للعملاء ذوي الكفاءة المالية العالية، وتمنح العملاء إضافة إلى الخدمات المتوافرة للبطاقة السابقة: تأمينًا على الحياة، وخدمات أخرى دولية فريدة: كأولوية الحجز في مكاتب السفر، والفنادق، والتأمين الصحي، والخدمات القانونية.
3 -
بطاقة فيزا إلكترون: وتستخدم في أجهزة الصرف الآلي الدولية أو في الأجهزة القارئة للشريط المغناطيسي.
أطراف التعاون مع بطاقة (فيزا التمويل) في حالة الشراء من التجار
منظمة (الفيزا)(لندن)
(راعية البطاقة) :
البنك المصدر (المحلي) بنك التاجر
حامل البطاقة التاجر
1-
يصدر بطاقة للعميل (حامل البطاقة) وفق حدود استخدام شهرية محددة.
2 -
حامل البطاقة يستخدم بطاقته في الشراء لدى التاجر، يحصل على قسيمة بيع بمبلغ العملية الفعلي.
3 -
يقوم التاجر بإيداع قسيمة البيع في حساب لدى بنك التاجر،
ويتم دفع المبلغ إليه مباشرة، مخصومًا منه عمولة بنك التاجر المتفق عليها فيما بينهما.
4 -
ترسل إلى (فيزا) من خلال النظام الإلكتروني المتبع جميع الحركات المالية التي تم احتسابها لصالح التجار من خلال العمليات التبادلية (Interchange) ويتم التقابض خلال نفس اليوم.
5 -
يتم تحصيل قيمة القسيمة من البنك المصدر لصالح بنك التاجر من خلال النظام (|| Base) حيث يخصم المبلغ من حساب البنك المصدر ويودع في حساب بنك التاجر، وعند استلام الحركات المالية للبنك المصدر بالتفصيل تخصم المبالغ من حسابات العملاء مع احتساب عمولة على مبلغ مشترياتهم، وذلك لصالح البنك لتسوية مدفوعاته) . (1)
(1) هذه نصوص مختارة مقتبسة من: مركز تطوير الخدمة المصرفية ببيت التمويل الكويتي، (بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي)، جدة: مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة السابعة، العدد السابع، عام 1412 هـ/ 1992 م، ج 1، ص 452 - 455
بالنسبة لبريطانيا:
البنوك هي المقرض الرئيس في المملكة المتحدة، تتمثل في جهتين بنكيتين عالميتين:
1 -
شركة بطاقة القرض المتحدة المحدودة (Access)، هي ملك لأربعة بنوك بريطانية هي: لويدس، ميدلاند، نات وست، والبنك الملكي الاسكتلندي.
2 -
بطاقة باركليز: يصدرها قسم في بنك باركليز.
كلا هذين المصدرين للبطاقة ببريطانيا أقاما من أجل رواج البطاقات الصادرة عنهما اتصالات عالمية، ولذا فإن البطاقات الصادرة مقبولة عالميًّا، وبموجب الاتفاق بين البنوك (Access) مع هيئة (ماستركارد) أضحت تستخدم في جميع المحلات التجارية التي تقبل فيها بطاقة (ماستركارد) .
شركة فيزا (Visa) لها اتفاقية مع بنك باركليز، وحاملي بطاقاته يمكن استخدامهم لها في المحلات التجارية التي تقبل بطاقة (فيزا) .
منذ عام 1980 بطاقة (Access) لها النصيب الأوفر في أسواق بريطانيا، في حين أن بطاقة فيزا هي الأكثر رواجًا في العالم، والمنافسة قائمة، والأسواق الأوروبية مفتوحة وقابلة للتوسع والزيادة في استخدام البطاقات المالية.
المصدر الرئيس الآخر لبطاقة إقراض شراء التجزئة (Redial card)
هي المحلات التجارية الكبيرة، وأكبرها على الأرجح في الوقت الحاضر محلات (ماركس وسبنسر) إذ تصدر بما يزيد على مليون ونصف مليون بطاقة من هذا النوع من البطاقات.
بطاقات المحلات التجارية (Retail Card) أو (STORE CARD) أو تأخذ w اصيغًا مختلفة.
السبب في نمو هذا النوع من البطاقات هو أن أصحاب المحلات التجارية لاحظوا مضاعفة أرباح البنوك المصدرة للبطاقة، فهم يقبلون بطاقة باركليز وبطاقة أكسس (Access) وهم بهذا يزيدون من أرباح هؤلاء المصدرين لهذه البطاقات بقبولهم التعويض لبضائعهم بقيمة أقل ربحًا. بالإضافة إلى أن المصدرين للبطاقات يفرضون عمولة وزيادات ربوية على المقترض على المبالغ المتبقية في ذمته، ولهذا فإن مصادر دخلهم تكون من الجهتين: التاجر الممول، والمقترض حامل البطاقة لاحظ التجار بادئ ذي بدء فائدة بطاقات الإقراض بأنها سبب لزيادة المبيعات في إطار المحلات التجارية، لكن لم يدم الأمر طويلًا حتى أصبح واضحًا أن إصدار البطاقات وطرحها للتداول هو نفسه مصدر من مصادر الربح النشطة.
سجل عام 1980 نموًا كبيرًا لهذا النوع من بطاقات الإقراض، بل
كان من بينها الأكثر نموًا.
لم يكن بين مصدري البطاقات منافسات تذكر بخصوص نسبة الزيادات، وإنما تركزت المنافسة على تقديم تخفيضات خاصة
…
) (1) يركز البحث في الصفحات التالية على العلاقات والمسؤوليات للبنك المباشر لإصدار البطاقة وحاملها من جهة، وبينه وبين التاجر المنضم إلى نظام البطاقة من جهة أخرى، الأمر الذي يهم جمهور المتعاملين بها.
أما العلاقة بين الراعي للبطاقة (فيزا) والبنك المحلي المصدر للبطاقة فتحكمها اتفاقات يتم بموجبها تنظيم العمل وتقسيم الأرباح بينهم، من الصعب التوصل إليها.
* * *
(1) انظر: 104 - 103 Jones، Sally A.، P
المبحث الثاني:
التعريف والمصطلحات للبطاقات البنكية
العنوان العام للبطاقات المستعملة في المبادلات المالية تسمى في
اللغة الإنجليزية والقانون بـ (بطاقات المعاملات المالية) تارة، و (بطاقة الدفع) تارة أخرى (Financial Transactions Cards) or (Payment Cards)
أما ما يسميه الاقتصاديون العرب (بطاقات ائتمان) فهي في حقيقتها بطاقات (إقراض) ، وأولى أن تعنون بهذا العنوان، وهي تمثل قسمًا كبيرًا من بطاقات المعاملات المالية كما يتضح هذا من العرض والدراسة.
البطاقة البنكية: تتم تعريفها بأنها:
"الأداة تكون باسم: بطاقة إقراض، أو بطاقة خدمات بنكية، أو بطاقة بنكية، أو بطاقة شيك مضمون، أو بطاقة سحب مباشر، أو أي اسم أو عنوان آخر، صدر برسم أو بغير رسم من مصدره، لاستعمال حاملها للأغراض التالية:
أ- الحصول على النقود، السلع، الخدمات، أو أي شيء آخر له قيمة على أساس القرض.
ب - شهادة، أو ضمان لشخص أو مؤسسة، ليتمكن صاحبها من الحصول على قرض تحت الطلب، يكون مساويًا أو أكثر من المقدار الضروري لتسديد سندات شراء حاملها أو شيكاته، فردا كان أو مؤسسة.
ج - ما يمكن حامل البطاقة من صلاحية الحصول على ما يبغيه من فتح حساب قرض، أو قرض مؤقت من أجل:
1 -
استدانة مبلغ من المال، أو كتابة شيك.
2 -
السحب نقدًا أو كتابة أمر بنقد، أو شيكات سياحية.
3 -
تحويل من حساب إلى حساب آخر، أو حساب آخر مؤقت.
4 -
تحويل الحسابات من حساب قرض، أو حساب قرض مؤقت إلى حساب بطاقة قرض يظهر عجز واضح في سدادها، أو حساب دين آخر كله أو بعضه، للمحافظة على توازن الديون.
5 -
لشراء سلع، أو دفع لخدمات، أو أي شيء ذي قيمة مالية.
6 -
للحصول على أي معلومة ذات علاقة بحسابات القروض، أو القرض المؤقت (1)
تركز الدراسة الراهنة على البطاقات المتداولة في الشراء والحصول
على الخدمات بكافة أنواعها، وبيان خصائصها المالية، وكيفية التعامل بها، وعلاقات أطرافها.
(1) Sloan، Irving J. the Law & regulation of credit card use، & Misuse، (London: o. publicans، 1987. (P.119- 120
أطراف اتفاقيات البطاقات البنكية:
يتكون عقد بطاقات المعاملات غالبًا من ثلاثة أطراف رئيسين:
1 -
مصدر البطاقة: هو بالنسبة لبطاقات الإقراض يسمى (مقرضًا) .
2 -
حامل البطاقة: هو في بطاقات الإقراض يسمى (مقترضا) .
3 -
التاجر: الممول للسلع والخدمات.
4 -
البنك الوسيط: قد يزداد عدد أطراف العقد إلى أربعة؛ مثل
البنك الوسيط بين المصدر الرئيس للبطاقة وحاملها، فيصدر هذا البطاقة بحكم الوكالة عنه، وقد ينحسر عدد أطراف العقد إلى اثنين، كما هو الأمر في البطاقات الخاصة بالمحلات التجارية الكبيرة، وفيما يلي تعريف بالأطراف الرئيسين لهذه البطاقات:
الطرف الأول: مصدر البطاقة (Issuing Bank) هو المخول قانونًا بإصدار البطاقة لحاملها، ويقوم وكالة عنه بتسديد قيمة المشتريات للتاجر.
الطرف الثاني: حامل البطاقة (Card Holder) هو الشخص الذي صدرت البطاقة باسمه، أو خول باستخدامها، وأخذ على نفسه الالتزام أمام مصدر البطاقة الوفاء بكل الواجبات التي تنشأ عن استعمال البطاقة.
الطرف الثالث: التاجر: (Merchant or Supplier) هو الذي يبرم عقدًا مع مصدر البطاقة بتقديم السلع والخدمات المتوافرة لديه، المطلوبة من قبل العملاء حاملي بطاقة البنك الذي تتم الاتفاق معه (1)
(1) انظر: Al- Melhem A. Ahmed، P. 399 ،208: Sloan irving، P.21
مدلول هذه الكلمة (Supplier) الممون، أو الممول واسع جدًّا،
تعني الشخص الذي يمول سلعا أو يقدم خدمات، أو نقدًا لشخص آخر، سواء عن طريق البيع أو غير ذلك؛ كتسليم السلع، أو تأجيرها، وقد جرى تحديده والتعريف به بطرق عدة، نظرًا لعلاقته بقانون إقراض المستهلك الصادر عام 1974 م في الصور الآتية:
أ- الشخص الذي يمول معاملة تجارية حسب اتفاقية قرض عادية بين مصدر البطاقة وحاملها، ليس هو واحد منهما.
أو:
ب - الشخص الذي يبرم اتفاقية قرض غير مشروط مع مصدر البطاقة حسب إعداد وتنظيم مسبق معه، بشرط أن يكون هذا الشخص ليس هو المقترض، علمًا بأن القرض سيستخدم لتمويل معاملة تجارية بينه وبين المقترض حامل البطاقة، طبقًا للمادة 189 و 12.
ج - الإشارة إلى المقرض في الاتفاقيات ذات الأطراف الثلاثة والاستعمال المشروط للقرض لتمويل معاملة تجارية بين المقترض ومصدر البطاقة هي إشارة أيضًا إلى التاجر الذي يقدم السلع والخدمات.
أو
د - الشخص الذي عليه واجبات التمويل، وله حقوق أيضًا يصادق
عليه القانون، أو ذو علاقة باتفاقية متوقعة ليكون الممول المتوقع.
أو
هـ - الشخص الذي تمت اتفاقية تمويل السلع والخدمات بينه وبين
مصدر البطاقة (المقرض) بإعداد مسبق طبقًا للمادة 189 و 13 (2) من القانون الصادر عام 1974 م.
هذا التحديد لمعنى التاجر الممول (Supplier) مهم إذ ينبغي تحديد الحقوق والواجبات والمسؤوليات لأطراف اتفاقية إقراض المستهلك، لكن ليس لها تأثير على العقود والعلاقة بينه وبين المقترض، حيث أن هذه العلاقة يحكمها القانون العام للمعاملات التجارية. (1)
(رقم البطاقة الشخصية في مصطلحات البطاقة Personal)
(Identification NumBer) يرمز إليه بـ (PIN) ويقصد به الرقم، أو الحرف الهجائي المخصص لحامل البطاقة) . (2)
(1) Jones، Sally A، P.107
(2)
Al-melhem A. Ahmed ، p. 399
المفوض في استخدام البطاقة: (Card User)
هذه العبارة (المفوض في استخدام البطاقة) ، أو بترجمة حرفية (مستعمل البطاقة) تشير إلى الشخص الذي يستخدم بطاقة القرض، وسواء كان هو حامل البطاقة أم غيره، وفي كلتا الحالتين تترتب آثار قانونية ومسؤوليات مالية، حيث أن هذه اللفظة عامة تعني مدلولات عدة:
1 -
موظف شركة أصدرت البطاقة باسمها، تفوضه الشركة التي
ينتمي إليها في استعمالها لأغراضها، قد تحدده الشركة وتسميه، وقد لا يكون هذا.
2 -
قد يكون مستعمل البطاقة صاحبها الذي يكون له حساب بالبنك المصدر للبطاقة. هذا هو الأمر المعتاد، حيث تصدر البطاقة باسم شخص معين لاستخدامه الخاص، حينئذ يكون مسؤولًا عن تعويض المقرض مصدر البطاقة عن جميع مشترياته ونفقاته عن طريق استخدام البطاقة حسب الاتفاقية بينهما.
3 -
الشخص المخول باستخدامها وليس صاحب الحساب بالبنك الذي أصدرت البطاقة باسمه، ولكنه منح صلاحية استخدامها من قبل التاجر صاحب الحساب في رقمي 1، 2 حسب اتفاق بينه وبين المقرض مصدر البطاقة.
يعد هذا الشخص وكيلًا لحامل البطاقة في أي اتفاقية أو عقد بينه وبين الذي يمول السلع والخدمات، كما لو أبرم هذا بين التاجر وحامل البطاقة نفسه، فمن ثم يندرج هذا ضمن النوعين السابقين: 1 و 2، لكن إذا عقد هذا الشخص المستخدم للبطاقة بالوكالة مع التاجر عقدًا لنفسه ومصلحته فإنه لا يعد طرفًا في الاتفاق بين صاحب الحساب (حامل البطاقة) وبين المقرض مصدر البطاقة، كما لا يعد تبعًا لهذا مقترضًا طبقًا للقانون، إذ أنه لا يتوجب عليه بحال أن يدفع القيمة لذلك العقد للمقرض مصدر البطاقة؛ حيث لا علاقة بينهما أساسًا. (1)
(1) Jones Sally A. P،108
تعريف الدين:
ورد في القاموس القانوني تعريف الدين (Credit) بأنه: قيمة السلع
التي تم الاتفاق على دفع المشتري لها مؤجلًا في وقت معلوم يحدده له البائع.
هذه العبارة تغطي كل أنواع الدين وأشكاله المعروفة الموجودة،
وما يمكن أن يستجد منها، بصرف النظر عن الطريقة التي يتم بها (1)
اتفاقية القرض:
ورد تحديد معنى اتفاقية صيغة القرض (Credit- Taken Agrwwment)
في المادة الأولى من الفصل الرابع عشر، من القانون البريطاني الصادر عام 1974 م بأنها: اتفاقية عادية بقصد اشتراط قرض، بصيغة من صيغ القرض، في حدود الاتفاقيات العادية ضمن قانون قرض المستهلك الصادر عام 1974 م ، ومما ينبغي ملاحظته أن معظم بطاقات الإقراض الصادرة للأفراد هي من قبيل البطاقات العادية، بالنظر إلى أن أعلى حد للقرض حسب القانون هو خمسة عشر ألف جنيه استرليني، لا يتجاوزه، برغم أن مثل هذا القرض بهذا المبلغ المحدد يعد قرضًا غير عادي (2)
" بهذا يقدم قانون إقراض المستهلك المذكور معنى واسعًا للقرض بحيث يشمل:
القرض النقدي، أو أي أداة مالية أخرى من شأنها تقديم تسهيلات مالية.
من هذا المعنى الواسع الشامل للأدوات المالية في مجال القرض تم تحديد معنى طرفي القرض بالنسبة للبطاقة: المقرض، المقترض " (3)
أقسام القرض:
" يقسم قانون إقراض المستهلكين البريطاني الصادر عام 1974 م، القرض قسمين:
القرض الجاري: (Running- account)
هو الذي يسحب منه المقترض كلما طرأت له حاجة من وقت لآخر حتى يبلغ المقدار المحدد. (4)
القرض الثابت أو المحدد:Fixed- sum credit) .)
مقدار من النقود يتسلمه المقترض دفعة واحدة، أو على دفعات.
(1)(CurzonL.B dictionary of Law، thirdedition، (kuala- Lampur، 1989) ، (Credit) P. 111
(2)
Jones، Sally A، P.102- 103
(3)
Jones، Sally A.، P. 106
(4)
يعبر عن هذا في " الفقه الإسلامي بـ (الاستدانة بالاستجرار) ؛ انظر: ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، (بيروت، دار التراث العربي) ج 4، ص 12. ذكر ما يسمى بـ (البيع بالاستجرار) .
الفرق بين هذين القسمين من القرض:
أن القرض الثابت يتم بتنفيذ كامل الاتفاقية بين المقترض والمقرض.
في حين أن القرض الجاري يظل قائمًا مستمرًا حتى ولو لم يستفد المقترض منه فعلًا حتى يتخذ أحد الطوفين موقفًا بإنهائه.
تعد بطاقة الإقراض من هذا النوع الجاري من القروض، إذ يتفق الطرفان: المقرض والمقترض على الحد الأعلى للقرض، يستفيد منه المقترض بطريق البطاقة بقصد الحصول على احتياجاته من السلع والخدمات، والسحب النقدي من المقرض، أو التاجر (الطرف الثاني) في حدود المبلغ المقرر ". (1)
حقيقة ما يسمى بالحد الأعلى للقرض:
الحد الأعلى للقرض الجاري العادي هـ، خمسة عشر ألف جنيه استرليني.
ليس هذا الرقم وما شابهه هو حقيقة القرض الذي يتصرف المقترض حامل البطاقة في حد، ده، بل هذا الرقم يشمل نسبة الزيادات الربوية الموضوعة على القرض. مثلًا إذا حدد القرض بمبلغ 15 ألف جنيه استرليني، فالقرض واقعًا هو اثنا عشر ألف جنيه استرليني، والثلاثة الآلاف الباقية هي الزيادة الربوية في مقابل القرض؟ ذلك أن ما يذكر حدًّا أعلى للقرض ليس هو مقدار القرض الحقيقي المقدم للعميل حامل البطاقة، لكن هو المبلغ الكامل المطالب به بما فيه تكاليف القرض، والعمولات الأخرى تأمينًا للتسديد.
على سبيل المثال: اتفاقية تتضمن قرضًا محدودًا مثل ثمانية عشر ألف جنيه، يعد هذا في قسم القرض غير العادي برغم أن القرض الحقيقي هو خمسة عشر ألف جنيه، والثلاثة الآلاف الأخرى هي عمولة القرض، والزيادة الربوية التي يجنيها البنك.
كذلك الأمر بالنسبة للقرض الثابت حيث تكون تكاليف السلع خمسة عشر ألف جنيه، فإن المقدار الذي دفع حسب الاتفاق هو ثمانية عشر ألف جنيه، الثلاثة الآلاف هي عمولة الدين 000 (2)
(1) انظر: Jones SALLY A.، P.81- 82
(2)
Jones، Sally A.، P.83
المقرض: (Creditor) .
" هو الشخص الذي يوافق على تقديم قرض طبقًا لقانون إقراض المستهلك ".
وبعبارة أخرى: " هو الشخص الذي أصبحت له حقوق وواجبات إزاء شخص آخر طبقًا لاتفاقية قانونية ذات علاقة باتفاقية قرض استهلاكي، متضمنة ذكر القرض المتوقع ". (1)
المقترض: Debtor.
بين قانون إقراض المستهلك الصادر عام 1974 المقصود من كلمة (المقترض) في عقد بطاقة الإقراض بأنه:
(الشخص الذي تسلم قرضًا طبقًا لقانون إقراض المستهلك.
أو
هو الشخص الذي تبقى عليه مبلغ يدفعه من مبلغ كلي وجب الوفاء به، طبقًا للاتفاق في وقت معلوم.
أو
هو شخص تمثلت له حقوق وواجبات، بمقتضى اتفاقية قانونية ذات علاقة باتفاقية قرض استهلاكي متوقع، تتضمن مقترضًا في المستقبل ". (2)
بمقتضى الاتفاقية القانونية بين المقرض (مصدر البطاقة) ، والمقترض حامل البطاقة، للأخير الخيار في تسديد كامل المبلغ المطلوب منه للمقرض (مصدر البطاقة) ، أو يدفعه منجمًا على أقساط، أو يؤجل دفع المبلغ المتبقي عليه، معلنًا ومحددًا رغبته في طريقة الدفع بواحد من تلك الطرق، أو أي طريقة أخرى يقترحها لتسديد المتبقي عليه.
المقترض الذي يستخدم بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداءً: (Charqecard) .
في حالة استخدام هذا النوع من البطاقات (Charqe Card) يدفع حامل البطاقة كامل المبلغ المطلوب منه في مدة معينة. لكن - والأمر كذلك - هل يعني هذا أن مصدر البطاقة (المقرض) قدم لحاملها قرضًا؟ هذا موضوع نقاش.
لكن من المحتمل أن يحصل صاحب هذه البطاقة على قرض، وحينئذ يصنف في جملة المقترضين حسب القانون. علاوة على هذا فإنه متوقع بل مؤكد أنه مخول أن يحصل على قرض بمقتضى اتفاقيات أدوات الإقراض.
لهذا فإن هذه البطاقة، بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء تندرج تحت الشروط العامة لقانون إقراض المستهلك الصادر عام 1974، وتدخل ضمن اتفاقيات البطاقة العادية سواء استخدمها صاحبها، أو لم يستخدمها للحصول على قرض، وبصرف النظر عن استخدامها لأي غرض ". (3)
(1) Jones، Sally A.، P.104
(2)
Jones، Sally A.، P.105
(3)
0Jones، Sally A.، P. 105
المبحث الثالث:
الإجراءات والأركان في عقود البطاقات البنكية
إن مصدر البطاقة يتعامل مع مئات الألوف بل الملايين من العملاء حاملي البطاقة والتجار، وهم في زيادة كل يوم، يستحيل معه والحال كذلك، أن يفرد كل واحد باتفاقية تخصه وتناسب حجمه المالي إن كان عميلًا حامل بطاقة، أو تاجرًا حسب اتساع أو ضيق تجارته، فمن ثم استدعى هذا أن يوجد صيغة موحدة لكل راغب في التعاون معه من الأفراد، أو التجار.
تمثل الاستمارة المقدمة من البنك المصدر للعميل الراغب في الحصول على البطاقة، أو التاجر الذي يرغب الانضمام إلى نظام البطاقة عرضًا مجردًا.
تملأ البيانات من قبل الراغبين، والموافقة على المواد المدونة بالصيغة الموحدة.
يتطلب استخدام بطاقة المعاملات المالية بطريقة قانونية سليمة، ومن أجل تأدية وظيفتها بشكل كامل أن تبرم ثلاثة عقود مالية: عقدان يمثلان مرحلة تمهيدية إجرائية لتحديد مسؤولية الأطراف فيها.
أما العقد الثالث فهو لتبيين مصداقيتها، وإثبات فعاليتها. يتم هذا حسب الخطوات التالية:
الخطوة الأولى:
إبرام عقد بين البنك مصدر البطاقة والعميل المرتقب حامل البطاقة، حيث يتفق الطرفان على الأسس والشروط، والحد الأقصى للقرض الممنوح لحامل البطاقة.
إذا استكمل الراغب في الحصول على البطاقة كتابة كافة البيانات والتوقيع على الطلب فإنه يعد هذا (إيجابا) من قبله. أما (القبول) فهو متروك للبنك المصدر للبطاقة، حيث يدرس الطلب ليأخذ القرار بالمنح أو الحجب لإصدار البطاقة، إذا اقتنع البنك بسلامة الطلب، وأهلية مقدمها فإنه يصدر البطاقة باسمه، ثم يبعثها له بريديًّا، وبهذا يتم العقد بين الطرفين بالنسبة لبطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء:(1)(Charge Card) .
العقد بين مصدر البطاقة (البنك) وحاملها هو أساس العلاقة القانونية في عقود البطاقة.
أركان عقد البطاقة في القانون الوضعي
لابد من التأكد من توافر أركان العقد في القانونين الإنجليزي
والأمريكي وهي:
الإيجاب، والقبول، والعوض.
الاتفاقية التي يتمها البنك المصدر للبطاقة تعد عقدًا كاملًا، فهو يعد صيغة الطلب يوضح فيها بعض البيانات التي يراد تعبئتها من قبل الأشخاص الراغبين في الحصول على البطاقة.
يقدم هذا الطلب مناولة، أو بريديًّا للراغبين في الحصول على البطاقة.
تعد هذه الخطوة مجرد عرض ودعوة من البنك للعميل لا غير.
أما بالنسبة لبطاقة الإقراض بزيادة ربوية، والتسديد (Credit Card) فالمعروف أن الطرف الراغب في الحصول على البطاقة (Offeree) له الحق في قبول الطلب المرسل له بريديًا بإرسال خطاب يفيد القبول، يصبح هذا القبول معتبرًا حين وضعه وإرساله بالبريد، إذ ينص قانون الولايات المتحدة للحكومة الفيدرالية، المادة رقم 1602 على ما يعد قبولًا بالنسبة لبطاقة الإقراض المؤجل:
" يعد قبولًا استلام البطاقة، أو توقيعها، أو استعمالها، أو تخويل غيره صلاحية استعمالها بقصد الحصول على نقد أو عين من الأعيان أو عمل أو خدمة؛ دَيْنًا ".
(1) انظر Al-melhem A.Ahmed، P.104:
على العكس من هذا القانون الإنجليزي، حيث يرى أن مجرد استلام البطاقة من قبل طالبها هو دعوة من مصدرها للتعامل بها، لا تعني قبولًا من قبله حسب القانون الخاص بديون المستهلكين، الذي تم العمل به عام 1985، واعتد القبول الوارد في نص المادة (66) في الفقرتين التاليتين:
" 1- لا يكون المقترض مسؤولًا عن نتيجة أوراق ومستندات الاتفاق على القرض باستعمالها من قبل شخص آخر حتى تتم موافقة المقترض على القبول مسبقًا على ذلك السند، أو استخدامه حيث يعد هذا قبولًا.
2 -
يعد قبولًا من قبل المقترض لسند الإقراض الحالات التالية:
أ) التوقيع.
ب) استلامه للتوقيع عليه.
ج) استخدامه منذ المرة الأولى، سواء من نفس المقترض، أو أي طرف آخر قد خوله صلاحية استخدامه.
لا يكون ثمة عقد بين الطرفين بالنسبة للبطاقة ما لم يتفق هذا العقد مع شروط القانون العام (Common Law) ، حيث يشترط إعلان القبول من قبل طالب البطاقة، إما بالاتصال بمصدرها وإعلان القبول، أو بما يشير إلى قبوله لها بشكل عام مثل استعمالها.
مجرد إرسال القبول بريديًّا ليس له تأثير قانوني ضد المستهلك المقترض حتى يتم استلامه وتوقيعه من حامله صاحب الطلب
…
" (1)
الركن الثالث - العوض:
طبقًا للقانون العام: لا بد أن يتوافر في العقد العوض مع ركني الإيجاب والقبول السابقين. ليس لازمًا أن يكون العوض نقدًا بل يتحقق العوض في القانون بأحد الأشياء التالية:
العمولة، الزيادة، النفع، المنفعة لأحد أطراف العقد، إعطاء بعض الحقوق، أو التنازل عنها، الامتناع عن إقامة دعوى دين مثلًا، الوعد بالتعويض عن إصابة أو ضرر أو فقد، أو مسؤولية.
(1) Al-Melhem، Ahmed A.، P. 120- 121
السؤال المطروح هنا هو:
أين هو العوض بالنسبة لعقود بطاقات المعاملات المالية بعامة وبطاقة الإقراض بخاصة؟ هل هو تقديم البطاقة وتوقيع السند من حاملها؟ أو هو قيمة المشتريات التي يدفعها حامل البطاقة لمصدر البطاقة في النهاية؟
رفض القضاء الإنجليزي أن تكون البطاقة والتوقيع على سند البيع هما العوض في العقد، وإنما تعد مصدرًا للحصول على العوض فقط. كما رفض أن يكون عقدًا واحدًا مكونًا من ثلاثة أطراف حيث يكون طبقًا للاتفاق: أن يدفع مصدر البطاقة للتاجر قيمة مشتريات حامل البطاقة.
جاء هذا صريحًا في حكم مسترملليت Mr. Millett في قضية Re-charge Card Services حيث وضح الآتي: في نظري: حقيقة العوض في العقد هو الثمن المتحقق أخيرًا من قبل حامل البطاقة؟ إذ أنه يرغب في دفع القيمة عن طريق البطاقة.
وفي جميع الحالات فإن سندات البيع تحتوي على الإعلان من قبل حامل البطاقة: أن المصدر لها يقر بدفع كامل القيمة الإجمالية المدونة بالسند بالشكل والطرق الصحيحة، وأن حامل البطاقة يتعهد بدفع كامل المبلغ لمصدر البطاقة طبقًا للاتفاقية التي تحكم استعمال البطاقة (1)
أما بالنسبة للقانون في الولايات المتحدة الأمريكية فإن:
العوض:
هو ما ينتج عن استعمال البطاقة وتوقيع سند البيع.
أو
ضمان مصدر البطاقة دفع قيمة مشتريات حامل البطاقة للتاجر، إلا إذا اشترط التاجر أن يحصل عليها من مصدر البطاقة وموافقته على ذلك (2)" يعد القانون الأمريكي كل معاملة مالية بالبطاقة عملية مستقلة عن الأخرى، فكل واحدة منها تمثل عقدًا جديدًا: إيجابًا من قبل البنك مصدر البطاقة، وقبولًا من قبل حاملها، وهو ما أكدته المحكمة العليا بنيويورك، حيث نصت على التالي: " إصدار بطاقة الإقراض تمثل ركن الإيجاب في عقد القرض، حيث يمكن سحبها من قبل مصدرها في أي وقت قبل قبول الطرف الثاني المتمثل في استعمال البطاقة من حاملها ".
هذه النتيجة وهي اعتبار كل شراء أو سحب من حامل البطاقة تمثل عقدًا جديدًا، وعملية مستقلة وجدت قبولًا بين كبار الباحثين الاقتصاديين في بريطانيا، يقول مستر دوبسن (Dobsen) : اتفاقية أو عقد بطاقة الإقراض (Credit Card) توجد عرضًا قائمًا من قبل مصدر البطاقة، وهو عرض لتقديم قرض على أساس اتفاق بطاقة الإقراض.
(1) Al-melhem A. Ahmed، P. 123
(2)
Al-Melhem A. Ahmed ، P. 363- 364
استخدام البطاقة:
ليس واجبًا على حامل البطاقة تحت أي ظرف أن يقترض بها.
كل وقت يستعملها يعد قبولًا لذلك العرض (Protanto) ؛ لهذا فإن استعماله لها هو عقد منفصل عن الآخر، ولمصدر البطاقة الحق بسحب العرض من قبله.
أكد هذا الاتجاه بروفسور (Goode) بقوله: " في حالة تأسيس اتفاقية عقد إقراض مستمر يكون القبول منفصلًا في كل عملية يستفيد منها حامل البطاقة، من أجل هذا تعد كل عملية يستعمل فيها المقترض البطاقة عقدًا جديدًا ".
لم يأخذ القانون الإنجليزي بهذا الاتجاه حتى الوقت الحاضر، حيث يعد كل عملية مالية بالبطاقة استمرارًا لالتزام مصدر البطاقة للعقد الأول الذي نتج عنه إصدار البطاقة، وبموجبه يلتزم تقديم القرض لحامل البطاقة حسب المقدار والزمان المعينين في العقد " (1)
النتائج والآثار:
نتيجة لإبرام هذا العقد يصبح المصدر للبطاقة مسؤولًا عن الوفاء بسداد قرض العميل حامل البطاقة، عندما يبدأ حامل البطاقة استخدامها في شراء احتياجاته من السلع، أو الخدمات، أو سحب نقد عيني.
(1) Al-Melhem A.، Ahmed، P. 121- 122
الخطوة الثانية:
إبرام عقد بين البنك المصدر للبطاقة والتاجر الذي يرغب الانضمام إلى نظام البطاقة يلتزم التاجر بموجبه تقديم السلع والخدمات لحامل البطاقة حسب الشروط التي تنص عليها الاتفاقية.
هذان العقدان ضروريان لإبرام عقد بطاقة الإقراض (Credit Card) .
يظل هذان العقدان متوقفين أو معلقين حتى يبدأ حامل البطاقة في استخدامها في الحصول على رغباته من السلع والخدمات، حيث يمثل هذا الإجراء العقد الثالث في هذا النظام، حينئذ تكون قد اكتملت جوانب العقد، وحقق الغرض المطلوب.
طبقًا للاتفاقية المبرمة بين البنك المصدر للبطاقة والتاجر يلتزم التاجر بقبول كافة البطاقات الصادرة عن ذلك البنك في أي وقت تقدم له في مقابل الدفع للمشتريات من السلع أو الخدمات المتوافرة لديه.
يضاف إلى هذا أن البنك المصدر للبطاقة قد يدخل في اتفاقات مع التجار العملاء بغرض التوسع في خطة معينة، مثل ما لو أجرى اتفاقًا على أن يقبل التاجر أيَّ بطاقة صادرة عن أي عضو في المنظمة الدولية للبطاقات، حينئذ يتوجب عليه قبولها. (1)
يصبح عقد البطاقة نافذًا قانونًا منذ اللحظة التي يُتم بها مصدر البطاقة إجراءاته، ويتم استلامها من قبل صاحبها الصادرة باسمه حتى ولو لم يستعملها؛ إذ أنه مخول أن يستعملها ويستفيد منها.
كذلك الأمر بالنسبة للبطاقة التي يصدرها تاجر، أو مؤسسة تجارية لمحلاتهم خاصة، حيث إنه لا يوجد قرض بالفعل، ولكن أعطي حامل هذا النوع من البطاقات فرصة الدفع المؤجل، وهو ما يندرج في معنى القرض حسب الفصل التاسع من قانون إقراض المستهلكين البريطاني. (2) ذلك أن التأجيل في الدفع هو معيار ما يسمى (قرضًا) .
الملاحظ في عقود بطاقات المعاملات المالية على اختلاف أنواعها أن مواد الاتفاقية وبنودها جاهزة، ولا يملك حامل البطاقة أن يغير منها، أو يستثني لنفسه بعضًا من شروطها، وكذلك بالنسبة للاتفاقية بين مصدر البطاقة والتاجر إلا في حالات استثنائية جدًّا.
(1) Al-Melhem A. Ahmed، P.99- 100 ، 262- 263
(2)
Jones Sally A.، P. 80
الطرف القوي في اتفاقيات البطاقة:
الطرف القوي في جميع هذه الاتفاقيات هو مصدر البطاقة، وهو ما لا تتم الاتفاقيات إلا به، فهو الذي يمسك بجميع الأطراف، وهو الذي يحقق لهم من الفوائد ما لا يمكن تحقيقه بدون اشتراكه مع كافة الأطراف بصورة قانونية مستقلة في كل اتفاقية وعقد.
أثار هذا الوضع جدلًا في المؤسسات القانونية، حيث أن العقد بهذا الأسلوب لا يخلو من عنصر الإكراه، فمن ثم جرى النقاش حول صحته والاعتداد به.
يقول لورد بلوك: " هذا العقد جديد بالمقارنة إلى غيره، وهو نتيجة التركيز على نوع معين من الأعمال في أيد قليلة.
إن هذه الصيغة العامة في العقد لم تكن محل مناقشة بين أطراف العقد، أو موافقة جمعية تمثل مصلحة الطرف الضعيف، بل فرضت من قبل الطرف الذي يملك زمام القوة فيه، وهو يمارسها وحده، أو بالانضمام مع آخرين يقدمون نفس السلع، أو الخدمات.
هذا هو الذي جرأهم أن يقولوا للعميل: إما أن تقبل هذه البضاعة، أو الخدمات كما هي، وألا فاتركها. هذا الموقف المتخذ من أحد طرفي العقد نحو رغبة الطرف الآخر الضعيف يعيد للذاكرة المساومة القديمة القوية.
هذه الحالة ستجعل المحكمة مستعدة لأن تحكم بأن أي شرط يقيد إرادة الطرف الضعيف في العقد وعدم استمرار نشاطه التجاري؛ بالبطلان وعدم المعقولية
…
" (1)
(1) Al-Melhem A. Ahmed، P. 369
المواد التي يجب أن يتعرف عليها حامل بطاقة الإقراض
ثمة أمور يجب أن تذكر بدقة وتفصيل في وثيقة اتفاقية بطاقة الإقراض، ليكون المقترض على علم تام بها قبل التوقيع عليها، من أهم هذه المواد العناصر التالية:
1 -
أن يُذكر المقدار الذي يجب أن يدفعه مقدمًا من رسوم أو غيرها.
2 -
الحقوق والواجبات التي تفرضها الاتفاقية، والأخرى التي يجب أن يؤديها.
3 -
تحديد مقدار القرض الذي يخوله مصدر البطاقة للسحب نقدًا، وتزويد المقترض بتقارير دورية عنه.
4 -
تحديد طريقة احتساب القرض، والعمولات والزيادات التي تؤخذ عليه.
5 -
مقدار نسب الزيادة الربوية على قرض البطاقة، وإجمالي المبالغ لأي قرض آخر، وما لا يمكن حصره يجب أن تذكر نسبة الزيادة عليه.
6 -
الطريقة التي يتم بها تسديد القروض، والحد الأدنى الذي ينبغي أن يدفعه.
7 -
الشروط التي يرغب المقرض فرضها على المقترض حامل البطاقة في حالة إخفاق الأخير (المقترض) الالتزام بالاتفاقية وعدم الوفاء بتحقيق موادها.
8 -
حق المقرض في إنهاء الاتفاقية، واحتساب جميع الديون، والمطالبة بتسديدها مباشرة، ولكن ليس من المعتاد إضافة أي مبلغ على المقترض بسبب إخفاقه في الالتزام ببعض الشروط زيادة على المدون بالوثيقة.
9 -
الحماية القانونية، والتعويضات المقررة للمقترض حسب القانون.
10 -
أي أمر آخر ترى الجهة المختصة تعريف المقترض به.
هذه بعض أهم العناصر التي ينبغي أن تتضمنها وثيقة الاتفاقية، وأن يكون المقترض على علم تام بها، حتى تصبح الاتفاقية ملزمة قانونًا، علمًا بأن البرنامج رقم (1) من قانون إقراض المستهلك الصادر عام 1983 قد تناول ما يتصل بالاتفاقية، وما يجب أن تحتوي عليه، وما ينبغي أن يعرفه المقترض عن الأمور المالية لدى انضمامه إلى نظام بطاقة الإقراض، فقد تناول كل هذا بالتفصيل.
كما أن البرنامج رقم (2) من القانون نفسه قصد به تزويد المدين بالمعلومات التي تحميه، والتعويضات التي يستحقها، مما يجب أن تتضمنه الاتفاقية. (1)
(1) Jones Sally ، A.، P. 113- 117 ، 118
مواد الاتفاقية بين مصدر البطاقة وحاملها
تحتوي الاتفاقية بين مصدر البطاقة وحاملها على المواد التالية:
" 1 - يلتزم المصدر للبطاقة بقبول سندات مشتريات حامل البطاقة، ومدفوعات خدماته، وسحبه النقدي.
2 -
يلتزم حامل البطاقة أن يوفي بتسديد المبالغ التي اقترضها، مضافًا إليها المنصرفات المالية الأخرى التي ينص عليها العقد.
3 -
تحديد مسؤولية حامل البطاقة لدى استعمالها بطريقة غير قانونية من قبل الأشخاص الآخرين.
4 -
يقدم مصدر البطاقة بيانًا شهريًا لمصروفات حامل البطاقة، ملخصًا فيه كافة المعاملات المالية لحامل البطاقة من خلال استعماله لها، ومطالبته بالدفع في تاريخ محدد، يكون غالبًا خلال خمسة وعشرين يومًا تبدأ بيوم الإرسال.
5 -
يشعر حامل البطاقة البنك كتابيًا مباشرة إذا تعرضت البطاقة لفقد أو سرقة.
6 -
يكون حامل البطاقة مسؤولًا في حدود مبلغ معين، مثل خمسين دولارًا في حالة استعمال البطاقة بطريقة غير قانونية في الفترة قبل إشعار البنك شفهيًا أو كتابيًا.
7 -
للبنك المصدر للبطاقة الحق في إلغاء البطاقة من دون إشعار سابق.
8 -
لحامل البطاقة الحق في إقامة دعوى ضد البنك المصدر لها، ويدافع عن نفسه، كما قد يكون هذا ضد التاجر.
9 -
للبنك المصدر للبطاقة الحق في تغيير أي شرط في العقد بعد إشعار حامل البطاقة بذلك التغيير، حسب الطريقة المعروفة قانونًا.
15 -
قد ينص العقد على تعيين القانون الذي يحكم اتفاقية العقد عند حدوث نزاع بين الطرفين ". (1)
(1) Al-Melhem A.، Ahmed، P. 140- 141
مواد الاتفاقية بين مصدر البطاقة والتاجر
من الواضح أن عددًا من المواد ذو صيغة مشتركة في كل العقود بين مصدر البطاقة والتجار، سواء في الولايات المتحدة وبريطانيا.
هذه المواد هي كالتالي:
" 1- يوافق التاجر على تقديم البضاعة أو الخدمات بسعر عادي لكل حامل بطاقة يرغب الشراء بها، أو الحصول على خدمات في حدود القرض المحدد لحاملها.
2 -
لا بد أن يثبت التاجر بيع البضاعة لحامل البطاقة، وذلك بإحضاره سند البيع الذي زود به من قبل مصدر البطاقة، والتقيد بإجراءات ملء البيانات المدونة على سند البيع.
3 -
على التاجر أن يكون له حساب في بنك تجاري، ليتسلم من خلاله كل حقوقه، والديون التي نشأت عن قبوله البطاقة.
4 -
على التاجر أن يودع سندات البيع في البنك التجاري خلال مدة محدودة، وعلى البنك تعويضه مباشرة عن المبالغ المدونة في سندات البيع، مخصومًا منها نسبة التخفيض المحددة، بشرط أن تكون تلك السندات متطابقة مع الشروط التي حددها مصدر البطاقة.
5 -
يوافق التاجر أنه في حالة رد البضاعة من قبل مشتريها حامل البطاقة أن لا يدفع له قيمتها نقدًا، ولكن يعد سند دين بالصيغة المعدة، ويرفقها مع السندات الأخرى التي سيودعها لتسحب من حسابه.
6 -
يوافق البنك على قبول سندات البيع ودفع قيمتها للتاجر، طبقًا للاتفاقية دون تراجع فيما عدا بعض حالات معينة.
7 -
يوافق التاجر على أن يعرض في مكان بارز من محله التجاري لوحة الإعلان عن البطاقة المقدمة من مصدر البطاقة.
8 -
على التاجر أن يمتنع من قبول بطاقات معينة يحددها مصدر البطاقة مثل: البطاقات الباطلة، أو المنتهية المدة، أو المفسوخة، ومن أجل التحقق من هذا لابد أن يعرض البطاقة المقدمة له على القائمة التي ترسل له من قبل المصدر.
9 -
على التاجر أن لا يقبل البيع بالبطاقة في مبيع تتجاوز قيمته الحد الأقصى المحدد من قبل مصدرها حتى يستأذنه فيخوله صلاحية قبولها.
10 -
على مصدر البطاقة أن يزود التاجر ببعض المواد المكتبية مثل:
آلة الضغط على السندات، سندات البيع، سندات إرجاع البضاعة، وبطاقة الشراء بالقطاعي (التجزئة) ؛ لاستعمالها من قبل التاجر.
المواد المكتبية القرطاسية ملك لمصدر البطاقة يسترجعها لدى انتهاء العقد.
11 -
يتحمل التاجر المسؤولية فيما يتصل بأي دعوى، أو فقد، أو ضمان ينشأ عن أي معاملة تجارية بينه وبين حامل البطاقة، دون أن يكون لمصدر البطاقة أي مسؤولية في ذلك.
12 -
يوافق التاجر على دفع رسم العضوية، وعمولة الخدمات على إجمالي مبالغ سندات البيع.
13 -
يوافق التاجر على ما قد يحدثه مصدر البطاقة من تغييرات في الاتفاقية من وقت لآخر، وأن تكون موضع التنفيذ منذ إشعار التاجر من قبل مصدر البطاقة، بالإضافة إلى أن لمصدر البطاقة الحق في إنهاء العقد أي وقت شاء، أو لدى حدوث حدث معين ". (1)
(1) Al-Melhem، A. Ahmed، P.359
المبحث الرابع:
الأقسام والأنواع والأرباح
للبطاقات البنكية المتداولة
تقديم:
البطاقات البنكية المتداولة في المعاملات التجارية في الوقت الحاضر أقسام عديدة، وأنواع مختلفة، منها ما يجري به التعامل محليًّا، ومنها ما يجري التعامل به دوليًّا، كما تقسمها البنوك والمؤسسات الاقتصادية إلى بطاقات ائتمانية، وبطاقات غير ائتمانية. (1)(بطاقات القيد) .
يتصدى هذا البحث لمعرفة حقيقة كل بطاقة وطبيعتها، وشروطها، وعلاقات أطرافها ومسؤولياتهم، يتحرى في تسمية كل بطاقة وعنونتها أمرين:
أولا: تمام المطابقة للترجمة في لغتها الأصلية واستعمالاتها فيها بقدر ما تمكن الترجمة.
ثانيا: أن يكون الاسم والعنوان لها يتناسب مع حقيقتها، ووصفها، وشروطها في حالة استحالة الترجمة الحرفية ذات المعنى الصحيح، بحيث يدل للوهلة الأولى على الزمرة التي تنتمي إليها في عقود المعاملات بقصد بناء الأحكام الشرعية عليها، دون لبس أو تكلف.
يمكن تقسيم البطاقات البنكية المتداولة بين الناس في الوقت الحاضر بحسب طبيعتها وأوصافها المناسبة المميزة قسمين:
القسم الأول: بطاقات الإقراض، وهي أنواع:
1-
بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (credit card) .
2 -
بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء. (charge card)
3 -
بطاقات شراء التجزئة (الداخلية)(in house retailer card)
القسم الثاني: بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit card)
(1) سبق توضيح خطأ هذا المصطلح، يستبدل بها كلمة (إقراض)
وفيما يلي التعريف بالتوصيف لكل واحد منها حسب هذا التقسيم (1)
القسم الأول من البطاقات البنكية - وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (Credit card) .
النوع الثاني: بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء (charge card) .
النوع الثالث: بطاقات التجزئة (الداخلية)(Retailer Card)
النوع الأول
بطاقة الإقراض (2) بزيادة ربوية والتسديد على أقساط: (Credit card) :
- تمنح البنوك المصدرة للبطاقة الراغبين من العملاء في هذا النوع من البطاقات صلاحية الشراء والسحب نقدًا في حدود مبلغ معين لا يتجاوزه.
- بالنسبة للتسديد: يقدم مصدر البطاقة لحاملها تسهيلات في دفع قرضه مؤجلًا على أقساط، حسب المبلغ الإجمالي المطلوب منه، في صيغة قرض ممتد متجدد على فترات (3) بعمولة وفائدة محددة تمثل الزيادة الربوية.
وهي نوعان:
1-
بطاقة إقراض عادية أو فضية: لا يتجاوز القرض الممنوح لحامل البطاقة من قبل مصدر البطاقة حدًّا أعلى مثل عشرة آلاف ريال سعودي.
2 -
بطاقة ممتازة أو ذهبية: يتجاوز فيها القرض لحاملها تلك الحدود، على سبيل المثال البطاقة الذهبية: لأمريكان اكسبرس لا تحد مبلغًا معينًا لهذه البطاقة، كما ينص على هذا:
" فإنك لست مقيدًا بأي حد مسبق للإنفاق، بل يمكنك أنت رسم هذا الحد بنفسك عن طريق أسلوب صرفك المعتاد، يمكنك الإنفاق قدر ما تشاء، وإلى الحد الذي أثبت لنا فيه قدرتك على الوفاء به
…
". (4)
بطاقة الإقراض (Credit card) بنوعيها: العادية، أو ما تسمى بالفضية، والأخرى الممتازة، أو ما تسمى بالذهبية هما في حقيقتهما اتفاقية بين مقرض ومقترض، يبلغ بها حاملها الحصول على ما يريده من المشتريات والخدمات في حدود المبلغ المقرر له، وإن لم يقبضه بيده (الإقراض) هو عنوانها في لغتها الأصلية (credit) ، وهو الوصف البارز فيها، ومن ثم يسمى الطرفان فيها (Creditor) مقرض، وهو البنك المصدر للبطاقة طرفًا أولًا في العقد، والطرف الثاني (Boorowar) مقترض.
(1) انظر: ابن عيد، محمد علي القري، بطاقات الائتمان - جدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: 10/ 375- 404، الدورة السابعة، العدد السابع، عام 1412 هـ/ 1992 م
(2)
(الإقراض) (مصدر أقرض، فهو أولى من القرض؛ لأن المعنى على الإعطاء، عميرة، شهاب الدين أحمد البرلسي، حاشية على شرح المحلى: 2/ 257، الطبعة الرابعة - بيروت، دار الفكر
(3)
Al-Melhem Ahmed ، A. p. 12-13
(4)
دليلك لعضوية البطاقة الذهبية، ص 3
مميزات بطاقة الإقراض الذهبية أو الممتازة:
هذه إحدى بطاقات الإقراض المخصصة للأثرياء وذوي الدخول العالية، القادرين على دفع رسوم باهظة.
بعض البنوك المصدرة لبطاقة الإقراض يقدمون بطاقات خاصة تدعى البطاقة الذهبية (Gold Card) ، أو البطاقة الممتازة (Premium card) . هذا النوع من البطاقات يجمع بين خصائص بطاقة الإقراض العادية وخصائص بطاقة الإقراض الكبير، بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات التي يكون بينها:
التأمين على الحوادث، التعويض مجانًا عن فقدان البطاقة، تخفيضات في الفنادق، استئجار السيارات، تقديم شيكات سياحية من دون عمولة.
رسوم هذا النوع من بطاقات الإقراض غالبًا ما تكون أعلى من رسوم بطاقات الإقراض العادية، ولكن عادة يكون المقصود من هذا النوع من البطاقات هو المظهر الاجتماعي المتميز لحاملها، حيث يتناسب مع دخله العالي، ومتطلباته التي تتميز عن أصحاب الدخول العادية.
أن حاملها يكون أقل تعرضًا للسؤال من قبل المحلات التجارية التي يتعرض لها حامل البطاقة العادية) (1)
الزيادات المضافة إلى قروض بطاقة الإقراض والتسديد على أقساط (Credit card) :
القاعدة الأساس في قروض البطاقة هو أن هناك مبالغ تفرض على القرض تمثل مبالغ إضافية علاوة عليه، لم يكن المقترض حامل البطاقة ليدفعها لو أنه اشترى نفس السلع بالنقد.
المثال الواضح في هذا والظاهر لكل أحد أن الزيادات الربوية على القرض، لا تعد داخلة في جملة القرض في حسابات البنوك المصدرة للبطاقة.
(1) ٍٍٍ Slozn ، lrving j. 10-11
هذا واضح وجلي في الفقرة الرابعة من قانون حماية المستهلك تحت عنوان (إجمالي المبالغ المطلوبة للقرض) الصادر عام 1980
(51،S1) إذ تنص على ما يلحق القرض وليست منه وهي:
(أ) الزيادة الربوية، وهي النسبة المحددة باسم (فوائد) .
(ب) المبالغ الأخرى الناشئة عن المعاملات المالية التي يعقدها حامل البطاقة، أو من ينوب عنه.
ج) ما يكون داخلًا ضمن الاتفاقية المبرمة بين مصدر البطاقة وحاملها، وليس ناشئًا عن معاملة مالية، ويكون قابلًا للدفع في أي وقت
…
(1)
(على أن ما تتقاضاه الجهات المصدرة لها من عمولات يعد عاديًّا إذا لم يتجاوز النسب التالية:
ا - إضافة 1 % إلى أعلى نسبة تأخذها البنوك.
2 -
أن لا تزيد على نسبة 13 % من القرض. بالإضافة إلى أن لا تتضمن الاتفاقية مطالبة المقترض أي مبلغ آخر زائد على ما تقدم
…
) (2) وبذلك تصبح الفائدة في الحدود العادية دون تجاوز (3)
(1) Jones ،Sally A.،p.88
(2)
Jones ، Sally A.p.91
(3)
انظر موضوع (أرباح البنوك من إصدار بطاقات المعاملات المالية) في هذ البحث، لما يترتب على القرض الزائد على الحدود والقرض المفتوح، (ص 643) ؛ وانظر أيضًا في هذا البحث، (ص 602) بعنوان:(حقيقة ما يسمى بالحد الأعلى للقرض)، و (ص 647) (المبحث الخامس: الحماية القانونية لحاملي بطاقة المعاملات المالية)
خصائص بطاقة الإقراض:
تتميز هذه البطاقة (Credit card) من جهة نظر قانونية بخصائص عديدة أهمها:
أنها تحتوي على عقدين: عقد معاملة مالية، وعقد إقراض، ومن ثم
يقول مستر د. مث (Ms.De.Muth) : (التعريف الذي ينم عن شخصية البطاقة الحديثة لبطاقة الإقراض (Credit card) هو الذي يجمع في تعريفه بين صفات عقود المعاملات مع صفات المديونية) .
أما بالنسبة لعقود المعاملات فقد أصبحت مقبولة على نطاق واسع في البيع والشراء العادي، سواء في شراء الأعيان، أو الخدمات، كذلك فإنها أصبحت أداة تحمل موافقة مسبقة على السماح بإقراض حاملها بكل ما يريد أن يقترضه، ويسدده في الوقت المناسب له. (1)
هذا النوع من البطاقات (Credit card) هو الأكثر رواجًا في المجتمع المعاصر، لما تحتوي عليه هذه البطاقة من خصائص ومميزات تنفرد بها عما سواها من البطاقات، وأهم هذه الخصائص ما يلي:
1-
أنها تعد أداة حقيقية للإقراض، وهو محل اعتبار أساس بين مصدر البطاقة والعميل (حامل البطاقة) ، وعليه تأسيس العقد، والغالب في نظرهما.
2 -
لا يشترط لمن يطلب الحصول عليها أن يكون له رصيد في البنك.
3 -
أن حاملها غير مطالب بسداد القرض فورًا، بل خلال أجل وفترة متفق عليها بينه وبين مصدر البطاقة.
4 -
أن التسديد فيها يكون على شكل دفعات.
5 -
بعض البنوك يمنح هذه البطاقة للعملاء من دون اعتبار لدخولهم المالية. (2)
(1) انظر: Al-Melhem ، A.Ahmed ، p.10
(2)
انظر: Al-Melhem A.،Ahmed. p. 13- 14
بعض البنوك المصدرة للبطاقة لا يأخذ رسومًا سنوية على إصدارها وبخاصة في بريطانيا، أو يأخذ رسومًا اسمية متدنية، كما هو الأمر في أمريكا، حيث يعتمدون في إيراداتهم على ما يحصلونه من النسبة المحسومة من استحقاقات التاجر لدى تسديده ودفع أثمان مشتريات العملاء.
كذلك ما يحصلونه من زيادة نسبة الديون المؤجلة، فكلما تكون شروط الدفع المؤجل مرنة فإنها تكون أكثر إغراء لحاملي البطاقة على الرغم من ارتفاع نسبة الزيادة عليها. (1) من الطبيعي أن يجمع بعضها بل الكثير منها مع الزيادة الربوية الرسوم السنوية، يؤكد هذا ما جاء في بحث مركز تطوير الخدمة المصرفية ببيت التمويل الكويتي قائلًا:
"وتعتمد الجهات المصدرة لهذه البطاقة في إيراداتها - بالإضافة إلى رسوم العضوية والتجديد - على الزيادات الربوية المحتسبة على الرصيد المدين، ويرسل كشف حساب لحامل البطاقة، ويعطى مهلة محددة للتسديد، وفي بعض الحالات تحتسب الفائدة (الزيادة) على العميل من يوم إصدار كشف الحساب له.
كما أن بعض البنوك ترتب عملية السداد مع العميل، بحيث تكون على فترة زمنية منتظمة، فالعميل يستخدم البطاقة ضمن حدود الائتمان (القرض) الممنوح له، وهو يعلم أن البنك يخصم منه قسطا ثابتًا شهريًا، ويحتسب الزيادة الربوية على هذا الأساس.
ومن أمثلة هذه البطاقات:
الفيزا (Visa Card)
الماستركارد (Mastar card)
الداينرزكارد (Dinars card)
الأمريكان إكسبرس (American Card)
(1) انظر: Al-Melhem ، Ahmed ،p.13- 14
ونلاحظ هنا أن هذه البطاقات يمكن أن تكون بطاقات خصم شهري، أو بطاقات قرض (ائتمان) ، وذلك تبعًا لسياسة البنك المصدر للبطاقة ورغبته، وفقًا لما يحقق مصالحه، ويتوافق مع احتياجات عملائه) . (1)
أطراف عقد (الإقراض) في هذه البطاقة: (Credit card)
يتكون العقد في هذا النوع من البطاقات من ثلاثة أطراف رئيسة:
مصدر البطاقة: مقرض. حسب القانون المدني البريطاني لاستهلاك المدنيين الصادر عام 1974.
حامل البطاقة: مقترض (Borrowar)
التاجر: مقدم السلع، أو الخدمات (Supplier)
(1) بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي، (جدة: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السابعة، عام 1412هـ/ 1992 م) ، ج1، ص 451
كيفية التعامل بالبطاقة:
يسير التعامل بالبطاقة على النحو التالي:
" يصدر البنك البطاقة للعميل المقترض (Boroowar) ، فإذا رغب هذا في شراء شيء ذي قيمة مالية من تاجر يكون قد انضم إلى مجموعة تجار البيع بالبطاقة المرتبطين بالبنك المصدر لها. يبرز حامل البطاقة بطاقته، ويقدمها للبائع ليدون بعض المعلومات منها على سند خاص، له صورتان طبعت عليه بيانات لتعبئتها حسب الطريقة المطلوبة للبنك المصدر.
بعد أن يفرغ التاجر من تعبئة تلك البيانات يضع ذلك السند في مكينة ضغط بسيطة مقدمة من البنك يختم بها ذلك السند، ومن ثم يظهر عليها كافة المعلومات التي على الأصل والصورتين، موقعًا عليها من قبل حامل البطاقة (المقترض) .
يعيد التاجر البطاقة لصاحبها مع صورة من ذلك السند، والنسخة الثانية يحتفظ بها لديه، أما النسخة الثالثة فإنه يبعثها إلى البنك المقرض مصدر البطاقة ليدفع له القيمة ويضمها إلى حسابه ". (1)
يفضل رجال البنوك الاكتتاب في هذا النوع من البطاقات، ويشجعون عليه، حيث يجنون من وراء هذه القروض عمولات وزيادات ربحية ربوية عالية، يذكر في مقدمة مميزات هذه البطاقة: " بما ينطوي عليه من حق لحامل البطاقة في اعتماد حقيقي (دين حقيقي) لدى الجهة المصدرة لها، وهو ما تنتهجه - بل تشجع عليه - لما تتقاضاه في ظله من فوائد
…
" (2)
* * *
(1) انظر: Al-Melhem A.Ahmed، p.12- 13
(2)
أبادير، رفعت، بطاقات الائتمان من الوجهة القانونية، الكويت: مجلة إدارة الفتوى والتشريع، السنة الرابعة، العدد الرابع، عام 1984 م، ص 27
النوع الثاني:
بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء (Chrge Card) : تسمى أيضًا (بطاقة الوفاء المؤجل)، وهي التي تسمى أيضًا (بطاقة الخصم الشهري) :
تخول البنوك المصدرة لهذه البطاقات حامل هذه البطاقة قرضًا في حدود معينة حسب درجة البطاقة: فضية، أو ذهبية، ولزمن معين، يلزم تسديده كاملًا في وقت محدد متفق عليه مسبقًا، يفرض مصدرها عقوبة مالية وزيادة ربوية لدى التأخير في التسديد.
إن هذا النوع من البطاقات لا يقدم تسهيلات، أي لا يقسط المبلغ المستحق، ولكنه طريقة ميسرة للحصول على قرض مفتوح لحد أقصى يسدد كل شهر.
خصائص (بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من زيادة ربوية ابتداء: (Charge Card)
تخول هذه البطاقة حاملها الشراء والسحب النقدي في حدود مبلغ معين ولفترة محدودة، دون تقسيط في دفع المبلغ المستحق عليه، فإذا تأخر العميل في تسديده فرضت عليه زيادة ربوية حسبما تنص عليها الاتفاقية بين المصدر وحامل البطاقة.
هذا النوع من البطاقات يمثل طريقة ميسرة للحصول على قرض مفتوح لحد أقصى يسدد كل شهر من دون فرض زيادة إلا عند تأخير التسديد في الموعد المحدد. (1) إن دورها ينحصر في كونها أداة للوفاء بثمن السلع والخدمات التي يحصل عليها حاملها من بعض التجار (المقبولين لدى الجهة المصدرة للبطاقة) .
يلاحظ على نظام هذا النوع من البطاقات أنه لا يتضمن أية تسهيلات قرض لحاملها، حيث يتعين على حامل البطاقة أن يبادر فور تسلمه الكشف المرسل إليه، أو خلال ميعاد قصير يختلف باختلاف البطاقات، بل قد تقوم الجهة المصدرة للبطاقة إذا كان لحاملها حساب لديها بقيد المبلغ في حسابه مباشرة.
إلا أن الحاصل عملًا أن حامل البطاقة يتمتع في ظل هذا النظام بأجل فعلي في الوفاء بثمن ما يحصل عليه من سلع وخدمات، مما حدا بالبعض إلى تسمية هذا النوع من البطاقات ببطاقات (الوفاء المؤجل) ؛ ذلك أن الجهة المصدرة للبطاقة لا تطالب حاملها بثمن مشترياته فورًا أولًا بأول، وإنما تقوم بجمع الفواتير الموقعة من قبل حامل البطاقة ومطالبته بها دوريًّا مرة كل شهر، في تاريخ معين، أو تقييدها في حسابه في هذا التاريخ، وهذا ما يمنح حامل البطاقة أجلًا فعليًّا في الوفاء، يتمثل في الفترة المنصرمة ما بين وقوع الشراء وحصول الوفاء فعلًا، وهي فترة تصل في بعض الأحيان إلى خمسة وخمسين، أو ستين يومًا.
ومع ذلك فإن هذه البطاقات لا تعدو أن تكون في جوهرها أداة للوفاء، ذلك أنه وإن تمتع حاملها بأجل فعلي في الوفاء فإن هذه الميزة ليست محل اعتبار أساس لدى مصدر البطاقة، أو حاملها، ولا تعدو أن تكون عنصرًا ثانويًّا، أو عَرَضيًّا لم يقصده الطرفان لذاته، وإنما ترتب على طبيعة التعامل بهذه البطاقات وضرورة نظمها العملية (2)
(1) انظر: Al- Melhem A.Ahmed ، p.14
(2)
أبادير، رفعت، بطاقات الائتمان من الوجهة القانونية، ص 24، 25، 26
الفرق بين بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (Credit Card)، وبطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة:(charge Card)
توجد عدة فروق بين هذين النوعين من بطاقات الشراء من أهمها ما يأتي:
أولًا: لا تتقاضى البنوك عادة رسومًا سنوية، ورسومًا على التجديد بالنسبة لبطاقة الإقراض بزيادة ربوية (Credit Card) ، وعلى عكس ذلك الأمر بالنسبة لبطاقة الإقراض المؤقت (Charge Card) فإنها تفرض رسومًا على الحصول على البطاقة؛ لينتظم حاملها ضمن المتعاملين بها، ورسومًا أخرى على التجديد.
ثانيًا: بطاقة الإقراض بزيادة ربوية (Credit Card) تقدم قرضًا حقيقيًّا، ولحامل البطاقة حق الاختيار في طريقة الدفع، في حين أن عملاء بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة (Charge Card) مطالبون بدفع المطلوب منهم كاملًا في نهاية الشهر.
ثالثا: عدم وجود حد أعلى للمديونية في بطاقة الإقراض (Credit card) أحيانًا، هذا الاعتبار مهم جدًا في نظر العملاء حاملي البطاقة، وله الأفضلية في نظرهم على التعجيل بالدفع في نهاية الشهر، كما عليه الحال في بطاقة الإقراض المؤقت. (1)
(1) انظر: Al-Melhem A.Ahmed ، p. 63- 64
النوع الثالث - بطاقة التجزئة (Retailar ، or in House cards) :
هذا نوع آخر من البطاقات يخدم المستهلكين، يعرف بأسماء عديدة:
1-
بطاقة شراء التجزئة (Retailar Card) .
2 -
بطاقة شراء داخلية (In House Card) .
3 -
بطاقة الشراء باسم محل تجاري خاص (Store Card) .
4 -
بطاقة اتفاقية دين ذي طرفين (دائن، مدين)(Two Parties credit card Agreement)
مصدر هذا النوع من البطاقات مؤسسة أو محل تجاري، يقدم أنواعًا مختلفة من البضائع والخدمات.
يقصد من هذه البطاقة جلب العميل والاحتفاظ به، ولذا فإنها تعد في أقسام البطاقات الداخلية المحلية، وليست الدولية (1)
المقصود الأساس بهذا النوع من البطاقات هو الدين، حيث يمثل المحل التجاري الطرف الأول (دائن) ، وحامل البطاقة العميل (مدين) الطرف الثاني، يخول صاحب البطاقة حاملها الشراء دينًا من المحل التجاري المصدر لها، سواء استخدمها أو لم يستخدمها.
الطرف الأول يمثل: الدائن (مصدر البطاقة) ، التاجر.
الطرف الثاني هو: المدين (حامل البطاقة) .
الاتفاقية: اتفاقية دين.
العقد: عقد بيع بين حامل البطاقة والمحل التجاري (التاجر) لدى استخدام حامل البطاقة للحصول على رغباته من السلع إن كان بيعًا، أو عقد إجارة إن كان على منافع وخدمات.
استخدام البطاقة للشراء في كل مرة يمثل عقدًا مستقلًا عن غيره، بعض المحلات التجارية تقدم قروضًا نقدية لحامل البطاقة، حينئذ يستطيع حامل البطاقة العميل أن يحصل على احتياجاته من السلع والخدمات كما يحصل على النقد عينًا.
في مثل هذه الحالة يصبح عقد البطاقة من العقود ذات الأطراف الثلاثة:
مقرض، مقترض، تاجر (2)
يتخذ تسديد قيمة مشتريات السلع لدى استعمال بطاقة التجزئة أنماطًا مختلفة:
1-
التسديد الشهري: حيث تقدم المؤسسة التجارية فواتير الشراء نهاية كل شهر لحامل البطاقة لتسديدها كاملة. هذا أشبه ما يكون بطريقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة (Charge Card) . العقد هنا يتم بين طرفين: مصدر البطاقة (المحل التجاري) ، وحامل البطاقة (المستهلك) ؛ في حين أن العقد في بطاقة الإقراض المؤقت يتكون من ثلاثة أطراف.
2 -
طريقة اختيارية: وذلك بالمرونة في دفع الدين الشهري بتحديد حد أدنى في نهاية كل شهر، حينئذ فإنها تماثل تمامًا بطاقة الإقراض بزيادة ربوية، والتسديد على أقساط (Credit Card) عندما يختار حامل البطاقة دفع الدين على أقساط متعددة على فترات طويلة، أو قصيرة.
(1) oJones ، SallyA.،p.94
(2)
jones ، Sally A.، p.94- 95
التكييف القانوني لهذا النوع من البطاقات:
إن عقود البطاقات ذات الطرفين كما في بطاقة شراء التجزئة (Retailar) ، أو ذات أطراف ثلاثة كما هو الحال في سواها من البطاقات، جميعها يندرج تحت مسمى الديون طبقًا لقانون الاستهلاك الإنجليزي الصادر عام 1974، حيث ورد تحديدها والتعريف بها ضمن ما يطلق عليه، ومن جملة ذلك:
البطاقة التي تصدر عن شخص على أساس دين تجاري يتكفل لدى إصدارها أن يمنح الطرف الآخر صلاحية السحب نقدًا أو شراء سلعة، أو القيام ببعض الخدمات دينًا لحاملها. سواء كان العقد من طرفين أو ثلاثة أطراف.
في حالة العقد المكون من طرفين فإن البطاقة تعرّف المدين على أنه: (الشخص الذي يفتح حسابا مع الدائن) .
ولهذا فإن مديونيته معروفة لدى الدائن، فلا يحتاج دائنه إلى بحث كفاءته وقدراته المالية (1) .
على من يتولى البيع من الموظفين في المحل التجاري الذي يصدر البطاقة التأكد من:
أن قيمة مشتريات حامل البطاقة في حدود القرض الذي اعتمده المحل لحامل البطاقة.
(1) Al-Melhem A.Ahmed ، p. 16
الشراء بالبطاقة تلفونيًّا:
كما يمكن الشعراء لحامل البطاقة بطريق المكالمة التلفونية بعد التأكد من صحة كافة المعلومات المتعلقة بحامل البطاقة عن طريق الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ، إذ أصبح بجانب كل محاسب جهاز الحاسب الآلي، لإعطاء تلك المعلومات خلال ثوان والتأكد من صحتها (1)
من هذا النوع: البطاقات التي تصدرها أيضًا محطات البنزين، حيث يقدمون برنامجًا لبطاقات الدين، يتم التسديد شهريًا لمشتريات العميل كل شهر، دون تحديد لفترة الدفع لأكثر من ذلك.
بعض هذه المحطات يقدمون عرضًا اختياريًا لحامل البطاقة للتسديد لفترة أطول لدى شراء بعض الأدوات الغالية مثل إطارات السيارات والبطاريات، أو الإصلاح.
من الطبيعي أن الحد الأعلى للقرض لهذا النوع من البطاقات يكون أقل من بطاقة الإقراض التي تصدرها البنوك، وأقل شروطًا من البطاقات ذات الأطراف الثلاثة:
البنك، العميل (حامل البطاقة) ، التاجر
يقدم أصحاب هذا النوع من البطاقات للعملاء عادة حق الاختيار في دفع المستحقات خلال فترة طويلة، ولهذا فإن ثلاثة أخماس العملاء من حاملي هذه البطاقة يسددون كافة المستحقات دفعة واحدة (2)
القسم الثاني من أقسام البطاقات
بطاقة السحب المباشر من الرصيد: (Debit Card)
يتضمن بحث الموضوعات التالية:
التعريف.
فائدة بطاقة السحب المباشر من الرصيد.
خصائص بطاقة السحب المباشر من الرصيد.
الفرق بين بطاقة الإقراض وبطاقة السحب المباشر.
(1) Sloan ، lrving J.p.7
(2)
انظر: Sloan ، Irving j.،p.8- 12- 11
التعريف ببطاقة السحب المباشر من الرصيد: (Debit Card)
عنوان هذا النوع من البطاقات يحمل معناها، يقتضي إصدار هذا النوع من البطاقات أن يكون لحاملها رصيد بالبنك، ومن ثم إعطاء صلاحية للبنك المصدر للبطاقة أن يسحب من رصيد حامل البطاقة مباشرة قيمة مشترياته، وأجور الخدمات التي حصل عليها عن طريق استعمال البطاقة في ضوء السندات الموقعة من قبله.
لهذه البطاقة نفس الوظيفة والاستخدامات التي تستعمل لها بطاقة الإقراض بزيادة ربوية (Credit Card) في الحصول على الاحتياجات من السلع والخدمات، والحصول على النقد. وتختلف عنها في أن قيمة الأشياء التي يحصل عليها حامل البطاقة من خلال استعمالها تخصم رأسًا من رصيده بالبنك لحساب التاجر، أو المؤسسة التي قد حصل منها على احتياجاته.
خصت هذه البطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) بمادة في قانون إقراض المستهلكين الصادر عام 1974 ببريطانيا، في الفصل 89، المادة (3A) 187، إذ تقضي إخراجها من بطاقات الإقراض؛ لأنها لا تعدو أن تكون مجرد أداة لاستخراج البنك قيمة مشتريات حاملها من رصيده (الوديعة) في البنك، ولا تقدم لحاملها قرضًا، والعلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر في حالة استعمال هذا النوع من البطاقة ليست متضمنة أي ترتيبات بخصوص المبلغ المطلوب كما هو الشأن بالنسبة للبطاقات الأخرى (1)
لذا فإنه في حالة استعمال البطاقة الإلكترونية تحول قيمة تلك المشتريات من حساب حاملها إلى حساب التاجر في نفس وقت الشراء مباشرة.
أما إذا لم تكن البطاقة إلكترونية فإن القيمة تخصم من حسابه بعد فترة من الزمن، لأخذ طريقها ومجراها النظامي.
(1) انظر: Jones ، Sally A.p.26
كيفية التعامل بهذا النوع من البطاقات:
تتم إجراءات التوقيع على سندات البيع بمثل ما تتم به إجراءات السندات في بطاقة الإقراض (Credit Card) ، وفي النهاية تسجل القيمة عليه في رصيده (مدين) وتخصم من حسابه بشرط أن لا تتجاوز رصيده من النقود.
"سعت بعض البنوك الإنجليزية الكبيرة إلى إصدار بطاقة من هذا النوع باسم (Switch Card ، Barclays Card) ، للتخلص من ضمان أي مقدار من مدفوعات حامل هذه البطاقة، وأنها لا تتحمل أكثر من 50 جنيهًا كما هو الأمر بالنسبة للشيك المضمون ". (1)
طريقة استعمال بطاقة السحب المباشر من الرصيد وإجراءاتها متفقة تمامًا مع بطاقة الإقراض الربوية (Crebit Card) .
فائدة بطاقة السحب المباشر من الرصيد: (Credit Card) .
الفائدة من الحصول على هذا النوع من البطاقات (Debit Card) أنها تمكن صاحبها من الحصول على النقد، والسلع، والخدمات وغير ذلك بيسر وسهولة، دون تحمل مشاكل اصطحاب النقود، ولكن لا تخوله أن يحصل على هذه الأشياء بالدين، إذ أنه ليس مخولًا أن يستخدمها إلى الحد الذي يجعله مدينًا، أو حين يكون مدينًا بالفعل.
قد تتم اتفاقية بين مصدر البطاقة وحاملها أن يحصل بها على قرض، ولكن هذا لا يخرجها عن حقيقتها الأصلية حسب المادة (187)، (3A) من إقراض المستهلك الصادر عام 1974 حيث نص على التالي: إذا كانت بطاقة السحب المباشر من الرصيد في خانة (مدين) فإنها لا تعد ضمن بطاقة الإقراض، والاتفاق الذي تم بين مصدر البطاقة وحاملها غير معترف به قانونًا حسب الفقرة (ب) من المادة الثانية عشرة.
لكن ربما تعد من قبيل اتفاقية إقراض لا سند قرض إذا وجدت موافقة سابقة بين مصدر البطاقة وحاملها، بحيث تخول الأخير باستخدام البطاقة بأكثر من رصيده.
معظم بطاقات السحب المباشر من الرصيد متصلة اتصالًا مباشرًا بحسابات حاملها (الوديعة) . غير أنه إذا استخدمت البطاقة للغرضين: السحب المباشر من الرصيد، والدين في آن واحد فإنها تعد حينئذ من أدوات الإقراض حسب المادة 14، ولها الشروط ذات العلاقة بأدوات الإقراض) (2)
خصائص بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) :
"تتصف هذه البطاقة بالأتي:
- تصدر للعملاء الذين لديهم حساب دائن لدى البنك المصدر لهذه البطاقة.
- تمنح مجانًا (في الغالب) .
- تستخدم في إطار جغرافية الدولة غالبًا، أو مناطق وجود فروع البنك المتصلة بجهاز حاسب آلي، متصل بقاعدة معلومات عن حساب العميل ورصيده.
- يتم الخصم من حساب العميل فور استخدامه للبطاقة، وعند تعطل أنظمة الحاسب الآلي، فهناك حد أعلى (بمبلغ صغير) يمكن للعميل استخدام هذه البطاقة ضمن الحد المقرر لحين إعادة الاتصالات بنظام الحاسب الآلي.
- تستخدم في الغالب للسحب النقدي من أجهزة الصرف الآلي، أو للاستفسار عن بعض المعلومات الخاص بالعميل، أو الحصول على بعض الخدمات التي يقدمها البنك كأسعار العملات، أو شراء الشيكات السياحية، إضافة إلى التعرف على الرصيد، أو طلب كشف حساب مختصر، أو تفصيلي، أو التحويل فيما بين حسابات العميل ". (3) من هذا النوع من البطاقات (بطاقة إلكترون العربي الدولية) التي يصدرها البنك العربي الوطني بالمملكة العربية السعودية، حيث تستخدم محليًّا ودوليًّا. (4)
(1) انظر: Al- melhem A.Hmed p.17-18
(2)
jones ،Sally A.،p.101-102
(3)
بيت التمويل الكويتي، بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية، والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع، ج1، ص 448
(4)
انظر: نشرة (البنك العربي الوطني) بالمملكة العربية السعودية، لمعرفة حقيقة هذه البطاقة ومزاياها.
الفرق بين بطاقات الإقراض الربوية (Credit Card)
وبطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card)
توجد فروق أهمها: أن البنك ملزم بدفع المبالغ الموضحة بالسندات المقدمة له من قبل التاجر العميل بالنسبة لبطاقة الإقراض بزيادة (Credit Card) ، أما بالنسبة لبطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) فإنه لا علاقة للبنك بالنسبة للدين، بل يحول مباشرة قيمة البضائع المشتراة من قبل حامل البطاقة، ويخصمها من رصيده إلى حساب التاجر دون اتخاذ إجراءات أخرى (1)
أنواع أخرى من البطاقات (بطاقات خاصة) :
توجد بطاقات أخرى متخصصة غير ما تقدم، لكنها تنتشر ببطء.
بعض هذه البطاقات تصدرها شركات الطيران ، الأكثر اتساعًا في هذا شركات تأجير السيارات؛ لا تفرض رسومًا على البطاقة، ولكنها تشترط التسديد مباشرة لدى وصول سندات الدفع للعميل.
" بعض هذه المؤسسات تصدر هذا النوع من البطاقات لرجال الأعمال فقط.
كثير من شركات الطيران العالمية تصدر بطاقات خاصة لأفراد مخصوصين، وتسديد المستحقات في مدة طويلة، ومن دون رسوم سنوية، أو دورية. بالإضافة إلى أن كثيرًا من بطاقات شركات الطيران العالمية الخاصة برجال الأعمال، تشترط التسديد بالكامل في نهاية المدة المقررة المتفق عليها ". (2)
* * *
(1) انظر: Al-melhem A.Ahmed ، p. 17-18
(2)
انظر: Sloanj.p.13
أرباح البنوك من إصدار بطاقات المعاملات المالية وأسباب انتشارها
تحقق الشركات والمنظمات التي تصدر بطاقات المعاملات المالية على اختلاف أنواعها أرباحًا عالية من خلال استحداث نظام تسديد المشتريات بالبطاقة بدلا عن النقد، والإقبال الشديد من جمهور الناس الذين يتضاعف عددهم كل يوم، طلبًا للحصول عليها، إذ يقدرون بعشرات الملايين.
تستفيد هذه الشركات والمنظمات أرباحها من جهتين رئيستين: من حامل البطاقة (العميل)، والتاجر صاحب السلع أو الخدمات التي يقدمها لحامل البطاقة عن طريق الوسائل التالية:
أولًا: رسوم الاشتراك السنوي والعضوية.
ثانيًا: الزيادات الربوية على تسديد الدفع للعمليات المالية النقدية؛ إذ تحسب على حامل البطاقة من يوم الشراء.
ثالثًا: المعاملات التجارية الأخرى للسلع والخدمات حين يسجل المبلغ في حساب حامل البطاقة (مدين) ، إلا في حالة الاتفاق على التسديد للمبلغ كاملًا في وقت معين.
رابعًا: العمولات التي تتقاضاها من التجار على العمليات التجارية التي تتم من خلال استعمال البطاقة. تتراوح هذه النسبة عادة بين 1 % و5 % بمتوسط 2.8 % (1)
خامسًا: فرض رسوم دورية على كل معاملة مالية تسدد عن طريق بطاقة الإقراض تحسب على العميل.
سادسًا: فرض نسبة معينة عقوبة على تأخير التسديد.
سابعًا: دفع مبلغ معين عوضًا عن فقدان البطاقة.
ثامنًا: فرض نسبة معينة على حامل البطاقة لدى الشراء بأزيد من المبلغ المسموح به دينًا (2)
قد لا يكون القرض محددًا برقم، بل يترك مفتوحًا باتفاق الطرفين، ولكن تفرض على حامل البطاقة نسبة معينة بمقدار 10 % لكل خمسة آلاف إذا تجاوز القرض حدًا معينًا، حسب النموذج التالي فيما لو كان حد القرض خمسة عشر ألف ريال:
25 % على الخمسة الآلاف الأولى.
35 % على الخمسة الآلاف الثانية.
45 % على الخمسة الآلاف الثالثة.
مثال آخر: يتفق الطرفان على حد أعلى للقرض هو عشرون ألف جنيه، أو دون تحديد، بل على قرض مفتوح، ولكن لمثل هذا يشترط في العقد: طلب حامل البطاقة (المقترض) موافقة مصدر البطاقة (المقرض) لأي قرض فوق خمسة آلاف (3)
(1) انظر: jones ، Sally A.،P.14
(2)
انظر: Sloan ، Irving j.، p. 10.12
(3)
انظر: Jones ، Sally A.،p.84
يكشف مستر إرك ن. كومبتون ERIC N.Comptonprcsident the Chase Manhattan Bank عن مصادر الربح التي تجنيها البنوك من استخدام بطاقة الإقراض بزيادات ربوية والتسديد على أقساط قائلًا:
" البطاقة المعروفة بـ (Credit Card) تقدم أرباحًا متوقعة مغرية متمثلة في:
- مضاعفة نشاطات الودائع الناتجة عن سندات البيع التي تحال إلى البنوك من قبل التجار.
- دفع نسبة ربوية عالية من قبل حامل البطاقة عن قرضه.
- خصم نسبة معينة من قيمة المشتريات المدفوعة للبائع تضاف إلى دخل البنوك مباشرة.
- تضاف زيادة مبلغ مباشرة على حامل البطاقة لدى السحب النقدي.
وفي صدد ذكر أسباب نجاح البنوك في إصدار بطاقة الإقراض السالفة الذكر يقول:
" من أسباب انتشار البطاقة بين صفوف المستهلكين أنها تقدم لهم بديلًا مفيدًا مغريًا مختلفًا عن الطريقة التقليدية لدفع أثمان الأشياء، وطريقة حديثة للإقراض، وذلك بإيجاد مصدر جاهز وسريع للطلب النقدي في الحالات الطارئة الملحة لحامل البطاقة، ذلك هو فتح باب، وإيجاد وسيلة للدخول إلى عالم البنوك الجديد، ومفتاح للتسهيلات الأتوماتيكية؟ ذلك أن البطاقة البنكية تمثل أهمية أساسية في تجارة التجزئة في البنوك، فقد سجلت الإحصائيات نسبة كبيرة من النجاح للدور الذي تؤديه البطاقة البنكية في هذا المجال.
كما أسهمت في تقليص نفقات البنوك، حيث يتم تنفيذ آلات الصرف الأتوماتيكية في مواضع متعددة ومختلفة، يقوم العميل باستخدامها، فتزوده بما يحتاج إليه من نقود، أو بيانات عن رصيده ومعاملاته التجارية حسب تاريخ عقدها وإنجازه لها ، بالإضافة إلى كثير من الخدمات الأخرى
…
إنه برنامج مربح للغاية ". (1)
(1) Inside Commercial Banking ، New York (c) . John Wiled ons ، p. 98- 99 ، 101
المشاكل التي تواجه البنوك بسبب البطاقة:
تواجه هذه الشركات بعض المشاكل خصوصًا فيما يتصل باستعمال البطاقة من قبل حاملها بتجاوزه بعض بنود الاتفاقية المبرمة معه.
لكن أكثر ما تعاني خطورته هو استعمالها بطريقة غير قانونية من قبل آخرين غير أصحابها، تزويرًا، أو سرقة لها أو غير ذلك، ولهذا فإن هذه الشركات والمنظمات تبحث جاهدة وبشكل دائم عن الوسائل والطرق التي من شأنها أن تقلل أو تحد من تزوير استعمالها، وبرغم هذا فإنها تظل قادرة على تغطية الخسائر الناجمة عن دعاوى المحلات التجارية والمقترضين نظرًا للأرباح الطائلة التي تحصل عليها.
الملاحظ تقلص أرباح الشركات الكبيرة المصدرة للبطاقات مع زيادة إصدار بطاقات الإقراض الخاصة التي تصدرها بعض المحلات التجارية لعملائها؛ إذ نشطت المحلات التجارية بإصدار بطاقات خاصة بها، فقد ثبت لها أنها تجلب لها ربحًا مضاعفًا من جهتين:
أولًا: الأرباح الأصلية الموضوعة على نفس السلع.
ثانيًا: الزيادات الربوية التي تفرضها على ديون العملاء حاملي بطاقتها (1)
(1) انظر Jones ، Sally A.،P.14
المبحث الخامس:
الحماية القانونية لحاملي البطاقات البنكية
محور عملية نظام البطاقات البنكية ومرتكزها هو العميل حامل البطاقة.
إن استعماله للبطاقة هو الذي يحرك عملية عقد البطاقة في جميع اتجاهاتها، وهو المصدر الأساس لربح الطرفين الآخرين في العقد: مصدر البطاقة، والتاجر.
يمثل البنك مصدر البطاقة الطرف الأقوى، واليد العليا بين كافة الأطراف الأخرى، يفرض شروطا قاسية استغلالًا لحاجة المقترض المستهلك حامل البطاقة، من أجل هذا تصدر الدول قوانين لحماية هذا الطرف الضعيف في هذا العقد، من هذا ما تضمنه قانون حماية المستهلكين في بريطانيا، الصادر عام 1974؛ إذ اتخذ لحماية المقترضين المستهلكين أسلوبين:
1-
فرض أنظمة وقوانين معينة على الشركات والمنظمات المالية والمحلات التجارية المخولة صلاحية إقراض المستهلكين.
2 -
وضع ضوابط للاتفاقيات التي تبرم بين المقرضين والمقترضين.
في ظل هذه القوانين والأساليب يجري تطوير قوانين البطاقات وأنظمتها في بريطانيا (1)
الهدف من وضع قانون حماية المقترض المستهلك هو تعريفه وتوعيته بأعباء القرض وتكاليفه، كما أنه يستهدف حمايته من الاستغلال السيء الذي قد يتعرض له من قبل مصدر البطاقة (المقرض) ، والتاجر، حيث إنهما يتفقان على تحقيق نتائج ربحية معينة؛ إذ البيع قرضًا من وجهة نظرهما لا بد أن يحقق ربحًا من جهتين: من جهة بيع السلعة، ومن الإقراض لقيمتها من خلال الاتفاقية.
(1) انظر: Jones ، Sally A.،p.20
إن المشتري بالبطاقة يدفع ربحًا مضاعفًا على السلع التي يحصل عليها بالدفع بالبطاقة، ربح على السلعة نفسها، وربح على القرض (1) أعطى القانون حماية إضافية للمقترض، وهي أن مصدر البطاقة (المقرض) مسؤول عن تصرفات التاجر نحو المقترض، ولكن لا يعني هذا أن لحامل البطاقة (المقترض) الحق في التعويض - إذا أصابه ضرر - من الجهتين، ومرتين لموضوع واحد (2)
قانون حماية المقترض المستهلك يمتد إلى كل من يسمى (مقترضًا مستهلكًا) في عقد اتفاقية إقراض بأي شكل أو أداة من الأدوات، لهذا فإن تحديد معنى (مقترض) مهم جدًّا، لكي يندرج ضمن هذا القانون.
هذه الحماية تتعلق بكل الجوانب التي ينص عليها القانون.
حمايته قبل العقد تكون بالنسبة للإعلانات والحملات الدعائية، والمعلومات المعلن عنها، وصيغة الاتفاقيات ومضمونها، ونظمها، وتنفيذها.
إلى جانب أنه توجد ميزتان تمنحان المقترض حماية في ضوء اتفاقية قرض المستهلك في المادتين 56 و 57 من الفصل 56 رقم 2 مما ليس متوافرًا في المقترض غير المستهلك في اتفاقيات بطاقة القرض، ولا الأشخاص الذين يتعاملون بالنقد في مشترياتهم، حيث تقضي هذه المادة أن:
" المفاوض في المعاملات التجارية يعد وكيلًا يمثل الأصيل صاحب المصلحة، كما يمثل نفسه أصالة حسب وضعه القانوني.
(1) انظر: jones ، Sally A.،p.199- 200
(2)
انظر: jones ، Sally A.،215
هذا المبدأ، أو المادة القانونية تعني بالنسبة لنظام بطاقة الإقراض أن التاجر الذي يجري مفاوضات ومساومات مع المقترض صاحب البطاقة يعمل لمصلحة نفسه، وفي نفس الوقت هو وكيل المقرض مصدر البطاقة، نتيجة لهذه المادة 56 يصبح المقرض مصدر البطاقة مسؤولًا عن أي غش يحدثه التاجر الذي أقنع المقترض حامل البطاقة بأن يتم العقد، ولا يستطيع مصدر البطاقة (المقرض) تفادي هذه المسؤولية بطريق مباشر، أو غير مباشر.
تظل مسؤولية التاجر قائمة بهذا الاعتبار، فهو يعد قانونًا طرفًا رئيسًا في العقد، ووكيلًا عن المقرض (مصدر البطاقة) في الوقت نفسه.
المادة 56 من القانون واسعة جدًّا، حيث تجعل المقرض (مصدر البطاقة) مسؤولًا عن تصرفات التاجر إذا أقدم على غش صاحب البطاقة (المقترض) .
حسب هذه المادة يصبح التاجر مسؤولًا بالأصالة عن تزويد حامل البطاقة بما يحتاجه من السلع التي يعرضها، كما أن المقرض (مصدر البطاقة) مسؤول مسؤولية متساوية مع التاجر عن تقديم السلع في وضع سليم ". (1) المادة (57) أيضًا تجعل المقرض (مصدر البطاقة) مسؤولًا مسؤولية قانونية متساوية مع التاجر فيما يتعلق بمعاملات إقراض المستهلك فيما يتعلق بفسخ العقد، وغش السلع.
هذا فيما يخص العقد ذا الأطراف الثلاثة، أما العقد ذو الطرفين- كما في بطاقة دين بيع التجزئة - فإنه لا يندرج ضمن ما تقدم، وبرغم هذا فإنه لا يستلزم دائمًا أن يكون الدائن والتاجر واحدًا فيخضعان للقانون العام.
" قانون حماية المقترض المستهلك يختص فقط بمعاملات المقترض نفسه في اتفاقية بطاقة الإقراض وما شابهها من أدوات دون الذين يخولهم صاحب البطاقة صلاحية استخدامها.
الحماية المذكورة في القانون تظل نافذة بالنسبة لحامل البطاقة المقترض ذاته، أما الشخص المتوكل في استخدامها فإنه ليس جزءًا في العملية التجارية
…
". (2)
* * *
(1) انظر: Jones ، Sally A.، p.198
(2)
انظر: Jones ، Sally A.،P.105- 106
1 لفصل الثالث
العلاقات والمسؤوليات في البطاقات البنكية
المبحث الأول: العقود التي تتضمنها البطاقات البنكية
المبحث الثاني: علاقة مصدر البطاقة (المقرض) بحامل البطاقة (المقترض) ومسؤولياته.
المبحث الثالث: مسؤوليات حامل البطاقة (المقترض) .
المبحث الرابع: إنهاء اتفاقية البطاقة بين مصدرها وحاملها وآثار ذلك المبحث الخامس: العلاقات والمسؤوليات بين مصدر البطاقة والتاجر.
المبحث الأول:
العقود التي تتضمنها البطاقات البنكية
تقديم:
بطاقات البنوك بقسميها: الإقراضية، وبطاقات السحب المباشر من الرصيد يرتبط أطرافها بعضهم ببعض بعلاقات ومسؤوليات ثنائية حينًا، وثلاثية حينًا آخر.
العلاقات والمسؤوليات الثنائية تظهر في التالي:
1 -
العلاقة بين مصدر البطاقة وحامل البطاقة.
2 -
العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر.
3 -
العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر.
هذه العلاقة بين كل طرف وآخر مستقلة في تكييفها، متميزة في مسؤولياتها.
كما تكون العلاقة ثلاثية بين الأطراف الثلاثة الرئيسين: مصدر البطاقة، وحامل البطاقة والتاجر جميعًا في عقد واحد بعلاقات ومسؤوليات مختلفة، هذا ما سيتناوله البحث في هذا الفصل بالتحليل والتفصيلة. بطاقات البنوك الإقراضية وغير الإقراضية تتطلب في الغالب ثلاثة أطراف رئيسة، تكتمل بها العملية التجارية وتستوفي الغرض منها: مصدر البطاقة، وحاملها، والتاجر، بحيث يتم العقد كالتالي:
1-
عقد بين مصدر البطاقة مع حامل البطاقة (العميل) .
2-
عقد بين مصدر البطاقة مع التاجر.
3 -
يظل هذان العقدان معلقين حتى يبدأ حامل البطاقة الشراء من التاجر.
الشراء بالبطاقة هو العقد الثالث، والجزء التنفيذي الذي يبث فيه الحياة، ولكن هل تمثل هذه الاتفاقات عقودًا ثلاثة، أو عقدًا واحدًا؟
بالنسبة للقانون الإنجليزي نص على هذا في القانون الخاص بإقراض المستهلك، بأن عقود اتفاقية أدوات الإقراض ليست اتفاقية واحدة، ولكنها تتضمن اتفاقيات مختلفة فهي:
" اتفاقية بين مقرض ومقترض.
اتفاقية بين مقرض ومقترض، وتاجر.
اتفاقية بين مقرض وتاجر.
لا بد أن ينظر إلى كل اتفاقية على حدة منفصلة عن أخرى، والالتزام في كل بكافة الشروط والالتزامات. تعد اتفاقية الإقراض مطلقة غير مقيدة إذا تضمنت قرضًا نقديًا، وليست مرتبطة بشراء سلعة معينة " (1)
يقرر هذه القاعدة القانونية مستر ملت ج. (Millet J.) بقوله: " تنشأ ثلاثة عقود منفصلة لدى استعمال البطاقة، تظهر في ساحة العمل:
الأول: عقد البيع بين التاجر وحامل البطاقة.
الثاني: عقد بين التاجر والشركة مصدرة البطاقة التي توفي بالتزامها نحو ما تستوجبه البطاقة من تسديد للمبالغ المستحقة للتاجر الممثلة في السندات الموقعة من حامل البطاقة.
الثالث: عقد بين الشركة المصدرة للبطاقة وحاملها (العميل) .
فهنا ثلاثة عقود منفصلة من ثلاثة أطراف منفصلين، كل واحد منهم طرف في عقدين من العقود الثلاثة، ولكن ليس واحد منهم طرفًا في العقد الثالث " (2)
" في حين أن القانون الأمريكي يعده عقدًا مكونًا من ثلاثة أطراف:
مصدر البطاقة، وحامل البطاقة العميل، والتاجر. هذه هي النتيجة المستفادة من الأحكام المتكررة الصادرة من المحاكم حسب التصوير التالي: إصدار البطاقة من قبل البنك لحاملها هو عرض مجرد بتقديم قرض من قبله لحامل البطاقة.
يعد هذا العرض قبولًا من قبل حامل البطاقة عندما يستخدمه لدفع مشترياته من التاجر ". (3)
من جهة أخرى:
إن الاتفاقية العادية لبطاقة الإقراض قد تتضمن الواحدة منها عدة اتفاقيات حسب المادة (18) ، إذ يمكن بموجبها أن يستعملها حاملها للسحب النقدي، والحصول على السلع.
السحب النقدي عبارة عن اتفاقية بين مصدر البطاقة وحاملها حسب المادة (13) .
شراء السلع أو الخدمات عقد آخر ذو أطراف ثلاثة هم: صاحب البطاقة، مصدر البطاقة، التاجر.
عندما يكون مصدر البطاقة هو التاجر أيضًا فإنه يصبح مسؤولًا مسؤولية التاجر من جهة نقض الاتفاق، وعدم سلامة السلعة بصفة أنه أصبح التاجر الممول.
(1) انظر: Jones ، Sally A.،p.113
(2)
انظر: Al- Melhem A.Ahmed. p 356
(3)
انظر: Al- melhem A.Ahmed ، p. 356
المادة (75) تعطي المقترض صاحب البطاقة الحق في إقامة الدعوى على الطرفين ما دام مرتبطين ببعضهما. غير أنه إذا كان التاجر هو مصدر البطاقة فليس أمامه إلا مداعاة شخص واحد (1)
هذا النوع من الاتفاقات المكونة من ثلاثة أطراف رئيسة عادة ما يعمل كل واحد منهم باستقلالية تامة ولمصلحته الخاصة في كل معاملة تجارية. لكن قد تكون علاقته بالأطراف الأخرى علاقة وكالة في الوقت نفسه، مثلًا:
التاجر في عقد بطاقة الإقراض قد يكون وكيلًا عن مصدر البطاقة بالنسبة للمعاملات المالية التي يعقدها مع حامل البطاقة المقترض، وهذا لا يكون غالبًا، ولكنه ممكن غير مستحيل.
قد يكون الشخص طرفًا رئيسًا في معاملة مالية، في حين أنه وكيل لطرف آخر في نفس تلك المعاملة، مثال ذلك:
الشخص الذي أعطي صلاحية استخدام البطاقة هو وكيل لحاملها الرئيس في إبرام العقد الذي يعد لازمًا بين حاملها وبين مصدر البطاقة، وقد يكون طرفًا رئيسًا في إبرام عقد لصالح نفسه مع نفس التاجر الذي تعامل معه بالوكالة عن صاحب البطاقة. (2)
* * *
(1) انظر:Jones. Sally A.،p.202
(2)
انظر: jones ، Sally A.، P.195
المبحث الثاني:
علاقة مصدر البطاقة (المقرض)
بحامل البطاقة (المقترض) ومسؤولياته
أولًا: العلاقة القانونية: العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها علاقة بين مقرض ومقترض في بطاقة الإقراض (Credit Card)
ثانيا: المسؤوليات: مسؤولية مصدر البطاقة تجاه حاملها هو الوفاء بالتزاماته المالية، وتسديد ديونه في الحدود المتفق عليها التي تنشأ عن استخدام البطاقة.
كما أن المسؤولية الأساس بالنسبة لحامل البطاقة هو الالتزام بالاتفاقية بينه وبين مصدر البطاقة، ومن أهمها الوفاء بالتزاماته المالية، وتسديد القرض حسب المتفق عليه.
" تقتضي هذه العلاقة بين هذين الطرفين: مصدر البطاقة وحاملها، أن مصدر البطاقة (المقرض) لا يكون مسؤولًا ولا ضامنًا للبضاعة المعيبة التي يشتريها حامل البطاقة من التاجر، ولا يكون مطالبًا بحال من الأحوال من قبل المقترض بإعادة دفع القيمة إليه "(1)
غير أن المادة 75 من قانون القرض الاستهلاكي أكدت مسؤولية مصدر البطاقة عن أي نقص، أو مخالفة تحدث من قبل التاجر، ذلك أنه توجد علاقة تجارية قوية بين مصدر البطاقة والتاجر الذي قبل البيع ببطاقة الإقراض، وأن حامل البطاقة يتعامل مع مصدر البطاقة ذي السمعة الطيبة والشهرة الجيدة، فقد عقد عليه الثقة، وأنه لا يتعامل ولا يضع في قائمته إلا التاجر ذا السمعة الطيبة. (2)
" فإذا اشترى حامل البطاقة بضاعته ولم يرتح لنوعيتها أو مستوى جودتها، أو حصل على خدمة معينة بطريق البطاقة ولم يكن راضيًا عنها؛ فإن لحامل البطاقة الحق في إقامة دعوى على التاجر الذي اشترى منه تلك البضاعة، والشخص الذي حصل منه على الخدمة غير المرضي عنها، وكذلك له الحق في إقامة الدعوى على المقرض مصدر البطاقة، وعليهما أعني التاجر ومصدر البطاقة معًا ". (3)
(1) انظر: AlMelhem. A.hmed. p. 253
(2)
انظر: Almelhem ، A.Ahmed p. 253
(3)
Jones ، Sally A.، p. 118
إبرام عقد بطاقة الإقراض يفرض بعض المسؤوليات على مصدرها تجاه حامل البطاقة وهي:
أنه يكون مسؤولًا عن إصدار بطاقة للمقترض، يخوله بموجبها الحصول على السلع والخدمات، أو النقد.
لا ينص على هذا عادة في الاتفاق بينهما، ولكنه معلوم للطرفين.
يظل الإقراض مستمرًا لحامل البطاقة (المقترض) يسحب منه بالقدر المحدد له في الاتفاقية، وهو قابل للفسخ حتى يتم الإذن من قبل مصدر البطاقة.
القبول حسب الاتفاقية بين الطرفين يتحقق بإتمام حامل البطاقة المعاملة المالية مع التاجر بمبلغ أقل من القدر المحدد في الاتفاقية (1) وما زاد عليه فإن حامل البطاقة بحاجة إلى موافقة مصدر البطاقة لتلك المعاملة، فإذا حصل على موافقته فإنه لا يستطيع أن يفسخ ذلك العقد، ولا يملك رفضه بعد ذلك.
ليس من مسؤوليات مصدر البطاقة أن تتناول صلاحية إقراضه كل البضائع التي يعرضها التجار المنضمون لنظام بطاقة الإقراض الذين يقبلون بالبطاقة لتسديد قيمة مبيعاتهم ، برغم أنه يعد نقضًا للاتفاقية إذا رفض التاجر أن يقبل البطاقة في بيعه للسلعة التي يرغبها حامل البطاقة وهي متوافرة لديه.
قد يكون لاتفاقية بطاقة الإقراض بعض الملحقات التي تحدد فيها بعض المسؤوليات، وذلك عندما يكون مصدر البطاقة هو البنك الذي يتعامل معه حامل البطاقة.
تعد هذه مسؤوليات إضافية نتيجة لهذه العلاقة الخاصة، وليست العلاقة السابقة بين مقرض ومقترض.
يوجد القليل جدًا من الوعود التي يستطيع مصدر البطاقة أن يقدمها لحامل البطاقة بموجب الاتفاقية، ولكن في جميع الحالات ليس مطالبًا بزيادة القرض، وإن كان هذا يحقق له أرباحًا.
لمصدر البطاقة الحق في إنهاء العقد أي وقت شاء، وحق ملكية البطاقة، وإعادتها في أي وقت يريد. (2)
(1) وبهذا يكون مصدر البطاقة قد ضمن لنفسه أن يكون المبلغ المطلوب من صاحب البطاقة في الحدود المتفق عليها لدى ضم الزيادات والعمولات المختلفة.
(2)
انظر: Jones ، Sally A.،P.198
مسؤولية مصدر البطاقة عن أعمال وكيله بالنسبة لاتفاقية عقد بطاقة الإقراض
معلوم أن عمل شخص ما يدخل ضمنه أعمال وكيله إلا إذا ذكر نص على خلاف ذلك.
هذه هي الحالة بالنسبة لمصدر البطاقة المقرض، فهو إما أن يعمل بنفسه، أو عن طريق وكيله، أي معاملة تجارية تبرم عن طريق وكيله باسمه فإنها تعامل كما لو أنجزها هو بنفسه (1)
(1) انظر: Jones ، Sally A.،P.195
المبحث الثالث:
مسؤوليات حامل البطاقة (المقترض)
(Debtors Liability Under a Credit Card Agreement)
تقديم:
المسؤولية الرئيسة للمقترض حامل البطاقة أن يسدد القدر المتفق عليه من القرض مع مصدر البطاقة في الوقت المحدد.
الالتزام بتسديد القرض حسب المتفق عليه يمثل مصداقية حامل البطاقة، ويبرئ ذمته.
إخفاق حامل البطاقة في الوفاء بهذه الالتزامات يعد نقضًا للاتفاقية يخول مصدر البطاقة إنهاء الاتفاقية بينه وبين حامل البطاقة في بعض الحالات.
لكن هل يحق له أن يختار بين إمضاء الاتفاقية أو إنهائها؟
الجواب: أن هذا الموضوع يخضع لقواعد القانون العام وأصوله.
المهم هنا هو: تحديد مسؤولية حامل البطاقة (المقترض) عن استخدام البطاقة؟
المسؤولية متشعبة ومتعددة تعدد المستخدمين للبطاقة، إذ قد يكون استخدامها من قبل صاحبها بنفسه، أو وكيله، أو شخص غير مخول أن يستعملها، ولهذا لا بد من التعرض للنقاط التالية:
1 -
مسؤولية حامل البطاقة عن المعاملات التجارية التي يعقدها بنفسه.
2 -
مسؤولية حامل البطاقة عن استخدام وكيله لها في المعاملات التجارية التي لم يخوله صلاحية عقدها.
3 -
مسؤولية حامل البطاقة عن استخدام البطاقة من شخص غير مخول استخدامها (1)
4 -
مسؤولية حامل البطاقة أمام التاجر.
أولًا - مسؤولية حامل البطاقة (المقترض) عن استعماله الشخصي:
تنص الاتفاقات في مثل عقود بطاقة الإقراض والمعاملات المالية الأخرى على مسؤولية حامل البطاقة عن كل معاملة تنشأ نتيجة استخدامها حيث تكون العلاقة مباشرة بينه وبين مصدرها.
قد وافق حامل البطاقة منذ البداية أنه مسؤول عن تسديد كل ما هو مدون في حسابه.
(1) انظر: Jones،Sally A.177
تبدأ مسؤولية المقترض حامل البطاقة حسب نصوص الاتفاقية بمجرد استخدام البطاقة من قبل صاحبها، أو وكيله.
حامل البطاقة مسؤول عن تنفيذ كافة الشروط والمواد التي تضمنها العقد، وهو غير مسؤول عما هو خارج عنها، فقد تتضمن فرض بعض أعباء مالية: كأنْ يكون مسؤولا عن كل ما يدون في حسابه الجاري بينه وبين مصدر البطاقة، كما قد تتضمن الاتفاقية حماية مصدر البطاقة عن الخسارة التي تلحقه الناشئة عن استخدام البطاقة أو حساباتها.
يستطيع حامل البطاقة أن ينهي العقد بصورة رسمية إذا لم يكن راضيا عن خدمات المقرض (مصدر البطاقة) وذلك بإشعاره بإنهاء العقد بينهما، أو بصورة غير رسمية، وذلك بعدم استخدام البطاقة، ولكن الإجراء الأخير لا يعفيه عن مسؤولية البطاقة، بل تظل قائمة.
ما من شك أن حامل البطاقة يعتمد في صحة تدوينها على كفاءة مصدر البطاقة في صحة الحسابات ودقته وأمانته، وبرغم هذا فإنه ينصح لحامل البطاقة أن يحافظ على صور السندات والفواتير، ليراجعها مراجعة دقيقة؟ إذ ربما يلاحظ وجود بعض الأمور غير القانونية بفاتورة الحساب.
مصدر البطاقة هو المسؤول عن تسجيل حساب كافة العمليات والمعاملات التجارية التي عقدها حامل البطاقة.
ثانيًا: مسؤولية حامل البطاقة عن وكيله في استخدام البطاقة:
حامل البطاقة (الأصلي) مسؤول عن استخدام وكيله للبطاقة إذا استخدمها بحكم وكالته عنه فيما هو مخول فيه من قبله.
ليس التاجر مطالبًا بالسؤال عن مستخدم البطاقة، أهو الأصلي أو الوكيل؟ لأن القاعدة العامة: أن بطاقة الإقراض لا يفرق في استخدامها بين الموكل الأصلي والوكيل.
يعد وكيل صاحب البطاقة المخول صلاحية استخدامها بمثابة صاحبها في جميع التزامات اتفاقية بطاقة الإقراض.
قد يخول حامل البطاقة شخصًا استعمال بطاقته، والسحب من رصيده، أو يعطي الشخص المخول باستخدامها أمره لآخر لأن يستعمل بطاقة الموكل الأصلي.
لا يستطيع حامل البطاقة في الحالتين السابقتين منع البنك أن يخصم ذلك من حسابه؛ ذلك أن مستخدم البطاقة قد حصل على صلاحية استخدامها من قبل صاحبها، وقد علم البنك (مصدر البطاقة) بذلك، ولا يستطيع حامل البطاقة في هذه الحالة أن يدعي على البنك بأنه استخدام غير قانوني.
يمثل لهذا قياسًا قضية Greenwood V.Martins Bank (جرين وود ضد بنك مارتينس) عندما لم تقبل المحكمة إنكار الزوج صلاحية البنك أن يخصم من حسابه الشيكات الموقعة باسمه من قبل زوجته عندما اكتشف تزويرها لتوقيعه، حيث إنه خول البنك صلاحية الخصم من حسابه (1)
" تتمثل مسؤولية حامل البطاقة عن استخدام البطاقة من قبل وكيله في حدود الصلاحيات التي خوله فيها.
يعامل الموكِّل الأصلي والوكيل معاملة واحدة، كما لو كانا شخصا واحدًا.
تبدو المشكلة واضحة عندما يستخدم الموظف المخول صلاحية استخدام البطاقة لأغراضه الخاصة، أو الاجتماعية، أو تستخدم الزوجة المخولة استخدام بطاقة زوجها لأغراضها الشخصية.
(1) انظر: jones ، Sally A.،P.179-180
يعد حامل البطاقة مسؤولًا عن تلك التصرفات في نظر مُصْدِر البطاقة (المقرض) ، برغم أن هذا نقض صريح للاتفاقية بين حامل البطاقة ووكيله، أو بينه وبين زوجته، ولكن هذا لا يؤثر على مسؤوليته أمام مصدر البطاقة، أو التاجر.
مسؤولية إثبات تجاوز الصلاحية تقع على حامل البطاقة، وأن يثبت أن مصدر البطاقة على علم بتجاوز الحد المقرر له، المخول به إذا أراد كسب القضية.
إذا عرف التاجر أن الوكيل (مستخدم البطاقة) يتجاوز الحدود المقررة له في نص الوكالة لا يكون العقد لازمًا لحامل البطاقة (الموكل الأصلي) ، بل لا يكون ثَمّ عقد أصلًا بين التاجر ومستخدم البطاقة.
لا علاقة بين التاجر ووكيل حامل البطاقة حتى يصبح لديه علم بوكالته، وأن العقد في الحقيقة بينه وبين الموكل الأصلي حامل البطاقة. والسؤال هو:
هل للتاجر الحق في مطالبة مصدر البطاقة بالنسبة للحالة السابقة؟
يعتمد الجواب على نصوص الاتفاقية بينهما، ومن غير المحتمل أن تفرق الاتفاقية بين معاملة مالية أنجزها الموكل الأصلي، أو الوكيل، بل قد يعتمد هذا على حقائق ووقائع أخرى مثل: هل لاحظ التاجر شروطًا معينة لدى تعاقده مع مصدر البطاقة: كالسماح له بإتمام العقد عندما تتجاوز قيمة البضاعة السعر المحدد في قسم معين من إحدى المحلات التجارية؟
تنتهي مسؤولية حامل البطاقة بالنسبة لتصرفات وكيله بمجرد إخطار مصدر البطاقة وإشعاره بالمطلوب منه في مثل هذه الحالات ". (1)
(1) Jones ، Sally ، A. ، P. 180- 181 ، 186
ثالثًا - مسؤولية حامل البطاقة عن الاستعمال غير القانوني للبطاقة:
نجم عن استعمال بطاقة الشراء بالقرض وانتشارها بدلًا عن النقود مشاكل متعددة من ذلك:
قد يخول حامل البطاقة زوجه، أو زوجته، أو ابنه، أو أحد أقاربه، أو أصدقائه منح بطاقة أخرى، تابعة لحسابه وتحت اسمه، فيستعملها في شراء حاجياته، فيتجاوز في الشراء حدود صلاحية البطاقة لحاملها الأصلي، أو حدود المبلغ الذي حدده له حامل البطاقة الأصلي.
قد يشترك الزوجان في الحساب ببطاقتين صادرتين لكل واحد منهما، ثم تنفصم عرى الزوجية بينهما، ويتجاوز أحدهما في استعمال البطاقة بأكثر مما هو مخول به.
قد تتعرض البطاقة لفقدان، أو ضياع، أو سرقة، ويتم استعمالها من قبل غير أصحابها.
هذه جملة مشاكل نشأت نتيجة هذا الأسلوب الجديد في المعاملات المالية، وفي جميع هذه الحالات من هو المسؤول عن ذلك التصرف؟
هل هو البنك المصدر للبطاقة؟
هل هو العميل حامل البطاقة؟
هل هو التاجر؟
هل هو الشخص الذي استعمل البطاقة قانونيًّا بتخويله صلاحية محدودة، أو أولئك الذين استعملوها استعمالًا لم يخولوه البتة؟
لا بد أولًا من تحديد معنى (استعمال البطاقة استعمالًا غير قانوني) ثم بيان الحالات التي تقع فيها المسؤولية على حامل البطاقة وضوابط ذلك:
الاستعمال لبطاقة الإقراض وغيرها من البطاقات استعمالًا غير قانوني يكون فقط عندما لا يوجد إذن باستعمالها صراحة، أو ضمنًا من صاحبها.
ورد التحديد بهذا في قانون الإقراض الأمريكي (Tila) صراحة في العبارة التالية: الاستعمال غير القانوني هو: استعمال شخص ليس حاصلًا على إذن من صاحب البطاقة باستعمالها صراحة أو ضمنًا، لم يخول ذلك بحال، ولم تكن لصاحبها أي فائدة من ذلك ". (1)
لهذا (يظل حامل البطاقة مسؤولا عن تصرفات أي شخص يسمح له باستعمالها، إذا تعدى هذا الشخص الصلاحية لأكثر مما هو مسموح له مسؤولية حامل البطاقة (المقترض) عن استخدامها من شخص غير مخول صلاحية استخدامها، تعتمد أولًا وبالذات على ما تنص عليه الاتفاقية بينه وبين مصدر البطاقة (المقرض) .
إذا نصت الاتفاقية على مسؤوليته عن كل المعاملات التجارية التي تستخدم فيها بطاقته، وموافقته على ذلك، فمن الصعب جدًا أن يتخلص من تلك المسؤولية حتى بالنسبة للمعاملات التجارية غير المسموح بها بموجب الاتفاقية، لكن يسهل في حالة عدم النص على هذه المسؤولية أن يعني هذا حدود مسؤوليته في إطار المعاملات التجارية المسموح بها، أما في حالة النص على هذه المسؤولية فيحكم هذا شروط الاتفاقية.
(1) انظر: Solan ، lrving J،p.20،24
نص قانون الإقراض في الولايات المتحدة الأمريكية (Truth in Lending Act Tila) أن "حامل بطاقة الإقراض مسؤول عن التصرفات غير القانونية بالبطاقة بشرط أن تكون البطاقة مقبولة قانونًا في حدود خمسين دولارًا. زيادة على هذا: أن يعلم مصدر البطاقة حامل البطاقة إعلامًا كافيًا بالمسؤوليات المحتملة، ويزوده بعنوانه الكامل ليتمكن من إشعاره بالبريد المدفوع الأجرة مسبقًا في حالة فقدان البطاقة، أو سرقتها.
أن يكون حدوث الاستعمال غير القانوني قبل إشعار حاملها مصدر البطاقة بذلك. مصدر البطاقة مطالب أيضًا أن يتخذ الوسائل التي تبين بوضوح شخص حامل البطاقة القانوني المخول باستعمالها.
يتخذ حامل البطاقة الخطوات المطلوبة منه لتزويد مصدر البطاقة بالمعلومات المهمة، ثم التأكد من استلامه لتلك المعلومات بطريقة عادية معقولة.
كل هذا للتأكد من وصول المعلومات المطلوبة إلى مصدر البطاقة، وتحديد وقت وصولها إليه في الوقت المناسب.
تقع مسؤولية الإثبات على مصدر البطاقة في جميع الحالات سواء كان استعمال البطاقة قانونيًّا، أو غير قانوني فيما يريد مصدر البطاقة وضع مسؤوليته على العميل حامل البطاقة.
هذه الشروط لا تفرض على العميل أكثر من مسؤوليته في حالة استعمال البطاقة استعمالًا غير قانوني، تحت أي قانون أو اتفاقية مع مصدر البطاقة. ينبغي أن يعلم أن دفع خمسين دولارًا حسب قانون الإقراض (Tila) لدى استعمال بطاقة الإقراض استعمالًا غير قانوني عام لجميع حاملي البطاقات سواء في هذا الأفراد أو الشركات.
الشروط السابقة لا يدخل ضمنها حالة استعمال البطاقة استعمالًا غير قانوني بعلم صاحبها، أو السماح لشخص آخر باستعمالها (1)
رابعًا: مسؤولية حامل البطاقة أمام التاجر:
تنتهي مسؤولية حامل البطاقة (المقترض) لدفع قيمة مشترياته بالبطاقة من التاجر بقبولى التاجر للبطاقة ثمنًا لمبيعاته؟ إذ أنها تقوم مقام قيمة تلك المشتريات، كما لو كان الدفع نقدًا، وقد قبل التاجر بهذا بموافقته على الاتفاقية التي وقعها مع مصدر البطاقة، وحينئذ فليس للتاجر الحق بأن يرجع على حامل البطاقة المقترض إلا إذا اشترط هذا في نص العقد: أن له الرجوع على مصدر البطاقة في استيفاء مستحقاته الواجبة له في ذمة حامل البطاقة، وفي حالة إخفاق مصدر البطاقة في تسديد الدين يعود على صاحب البطاقة نفسه.
هذا ما تم الحكم على أساسه في قضية (Re- Charge Card Service Ltd، 1988) حيث قضت المحكمة: أن مسؤولية حامل البطاقة (المقترض) في تسديد قيمة مشترياته للتاجر تكون منتهية بتقديمه البطاقة للتاجر، وتدوين المعلومات المطلوبة عنها، حيث وافق التاجر على هذا منذ قبل البطاقة صيغة وأسلوبًا في تسديد قيمة مبيعاته لأصحاب البطاقات، وأن الواجب عليه التوجه إلى مصدر البطاقة الذي أبرم معه اتفاقية التسديد للمطالبة بحقوقه المالية.
(1) انظر: Solan. lrving j. p. 19
لكن ثمّت استثناء: وهو أنه إذا نصت الاتفاقية على المسؤولية المشتركة بين مصدر البطاقة وحاملها، أو أنه إذا أخفق مصدر البطاقة في إنهاء اتفاقية البطاقة في التسديد، يكون حامل البطاقة مسؤولا عن ذلك فحينئذ يصبح حامل البطاقة مسؤولا مسؤولية متساوية مع مصدر البطاقة، وطبقًا لهذا فإن التاجر لم يستلم فعلًا قيمة مبيعاته، يعني هذا أن التعامل بالبطاقة تسديدًا لقيمة المبيعات هو من قبيل التسديد المشروط (Conditional payment) .ليس مثل التسديد بالشيكات حيث يكون التسديد بها حقيقيًّا إذا صودق عليها (1)
(1) انظر: jones ، Sally A.278
المبحث الرابع
إنهاء اتفاقية البطاقة بين مصدرها وحاملها وآثار ذلك
يوجد عادة طريقان لإنهاء العقود والاتفاقات:
1 -
التنفيذ الكامل لبنود الاتفاقية والوفاء بجميع الالتزامات من قبل كافة الأطراف في الفترة المحددة. وهي النهاية الطبيعية بالنسبة لجميع العقود، فإذا تبقى شيء لم ينفذ من الاتفاقية في الوقت المحدد فإن هذا يعد نقضًا للاتفاقية.
2 -
نقض الاتفاقية من قبل أحد الأطراف.
يضاف إلى ما تقدم: أن ينص في الاتفاقية على طريقة معينة ينتهي بها العقد غير الطريقتين السابقتين، مثلًا: ينص في الاتفاق على جواز إنهاء العقد من قبل أحد الأطراف بإشعار سابق.
أحيانًا ينتهي العقد بسبب قانوني يتعلق بأحد أطراف العقد خارج عن إرادته، فلا يستطيع أن يوفي بالتزاماته القانونية حسب الاتفاقية برغم أنه ليس له الحق أن ينهي العقد، كما لو تعاقد شخص مع آخر على أداء خدمة معينة فإن موته يعد سببًا قانونيًّا لعدم الوفاء بالعقد، ومع هذا لا يعد نقضًا للاتفاقيّة، نظرًا لأن هذا يتعلق بحضوره شخصيًّا فقط، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للقرض، فإن موت المقترض لا يعفيه من دفع القرض، فالمنظور هو حالته وليس حضوره.
مما يعد أيضًا من الأسباب القانونية لعدم الوفاء بإتمام العقد وبطلانه: أن يكون التنفيذ مستحيلًا قانونًا ليس لأطراف العقد يد في ذلك، أو يقع تحت طائلة الإكراه، إذ هو سبب قانوني كاف لإبطال الاتفاقية (1)
(1) انظر: Jones Sally A.،p.218- 219
قسم قانون إقراض المستهلك الصادر عام 1974 إنهاء العقد قسمين رئيسين:
القسم الأول: أسباب ليس لها تعلق بالوفاء باتفاقية العقد.
القسم الثاني: أسباب تعود إلى عدم الوفاء بالتزامات الاتفاقية.
يحصر القانون ما له علاقة بالقسم الأول، حيث يجعل لمصدر البطاقة (المقرض) حق مزاولة إنهاء العقد بالطرق التالية:
1 -
إشعار حامل البطاقة: يوضح فيه عزمه على إنهاء العقد، معتمدًا في ذلك على مواد الاتفاقية.
2 -
إمهال حامل البطاقة مدة لا تقل عن سبعة أيام من خلال إشعار يرسل إليه بإنهاء العقد.
3 -
موت حامل البطاقة (المقترض) .
4 -
إبطال مواد الاتفاقية بما لا يتطابق مع شروط قانون حماية المستهلك، أو فرض مسؤوليات أكبر على حامل البطاقة (المقترض) مما لا يسمح بها القانون.
أما بالنسبة لأسباب القسم الثاني فالقيود الأساسية لإنهاء العقد بسببها هي كالتالي:
1 -
أن يشعر مصدر البطاقة (المقرض) حامل البطاقة (المقترض) بعدم الوفاء بالتزاماته، وأن يعطيه فرصة لتلافي النقص إذا كان ممكنًا.
2 -
إبطال أي شرط يفرض نسبة من الفوائد (الزيادات الربوية) تتجاوز النسبة المعتادة في العقود بسبب عدم وفاء صاحب البطاقة بتسديد الزيادات الربوية المترتبة على قرضه.
تحديد وقت تسديد القرض يمثل أحد العناصر الرئيسة في عقد بطاقة الإقراض، كما هو الأمر بالنسبة لبقية العقود.
قد يصرح به، وقد يفهم من إجراءات الاتفاقية، أما بالنسبة لبطاقة الإقراض بالزيادة الربوية فإنه يصرح به.
تتضمن الاتفاقية عادة المقدار الذي يجب أن يدفعه المقترض دوريًا، سواء كان التحديد بالحد الأدنى، أو مقدارًا معينًا في وقت معين.
عدم الالتزام بما تم تحديده في العقد يعد نقضًا له، لكنه لا يكون سببًا كافيًا لإنهائه من قبل المقرض (مصدر البطاقة) ذلك أن وقت الدفع لا يعد سببًا جوهريًّا لإنهائه.
يفترض أن يزاول حامل البطاقة (المقترض) حق الخيار لدفع القرض كاملًا، أو على أقساط بما في ذلك الزيادة الربوية المترتبة على القرض، وللفترة القادمة على الأقل، وللمقرض مصدر البطاقة حق فرض زيادة ربوية على حامل البطاقة بكامل القرض، ابتداء من اليوم الذي جرى الاتفاق على تسديد القرض من حين استلام فاتورة الحساب.
حامل البطاقة (المقترض) مسؤول أن يدفع زيادة ربوية شهرية على القرض، سواء كان الدفع بعد يوم، أو بعد تسعة وعشرين يومًا من حين استلام فاتورة الحساب.
إذا لم يتم تسديد الفاتورة السابقة فإنها تضم للشهر الذي يليه مضافا إليها زيادة المبلغ الذي لم يتم تسديده، وتكون مساوية لتلك التي تحسب شهريًّا على القرض، سواء دفع المقترض الحد الأدنى المطالب به أو لا.
لا يستطيع مصدر البطاقة (المقرض) أن يرفع نسبة الزيادة الربوية بتاتًا ما دام أن الاتفاقية من النوع العادي حسب قانون حماية المستهلك الصادر عام 1974 حتى ولو لم يوف المقترض بالتزاماته.
غير أن هذا لا يمنع المقرض مصدر البطاقة من مزاولة حقوق أخرى، مثل المطالبة بدفع القرض كاملًا مباشرة، أو سحب البطاقة من حاملها، كما أن له الحق أن يبعث له إشعارًا يطالبه فيه بالدفع عند عدم التسديد، وإعطائه مدة كافية لذلك، فإذا انتهت المدة ولم يقم حامل البطاقة (المقترض) بالتسديد حينئذ يحق لمصدر البطاقة (المقرض) أن يعد هذا نقضًا للشروط المتفق عليها، وينهي بذلك العقد بينهما.
في جميع الحالات لا يسمح للمقرض أن يطالب بأكثر من نسبة الزيادة المذكورة في العقد، حتى ولو لم يوف المقترض بالتزاماته.
يحق للمقرض مصدر البطاقة أن يطالب بالتسديد للقرض مع الزيادة الربوية حامل البطاقة (المقترض) قبل الموعد المحدد، كما لو كان مقرضًا في نفس الوقت إذا حدث نقض للاتفاقية من قبل حامل البطاقة (المقترض)(1)
قد أصبح من المعلوم قانونًا: " أن تأجيل الدفع يمثل نقضا للاتفاقية، وليس على المقرض مصدر البطاقة أن يصبر على ذلك، بل أن مزاولة حقوقه المشروعة في ذلك لا يعد تغييرًا للاتفاقية حسب قانون إقراض المستهلك الصادر عام 1974، إذ لا بد من تطبيق الاتفاقية بحذافيرها ". (2)
يضاف إلى ما تقدم: أن مصدر البطاقة يحتفظ لنفسه غالبًا بحق فسخ العقد وإنهائه في أي وقت يريد.
من الطبيعي حينئذ أن يستعيد البطاقة، وأن يحرم حاملها من حق الاستفادة من التسهيلات التي منحها إياه (3)
اتفاقية بطاقة الإقراض تقدم قرضًا مستمرًا عادة تكون نهايته مفتوحة (Open Card) فلا يأتي إنهاء اتفاقيتها حسب الطريق الأول وهو التنفيذ الكامل لبنود الاتفاقية (4) ولكن معظم اتفاقياتها يتضمن شرطًا لإنهاء العقد، وذلك بطريق إشعار سابق بذلك من أحد أطراف العقد، وإذا لم يشترط هذا فينص عليه في العقد، كل طرف يشترط هذا لنفسه يزاول حقه في ذلك، ولا يعد نقضًا له، كما يخول القانون العام إنهاء هذا العقد من دون إشعار سابق باعتباره حقًّا للطرفين.
لحامل البطاقة الحق في إنهاء العقد بعدم استخدامها، مثلما أن لمصدر البطاقة الحق في عدم تقديم قرض له لم يتم الاتفاق عليه سابقًا (5)
أخيرًا: "إن أي إنهاء للعقد ليس مذكورًا في مواد اتفاقية العقد يعد نقضًا للعقد، وهذا بدوره يخول الطرف المتضرر المطالبة بالعوض المعتاد ". (6)
آثار انتهاء عقد البطاقة:
إذا زاول أحد الطرفين: مصدر البطاقة، أو حامل البطاقة حقه في فسخ العقد وإنهائه فإن هذا يثبت القرض كاملًا في ذمة حامل البطاقة، وعليه أن يسدد مصدرها بما توجب عليه من مبالغ من خلال استخدامه البطاقة، فإن أخفق في التسديد فلمصدر البطاقة إقامة دعوى عليه، ومطالبته بذلك. ومعلوم أن حامل البطاقة هو الشخص المسؤول عن استخدام أي شخص آخر للبطاقة في شراء احتياجاته من السلع والخدمات أو السحب النقدي. (7)
(1) انظر: Jones ، Sally A.، p.226 ، 230
(2)
انظر: Jones ، Sally A.،p.169
(3)
انظر: Jones. Sally A.، p. 82
(4)
انظر: Jones ، Sally A.، p. 218- 219
(5)
انظر: Jones ، Sally A.،p.220-221
(6)
انظر: Jones ، Sally A.،P.221
(7)
انظر: Jones. Sally A.، p. 290- 293
المبحث الخامس:
العلاقات والمسؤوليات بين مصدر البطاقة والتاجر
علاقة مصدر البطاقة بالتاجر:
العلاقة بين هذين الطرفين علاقة تجارية محضة، يعمل كل واحد منهما بطريقة مستقلة، ولمصلحته الخاصة (1)
من الجوانب المهمة في عقود بطاقات المعاملات المالية تكييف
علاقة التاجر الذي التزم التعامل بالبطاقة مقابل النقد حسب الاتفاق بينه وبين مصدر البطاقة (البنك) ، إذ أنه لا يقبض الثمن من المشتري (حامل البطاقة) لكن يسجله على مصدر البطاقة.
يبدو في ظاهر الأمر أن العلاقة بين التاجر ومصدر البطاقة علاقة دائن (التاجر) بمدين هو (البنك مصدر البطاقة) ، حيث يتوقع أن يحصل التاجر على قيمة مبيعاته مباشرة، وهو ما لم يحدث حسب موافقته على منح وقت لمصدر البطاقة يتم فيه التسديد.
لكن من جهة أخرى يمكن القول:
أن التاجر لم يمنح مصدر البطاقة تأجيل التسديد، ذلك أن الفترة بين إتمام الإجراءات المطلوبة لاكتمال سندات البيع وإرسالها إلى مصدر البطاقة لفحصها ضرورية لتسديد حقوقه، وليست مهلة يتيحها لمصدر البطاقة، ولذا فإنه لا يوجد حقيقة دين.
كما أنه ليس من شروط العقد وأركانه تأجيل الدفع بالمعنى المعروف في عقود الدين، فإن إجراءات العقد وشروطه بين التاجر ومصدر البطاقة تختلف تمامًا عن ذلك الذي يتم بين حامل البطاقة ومصدرها. متى تمت الإجراءات المطلوبة لإرسال وثائق البيع وسنداته حسب الطريقة المتفق عليها صحيحة سليمة، فإن البنك مصدر البطاقة يقوم بتسديدها لحسابه مباشرة دون تأخير.
(1) انظر: Jones ، Sally A.،p.279
نتيجة لهذا فإن مثل هذا لا يدخل فيما يسمى دَيْنًا، ولو اعتبرناه قرضًا فإنه ليس قابلًا للدفع حتى تكتمل تلك الإجراءات، وتتوافر لسندات البيع كافة الشروط المطلوبة لدفع قيمتها، ولدى اكتمالها يكون الدفع مباشرة دون تأجيل، إذ أن التأجيل هو معيار ما يسمى قرضًا (1)
أما إذا تم عقد بين التاجر ومصدر البطاقة، بحيث يكون الأول (التاجر) دائنًا للثاني (مصدر البطاقة) بما لا يدخل تحت عقد البطاقة، وهو ما يكون غالبًا بين الشركات والبنوك، فإن مثل هذا لا ينطوي تحت قانون إقراض المستهلكين البريطاني الصادر عام 1974، بل هو خارج عن إطارها مستقل عنها. (2)
إن القانونين الإنجليزي والأمريكي لم يحددا علاقة مصدر البطاقة بالتاجر في عقد البطاقة، وإنما جعلا حرية التعاقد هي التي تحكم قضاياهما بموجب الاتفاق المبرم بينهما. (3)
من جهة أخرى: غالبًا ما يعطي التاجر توكيلًا للبنك يخوله صلاحية السحب من حسابه الخاص للمبالغ المطالب بها مثل استرجاع قيمة السندات غير الصحيحة، أو قيمة البضائع المعادة إليه، يعطي التاجر فرصة النظر في البيانات المقدمة له، وابقائها لديه للتأكد من صحتها مدة ثلاثة أشهر، وهي القاعدة العامة المتبعة في كل من أمريكا وبريطانيا. (4)
قد يكون التاجر وكيلًا لمصدر البطاقة، وقد يكون العكس. يعتمد هذا في المقام الأول على نصوص الاتفاقية بينهما.
إذا أصبحت العلاقة بين التاجر ومصدر البطاقة علاقة وكالة، بمعنى أن التاجر أصبح وكيلًا لمصدر البطاقة فأي معاملة تجارية يتمها التاجر بهذه الصفة مع حامل البطاقة المقترض يصبح العقد مكونًا من طرفين هما: مصدر البطاقة (المقرض) وحامل البطاقة (المقترض) .
كذلك قد يكون مصدر البطاقة وكيلًا للتاجر، حينئذ فأي اتفاقية قرض تتم بين مصدر البطاقة بهذه الهيئة، وحامل البطاقة (المقترض) تصبح في الحقيقة عقدًا بين التاجر وحامل البطاقة (المقترض) . (5)
(1) انظر: Jones ، Sally A.،p.78
(2)
انظر: Jones ، A.،Sally A.، p79- 357
(3)
انظر: Jones ،A.، Sally A.، P79- 357
(4)
انظر: Al- Melhem. Ahmed A،p.396
(5)
انظر: Jones. Sally A.،279
الإجراءات المطلوبة من التاجر للبيع بالبطاقة:
يزود مصدر البطاقة التاجر وبصورة دقيقة بالتعليمات والإجراءات المطلوب إتباعها منه عندما يتقدم حامل البطاقة لشراء بضاعة منه، أو الحصول على خدمة معينة.
كما يزوده بسندات البيع ذات البيانات المهمة الخاصة، وآلة الختم المائي (الضغط) وبعض الأدوات القرطاسية.
ينبغي للتاجر في البداية التأكد من صلاحية البطاقة وأنها ليست ضمن قائمة المحظور التعامل بها، إذ يزود التجار عادة وبصورة مستمرة بأرقام مثل هذه البطاقات، وقائمة يذكر فيها اسم حامل البطاقة وشخصيته طبقًا للمعلومات المدونة على البطاقة، فإذا كان مقدم البطاقة امرأة في حين أن البطاقة نفسها تبين أنه رجل حقيقة، فعلى التاجر أن يرفضها ولا يجوز له أن يتعامل بها.
بعد التأكد من حقيقة حاملها تتم إجراءات البيع وفق الخطوات التالية:
أولًا: يضع التاجر البطاقة فوق الآلة المخصصة للطبع على السند
في المكان الصحيح.
ثانيًا: يستعمل الآلة لطبع المعلومات المدونة على البطاقة على سند البيع.
ثالثًا: يخرج التاجر السند من الآلة، ويملأ البيانات المدونة عليه بكتابة واضحة.
رابعًا: يطلب التاجر من حامل البطاقة التوقيع على السند في المكان المخصص.
خامسًا: يفحص التاجر التوقيع، ويتحرى مطابقته بتوقيعه الموجود على البطاقة.
سادسًا: أخيرًا على التاجر أن يتأكد أن المعلومات المدونة على سند البيع واضحة وكاملة على الصور الأربع، ثم إعطاء حامل البطاقة الصورة العليا من صور السندات، ورد البطاقة لصاحبها، وتسليم البضاعة المباعة له.
في حالات خاصة يطلب التاجر من مصدر البطاقة إعطاءه صلاحية الإذن بالبيع بها إذا تجاوزت قيمة المبيع المبلغ المحدد للاقتراض، فإذا أعطي الصلاحية بالبيع يزود برقم خاص، يدونه على السند في الفراغ المخصص لذلك، وفي حالة رفض الطلب يزود التاجر ببعض التعليمات والنصائح التي ينبغي له العمل بها (1)
(1) انظر: Al-Melhem ، Ahmed ، A. p.381- 383
إجراءات تصفية سندات المبيعات:
بعد تمام هذه الإجراءات واكتمالها يبعث التاجر بمجموع سندات المبيعات في الوقت المحدد له إلى المنظمة الخاصة بالبنوك المصدرة للبطاقات، المؤسسة لغرض تصفية حسابات التجار ومعاملاتهم من خلال البطاقة، حيث أن هذه المنظمة، أو الجمعية هي المسؤولة عن ذلك بالنسبة لبطاقات الإقراض المؤجل الدفع، باتفاق من مصدري البطاقة والبنوك المتعاملة معهم، حيث تقوم بنفس العمل الذي يقوم به قسم تصفية حساب الشيكات.
تسجل هذه الجمعية لحساب التاجر الذي أودع لديها سندات البيع بالبطاقة قيمة المشتريات مباشرة بعد خصم عمولة البنك، وربما أجلت الخصم حتى تقديم بيان الحساب الشهري لحامل البطاقة للتأكد من عدم الاعتراض عليها من قبله.
وفي كلتا الحالتين فإن هذه الجمعية ستصفي حساب سندات البيع مع البنك المصدر للبطاقة ليخصم من حساب حاملها. (1)
" يزود التاجر شهريًّا ببيان من قبل البنك المصدر للبطاقة يوضح فيه حسابه الشهري، يحتوي هذا البيان على التالي:
المجموع الكلي ملخصًا لكافة ما أودعه من سندات مبيعاته، وما تمثله من مبالغ، والخدمات المحسومة لحساب البنك، وحساب المكالمات التلفونية لمصدر البطاقة لطلب السماح بالبيع بالنسبة للبطاقات التي تجاوزت الحد الأعلى للقرض المحدد له ". (2)
(1) انظر: Al-Melhem، Ahmed ، A.p.100-101
(2)
Al-Melhem، Ahmed A.،p.396
السندات المقبولة والأخرى المرفوضة:
سندات البيع الكاملة التي استوفت كافة الإجراءات المرسومة المطلوبة من التاجر تصبح واجبة التسديد من قبل مصدر البطاقة مباشرة، ومن دون مراجعة التاجر والرجوع عليه إذا لم يدفع قيمتها حامل البطاقة، إلا في حالات استثنائية معينة يحددها العقد بين البنك المصدر والتاجر، التي غالبًا ما توضع في صيغة غامضة، وأسلوب غير واضح بغرض حماية مصدر البطاقة في النهاية. ولكن يمكن أن يقال بشكل عام:
يحق للبنك المصدر للبطاقة أن يجعل التاجر هو المسؤول في الحالات التالية:
1 -
إذا تم عقد البيع مع حامل بطاقة يثبت عدم قانونيتها.
2 -
إذا كانت البطاقة ضمن قائمة البطاقات الممنوع اعتمادها، والقائمة الأخرى المنتهية المدة، ولم تجدد.
3 -
عندما يكون السند غير موقع من حامل البطاقة نفسه، الذي اشترى البضاعة، أو من خوله صلاحية استعمالها.
4 -
في الحالة التي لا يوفي فيها البائع بتسليم البضاعة لمشتريها حامل البطاقة.
5 -
في حالة عدم وفائه بالضمان أو مطابقة المواصفات المطلوبة، أو حالات الغش.
6 -
بيع بضاعة يزيد ثمنها على القرض المقرر من قبل البنك المصدر لحامل البطاقة من دون أخذ إذن سابق بذلك.
يعد التاجر مسؤولًا أمام البنك في جميع الحالات السابقة، ويحتفظ البنك نتيجة ذلك بحق رفض سندات المبيعات للتاجر.
يضاف إلى ما تقدم من إجراءات أن البنك يجمع كافة السندات المتعلقة بحامل البطاقة، ونسبة الزيادة الربوية على الدَّين المتفق عليها بين حامل البطاقة والبنك المُصْدِر، ليحصل مصدر البطاقة على التعويض عن هذه الخدمات بالخصم من المبالغ التي تمثلها سندات البيع المسلمة من قبل التاجر. (1)
(1) انظر: Sloan ، Irvings.j،P.7;Jones Sally A.،p.275
عمولة مصدر البطاقة من التاجر: (Creditors Commission)
من أهم ما تحتوي عليه الاتفاقية بين مصدر البطاقة والتاجر عنصران مهمان:
الأول: الاتفاق على نسبة العمولة التي يخصمها مصدر البطاقة من قيمة مبيعات التاجر لدى تسديده.
الثاني: الحد الأعلى للقيمة التي يبيع بها التاجر لحامل البطاقة لدى استخدامها.
أما بالنسبة للعنصر الأول فإن مصدر البطاقة يفرض لصالحه نسبة معينة موحدة لجميع المعاملات التجارية التي يستلم التاجر قيمتها منه لدى تسليم سندات مبيعاته، ويستلم قيمتها، أو تحول على حسابه، مخصومًا منها العمولة التي تم الاتفاق عليها.
تختلف نسبة العمولة المفروضة على التجار من قبل مصدري البطاقات، كما تختلف بين مصدر البطاقة الواحدة وعملائه التجار أحيانًا، تتراوح النسبة بين 1 % إلى 5 %.
قد تنخفض نسبة العمولة التي يتقاضاها مصدر البطاقة من المحلات التجارية الكبيرة، حيث تكون أرقام المبيعات مرتفعة جدًا، والتوقعات كبيرة.
من السياسات الاقتصادية التي ينتهجها مصدرو البطاقات فرض نسبة متفاوتة على قيمة المبيعات، بحيث يراعى ما يدر منها ربحًا عاليًا على التاجر، فترتفع نسبة العمولة عليه، وما كان منها محدد السعر والربح رسميًّا فتنخفض النسبة عليه، مثل البترول ومشتقاته.
برغم أن التاجر يستحق كامل قيمة مبيعاته التي باعها على حامل البطاقة، لكن هذا لا يعد خرقًا للقانون، أن يدفع مصدر البطاقة للتاجر مقدارًا أقل من المبلغ الذي يستحقه لكن أصبح هذا معترفًا به، ومقبولًا قانونًا من مدة طويلة.
إن الدفع من طرف ثالث أقل من القيمة المستحقة بالعقد مقبول وكافي في تسديد الدين، خصوصًا في بطاقات الإقراض تبعًا للاتفاق بين مصدر البطاقة والتاجر، حيث يكون مسؤولًا وملزمًا بالتسديد. (1)
أما العنصر الثاني فهو ما ينبغي أن يتحراه التاجر، ولا يسمح بتجاوزه إلا بعد الإذن من مصدر البطاقة كما تنص عليه الاتفاقية، وهو الأمر الذي يجب أن لا يفرط أو يتهاون فيه، وهو يتحمل مسؤوليته إذا ثبت تجاوزه له بدون إذن.
(1) انظر: Jones ، Sally A.، p.276
فوائد المحلات التجارية من الانضمام إلى منظومة البطاقات البنكية:
أصبح ضروريًّا للتاجر في الوقت الحاضر أن يشترك في منظومة الشركات والمؤسسات التي تصدر البطاقات البنكية للمعاملات التجارية، ولو في واحدة منها فقط، ليظهر على قدم المساواة أمام زملائه من التجار، وعليه أن يقبل بالبطاقة في مبادلاته المالية والتجارية، وإن كان هذا صعبًا بالنسبة لأصحاب المحلات التجارية الصغيرة الذين لا يستطيعون الحصول على تخفيض نسبة العمولة التي يخصمها المصدر للبطاقة على قيمة مبيعاتهم. يحصل التاجر على فوائد عديدة من خلال اشتراكه في نظام البطاقة بكونه بائعًا يوفر السلع والخدمات لحاملي البطاقة، منها المأمول ومنها المتحقق، وهي:
1 -
زيادة مبيعاته، ونمو تجارته.
2 -
تفاديه للمشاكل الأمنية الناجمة عن توافر النقد في محله، فهو يتعامل بأقل مقدار من النقد العيني، وفي مستوى قليل جدًّا، إذ أن توافرها مغر بالسطو من قبل السراق والعصابات.
3 -
ضمان الحصول على حقوقه وقيمة مبيعاته كاملة إذا تم البيع ببطاقة صحيحة وإجراءات سليمة. في حين أن التسديد بالشيك مضمون بنكيًّا في حدود خمسين جنيهًا فقط، بينما حدود قرض البطاقة أعلى كثيرًا.
4 -
حصوله على قائمة كاملة، وإحصائية وافية للمبيعات، والمعاملات التي أنجزها خلال كل فترة، الأمر الذي يجعله قادرًا على تقدير أرباحه وخسائره. (1)
(1) انظر: Jones ، Sally A.، p.15
5 -
تمنح التاجر فرصة تقديم دين لأشخاص لو لم يكونوا من حاملي البطاقة لما قدم لهم تلك التسهيلات، نظرًا لأن حقوقه مضمونة (1)
أسباب نقض الاتفاقية من قبل التاجر وآثاره:
من الأسباب التي تعد نقضًا للاتفاقية من قبل التاجر:
أولًا: رفض التاجر قبول بطاقة الإقراض، لتحصيل قيمة البضاعة المشتراة من قبل حامل البطاقة، من دون سبب قانوني، إذ أن القضاء الإنجليزي في قضية:(Re- Charge Card Services Ltd 1988) حكم بأن الدفع ببطاقة الإقراض مساو تمامًا للتسديد النقدي.
لذا فحين يكون للتاجر استحقاق نقدًا لدى حامل البطاقة يصبح استخدامها لهذا الغرض مساويًا ومماثلًا له، برغم أنه يأخذ استحقاقه من مصدر البطاقة بمقدار أقل من السعر الذي باع به، إذ يخصم مصدر البطاقة عمولته من كامل القيمة
…
ثانيًا: التمييز بين البيع بالنقد، والبيع ببطاقة الإقراض. (2) بمعنى أن يكون سعر البيع بالبطاقة أعلى من سعر البيع نقدًا.
نقض الاتفاقية من قبل أحد الأطراف يمنح الآخر الخيار في إنهاء العقد، ولا يمثل اختياره هذا نقضًا للاتفاق من قبله. (3)
* * *
(1) انظر: Al-melhem ، Ahmed ، A.p.60-61- 64
(2)
انظر: Jones ، Sally A.،p.160 ، 220-221-
(3)
انظر: Jones ، Sally A.،p.160 ، 220-221
القسم الثاني
عقود البطاقات البنكية في الفقه الإسلامي
التكييف والعلاقات
الفصل الأول
عقد الإقراض في الفقه الإسلامي
والبطاقات البنكية
الفصل الثاني
العلاقات بين أطراف عقد البطاقات البنكية
بالنسبة للتسديد والخصم
الفصل الأول
عقد الإقراض في الفقه الإسلامي
والبطاقات البنكية
المبحث الأول: عقد الإقراض في الفقه الإسلامي، وتطبيقه على بطاقات الإقراض.
المبحث الثاني: الشروط في عقود البطاقات البنكية.
المبحث الثالث: آثار الشروط الباطلة على صحة عقود البطاقات البنكية.
المبحث الأول:
عقد الإقراض في الفقه الإسلامي وتطبيقه على بطاقات الإقراض (Credit Card)
التكييف الفقهي:
عقد البطاقات البنكية، بأقسامه وأنواعه وإجراءاته وأهدافه عقد جديد على الفقه الإسلامي، لا يندرج في صورته الكلية تحت عقد واحد من عقود المعاملات الشرعية المعروفة في المدونات الفقهية، حيث تتعدد الأطراف، وتتنوع العلاقات والالتزامات، وتتباين الأقسام والأنواع.
من الصعب تكييفه في صورته الكلية بعقد واحد: حوالة، أو جعالة، أو ضمان، أو وكالة. أو عقدين معًا: كالوكالة والكفالة، الوكالة والجعالة.. إلى آخر ما ذهب إليه خبراء مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة (1)
إذا صح تصوير عقد بطاقة الإقراض وتكييفها بواحد من تلك العقود من جانب، فإنه يختل من طرف وجانب آخر لا يسلم لصاحبه، إذ من غير الممكن تنزيل صورة كلية مركبة متشعبة متعددة الأطراف والاتفاقات والأغراض على عقد واحد له تكوين معين، وشكل لا يختلف، وما يقال عن عقد بطاقة الإقراض (Credit Card) يقال بالمثل عن غيره من عقود البطاقات الأخرى.
(1) انظر البحوث والمناقشات حول هذا الموضوع في: مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة السابعة، العدد السابع، عام 1412 هـ/ 1992 م، جـ1، ص 359 - 382
أصبح من الضروري تصنيف أقسامه حسب تنوع مضامين كل قسمٍ ونوعٍ فيه، ثم تحليل كل واحد منها وتركيبه، واتفاقاته المتعددة في داخله، فمن ثم تتكشف جوانب كل عقد، وتتضح رؤيته، فيسلم تكييفه.
عقد البطاقة البنكية في جميع أقسامه وأنواعه باستثناء بطاقة شراء التجزئة (Retailer Or In House Cards) يتضمن ابتداء عدة عقود، كل واحد منها عقد مستقل في أطرافه ومسؤولياته، والتزاماته المالية والشرعية عن العقد الآخر، وإن كانت لا تظهر آثاره كاملة إلا بإكمال كل عقد وتفصيله في إطاره الخاص، لتتفاعل معه الأطراف الأخرى حسب موقعها من العقد الأساس، فتؤدي وظيفتها في صورة كاملة.
هذا ما تم عرضه والتعرف عليه في حقل الدراسة القانونية السابقة.
خلاصة ذلك أن العقود التي تضمنها عقد البطاقة هي:
1 -
عقد بين مصدر البطاقة وحاملها.
2 -
عقد بين مصدر البطاقة والتاجر.
3 -
عقد بين التاجر وحامل البطاقة.
4 -
عقدان منفصلان بين طرفين، يكون مصدر البطاقة مشتركًا في كل عقد.
لكل طرف من هذه العقود المتضمنة في عقد البطاقة شخصيته الفقهية المستقلة فيه بحسب تكييف ذلك العقد وموقعه منه، إذ لا يوجد ما يمنع فقهًا تعدده، وتنوعه في الشخص الواحد بحسب تنوع الجهة ونسبته إليها، وانفكاكها عن الجهات الأخرى، من هذا على سبيل المثال: مصدر البطاقة له علاقة فقهية مستقلة بحامل البطاقة، كونه مقرضًا من جهة، إذا اعتبر العقد عقد إقراض، وضامنًا من جهة ثانية إذا ضمن حق البائع من مقرضه، ووكيلًا من جهة ثالثة إذا وكله المقترض في دفع ما توجب عليه بالبيع دون تعارض أو تضارب، فلكل عقد شرعي مسؤوليته وآثاره.
حامل البطاقة علاقته الفقهية القانونية بمصدر البطاقة تختلف عن علاقته مع التاجر، ومسؤولياته متنوعة ومتعددة.
علاقة التاجر لها وضع شرعي قانوني مع حامل البطاقة، وعلاقة شرعية قانونية مع مصدر البطاقة مختلفتان ومتباينتان.
يتعدد التكييف الشرعي للطرف الواحد مع طرف معين في العقد لأكثر من علاقة شرعية واحدة باعتبارات مختلفة، ولكل واحد من هذا التكييف وتلك العلاقة آثاره الشرعية المختصة به دون تداخل أو تضارب.
هذا التعدد في التكييف الفقهي للطرف الواحد في العقد الواحد من حيث اختلاف الجهة وانفكاكها أمر مسلم في الفقه الإسلامي، بل من بدهياته، يقرر هذا الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد المقري في القاعدة (306) : " قاعدة: أصل مالك اعتبار جهتي الواحد فيقدر اثنين. فلذلك يتولى طرفي العقد في النكاح والبيع، ويرث الأب مع البنت بالفرض والتعصيب، ويشفع من نفسه
…
وعلى هذا القياس: يؤخذ من الشخص الواحد باعتبار غناه، ويرد عليه باعتبار فقره، أو يترك له، ويقدر الأخذ والرد كالمقاصَّة
…
". (1)
بهذه الدراسة التحليلية يمكن التوصل إلى النتيجة، أو النتائج المطلوبة إن شاء الله.
يتناول البحث فيما يلي تكييف هذه العقود تكييفًا شرعيًّا، ثم بيان علاقة أطرافه ببعضهم في كل اتفاقية بصورة مستقلة.
سبق في الدراسة القانونية تقسيم بطاقات المعاملات المالية إلى قسمين، بطاقات إقراض، وبطاقات غير إقراض، تقتصر الدراسة هنا على بطاقات الإقراض الثلاثة:
1-
بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (Credit Card)
2 -
بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة (Charge Card) .
3 -
بطاقة شراء التجزئة أو الداخلية (Retailar Card) .
(1) القواعد، الطبعة الأولى، تحقيق ودراسة أحمد بن عبد الله بن حميد (مكة المكرمة: معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى) ، ج 2، ص 538؛انظر بعض النصوص الفقهية في هذا الموضوع، ص 654 - 655 من هذا البحث
تنتمي هذه البطاقات الثلاث إلى عقد الإقراض، حيث أن العقد في كل منها يتم بين مصدر البطاقة وحاملها على أساس تقديم الأول للثاني قرضًا ماليًّا من النقد، حسب اتفاقية وشروط يوافق عليها الطرفان.
العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها في أنواع هذا القسم هي علاقة مقرض يتمثل في مُصدر البطاقة، ومقترض هو حامل البطاقة.
هذا التكييف لعقد بطاقة الإقراض والعلاقة بين طرفيه المُصدِر لها وحاملها هو الذي يشهد به الواقع، وتعترف به الهيئات الرسمية القانونية، والمالية، والاقتصادية المؤسسة لنظام البطاقات. القائمين على تطويره وانتشاره، والمزاولين لحقوقه وقضاياه عقودًا عديدة من السنين، تجري به أحكامهم، وتفض على أساسه منازعاتهم.
ينزل هذا التكييف على عقد الإقراض في الفقه الإسلامي، فمن ثم يفحص واقع هذا القسم من البطاقات على أساس أحكامه وقواعده، ومقاصده.
التعريف والأركان:
قد تقرر أن العقد في هذا القسم من البطاقة هو عقد إقراض، لهذا العقد في الفقه الإسلامي خصوصياته، يتعرض البحث هنا لبعض الجوانب المهمة فيه للتعريف به أولًا.
القرض في اللغة مصدر وهو: " ما تعطيه الإنسان من مالك لتتقاضاه، وكأنه شيء قد قطعته من مالك ". (1) وشرعًا: " دفع المال على جهة القربة لينتفع به آخذه، ثم يتخير في رده مثله أو عينه على ما كان على صفته ". (2)
ورد في تعريف الإقراض السابق بأنه " دفع مال " في عقد الإقراض هو موضوع هذا العقد، وهو الأساس في عقد بطاقة الإقراض. تعني كلمة " المال " في التعريف الشرعي: " كل ما يملكه الفرد، أو تملكه الجماعة من متاع، أو عروض تجارة، أو عقار، أو نقود، أو حيوان. (3) برغم إيجاز التعريف الشرعي لعقد الإقراض فقد شمل كافة المواد العينية التي جاءت في التعريف القانوني لبطاقة الإقراض وأغراضها في فقرتي (أ، ج)(4)
القرض بمعنى المال المدفوع للمقترض يشترط لصحته أن يكون مما يصح بيعه من الأعيان التي يضبط قدرها وصفتها بالطرق المعتادة بين الناس، وكذلك المنافع فإن "ما جاز قرضه جاز قرض منفعته ". (5)
بهذا يتضح أن التعريف الشرعي للقرض عام شامل لكل ما ذكر مما يسمى (مالًا) في التعريف بـ (البطاقة البنكية) من هذا البحث (6)
" الاقتراض: أخذ المال على جهة القرض.
المقرض: الدافع للمال.
المقترض: (المستقرض) الآخذ المال.
بدل القرض: هو المال الذي يرده المقترض إلى المقرض عوضًا عن القرض. (7)
" الدين: ما وجب في الذمة بعقد أو استهلاك، وما صار في ذمته دينًا باستقراضه "(8)
(1) ابن فارس، أبو الحسين، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون (بيروت: دار الفكر) ، مادة (قرض) : ج 5، ص 71
(2)
ابن شاس، جلال الدين عبد الله، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد أبو الأجفان، وعبد الحفيظ منصور، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1415 هـ/ 1995 م) ، ج 2، ص 565، تعريفات المذاهب الثلاثة الأخرى للإقراض وإن اختلفت في الألفاظ فإنها متفقة في المعنى ، التعريف هنا هو أحد التعريفات المختارة من المذهب المالكي، في المذهب الحنفي:"عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي، لآخر ليرد مثله ". ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، (ببروت: دار الكتب العلمية) ، جـ4، ص 671.، في المذهب الشافعي: (تمليك الشيء برد بدله، الهيتمي، شهاب الدين أحمد بن حجر، تحفة المحتاج، (بيروت: دار الفكر) ، ج 5، ص 36، في المذهب الحنبلي: "دفع مال إرفاقًا لمن ينتفع به ويرد بدله ". البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات، (المدينة المنورة: المكتبة السلفية) ، ج 2، ص 224.
(3)
أبو حبيب، سعدي، القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، الطبعة الأولى، (بيروت: دار الفكر عام 1452هـ/ 1982 م) ، مادة (المال) ، ص 344
(4)
انظر في هذا البحث: قسم الدراسة القانونية (بطاقات المعاملات المالية (التعريف والمصطلحات للبطاقات البنكية) ، ص 595 - 596
(5)
الشرواني، عبد الحميد، حاشية على تحفة المحتاج، (بيروت: دار الفكر) ، ج 5، ص 42 لا يرى الحنابلة قرض المنافع، وعللوا هذا بأنه لم تكن عادة جارية بذلك، وقد أجاز هذا شيخ الإسلام ابن تيمية؛ انظر: البهوتي، كشف القناع: 3/ 314؛ القاري، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، ومحمد إبراهيم علي، (جدة: تهامة، عام 1401هـ/ 1981 م) ، التعليق رقم (4) ص 270
(6)
ص 595
(7)
القاري، أحمد بن عبد الله، كتاب الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، المادة (723، 724، 725) ، ص 268
(8)
ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار: ج 4، ص 671
أركان عقد الإقراض في بطاقات الإقراض:
العاقدان - الإيجاب والقبول - العوض.
العاقدان: في عقد بطاقة الإقراض هما: المقرض (مصدر البطاقة) ، والمقترض (حامل البطاقة) ، يشترط فيهما ما يشترط في العاقدين في باب البيع من الأهلية والرشد، يضاف إلى هذا بالنسبة لكل واحد منهما بعض صفات وخصائص تختص بالإقراض.
بالنسبة للمقرض: أهلية التبرع؛ " لأن في الإقراض تبرعًا فلا يصح إقراض الولي مال المحجور عليه من غير ضرورة ". (1)
أما المقترض (حامل البطاقة) فـ " ينبغي له أن يعلم المقرض بحاله، ولا يغره من نفسه، ولا يستقرض إلا ما يقدر أن يؤديه، إلا الشيء اليسير الذي لا يتعذر مثله عادة لئلا يضر بالمُقرض ". (2)
هذا ما يحاول مصدر البطاقة تحريه وتتبعه من طالب الحصول على بطاقة الإقراض (Credit Card) .
الإيجاب والقبول: متحققان في عقد بطاقة الإقراض من خلال اتفاقية العقد بموافقة البنك المصدر للبطاقة إيجابًا منه، والقبول باستخدام حامل البطاقة لها، أو توقيعه عليها أو غير ذلك مما يدل على قبوله.
ذلك أن الإيجاب والقبول في الشريعة الإسلامية يتحقق بكل قول، أو فعل، أو قرينة تدل على معنى القرض والسلف، وتؤدي معناه.
العوض في عقد بطاقة الإقراض: هو (القرض) .
القرض: المال المدفوع لحامل البطاقة، متحقق في المبلغ الذي يخول مصدر البطاقة حاملها استخدامه في الحصول على احتياجاته، هذه الصلاحية الناشئة عن الاتفاقية وتوقيع العقد من قبل الطرفين هي تمليك لحامل البطاقة للقدر المعين من القرض، وهو الثابت فقهًا في المذهب المالكي:" يملكه المقترض بالعقد، وإن لم يقبضه المقترض ". ذلك " لأنه لا يتوقف على الحوز ". (3)
الإقراض في عقد البطاقة تخلية مصدر البطاقة بين المقترض (حامل البطاقة) ومقدار القرض، يستفيد منه في الوقت الذي يشاء، ضمن الفترة المقررة لصلاحية البطاقة، وهو قرض مفتوح مستمر حتى يبلغ نهايته، فإذا تم تسديده كاملًا، أو تسديد بعضه خلال فترة صلاحية البطاقة تجدد القرض حسب الاتفاقية الأساس كما يسمى بـ (القرض الدائر) .
بهذا تكتمل الجوانب الشرعية في عقد بطاقة الإقراض، وقد أثبتت الدراسة الفقهية المقابلة أن العقد بين مصدر البطاقة وحاملها هو عقد إقراض شكلًا وموضوعًا، فمن ثم تخضع شروط عقد البطاقة بين مصدرها وحاملها لأحكام عقد الإقراض في الفقه الإسلامي.
(1) القليوبي، شهاب الدين أحمد، حاشية علي منهاج الطالبين، (بيروت، دار الفكر) ، جـ2، ص 258
(2)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات: ج 2، ص 313
(3)
الدردير، أبو البركات أحمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، الطبعة الأولى، أخرجه مصطفى كمال وصفي، (مصر: دار المعارف عام 1393 هـ) ، ج 3، ص 295، المذهب الحنبلي على خلاف المذهب المالكي؛ إذ أن المقترض:" يملك القرض بقبضه، ويلزم بقبضه؛ لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض "؛ البهوتي، كشاف القناع، ج3، ص 314
مقاصد الإقراض وأحكامه في الشريعة الإسلامية:
حثت الشريعة الإسلامية ذوي اليسار على تخصيص جزء من أموالهم لدفعه إلى المعوزين والمحتاجين من أفراد المجتمع لفك ضائقتهم، وردت في ذلك أحاديث عديدة توضح الثواب العظيم، والدرجة الكبيرة لمن يدفع ماله إقراضًا، في الحديث النبوي الشريف يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا ((ما من مسلم يقرض مرتين إلا كان كصدقة مرة)) رواه ابن ماجه. (1)
والحديث الآخر عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت يا جبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمقترض لا يستقرض إلا من حاجة)) رواه ابن ماجه. (2) الأحاديث والآثار في هذا كثيرة استنبط منها الفقهاء أن المقصد الشرعي من عقد الإقراض في الإسلام هو: الإرفاق ومراعاة حاجات أفراد المجتمع الذين لا يجدون ما يسد حاجاتهم، ويرتفعون عن أن يمدوا أيديهم بالسؤال.
نص الفقهاء على هذا في عبارة موجزة بقولهم:
الإقراض: " عقد إرفاق وقربة ". (3)
فمن ثم جاءت الأحكام والتشريعات في هذا الباب متحرية هذه المعاني والمفاهيم الشرعية، تدور في فلكها، وتنتهي إليها، تحمي الجانب الضعيف، وتمنع استغلال حاجته من قبل الأغنياء والموسرين ، كما تعمل في نفس الوقت على المحافظة على أموال هؤلاء من الضياع، فخولت أصحابها أن يشترطوا من الشروط ما يضمن حفظ أموالهم كاشتراط رهن، وكفيل، وإقرار لدى الحاكم، وإشهاد على ذلك؛ لأن " صون القرض غرض شرعي مقصود ". (4)" وهي توثيقات لا منافع زائدة للمقرض "(5)
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/ 225، الحديث رواه ابن ماجه في (باب القرض) بلفظ:" ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة ". رقم الحديث (2430) : ج2، ص 812
(2)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 312 الحديث في ابن ماجه (باب القرض) بلفظ: والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة ، رقم الحديث (2431) ، جـ2، ص 812
(3)
البهوتي، كشاف القناع: جـ3، ص317
(4)
المقري، شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر، إخلاص الناوي، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد العزيز عطية زلط، (مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، عام 1410 هـ/ 1990 م) ، ج2، ص 15
(5)
المحلى، جلال الدين محمد بن أحمد، شرح على منهاج الطالبين، الطبعة الرابعة، (بيروت: دار الفكر) ، ج 2، ص 260
جاءت الأحكام الشرعية لعقد الإقراض منسجمة متوائمة مع هذه المقاصد الشرعية، وأصبحت من الناحية الحكمية تعتمد في صحتها على مدى قربها أو بعدها عنها، ولذا قال الفقهاء رحمهم الله: إن عقد الإقراض يكون مندوبًا إليه إن كان المقترض في حاجة لا تصل إلى الاضطرار.
واجبًا: في حالة الاضطرار كوقت المجاعة ونحوه، ولا ينفقه المضطر في معصية.
حرامًا: إذا علم أن المقترض سينفقه في حرام، أو معصية.
مكروهًا: إذا عرف من المقترض أنه ينفق القرض في أعمال مكروهة.
مباحًا: إذا دفع القرض إلى غني بسؤال من الدافع، مع عدم احتياج الغني إليه. (1)
يتضح من العرض السابق لمقاصد الشريعة الإسلامية من مشروعية عقد القرض أن الشريعة لا تسمح باستخدام هذا العقد أداة استثمار، وتنمية للأموال بحال؛ استغلالًا لحاجة الضعفاء، على عكس الأمر بالنسبة للقوانين الوضعية والاقتصادية، فإنها تعد عقد الإقراض في صوره التقليدية والحديثة أداة استثمار ناجحة، تدر على من لديهم الأموال أرباحًا طائلة، استغلالًا لحاجات المحتاجين أبناء المجتمع على كافة المستويات.
سيظهر العرض والدراسة التاليتان موقف الفقه الإسلامي بوضوح من عقد بطاقات الإقراض (Credit Cards) ، وبخاصة الشروط الصحيحة والباطلة، وآثار هذه على صحة العقد فيها.
(1) انظر: الهيتمي، ابن حجر، تحفة المحتاج، ج 5، 36 ص؛ الشرواني، عبد الحميد، حاشية على تحفة المحتاج، ج 5، ص 36
المبحث الثاني:
الشروط في عقود البطاقات البنكية
تشتمل اتفاقيات عقد البطاقات على شروط عديدة، يتم العرض والدراسة لأهمها في إطار عقد الإقراض في الفقه الإسلامي.
أولًا - الشروط الصحيحة:
يشترط مصدر البطاقة شروطًا عديدة لصالحه في مواد الاتفاقية ونصوصها، منها الصحيح الذي يتمشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها في عقد الإقراض، ومنها ما يتنافى وتلك المقاصد والأهداف، الشروط الصحيحة بشكل عام تتلخص في الآتي:
1 -
اشتراط الالتزام بالمسؤوليات والوفاء في التسديد:
أ) اشتراطه على نفسه الالتزام بمسؤولياته المالية من جهة، واشتراطه على حامل البطاقة الالتزام بالوفاء بتسديد القرض حسب المتفق عليه.
ب) إصدار بطاقة للمقترض تخوله الحصول على السلع والخدمات.
جـ) استمرار الإقراض في القدر المحدد بالاتفاقية.
د) أحقيته في ملك البطاقة.
هـ) مسؤولية مصدر البطاقة عن أعمال وكيله.
هذه المواد والشروط في حقيقتها تفعيل للعقد، وترسيخ لأدائه وأهدافه ، كلها من مقتضى العقد ومصلحته، لا تتنافى معه.
2 -
اشتراط فتح حساب بالبنك المصدر للبطاقة:
تشترط بعض البنوك فتح حساب، أو تأمين رصيد معين لدى البنك لمن يرغب في الحصول على البطاقة من أي نوع، ليكون بمثابة توثقة لحقوقها، وأمان لها من ضياع مدفوعاتها لمشتريات حامل البطاقة، وهو اشتراط مشروع من قبيل (الرهن) في الفقه الإسلامي، حيث إنه تتطابق حالة هذا الاشتراط لمصدر البطاقة مع ما يعرّف به الرهن بأنه: " توثقة دَين بِعَينٍ يمكن أخذه، أي الدين كله (و) أخذ (بعضه) إن لم يف به (منها، أو من ثمنها)(والمرهون عين معلومة جعلت وثيقة بحق يمكن استيفاؤه) أي الحق، (أو) استيفاء بعضه منها، أومن ثمنها. . .
و) يصح (رهن) كل (ما يصح بيعه) من الأعيان؟ لأن المقصود منه الاستيثاق الموصل للدين، (ولو) كان الرهن (نقدًا، أو معارًا) ولو لرب الدَّين، لأنه يصح بيعه، فصح رهنه. . . " (1) .
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج 2، صر 228 - 229؛انظر أيضًا من هذا البحث، ص 699 -700.
3 -
اشتراط دفع رسوم الاكتتاب في نظام البطاقة:
تفرض البنوك المصدرة للبطاقة على كافة أنواعها ومسؤولياتها قدرًا من المال على الانضمام إليها، والحصول على البطاقة، تعد هذه الرسوم من حامل البطاقة والتاجر شرطًا أساسًا في الحصول على البطاقة والانضمام إلى منظومتها لما تحتاجه من أعمال إدارية وأدوات مكتبية وغالبًاما يكون الرسم بالنسبة للبطاقة الذهبية أعلى من البطاقة الفضية ورسم بطاقة السحب المباشر من الرصيد أعلى من بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط.
هذا النوع من الرسوم لا صلة له بالقرض لا كمًّا، ولا كيفًا، وإنما هي أجور خدمات.
هذا الصنف من الرسوم متعدد ومتنوع:
أ) رسم العضوية: " يحصل هذا الرسم مرة واحدة فقط، وذلك لدى الموافقة على طلب العميل للحصول على البطاقة أول مرة ".
ب) رسم التجديد: رسم يحصل من العميل سنويًّا عند تجديد صلاحية البطاقة، أو إصدار أخرى بدلًا منها، حيث تصدر البطاقة بصلاحية لمدة سنة واحدة من تاريخ الإصدار، وتجدد سنويًّا بناءً على رغبة العميل.
ج) رسم الاستبدال: يحدث أحيانًا أن يفقد العميل بطاقته، أو تسرق منه، أو تتلف، وفي هذه الحالات يتقدم العميل للإبلاغ عن ذلك، ولإعادة إصدار بطاقة جديدة.
د) رسم التجديد المبكر: رسم يدفعه العميل عندما يطلب تجديد بطاقته قبل موعد انتهاء صلاحيتها بسبب سفره، أو وجوده بالخارج عند حلول تاريخ التجديد، أو لأي سبب آخر، ويعد هذا بمثابة رسم تجديد البطاقة.
تستقطع منظمة (الفيزا) الرسوم التالية في حالة (الاستبدال) :
أ) مائة دولار أمريكي: أجور للتعميم عن البطاقة في كتاب (البطاقات المطلوب حجزها) في الإقليم الواحد لمدة أسبوعين، علمًا بأن العالم مقسم إلى خمسة أقاليم حسب التقسيمات لعمليات (الفيزا) .
ب) 5 دولار أمريكي كحد أدنى، 150 دولار كحد أقصى: مكافأة التقاط البطاقة المطلوب حجزها، وتدفع للتاجر، أو البنك الذي يقوم بحجزها.
ج) 15 دولار أمريكي: أجور مناولة، أو تسليم تدفع أيضًا للتاجر، أو للبنك الذي قام بإرسال البطاقة للبنك المصدر ". (1)
(1) مركز تطوير الخدمة المصرفية، بيت التمويل الكويتي، بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج 1، ص 467 - 468
هذا بالنسبة للشركة المصدرة الأساس، أما محليًّا فإن البنوك السعودية والسعودية الأجنبية تتقاضى الرسوم السنوية التالية للاكتتاب:
اسم البنك
بطاقة ذهبية
بطاقة فضية
البنك الأهلي التجاري (NCB)
250 ريالًا
150 ريالًا
البنك العربي الوطني (ANB)
500 ريالًا
300 ريالًا
بنك الرياض (RB)
475 ريالا
225 ريالًا
البنك السعودي البريطاني (SABB) 350 ريالًا
225 ريالًا
البنك السعودي الفرنسي (SFB)
450 ريالًا
225 ريالًا
البنك السعودي الفرنسي بطاقة سحب من الرصيد (Debit) 600 ريالًا
300 ريالا
بنك الراجحي (Rajhi)
450 ريالًا
225 ريالًا
البنك السعودي الأمريكي (Samba) 485 ريالًا
225 ريالًا
بنك القاهرة السعودي (SCB)
350 ريالًا
مجاني
(1)
(1) أخذت هذه البيانات من: Saudi Commerce & Economic Review ، No. 27 July 1996 (Dammam: Saudi Arabia) ، Cover Story 24 ، p. 29
يتضح من هذا البيان ومن سابقه أن الرسوم مبالغ محددة يتم تقديرها على حسب مستوى خدمات كل نوع من أنواع البطاقات، وهي في عمومها في مقابل " الخدمة المصرفية المربوطة بالبطاقة لقاء فتح ملف للعميل، وتعريف الجهات التي سيحتاج التعامل معها، وبيان حدود الاستخدام، وما يتعلق بذلك، وينطبق ذلك على رسم التجديد، حيث إن الخدمة انتهت بانتهاء المدة، ويحتاج إلى إجراءات أخرى بتحديد فترة تقديم الخدمة للعميل ". (1) وفي بعضها الآخر خدمات وأجور ومكافآت للحصول عليها.
أصبح فرض أمثال هذه الرسوم عرفًا في معظم المرافق العلمية والاجتماعية؛ إذ المقصود منها تغطية نفقات الأعمال الإدارية، والأدوات المكتبية في المقام الأول، وقد كان هذا التفهم لطبيعة هذه الرسوم واضحًا في إصدار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة القرار رقم (1) في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 - 13 صفر عام 1407/ 11- 16أكتوبر 1986، الذي انتهى إلى القرار التالي: " بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية:
1 -
جواز أخذ أجور عن خدمات القروض.
2 -
أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
3 -
كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة؛ لأنها من الربا المحرم شرعًا ". (2)
يعد هذا القرار سابقة في الفقه الإسلامي، تخرج هذه الرسوم وأمثالها عليه بنفس الحدود والشروط، كما أن لهذا نظيرًا في تفريعات الفقهاء في المسألة التالية:
(لو قال: اقترض لي مئة ولك عشرة، لزمته العشرة لأنها جعالة، كذا قالوه، ولعله إن كان في الاقتراض كلفة تقابل المال ". (3)
(1) مركز تطوير الخدمة المصرفية، بيت التمويل الكويتي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج 1، ص 476
(2)
منظمة المؤتمر الإسلامي، مجمع الفقه الإسلامي، قرارات وتوصيات، 27
(3)
عميرة، شهاب الدين البرسلي، حاشية على شرح المحلي للمنهاج، الطبعة الرابعة، (بيروت: دار الفكر) ، ج 2 / ص 258
4 -
اشتراط البنك المصدر للبطاقة الخصم على قيمة مبيعات التاجر:
تعد هذه العمولة التي يأخذها البنك المصدر والتي تتراوح ما بين 2 إلى 5 % من قيمة الفاتورة حسب الاتفاق بينه وبين التاجر من أهم مصادر الربح للبنوك في نظام البطاقات، فمن ثم يأتي النص عليها واشتراطها في بداية مواد الاتفاقية بين البنك والتاجر. (1) فهي معظم ما يهم البنك من التاجر.
النظرة التحليلية الموضوعية لهذه النسبة تثبت أن المبلغ الذي يتقاضاه البنك من التاجر هو خصم وليس زيادة، فليس فيه ما يلحقه بالربا.
ليس هذا فحسب بل إنه لا يندرج في مسألة (الوضع على التعجيل) وهو ما يعرف بـ (ضع وتعجل) ؛ إذ صفة هذا أن يكون على رجل دين لم يحل، فيقول لصاحبه: تأخذ بعضه معجلًا وتبرئني من الباقي. (2)
ذلك أن التأجيل في دفع ثمن مبيعات التاجر لحامل البطاقة من قبل مصدرها غير وارد أساسًا، فمتى اكتملت سندات البيع وأرسلت لمصدر البطاقة فإنه يقوم بدفع القيمة حالًا، يحولها إلى رصيد التاجر في البنك الذي يتعامل معه، هذه القاعدة الأساس في تسديد مبيعات التجار وعقودهم مع مصدري البطاقات، كما لا يكون في العقد شرط من هذا النوع (الوضع والتعجيل) بحال، فالأصل هو التعجيل والدفع المباشر.
لما انتفى العنصران السابقان، فلا بد من البحث عن موجب آخر لخصم هذه العمولة من قيمة مبيعات التاجر. قد سبق التصريح بأنها:" عمولة الخدمات على إجمالي مبالغ سندات البيع ". (3)
يؤكد هذا الواقع ما يذكره مركز تطوير الخدمة المصرفية ببيت التمويل الكويتي للسبب الموجب لهذا الخصم: بـ " أن العمولة التي تؤخذ من التاجر على كل عملية شراء سلعة، أو خدمة يقوم بها العميل في الخارج هي عبارة عن أجرة وكالة وساطة بينه وبين حامل البطاقة من ترويج التعامل معه، ودعاية له، وتأمين زبائن، وتسهيل تحصيل قيمة بضائعه ". (4)
تصبح هذه العمولة بالمنطوق والمفهوم السابقين أجرة على الخدمات التي يقوم بها البنك وكالة عن التاجر، وهذا معقول ومنطقي حسب الواقع المعاصر الذي لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه؛ إذ أن:
" الدعاية والترويج، وتأمين الزبائن وتحصيل قيمة البضائع بحاجة إلى الإنفاق الكبير، الإعلان اليوم في الإذاعة، والصحافة، والتلفاز تعد من أعلى قنوات الإنفاق على الدعاية، بالإضافة إلى تخصيص موظفين مقيمين ومتجولين لتحصيل قيمة المبيعات من قبل حاملي البطاقات، وهو جهد وخدمة يحتاجان إلى المال والقوى البشرية.
(1) انظر: (عمولة مصدر البطاقة من التاجر) من هذا البحث، ص 683
(2)
البغدادي، القاضي عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس، الطبعة الأولى، تحقيق: حميش عبد الحق، (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، عام 1415هـ) ، جـ2، ص 1038
(3)
انظر رقم (12) من (مواد الاتفاقية بين مصدر البطاقة والتاجر) من هذا البحث، ص 619
(4)
بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج 1، ص 476
إن ثقة مصدر البطاقة بقدراته وكفاءته في القيام بأعمال تحصيل قيمة المبيعات، وما يتبعها من أعمال وإجراءات إدارية هي أعمال توكل عادة إلى أكفاء يتقاضون أجورًا عالية على مثل هذه الأعمال التي تحتاج إلى الكثير من التعب والتكلفة والمعاناة، ومن غير المعقول أن يقدم مصدر البطاقة مثل هذه الخدمات نيابة عن التاجر مجانًا.
سواء تقررت هذه العمولة في صورة مبلغ مقطوع، أو حسب نسبة قيمة المبيعات فهذا لا يؤثر شرعًا على صحتها، فقد أصبح الأسلوبان معمولًا بهما في العرف المحلي الخاص، والعالمي العام. (1)
وما دام الاتفاق بين التاجر والبنك المصدر للبطاقة خال من العنصرين السابقين: الربا، والنقص في مقابل التعجيل، ولا يتعارض مع مبدأ أو قاعدة شرعية فإنه يكون داخلًا تحت قاعدة " مطلق العقود الشرعية محمولة على الصحة ". (2) وحملها على أنها " أجرة وكالة " له وجه من الصحة ينسجم مع القاعدة الفقهية القائلة:" أن مهما أمكن تصحيح تصرف المسلم العاقل يرتكب ". (3)
(1) انظر: مجلة الفقه الإسلامي، الدورة السابعة، مناقشات: فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، ج1، ص665، القاضي محمد تقي العثماني، وقد اعتبرها أجرة سمسرة: ج1، ص676
(2)
السرخسي، شمس الدين أبو بكر، المبسوط، الطبعة الأولى - مصر، مطبعة السعادة، ج 2، ص 72
(3)
ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، فتح القدير، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) ، ج 7، ص 146
5 -
التأمين والجوائز لحاملي بطاقة الإقراض الذهبية:
يلحق بما تقدم مما ينبغي بحثه هنا في مجال بطاقات الإقراض ما تتسابق عليه الشركات المصدرة لبطاقات المعاملات المالية بكافة أنواعها لاجتذاب الطبقة المتوسطة والغنية في المجتمع، وكسبهم بشتى الطرق، مستخدمة الوسائل التي تشبع تطلعاتهم الاجتماعية، تركز أكثر ما تركز على من تسميهم بـ (صفوة الأعضاء ذوي المركز الحسن) أو من تسميهم (النخبة المختارة) ، فأوجدت لهؤلاء البطاقة الذهبية ذات الميزات التي تفوق البطاقة الفضية العادية في كثير من الأمور المالية المهمة.
يختص البحث هنا بما تقدمه هذه الشركات من ميزات وخصوصيات ذات أهمية كبيرة منها: " تغطية تأمين مجانية، وتأمين ضد حوادث السفر ". ورد في الإعلان عن بعض ميزات هذه البطاقات في أوراق الدعاية للبطاقة الذهبية لبطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء لأمريكان إكسبرس: " عند شرائك لتذاكر السفر بموجب البطاقة الذهبية فستحصل تلقائيًّا على تأمين مجاني ضد حوادث السفر تصل قيمته إلى 350000 دولار أمريكي لأعضاء البطاقة الذهبية فقط، تذاكر سفرية مجانية؛ إقامة مجانية في الفنادق، تسوق مجاني أكثر.
في برنامج جوائز العضوية (Membership. Rewards) ستحصل على نقطة واحدة عن كل دولار أمريكي تصرفه باستخدام البطاقة الذهبية، النقاط تتزايد، وبالتالي يمكن تحويلها إلى أحد برامج المسافرين المتميزين لشركائنا، أو قسائم للإقامة المجانية في الفنادق، وخصومات في المطاعم، وقسائم تسوق. . . ". (1)
مثل هذه الدعاية أيضًا تتخذها شركة فيزا عن طريق البنوك الأخرى الوكيلة. جاء في إحدى نشرات البنك العربي الوطني تحت عنوان (فرصة ذهبية من البنك العربي الوطني) :
" إن بطاقتي فيزا وماستركارد الذهبيتين الصادرتين عن البنك العربي الوطني تمكنكم من شراء تذاكر السفر، والتمتع بتأمين مجاني ضد مخاطر السفر بغطاء يصل لغاية 150000 دولار أمريكي، كما أنكم ستحصلون على تأمين مجاني أيضًا ضد أخطار فقدان الأمتعة والنقود، وإلغاء أو تأخر الرحلات الجوية، وفي بعض الحالات يمكنكم أيضًا الحصول على مساعدات طبية وقانونية ".
(1) انظر: American Express Cards ، An Exclusive Opportunity for a select Few.
الموضوع الرئيس هنا التأمين، وليس هنا مجال بحث مشروعيته فللحديث عن صحته أو بطلانه مقام ومجال آخر. (1) ، غير أن التأمين هنا متبرع به لا يقدّم المؤمَّن عليه (حامل البطاقة) شيئًا من المال، فهو يدخل ضمن الجوائز التشجيعية من هذا الوجه.
إن البحث هنا يتناول العروض والمميزات المباحة المشروعة في أصلها، والهدايا والجوائز التي يقدمها مصدر بطاقة الإقراض إلى هذه الفئة من العملاء التي تتضمن في ظاهرها نفعًا خاصًّا للمقترض حامل البطاقة، وليس للمقرض مصدر البطاقة، لا يبدو وجود سبب لتحريم هذه ظاهرًا. لكن النظر بتأمل في الواقع ومآلات الأمور لا يسع المرء أن يتجاهل أن نتيجتها تصب في ربحية مصدر البطاقة حيث الإغراء في الاكتتاب في هذا النوع من البطاقات لذوي الدخل والإنفاق العاليين، الأمر الذي يتحقق من خلاله للبنك المصدر للبطاقة (المقرض) نسبة عالية من الأرباح، وهو المقصود الأساس من تلك العروض السخية لحملة هذا النوع من البطاقات وغيرها.
ولقائل أن يرى غير هذا. فيرى في الاكتتاب فيها عونًا لأرباب البنوك الربوية، وتكثيرًا لماليتهم وربحهم، وأن الحكم في هذه الهدايا والجوائز المباحة يختلف حكمها لو كانت صادرة من بنوك إسلامية تتحرى التعامل وفق الشريعة الإسلامية، حيث ينبغي تشجيعها والإسهام فيها.
هذه المميزات في صالح المقترض حامل البطاقة ظاهرًا، لكنها في الحقيقة تخفي مصالح عديدة يخفيها مصدر البطاقة بأساليب الدعاية والإعلان التي تخبئها عن أنظار حامل البطاقة وملاحظته لتزيد من أرباح الشركات المصدرة لها.
على أي حال ما دامت الجوائز والهدايا والمميزات مشروعة في أصلها، فليس في هذا ما يمس صحة العقد، ما دامت المنفعة في ظاهرها موجهة إلى حامل البطاقة المقترض، وفقًا للقواعد الشرعية المتفق عليها، خصوصًا لدى الفقهاء الذين لا يقولون بسد الذرائع كالشافعية، وعدم الجواز بالنسبة لمن يقول بقاعدة سد الذرائع كالمالكية وغيرهم.
(1) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم 9 في المؤتمر الثاني المنعقد بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني عام 1406 هـ/ 22 -28 ديسمبر عام 1985 م، قرر: 1 - أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعًا. 2 - أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون، وكذلك بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني. 3 - دعوة الدول الإسلامية إلى إقامة مؤسسات التأمين التعاوني، وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من الاستغلال، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة، والله أعلم. (مجمع الفقه الإسلامي، قرارات وتوصيات) 1406- 1409هـ/ 1985- 1988م، ص 18
6 -
اشتراط إنهاء العقد وفق إرادة مصدر البطاقة:
يقع ضمن الشروط التي يشترطها مصدر البطاقة لمصلحته:
" الحق في إنهاء العقد وفسخه في الوقت الذي يشاء ".
هذا الشرط يتنافى ظاهرًا مع لزوم عقد الإقراض من طرف المقرض مصدر البطاقة، إذ من المعروف أن الإقراض " عقد لازم في حق المقرض بالقبض، جائز في حق المقترض ". (1)
معنى اللزوم في حقه أنه " لو أراد الرجوع في عينه لم يكن له ذلك إلا بعد انتهاء المدة المحددة للانتفاع بالشرط أو العادة ، وكذلك لو طلب العوض عنه ". (2)
إن يكن سبب فسخ العقد هو إخفاق حامل البطاقة الالتزام بشروط العقد فهذا لا يتنافى مع موجبات العقد ومقتضياته، ولا يعد شرطًا خارجًا عنه، وإذا اشترط مصدر البطاقة هذا الشرط أثناء العقد للأسباب السابقة، أو لغيرها فله شرطه، حيث ورد النص صراحة على صحته في المذهب المالكي في العبارة التالية:" ولا يلزم المقترض أن يرد القرض لمقرضه إن طلبه قبل أن ينتفع به عادة أمثاله، ما لم يشترط المقرض عليه رده متى طلبه منه، أو جرت العادة بذلك، وإلا لزمه رده ولو قبل انتفاعه به عادة أمثاله ". (3)
وفي المذهب الحنبلي أنه: " لا يملك المقرض استرجاعه - أي القرض - للزومه من جهته بالقبض ما لم يفلس القابض، ويحجر عليه للفلس قبل أخذ شيء من بدله فله الرجوع به "(4)
غير أن اشتراط مصدر البطاقة (المقرض) فسخ العقد وإنهاءه إذا أخفق حامل البطاقة المقترض الالتزام بالشروط لا يتعارض مع العقد ولا يناقضه، فقد جاء في (باب الشروط في البيع) :
" ويلزم الشرط الصحيح (فإن وفى به) أي حصل للمشتري شرطه فلا فسخ، (وإلا) يوف به (فله الفسخ) لفقد الشرط؛ لحديث (المؤمنون عند شروطهم) "(5)
هذه قاعدة عامة في كافة العقود، فكما تحكم عقد البيع فإنها تحكم جميع العقود، ومنها عقد الإقراض.
(1) البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 312
(2)
ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ج 2، ص 568
(3)
الدسوقي، محمد بن عرفة، حاشية على الشرح الكبير، (بيروت: دار الفكر) ، ج 3، ص 226
(4)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 314
(5)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات: ج 2، ص 161
ثانيًا - الشروط الباطلة:
التسهيلات النبيلة:
تحث البنوك المصدرة للبطاقات، وكذلك البنوك الأخرى المرخص لها بإصدارها جمهور الناس على استخدام بطاقات الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (Credit Card) ومثيلاتها، وتغريهم بشتى الوسائل التي تملكها أن يقتنعوا بحوزها واستخدامها، ومن أهم هذه المغريات هو عدم مطالبة حاملي البطاقات بالتسديد الفوري العاجل، وإنما هو تسديد القرض والديون على فترات طويلة، وبأقساط مريحة لا ترهق ميزانية حامل البطاقة ودخله مهما بلغ القرض، وهو المقصود من العبارة التي ترددها في الإعلان عنها (التسهيلات النبيلة) في هذه المجال، بهذا
تتحقق الأرباح الطائلة؛ إذ كلما طالت الفترة وتضاءل قدر القسط ارتفعت نسبة الزيادة وتضاعفت أرباح البنوك، المبدأ الذي تلتزمه البنوك والذي يقوم عليها كيانها هو " أن لكل تسهيل ائتماني (قرض) ثمنًا، ليست البنوك جمعيات خيرية ". (1)
تشترط البنوك المصدرة لبطاقات الإقراض، والبنوك المرخص لها
من قبلها الزيادات الربوية التالية:
1 -
زيادة ربوية على كل معاملة مالية تسدد عن طريق البطاقة تحسب على العميل تتراوح ما بين (1 %) إلى (2.5 %) على قيمة البضاعة.
2 -
فرض نسبة معينة عقوبة على تأخير السداد.
3 -
دفع نسبة معينة على الشراء بالبطاقة بأزيد من المبلغ المسموح به قرضًا حسب الاتفاقية.
4 -
إذا كان القرض مفتوحًا دون حد أعلى تفرض نسبة (10 %) لسحب كل خمسة آلاف ريال، ثم تتضاعف النسبة حسب مقدار القرض. (2)
5 -
فرض نسبة معينة على تحويل العملات الأجنبية. (3)
6 -
فرض نسبة معينة على تسديد الدفع للعمليات النقدية، تحسب من يوم الشراء. (4)
كما توجد شروط أخرى من هذا القبيل تضاف إلى قرض حامل البطاقة تحسب تلقائيًّا ومن دون الرجوع إليه، وأحيانًا من دون علم بها، على أساس أنها أمور محسومة لا تقبل المناقشة، ولا حاجة لحامل البطاقة في الإطلاع عليها.
هذه الإضافات والزيادات المعلنة وغير المعلنة في اتفاقية بطاقات الإقراض تمثل مصدرًا مهمًّا لأرباح البنوك المصدرة للبطاقة من قروض البطاقات.
(1) تفاوت شروط إصدار بطاقات الدفع في المملكة ، لماذا؟) تحقيق صحفي أجرته جريدة عكاظ (المال والاقتصاد) - جدة، عكاظ، السنة الثلاثون، العدد 8734، الأحد في 24 ذي القعدة 410 اهـ، الموافق 17 يونيو 1990 م، ص 23
(2)
انظر بالتفصيل من هذا البحث: (أرباح البنوك من إصدار بطاقات المعاملات المالية) ، ص 643
(3)
انظر: Al- Melhem ، A. Ahmed ، p. 364 - 365
(4)
انظر: ص 632 من هذا البحث (الزيادات المضافة إلى قروض بطاقة الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط) .
أما حكم هذه الزيادات المشروطة على القرض من قبل مصدر البطاقة فإنها محرمة من الناحية الشرعية لسببين رئيسين.
السبب الأول: أن هذه الزيادات المفروضة على مقدار القرض بخاصة مقابل التأجيل تمثل حقيقة (ربا النسيئة) التي أجمعت الأمة الإسلامية على تحريمه دون خلاف، وهو ما يسمى (ربا الجاهلية) ، حيث تضاف زيادة إلى مقدار القرض من أجل تأجيل الدفع، فهو المعني بالآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) } . [آل عمران: 130 - 131]
قال أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي في تفسيرها: " الربا هو الزيادة، وهو مأخوذ من رَبا يربو إذا نما وزاد على ما كان، وغالبه ما كانت العرب تفعله من قولها للغريم: أتقضي، أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال، ويصبر الطالب عليه ". (1)
كما يذكر الإمام مجاهد رحمه الله في سبب نزول هذه الآية: " كانوا يبيعون البيع إلى أجل، فإذا حل زادوا في الثمن على أن يؤخروا، فأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} .
قلت: وإنما خص الربا من بين سائر المعاصي، لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم، فأمرهم بترك الربا، لأنه كان معمولًا به عندهم ". (2)
أما موقف علماء الأمة وفقهائها من هذا النوع من الربا فيعبر عنه الإمام أبو الحسن الماوردي بقوله: " قد أجمع المسلمون على تحريم الربا، وإن اختلفوا في فروعه، وكيفية تحريمه، حتى قيل: إن الله تعالى ما أحل الزنا والربا في شريعة قطّ، وهو معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [النساء: 161] . يعني في الكتب السالفة. إن تحريم الربا من كتاب الله تعالى إنما يتناول معهود الجاهلية من الربا في النَّساء، وطلب الفضل بزيادة الأجل، ثم وردت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيادة الربا في النقد، فاقترنت بما تضمنه التنزيل ". (3)
السبب الثاني: أنها تدخل في عموم الحديث الشريف الذي رواه الإمام علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل قرض جر نفعًا فهو ربا "(4)
تواترت الأحاديث والآثار على هذا المعنى، فأصبح تحريم اشتراط المنفعة للمقرض في أي شكل وصورة من المسلمات في الفقه الإسلامي، و " أن السلف إذا جر منفعة لغير المقترض فإنه لا يجوز، سواء جر نفعًا للمقرض، أو غيره ". (5)
إن اشتراط أي نفع لصالح المقرض يُخرج عقد القرض أن يكون (عقد إرفاق وقربة)" فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة ". (6)
(1) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الطبعة الأولى، تحقيق: الرحالي الفاروق وآخرين، (قطر. على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عام 1398 هـ/ 1977) ، ج 2، ص 478
(2)
القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي) ، ج2، ص 202
(3)
الحاوي الكبير، الطبعة الأولى، تحقيق ياسين ناصر محمود الخطيب وآخرين، (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، عام 1414 هـ/ 1994 م) ، ج 6، ص 84
(4)
العسقلاني، ابن حجر، بلوغ المرام مع شرحه سبل السلام، (مصر: مطبعة الاستقامة) ، ج 3، ص 30؛ رُوي هذا الحديث مرفوعًا بهذا اللفظ عند ابن حجر، لكن في إسناده سوار بن مصعب وهو متروك، قال عمر بن زيد في المغني الم يصح فيه شيء) ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله ابن سلام وابن عباس موقوفا عليهم ". الشوكاني، محمد، نيل الأوطار، الطبعة الأولى، ضبط محمد سالم هاشم، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1415 هـ) ، ج 5، ص 274
(5)
الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد، مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، الطبعة الأولى، (مصر: مطبعة السعادة، عام 1329 هـ) ، ج 4، ص 546. ينظر هذا الموضوع بتفصيل في كتاب (عقد القرض في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة مع القانون الوضعي) للقاضي الأستاذ الدكتور علاء الدين خروفة، الطبعة الأولى، (بيروت: مؤسسة نوفل، عام 1982 م) ، ص 247
(6)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 317
المبحث الثالث:
آثار الشروط الباطلة على صحة عقود البطاقات البنكية
أثر اشتراط الزيادات (الفوائد البنكية الربوية) على عقد بطاقة الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط: (Credit Card) :
إن اشتراط هذه الزيادة على مقدار القرض الحقيقي قلّت أو كثرت تؤثر على صحة عقد الإقراض شرعًا.
ولكن: هل يصل التأثير على العقد إلى بطلانه وفساده شرعًا، أو أنه يصح العقد ويبطل الشرط؟
ذهب المالكية والشافعية إلى بطلان العقد وعدم صحته كلية.
ورد النص على هذا في المذهب المالكي في العبارات التالية:
" وأما شرطه: فهو أن لا يجر القرض منفعة، فإن شرط زيادة قدر أو صفة فسد، ولم يفد جواز التصرف، ووجب الرد إن كان المقترض قائمًا، وإن فات وجب ضمانه بالقيمة، أو بالمثل على المنصوص ". (1)
أصبح من جملة الضوابط الفقهية المسلمة في هذا الموضوع:
" (وفسد) القرض (إن جر نفعًا) للمقرض ". (2)
يتفق الشافعية مع المالكية في الحكم بفساد عقد القرض المشروط بفائدة (الزيادة) للمقرض حيث ورد النص لديهم أيضًا: " (ألا يجوز) قرض نقد، أو غيره إن اقترن (بشرط رد صحيح عن مكسر، أو) رد (زيادة) على القدر المقرض، أو رد جيد عن رديء، أو غير ذلك من كل شرط جر منفعة للمقرض ". (3)
(1) ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ج 2، ص 566
(2)
الدردير، الشرح الصغير، ج 3، ص 295
(3)
الرملي، شمس الدين محمد، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) ، ج 4، ص 230
خالف في هذا كل من الحنفية والحنابلة، إذ يرون صحة العقد، وبطلان أمثال هذه الشروط.
المذهب الحنفي: ورد النص على هذا صراحة في المذهب الحنفي في العبارة التالية:
" القرض لا يتعلق بالجائز من الشروط، فالفاسد منها لا يبطله (1) ، ولكنه يلغو شرط رد شيء آخر، فلو استقرض الدراهم المكسورة على أن يؤدي صحيحًا كان باطلًا، وكذا لو أقرضه طعامًا بشرط رده في مكان آخر، وفي الخلاصة: القرض بالشرط حرام، والشرط لغو ". (2)
المذهب الحنبلي: ورد النص بصحة عقد القرض المشروط في العبارة التالية: " ولا يفسد القرض بفساد الشروط ". (3)
صريح هذين المذهبين أن عقد الإقراض صحيح في بطاقات الإقراض، وليس للشروط الفاسدة تأثير على صحته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها:" ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مئة شرط ". (4)
(1) يفرق الحنفية بين البيع الباطل والفاسد: " الباطل ما لا يكون مشروعًا بأصله ووصفه لانتفاء ركنه ومحله. . .، والفاسد ما يكون مشروعًا بأصله دون وصفه، ويثبت به الملك إذا اتصل به القبض العيني ". أبو محمد محمود بن أحمد، البناية في شرح الهداية، الطبعة الأولى، تصحيح المولى محمد عمر الشهير بناصر الإسلام الرافوري، (بيروت: دار الفكر، عام 1401هـ/ 1981م) ، ج 6، ص 374
(2)
الحصكفي، محمد علاء الدين، شرح الدر المختار، (مصر: مطبعة صبيح وأولاده) ، ج2، ص 88
(3)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج 2، ص 227
(4)
باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله) ، باب رقم (17)
يقول العلامة أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في شرح الحديث السابق:
" المراد بكتاب الله - في الحديث المرفوع - حكمه وهو أعم من أن يكون نصًّا، أو مستنبطًا، وكل ما كان كذلك فهو مخالف لكتاب الله.
قال ابن بطال: المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه وسنة رسوله،
أو إجماع الأمة ".
وقال ابن خزيمة: " ليس في كتاب الله أي: ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه، لا أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يبطل، لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط، ويشترط في الثمن شروط من أوصافه، أو من نجومه، ونحو ذلك فلا يبطل ". (1)
عنون الإمام أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: (باب أن من شرط الولاء أو شرطًا فاسدًا لغا وصح العقد)، وذكر الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني تعليقًا على ما جاء في بعض روايات الحديث:
" قوله: (وإن اشترطوا مئة شرط) قال النووي: أي لو شرطوا مئة مرة توكيدًا فالشرط باطل، وإنما حمل ذلك على التوكيد؛ لأن الدليل دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله ". (2)
أما صحة العقد مع وجود شرط فاسد فهو محل خلاف.
يقول الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد رحمه الله: " وظاهر الحديث أنه لا يفسده، لما قال فيه: واشترطي لهم الولاء، ولا يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عقد باطل، وإذا قلنا: إنه صحيح فهل يصح الشرط؟ فيه خلاف في مذهب الشافعي، والقول ببطلانه موافق لألفاظ الحديث وسياقه، وموافق للقياس أيضًا من وجه، وهو أن القياس يقتضي: أن الأثر مختص بمن صدر منه السبب، والولاء من آثار العتق فيختص بمن صدر منه العتق، وهو المعتق، وهذا التمسك والتوجيه في حصة البيع والشرط يتعلق بالكلام على معنى قوله: (واشترطي لهم الولاء) ". (3)
يستشهد لهذا ما تشترطه البنوك المصدرة للبطاقة في جميع أنحاء العالم، والبنوك التابعة لها محليًّا من الزيادات الربوية المتنوعة الأسباب حتى أضحى نشاطها بارزًا في هذا المجال، يظهر تأثيره في إقبال المواطنين عليه وتقبله، ورواجه بينهم بدعوى (التسهيلات النبيلة) .
(1) فتح الباري، ترقيم وتبويب محمد فؤاد عبد الباقي، وتصحيح محيي الدين الخطيب، (مصر: المطبعة السلفية ومكتبتها) ، ج 5، ص 353
(2)
نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، شرح منتقى الأخبار، الطبعة الأولى، ضبط وتصحيح محمد سالم هاشم، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1415 هـ/ 1995 م) ، ج5، ص 191
(3)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، الطبعة الثانية، تحقيق: أحمد محمد شاكر، (القاهرة: دار الكتب السلفية، عام 1407 هـ/ 1987 م) ، ج 2، ص 135
نسبة الزيادات الربوية على بطاقات الإقراض في البنوك المحلية:
فيما يلي نماذج من الواقع للزيادات الربوية التي تفرض على بطاقات الإقراض والتسديد على أقساط، التي يشترطها كل بنك على القروض المقدمة لحملة البطاقات:(Credit Cards) .
البنك الأهلي التجاري:
يصدر البنك البطاقتين ماستر كارد/ فيزا البنك الأهلي التجاري.
تحدد المواد (6 و 7 و 8) من شروط الإصدار طرق تسديد حامل البطاقة للمبالغ المستحقة عليه، وتحديد الزيادة الربوية في حالة اختيار التقسيط الشهري، والرسوم على السحب النقدي وفي حالة عدم وجود رصيد كاف بالحساب حسب العبارات التالية:
" 6 - على حامل البطاقة أن يحدد أسلوب سداد المستحقات، وذلك
إما عن طريق دفع كامل المطالبة الشهرية (ائتمانية)(1) ، أو عن طريق التقسيط الشهري (اعتمادية) بواقع 10 % من المطالبة المستحقة، وبحد أدنى (100) مئة ريال أيهما أعلى، وبذلك سوف يقوم البنك بقيد رسوم خدمة قدرها 1.5 % على المبلغ المتبقي.
7 -
يقيد البنك على السحوبات النقدية التي تتم بواسطة البطاقة رسومًا قدرها 2.5 % من قيمة السحب، إضافة إلى مبلغ 20 ريال سعودي رسوم خدمة، وتقيد على حساب العميل.
8 -
يصدر البنك كشف حساب شهري، يرسله إلى حامل البطاقة خلال منتصف كل شهر ميلادي، ويخصم المبلغ من حساب العميل في أول الشهر الميلادي التالي حسب تحديد أسلوب السداد.
ويجب أن يحتفظ حامل البطاقة برصيد كاف في حسابه الجاري لسداد المصروفات المستحقة عليه.
وفي حالة عدم وجود رصيد كاف بالحساب، ففي كلتا الحالتين - بطاقة ائتمان أو اعتماد - سيقيد البنك على الرصيد المكشوف رسومًا قدرها 1.75 % شهريًا، وبحد أدنى قدره 20 ريالًا حتى سداد المبلغ بالكامل ". (2) تعد شروط إصدار بطاقة البنك الأهلي التجاري بالنسبة للزيادات الربوية أصرح النشرات في تحديدها، وهي في نفس الوقت من أعلى ما تتقاضاه البنوك الأخرى من الفوائد.
(1) يستعمل البنك كلمة (ائتمانية) بمعنى قرض هنا، وهي تمثل في أقسام البطاقات حسب العنوان الصحيح (بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الفائدة)
(2)
البنك الأهلي التجاري، شروط الإصدار، تمت زيارة فرع هذا البنك بحي العزيزية بمكة المكرمة على فترتين مختلفتين 1417/4/14 هـ، ثم في 417/4/17 هـ، للحصول على نشرة شروط الإصدار، حيث إن المتوافر هو استمارات الطلب فقط، أما شروط الإصدار فقد كانت غير موجودة حتى وجدت، فاستخرج منها نسخة مصورة.
البنك العربي الوطني:
(1)
يصدر البنك العربي الوطني بطاقة الإقراض فيزا (Visa) لمن له رصيد في البنك، بنوعيها: الذهبية، والفضية.
لم يرد تصريح في اتفاقية البنك وأوراق الإعلان عن سوى بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط، ولكن يوجد في ورقة الإعلان (دعوة للحصول على بطاقة فيزا العربي الائتمانية) في الصفحة الداخلية الأخيرة العنوان التالي:(بإمكانك اختيار طريقة التسديد التي تناسبك) جاء تحته ما يلي:
" عند استلامك لكشف الفواتير، يمكنك التسديد للبنك العربي الوطني بالطريقة المناسبة التي لا تؤثر على التزاماتك المالية، إما بتسديد قيمة الفواتير بالكامل لدى أي فرع من ، فروعنا، أو إرسال شيك بالبريد إلينا، أو بموجب أقساط شهرية مريحة ".
يعني هذا أنه يمكن لحامل البطاقة أن يسدد فوريًّا حسب (بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) دون أن تترتب عليه زيادة ربوية. أما في حالة اختيار التسديد على أقساط شهرية مريحة فإنه يضاف إليها الزيادات الربوية حسب النسب التالية:
1.
75 % شهريًّا على القسط الشهري.
في حالة التأخير عن التسديد يضاف إلى العمولة الشهرية السابقة على كامل المبلغ ما تقدر نسبته 2.5 % في المئة.
في حالة السحب النقدي تفرض 10 % ريال سعودي على كل خمسمائة ريال.
(1) تمت زيارته وأخذ المعلومات من المسؤولين في فترات مختلفة في 22/ 3/ 1417 هـ، وفي 30/ 3/ 417 اهـ، الموافق لـ 14 أغسطس 1996م، نتيجة لعدم توافر لائحة الشروط أثناء الطلب والمراجعة، أخذت المعلومات المتعلقة بالزيادات المفروضة على الإقراض شفويًّا من المسؤولين.
البنك السعودي البريطاني:
(1)
يصدر البنك السعودي البريطاني بطاقة فيزا Visa، وبطاقة ماستر كارد (Master Card) ولا يصدر في الوقت الحالي من البطاقات سوى (بطاقة الإقراض والتسديد بزيادة على أقساط)(Credit Card) .
تضمنت (اتفاقية إصدار بطاقة الائتمان) في الفقرة رقم (6) النص التالي:
" يرسل البنك كشف حساب البطاقة إلى حامل البطاقة شهريًا، متضمنًا تفاصيل إجمالي الفواتير على البطاقة، والحد الأدنى للتسديد، وعلى حامل البطاقة تدقيق ذلك الكشف، وإشعار البنك خلال مدة أقصاها عشرون يومًا من تاريخه بأية ملاحظات قد يتضمنها ذلك الكشف، وبعد انقضاء هذه المدة المذكورة فسوف يعتبر كشف حساب البطاقة والقيود التي يتضمنها ملزمًا لحامل البطاقة، ولن يقبل البنك بعد ذلك أي مطالبات، أو اعتراضات على ذلك.
كما يلتزم حامل البطاقة بتسديد عمولة على إجمالي المبلغ حسب
ما يحدده البنك، ويكون الحد الأدنى للسداد الشهري بواقع 30 % من إجمالي المبلغ، أو حد أدنى قدره 100 ريال، بالإضافة إلى العمولة الشهرية المحتسبة، ويعطى حامل البطاقة مهلة خمسة وعشرين يومًا من تاريخ إصدار الكشف لتسديد المبلغ المستحق قبل حلول تاريخ الدفع المحدد، وفي حال تأخر حامل البطاقة عن تسديد كامل الرصيد المستحق خلال فترة خمسة وعشرين يومًا فسوف يتم احتساب رسم التأخير، حسبما يحدده البنك من وقت لآخر.
هذا وللعميل الخيار في تسديد كامل الرصيد المستحق عليه، أو تسديد الحد الأدنى المشار إليه آنفًا.
إذا رغب العميل في تسديد الفواتير بموجب التسهيلات الائتمانية الدوارة، وفي حالة عدم تمكن حامل البطاقة من سداد الحد الأدنى المستحق في تاريخه المحدد فإن كافة الفواتير المصروفة القائمة بموجب البطاقة تصبح مستحقة الدفع فورًا، وأنه يحق للبنك السعودي البريطاني اتخاذ كافة الإجراءات الملائمة ضده لدى الجهة الحكومية المعنية لتحصيل قيمة الفواتير القائمة، مع العمولات المستحقة، هذا ولن يفسر أي إخفاق، أو تأخير من جانب البنك في ممارسة هذا الحق على أنه تنازل عنه ". (2)
(1) تمت زيارة فرع البنك السعودي البريطاني بحي العزيزية بمكة المكرمة يوم الاثنين 21/ 3/ 1417 هـ، الموافق ـ 5 أغسطس 1996 م
(2)
البنك السعودي البريطاني، اتفاق إصدار بطاقات الائتمان.
الملاحظ على هذا أن على حامل البطاقة أن يدفع عمولة على القرض لم يفصح عنها البنك في نص الاتفاقية، وإنما وردت عبارة:" كما يلتزم حامل البطاقة بتسديد عمولة على إجمالي المبلغ، حسبما يحدده البنك. . . ".
لدى الاستفسار من الموظف المسؤول أفاد بأنه لا تحتسب عمولة على القسط الأول إذا دفعه حامل البطاقة معجلًا، أما بقية الأقساط فيدفع عمولة بنسبة 1.95 ريالًا في المئة.
" وفي حالة عدم تمكن حامل البطاقة من سداد الحد الأدنى المستحق في تاريخه المحدد، فإن كافة الفواتير المصروفة القائمة بموجب البطاقة تصبح مستحقة الدفع فورًا ، وأنه يحق للبنك تحصيل قيمة الفواتير القائمة مع العمولات المستحقة ". بموجب هذا النص وحسبما شرحه الموظف المسؤول بالبنك يتوجب في مثل هذه الحالة أن يدفع حامل البطاقة الزيادات الربوية التالية:
59.
1 ريالًا في المئة، وهي الفائدة الشهرية المعتادة على القسط الشهري أو الدوري، يضاف إليه نسبة 5. 2 % ريالًا في المئة على إجمالي المبلغ، بمعنى إذا كان القرض 5000 ريال يصبح إجماليه مضافًا إليه الزيادات الربوية كالتالي:
5000 + 1.95 % +2.5 %
هذه النسب لم يشر إليها في نص الاتفاقية، بل هي مجهولة، ونادرًا ما يسأل عنها حامل البطاقة.
أما بالنسبة للسحب النقدي فالفائدة هي: نسبة 3.5 % ريالًا على كل مئة لريال.
البنك السعودي الأمريكي: (1)
يصدر بطاقتي سامبا ماستر كارد الذهبية، وسامبا ماستر كارد الفضية، وسامبا فيزا الذهبية، وسامبا فيزا الفضية، ورد في الفقرة الأولى من نموذج طلب البطاقة:
" يمكنك الشراء الآن والسداد على دفعات شهرية بحد أدنى 5 % من المبلغ المستحق عليك، أو 250 ريال للبطاقة الفضية، و 400 ريال للبطاقة الذهبية أيهما أكثر، كما يمكنك بالطبع دفع كامل المبلغ المستحق عليك دفعة واحدة، الأمر الذي يمنحك مرونة في السداد، ويتيح لك القدرة على التحكم بمدفوعاتك. عند السداد على دفعات شهرية سيتم احتساب 1.95 % شهريًّا على المبلغ المستحق كرسم خدمة تقسيط ".
لم يرد ذكر لنسبة العمولة على التأخير في التسديد، ولدى الاستفسار عنها من الموظف المسؤول أجاب: بأنه تضاف إلى العمولة الشهرية زيادة أخرى بنسبة 5، 2 % على التأخير.
البنك السعودي الفرنسي: (2)
يصدر البنك السعودي الفرنسي نوعين من البطاقات:
1 -
بطاقة إقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (Credit Card) .
2 -
بطاقة السحب الفوري (Debit) لكل من:
1) بطاقة ماستر كارد (Master Debit Card) .
2) بطاقة فيزا (Visa Credit Card) .
يصدر البطاقة فقط لمن لديه رصيد بالبنك بمقدار مئة ألف ريال بالنسبة للبطاقة الذهبية، وخمسين ألف ريال للبطاقة الفضية.
قيمة المشتريات والسحب النقدي لحامل البطاقة تسحب مباشرة من الرصيد، فهي بهذا الاعتبار تعد من قبيل بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) ، في حالة رغبة العميل التسديد على أقساط، أو عدم وجود رصيد، وعدم التسديد في الوقت المحدد يصبح حامل البطاقة مقترضًا من البنك تفرض عليه الزيادات التالية:
1.
79 % على المبلغ كل شهر + 50 ريالًا شهريًّا على التأخير.
السحب النقدي بالبطاقة: تضاف زيادة 2.5 % على المبلغ لكل عملية سحب نقدي.
سعر التحويل للعملات الأجنبية هو سعر الشركة المصدرة للبطاقة.
غالبًا ما يكون أعلى من سعر السوق، محتسبًا فيه الأرباح، والزيادات، والخدمات للشركة المصدرة للبطاقة.
(1) تمت زيارة فرع هذا البنك بحي العزيزية بمكة المكرمة يوم الاثنين 21/ 3/ 1417 هـ، الموافق لـ 5 أغسطس 1996 م
(2)
تمت زيارة فرع هذا البنك بفرع العزيزية بمكة المكرمة على فترتين يوم الاثنين 21/ 3/ 1417 هـ، الموافق لـ 5 أغسطس عام 1996 م، كما تمت زيارة فرع هذا البنك ثانية بحي العزيزية في 22/ 3/ 1417 هـ، الموافق لـ 6 أغسطس عام 1996 م
_________
الزيادة الربوية (الفائدة) المشروطة المضافة كما تقدم إلى أصل القرض الحكم الشرعي فيها واضح وبين، وكذلك الزيادة بالنسبة للسحب النقدي، فإنها من قبيل القرض أيضًا في بطاقات الإقراض.
أما بالنسبة للرسوم المفروضة المضافة إلى قيمة الصرف في العملات الأجنبية، فمن المعلوم أن البنوك تتخير السعر الأفضل لها، وهو الأعلى لدى البيع، والتخفيض عند شراء العملة، آخذة في حساباتها في كلتا الحالتين أجور الخدمات والصرف والأرباح، علمًا بأن الشركات الأم للبطاقات مثل (فيزا) لها سعر خاص في تحويل العملات يزيد عن السعر السائد في الأسواق.
في ضوء هذه الحقائق لا يمكن تخريج النسبة المضافة إلى قيمة
صرف العملات في بطاقة الإقراض أنها أجور وخدمات، حيث تزيد الفائدة (الزيادة) كلما زادت كمية العملة الأجنبية.
بعبارة أخرى: الشراء لعملة أجنبية ببطاقة الإقراض، والسحب النقدي بها هما قرض يضاف إليهما زيادة مشروطة تضم إلى الزيادات الأخرى المفروضة على القرض الأساس، لتصبح الأرباح مضاعفة ومركبة. من المحقق أن هذه النسب للزيادات تتغير من وقت لآخر حسب الأسواق المالية دون علم من حامل البطاقة، هذا ما يحدث فعلًا في البلاد الإسلامية والدول النامية، على العكس من هذا في دول الغرب، حيث يجد الأفراد حماية قانونية لأموالهم وممتلكاتهم، وحرصًا كبيرًا من دولهم على سلامة الاقتصاد الوطني.
أثر اشتراط الزيادات على عقد بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة ابتداء (Charge Card) :
تختلف الشروط في هذا النوع من البطاقات، كما تختلف طرق التسديد فيها عن بطاقة الإقراض بزيادة والتسديد على أقساط (Credit Card) .
التسديد حسب نظام هذه البطاقة يتم كاملًا في فترة معينة دون زيادة أو إضافة على قيمة المشتريات. هذا إذا التزم حامل البطاقة الوفاء بالتسديد في الفترة المقررة في العقد، أما إذا تراخى عن التسديد فحينئذ تفرض على القرض نسبة من الزيادات نتيجة التأخير حسب المتفق عليه في العقد، وحسبما تقدم توضيحه في نصوص اتفاقيات البنوك وشروط إصدار البطاقة. يعد هذا الشرط من الشروط الباطلة، أما تأثيره على صحة العقد فإنه يجري فيه الخلاف السابق في (آثار الشروط الباطلة على صحة عقود البطاقات) . (1)
لو قيل فرضًا بصحة العقد حيث الحاجة داعية لمثل هذه البطاقات لمن يكثر ترحالهم إلى بلاد أوضاعها الأمنية غير مأمونة، على شرط أن يعقد حامل هذه البطاقة العزم على الوفاء والتسديد في الوقت المقرر، ليخرج من طائلة إثم الوقوع في الربا؛ لَظَلَّ جانب آخر منها يصعب التخلص منه، ذلك هو أن بطاقة الإقراض الشهري تظل بها بقية الزيادات والإضافات المالية، كالنسبة المقررة على صرف العملات الأجنبية، والسحب النقدي وغيرها، التي تجر نفعًا لمصدر البطاقة مما لا يستطيع حامل البطاقة تفاديه والخلاص منه، حيث تحسب عليه تلقائيًّا من دون مراجعته، هذه جميعًا تعكر صحة عقد هذه البطاقة، فتلحقه حكمًا ببطاقة عقد الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط (Credit Card) .
أما لو ألغيت هذه الإضافات والزيادات أو حاول حاملها تفاديها وبخاصة عمولة السحب النقدي، ورسوم التحويل من العملات الأجنبية فإن صحة العقد وسلامته مؤكدة مع التزام حامل البطاقة الوفاء في الفترة المقررة، دون أن تلحقه زيادة ربوية بسبب التأخير في التسديد.
تستعمل أحيانًا بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة للإقراض بزيادة والتسديد على أقساط أيضًا في آن واحد، وهو ما يحدث لبعض أنواع " بطاقة أمريكان إكسبرس، وبطاقة دانرزكلوب، وبطاقة فيزا - في بعض الحالات - بطاقة ائتمانية، يفترض في المشترك أن يسدد رصيده خلال فترة محددة من استلامه كشف حسابه، بينما هناك بطاقات أخرى تجمع بين الطابع الائتماني (2) والإقراض الربوي حيث تتقاضى 25 - 35 % سنويًا على المبالغ غير المدفوعة ". (3) في مثل هذه الحالة تعامل هذه البطاقة معاملة بطاقة الإقراض بزيادة والتسديد على أقساط في أحكامها وآثارها على صحة عقد الإقراض. (4)
(1) انظر: ص 719 - 722 من هذا البحث
(2)
يعني الكاتب بـ (الائتمان) بطاقة الإقراض الشهري (Charge Card) و (الإقراض الربوي) الإقراض بزيادة والتسديد على أقساط (Credit)
(3)
أبو غدة، محمد زاهد عبد الفتاح، بطاقة الائتمان هذه، (الكويت، مجلة النور، السنة التاسعة، الأعداد: 90- 91 - 92 رمضان عام 1412 هـ/ مارس عام 1992 م) ، ص 28
(4)
انظر: ص 719 من هذا البحث.
أثر اشتراط الزيادات على عقد بطاقة شراء التجزئة (Retailer Or Inhouse Card) :
هذا النوع من البطاقات يعتمد الحكم الشرعي فيه حسب نوع الاتفاق بين حامل البطاقة ومصدرها (المحل التجاري) .
قد يتم الاتفاق بينهما على أساس التسديد الكامل لقيمة المشتريات نهاية كل شهر دون فرض زيادة من أي نوع، حيث يكون الشراء بعملة محلية، ودون سحب نقدي من قبل حامل البطاقة، ودون إضافة أي عمولة، إذ يكتفي التاجر بتسويق سلعه والربح المعتاد، حينئذ يكون العقد صحيحًا سالمًا من أي شائبة تؤثر على صحته.
قد يتضمن هذا العقد شرط نسبة معينة تفرض على حساب حامل البطاقة في حالة التباطؤ في الدفع، حينئذ يخضع هذا الشرط والعقد لما سبق بحثه في (أثر اشتراط الزيادة لمصلحة المقرض (مصدر البطاقة) على صحة العقد) . (1)
قد يتم الاتفاق بين الطرفين في عقد بطاقة شراء التجزئة على أساس ما هو متبع في عقد بطاقة الإقراض والتسديد بزيادة على أقساط (Credit card) ، وذلك هو التسديد لقيمة المشتريات على أقساط شهرية وإضافة نسبة من الزيادات، حينئذ ينزل حكم هذا النوع من البطاقة بهذا الاتفاق على أحكام عقد بطاقة الإقراض بزيادة والتسديد على أقساط (Credit Card) صحة وبطلانًا، وتأثير أمثال هذه الشروط على هذا العقد. (2)
أثر اشتراط الزيادات على عقد بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) :
لا تعد هذه البطاقة من قسم بطاقات الإقراض الثلاث السابقة، وليس حولها ما يقال بالنسبة للزيادات والإضافات على القروض في تلك البطاقات، فهي خالية وسليمة من هذا الجانب الربوي المحرم ، ذلك أن العلاقة بين مصدر البطاقة وحامل هذا النوع من البطاقات ليست علاقة إقراض أساسًا ابتداء وانتهاء.
من جانب آخر إن الزيادات الأخرى المفروضة على عقود البطاقات الأخرى التي منها: الزيادة لدى تحويل العملات الأجنبية، والزيادة المقطوعة على السحب من بنك آخر البنك المصدر للبطاقة لا يمكن أن ينظر إليها موضوعًا بمثل النظر إليها في بطاقات الإقراض، لأنه لا يوجد هنا إقراض أصلًا حتى تعد من قبيل (كل قرض جر نفعًا فهو ربا) . إن القرض غير موجود أساسًا في المعاملة، حينئذ تحمل على أساس أجور للخدمات التي يقدمها البنك المصدر للبطاقة، سواء كانت على أساس نسبة السحب، أو قيمة الصرف، أو السحب من بنك غير البنك المصدر للبطاقة، أن المبلغ المقطوع، وإن كان بعضها مبالغًا فيه مثل الإضافة المفروضة على صرف العملات الأجنبية بالإضافة إلى سعر الصرف المرتفع فهذا أمر آخر لا علاقة له بصحة العقد أو بطلانه.
(1) انظر: ص 719 من هذا البحث.
(2)
انظر من هذا البحث: أثر اشتراط الزيادات (الفوائد البنكية الربوية) على صحة عقد بطاقة الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط، ص 719
يصدر هذا النوع من البطاقات عدد من البنوك الإسلامية التي تتحرى أن تجري معاملاتها وفق أحكام الشريعة الإسلامية مع تطوير شروط شركة فيزا وتطويعها لإصدار البطاقة. من هذه البنوك على سبيل المثال:
دار المال الإسلامي:
تصدر دار المال الإسلامي بالكويت بطاقة فيزا الإسلامية بنوعيها: الذهبية والفضية. تشترط هذه الدار أن يفتح حامل البطاقة حساب مضاربة إسلامية بحد أدنى 50 ألف ريال سعودي للبطاقة الذهبية، و10لآف ريال سعودي للبطاقة الفضيلة.
" يتم حجز قيمة الضمان المقر حسب نوعية البطاقة: البطاقة الذهبية عشرة آلاف دولار أمريكي، وهو ما يمثل الحد المسموح به للصرف. البطاقة الفضية ألفا دولار أمريكي، وهو ما يمثل الحد المسموح به للصرف.
مبلغ الضمان يتم استثماره على نحو دوري لصالح حامل البطاقة.
تتم تغطية الحساب في حالة السحوبات، أو المشتريات أولًا بأول ". (1)
شركة الراجحي المصرفية للاستثمار:
كذلك شركة الراجحي المصرفية للاستثمار تحاول أن يكون إصدار البطاقة والتعامل بها بعيدًا عن الزيادات المحرمة شرعًا، فلا تصدر إلا بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) ولذا تشترط التأمين النقدي كما في المادة (3) من شروط أحكام إصدار البطاقة، إذ تنص على التالي:
" 3 - التأمين النقدي: للشركة حق حجز قيمة تأمين نقدي لبعض الحالات بعد إشعار العميل، ويبقى هذا التأمين تحت يدها طوال استمرار العضوية، وذلك ضمانًا لحقوق الشركة، أو حقوق الغير، ولا يرد هذا التأمين أو جزء منه إلا بعد انقضاء 90 يومًا من تاريخ انتهاء العضوية، أو إلغائها لأي سبب من الأسباب، بشرط تسليم البطاقة إلى المركز، أو الفرع، وشرط عدم وجود حقوق للشركة، أو للغير لدى حامل البطاقة ". (2)
قد تستعمل بطاقة السحب الفوري من الرصيد للإقراض أيضًا، تصبح حينئذ بطاقة إقراض، تخضع أحكام الزيادات فيها للأحكام المذكورة في بطاقة الإقراض بزيادة والتسديد على أقساط (Credit card) ، وتنزل حالتها شرعًا على مثيلاتها من بطاقات الإقراض الأخرى السابقة تغليبًا للجانب الأحوط، وتمشيًا مع القاعدة الفقهية:
" إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ". (3)
وبمعناها: " ما اجتمع محرم ومبيح إلا غلب المحرم ".
(1) الشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي، بطاقة فيزا الإسلامية الخيار الأفضل، نشرة إعلانية.
(2)
نشرة إعلانية.
(3)
ابن نجيم، زين العابدين بن إبراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، تحقيق وتعليق عبد العزيز محمد الوكيل، (مصر: مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، عام 1387 هـ/ 1968م) ، ص 109
الفصل الثاني
العلاقة بين أطراف عقد البطاقات البنكية
بالنسبة للتسديد والخصم
المبحث الأول: عقد الضمان في الفقه الإسلامي، وتطبيقه على البطاقات البنكية.
المبحث الثاني: عقد الوكالة في الفقه الإسلامي، وتطبيقه على تصرفات مصدر البطاقة بالتسديد والخصم
المبحث الثالث: مرجعية البنوك في قضايا البطاقات.
المبحث الرابع: الآراء المختلفة في تكييف عقد نظام البطاقات والتوفيق بينها.
المبحث الأول:
عقد الضمان في الفقه الإسلامي وتطبيقه على البطاقات البنكية
العقد الذي يتم بين التاجر وحامل البطاقة قد يكون عقد بيع، يكون التاجر هو البائع، وحامل البطاقة هو المشتري، أو عقد خدمات يكون التاجر أو صاحب المؤسسة مؤجرًا، وحامل البطاقة مستأجرًا.
حينئذ تصنف العقود بحسبها بيعًا أو إجارة، وتحدد علاقتهما حسب تصنيف العقد: بائع ومشتر، مؤجر ومستأجر. في حالة البيع يقدم التاجر البضاعة لحامل البطاقة ويمكنه من تملكها، وفي حالة الخدمات ينجز التاجر أو المؤسسة المنفعة المتفق عليها، وفي كلا العقدين يستحق التاجر أو المؤسسة الثمن، أو الأجرة. يقدم حامل البطاقة بطاقته، ويوقع على السندات ليتقاضى التاجر القيمة من مصدر البطاقة الضامن لها بموجب العقد.
العقود التي تتم بين التاجر، أو مؤسسة الخدمات وحامل البطاقة تخضع في الأركان والشروط والأحكام للعقد الذي صنفت عليه بيعًا أو إجارة، أو غير ذلك.
بإتمام طرفي العقد الإجراءات المطلوبة للسندات الموقعة من قبل حامل البطاقة تنتهي العلاقة بينهما، وتنتقل مسؤولية المطالبة بالثمن إلى البنك مصدر البطاقة الذي ضمن للتاجر تسديد مبيعاته، أو أجور خدماته. من المهمات الأولية أن تحدد العلاقة الشرعية لمصدر البطاقة فيما يتصل بدفع قيمة مشتريات حامل البطاقة واستخدامه للبطاقة في معاملاته المالية.
يقوم نظام البطاقات الإقراضية على أساس التزام البنك مصدر البطاقة بتسديد قيمة مشتريات حامل البطاقة مباشرة للمؤسسات والمحلات التجارية، التي جرى استخدامه للبطاقة في الحصول على حاجياته مما يتوافر لديها، إذا تم هذا في حدود المبلغ المخصص لحامل البطاقة، وتوافرت كافة الشروط المطلوبة في سندات البيع، وتقديمها في الصورة والوقت المقررين.
هذا ما تنص عليه الاتفاقية بين البنك مصدر البطاقة والراغب في الحصول عليها في المادة الأولى.
" يلتزم المصدر للبطاقة بقبول سندات مشتريات حامل البطاقة، وأجور خدماته، وسحبه النقدي ". (1)
(1) انظر: (مواد الاتفاقية بين مصدر البطاقة وحاملها) من هذا البحث، ص 616
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المحلات التجارية قبلت بالبطاقة في تلبية حاجات حاملها من البضائع المتوافرة لديها على أساس التزام مصدر البطاقة بالتسديد نيابة عنه، حيث ورد النص كالتالي:" يوافق البنك على قبول سندات البيع ودفع قيمتها للتاجر دون تراجع فيما عدا حالات معينة ". (1)
يمثل البنك مصدر البطاقة الطرف المشترك بين حامل البطاقة والتاجر، فيما يتصل بالتسديد. يلتزم البنك للتاجر دفع قيمة ما توجب على حامل بطاقة الإقراض من دون رجوع إليه، وبهذا يصبح (ضامنا) وكفيلًا ماليًّا له، كما يصبح حامل البطاقة (مضمونًا) ومكفولًا.
البنك المصدر للبطاقة فيما يخص علاقته بدفع القيمة للتاجر يلتزم بتسديده وكالة عن حامل البطاقة إذا سلمت السندات، فيصبح التاجر بموجب الاتفاقية (مضمونًا له) ، وقيمة المشتريات الدين (المضمون به) الذي التزمه مصدر البطاقة.
هذه المسؤوليات في ضوء هذه العلاقات والالتزامات من البنك المصدر للبطاقة تجاه حامل البطاقة من جهة والتاجر من جهة أخرى تندرج بانسجام تام مع أحكام عقد الضمان والكفالة بالمال في الفقه الإسلامي.
(1) انظر: (ثانيًا: عن مواد الاتفاقية بين مصدر البطاقة والتاجر) من هذا البحث، ص 618
يتم فحص هذه العلاقات من عقود البطاقات الإقراضية ومدى مطابقتها على عقد الضمان في الفقه الإسلامي، وتنزيلها عليه تعريفًا، وأركانًا، وشروطًا، وأحكاما فيما يأتي:
تعريف الضمان في الفقه الإسلامي:
الضمان في اللغة: مشتق من الضَمّ، أو من التضمن؟ لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، أو من الضمن لأن ذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون، لأنه زيادة وثيقة. (1)
يقول الإمام أبو الحسن الماوردي: " أما الضمان فهو أخذ الوثائق في الأموال؛ لأن الوثائق ثلاثة: الشهادة، والرهن، والضمان ". (2) .
" ويسمى حمالة: مشتقة من الحمل؛ لأن الضامن حمل، والمضمون نقل ما كان عليه ". (3)
كذلك من الأسماء المرادفة له: " الكفالة، والإذانة، والزعامة، والقبالة. . .
وللضامن في اللغة سبعة أسماء هي: زعيم، وكفيل، وقبيل، وأذين، وحميل، وصبير، وضامن ". (4)
الضمان في اصطلاح الفقهاء متفق عليه بينهم في مدلوله ومسماه، وإن اختلفت العبارات، وهنا يتم استعراض تعريفات المذاهب الفقهية حسب الترتيب التالي:
المذهب الحنفي: يعنون الحنفية هذا النوع من العقود أيضا (الكفالة) فيعم الكفالة بدين، أو نفس، أو عين ونحوه، ولذا جاء التعريف بما يناسب هذا التعميم في العبارة التالية:" (ضم ذمة) الكفيل (إلى ذمة) الأصيل (في المطالبة مطلقا) بنفس، أو بدين، أو عين كمغصوب ونحوه ". (5) فمن ثم تقسم الكفالة إلى نوعين: كفالة بالنفس وكفالة بالمال، ظهر هذا التقسيم لكلمة (كفيل) في شرح معنى حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم ".
يقول العلامة شمس الأئمة السرخسي في معنى الجملة الأخيرة من الحديث:
" والزعيم غارم: معناه، الكفيل ضامن، أي ضامن لما التزمه من مال، أو تسليم نفس، على معنى أنه مطالب به ". (6)
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: ج 2، ص 245، يقول أبو الحسين أحمد بن فارس:(ضمن) : الضاد والميم والنون أصل صحيح، وهو جعل الشيء في شيء يحويه. . . والكفالة تسمى ضمانًا من هذا الوجه ": 3/ 272؛ يقول العلامة المناوي: " وقول بعض الفقهاء: الضمان مأخوذ من الضم غلط من جهة الاشتقاق؛ لأن نون الضمان أصلية، والضم لا نون فيه، فهما مادتان مختلفتان. التوقيف على مهمات التعريف، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد رضوان الداية - بيروت، دار الفكر عام 1410 هـ، ص 14.
(2)
الحاوي الكبير، ج 3، ص 105
(3)
القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الذخيرة، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد بو خبرة، (بيروت: دار الغرب الإسلامي: طبعة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، عام 1994 م) ، ج 29، ص 189
(4)
ابن رشد، المقدمات الممهدات، الطبعة الأولى، تحقيق: سعيد أحمد أعراب وعبد الله الأنصاري، (بيروت: دار الغرب الإسلامي - عام 1408هـ/ 1988 م) ، ج 2، ص 373 - 377
(5)
الحصكفي، محمد علاء الدين، شرح الدر المختار، ج 2، ص 117
(6)
المبسوط، ج 2، ص 27 - 28، الحديث أخرجه ابن ماجه في (باب العارية) ، ج 2، ص 802، مقتصرًا على (العارية مزداة والمنحة مردودة) ، رقم الحديث 2399، وجاء في (باب الكفالة) عن أبي أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الزعيم غارم، والدين مقضي ". ابن ماجه، رقم الحديث: 2405، ج 2، ص 804
المذهب المالكي:
الضمان: " التزام مكلف غير سفيه دَيْنًا على غيره ". (1)
المذهب الشافعي:
الضمان: " التزام حق ثابت في ذمة الغير ". (2)
يشترط الشافعية في الضمان أن يكون الحق ثابتًا على خلاف المذاهب الأخرى، ولذا ضمنوا التعريف بـ (الحق الثابت) . وسيأتي البحث في هذا الموضوع.
المذهب الحنبلي:
الضمان: " التزام من يصح تبرعه ما وجب، أو يجب على غيره مع بقائه عليه، أو هو: ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره فيما يلزمه حالًا أو مآلًا ". (3)
هذه التعريفات بمجموعها تنطبق على البنك مصدر البطاقة بالتزامه ما وجب، أو يجب على حامل البطاقة. وهنا يتحقق من أركان الضمان في عقد بطاقة المعاملات المالية:
أولًا: الضامن: مصدر البطاقة (هو ما التزم ما على غيره) . (4)
الثاني: المضمون: " ولذلك يقال لذلك الغير: مضمون، ومضمون عنه "، وهو حامل البطاقة.
الثالث: المضمون به: " هو الحق الذي التزمه الضامن " مصدر البطاقة.
الرابع: المضمون له: التاجر في عقد البطاقة " هو رب الحق الذي التزمه الضامن ". (5)
الخامس: الصيغة: " يصح الضمان بكل لفظ يفهم منه الضمان عرفًا ". (6)
مواد اتفاقية البطاقة بين البنك مصدر البطاقة وحاملها في الفقرة الثانية تصرح بالتزام البنك بتسديد المبالغ التي يقترضها حامل البطاقة
وقيمة مشترياته، كذلك الاتفاقية بين البنك مصدر البطاقة والتاجر في الفقرة السادسة منها يلتزم له البنك بدفع قيمة مبيعاته حسب الشروط المطلوبة، وبهذا يتوافر هذا الركن من أركان الضمان في عقد البطاقة.
(1) الدردير، أبو البركات أحمد بن محمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، (مصر، دار المعارف) ، ج 3، ص 429
(2)
ابن حجر الهيتمي، أحمد، تحفة المحتاج بشرح المنهاج، ج 5، ص240 الرملي، شهاب الدين، نهاية المحتاج، ج 4، ص 432
(3)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص362؛ القاري، أحمد بن عبد الله، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ص 354
(4)
القاري، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد، ص 354
(5)
القاري، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد، ص 354
(6)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 363
المقصد الشرعي من عقد الضمان في الشريعة الإسلامية:
حفظ الأموال مقصد مهم من مقاصد الشريعة الإسلامية، التعامل بالدين تجارة، والإقراض لذوي الحاجات من أعمال البر التي رغب فيها الإسلام، لكن إعطاءها لمن لا معرفة بهم لدى أرباب الأموال ضياع وإهدار لها من جهة، والامتناع عن ذلك والكف عن إقراضهم ومداينتهم، وتجاهل حاجاتهم لا ترضاه الشريعة السمحة، ولا تقبل به بين المسلمين، فشرع الإسلام الضمان حفظًا للأموال، وسدًّا لحاجات المحتاجين، دون ضرر يمس بمصلحة واحد منهم. فمن ثم جاءت تشريعاته وأحكامه منسجمة مع تلك المقاصد والأهداف.
أخذ الأجر على الضمان:
الضمان في الشريعة الإسلامية من أعمال البر والمعروف التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، ناسب أن لا يؤخذ عليها أجر قل أو كثر، فقد ورد في الحديث الشريف:" ثلاثة لا تكون إلا لله: الجعل، والضمان، والجاه ". (1)
في ضوء المقصد الشرعي من الضمان استنتج الفقهاء أنه " لا يجوز ضمان بجعل؛ لأن الضمان معروف، ولا يجوز أن يؤخذ عوض عن معروف وفعل خير، كما لا يجوز على صوم ولا صلاة؛ لأن طريقها ليس لكسب الدنيا، وقال مالك: لا خير في الحمالة بجعل.
قال ابن القاسم: فإن نزل وكان يعلم صاحب الحق سقطت الحمالة، ورد الجعل، وإن لم يكن يعلمه فالحمالة لازمة للحميل، ويرد الجعل على كل حال. . . " (2) قال أبو بكر بن المنذر:" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحمالة بجعل يأخذه الحميل لا تحل، ولا تجوز ". (3)
فرع الفقهاء على هذا الحكم مسائل وصورًا عديدة. ذكر العلامة عبد الباقي الزرقاني تعليقًا على بعض مسائل الضمان قوله: " إن الجعل للضامن ممتنع سواء كان من عند رب الدين، أو من المدين، أو من أجنبي، وعلم ربه به قبل رده، فإن لم يعلم به رد، والحمالة ثابتة. ". علل للتحريم بأن الضامن " إذا غرم رجع بما غرمه مع زيادة الجعل، وذلك لا يجوز لأنه سلف بزيادة ". (4)
من فروع هذه المسألة عند الشافعية: " لو أمره بالضمان عنه بجعل جعله له، لم يجز، وكان الجعل باطلًا، والضمان إن كان بشرط الجعل فاسدًا، بخلاف ما قاله إسحاق بن راهويه؛ لأن الجعل إنما يستحق في مقابلة عمل، وليس الضمان عملًا فلا يستحق به جعلًا ". (5)
هذا هو الأصل الشرعي في حكم أخذ أجر على الضمان.
في ضوء هذا الأصل لا يجوز شرعًا في عقد الضمان المتضمن في عقود بطاقات الإقراض أن يفرض أجر للضمان، سواء من المضمون عنه (حامل البطاقة) ، أو المضمون له (التاجر) ، أو من غيرهما من أجنبي عن العقد.
(1) الصاوي، أحمد بن محمد، حاشية على الشرح الصغير على أقرب المسالك مع الشرح، ج 3، ص 442، لم أقف على هذا الحديث في المصادر، وقد انفرد العلامة الصاوي بذكره بين المؤلفين الفقهاء، فيما توصلت إليه من البحث، والله أعلم.
(2)
المواق، أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري، التاج والإكليل لمختصر خليل، هامش مواهب الجليل للحطاب، الطبعة الأولى، (مصر: مطبعة السعادة، عام 1329 هـ) ، ج 5، ص 111
(3)
ابن المنذر النيسابوري، محمد بن إبراهيم، الإشراف على مذاهب أهل العلم، الطبعة الثانية، تحقيق: محمد نجيب سراج الدين، (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، عام 1414 هـ/ 1994) ، ج 1، ص 120
(4)
شرح الزرقاني على مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر) ، ج 6، ص 33
(5)
الماوردي، الحاوي الكبير، ج 8، ص 121
أحكام الضمان في عقود البطاقات البنكية:
من المقرر شرعًا أن الضمان من أعمال البر، وأنه لا يؤخذ عليه
أجر، وأن حكم العقد الجواز، والصحة.
من شروط عقد الضمان: أن الدين الذي يلتزم به الضامن عن المضمون عنه يكون دينًا صحيحًا، ويتسامح فيما عدا ذلك من حيث معلوميته، وثبوته في ذمة المضمون عنه، وأنه سيثبت، أو أنه وجب سابقًا، أو أنه سيجب.
هذا كله يتلاءم ويتناسب مع طبيعة القرض والديون في بطاقات الإقراض، إذ أن الديون على حامل البطاقة لدى إتمام عقد بطاقة الإقراض غير معلومة في ذلك الحين، بل لما يجب شيء منها في ذمة حامل البطاقة بعد، " فصح ضمان ما هو محتمل الثبوت استقبالًا ". (1) ، وليس شيء من هذا يؤثر على صحة عقد الضمان لدى جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وهو ما تدل عليه نصوص هذه المذاهب في الاقتباسات التالية:
المذهب الحنفي: " وأما الكفالة بالمال فجائزة، وكان المكفول به معلومًا، أو مجهولًا إذا كان دَيْنًا صحيحًا، مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع؛ لأن مبنى الكفالة على التوسع، فيحتمل فيها الجهالة، وعلى الكفالة بالدرك إجماع ". (2)
المذهب المالكي: " الكفالة بالمال جائزة في الشرع، لازمة في صريح الحكم، وهي من المعروف، وتجوز عند مالك وأصحابه في المعلوم والمجهول ". (3)" وصح الضمان و (إن جهل) قدر الحق المضمون حالًا ومالًا. . .، ذلك أن الضامن إنما يرجع بما أدى، وما أدى معلوم ". (4) المذهب الحنبلي: " (ولا) يعتبر (كون الحق معلوما) ؛ لأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة، فصح في المجهول كالإقرار، (ولا) كون الحق (واجبًا إذا كان مآله) أي الحق (إلى العلم والوجوب) ، فيصح ضمان ما لم يجب إذا آل إلى الوجوب، ومنه أي من ضمان ما يجب (ضمان السوق) ، وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دَيْن، وما يقبضه من عين مضمونة ". (5)
هذه الأحكام فيما يتصل بالديون والقروض في عقد الضمان تنطبق على الكيفية التي تتم واقعًا بالنسبة لقروض البطاقات المضمونة من قبل البنوك المصدرة لها. لا يخالف في هذا إلا المذهب الشافعي، حيث " يشترط في المضمون كونه (ثابتًا) حال الضمان، لأنه وثيقة، فلا يتقدم ثبوت الحق كالشهادة، فلا يكفي جريان سبب وجوبه كنفقة الغد للزوجة، وصحح في القديم ضمان ما سيجب، كأن يضمن المئة التي ستجب ببيع، أو قرض؛ لأن الحاجة قد تدعو إليه، والمذهب صحة ضمان الدرك، ويسمى ضمان العهدة، وإن لم يكن ثابتًا؛ لمس الحاجة إليه ". (6)
(1) المواق، التاج والإكليل لمختصر خليل، ج 5، ص 99
(2)
المرغيناني، أبو الحسن علي، الهداية بداية المبتدي، الطبعة الأخيرة، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) ، ج 3، ص 90
(3)
ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي، المقدمات الممهدات، ج 2، ص 376
(4)
الزرقاني، عبد الباقي، شرح الزرقاني على مختصر خليل، ج 6، ص 25
(5)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 367
(6)
ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج، ج 5، ص 246
المطالب بالدين في عقد البطاقات البنكية:
البنك المصدر للبطاقة هو المسؤول الوحيد أمام التاجر عن قيمة مبيعاته لحاملي البطاقات. وبموجب الاتفاقية يكون الدفع النقدي للتاجر من مصدر البطاقة في كافة الحالات.
لم يكن التاجر ليوافق على بيع بضاعة دينًا على من لا يعرفه، لولا أن مصدر البطاقة شرط له استلام حقوقه منه، وليس من حامل البطاقة المشتري، بل إنه نص في الاتفاقية بينهما على عدم جواز تسليم التاجر لحامل البطاقة ثمن البضاعة المرجوعة له من حامل البطاقة لدى إرجاعها لأي سبب من الأسباب.
تقضي النصوص في الفقه الإسلامي أن للدائن حق المطالبة للضامن والمضمون سويًا، إلا إذا شرط صاحب الدين استيفاء حقه من الضامن خاصة فله شرطه، وكما سبق فإن هذا شرط متفق عليه بين مصدر البطاقة والتاجر، وبموجبه قبل التاجر بالبيع لحاملي البطاقات.
يتفق هذا الأسلوب في التعامل في هذا الجانب مع ما نص عليه المذهبان الحنفي والمالكي في النصوص التالية:
المذهب الحنفي:
" والمكفول له بالخيار إن شاء طالب الذي عليه الأصل، وإن شاء طالب كفيله؛ لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وذلك يقتضي قيام الأول لا البراءة. . . خلافًا لما يقول ابن أبي ليلى: إن الكفالة توجب براءة الأصيل. . .
إلا إذا شرط في عقد الكفالة براءة الأصل (فحينئذ تنعقد) أي الكفالة (حوالة اعتبارًا للمعنى) وهو أنه أتى بخاصية الحوالة. . . " (1) ؛ ذلك أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة اعتبارًا للمعنى. كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرًا بها المحيل تكون كفالة) وهي في اصطلاح الفقهاء: " تحول الدين من ذمة الأصيل إلى ذمة المحال عليه على سبيل التوثيق ". (2)
المذهب المالكي:
" الضمان لا يبرئ ذمة المضمون عنه ". (3) للمكفول له أن يطالب الضامن والمضمون عنه " (إلا أن يشترط) رب الدين عند الضمان (أخذ أيهما شاء) ، أو يشترط (تقديمه) في الأخذ عن المدين، (أو ضمن) الضامن المدين في الحالات الست: الحياة والموت، والحضور والغَيْبَة، واليسر والعسر، فله مطالبته، ولو تيسر الأخذ من مال الغريم "(4)
يختلف المذهبان الشافعي والحنبلي عما هو مقرر في المذهبين السابقين.
المذهب الشافعي:
" (وللمستحق) الشامل للمضمون له ولوارثه. . . (مطالبة الضامن) رضا منه. . . (والأصيل) اجتماعًا، وانفرادًا، وتوزيعًا، بأن يطالب كلًّا ببعض الدين لبقاء الدين على الأصيل، وللخبر السابق: " الزعيم غارم ". ولا محذور في مطالبتها، وإنما المحذور في تغريمهما معًا كلًّا كل الدين
…
ولو أفلس الأصيل فلطب الضامن بيع ماله أولًا أجيب إن ضمن بإذنه، وإلا فلا، لأنه وطن نفسه على عدم الرجوع ". (5)
المذهب الحنبلي:
" ولرب الحق مطالبة أيهما شاء، أي الضامن والمضمون عنه لثبوت الحق في ذمتهما (و) له مطالبتهما (معًا) لما تقدم.... (في الحياة والموت) ". (6)
(1) العيني، البناية في شرح الهداية، ج 6، ص 745- 807؛ وانظر: ابن الهمام، فتح القدير، ج7، ص 182.
(2)
العيني، البناية في شرح الهداية، ج 6، ص 745- 807؛ وانظر: ابن الهمام، فتح القدير، ج 7، ص 182
(3)
البغدادي، القاضي عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة، ج 2، ص 1231
(4)
الدردير، أبو البركات أحمد بن محمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، ج 3، ص 438 - 439
(5)
الهيتمي، ابن حجر، تحفة المحتاج بشرح المنهاج، ج 5، ص 27
(6)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج 2، ص 246
ضمان سلامة البضائع والخدمات في عقد البطاقات البنكية:
إن ضمان البضائع والخدمات في عقد البطاقات البنكية:
إن ضمان البنك المصدر للبطاقة للتاجر دفع قيمة مبيعاته لا تعني تلقائيًّا مسؤلياته عن ما يجري من نزاع بين التاجر وحامل البطاقة فيما يخص سلامة البضاعة أو الخدمات؛ لأن مصدر البطاقة إنما ضمن دفع القيمة، وليس له شأن بغير ذلك فيما يحصل بين التاجر والمشتري حامل البطاقة من نزاع بسبب البضاعة.
أخذت البنوك المحلية في المملكة العربية السعودية بهذا المبدأ، بل خصصت لهذه القضية بعض النصوص الصريحة التي تبين موقفها منها، وهي بهذا أخذت بالحيطة والحذر، فنفت أن تكون العلاقة علاقة شراكة، أو وكالة، أو تضامن
…
إلخ. ذلك أن بعض القوانين تجعل المسؤولية مشتركة بين هذين الطرفين (1) .
على سبيل المثال: البنك السعودي البريطاني:
خصص لهذه القضية مادتي (10) و (25) في اتفاقية التاجر، ورد نصها كالتالي:
" المادة (10) النزاعات ودعاوى حاملي البطاقات:
يوافق التاجر على التعامل مع جميع شكاوى حاملي البطاقة بخصوص البضاعة والخدمات الأخرى، التي يحصل عليها بموجب البطاقة المصرفية تمامًا، كما لو أن هذه البضاعة أو الخدمات بيعت من قبل التاجر نقدًا.
المادة (25) علاقة الطرفين:
لا يعتبر طرفا هذه الاتفاقية بموجب هذه الاتفاقية أحدهما شريكًا، أو وكيلًا للآخر، ولا يجوز تفسير أي نص في هذه الاتفاقية على أنه يعني إقامة شراكة تضامنية، أو اتحاد ائتماني، بل إن كل طرف يعتبر مسؤولا بصفة فردية فقط عن التزاماته المنصوص عليها في هذه الاتفاقية ". (2)
المادتان السابقتان في هذا الخصوص موجود نصًّا، وترتيبًا، وترقيمًا، في (الاتفاقية التجارية الخاصة بنقاط البيع) للبنك السعودي الفرنسي. كما أنها موجودة ومنصوص عليها في مواد مستقلة في بقية الاتفاقيات بهذا النص والمضمون.
* * *
(1) انظر في قسم الدراسة القانونية من هذا البحث، (الحماية القانونية لحاملي البطاقات البنكية) ، ص 647
(2)
مركز البطاقات، البنك السعودي البريطاني.
المبحث الثاني:
عقد الوكالة في الفقه الإسلامي
وتطبيقه على تصرفات مصدر البطاقة بالتسديد والخصم
معلوم أن مبلغ القرض في عقد البطاقات البنكية في حوزة مصدر البطاقة، يتصرف فيه بتسديد قيمة المشتريات نيابة عن حامل البطاقة، كما أن لمصدر البطاقة " صلاحية السحب من حساب التاجر الخاص للمبالغ المطالب بها مثل: استرجاع قيمة السندات غير الصحيحة، أو قيمة البضاعة المعادة إليه ". (1)
هذه العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها من جهة هي علاقة وكالة يصبح مصدر البطاقة وكيلًا عن حامل البطاقة في تسديد قيمة مشترياته بطريق استخدام البطاقة.
كما أن مصدر البطاقة أيضًا وكيل عن التاجر في خصم المبالغ المطالب بها التي دفعت لحسابه نتيجة قبول البيع بالبطاقة.
بهذا يصبح مصدر البطاقة وكيلًا عن الطرفين؛ عن حامل البطاقة بالتسديد لقيمة مشترياته، وعن التاجر بالخصم من حسابه، فمن ثم تخضع هذه العلاقة الشرعية بين هؤلاء الأطراف في هذا الجانب لأحكام عقد الوكالة في الفقه الإسلامي.
(1) انظر هذا الموضوع في هذا البحث تحت عنوان: (علاقة مصدر البطاقة بالتاجر) ، ص 677
أولًا: عقد الوكالة في الفقه الإسلامي وتصرفات مصدر البطاقة بالتسديد عن حامل البطاقة:
الوكالة في اللغة بمعنى: " الحفظ، والكفالة، والضمان والتفويض ". (1)
وفي المصطلح الفقهي: " استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة ". (2)
أركان الوكالة متفق عليها بين المذاهب الأربعة هي: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة. الموكل في عقد بطاقة الإقراض: حامل البطاقة لتسديد قيمة مشترياته.
هذا ما تنص عليه الشروط في اتفاقية إصدار البطاقة، من هذه النماذج: شروط وأحكام إصدار بطاقة الراجحي فيزا، في المادتين (4) و (6) إذ تنصان على التالي:
" 4 - الرسوم:
يتعهد حامل البطاقة بسداد جميع المصاريف والرسوم مقابل إصدار، أو تجديد البطاقة.
للشركة الحق في خصم هذه الرسوم والمبالغ تلقائيًّا من الحساب الجاري الخاص بالعميل. . .
6 -
تفويض الشركة:
يتعهد حامل بطاقة الراجحي فيزا بتفويض الشركة بخصم جميع الالتزامات المالية المترتبة على استخدام البطاقة على حساب العميل الجاري لدى الشركة، أو أي حساب جاري آخر يخصه لدى الشركة دون الرجوع إليه، وأن يكون استخدامه للبطاقة باعتبارها وسيلة دفع غير نقدي، وعدم تجاوز حدود الحد المصرح له باستخدام البطاقة، ويعتبر هذا التفويض تفويضًا مطلقا متجددا من العميل للشركة ".
هذا النص موجود في شروط إصدار بطاقات البنك الأهلي التجاري المادة (10) بصيغة مختلفة:
" يحتفظ البنك بحقه في استخدام أي حساب لديه يخص حامل البطاقة لتسوية رصيد حساب البطاقة المدين المستحق بعد 90 يومًا من تاريخ آخر سداد ".
(1) الدردير، أبو البركات أحمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك، ج 3، ص 501
(2)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص461
كما تنص المادة (8) قبلها على التالي:
" 8 - يصدر البنك كشف حساب شهري يرسله إلى حامل البطاقة خلال منتصف كل شهر ميلادي، ويخصم المبلغ من حساب العميل في أول الشهر الميلادي التالي حسب تحديد أسلوب السداد. . . ".
كما ورد النص بهذا المعنى في اتفاقية إصدار بطاقات فيزا وماستر كارد من بنك القاهرة السعودي في المادة (2) التي تنص على التالي:
" 2 - تصدر البطاقة كبطاقة تسديد بالخصم ذات حدود شهرية محددة سلفًا للمطلوبات التراكمية الجارية، وسوف يتم خصم قيم الفواتير والإيصالات التي تتم بموجبها المشتريات، والسحوبات النقدية من الحساب الجاري الصادر عليه البطاقة بمجرد استلامها من قبل البنك، وفضلًا عن ذلك للبنك الحق في الخصم مباشرة من هذا الحساب عن أي رسوم، أو عمولات، أو مطلوبات مترتبة على إصدار واستخدام البطاقة، وسيقوم البنك في فترات منتظمة بتحويل رصيد حساب البطاقة إلى الحساب الجاري لحامل البطاقة، وتحديد الحدود المحددة سلفا للبطاقة ".
البنك المصدر للبطاقة وكيل عن حامل البطاقة في دفع قيمة مشترياته، مفوض في ذلك تفويضًا مطلقًا، كما ورد النص بهذا في بعض اتفاقيات البنوك. الشرط الذي يجب أن يتوافر في الوكيل والموكل وهما في هذا الموضوع؛ البنك مصدر البطاقة - بشخصيته الاعتبارية - وحامل البطاقة جواز التصرف، وهو شرط مشترك بينهما، وَرَدَ النص عليه في الفقه الإسلامي.
" الركن الثاني: (الموكل) :
وكل من جاز له التصرف لنفسه جاز له أن يستنيب فيما تجوز النيابة فيه، لأجل الحاجة إلى ذلك على الجملة.
وكذلك حكم الوكيل، وهو الركن الثالث، فإن من جاز له أن يتصرف لنفسه في الشيء جاز له أن ينوب عن غيره إذا كان قابلًا للاستنابة. هذا هو الأصل إلا أن يعرض ما يمنع من توكيل شخص فلا يوكل. . . ". (1)
الركن الثالث: (الموكل فيه) : تسديد قيمة المشتريات عن حامل البطاقة.
قد فصل الحكم فيه وفي شروطه العلامة ابن شاس من المالكية بقوله: " ما فيه التوكيل، وله شرطان:
الأول: أن يكون قابلًا للنيابة، وهو ما لا يتعين لحكمه مباشرة: كأنواع البيع، والحوالة، والكفالة، والشركة، والوكالة، والمضاربة (والمصارفة) ، والجعالة، والمساقاة، والنكاح، والطلاق، والخلع، والصلح، وسائر العقود والفسوخ. . . ويجوز التوكيل بقبض الحقوق واستيفاء الحدود والعقوبات. . .
الشرط الثاني: أن يكون ما به التوكيل معلومًا في الجملة، ويستوي كونه منصوصًا عليه، أو داخلًا تحت عموم اللفظ، أو معلوما بالقرائن، أو بالعادة،. . . والتوكيل بالإبراء لا يستدعي علم الموكل بمبلغ الدين المبرأ عنه، ولا علم الوكيل، ولا علم من عليه الحق. . . " (2)
وفي المذهب الحنبلي: " تصح الوكالة (في كل حق آدمي) متعلق بمال، أو ما يجري مجراه (من عقد) كبيع وهبة وإجارة ونكاح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وكّل في الشراء والنكاح، وألحق بهما سائر العقود، (وفسخ) لنحو بيع (وطلاق) ؛ لأن ما جاز التوكيل في عقده جاز في حَلّه بطريق أولى، (ورجعة) لأنه يملك بالتوكيل الأقوى، وهو إنشاء النكاح، فالأضعف وهو تلافيه بالرجعة أولى، وتملك المباح، وصلح وإقرار ". (3)
(1) ابن شاس، الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ج 3، ص 677
(2)
الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ج 2، ص675 -677
(3)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج 2، ص 302
الركن الرابع: الصيغة
تنص اتفاقيات شروط إصدار البطاقة صراحة على تفويض البنك المصدر للبطاقة للسحب مباشرة من حساب حامل البطاقة، وهذا متفق تمامًا مع ما هو مطلوب لهذا الركن، منسجم مع المنصوص عليه فقهًا. يقول العلامة ابن شاس المالكي رحمه الله تعالى:
" الركن الرابع: الصيغة الدالة على معنى التوكيل، أو ما يقوم مقامها في الدلالة عليه، ثم لا بد من القبول، فإن وقع على الفور فلا خفاء بصحة العقد، وإن تراخى بالزمان الطويل فقال الإمام أبو عبد الله: قد يتخرج عندي على الروايتين في قول الرجل لزوجته: اختاري. أو قوله: أمرك بيدك. فقامت من المجلس ولم تختر، ثم قال: والتحقيق في هذا يرجع إلى اعتبار القصد والعوائد، هل المراد في هذه الألفاظ استدعاء الجواب فورًا، فإن تأخر سقط حكم الخطاب، أو المراد استدعاء الجواب معجلًا أو مؤجلًا ". (1)" قال البساطي: ليس للوكالة صيغة خاصة، بل كل ما دل لغة أو عرفًا فإنها تنعقد به. . . ". (2)
يتفق الحنابلة في هذا مع المالكية في القول بأنه: " (تصح) الوكالة أي إيجابها (بكل قول يدل على الإذن) في التصرف (كوَكَّلتك، أو فوضت إليك) في كذا. . .، أو جعلتك نائبًا عني، لأنه لفظ دال على الإذن، فصح كلفظه الصريح، قال في الفروع: ودل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع، وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصار، أو خياط، وهو أظهر كالقبول. اهـ.
" (و) يصح قبول الوكالة بـ (كل قول، أو فعل من الوكيل يدل على القبول
…
) . (3) ، (ويصح قبولها) أي الوكالة (على الفور والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة، أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول: قبلت) . وكذا سائر العقود الجائزة كشركة، ومضاربة، ومساقاة، ونحوها) كالمزارعة (في أن القبول يصح بالفعل فورًا ومتراخيًا. . . ". (4)
(1) الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ج 2، ص 678 - 679
(2)
الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، ج 5، ص 191
(3)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 461 - 462.
(4)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 461 - 462
ثانيًا - تصرفات مصدر البطاقة بالخصم من حساب التاجر:
من جملة الأعمال التي تسند وكالة إلى مصدر البطاقة خصم مصدر البطاقة عمولته المتفق عليها بينه وبين التاجر من حساب التاجر، يتقاضاها البنك مصدر البطاقة على إجمالي قيمة مبيعاته مقابل خدماته لتحصيل مستحقاته، والخدمات الإدارية، والأدوات المكتبية التي يقدمها له. كذلك إرجاع قيمة السندات غير الصحيحة وقيمة البضاعة المعادة إليه.
يتولى البنك المصدر للبطاقة هذه الأعمال بطريقة شرعية قانونية حيث ينص عليها في الاتفاقية بينهما.
أنموذج للاتفاقية المبرمة في هذا الخصوص بين التاجر ومصدر البطاقة:
(اتفاقية التاجر) لبنك القاهرة السعودي في المادتين 2 و 8 حسب النصوص التالية:
" 2 - شروط الشراء وتسديد الحسابات والمصاريف:
يقدم التاجر إلى البنك كشفًا رسميًّا بالحسابات والمصاريف الناتجة عن هذه العمليات طبقًا لشروط الاتفاقية، وبعد اعتمادها من البنك تعتبر أنها مباعة ومنقولة إليه (1) ، ويتم قيد كامل قيمة الكشف لحساب التاجر، ناقصا الخصم المتفق عليه كما هو مبين فيما بعد، خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم قسائم البيع للبنك ".
8 -
قسائم قيد للسلع المعادة والتعديلات:
في حالة موافقة التاجر على إعادة ثمن سلع مباعة، أو جزء منه إلى حامل البطاقة يترتب عليه إصدار قسيمة قيد بالحساب على النموذج المزود به من قبل البنك، وطبعها طبقا لتعليمات البنك الواردة إليه، وتسلم نسخة منها إلى حامل البطاقة، ونسخة إلى البنك.
ويقوم البنك بإعادة المبلغ المستحق لحامل البطاقة، وذلك بقيد القيمة لحسابه، وخصم نفس المبلغ من حساب التاجر، على أن يتم تعديل الخصم (إذا وجد) الذي يكون التاجر قد دفعه بشأن هذه العملية، كما هو مبين في هذه الاتفاقية، ولا يجوز للتاجر في أي حال من الأحوال دفع أية مبالغ نقدية لحامل البطاقة مقابل سلع معادة ".
مصدر البطاقة يأخذ للتاجر قيمة مبيعاته من حامل البطاقة ليضعها في حسابه بالبنك، فهو وكيل عنه في القبض، كما أنه يخصم من حساب التاجر المستحق عليه من قيمة البضائع المعادة، والمبالغ المخصومة الأخرى بحكم الوكالة والتفويض.
ورد النص على صحة الوكالة في قبض سائر الحقوق في المذاهب الفقهية من دون تخصيص للقرض.
(1) تفيد هذه العبارة ظاهرًا - ولعل هذا غير مقصود - أن البنك أصبح مشتريًا للبضائع التي حصل عليها حامل البطاقة حتى يكون هذا - حسب اعتقاد البنك - سببا للخصم بطريقة مشروعة.
المذهب الحنفي:
يقول الإمام أحمد بن محمد القدوري: " كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره، ويجوز التوكيل بالخصومة في سائر الحقوق، وبإثباتها، ويجوز التوكيل بالاستيفاء إلا في الحدود والقصاص ". (1) والمقصود من (الاستيفاء) : " استيفاء الحقوق وهو قبضها ". (2)
قد سبق أن مصدر البطاقة ضامن للتاجر حقوقه في ذمة حامل البطاقة لما يبيعه له لدى استخدامه البطاقة، يعني هذا أن مصدر البطاقة أصبح وكيلًا في قبض حقوق التاجر، وهو نفسه الضامن لحقوق التاجر من حامل البطاقة.
هذا الجمع بين الضمان والوكالة في شخص واحد غير صحيح لدى الحنفية، ويصبح التوكيل باطلًا، نصُّوا على هذا وعللوه في النص التالي:
" (وبطل توكيله الكفيل بمال) معناه إذا كان لرجل دين على رجل، وكفل به رجل، فوكل الطالب الكفيل بقبض ذلك الدين من الذي عليه الأصل، لم يصح التوكيل؛ لأن الوكيل هو الذي يعمل لغيره، ولو صححنا هذه الوكالة صار عاملًا لنفسه ساعيًا في براءة ذمته، فانعدم الركن فبطل، ولأن قبول قوله ملازم للوكالة لكونه أمينًا، ولو صححناه وجب أن لا يقبل قوله، لكونه متهما فيه بإبراء نفسه.
ولا يقال: ينبغي أن تبطل الكفالة وتصح الوكالة كعكسه، فإنه لو وكله بقبض الدين، ثم ضمن الوكيل الدين صح الضمان وبطلت الوكالة، لأنا نقول: الكفالة أقوى من الوكالة لكونها لازمة، فتصلح ناسخة بخلاف العكس ". (3)
(1) الكتاب (المختصر) مع شرحه اللباب في شرح الكتاب، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1400هـ/ 1980 م) ، ج2، ص 138
(2)
العيني، البناية في شرح الهداية، ج 7، ص 266
(3)
الزيلعي، فخر الدين عثمان، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، (بيروت: دار المعرفة) ، ج4، ص 281
المذهب المالكي:
ورد النص بالصحة في مختصر سيدي خليل رحمه الله تعالى بقوله: " صحت الوكالة في قابل النيابة من عقد وفسخ ، وقبض حق، وعقوبة وحوالة، وإبراء، وإن جهله الثلاثة (الموكل والوكيل، ومن عليه الحق) ". (1) ولم يرد نص على تقييد صحة الوكالة أو تعليقها بخلو الوكيل من عقد الضمان فيما توصلت إليه في البحث على قدر ما أحاط به العلم.
في المذهبين الشافعي والحنبلي:
يصح أن يتولى شخص واحد في العقد طرفي العقد، كأن يكون
وكيلًا عن الدائن يستلم له حقوقه من المدين، ووكيلًا عن المدين في دفع ما توجب عليه في ذمته للدائن.
بمعنى أن مصدر البطاقة في عقد البطاقة يكون وكيلًا للتاجر في استلام حقوقه من مدينه حامل البطاقة، كما أن مصدر البطاقة يكون وكيلًا لحامل البطاقة المدين في دفع ما عليه في ذمته للتاجر، وهو ما يجري به العمل في البنوك المصدرة للبطاقات في الاتفاقية مع حامل البطاقة واتفاقية التاجر.
ورد النص بهذه القاعدة عند الشافعية في العبارة التالية: " (ويصح) التوكيل (في طرفي بيع وهبة ورهن، ونكاح، وطلاق، وسائر العقود والفسوخ كالصلح، والحوالة، والضمان،، والشركة، والإجارة، والفسخ، بخيار المجلس، والإقالة، والرد بالعيب،) وقبض الديون، وإقباضها والدعوى والجواب ". (2)
كما ينص المذهب الحنبلي على العقود التي تجوز فيها الوكالة في العبارة التالية:
" (ويصح التوكيل (في طلاق، ورجعة، وحوالة، ورهن، وضمان، وكفالة، وشركة، ووديعة، ومضاربة، ومساقاة) ومزارعة (من إجارة، وقرض، وصلح، وهبة، وصدقة، ووصية، وكتابة، وتدبير، وإيقاف، وقسمة، وحكومة ". (3)
وينصُّ المذهب صراحة على صحة تولي طرفي العقد وكالة في عقد البيع لشخص واحد يقاس عليه بقية العقود التي تجوز فيها الوكالة، ومنها القرض إيفاء واستيفاء. ولا يصح بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، ولو زاد على مبلغ ثمنه في النداء، أو وكَّل من يبيع، وكان هو
أحد المشترين إلا بإذنه. فيصح تولي طرفي العقد فيهما) أي في البيع والشراء لانتفاء التهمة ومثله نكاح. . . ودعوى " (4)
اتضح من كل ما سبق أنه لا اعتراض فقهًا حسب رأي الجمهور أن يكون مصدر البطاقة وكيلًا في الدفع والقبض عن حامل البطاقة والتاجر في آن واحد، وضامنًا أيضًا.
* * *
(1) شرح المواق بهامش الحطاب، مواهب الجليل، ج5، ص 181
(2)
المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد، شرح منهاج الطالبين مع الحاشيتين، ج 2، ص 338
(3)
البهوتي، كشاف القناع، ج 3، ص 464
(4)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج 2، ص 473؛ انظر القاعدة الفقهية في هذا الموضوع، ص 697 من هذا البحث.
المبحث الثالث:
مرجعية البنوك في قضايا البطاقات
لا بد لكل عقد من مرجعية يلجأ إليها المتنازعان في العقود في حالة الاختلاف بينهما، ينص عليها لدى إبرام العقد.
ليست البطاقات البنكية استثناء من هذه القاعدة، المثال القائم اتفاقية البطاقات التي تقدمها البنوك في المملكة العربية السعودية للراغبين في الحصول عليها اشتملت على النص على الجهة التي يرجع إليها في قضايا النزاع للفصل والحكم فيها.
نصت جميع الاتفاقيات بين البنوك المصدرة للبطاقات وحاملي البطاقات، أو التجار أن المرجع في ذلك هو الأنظمة واللوائح المعمول بها في المملكة العربية السعودية، باستثناء البنك السعودي الفرنسي، فقد أعطى لنفسه حرية الرجوع إلى أي جهة، أو لجنة، أو هيئة قضائية، في المادة (3) وكذلك في المادة (4) حيث لم يخصص القضاء في السعودية للمحاكمة وحل النزاع، وهو خروج على القاعدة المعروفة: أن جهة التقاضي تكون في البلاد التي يزاول فيها الخصوم نشاطاتهم التي تكون السبب في منازعاتهم. فيما يلي الفقرات التي تنص على هذا من اتفاقيات البنوك العاملة في المملكة العربية السعودية:
البنك السعودي البريطاني:
المادة (22) من اتفاقية التاجر النموذجية تنص على التالي:
" القانون الذي يحكم هذه الاتفاقية: تخضع هذه الاتفاقية، وتفسر وفقًا للقوانين المعمول بها في المملكة العربية السعودية ".
البنك الأهلي التجاري:
" 17- تخضع هذه الشروط للأنظمة والقوانين المعمول بها في المملكة العربية السعودية، وأي نزاع ينشأ بخصوص هذه الشروط سيحال إلى السلطات السعودية التي سيكون حكمها نهائيًّا وملزمًا ".
بنك الرياض:
تنص المادة (14) من اتفاقية بطاقة إقراض (ائتمان) بنك الرياض على ما يأتي:
" 14- النظام واجب التطبيق وتسوية المنازعات:
يخضع تفسيره وتنفيذ شروط وأحكام هذه الاتفاقية، وأية معاملات ناشئة عنها، أيًّا كان مكان إجرائها أو أطرافها لأحكام الأنظمة واللوائح السعودية وحدها، وتختص لجنة تسوية المنازعات المصرفية بمؤسسة النقد العربي السعودي أي نزاع قد ينشأ بشأنها ".
البنك العربي الوطني:
ينص في كل من استمارة الطلب دعوة للحصول على بطاقة فيزا العربي الإقراضية - الائتمانية - في المادة: " 22 - أحكام الاتفاقية: تخضع شروط وأحكام هذه الاتفاقية إلى القوانين والأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية ".
وكذلك بالنسبة لاستمارة طلب (بطاقة العربي إلكترون الدولية) في الفقرة: " 16 - تخضع هذه الشروط للأنظمة واللوائح الصادرة من الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية ".
البنك السعودي الفرنسي:
تنص المادة (24) من اتفاقية البنك السعودي الفرنسي:
" القانون الذي يغطي هذه الاتفاقية: (24 Covering Law) . يوافق حامل البطاقة في حالة إخفاقه في تسديد مدفوعاته، أو عدم وفائه بشروط الاتفاقية، أو مسؤولياته على الآتي:
للبنك الحق في إقامة الدعوى، والتوجه إلى أي محكمة، أو لجنة، أو هيئة لها نفوذ قانوني على حامل البطاقة. سواء كانت ممتلكاته داخل المملكة السعودية أو خارجها، يقدم للقضاء أمام أي محكمة أو لجنة أو هيئة أو مجلس، لا يمنعه هذا من اتخاذ أي إجراء ضده في أي هيئة قضائية سواء وافق عليها، أو لم يوافق.
3 -
يعطى حامل البطاقة موافقته على عدم الاعتراض في الحاضر والمستقبل أيضًا لأي دعوى، أو إجراء أحضر أمام أي هيئة قضائية.
4 -
هذه المواد والشروط تقرأ وتفحص حسب القانون واللوائح القضائية والتنظيمية إذا جرت المحاكمة في المملكة العربية السعودية، أو خارجها باستثناء القانون الدولي الخاص ".
إن العرض المغري للبطاقات من قبل البنوك المحلية، والإقبال الشديد عليها من قبل الأفراد على كافة المستويات، دون فحص للشروط والأحكام التي تضعها البنوك على حامل البطاقات ودون حماية قانونية، كما هو المعمول به في الدول الأخرى سيتكشف المستقبل عن مشاكل ومنازعات واسعة ومعقدة، تستوجب الأخذ بالحيطة والحذر مبكرًا، وإلا فستجد المحاكم الشرعية - أو لجان فض المنازعات بوزارة التجارة - نفسها غارقة في مشاكل وخصومات لا حدود لها من جراء الغفلة عن إحكام أمرها ووضع اللوائح والأنظمة التي تحمي كافة أطراف العقد فيها.
* * *
المبحث الرابع:
الآراء المختلفة في تكييف عقد نظام البطاقات والتوفيق بينها
أولى مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة عناية كبيرة لموضوع نظام البطاقة من الناحية الفقهية الشرعية، فقد طرح الموضوع للبحث والنقاش في الدورات السنوية التالية:
1) دورة مؤتمره السابع المنعقد بجدة (المملكة العربية السعودية) من 7 -12 ذي القعدة عام 1412 هجرية/ 9 - 14 مايو عام 1992 ميلادية، وقدمت فيه البحوث التالية:
1 -
(بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي) .
2 -
(بطاقة الائتمان وتكييفها الشرعي) : إعداد الدكتور عبد الستار أبو غدة.
3 -
(بطاقات الائتمان) : إعداد الدكتور محمد علي القري بن عيد.
4 -
(بطاقات الائتمان دراسة شرعية عملية موجزة) : إعداد الأستاذ الدكتور رفيق يونس المصري.
2) ثم عُرض الموضوع في جدول أعمال الدورة الثامنة المنعقدة ببندر سيري باجوان بروناي دار السلام من 21 - 27 محرم عام 1313 هجرية، الموافق 21 - 27 يونيو، عام 1993، قدمت فيه البحوث التالية:
1 -
(بطاقات الائتمان) : إعداد فضيلة الشيخ حسن الجواهري.
2 -
(بطاقات الائتمان) : إعداد فضيلة الشيخ محمد المؤمن.
3) ثم أخيرًا وضع على جدول أعمال الدورة العاشرة المنعقدة بجدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر عام 1418 هجرية، الموافق 28 - 3 يوليو عام 1997 ميلادية، وقدم فيه بحث بعنوان (بطاقات المعاملات المالية: بطاقات الإقراض، والسحب المباشر من الرصيد (1) (Credit Card) من إعداد: عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، وهو مشروع هذا البحث، وقد استغرقت مناقشته يومًا كاملًا من أيام الدورة.
(1) أعيدت صياغة العنوان إلى (البطاقات البنكية. . .) رغبة في تبسيطها وتوضيحها للعامة.
كما أقامت بعض البنوك الإسلامي الندوات المتعددة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها توصل فيها الفقهاء إلى آراء مختلفة، والذي أدى إلى هذا الاختلاف عمومًا هو عدم دقة العنوان الاقتصادي وغموض مصطلح كلمة (ائتمان) كما سبق توضيحه، فمن ثم اختلفت آراء الفقهاء الباحثين في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة في تكييف عقد نظام البطاقة كلًّا، وفي حكم بعض أجزائه، إباحة وتحريمًا، وفيما يلي عرض لهذه الآراء ومناقشتها في إيجاز:
أولًا: الآراء في تكييف العقد كلًّا:
الرأي الأول:
رأي فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة:
يرى فضيلته أن نظام البطاقة يتضمن:
أولًا: توكيلًا وكفالة، وقرضًا حسنًا بالنسبة للبنوك الإسلامية، وهو ما صرح به في العبارة التالية:
" الأصل في استخدام البطاقة أن هناك توكيلًا وكفالة، وهناك قرضًا حسنًا في بعض الأحيان من البنوك التي لا تشترط أن يكون السحب من حساب العميل مباشرة، وإنما أن يدفع المصدر، ثم يستوفي. . . ". (1)
وفي جوابه على السؤال عن تصوره للتكييف الشرعي لهذا العقد للبطاقة يقول بعد شرحه لإجراءات العمل بالبطاقة:
". . . إن البطاقة تتضمن مرورًا بهذه التصرفات حسب الحاجة فهي تقوم أساسًا على الحوالة مع جزء من الوكالة، وفيها ضمان من مصدر البطاقة لحاملها، كما أنها تصبح قرضًا، ولكنه بالنسبة للبنوك الإسلامية يكون في إطار القرض الحسن. . . ". (2)
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، العدد السابع، عام 1412 هـ/ 1992 م، ج1، ص 657 -659
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، العدد السابع، عام 1412 هـ/ 1992 م، ج 1، ص 657 -659
المناقشة:
أولًا: يسلم لفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة حفظه الله ما توصل إليه من أن هذا العقد يتضمن (الوكالة، والضمان) من مصدر البطاقة، وهو ما توصل إليه البحث في الفصل الثاني في المبحث الثاني منه بالنسبة لعقد الوكالة تصويرًا وتكييفًا، وكذلك بالنسبة لعقد الضمان في تكييف العلاقات المتعددة بين مصدر البطاقة وحاملها.
أما عقد (الحوالة) فإنه لا يشكل حسب الضابط الفقهي في المذهب الحنفي " أن الكفالة بشرط براءة الأصل (حوالة) اعتبارًا للمعنى، كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل تكون (كفالة) ".
هذان الجانبان نقطتا اتفاق بيننا، على أنهما لا يمثلان كل العقود التي يتضمنها نظام البطاقة.
ثانيًا: يعترف فضيلته بأن هذا النظام يتضمن قرضًا حسنًا بالنسبة للبنوك الإسلامية، وهذا صحيح إذا لم يكن ثمّت زيادة على مبلغ الإقراض، ولكن على أي حال فثمت عقد إقراض هو أحد العقود الأساسية في نظام البطاقة (Credit Card) ، وهو قرض بزيادة ربوية لدى البنوك التقليدية الربوية.
إذا تم التسليم من قبل فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة بأن هذه العقود تتوافر جميعها في نظام البطاقة من جوانب وعلاقات مختلفة فإن وجهات النظر متفقة، وهو ما توصل إليه البحث بصورة تفصيلية.
إن القول بأن نظام البطاقة هو عقد (حوالة) فقط فيه صرف للأنظار عما يحتوي عليه من عمليات ربوية محرمة مبنية أساسًا على القرض الربوي المعلوم الحرمة بالضرورة.
ثالثًا: عقد الوكالة في تصور فضيلته يتمثل في التالي:
" في تحصيل البنك دين التاجر من حامل البطاقة، وأن البنك قام بدفع هذا الدين من ماله لاختصار الإجراءات، ثم ذهب ليحصل على مستحقاته على هذا الذي حمل البطاقة ".
الوكالة هي في دفع البنك مصدر البطاقة ما توجب للتاجر في ذمة حامل البطاقة، أما القول بأن " البنك قام بدفع هذا الدين من ماله لاختصار الإجراءات "، فيبدو لي أنه مستبعد لا يمت للواقع بشيء، كما أن فيه تعارضًا لما سبق تقريره من قبل الدكتور نفسه؛ ذلك أنه: اعترف سابقًا أنها - أي البطاقة - تصبح قرضًا، " ولكنه بالنسبة للبنوك الإسلامية يكون في إطار القرض الحسن ".
حينئذ لا يمكن القول بأن " البنك قام بدفع هذا الدين من ماله لاختصار الإجراءات "، القضية الأساس هي القرض باعترافه، البنك يقوم بتسديد الدين عن حامل البطاقة بحكم الوكالة المخول بها من قبل حامل البطاقة، حسب العقد المبرم بينهما والاتفاقات التي تنص على هذا.
الرأي الثاني:
رأي فضيلة الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي:
عقد البطاقة (حوالة)، أو (وكالة) بأجر. هذا ما نص عليه في العبارة التالية:
" أنها إما من قبيل الحوالة، واليوم الحوالات المصرفية تكون مقابل أجر، فيمكن أن نعتبرها من هذا القبيل، أو أن نعتبرها كما ذكر من قبيل: (الوكالة) بالأجر، باستيفاء مبلغ أو بوكالة بالقبض، أو وكالة بالدفع، وهذا كله سائغ عند الفقهاء ". (1)
جاء هذا النص في معرض التعقيب على الباحثين بعد أن رفض أن يكيف عقد البطاقة بأنه عقد (كفالة) ، أو (ضمان) كما هو رأي فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة.
وفي معرض تعقيبه أيضًا رفض أن يكون من قبيل (الجعالة) ، أو (صلح الحطيطة) وهو الرأي الذي تبناه فضيلة الأستاذ الدكتور نزيه حماد. كما رفض أن يكون عقد البطاقة من قبيل (القرض الحسن)، وعقب أخيرًا بقوله:
" إذن بعد رفض كل هذه التكييفات - قبل أن يتكلم الأخ الدكتور
عبد الستار أبو غدة - فإني أتصور أن هذه البطاقة إذا أردنا التسامح والتكييف السريع لها فأوافقه في أنها من قبيل الحوالة ، أو أن نعتبرها كما ذكر من قبيل الوكالة بالأجر ". (2)
وهو رأي مقبول في التصور الجزئي لبعض جوانب عقد البطاقة البنكية، وقد سبق تقرير هذا في ثنايا البحث، وهو يمثل جانبًا واحدًا بين العقود المتعددة في نظام البطاقة، ويتفق مع ما جاء في البحث من نتيجة بهذا الخصوص، ولكنه لا يقدم تصورًا كاملًا.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج 1، ص 668 - 669
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج 1، ص 668 - 669
الرأي الثالث: (كفالة) :
تبنى هذا الرأي فضيلة الأستاذ الدكتور نزيه حماد في قوله:
" من أجل ذلك لا أرى بتاتا أن تطبق على القضية أحكام عقد (الوكالة) ، (ووكالة بأجر) ، إنما تطبق عليها أحكام (الكفالة) ، فالشركة المصدرة هي (كفيل) ؛ لأنها لا تأخذ أجرًا على الكفالة من المدين (من المكفول) ، وإنما تأخذ من طرف ثالث وهو البائع ". (1)
المناقشة:
تكييفه نظام عقد البطاقة بعقد واحد يقال فيه ما قد سبق قوله عند عرض الآراء السابقة.
القول بالكفالة أو الضمان صحيح فيما يتعلق بضمان مستحقات التاجر على حامل البطاقة، وهو ما يربط الأطراف الثلاثة في عقد واحد هو (الضمان) ، أو (الكفالة) ، ولكن من غير المسلم به أن يكون هو العقد الوحيد في تكييف عقود نظام البطاقة؛ فقد أغفل العقد بين مصدر البطاقة وحاملها من جهة وبينه وبين التاجر، وبين التاجر ومصدر البطاقة من جهة أخرى.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج 1، ص 664
الرأي الرابع:
لفضيلة العلامة الفقيه الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقا، هو في حقيقته توفيقي وتحليلي للآراء السابقة حسب ما ورد في تعليقه بقوله: " فكرة الكفالة ذكرها الدكتور عبد الستار أبو غدة ولم ينفها، ولكن الوكالة أعتقد لا يمكن نفيها أيضًا عن بطاقة (الائتمان) .
الواقع أن بطاقة (الائتمان) تتضمن وكالة وكفالة، فحامل البطاقة الذي يفتح حسابًا في المصرف، ويأخذ البطاقة منه، هذه عملية إصدار البطاقة وأخذها من المصرف تتضمن توكيلًا للمصرف مصدر البطاقة، بأن يدفع عن مستعملها وحاملها أن يدفع عنه ما يقع عليه من التزامات مالية، وأن يحتسب ما دفعه عنه، يقتطعه من حسابه، يعني إذن فيها توكيل، وفيها كفالة وضمان ". (1)
اتسع تكييف فضيلة الأستاذ الدكتور الزرقا حفظه الله لعقدين فقط:
هما (الكفالة والوكالة) بتصور لا يبعد كثيرًا عما توصل إليه البحث، وقد أبان حفظه الله بوضوح كيفية التصور لهما. لم يتعرض فضيلته لعقد القرض في نظام البطاقة، لأنه كان في معرض التعقيب للتوفيق بين الآراء المختلفة، وليس في مجال العرض والتحليل لكامل نظام عقد البطاقة.
* * *
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، ج1، ص 672
ثانيًا: الآراء حول بعض الجزئيات في نظام عقد البطاقات
ناقش بعض الفقهاء الباحثين بعض الجزئيات في نطاق نظام عقد البطاقة وأبدى رأيه حولها، من المفيد عرض هذه الآراء ومناقشتها مثل: رسوم العضوية، اشتراط دفع غرامات التأخير، العمولة التي تؤخذ على التاجر، وقد تباينت الآراء حولها تكييفًا فقهيًّا وأحكامًا شرعية.
رسوم العضوية:
يرى فضيلة القاضي محمد تقي العثماني:
" أنها تخول حامل البطاقة بعدة تسهيلات، فإن بطاقة (الائتمان) الإقراض لا تقدم تسهيل الاقتراض فقط، وإنما تخول عدة تسهيلات، فهي رسوم العضوية للحصول على هذه التسهيلات، وكذلك لا ترتبط هذه الرسوم بالمبالغ التي تدفعها الشركة نيابة عن صاحب البطاقة، فتكون هذه الرسوم معينة سنويًا، وليس هناك أي ارتباط بما دفعته الشركة المصدرة نيابة عن صاحب البطاقة، فلا يمكن أن يقال: إنها ربا ". (1)
هذا الرأي يتفق تمامًا مع ما تم عرضه في ثنايا البحث بخصوص هذا الموضوع، بل إن فيه بعض الجوانب المهمة التي لم تذكر هناك؛ ذلك أن البعض يعتقد ارتباط هذه الرسوم بمسألة القرض وكميته، في حين أنه لا يوجد ارتباط أبدًا بين رسوم العضوية ومقدار السحب من القرض، وسواء استخدم البطاقة أم لم يستخدمها فإن مجرد طلبه البطاقة يتوجب عليه أن يدفع هذه الرسوم، وقد سبق الكلام على هذه الجزئية في ثنايا البحث.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع، ج 1، ص 667 - 674
اشتراط دفع غرامات التأخير:
عرض فضيلة القاضي محمد تقي العثماني حفظه الله هذا الموضوع كالتالي:
" من الواضح جدًّا أن الشركة المصدرة لا تحمل صاحب البطاقة هذه الغرامات إلا في حالة التأخير، وقد تعطي الشركة المصدرة مدة مثل شهر أو شهرين، فإن سدد صاحب البطاقة ما يجب عليه في خلال هذه المدة فلا مطالبة عليه إطلاقًا ولا يزاد عليه أي مبلغ، وإنما تحمل هذه الغرامة في حالة تأخره عن الأداء في تلك المدة المحدودة. ولا شك أن هذه الغرامة إذا حصلت فعلًا ينطبق عليها تعريف الربا، ولكن الرجل المسلم إذا دخل في مثل هذه المعاملة وحصل على هذه البطاقة، ومن نيته وعزمه أنه لا يؤخر في التسديد وإنما يؤدي في خلال هذه المدة المحددة، فلا أرى أن هناك مانعًا شرعيًّا من الدخول في هذه المعاملة ". (1)
رأي فضيلة العلامة الفقيه الشيخ محمد المختار السلامي حفظه الله
أنه لا يجوز للمسلم الدخول في مثل هذا العقد المرتبط بشرط باطل، قرر هذا المعنى في العبارة الآتية:
" تحدث الدكتور عبد الستار عن الشرط الباطل وعن الشرط الصحيح، القضية ليست قضية شرط باطل وقضية شرط صحيح، لا بد أن نخرج بالفقه الإسلامي أولًا لما جاءت به الشريعة وهو التحريم والتحليل. فهل يحل للإنسان أن يقدم على مثل هذه المعاملة، أي أنه يمتلك بطاقة ائتمان يكون عند تعامله بها هو قد دخل على أساس أنه ملزم بدفع الربا، وأنه سيدفعه إذا تأخر؟ "(2)
هذان الرأيان المتعارضان: رأي القاضي العثماني ورأي فضيلة الشيخ السلامي يمثل اجتهادهما ما سبق عرضه أثناء البحث من عرض لفقه المذاهب الأربعة بالنسبة للعقد الذي تضمن شرطًا باطلًا، وموقف الفقهاء منه.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع، ج1، ص 667 - 674
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع، ج 1، ص 667 - 674
عمولة البنك التي يدفعها التاجر من قيمة المبيعات:
لخص فضيلة القاضي العثماني حفظه الله الأقوال حول هذه المسألة وخلص إلى جوازها وإباحتها على أنها أجرة (السمسرة) ؛ حيث يتمثل عمل مصدر البطاقة في الترويج لمبيعات التجار، وتسويق مبيعاتهم، وفيما يلي ما جاء نصًّا في تعقيباته:
" المسألة الثانية: هي مسألة خصم الشركة المصدرة نسبة معينة من الثمن الواجب على صاحب البطاقة، وإن هذا الخصم يتحمله التاجر الذي باع السلع إلى صاحب البطاقة، وإن هذا الخصم هو الذي اختلف فيه فقهاء عصرنا في تكييفه، فمن قائل يقول: إنه مماثل لخصم الكمبيالة، فإذا قلنا: إنه مماثل لخصم الكمبيالة، وخصم الكمبيالة عقد ربوي لا يجوز، فنضطر إلى القول بعدم الجواز.
وقد خرجه بعض الأخوة هنا أنه أجرة على الكفالة، ولعلي سمعت الدكتور نزيه كمال حماد أنه يميل إلى هذه الناحية - أو الدكتور وهبة - أنه أجرة على الكفالة، وبما أن الأجرة على الكفالة لا تجوز شرعًا فلعله يريد أن هذا الخصم غير جائز. ولكن الذي أريد أن ألفت الأنظار إليه هو: أن الأجرة على الكفالة لا تجوز، هي الأجرة المدفوعة إلى المكفول عنه، وهنا الأجرة لا تدفع للمكفول عنه، إنما يطالب به المكفول له لا المكفول عنه، والأجرة المحرمة شرعًا هي التي يطالب بها المكفول عنه؛ فلذلك لا ينطبق عليه ما قيل في الأجرة على الكفالة، والذي أميل إليه أنه يمكن له تكييف آخر، وهو أنه أجرة السمسرة، وإني أميل إلى هذا التكييف لسببين: الأول: أن الشركة المصدرة تقوم للتجار بخدمة، وهي أنها تجلب إليهم الزبائن من خلال إصدار هذه البطاقة، فمن خلال هذه الخدمة تطالب بأجرة، وهي الخصم الذي تحصل عليه من قبل التجار.
الثاني: أن سعر هذا الخصم يختلف غالبا عن سعر الفائدة السائد في السوق، يعني سعر الفائدة الذي هو سعر هذا الخصم ليس مطابقًا لسعر الفائدة السائد في السوق. فيمكن تكييف هذا الخصم على أساس أنه أجرة السمسرة تطالب بها الشركة المصدرة التجار. ومن هذه الناحية أرى أنه إذا حصل رجل على هذه البطاقة ومن نيته وعزمه أنه لا يتجاوز في الأداء عن المدة المحددة من قبل الشركة المصدرة فلا مانع منه شرعًا ". (1)
هذا الرأي بخصوص الخصم من قيمة مبيعات التاجر لا يتعارض مع ما جاء في البحث من أنها أجرة على الخدمات أو الوكالة بأجر.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع، ج 1، ص675
التوفيق بين الآراء المختلفة:
أبدى معظم الباحثين كما سلف تكييفات متعددة ومختلفة لنظام البطاقة كلًّا، وهذا غير سليم؛ للأسباب التي ذكرت في ثنايا البحث، يضاف إلى ما تقدم أن من يعد نظام عقد البطاقة عقد (حوالة) فقط كما يذهب إلى هذا عدد من فقهاء المجمع يأتي في مقدمتهم فضيلة العلامة الفقيه الأستاذ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع.
إن الاطلاع على عقود البنوك للبطاقة يثبت أنه ليس فيها ما يشير إشارة صريحة أو ضمنية إلى هذا العقد، بل إن الاتفاقيات تبرم بشكل منفصل بين حامل البطاقة والبنك المصدر من جهة، ثم بين التاجر ومصدر البطاقة، وهي تنص على العلاقة الفقهية والقانونية بينهما، فليس من الصواب أن يكيف بعقد واحد جميع هذه العقود.
وللتوفيق بين ما ذكره هؤلاء الباحثون الأفاضل وبين ما توصل إليه البحث يقال: إن نظام البطاقة يشتمل على عدة عقود وليس عقدًا واحدًا. لدى التأمل والفحص يمكن القول:
إن العقد الذي يضم أطراف العقد في نظام البطاقة هو عقد (الضمان) ، أو عقد (الحوالة) صحيح، حيث يضم أطراف العقد الثلاثة:
المصدر، حامل البطاقة، التاجر.
ولا يشكل الأمر بينهما، حيث يتردد هذا العقد من هذا الجانب بين الضمان والحوالة حسب الضابط السابق في المذهب الحنفي:" الحوالة بشرط البراءة ضمان، والضمان بشرط عدم البراءة حوالة "، وينفرد كل طرف مع الآخر بعقد مستقل له خصوصيته واستقلاله دون تعارض مع ما عداه.
حامل البطاقة يرتبط مع مُصدِر البطاقة بعقد قرض ووكالة بالإضافة إلى ما قيل عن الضمان أو الحوالة سابقًا. التاجر يرتبط مع مصدر البطاقة بعقد وكالة، بالإضافة إلى ما قيل في الضمان سابقًا.
هذا التفصيل يجمع الجوانب الصحيحة في كل مقالة، ويقدم تصورًا كاملًا للموضوع من جميع جوانبه دون أن يعود بالنقض والإبطال على أي واحد منها، والله أعلم بالصواب.
خاتمة البحث
خلصت الدراسات: الشرعية، والقانونية، والاقتصادية، والميدانية للبطاقات البنكية بقسميها: الإقراضية، وبطاقة السحب المباشر من الرصيد؛ إلى النتائج والملاحظات والتوصيات الآتية:
أو لًا - النتائج:
1 -
تُعرَّف البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد تعريفًا يبين حقيقتها وأقسامها بأنها: (أداة يصدرها بنك أو تاجر، أو مؤسسة تُخوِّل حاملها الحصول على السلع والخدمات، سحبًا لأثمانها من رصيده، أو قرضًا مدفوعا من قبل مُصدِرها ضامنًا لأصحاب الحقوق ما يتعلق بذمة حاملها، الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خلال مدة معينة من دون زيادة على القرض إلا في حالة عدم الوفاء، أو بزيادة ربوية لدى اختياره الدفع على أقساط، مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته في جميع الحالات) .
2 -
البطاقات البنكية على قسمين: بطاقات إقراض، وبطاقة سحب مباشر من الرصيد، أما بطاقات الإقراض فهي ثلاثة أنواع:
1) بطاقة الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط (Credit Card) .
2) بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الفائدة ابتداءً (Charge Card) .
3) بطاقة شراء التجزئة (Retailer Card)
تخضع هذه البطاقات لأحكام عقد الإقراض في الفقه الإسلامي من صحة الشروط وبطلانها.
3 -
الشروط الصحيحة فيها هي كل ما يقتضيه العقد ولا ينافيه: كالاشتراط بالتزام المسؤوليات، والوفاء في التسديد، واشتراط فتح حساب، أو رصيد بالبنك، ودفع رسوم الاكتتاب، والعضوية، والتجديد، والاستبدال؛ مما هو بالفعل لخدمة العملاء وليس لها دخل في الإقراض، كذلك الجوائز وغيرها التي هي مباحة أصلًا، واشتراط إنهاء العقد لدى عدم التزام حامل البطاقة بشروطه وأحكامه.
4 -
العمولة التي يشترطها البنك المصدر للبطاقة على التاجر هي خصم من قيمة المبيعات ليس زيادة، فليس ما يقال فيها إنها ربا، كما أنها ليست من قبيل (الوضع من الدين على التعجيل بتسديده) ؛ لأن تسديد البنك الضامن المُصدِر للبطاقة فوري لدى تسليم سندات البيع صحيحة، وليس في هذا شيء من الغرر، انتفاء هذه الأسباب والصفات الموجبة للبطلان يؤيد صحتها، حملًا لها بأنها مقابل الخدمات التي يقدمها مصدر البطاقة من تسويق، وتأمين للعملاء، وتحصيل لقيمة البضائع.
كما أن لها توجيهًا آخر ذلك هو الوكالة بأجر، إذ يعدُّ البنك المصدر للبطاقة وكيلًا للتاجر في قبض استحقاقات قيمة المبيعات من حاملي البطاقات وضمها إلى حسابه، كما أنه وكيل عنه في السحب من رصيده، فيما هو مستحق عليه للبضائع المرجوعة، كل هذه أعمال لها تكاليفها الإدارية والمكتبية.
5 -
الشروط الباطلة تتمثل في الزيادات المفروضة على عقد الإقراض في بطاقات الإقراض؛ من عمولات على القرض، وتأجيل التسديد، والسحب النقدي، والزيادة على تحويل العملات الأجنبية، وعمولة الشراء بأزيد من القرض المحدد. . . إلخ. ما ورد التنويه عنه في عرض البحث. هذه الشروط تؤثر على صحة العقد بالبطلان عند المالكية والشافعية، في حين أنها تعتبر باطلة وملغاة عند الحنفية والحنابلة ويظل العقد الأصل صحيحًا في هذين المذهبين.
6 -
بطاقة السحب المباشر من الرصيد، أو ما تسمى بـ (القيد المباشر على الحساب المصرفي)(Debit Card) ليست معدودة في بطاقات الإقراض، ولا ينزل عليها أحكام باب القرض في الفقه الإسلامي.
الزيادات المضافة إلى قيمة الشراء، أو السحب النقدي أو صرف العملات الأجنبية، لا تعد في باب الزيادة الربوية في عقد هذه البطاقة ما دامت لا تتعارض مع الأحكام الأخرى، لأنه لا يوجد إقراض حتى يحكم بوجود زيادة ربوية أساسًا، ومن باب أولى أنه لا مجال لإدخالها في عموم حديث:" كل قرض جر نفعًا فهو ربا ". إلا إذا عد سحبه النقدي من غير بنكه قرضًا مسجلا عليه ليتقاضاه هذا البنك من بنك حامل البطاقة، ويسجل عليه عمولة على اعتبار أنه قرض فحينئذ يعد من باب الإقراض، تسري عليه أحكامه في الحل والتحريم، كما أن أي مزاولة أخرى بهذه البطاقة خارجة عن طبيعتها وحقيقتها ينبغي أن تخضع لتكييف وأحكام شرعية تتلاءم وتلك المزاولة.
إذا استعملت بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit Card) بقصد الإقراض بزيادة ربوية، أو خالية من الزيادة الربوية ابتداء فإنها تضم إلى قسم بطاقات الإقراض، تأخذ حكمها في الصحة والبطلان من حيث الشروط، ويتم تبعًا لهذا تصحيح عقد الضمان أو بطلانه كما هو الأمر بالنسبة لبطاقات الإقراض.
7 -
البطاقات الأخرى كبطاقات شركات الطيران، وتأجير السيارات وبطاقات المحلات التجارية تصنف حسب الاتفاق والعقد بين مصدر البطاقة وحاملها.
هل هي من نوع بطاقات الإقراض أم لا؟ هذا يخضع لطريقة تسديد المستحقات وكيفيته، والشروط المفروضة من قبل مصدرها.
في ضوء التأكد من الإجابة على هذه الأسئلة تأخذ حكم العقود التي تكيف بها إباحة وتحريمًا، صحة وبطلانًا.
8 -
يشتمل نظام بطاقات المعاملات المالية، سواء منها بطاقات الإقراض بأنواعها، أو السحب المباشر من الرصيد على عدة عقود بحسب طبيعة العقد وأطرافه.
أ) العقود التي تتم بين مصدر البطاقة وحاملها:
يرتبط هذان الطرفان بعقدين أساسيين:
الأول: عقد إقراض، حيث يخول مصدر البطاقة حاملها التصرف في حدود مبلغ يحدده له.
الثاني: عقد وكالة، وذلك حين يوّقع حامل البطاقة على بنود اتفاقية البطاقة التي تتضمن تفويضه للبنك مصدر البطاقة السحب من رصيده لقضاء ديونه، والتسديد للتجار نيابة عنه لكافة المستحقات والعمولات للبنك نفسه ولغيره.
ب) العقود التي تتم بين مصدر البطاقة والتاجر:
يرتبط هذان الطرفان بعقدين أساسيين:
الأول: عقد ضمان مالي، يلتزم به البنك المصدر للبطاقة للتاجر - الممول حاملي البطاقات بالبضائع والخدمات - دفع قيمة مبيعاته وأجوره، يقوم بتسديدها لحسابه مباشرة إذا توافرت كافة الشروط المطلوبة في سندات البيع.
يصبح مصدر البطاقة ضامنًا، والتاجر مضمونًا له، وحامل البطاقة مضمونًا، وقيمة المبيعات الدين المضمون به.
الثاني: عقد وكالة، حين يقوم البنك بتحصيل مستحقات التاجر من حاملي البطاقة ووضعها في حسابه بعد خصم عمولته، وبالخصم من حسابه لإرجاع قيمة السندات غير الصحيحة، وقيمة البضاعة المعادة إليه من دون رجوع إليه. كل هذا يقوم به مصدر البطاقة توكيلًا وتفويضا من التاجر حسب الاتفاقية بينهما.
ج) العقود بين حامل البطاقة والتاجر:
يعتمد تفعيل نظام البطاقة على التعامل بين حاملها وفئة التجار والمؤسسات بيعًا، أو إجارة، أو غير ذلك من العقود المالية التي قد يرتبط بها حامل البطاقة مع المحلات التجارية والمالية. تخضع هذه العقود للشروط والأركان في أبوابها من الفقه، وفي ضوئها يحكم لها بالصحة من عدمها.
9 -
لا تعارض بين أحكام الضمان في الفقه الإسلامي، وعقد بطاقات الإقراض؛ من حيث احتمالية ثبوت الدَيْن وجهالته أثناء العقد وغير هذا من الأحكام مما سبق عرضه تفصيلًا، ذلك أن مبنى الضمان في الفقه الإسلامي على التوسع فيتحمل فيه الجهالة، وفي الفقه الإسلامي للتاجر المضمون له حق مطالبة مصدر البطاقة الضامن، وحامل البطاقة المضمون سويًّا، إلا إذا شرط التاجر استيفاء حقه من مصدر البطاقة الضامن خاصة.
10 -
أما فيما يخص سلامة البضاعة المباعة من قبل التاجر لحامل البطاقة، فقد نفت البنوك ضمانها، وصلتها به في أي صورة وشكل صراحة، فلا علاقة ضمان، ولا وكالة تربطها به في هذا الخصوص. معنى هذا أن مسؤولية سلامتها هي مسؤولية التاجر لا غير، وهذا مقبول شرعًا. برغم أن المادة (75) من قانون القرض الاستهلاكي الإنجليزي تثبت مسؤولية البنك مصدر البطاقة بالشراكة مع التاجر.
11 -
من الضوابط الفقهية المقررة أنه: يصح عقد الضمان إذا صح الأصل الذي ترتب عليه. ولما أن عقد القرض في بطاقتَي:
1 -
الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط (Credit Card) .
2 -
الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء (Charge Card) يتضمن شروطًا باطلة تؤثر على صحة العقد بالبطلان والفساد، فإن عقد الضمان يعد فاسدًا لفساد المتحمل به.
أما عقد الضمان في بطاقة شراء التجزئة (Retailer Card) فإنه يحكم فيه على الصحة من عدمها حسب الشروط المتفق عليها بين مصدر البطاقة وحاملها؛ يعد عقد الضمان صحيحًا إذا كانت الشروط صحيحة مقبولة شرعًا، وباطلًا إذا كانت على خلاف ذلك.
" (وبطل) الضمان (إن فسد متحمّل به) أصالة كدراهم بدنانير، أو عكسه لأجل، أو عُروضًا كما لو باع ذمي سلعة لذمي بخمر أو خنزير، وضَمَنَه ذمي، فأسلم الضامن فلا يلزم الضامن حينئذ شيء، وظاهره ولو فات المبيع الفاسد، ولزم فيه القيمة ". (1)
(1) الدردير، أبو البركات أحمد، الشرح الكبير، ج 3، ص 340
12-
بطاقة السحب المباشر من الرصيد (Debit card) هي الأصح والأسلم شرعًا بين جميع أنواع البطاقات ، وهي التي تنسجم مع القواعد الشرعية ، وفي نفس الوقت تحقق ربحًا إسلاميًّا حلالًا للبنوك ، خصوصًا إذا طُوّرت واتخذ رصيد حاملها في البنك أداة استثمارية بالمضاربة والمشاركة مع البنك ، يتحقق به العدل للطرفين؛ إذ يستفيد حامل البطاقة من تنمية رصيده ، فلا يجمد بالنسبة له ، ولا يكون المستفيد الوحيد من الرصيد البنك فحسب ، بل يصبح الربح مشاركة بين الطرفين حسب الاتفاق دون غبن أو شطط.
ثانيًا - الملاحظات:
1 -
يستبدل الاقتصاديون الوضعيون والمؤسسات المصرفية التقليدية الربوية كلمة (ائتمان) بكلمة (إقراض) أو (دين) ، ويتجاهلون عمدًا استعمال إحدى هاتين الكلمتين برغم وضوحهما ومعرفة مدلولهما لدى عامة الناس.
2 -
كلمة (ائتمان) بمدلول (إقراض) أو (دين) لا وجود لها في المصطلح الأجنبي في اللغة الإنجليزية بمعنى (القرض) خصوصًا في معرض الكلام عن بطاقات المعاملات المالية والشؤون المالية والاقتصادية والبنكية، فاستعمالها بهذا المدلول لا أصل له في اللغة العربية، ولا في اللغة الإنجليزية المنقولة عنها.
3 -
إغفال الكثير من اتفاقيات البنوك المصدرة للبطاقات الإقراضية ذِكر نسبة رسوم الزيادات والعمولات الربوية الدورية على اختلاف أنواعها قصدًا، وإنما تذكر مجملة مبهمة.
4 -
عدم توافر نشرات اتفاقيات إصدار البطاقة الإقراضية والشروط والأحكام لدى البنوك المحلية، جل الاهتمام ومعظمه مركز على استمارة الطلب التي لا تحمل سوى خصائص الحصول على البطاقة وامتيازاتها.
إغفال مثل هذه البيانات، وكل ما ينبغي أن يعرفه حامل البطاقة تحاسب عليه البنوك المصدرة للبطاقة في القوانين الغربية، في الوقت الذي لا تجد من يحاسبها عليه هنا وهناك في البلاد الإسلامية.
5 -
نسبة الزيادات الربوية على كافة أنواع البطاقات التي تتقاضاها البنوك في منطقتنا متفاوتة وأعلى من نسبة زيادات قروض البطاقة في البلاد الغربية بشكل عام.
6 -
تعطي البنوك الربوية التقليدية الأفضلية والأولوية لبطاقات الإقراض (Credit Card) بجميع أنواعها على ما عداها من البطاقات؛ إذ تدر عليها أرباحًا طائلة بصورة وزخم أكبر وأفضل من صيغ ربا قرض النسيئة بأسلوبه التقليدي القديم.
7 -
يقبل أفراد المجتمع على كافة مستويات دخولهم المالية إقبالًا شديدًا متزايدًا على الحصول على بطاقات الإقراض بخاصة، دون تبصر بأحكامها الشرعية، أو إدراك لعواقبها المدنية، والاقتصادية، والكثير منهم لا يعرف ما تعنيه كلمة (بطاقة ائتمان) في مصطلح البنوك الربوية.
أما الأسباب لهذا الإقبال فهو التقسيط المريح والذي تقدمه البنوك لعملائها في تسديد الديون، لتتضاعف أرباحها أولًا، والسبب الثاني: الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية، والأهم من كل ذلك هو الأسلوب الذي تستعمله البنوك في طريقة العرض والتوهيم على العميل، بحيث لا يشعر بخطورة الأمر دينيًّا واقتصاديًّا إلا حين تثقله الديون ولا يجد ما يسدد به ديونه.
8 -
الحماية القانونية مكفولة لحاملي البطاقات بكافة أقسامها وأنواعها بخاصة، وللمستقرضين قرضًا استهلاكيًّا بعامة في القوانين الغربية، في حين أنه ليس لها وجود في البلاد الإسلامية، برغم الحماية الدينية الشرعية لفئات المحتاجين المقترضين.
9 -
تضمنت القوانين الغربية لحماية المقترض المستهلك جوانب عديدة أهمها:
1) حماية المقترض قبل العقد بالنسبة للإعلانات، والحملات الدعائية، وصدق المعلومات المعلن عنها.
2) فرض أنظمة وقوانين صارمة على الشركات، والمنظمات المالية، والمحلات التجارية المخولة صلاحية إقراض المستهلكين.
3) وضع ضوابط للاتفاقيات التي تبرم بين المقرضين والمقترضين.
الأمر الذي لا تضطلع به جهة مسؤولة في أغلب البلاد الإسلامية، وإن ترك الحبل على الغارب للبنوك جعلها تضع من الشروط والأحكام ما يحقق مصلحتها دون نظر إلى مصلحة المقترضين، أو مراعاة للعواقب السيئة على الاقتصاد الوطني.
10 -
تخطط البنوك العالمية لإصدار البطاقات أن تحل البطاقة الإقراضية محل النقود، يجري بها التعامل محليًّا ودوليًّا، لا يخفي الخبراء الاقتصاديون تخوفهم أن يكون لهذا دوره على المدى الطويل في احتكار التجارة بأيدي فئة محدودة من التجار، تتحكم في الأسواق وتحتكر العملاء، ولا تترك الفرصة لجمهور التجار. قد أعلن هذا التخوف وكيل مدير بنك شيس منهاتن مستر إرك كومبتن Compton.Eric N) قائلا:" إن الكثير من البنكيين أصحاب الفكر يخشون أن تؤدي طريقة اعتماد المستهلكين على الشراء بالبطاقة إلى احتكار سوق التجارة محليًّا ودوليًّا، فتكون بيد فئة معينة محدودة ". (1) .
11 -
تفتقد المكتبة العربية الدراسات العلمية المتعمقة للبطاقات البنكية في المجالين: القانوني والاقتصادي، فأثر هذا بدوره على تأخر الدراسات الشرعية لها، وأسهم في عدم وضوح الرؤية لدى الفقهاء لإصدار دراسات وأحكام شرعية سليمة بخصوصها.
(1) انظر: 98 Inside Commercial Banking. P. 98
ثالثًا - التوصيات:
1 -
ضرورة إعادة صياغة المصطلحات الاقتصادية ذات العلاقة والأبعاد الشرعية فيما يتعلق بالمعاملات الجائزة والمحرمة بما يناسب حقيقتها، ويكشف عن ماهيتها ، وإيثار ما له وجود في المصطلح الشرعي على غيره فلا يعدل عنه بحال؛ حيث ترسخ لفظه ومعناه، خصوصًا ما يكون له آثار حكمية شرعية مثل: كلمة (قرض) ، و (إقراض) و (دين) فلا يعدل عنها إلى كلمة (ائتمان) وغيرها مما يجهل معناه العامة والخاصة؛ إذ أنها لا تكشف بلفظها عن المقصود منها، وقد أثبتت الدراسات جهل غالبية حاملي بطاقة الإقراض بمعنى كلمة (ائتمان) .
المسؤولية في هذا تقع على علماء الاقتصاد الإسلامي، والمؤسسات المالية الإسلامية في تقويم صياغة المصطلحات الاقتصادية وانسجامها مع المصطلحات الفقهية ما أمكن، مستخرجة من تراث الأمة ومفاهيمها الشرعية.
2 -
الإكثار من الدراسات والبحوث الشرعية والقانونية والاقتصادية للبطاقات البنكية عمومًا، وترجمة بعض الكتب العلمية المهمة في هذا الموضوع، ونشرها بما يكفل وعي أفراد المجتمع الإسلامي في التمييز بين البطاقات الإقراضية الربوية المحرمة، فيمتنعوا من الحصول عليها مهما كانت الإغراءات، والأخرى الخالية منها حتى يكونوا على بصيرة بأحكامها الشرعية.
3 -
منع البنوك من إصدار بطاقات الإقراض الربوية صيانة للأمة من الوقوع في مستنقع الربا المحرم، وحفظًا للاقتصاد الوطني وأموال الأفراد. وهي مسؤولية الحكومة الإسلامية التي قلدها الله حكم هذه الأمة.
4 -
إيجاد هيئة شرعية، وأخرى مالية واقتصادية تكون مسؤوليتها حماية الأفراد من استغلال البنوك، والمحافظة على حقوقهم في حدود الأحكام الشرعية، والسياسة المالية لحماية الاقتصاد الوطني، ووضع لوائح محكمة لحماية المجتمع والأفراد من استغلال البنوك، لتفادي النتائج الوخيمة المترتبة على ذلك.
تم الفراغ بحمد الله وتوفيقه من بحث (البطاقات البنكية الإقراضية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد (Debit Credit Card) . دراسة فقهية تحليلية مقابلة) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أ. د. عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان
المصادر
(1)
مصادر البحث باللغة العربية:
* بحث البطاقات البنكية الإقراضية والسحب من الرصيد - دراسة فقهية قانونية اقتصادية تحليلية مقابلة.
بدوي، أحمد زكي.
* معجم المصطلحات التجارية والتعاونية. عربي، إنجليزي، فرنسي.
بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، عام 1404/ 1984. البغدادي، القاضي عبد الوهاب.
* المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس. الطبعة الأولى. تحقيق حميش عبد الحق.
مكة المكرمة: المكتبة التجارية، عام 1415/ 1995 م.
البهوتي، منصور بن يونس.
* شرح منتهى الإرادات. المدينة المنورة: المكتبة السلفية.
* كشاف القناع عن متن الإقناع. راجعه هلال مصطفى هلال. الرياض: مكتبة النصر الحديثة.
أبو حبيب، سعدي.
* القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا. الطبعة الأولى. بيروت: دار الفكر، عام 1402/ 982 1.
الحصكفي، محمد علاء الدين.
* شرح الدر المختار. مصر: مطبعة صبيح وأولاده.
الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد.
* مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة، عام 1329.
حماد، نزيه.
* معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء. الطبعة الأولى. أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عام 1414/ 1993. خروفة، علاء الدين.
* عقد القرض في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة مع القانون الوضعي. الطبعة الأولى. بيروت: مؤسسة نوفل، عام 1982.
الدردير، أبو البركات أحمد
* الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. الطبعة الأولى. أخرجه مصطفى كمال وصفي. مصر: دار المعارف 1393.
ابن دقيق العيد، تقي الدين.
* إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام. الطبعة الثانية. تحقيق أحمد محمد شاكر. القاهرة: دار الكتب السلفية، عام 1407/ 1987. الدسوقي، محمد بن عرفة.
* حاشية على الشرح الكبير. بيروت: دار الفكر.
أبادير، رفعت.
* بطاقات الائتمان من الوجهة القانونية. الكويت: مجلة إدارة الفتوى والتشريع، السنة الرابعة. العدد الرابع، عام 1984.
ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد.
* المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات. الطبعة الأولى. تحقيق سعيد أعراب وعبد الله بن إبراهيم الأنصاري. بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1408/ 1988.
الرملي، شمس الدين محمد.
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
الزرقاني، عبد الباقي.
* شرح الزرقاني على مختصر خليل. بيروت: دار الفكر.
أبو زيد، بكر بن عبد الله.
* فقه النوازل. قضايا فقهية معاصرة. الطبعة الأولى. بيروت: مؤسسة الرسالة، عام 1416 هـ/ 1996 م.
الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي.
* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. بيروت: دار المعرفة.
السرخسي، شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل.
* المبسوط. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة.
ابن شاس، جلال الدين عبد الله.
* عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة. الطبعة الأولى. تحقيق محمد أبو الأجفان وعبد الحفيظ منصور. بيروت: دار الغرب الإسلامي عام 1415/ 1995.
الشرواني، عبد الحميد.
* حاشية على تحفة المحتاج. بيروت: دار الفكر.
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد.
* نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار.
الطبعة الأولى. ضبط وتصحيح محمد سالم هاشم. بيروت: دار الكتب العلمية عام 1415/ 1995.
الصاوي، أحمد بن محمد.
* حاشية على الشرح الصغير على أقرب المسالك مع الشرح الصغير. مصر: دار المعارف.
ابن عابدين، محمد أمين.
* حاشية رد المحتار على الدر المختار. بيروت: دار الكتب العلمية.
العسقلاني، أحمد بن حجر.
* بلوغ المرام من أدلة الأحكام، ومعه سبل السلام للصنعاني.
مصر: مطبعة الاستقامة.
* فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، وأشرف على طبعه محب الدين الخطيب. مصر: المطبعة السلفية ومكتبتها.
ابن عطية الأندلسي، أبو محمد عبد الحق.
* المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. الطبعة الأولى. تحقيق الرحالي الفاروق، عبد الله الأنصاري، السيد إبراهيم الشافعي، صادق العناني. قطر: على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عام 1398/ 1977.
عكاظ، صحيفة
جدة: صحيفة عكاظ. (المال والاقتصاد) . السنة الثلاثون. العدد 8734 الأحد 24 ذي القعدة 1410/ 17 يونيو 1990.
* السنة الثامنة والثلاثون. العدد 10960، الخميس الأول من ربيع الآخر عام 1417/ 15أغسطس عام 1996.
عمر، حسين.
* موسوعة المصطلحات الاقتصادية. الطبعة الثالثة. جدة: دار
الشروق، عام 1399 /1979.
عميرة، شهاب الدين أحمد البرلسي.
حاشية على شرح المحلى. الطبعة الرابعة. بيروت: دار الفكر.
ابن عيد، محمد علي القري.
* بطاقات الائتمان. جدة: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة السابعة. العدد السابع، عام 1412/ 1992.
العيني، أبو محمد محمود بن أحمد.
* البناية في شرح الهداية. الطبعة الأولى. تصحيح المولى محمد عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري. بيروت: دار الفكر، عام 1401/ 1981.
أبو غدة، محمد زاهد عبد الفتاح.
* (بطاقة الائتمان هذه) . الكويت: مجلة النور، السنة التاسعة، الأعداد 90 - 91 - 92، رمضان 1412 / 1992.
ابن فارس، أبو الحسين أحمد.
* معجم مقاييس اللغة. الطبعة الأولى. تحقيق عبد السلام محمد هارون. بيروت: دار الفكر.
القاري، أحمد بن عبد الله.
* مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. الطبعة الأولى، تحقيق عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، ومحمد إبراهيم أحمد علي. جدة: تهامة، عام 1401/ 1981.
القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الجذامي.
* (شرح المسائل التي وضعها ابن جماعة في البيوع) . مخطوط.
مكة المكرمة: مكتبة مكة المكرمة، فقه حنفي، رقم 31.
القدوري، أحمد بن محمد.
* الكتاب (مختصر القدوري) . بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1400/ 1980.
القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس.
* الذخيرة. الطبعة الأولى. تحقيق محمد بوخبرة. بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1408/ 1988.
القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد.
* الجامع لأحكام القرآن. بيروت: دار إحياء التراث العربي
القليوبي، شهاب الدين أحمد.
* حاشية على منهاج الطالبين. بيروت: دار الفكر.
ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر.
* مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. تحقيق محمد حامد الفقي. بيروت: دار الفكر.
ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني.
* سنن ابن ماجه. حقق نصوصه محمد فؤاد عبد الباقي. مصر: دار إحياء الكتب العربية.
الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب.
* الحاوي الكبير. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمود مطرجي.
أسهم في التحقيق ياسين ناصر الخطيب، عبد الرحمن بن عبد الرحمن محمد سفيان الأهدل، حسن على كوركولو، أحمد حاج محمد شيخ ماص. بيروت: دار الفكر، عام 1414/ 1994.
المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد.
* شرح على منهاج الطالبين. الطبعة الرابعة. بيروت: دار الفكر.
مركز تطوير الخدمة المصرفية ببيت التمويل الكويتي.
* بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي. جدة: مجلة مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي. الدورة السابعة، عام 1412/ 1992.
ابن مفلح، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم.
المبدع في شرح المقنع. دمشق: المكتب الإسلامي، 1394/ 1974.
مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي.
جدة: مجلة المجمع. الدورة السابعة عام 1412/ 1992.
* قرارات وتوصيات، 1406/ 1409- 1985/ 1988.
المطرزي، أبو الفتح ناصر.
* المغرب في ترتيب المعرب. بيروت: دار الكتاب العربي.
المقري، شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر.
* إخلاص الناوي. الطبعة الأولى. تحقيق عبد العزيز زلط. مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، عام 1410/ 1990. المناوي، محمد عبد الرؤوف.
* التوقيف على مهمات التعريف. الطبعة الأولى. تحقيق محمد رضوان الداية. بيروت: دار الفكر، عام 1410/ 1990.
ابن المنذر، النيسابوري، محمد بن إبراهيم.
* الإشراف على مذاهب أهل العلم. الطبعة الثانية. تحقيق محمد نجيب سراج الدين. قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، عام 1414/ 1994.
المواق، أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري.
* التاج والإكليل لمختصر خليل، على هامش مواهب الجليل للحطاب. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة، عام 1329.
الميرغناني، أبو الحسن علي.
الهداية شرح بداية المبتدي. الطبعة الأخيرة. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
ابن نجيم، زين العابدين بن إبراهيم.
* الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان. تحقيق وتعليق عبد العزيز بن محمد الوكيل. مصر: مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، عام 1387/ 1968.
ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد.
* فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدي. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
الهيتمي، شهاب الدين أحمد بن حجر.
* تحفة المحتاج بشرح المنهاج. بيروت: دار الفكر.
(2)
مصادر البحث باللغة الإنجليزية:
Allen، R.E
The Concise Oxford Dictionary. Eighth Edi.
Oxford: Claredon Press، 1990،
Chamber Of Commerce & industry Estern Province،
Saudi Arabia: Dammam، No. 27،. Joly 1996.
Competan، Eric N.
Inside Commercial Banking. New York: Jah Wiley & Sons.
Curzon، LB.
Dictionary Of Law. Third Edition. Kuala Lumpur:
International LAW banking services، 1989.
Jones، Sally A.
The Law Relating to Credit Cards. London: BSP.
Professional Books، 1989.
Al- Melhem Ahmad A.
The Legal Regeme Of Payment Cards، A Comparative Study Between American، British and Kuwait Laws With Particular Referance to Credit Cards. Thesis for the degree of Phd. in the Faculty of Law: England: University of Exeter، 1990
Sloan، Irving J. General Editor.
The Law and Legislation of Credit Cards Use and Misuse.
London، Rome، New Uork: Oceana Publications، lnc.، 1987.
(3)
نشرات البنوك الإعلامية واتفاقياتها:
أمريكان إكسبريس
* البطاقة الذهبية: اتفاقية العضوية.
* فرصة فريدة لنخبة مختارة لحيازة البطاقة الذهبية.
* البطاقة الذهبية غلوبل أسست بلس، شروط الاستعمال.
* دليلك لعضوية البطاقة الذهبية.
* شهادة تأمين حوادث السفر لحامل (البطاقة الذهبية) .
* البطاقة الذهبية: اتفاقية العضوية.
* البطاقة الذهبية استمارة القبول.
البنك الأهلي التجاري.
شروط الإصدار.
بنك الراجحي.
الراجحي فيزا.
بنك الرياض.
* اتفاقيات بطاقات ائتمان بنك الرياض.
* التعديلات المدخلة على الشروط والأحكام المنظمة لإصدار واستخدام بطاقات الصرافة الفورية ونقاط البيع.
البنك السعودي الأمريكي.
افتح إلى عالم من الفرص مع بطاقات سامبا الائتمانية.
البنك السعودي البريطاني.
* بيد تنفق وبيد تكسب. برنامج (اكسب) ميزة جديدة ورائدة من البنك السعودي البريطاني.
* إصدار بطاقات الائتمان.
* أمر التاجر النموذجية لخدمة التسديد الإلكتروني في نقاط البيع عبر الشبكة السعودية للمدفوعات.
البنك السعودي الفرنسي.
* تقدم بطلب بطاقة فيزا العالمية اليوم.
*Master Card & Visa Terms Condition Credit & Debit Cards.
* " لم أشعر براحة البال أثناء السفر إلا مع خدمات البنك السعودي الفرنسي ".
* الاتفاقية التجارية الخاصة بنقاط البيع.
الشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي.
بطاقة فيزا الإسلامية الخيار الأفضل.
البنك العربي الوطني.
* البطاقات الذهبية. اتفاقية بطاقة فيزا / ماستر كارد الائتمانية.
* فرصة ذهبية من البنك العربي الوطني.
* دعوة للحصول على بطاقة فيزا العربي الائتمانية.
* حسابك الجاري أضحى عالميًّا مع بطاقة إلكترون الدولية.
* بطاقة إلكترون العربي الدولية.
بنك القاهرة السعودي.
* اتفاقية إصدار بطاقات فيزا وماستر كارد من بنك القاهرة السعودي.
* اتفاقية التاجر.
_________
بطاقات المعاملات المالية
العرض
الرئيس:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع هذه الجلسة الصباحية هو بطاقات المعاملات المالية، والبحث للشيخ عبد الوهاب أبو سليمان (موزع عليكم) ، نرجو من الشيخ عبد الوهاب أن يتفضل بإعطاء ملخص لبحثه.
الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
شكرًا معالي الرئيس، من المسلم به أن عقد بطاقات المعاملات المالية جديد في الفقه الإسلامي، استحدثه الغرب فنما وتطور في بلاده، ثم عمّ وانتشر في جميع أقطار المعمورة بما فيها البلاد الإسلامية، وتقتضي دراسة هذا النوع من العقود، لسلامة تصوره وتنزيله على أحكام الفقه الإسلامي تنزيلًا صحيحًا؛ الرجوع إلى مصادره في البلاد التي نشأ فيها، وتطورت فيها لوائحه ونظمه، واللغة التي صيغت بها مصطلحاته، فهذا أدل على التعرف على حقيقته وأدق لسلامة تصوره، يضاف إلى هذا الرجوع إلى نصوص الاتفاقيات والشروط التي تبرم بين أطرافه، هذه شروط أساسية لسلامة التصور والتكييف الفقهي الصحيح.
عقود المعاملات المالية القديمة والحديثة لها بعدان: بعد اقتصادي، وبعد شرعي فقهي قانوني.
لقد اعتمدت البحوث الفقهية الخاصة بعقد بطاقات المعاملات المالية المقدمة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة ولغيره من المؤسسات والمراكز العلمية والمالية في تصورها على العرض الاقتصادي المحدود، دون أن يكون للدراسة القانونية في بلاد منشأ العقد أو لدراسة مصطلحاته في لغته الأصلية أثر يذكر، الأمر الذي ترك آثاره ونتائجه على البحوث الفقهية اختلافًا في التكييف وإسقاط الأحكام الشرعية عليها، كما لم يكن للدراسة الميدانية والواقع العملي أثر يذكر، ويأتي هذا البحث لسد تلك الثغرة العلمية، معتمدًا - بعد الله عز وجل وتوفيقه - على الرجوع إلى المصادر الأصلية القانونية واللغوية في لغته الأم الإنجليزية استئناسًا بها، وتعرض إلى العلاقة بين أطرافه لاستكشاف حقيقة العقد، وقد استمد منهما مادته وتحليلاته ومفاهيمه ومصطلحاته، تعضدها دراسة ميدانية لتشرح ما قد يكتنفهما من غموض.
وفي ثنايا البحث، لم تغب عن نظر الباحث أهمية نصوص الاتفاقيات والشروط المعقودة بين البنوك مصدرة البطاقة وحامليها من جهة، وبين البنوك والمحلات التجارية من جهة أخرى، (صورها مرفقة في نهاية البحث) ، فقد ساهمت في تكييف العقود تكييفًا شرعيًّا فقهيًّا معتمدًا - أيضًا - على فقرات نصوصها، كل هذا مجموعًا يصب في بوتقة الفقه الإسلامي، يخضع لمبادئه وقواعده في دراسة شرعية وبلغة ومصطلحات فقهية مفهومة للعامة فضلًا عن الخاصة.
بدأ البحث أول ما بدأ بمدخل هو تصحيح المصطلح العلمي الذي كان أحد أسباب الغموض في التكييف الفقهي لعقد البطاقة والكشف عن ماهيته، حيث كان تقديمها في البحوث الفقهية والاقتصادية بعنوان (بطاقات الائتمان) فجاء مدخل البحث كالتالي (تصحيح العنوان: بطاقات الائتمان عنوان غير صحيح) ، أما عدم الصحة فهو من عدة جوانب، تتلخص إجمالًا في الجانب اللغوي والقانوني والاقتصادي، وقد تم شرح ذلك في البحث، أما أن يقال: إن هذا مصطلح ولا مشاحة في الاصطلاح؛ فهذا بالنسبة للمصطلح الصحيح الذي لا يغير مفهومًا ولا يؤدي إلى اللبس وخفاء الأحكام الشرعية. هذا ما تكفل به المدخل في البحث عرضًا مفصلًا تحليلًا واستشهادًا في دراسة مستقلة توصلت إلى أن العنوان الصحيح الذي يشمل كافة أقسام البطاقات وأنواعها حسب ما هو موجود في اللغة الأصلية وقوانين البلاد التي نشأ فيها هو (بطاقات المعاملات المالية (Transaction Cards) أو بطاقات الدفع (payment Cards) .
تلا هذا الدراسة الموضوعية للبحث وهي في قسمين رئيسيين: القسم الأول بعنوان الدراسات القانونية لبطاقات المعاملات المالية في فصلين رئيسيين، عرض الفصل الأول التحليل والأقسام، أما الفصل الثاني فعن العلاقات والمسئوليات بين أطراف العقد.
القسم الثاني من البحث بعنوان: عقود بطاقات المعاملات المالية في الفقه الإسلامي: التكييف والعلاقات، ويشتمل على فصلين، الفصل الأول بعنوان: عقد الإقراض في الفقه الإسلامي وبطاقات المعاملات، ويتضمن عدة مباحث:
المبحث الأول عقد الإقراض في الفقه الإسلامي وتطبيقاته على بطاقات الإقراض (Credit Cards) .
المبحث الثاني: الشروط في عقود بطاقات المعاملات المالية الصحيحة أولًا، والباطلة ثانيًا، ثم آثارها على صحة العقود ثالثًا.
الفصل الثاني من القسم الثاني بعنوان: العلاقة بين أطراف عقود البطاقات بالنسبة للتسديد والخصم، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عقد الضمان في الفقه الإسلامي وتطبيقه على بطاقات المعاملات المالية.
المبحث الثاني: عقد الوكالة في الفقه الإسلامي وتطبيقه على تصرفات مصدري البطاقة بالتسديد والخصم.
المبحث الثالث: مرجعية البنوك في قضايا بطاقات المعاملات المالية.
وفي نهاية المطاف توصل البحث - بحمد الله وتوفيقه - إلى مجموعة من النتائج والملاحظات والتوصيات، انتظم جميعها في الخاتمة، وفيما يلي ملخص لأهم ما جاء فيها:
أولًا: إن تسمية بطاقات المعاملات المالية ببطاقات الائتمان تسمية غير صحيحة لا تتفق مع الترجمة اللغوية ولا القوانين الغربية التي ابتدعتها، بالإضافة إلى غموض معناها على الخاصة فضلًا عن العامة، وعدم دلالتها على مدلولها الشرعيّ، كما أن هذا العنوان لا يصح إطلاقه على أقسام البطاقات كافة بالمعنى الاصطلاحي للقرض، وإنما يخص قسمًا معينًا منها. ثانيًا: التعريف الشامل للبطاقة بأقسامها وأنواعها المتداولة في الأسواق والذي يفصح عن علاقات أطرافها وأهم خصائصها هو: أداة يصدرها بنك أو محل تجاريّ أو مؤسسة تُخَوِّل لحاملها الحصول على نقد أو سلع أو خدمات تسحب قيمتها من رصيده، وهذا النوع هو ما يسمى Debity Card الذي هو السحب المباشر من الرصيد، أو قرض مدفوع من قِبِل مُصدِرها، يضمن لأصحاب الحقوق ما يتعلق بذمة حاملها، الذي يتعهد من قبله بتسديد القرض خلال مدة معينة من دون زيادة ربوية على القرض، أو بزيادة ربوية لدى اختياره الدفع على أقساط، وهذا هو ما يسمى بطاقات الإقراض بأنواعها الثلاثة، التي يطلق عليها إخواننا الاقتصاديون:(الائتمان) ، وحسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته بها.
ثالثًا: تنقسم البطاقات الرئيسية حسب وجودها في سوق المعاملات:
إلى قسمين رئيسيين: بطاقات إقراض، وبطاقات السحب المباشر من الرصيد.
أما بطاقات الإقراض فهي ثلاثة أنواع:
الأولى: بطاقة الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط، المسماة في اللغة الإنجليزية CREDIT Cards، تمنح البنوك المصدرة للبطاقة العملاء الراغبين في هذا النوع من البطاقات صلاحية الشراء والسحب نقدًا في حدود مبلغ معين لا يتجاوزونه، في صيغة قرض ممتد متجدد على فترات بزيادة ربوية محددة، وهذه أنواع: فضية، ذهبية، ماسية. . . إلخ، وقد وضح البحث الزيادات الربوية المتنوعة المتعددة المفروضة على قرض هذه البطاقة.
الثانية: بطاقة الإقراض المؤقت الخالية من الزيادة الربوية وتسمى باللغة الإنجليزية Charge Cards، تخول البنوك لحامل هذه البطاقة دَيْنًا في حدود معينة حسب درجة البطاقة - فضية، ذهبية -، يلتزم حامل البطاقة المقترض بتسديد الدين كاملًا من دون زيادة ربوية إذا سدد قيمة مشترياته في الوقت المحدد المتفق عليه، غير أن مصدرها يشترط زيادة ربوية على حاملها المقترض إذا تأخر عن التسديد في الوقت المحدد.
الثالثة: بطاقة التجزئة وتسمى في اللغة الإنجليزية Retaler Card أو In house Card، وتصدرها المحلات التجارية بقصد جلب العميل والاحتفاظ به، يخول المحل التجاري لحاملها الشراء دَيْنًا من ذلك المحل، وبعض هذه المحلات يقدم قروضًا نقدية قد يكون تسديد القرض شهريًا بدون زيادة، أو على أقساط بحد أدنى مع زيادة النسبة الربوية.
يخضع هذا القسم من البطاقات لأحكام عقد الإقراض في الفقه الإسلامي من صحة الشروط وبطلانها، وقد جرى توضيحها وتفصيلها في مكانها من البحث.
القسم الثاني: بطاقات السحب المباشر من الرصيد، وتسمى في اللغة الإنجليزية Debit Card، ويكون لحاملها رصيد في البنك يتم سحب قيمة مشترياته من حسابه الجاري مباشرة، وهذا النوع من البطاقات لا يعد ضمن بطاقات الإقراض شرعًا وقانونًا، حيث لا ينطبق عليها تعريف القرض، وبالتالي لا تنزل عليها أحكامه، إلا إذا استخدمت للإقراض أيضًا فحينئذ تخضع لأحكامه.
رابعًا: يشتمل نظام عقد البطاقات عمومًا بقسميه الإقراضي والسحب من الرصيد على عدة عقود بحسب طبيعة العقد وأطرافه:
- أولًا: العقود التي تتم بين البنك مصدر البطاقة وحاملها وهي عقدان: عقد إقراض حيث يخول مصدر البطاقة لحاملها حق التصرف في حدود مبلغ معين، أما العقد الثاني فهو عقد وكالة، حيث إن العقد بين مصدر البطاقة وحاملها ينص على تفويضه البنك لتسديد التجار نيابة عنه.
- ثانيًا: العقود التي تتم بين مصدر البطاقة والتاجر، وهي عقدان:
الأول عقد ضمان مالي يلتزم البنك للتاجر بدفع قيمة مبيعاته وأجوره عن حامل البطاقة وتسديدها مباشرة.
أما العقد الثاني فهو عقد وكالة، حيث يقوم البنك بتحصيل مستحقات التاجر من حامل البطاقة ووضعها في حسابه بعد خصم عمولته، والقيام بالخصم من حساب التاجر لدى إعادته قيمة السندات غير الصحيحة وقيمة البضاعة المعادة دون رجوع إلى التاجر.
ثالثًا: العقود بين حامل البطاقة والتاجر تكيف بحسبها بيعًا أو إجارة، وتخضع للشروط والأركان في أبوابها من الفقه، وفي ضوئها يحكم لها بالصحة من عدمها.
خامسًا: أثبتت الدراسة الشرعية الفقهية أن بطاقة السحب المباشر من الرصيد Debit Card هي الأصح والأسلم شرعًا بين جميع أنواع البطاقات، وهي التي تنسجم مع القواعد الشرعية، ولا تصادم مبدأً شرعيًّا، تحقق لحاملها كافة المنافع المتوافرة في بطاقات الإقراض، كما تحقق للبنوك الأرباح التي يبتغونها دون تجاوز لمبدأ شرعي.
سادسًا: العمولة التي يتقاضاها البنك المصدر للبطاقة من التاجر هي:
خصم من قيمة المبيعات وليست زيادة حتى يقال بأنها من قبيل الربا، وليست من قبيل (ضع وتعجل) ؛ لأن البنك ضمن دفع القيمة للتاجر فور تسليم سندات البيع صحيحة، كما تنص عليه الاتفاقية بينهما، وليس في هذا شيء من الغلط. انتفاء جميع هذه الأسباب يؤيد القول بأنها في مقابل الخدمات التي يقدمها مصدر البطاقة، أو أنها تحمل على الوكالة بأجر.
ومن أهم الملاحظات ما يلي:
أولًا: لوحظ تشجيع البنوك عملاءهم على الحصول على بطاقات الإقراض بأنواعها؛ لما تدر عليهم من أرباح طائلة دون مراعاة للجوانب الشرعية والمصلحة العامة.
ثانيًا: نسبة الزيادات الربوية على بطاقات الإقراض في البلاد الإسلامية أعلى من البلاد الغربية.
ثالثًا: لا توجد حماية رسمية لحامل البطاقات، بل إن الحبل متروك على الغارب للبنوك تفرض ما تشاء.
رابعًا: تفتقر المكتبة العربية الدراسات العلمية الأصيلة لبطاقات المعاملات المالية في المجالين القانوني والاقتصادي، إذ لا يوجد بين يدي الفقهاء مصدر يعتمدون عليه يُعرَف به التعريف الكامل، لتَسْلَم تصوراتهم وتصح أحكامهم.
أما التوصيات فأهمها في إيجاز:
أولًا: ضرورة إعادة صياغة المصطلحات الاقتصادية ذات العلاقة بالمعاملات المباحة والمحرمة بما يتلاءم وحقيقتها، وإيثار استعمال ما له مصطلح شرعي على غيره فلا يعدل عنه بحال، وأن تتكفل المجامع الفقهية بهذا الأمر وتتحمل المسؤولية في تصحيحها.
ثانيًا: منع البنوك من إصدار بطاقات الإقراض الربوية في البلاد الإسلامية، وأن تقدم بطاقة السحب المباشر من الرصيد بديلًا عن ذلك.
ثالثًا: تشكيل هيئة شرعية وأخرى مالية واقتصادية في كل بلد إسلامي، تكون مسؤوليتها حماية الأفراد من استغلال البنوك، وتبصير الأمة بالمباح والمحرم من المعاملات والبطاقات.
وأود التنويه بأني ألحقت بالبحث مذكرة تعقيبية على بحوث الدورة السابعة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، الخاصة بعقد بطاقات المعاملات المالية.
والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعقيب
الشيخ محمد علي القري
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.
شكرًا سيدي الرئيس، أما بعد؛ فأقول:
أولًا: تعليقًا على هذا البحث الذي عرضه فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، إن هذه دراسة جمعت بين الفقه والاقتصاد، وقد اتسمت ببعد النظر وعمق الفكر ومراعاة المنهجية العلمية، وقد عرض صاحبها وحلل بروح الإنصاف والتجرد للحق والأمانة العلمية، وناقش موضوع البطاقات الائتمانية مناقشة الناقد البصير، وخلص إلى استنتاجات مهمة، وتقريرات قيمة، وإضافات علمية ذات بال، واجتهادات صائبة في الجملة، نسأل الله له المثوبة الحسنة والتوفيق.
ثم ثانيًا إن الكمال متعذر، ولذلك كان لنا بعض الملاحظات التي لا تمس جودة هذه الدراسة ولا تدل بحال على خطأ أو نقص، وإنما هي كما يقولون من حشو اللوزنج، فعسى الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها، منها ما ذكره حفظه الله في تعريف الائتمان، فإن قوله فيه غير سديد، فقد ذكر أن الائتمان هو القرض. وأضاف: ولا يوجد سبب واضح للعدول عنه إلى ألفاظ أقل ما فيها أن المراد منها غامض على أهل العربية أنفسهم، انتهى كلامه. الائتمان غير القرض، فالقرض هو جزء مما يسمى الائتمان، لكن الائتمان في التعريف الفني له يتضمن البيع بالتقسيط ويتضمن مجرد الالتزام بالإقراض، ولذلك يكون ائتمانًا التزامُ المصرف بالإقراض حتى لو لم ينته هذا الالتزام إلى إقراض، وقد جاء في المعجم القانوني وهو معجم جيد حسن بلغ من جودته أن قدم له وقرظه عبد الرزاق السنهوري، قال في تعريف كلمة Credit: أي الائتمان، قال هي الائتمان وهو في تعريفه التزام يقطعه بنك أو مصرف لمن يطلب منه أن يجيز له استعمال مال معين، نظرًا للثقة التي يشعر بها نحوه. فدل على أن الائتمان أكبر وأوسع من القرض، ولذلك فإن كل حكم توصل إليه الكاتب يكون قد انبنى على أن الائتمان هو القرض، وهذا الاستنتاج في حاجة لإعادة نظر.
ثالثًا: إن للاصطلاح قوة، وإن المسألة المبحوثة تسمى عند الناس سواء كانوا من العامة أو أهل الاختصاص تسمى بطاقة الائتمان، ومع ذلك فقد اتجه الكاتب - حفظه الله - إلى تسمية خاصة به غير معهودة، وهي تسمية البطاقة المذكورة ببطاقة المعاملات المالية، وليس هذا منهج المجمع الموقر؛ فإنه عندما نظر في الفائدة المصرفية سماها باسمها، أن يستخدم كلمة فائدة لتعني الربا هو خطأ من الناحية اللغوية، ولكننا مطالبون أن نخاطب الناس بما يفهمون، ولا يكون للفتوى تأثير لو صدرت فلم تنص على تحريم الفائدة بالاسم الذي يعرفه الناس ويعملون به، خطأ كان أو صوابًا، فإن قيل: إن بطاقة المعاملات المالية جائزة لما عَرف الناس أن في هذا حكمًا ينسحب على بطاقة الائتمان التي يعرفون، وإذا قيل: إنها غير جائزة لاستمر الناس يسألون ما حكم بطاقة الائتمان. والائتمان كلمة عربية لا يرفضها إلا من أصر على الوقوف بلغتنا العربية عند حد النقل، يريد منا أن نتابع أسلافنا متابعة الأرقاء، حتى تتمشى لغات العالم مع المدنية والتقدم وتقف لغتنا وحدها لا أثر لحياتنا المعاصرة فيها، ولذلك أقول: لا نعرف شيئًا اسمه بطاقات المعاملات المالية بل نعرف بطاقة الائتمان.
رابعًا: ثم إنه حفظه الله، قال في صفحة 137: أن لا مجال لعقد الضمان بين المصدر والتاجر في بطاقة السحب، ذلك أنه لا علاقة للبنك المصدر للبطاقة بتسديد قيمة مشتريات حامل البطاقة من هذا النوع، وهي التي تسمى Debit Card. وهذا غير صحيح، إذ أن التاجر لا يعرف ولا يظهر له نوع البطاقة عندما يقبلها من حاملها، والمصرف ضامن لثمن المشتريات أو للقرض على أية حال، حتى لو تخطى حامل البطاقة ما حدد له من مبلغ فإن المصرف ضامن لكل ذلك، فالضمان في هذه العلاقة موجود.
خامسًا: ثم إنه اقترح أن تكون العلاقة بين التاجر والبنك هي علاقة وكالة يدفع نيابة عن حامل البطاقة قيمة مشتريات حاملها، وهو غير سديد، لما ذكرنا من وجود الضمان، والوكيل لا يضمن.
سادسًا: ذكر - حفظه الله - بأن السحب المباشر من الرصيد ليس معدودًا في بطاقات الإقراض ولا يتنزل عليه حكم القرض. والواقع خلاف ذلك؛ إذ أن حاملها ربما استخدمها في ماكينة مصرف غير مصدرها، عندئذ يكون المبلغ الذي سحبه قرضًا بفائدة حتى يجري تسديده من حساب حامل البطاقة لدى البنك، وهذا ربما يستغرق أيامًا، فالقرض فيها وارد محتمل.
سابعًا: ثم إنه اعتمد في تصوره للبطاقة أن فيها قرضًا يقدمه المصرف إلى حامل البطاقة في حالات ما أسماه بطاقات الإقراض، وافترض أن استخدام حامل البطاقة بطاقته في الشراء من تاجر هو قرض يقدمه المصرف إليه. وفي هذا إشكال، ذلك أن تعريف القرض عند الفقهاء يتضمن فكرة تمليك مال مثليٍّ على أن يرد مثله، مثل قول ابن عابدين (ما يعطيه أحد الطرفين من مثليٍّ يتقاضاه) . وقوله في كشاف القناع:(دفع مال إرفاق لمن ينتفع به ويرد بدله. . .) وإلخ مما قارب هذا التعريف، وليس في البطاقة الائتمانية في استخدامها المشهور - وهو شراء السلع والخدمات - هذا المعنى، بل الواضح فيها الحوالة. ثم إنه بعد أن يشتري يحيل التاجر بالثمن على المصرف، ولا يحصل القرض إلا في حالات سحبه النقود مباشرة من آلة الصرف الآلي لتحقيق صفة القرض في المعاملة؛ ولأنه افترض دائمًا أن الائتمان قرض، فإنه ذكر في الصفحة التالية أن في البطاقة عقد إقراض بين مصدر البطاقة وحاملها، والواقع أن البطاقة لا يترتب عليها مثل ذلك إلا في حالات السحب من ماكينة الصرف الآلي، بل إن من البطاقات ما لا يستخدم خلال مدته في أي شيء، فلا يترتب عليه دين ولا قرض ولا أي شيء من ذلك. إن لسان حال مصدر البطاقة يقول للتجار: بيعوا عليه، أي على حاملها، وما كان لكم فأنا به زعيم. وهذا لا يكون قرضًا بل يكون من أنواع الضمان.
ثامنًا: وأخيرًا فإنه أغفل - حفظه الله - بيان أهمية كل نوع من البطاقات، فبطاقة السحب من الرصيد التي قال بجوازها لا تمثل في العالم إلا نحو 18 % من جملة البطاقات، وما نحن بصدده وما يحتاج منا إلى إيجاد البديل والنظر في أحكامه هو البطاقة الائتمانية التي تخول حاملها الشراء ثم التسديد بعد أجل.
هذا ما تيسر تحريره، والله سبحانه وتعالى يحفظكم جميعًا.
وشكرا سيدي الرئيس.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبقني الأخ د. القري إلى كثير من النقاط التي كنت أريد أن أتحدث فيها، وليس ذلك من باب توارد الأفكار، وإنما من باب الاطلاع على الورقة المسهبة الطيبة التي أعدها الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، والحقيقة أن هذا التعقيب مني ومن الدكتور القري (وأخص نفسي) إنما هو على الورقة وليس على الخاتمة، فالخاتمة جاءت مشذبة مهذبة والأمور بخواتيمها، فكثير من الملاحظات ترد على مجريات هذا البحث المسهب الطيب الذي بذل فيه الدكتور جهدًا كبيرًا.
وقبل هذا أريد أن أقول: إن هذا الموضوع طرح مرتين في دورات المجمع، وكتبت فيه أبحاث اشتملت عليها مجلته ورُئِيَ أن ذلك كافٍ، أي أن وجود هذه الأبحاث في المجلة يغني عن توزيعها، وهذا كافٍ فعلًا، لكننا كنا نود من الأخ الدكتور عبد الوهاب أن يشرف ويطل على تلك الأبحاث ويناقش ما فيها حتى نتوصل إلى حصيلة من جميع ما يطرح على هذا المجمع من أبحاث ومناقشات.
إن العهد في مثل هذه الموضوعات الشائكة تعدد الأنظار فيها، ولذلك نجد أن من طريقة المجمع أن تعقد الندوات والحلقات لمثل هذه الموضوعات الشائكة، أو أن نستفيد مما طرح في مثل هذا المجال.
وهذه الأهمية لهذا الموضوع ليست فقط من هذا المنطلق، وإنما من كون أن البنوك الإسلامية بادرت إلى طرح بطاقات ائتمان بديلة عن بطاقات الائتمان التي فيها شبهات وفيها جوانب ربوية، البحث كما صرح به كاتبه - رعاه الله - مُركّز على الناحية الاقتصادية والقانونية والإجرائية، ولكن تركيزه هذا كان بهدف الوصول إلى الجوانب الشرعية، والذي يطلع على الورقة يلحظ أنه قد غلب الجانب القانوني والاقتصادي على الدراسة الشرعية للنقاط التي سأبينها، وقد بين الدكتور أن الجانب القانوني والاقتصادي هما بمثابة جناحين لهذا الموضوع، ونحن نتطلع بعد الجناحين إلى القلب والرأس بل إلى الذَنَب أيضًا وهي الإجراءات، فلم تأخذ الناحية التنظيمية للبطاقات العلاقات والاتفاقيات التي تتم بين الأطراف المختلفة: المؤسسة الأم التي ترعى البطاقة، البنك المصدر، البنك التاجر، إلى جوانب جاءت متناثرة.
أيضًا أريد أن أشير إلى أن هذه الجوانب القانونية والاقتصادية التي أوردها وعُنِيَ بها أيما عناية، حتى إن من ينظر في مبادئ البحث يحسب أن هذا البحث مقدم إلى جهة متخصصة في هذا المجال، وهذا يعني مما يمدح فيه هذا البحث، لكن لم يشر إلى مدى المرونة في مراعاة المتطلبات الفنية، فهناك مدونة استفادت منها البنوك الإسلامية في تجاربها المتعددة، وكان هناك مفاوضات ومراجعات بين البنوك الإسلامية وبين المؤسسات الراعية للبطاقات، وقد تم تذليل كثير من الصعوبات وخضد كثير من الأشواك، وهذا عاصرته في تجربة بيت التمويل التي تعتبر من التجارب المبكرة، وقد أشار إليها الدكتور وتجارب أخرى.
أيضًا إن بطاقات الائتمان من خلال الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية قد حظيت بطرح كبير في مجال التكييفات الشرعية التي كانت نتاج اللقاءات بين الفنيين في البنوك الإسلامية والمتخصصين بعضهم في مجال البطاقات وبين الشرعيين من خلال تقديم التصورات الدقيقة في هذا المجال.
أعود إلى البحث فأعقب على النقطة التي أشار إليها الدكتور القري وهي موضوع التسمية؛ إن الخطورة التي تخوف منها الدكتور في تسمية هذه الصيغة أو هذا الأسلوب بطاقات الائتمان إنما تحدث إذا كانت تغير النظرة إلى ذات الموضوع، ولكن إذا كانت هذه التسمية متداولة والكل يعلم أن بطاقات الائتمان متعددة، وأنها ذات طبائع مختلفة، فهذه التسميات لا تضر، وكيف تضر هذه التسمية ونحن في معرض الاصطلاحات، القاعدة المقررة أنه لا مشاحة في الاصطلاح، وهذه الاصطلاحات إنما تؤخذ من الفنيين الذين يتواضعون ويتواطؤون على تسميات معينة يتفاهمون بها، ولا تؤخذ من كتب اللغة فكتب اللغة لا تُعْنَى بالمصطلحات، وإنما للمصطلحات كتب أخرى تهتم بها.
الجانب القانوني الذي أولاه الدكتور كثيرًا من العناية إنما يحتاج إليه في مجال التنازع، فإذا حصل نزاع بين حامل البطاقة ومصدرها حينئذ نرجع إلى تلك القوانين، والبنوك الإسلامية قد احتاطت أيما احتياط في بطاقة الائتمان التي أصدرتها؛ حيث قيدت أي رجوع إلى قانون وضعي بأن لا يتعارض مع مقتضى الشريعة الإسلامية. ثم إن الاتفاقيات التي تعتمد بين أطراف البطاقة والعلاقات المنظمة بها تقدم على القوانين، فالكل يعلم أن الخاص يقدم على العام، وأن العقد في النظرة القانونية شريعة المتعاقدين، وأن المسلمين عند شروطهم إلا ما أحل حرامًا أو حرّم حلالًا، وهذا أمر معترف به في التقنين، فللعاقدَيْن أن يتفقا على ما يشاءان، على أن لا يخالفا النظام العام، وهذا ليس فيه مخالفة للنظام العام.
التعديل على أن مدار البطاقات على الإقراض أشار إليه الدكتور القري، وأريد أن أزيده من الناحية الشرعية، والشيخ عبد الوهاب، (أريد أن أبرز الجانب المشيخي فيه) يعلم الفرق الكبير بين الدَّيْنِ والقرض، وبين المداينة والإقراض، فالمداينة الالتزام الذي يثبت في الذمة، وقد يكون عن قرض مثلي، وقد يكون عن بيع آجل، وقد يكون عن أجرة مؤجلة أو عن السلم أو عن غيره، فلماذا نلح على الإقراض ونستبعد كلمة المداينة التي تستوعب الحلال والحرام، وتستوعب الصور التي فيها ربح والصور التي فيها إرفاق ومعروف عن طريق القرض، مع أن القرض موجود في تكييف البطاقات، ولكنه ليس هو الطابع الرئيسي والأساسي في هذا المنتج كما يعلم الفنيون أيضًا.
الجانب الشرعي الذي استهدفه الدكتور من ورقته تمثل في تناوله لثلاثة عقود؛ عقد القرض، وأشير إلى بعض محاسن هذا التناول أنه أشار إلى آثار الشروط الباطلة، ونوّه بالخلاف الفقهي لأن كثيرًا من البطاقات تحتوي على شروط باطلة، ولكنها ليست وجوبية ولكنها جوازية أي احتمالية إذا وقع الإنسان في أمر يطبق عليه هذا الشرط، فقد أشار بوضوح إلى أن هناك اتجاهين فقهيين أحدهما يبطل العقد والشرط، والآخر يبطل الشرط دون العقد، وقد أحسن وأجاد في هذا المجال.
ثم تناول عقد الضمان، وأيضًا تكلم عن نقطة جوهرية أساسية فيه، وهي تقاضي الأجر عن الضمان، وفصّل في هذا تفصيلًا جيدًا.
ثم أشار إلى عقد الوكالة، ولكنه أغفل عقد الحوالة مع أن التكييف الأساسي في العلاقة بين البنك المصدر وبين حامل البطاقة هو الحوالة، بالرغم من إشارات خفيفة جاءت في الخاتمة، ولكنه كان حريًّا به أن يعطي عقد الحوالة أكثر مما أعطى لتلك العقود التي علاقاتها محدودة وخصوصًا عقد الإقراض في البطاقات التي أصدرتها البنوك الإسلامية، فجانب الإقراض فيها ضئيل جدًّا، وهو حيث يستخدم حامل البطاقة بطاقته في أكثر من رصيده، أو إذا كان مأذونًا له بأن يستخدم بدون رصيد، فهي فترة إقراض بسيطة ولمبادئ محدودة.
أشير هنا أيضًا إلى بعض الجوانب الجزئية في البحث. فقد جاءت الإشارة إلى ثلاثة عقود، وقد ذكر اثنين منها وغاب الثالث ولا بد أنه موجود في البحث، عقد بين البنك والعميل وعقد بين البنك والتاجر، وهذه الإشارات الجزئية لاستكمال البحث، وليست تغض من شأنه كما أشار (د. القري) .
كذلك أشار إلى حديث ((كل قرض جَرَّ نفعًا فهو ربًا)) وبين في صلب البحث أنه مرفوع من رواية البيهقي، ولكن جاء في الهامش أنه موقوف بنص البيهقي، وهذا طبعًا سهو.
في موضع من بحثه سوَّى بين بيع المضطر وعقد الإذعان، وهذه التسوية فقهيًّا غير مقبولة، لأن بيع المضطر بيّن، وهو من يضطر إلى ما يقيم به أوده ولا يوجد إلا من يعطيه هذا بثمن محدد. أما عقود الإذعان فهي أمور تتعلق بالمرافق العامة التي للإنسان بعض الفسحة في تركها ولا تؤدي إلى الهلاك.
وعند تفسير كلمة الضمان نُقِلَ عن البهوتي أن هناك رأيين في اشتقاق الضمان، أحدهما أنه مشتق من الضمن، والآخر أنه مشتق من الضم، وقد استغربت هذا وكنت أتمنى من الدكتور إما أن يؤكد هذا من كتب اللغة أو أن يعقِّب عليه.
وأورد في بحثه عدم جواز استلام التاجر ثمن البضاعة المرجوعة له نقدًا من حامل البطاقة، أظن أن هنا قلبًا في الكلام، عدم جواز استلام حامل البطاقة ثمن البضاعة المرجوعة له، لأن هذا أيضًا نص تؤكد شروط البطاقات، بطاقات الائتمان، وهي أنه لا تسمح بأن تستخدم هذه البطاقة للقرض المباشر، ليس حرصًا على الابتعاد عن القرض، وإنما من باب التدقيق؟ لأن الفوائد التي ترتب في بعض الحالات ضئيلة، فإذا اقترض قرضًا مباشرًا بهذه الفوائد الضئيلة كأنما البنوك الربوية غمطت حقها، ولذلك تمنع حامل البطاقة إذا اشترى سلعة بالبطاقة ثم ردها إلى التاجر ليس له أن يسترجع ثمنها، لأنه بهذه الطريقة يكون اقترض، وإنما يقيد له قيد معاكس في إشعار الدفع.
أيضًا أشار إلى أن تصرف مصدر البطاقة بالخصم من حساب التاجر ليس فيه شيء، لأنه خصم وليس زيادة. الواقع أنه زيادة لأن مصدر البطاقة يدفع للتاجر أقل مما يستوفي من حامل البطاقة، فهي زيادة ضمنية، ولكن هذه الزيادة سائغة كما بين الدكتور، فالمناقشة إنما هي في التعليل.
كذلك أشار في أكثر من موطن إلى أن الخصم من حساب العميل بتفويض منه هو من باب الوكالة، والحقيقة أنه ليس من باب الوكالة، إنما هو من باب المقاصة، والمقاصة عقد معروف خصوصًا عند المالكية، وقد بينوا أحكامه، وهي إما أن تكون مقاصة وجوبية أو جوازية، بحسب اتحاد العملة أو اختلافها.
هذا ما أردت أن أنوه به، وحاولت أن لا أكرر ما فصله الدكتور القري (جازاه الله خيرًا) ، وأكرر أيضًا التحفظ والاحتياط الذي أشار إليه، وهو أننا نعتبر هذا البحث مفخرة ونريد أن يكتمل شأنه، وأن ينجو من بعض ما وقع فيه خصوصًا في التسمية وفي التكييف، وأخيرًا أريد أن أبين أن هذه العقود الثلاثة التي أشار إليها الدكتور وهي: عقد الإقراض، وعقد الضمان وعقد الوكالة، جاءت بياناتها الفقهية دون أن ترشح على طبيعة العلاقات والتكييفات الشرعية التي هي الهدف من ذكر هذه العقود، ولذلك إذا سمح لي فضيلة الرئيس أن أشير إلى بعض التكييفات الشرعية في هذا المجال.
العلاقات بين أطراف بطاقة الائتمان علاقات متشابكة؛ لأنها كما وصفت تعتبر تنظيمًا متكاملًا تدخل فيه أطراف متعددة وتترتب هناك رسوم وعمولات شتى على إعطاء البطاقة وباستخدامها أو السحب النقدي أو قبول التاجر بها، ولذلك لا يمكن أن نكيف هذه العلاقات بتكييف واحد الذي هو الإقراض، ثم نحدث فيه خروقًا مرة عن طريق الوكالة ومرة عن طريق الكفالة، لا بد أن نستحضر جميع هذه التكييفات الشرعية، ولكن نركز على التكييف الأساسي الذي هو الحوالة، فإذا كان لحامل بطاقة الائتمان - الذي هو عميل البنك - حساب لدى البنك المصدر للبطاقة، واتفق على أن البنك يدفع من حساب العميل المبالغ التي استخدمت لها البطاقة، فإن العلاقة التي تنشأ هي علاقة حوالة، وهذه الحوالة هي من نوع الحوالة المقيدة، وهي أن يحيل المدين دائنه على مدين آخر له عليه دين، فهذه حوالة مقيدة بمديونية أخرى، العميل فيها محيل، والتاجر محال، والبنك محال عليه.
إذا لم يكن لعميل البنك حساب، وقبل البنك أن يتولى الدفع عنه ويطالبه بالسداد فيما بعد بغير فائدة فالعلاقة حوالة أيضًا، حوالة على غير مدين، وهي ما تسمى الحوالة المطلقة.
هذا طبعًا بالنسبة لتكييف العلاقة بين البنك المصدر وحامل البطاقة، بالإضافة إلى التكييفات الأخرى التي سنلمحها وهي الكفالة من حيث استمرار بنك التاجر بالأداء للتاجر دون ربط بالرجوع على المحيل، فالتاجر يتلقى هذه المطالبة ويلتزم بدفعها سواء كان هناك التزام من العميل حامل البطاقة أو لا، وهناك أيضًا الوكالة من حيث قيام بنك التاجر وكيلًا عن التاجر بإتمام عملية التحصيل من المحال عليه الذي هو البنك المصدر، وهناك القرض في حالة انكشاف رصيد حامل البطاقة.
الرسوم التي تؤخذ عن بطاقة الائتمان أمرها هين، لأنها أجر عن خدمات، وتكييفها الشرعي هو الوكالة، والوكالة كما تكون مجانًا من باب المعروف والتعاون تكون بأجر، فتنضوي وتطبق عليها أحكام الإجارة. تقاضي عمولة من التاجر الذي يقبل التعامل بالبطاقة أيضًا مقابل خدمات يقدمها البنك المصدر للتاجر في منح البطاقة وقبول الدفع بها وتوفير العملاء وتحصيل المستحقات بالوكالة عن التاجر، ولا مانع من اقتسام هذه العمولة بين البنك المصدر وبنك التاجر، لاشتراكهما في تقديم الخدمات المشار إليها، ولا مانع أيضًا من تقديم ضمانات للحصول على بطاقات الائتمان، لأنها سيترتب عليها مداينة، والضمانات هي عقود تبعية لتوثيق المديونية والشروط التي توثق العقود مأذون بها ومطلوبة كالكتابة والرهن والكفالة وحبس الرصيد على سبيل توفير إمكانية المقاصة مباشرة دون مطالبة ومتابعة لاستخدام بطاقة الائتمان في السحب النقدي لقاء عمولة أيضًا، هذا فيه عنصر توصيل المال إذا كان لحامل البطاقة رصيد لدى البنك، أو لم يكن له رصيد ووافق البنك على تقديم تسهيلات بدون فائدة، فإن في ذلك توصيلًا للمال إليه، فلا يمنع أخذ عمولة على هذا العمل؛ لأنه أيضًا من باب الأجر على الوكالة توكيلًا بين حامل البطاقة وبين البنك المصدر بسبب اختلاف العملات؛ لأن البطاقة عالمية فيشترى بها بعملات مختلفة، وقد تكون عملة حسابه عملة أخرى، فيكون هناك توكيل بالمصارفة. وقد فصل الدكتور في بحثه هذا وبين أن هناك توكيلًا بالصرف بالسعر السائد، وأن هناك توليًّا لطرفي العقد، وأشار إلى المذاهب التي أذنت بذلك، أما إذا كانت العملة متحدة فكما أشرت إن العلاقة علاقة مقاصة.
هناك أيضًا استخدام البطاقة في سلع أو خدمات محرمة، وهذه نقطة اهتمت بها البنوك الإسلامية، فأملت وتطلعت من عملائها حملة البطاقات ألا يستخدموا هذه البطاقات في أنشطة محرمة، وأنهم إذا استخدموها في ذلك فإن من حقها أن تسحب هذه البطاقة.
هناك أيضًا طروحات أخرى لمعالجة قضايا جديدة أدخلها أصحاب البطاقات التي تصدرها البنوك الربوية، وهي أنها لم تقتصر على فترات السماح لمدة شهر، وإنما بعض هذه البطاقات بدأت تعطي تخويلًا مباشرًا لحامل البطاقة بأن يحصل على السلع، وأن يقترن هذا الحصول بأجل محدد من البداية ستة أشهر أو كذا، هذه أيضًا بدأت تروج، وتأتي كثير من الاستفتاءات؛ لأنها تأتي في عملية ربا ضمني، ولكن هذه أيضًا فيها جانب آخر وهو أنه ما دام هناك سلعة تباع بالأجل فإن من الممكن استخدام صيغة بيع الأجل بترتيبات معينة، يؤذن فيها لحامل البطاقة بأن يتوكل عن البنك المصدر بشراء هذه السلعة بأجل فيه تحديد لموعد السداد وفيه زيادة عن ربح الأجل. والحقيقة أن الدكتور أشار إلى هذا في بحثه، ولكنه أدرجها أيضًا في الاقتراض. فقال: إن هناك أحيانًا في بعض البطاقات مرونة في دفع الدين الشهري بتحديد أدنى في نهاية كل شهر، وجعلها تماثل الإقراض بفائدة، مع أن المقرر شرعًا أن الدين عند نشوئه في بيع آجل أو تأجير آجل لا يمثل الإقراض بفائدة، سواء كان الدفع في نهاية شهر المداينة أو بمرونة الدفع عن طريقة التقسيط، فما أمكن فيه فسحة وأمكن فيه تخريج فإنّ تصرف المسلم يعمل على تصحيحه ما أمكن.
أقول قولي هذا وأكرِّر شكري ومعايشتي لهذا البحث الذي استمتعت به أيما استمتاع، ولا أشك أن من اطلع عليه وجد فيه منهجية عُرِفَ بها الدكتور؛ فقد كتب في منهجية البحث الفقهي، وقبل ذلك كتب في أصول إعداد البحوث والدراسات، ولكن إذا حسن الأمر ظهرت الدقائق، وإذا كان الأمر فيه أخطاء كثيرة فإن الإنسان لا ينتبه للصغائر، وكما يقولون:(حسنات الأبرار سيئات المقربين) . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة أنني لم أكن أعلم أنني معقب إلا قبل يومين من انعقاد دورتكم الموقرة، ولم أعلم أيضًا بالتغيير الذي طرأ في الليلة الماضية إلا هذا الصباح، وبمحض المصادفة بالاقتصار على بطاقة الائتمان، وقد استأذنت شيخي بكر أبو زيد في أن أقدم خمس دقائق حول موضوع ضوابط العقود المستجدة، ثم أعود إلى ما تيسر لي من بعض الانطباعات عن بطاقة الائتمان.
موضوع العقود المستجدة يبدو أنه قد تأجل إلى دورة لاحقة، وأنا أود أن أضع في دقائق معدودات مسألة في غاية الأهمية لم تركز عليها الأوراق التي قدمت إلينا حول موضوع العقود المستجدة، وهي مسألة الوعد وإدخاله في المعاوضات. لن أكرر عليكم ما قلته سابقًا ولا ما قاله الآخرون، سأضع هذه الكلمات القليلة تحت أنظاركم، وشكرًا لكم.
المسألة قسمان:
القسم الأول:
أولًا: المذهب في الوعد، أحسن مذهب في الوعد في نظري هو التفصيل، فقد يكون الوعد حرامًا أو مكروهًا أو مباحًا أو مستحبًا.
ثانيًا: ولكن لا يكون الوعد واجبًا أو ملزمًا إلا أن يكون قد صار بمعنى العهد.
ثالثًا: لو كان الوعد ملزمًا لكان عقدًا، ولصار الوعد كالعقد، وعندئذ يكون مرادفًا له فلا لزوم له.
رابعًا: يجوز إخلاف الوعد لعذر ولا يكون المُخْلِفُ آثمًا ولا منافقًا ولا كاذبًا.
خامسًا: الإنسان عندما يعد ولا يعقد فإنه يتوقع أن تكون هناك أسباب في المستقبل قد تضطره لإخلاف وعده، ولذلك يريد عن طريق الوعد أن يجعل لنفسه الخيار في الإمضاء أو في الرجوع، إن الله سبحانه عالم قادر، فإذا وعد فإنه لا يخفى عليه شيء ولا يعجزه شيء، بخلاف البشر.
سادسًا: لا يجوز أن يعد وفي نيته الإخلاف؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيءَ عليه)) . حديث رواه أبو داود. فإذا فعل يعني: إذا وعد وعند الوعد كان في نيته الإخلاف، فإذا فعل كان كاذبًا منافقًا متحايلًا.
سابعًا: يجب عند الوعد أن تكون نيته الوفاء أو إمكان الوفاء على الأقل، وإلا كان متحايلًا منافقًا كاذبًا.
ثامنًا: القول بلزوم الوعد مطلقًا غير معقول كما بدا من الكلمات السابقة.
تاسعًا: القول باستحباب الوفاء أيضًا غير مسلم في جميع الحالات
كما ترون.
عاشرًا: مذهب المالكية في الوعد مذهب السبب أو الورطة تلخيصًا لقوله هو مذهب غير قوي، فلو وعدني رجل بأنني إذا تزوجت أعطاني مئة ألف ريال فإنني لا أمضي إذا عرفت أن وعده غير ملزم، وقد أمضي إذا عرفت أن وعده ملزم وهو ملتزم فعلًا وسلوكًا بمذهبه.
حادي عشر: قد يكون مناسبًا أن نجرب إلزام القائلين بلزوم الوعد بمذهبهم، لو فعلنا ذلك لرأينا أن هذا المذهب لا يعدو أن يكون من باب المزايدات اللسانية.
ثاني عشر: التمييز في الأحكام بين الوعد والعدة والمواعدة تمييز لم أفهم له وجهًا، وهذا هو رأي الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني أيضًا في بحثه الذي نشره المجمع الموقر.
ثالث عشر: من ذهب من العلماء إلى أن الوعد في المعاوضات الوفاء به أولى وأوجب من التبرعات فمذهبه عجيب جدًّا، فإنه يقلب الفقه والأصول وأحكام الوعد والغرر رأسًا على عقب وبجرأة عجيبة.
رابع عشر: الوعد في الاستصناع، لم يختلف الحنفية في الاستصناع هل هو وعد ملزِم أو غير ملزم كما صور لنا شيخنا القرضاوي، إنما اختلفوا هل عقد أو وعد؟ ولوكان الوعد عندهم ملزمًا كالعقد ما كان لخلافهم معنى.
خامس عشر: في المبدع شرح المقنع الجزء التاسع آخر صفحة منه ثلاثمائة وخمسة وأربعون: ((العِدة عطية)) قال: إسناده حسن، ((والعِدة دين)) إسناده ضعيف.
القسم الثاني:
في الوعد، تصوير مسألة الوعد في المرابحة.
أولًا: سلهم: لماذا عدلوا عن العقد إلى الوعد؟
ثانيًا: لقد عدلوا عن العقد إلى الوعد؛ لأن العقد لا يجوز.
ثالثًا: فكيف يجعلون الوعد ملزمًا، ألا يصير الوعد الملزم عندئذ
حيلة محرمة؟
رابعًا: خلاف العلماء في الوعد يصلح مقدمة فقط، ولكن لا يجري هنا أبدًا في المرابحة وأمثالها، بدليل أن العلماء جميعًا منعوا الإلزام في الوعد في الصرف وفي المرابحة وأمثالها من المعاوضات، فالذين يسحبون خلاف العلماء في الوعد إلى المرابحة إنما هم غالطون أو مغالطون.
خامسًا: المذهب في المرابحة أنه لا جناح على من أخلف وعده، ولا أقول هنا بمذهب الجمهور في الاستحباب.
سادسًا: من كان مذهبه في الوعد هو الإلزام أو حتى الندب (الاستحباب) ، فلا يجوز له إدخال الوعد في المرابحة بحال إلا أن يختار العدول عن مذهبه إلى مذهب الخيار؛ فلو عمل بمذهبه لأدى الوعد إلى حرام في معنى أن يهرب من عقد حرام، فيلجأ إلى الوعد فيجعله ملزمًا فيعود إلى ما كان هرب منه.
سابعًا: الوعد الملزم، أيها السادة العلماء، أكبر كارثة فقهية في هذا العصر، فإذا كنتم ترون أن استحلالي ربا الإنتاج كارثة والتأمين التجاري كارثة، فالوعد الملزم أعظم، إذ به يستحلون بالتدريج ما شاؤوا من محرمات.
أعود إلى بطاقة الائتمان، الأستاذ أبو سليمان لا شك أنه شيخي، وملاحظاتي التي سأبديها هنا إنما هي ملاحظات وانطباعات تلميذ على شيخه.
إن دراسته التي قدّمها لنا دراسة واسعة رجع فيها إلى مراجع أجنبية، لأجل الزينة كما يفعل البعض، والمكتبة العربية لا تزال فقيرة في هذا الباب، وإنما معرفته بالإنجليزية والعربية والفقه قد ساعدته على إخراج مثل هذا البحث، وهذا الأمر قلما يجتمع في باحث واحد.
أنا كنت أود في الحقيقة لو أن أستاذنا أبو سليمان قد لخص هذه الدراسة غير هذا التلخيص الذي سمعناه في هذا الصباح، وركَّز على القضايا المؤثِّرة في الحكم الشرعي، ولكن مع ذلك أقول: إن مكتبتنا العربية بحاجة إلى المزيد من مثل هذه الدراسات، ليس فقط في بطاقة الائتمان أو بطاقة المعاملات المالية بل في كثير من المعاملات التي مصدرها الغرب.
الحمد لله أنه كانت نتيجة الدراسة هو ما تمَّ الوصول إليه في دراسات سابقة، ومنها دراسة للعبد الفقير مختصرة بجواز البطاقة المدينة Debit Card. اعتراضه على اسم بطاقات الائتمان له وجه وليس له وجه؛ له وجه على سبيل الحقيقة على سبيل الدقة، فقوله: بطاقات المعاملات المالية هو قول في غاية الدقة، لكن ليس له وجه من جانب آخر، فإن شيخنا أبو سليمان قد نسي باب المجاز في اللغة، وباب المجاز واسع فيها، فقولنا بطاقة الائتمان له فائدتان: الفائدة الأولى أن بطاقة الائتمان هو الاسم الشائع الدارج بين الناس، فلو استخدمنا من أول الأمر هذا الاسم بطاقات المعاملات المالية لربما لم يفهم الناس ماذا نريد، فإذا قلنا: بطاقة الائتمان Credit Card نكون قد لفتنا أسماعهم وأنظارهم، فإذن بطاقة الائتمان اسم له وجه من ناحية المجاز.
الحقيقة أنا سأذكر بعض الملاحظات السريعة غير المرتبة لضيق الوقت الذي كان قد أتيح لي:
إن أطراف عقد هذا النوع من البطاقات يسمى مقرض Creditor يسمى مُقْرِضًا ومقترضًا. . أي نعم. . هناك أشياء قد تمر معنا وتكون ذات أهمية أكبر، نفس الصفحة الثالثة عشرة استخدم بطاقة السحب المباشر من الرصيد، أنا لا أدري ما معنى كلمة المباشر هنا، والمسألة الأخرى - وقد تكون أهم - في الصفحة الرابعة عشرة وجدت هذا التعريف، طبعًا هذا قد يكون مرده إلى ضيق الترجمة، في السطر الثالث قال: منح دائن لمدين مهلة من الوقت يلتزم المدين بانتهائها دفع قيمة الدين، ما أدري ربما لو حذف (دائن لمدين) لكان أفضل:(منح مهلة من الوقت يلتزم المدين بانتهائها دفع قيمة الدين) . ولكنها الترجمة.
ثم بعد ذلك ورد في القاموس القانوني تحت تعريف القرض، أنا كنت أتمنى كما قال أخونا (د. أبو غدة) أن يستخدم لفظ الدين بدل القرض، فالدين أعم فقهيًّا من القرض.
وأيضًا في المتن استخدم هذه البطاقة، رابعًا: بطاقة دين ذي طرفين دائن مدين، هل هناك دين، يعني ما أدري، ما بين طرفين Two parties Cards Agreement يعني أظن الترجمة هنا ليست دقيقة، اتفاقية، يعني دين مداينة لا أدري ما هو دين ذي طرفين؟
أعود إلى نقطة مهمة، أنا رأيي في المسألة هنا دون أن أعود إلى ما فعله (د. عبد الستار أبو غدة) قد أعاد علينا بحثه السابق، أنا أود أن أقول باختصار: إن البطاقة المدينة Debit Card هي جائزة في نظري، والله أعلم، مع تسامح قليل سأبيِّنه لكم فقط، التسامح هو التالي: أنا ذكرت في بحثي السابق الذي نشر في مجلة المركز، قلت هذا الكلام:
(الجهة المصدرة لا تعتبر كفيلًا للعميل حامل البطاقة حيال المنشأة التجارية، فلو اعتبرت هذه كفالة لكانت بأجر لأنها مقابلة بالاشتراك السنوي، فهي إذن غير جائزة، لأن الكفالة في الإسلام هي كالقرض من أعمال الإرفاق، أي الإحسان إنما تعتبر هذه العملية حوالة، والحوالة في الإسلام جائزة. . .) إلى آخر الكلام. علقت بعد أن كتبت هذا الكلام، قلت: هنا الحِوالة أو الحُوالة أيضًا من عقود الإرفاق، فهنا تجتمع عقود إرفاق وعقود معاوضة، أنا أتسامح بهذه النقطة، وأقول اختصارًا: إن البطاقة المدينة جائزة، والله أعلم.
وأخيرًا فإن لي كلمة أخيرة بدقيقة واحدة، إن لي عتب على المجمع الموقر في أنني سمعت أو قرأت الكلمة الافتتاحية لمعالي الشيخ بلخوجة فوجدت أن الهيئات التي ذكرها هي بنوك ولم يذكر أبدًا دور الجامعات، يعني ركز على الأموال ونسي الأعمال، الأعمال الذهنية، هناك جامعات سعودية أيضًا هنا وتجمعنا أرض واحدة ومدينة واحدة كجامعة الملك عبد العزيز، ومركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد، وهناك أيضًا جامعة الأزهر والجامعات الأردنية، لا يُنْكَرُ فضلها أبدًا في قضايا المعاملات المالية، لكن ما أدري ما السبب، يعني إذا ما فيش فلوس ما فيش مرحبًا؟ والسلام عليكم.
المناقشة
الرئيس:
شكرًا: الراغبون في المناقشة.
المشايخ والأساتذة: الجناحي، سامي، عجيل، الغويل، حمداتي، المنيع، محيي الدين، شوقي، السالوس، ناجي، يوسف جيري، الصديق، سعود، منذر قحف، خليفة الحاج حسن، الفرفور، التسخيري، محمد سالم، نبيل، الأشقر، تقي، عبد الله إبراهيم.
تفضل أستاذ عبد اللطيف.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
لحظة، سلمك الله، تعليق للشيخ الحبيب.
الشيخ الحبيب ابن الخوجة:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نحن في مثل هذا الاجتماع نتناقش ونتحاور في الموضوعات العلمية المطروحة، ولكن تفضل الأستاذ الدكتور رفيق المصري بذكر معاتبة للمجمع عن تقصيره في شكر بعض الهيئات، وأنا أقول بأن الكلام يكون مرددًا حين نتحدث عن شيء واحد في عشرة اجتماعات أو ثماني اجتماعات وبكل مناسبة، نحن في الاجتماع في هذه الدورة في المكتب تحدثنا عن الجامعات كلها سواء التي في بلد المقر أو خارج بلد المقر، والدليل على هذا، وينبغي أن يتفطن له، أن دعوته شخصيًّا تعتبر شكرًا للمركز، ووجود الشيخ د. محمد علي القري هو شكر للمركز؛ لأننا نتعاون مع مركز الاقتصاد الإسلامي كما نتعاون مع بقية الجامعات، وهذه الجامعات كلها ممثلة في جميع الشُّعَب التي تكونت منها البحوث والدراسات في المجمع، فالشعب الفقهية الاقتصادية مثلًا أكثرها من رجال الاقتصاد الموجودين في الجامعات أو في المراكز أو في البلاد، بلد المقر أو خارج بلد المقر، لأننا نستكتب هؤلاء وعندئذ فلا معنى للتكرار، ولا للتحذلق عندما نريد أن نتحدث، وشكرًا.
الرئيس: شكرًا، الأستاذ عبد اللطيف.
الأستاذ عبد اللطيف:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.
لا شك أننا أمام بحث قيم كافي ووافي، صور الباحث الموضوع تصويرًا علميًّا وبأمانة تامة، فلذلك نقدم له شكرنا الجزيل على هذا الجهد الذي بذله.
أخوي الكريمين، د. القري ود. عبد الستار - الحقيقة - كفياني وسبقاني في الملاحظات التي كنت أود أن أثيرها، ولكن أود التأكيد على بعض النقاط: أولًا: قضية التسمية، هنا مصطلح الائتمان عبارة عن ثقة تطرحها جهة مالية في شخص، وتترجم هذه الثقة إلى كم من المال: مائة ألف، أو مائتي ألف، فهو مصطلح موجود ومتداول، وخروجنا عنه قد يحدث نوعًا من اللبس.
العلاقة من الأطراف، في الحقيقة هناك خمس علاقات وسبعة عقود، فلذلك يمكن إذا أردنا أن نجمل هذه العلاقات: عميل البنك، حامل البطاقة، المفوض بإصدار البطاقة، مرخص البطاقة، أي هناك مفوض ومرخص، المرخص بإصدار البطاقة الجهة الراعية للبطاقة أو ما يسمى المرخص الأول، القابلين لها من تجار ومتعاملين آخرين.
بين هؤلاء تقع سبعة عقود فيما بينهم، وكيف نستطيع أن ننظر إلى هذه العقود، لا بد إذن من وضع ضوابط عامة لهذه العقود، ويجب أن نشيع بين المتعاقدين في المصارف الإسلامية ما هي هذه الضوابط، ولنشر إلى بعض هذه الضوابط الرئيسية: هناك ضوابط عامة؛ عدم مخالفة نص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهنا يوجه لنا في بعض الأحيان نقد أنكم تقفون عند النص ونحن نقول لا، نحن نضع العقل في خدمة النص، ولكن إدراك الإنسان نسبي، فلذلك نضبط العقل بالنص مرة أخرى، فالعقل في خدمة النقل، والنقل يضبط العقل.
ثم الأصل في العقود الحِلُّ إلا عقد يحل حرامًا أو يحرم حلالًا، وهناك ثوابت يجب أن تنتشر بين العاملين في المصارف الإسلامية وهي خطوط حمراء يجب ألا يتعدوها في العقد، من هذه الثوابت الربا، الغرر، الجعالة، الغبن، بيع ما لا يملكه الإنسان، أيضًا اعتبارات عامة يجب أن تؤخذ عند النظر في العقد؛ دفع المضرة مقدم على جلب المنفعة، لا ضرر ولا ضرار، تحمل الضرر الأدنى في سبيل دفع الضرر الأعلى، ارتكاب أخف الضررين، النفع العام مقدم على النفع الخاص، رعاية المصالح ودرء المفاسد، سد الذرائع المفضية إلى المفاسد؛ إذن نضع هذه الضوابط أمام العقود السبعة حتى لا تخرج عن إطارها.
بطاقة الائتمان بطاقة لها مستقبل باهر، بحلول سنة 2010 م، يتوقع البعض أن الإنسان لن يحمل نقدًا في جيبه، إنما فقط بطاقة تحملها، وهذه البطاقة ذكية بحيث تحمل عنوانك وتحمل فصيلة الدم وبيانات كثيرة عنك في وريقة صغيرة أو بطاقة بلاستيكية صغيرة، وحتى أن هناك فكرة مطروحة الآن لو ارتكبت مخالفة في الشارع مخالفة مرورية مثلًا فإن شرطي المرور لديه آلة يأخذ بطاقتك ويسحبها في هذه الآلة ويسجل عليك في البنك مثلًا مائة ريال، ويسجل لصالح الشرطة مائة ريال، فإذن لا مندوحة لنا من استخدام هذه البطاقة، التي يتوقع أن تحدث ثورة كبيرة بحلول عام 2010 م.
بقي أن ننبه عند الصياغة أو التوصيات، بضرورة صياغة العقود بين الأطراف المعنية جميعًا صياغة يراعى فيها الناحية الشرعية، والتأكيد على التزام العميل باستخدام البطاقة بعيدًا عما حرمه الله، لأن في الحقيقة لا ضوابط لنا على استخدام البطاقة، فقد يستخدمها العميل فيما شاء، لذلك لا بد أن ينبه المتعامل مع البنك الإسلامي على أن هذه البطاقة يجب أن تستخدم في ضمن ما أحله الله سبحانه وتعالى، وفي حالة كشف حساب العميل لسبب ما، وباعتبارنا نتعامل بالإقراض كبنوك إسلامية، فإننا يجب أن نؤكد على ألا تحسب فوائد أو غرامات، لأنه في بعض الأوقات تؤخذ الغرامات محل الفوائد.
الالتزام بالضوابط الشرعية للعقود كما جاء في النصوص الشرعية، بقيت مسألة أننا نستطيع إذا فكرنا أن نروج، أو أن نطرح موضوع البيع الآجل بالبطاقة، وهذا ينص عليه في العقد، ويذكر في استمارة معينة مع التاجر، يعني العميل عندما يتجه إلى التاجر هل يريد أن يشتري البضاعة نقدًا أم يشتري البضاعة آجلًا؟ وإذا كان يريد أن يشتري البضاعة آجلًا فكيف سيدفع هذه الأقساط؟ أنا فقط أثير هذا الموضع حتى ينال الانتباه، ونستطيع كبنوك إسلامية أن ننافس البنوك التقليدية؛ لأنهم يعطون، يقدمون قرضًا، وهم يقدمون قرضًا بفائدة، ولكن ما الأمر لو أننا وضعنا مثل هذه الشروط والالتزامات والاستمارات أمام التاجر؛ فيملأ هذا الذي يريد أن يدفع نقدًا يملأ البطاقة النقدية استمارة البطاقة النقدية، وهذا الذي يريد أن يدفع آجلًا يملأ استمارة معينة، وكأنه طلب بالمرابحة مقدم للبنك يذكر فيه كيف يدفع هذا المبلغ، فنحن ندفع للتاجر نقدًا ونقسطه عليه، والتاجر هنا نعطيه تعليمات بأن البيع الآجل سعر البضاعة كذا يضاف عليه نسبة معينة، والسعر النقدي كذا، وأطرح هذا فقط لينال اهتمام أصحاب الفضيلة.
الأستاذ سامي حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الموضوع تكرَّر التعرض إليه، وأرجو أن يكون في هذا البحث ختام المناقشة وأن نصل فيه إلى رأي، ولقد أجاد الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في العرض التفصيلي، والعنوان الذي اختاره في الواقع بطاقات المعاملات المالية هو عنوان شامل يشمل جميع أنواع البطاقات، فنحن لا نذهب إلى أن هناك تناقضًا أو لبسًا، أودُّ أن أفسر مقدار ما أعلم في هذا المجال، حيث إنني أتعامل بهذه البطاقات في حدود ما هو مسموح به شرعًا.
فهناك بطاقة الخصم التجاري تصدرها شركة أو محل تجاري من يحمل هذه البطاقة له الحق في أن يحصل على خصم من أثمان البضاعة التي يشتريها، فهذه بطاقة خاصة بالمحلات التجارية ولا علاقة لها بالائتمان ولا بالقيد على الحساب، ولا علاقة لها بالبنوك والتعامل المصرفي، فهي علاقة مباشرة، يدفع نقدًا ولكنه يحصل على خصم تمييزي باعتباره من العملاء الذين يأخذون باستمرار من هذا المحل التجاري.
النوع الثاني: بطاقات القيد على الحساب وهي Debit Card هذه يصدرها مصرف ولا بد أن يكون لحامل البطاقة حساب لدى المصرف، وأنه بدل استعمال الشيك في الأداء في المدفوعات يستعمل حامل البطاقة هذه البطاقة، والتاجر الذي يبيع بناء على هذه البطاقة، إما أن يعتمد على المطالبة بأنه يجمع جميع مبيعاته والفواتير التي تسدد بهذه البطاقة ليقدمها إلى البنك ويحصل على قيد لحسابه، ويخصمها البنك من حساب العميل، وإما أنه دخل الآن في التطور الحديث بفضل نظام الكمبيوتر وسهولة الاتصالات المباشرة مع البنوك بأنه يستطيع فعلًا (كما ذكر مثال الشرطي) أن يضع المحل التجاري الكبير هذه البطاقة في هذه الآلة فيتم القيد مباشرة في نفس اللحظة على حساب العميل ولصالح الجهة التجارية التي قامت بالبيع، فهنا العملية عملية دفع أو أداة، فسواء دفع بشيك أو ببطاقة فالعلاقة بين حامل البطاقة والبنك علاقة مباشرة وإنه يحصل على خدمة، هذه الخدمة إن لم تكن مرتبطة بالاقتراض والاستدانة فهي خدمة فيها منفعة معتبرة، والأجر الذي يأخذه البنك لقاء تقديم هذه الخدمة له مقابل طالما أنه ليس فيه عنصر الإقراض، إذا دخل عنصر الإقراض هنا يأتي دور البنوك الإسلامية بأن ليس لها حق في أن تأخذ فائدة، وهذا ما تفعله فعلًا هذه البنوك، وأنها تعتبر هذا العميل إما أن تقدم له هذا التسهيل باعتبار أنه في أيام الرخاء كان دائنًا فأصبح في بعض الحالات مدينًا، فهذا يقابل هذا، وتعتبر هذا تسهيلًا من جملة التسهيلات التي تجذب بها العملاء.
النقطة الهامة في القضية أن البنك عندما يدفع للتاجر هذه القيمة فهناك للدفع وسيلتان: إما أن يدفع القيمة مباشرة كما هي بقيمتها الأساسية، وإما أن يحصل على خصم مشابه لما تحصل عليه الجهات التي تقدم بطاقات الائتمان، فيكون قد باع الفاتورة بمائة ريال مثلًا، فيدفع له خمسة وتسعون ريالًا، ويخصم خمسة لقاء هذه الخدمة.
هنا طالما أن العملية عملية حوالة في الدفع، أن عميل البنك حامل البطاقة قد أحال التاجر ليقبض من البنك ما كان مفروضًا أن يدفعه هو، فالحوالة تكون بقيمتها الأساسية، فإذا حصل البنك الإسلامي على خصم فإن هذا الخصم يجب أن يعود لحامل البطاقة، ولا يكون يستفيد من وراء ذلك بأن يبيع، لأنه دَين يشتري دين المائة بثمانية وتسعين أو بخمسة وتسعين. هذه نقطة هامة جديرة بالملاحظة في موضوع بطاقات القيد على الحساب.
النوع الثالث: بطاقات ضمان الأداء وهي Credit بمعنى أنه ائتمنه ليؤدي بعد مدة، فهي نوع من ضمان الأداء، وهذا الضمان ليس فيه حقيقةً مفهوم الكفالة، لأننا إذا أخذنا بطاقة American Express التي هي أشهر بطاقات Credit Cards فإننا نجد أنني عندما أشتري السلعة من التاجر يتم هناك اتصال بأن حامل هذه البطاقة يرغب في أن يشتري بعشرة آلاف ريال فهل تسمحون؟ فإذا حصلت الموافقة تمت العملية، وإذا لم تحصل الموافقة فلا تحصل العملية إلا في بعض الحالات، كالشراء من الطائرات مثلًا في حدود معينة، فإنه لا يتم الاتصال لتعذر الاتصال من الطائرة فتقبل على أنها ضمان مقبول، لكن هناك حدود لا تتعدى على ما أظن ثلاثمائة دولار.
هذه البطاقة التي فيها إقراض، فالعملية والعلاقة بين الشخص حامل البطاقة والجهة التي تؤدي عنه، هناك ترتيب إذا تم الدفع خلال شهر فلا يوجد عليه فائدة، إذا تجاوز الشهر فإنه يتحمل الفائدة، فإذا تصورنا أن البنك الإسلامي يريد أن يصدر بطاقات Credit Card فالأمر يبقى على حاله؛ لأنه لا فائدة في شهر وما بعد شهر، ويقيد ذلك بالأداء بأن العميل الذي تجاوز يكون عقابه ألا يصدر له مثل هذه البطاقة.
وهناك موضوع الخصم لأنه من جملة شروط العملية أن مؤدي القيمة بالبطاقة يجب أن يخصم، وإلا ما قام بهذه الخدمة، فهذه علاقة خارجة عن علاقة العميل نفسه بالبائع، ولكن إذا كان المتعامل في هذه هو بنك إسلامي فيدخل موضوع شراء الدين بالنقد، وفيه أيضًا مصارفة إجبارية وهذه نقطة يجب أن تكون ملحوظة عند اتخاذ القرار، بمعنى أني إذا اشتريت ببطاقة American Express بالريالات، فإنهم يدفعون القيمة للتاجر بالريال، وأني أنا لأسدد القيمة فتصدر لي الفاتورة بالدولار، فلو جئت لأسدد American Express بدولارات أقدمها شيكًا أو نقدًا، فإنهم يرفضون الاستيفاء ويجبرونني على أن أقدم لهم ريالات لأن العملية فيها مكسب ضمني، بمعنى أنني لو دفعت لهم بالدولار فالألف دولار تسدد بألف دولار فلا يكون هناك مكسب، أما إذا سددت لهم بالريال فإنهم يشترون مني بسعر شراء الريال، ومعلوم أن في الصرف هناك سعر للشراء وسعر للبيع فيكسبون عن طريق سعر الشراء التي هي القيمة الأقل، بأنني أدفع ريالات أكثر حتى أسدد القيمة المطلوبة مني في هذا النوع من البطاقة، فهذا الإجبار على الصرف بحاجة إلى ملاحظة عند اتخاذ القرار والتوصية.
النقطة الأخيرة التي أثارها الأخ الفاضل الأستاذ عبد اللطيف جناحي خلال القول في موضوع المرابحة عن طريق البطاقة، أخشى أننا نعمل مرابحة بلا بيع؛ لأن عملية المرابحة - باعتباري مبتكرها أو مكتشفها - يجب أن تتم فيها عملية البيع بدخول السلعة والثمن في ذمة المشتري ثم أبيعها، فإذا مرت العملية مباشرة دون مرور السلعة وضمانها بذمة المشتري الوسيط، فإننا نكون قد قلنا له: استدن من هذا المحل بكذا ونحن نأخذ منك لقاء هذا الدين بمائة وعشرين باسم المرابحة، فأرجو أن نفكر في ذلك مليًّا وكثيرًا. وشكرًا لكم على حسن الاستماع.
الرئيس:
شكرًا، يا أستاذ سامي، كأنا نريد الآن خلال بعض الكلمات توصيف البطاقة التي تصدرها المصارف الإسلامية كذا.
الأستاذ سامي: نعم أن نفرق بين أنواع البطاقات.
الرئيس:
مهلًا، دعني أكمل. . أنه يراد توصيف للبطاقة التي ينبغي أن تصدرها المصارف الإسلامية، والواقع ليس هذا هو الموضوع الرئيسي، الموضوع هذه البطاقة التي تصدرها البنوك التجارية الربوية التي ليس لها غطاء، ومندوبو البنوك بحقائبهم للشركات والمؤسسات وبإعلاناتهم في الصحف وفي الإعلان للمسارعة إلى المشاركة في هذه البطاقات التي ليس لها غطاء، ما هو موقف الشريعة الإسلامية، وما هي كلمة الفقهاء في حكم هذه البطاقة التي ملأت جيوب الناس، وبسببها بدل المديونية العالمية والمديونية الدولية صارت المديونية الشخصية على الأفراد وصارت السجون الآن تعاني منهم، هذه أهم نقطة لأن قضية بيان الحكم الشرعي في هذه البطاقة التي ليس لها غطاء يأتي المُعدَم إلى بنك من البنوك ويعطى بطاقة بسقف معين ويصرف ثم بعد تسعة وعشرين يومًا أو ثلاثين أو أكثر أي مدة محددة لا يجد وفاء ثم تتراكم عليه هذه المديونية. هذا هو الذي أرجو أن يتفضل أصحاب الفضيلة والإخوان الأساتذة الاقتصاديين بأن يولوه شيئًا من الاهتمام.
الشيخ عجيل:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعتقد أن هذا الموضوع على درجة كبيرة من الأهمية، ونتمنى أن ينتهي المجمع إلى البت فيه، لأنه من الواقعات المختلف فيها. ومن خلال النظر في الأبحاث السابقة والنظر في البحث المقدم من د. عبد الوهاب أبو سليمان وهو أوسع البحوث التي قدمت وأوضح من جلا وحرر الوصف أو التكييف الفقهي لبطاقات الائتمان، فجازاه الله خيرًا.
الموضوع أصبح واضحًا، ويلزم المجمع أن ينبه على ربوية بطاقات الائتمان من النوع الثاني والثالث كما ذكرها
د. عبد الوهاب أبو سليمان.
هذه البطاقات التي تصدرها البنوك الربوية لا بد من الإشارة الواضحة لها في مقررات المجمع، إشارة إلى حرمتها لأن أغلب المسلمين يستعملونها، ولو نبهوا لانتبهوا وأقلعوا عن الحرام إن شاء الله، وأعتقد أن المجمع مسؤول بعلمائه عن هذا التنبيه.
ودليل ربوية هذه البطاقات واضح من المصالح التي تعود على أطرافها، وخاصة مصدر البطاقة، حيث يأخذ مصدر البطاقة إضافة إلى رسوم الإصدار نسبة يقتطعها من كل فاتورة شراء يقدمها له التاجر، وفوائد الصرف إذا استخدمها حامل البطاقة - أي العميل - خارج بلاده هذه أيضًا فائدة، بالإضافة إلى استفادة البنوك الربوية من السيولة الضخمة التي تتوفر لديهم.
ولا شك أن النسبة التي يقتطعها هي منفعة جرها إقراض البنك لحامل البطاقة، وكل قرض جر نفعًا فهو ربا، كذلك فوائد التأخير مقطوع بحرمتها، ولا يشفع للقول بجواز هذا العقد اضطرار العميل حامل البطاقة إلى حفظ أمواله من المخاطر ووجود سهولة التعامل - خاصة خارج بلاده - في البيع والشراء، فهذه مصالح ملغاة ومنافع ملغاة، ربما أخف هذه الأطراف هو التاجر وإن كان شريكًا في إثم هذا التعامل، وإنما تعتبر هذه المصالح ملغاة لاعتبارين:
أولًا: لأنها مبنية على قرض بفائدة وهو ربا، فيه ربا واضح.
الثاني: ما يترتب على استعمال البطاقة الربوية من الأضرار التي تلحق العامة وتلحق المجتمع، وهذه أضرار المديونيات التي تلحق العامة، وتوسيع دائرة المدينين، هذه مشكلة تعانيها الآن الدول الأوروبية، وبعض هذه الدول وصلت المديونية فيها إلى 50 % من أفراد الشعب.
حين يصدر المجمع رأيه في هذا أرى أنه لا بد وأن يقدم البديل للبطاقة التي لا يجوز استعمالها، وليس هذا بالأمر المعقد ولا هو بالصعب تنفيذه بالنسبة للمصارف أو البنوك الإسلامية، وكثير من البنوك الإسلامية تطبقه حاليًا، لكن دون فتوى مجمعية تضبط مسار هذا التطبيق. التكييف أو الوصف الشرعي الذي نراه في هذا اعتبار العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر علاقة حوالة، حيث يحيل حامل البطاقة التاجر فيما ثبت في ذمته من قيمة المشتريات أو غيرها من الخدمات التي تجيزها وتخولها البطاقة على مصدر البطاقة وهو المحال عليه، ولا يشترط في الحوالة أن يكون للمحال دين على المحال عليه.
أنتقل إلى قضية عمولات البنوك، وهذا أذكره هنا بناء على ورقة قدمت لنا ضمن الأبحاث.
نقول إنه لا بأس أن يأخذ البنك الإسلامي عمولة مقابل إصدار البطاقة وعمولة على استخدام البطاقة، ويشمل ذلك بطاقة السحب النقدي أو غيرها من البطاقات، وينبغي أن تكون العمولة مقطوعة.
والذي تجري عليه البنوك الإسلامية حسبما أعلم أنها تأخذ عمولة عبارة عن نسبة مئوية من المبلغ، وهذا لا أراه صحيحًا لأنه فيه استغلال للعميل، وأخذ للمال دونما يقابله من عمل، فإن الجهد والتكلفة الفعلية لاستخدام العميل للبطاقة لا يختلف من المبلغ القليل أو الكثير، نسبة 1 % مثلًا على مائة دينار غيرها لمبلغ ألف دينار، بينما الجهد واحد والتكلفة واحدة ولا يجوز للبنك الإسلامي أن ينهج نهج شروط الإذعان التي تتضمن حيفًا وظلمًا وإن رضي بها العميل.
وإذا كانت هذه نسبة غير جائزة في تقديري بالنسبة لبطاقة السحب النقدي التي لا شبهة في جوازها كما تجريها البنوك الإسلامية، هذه النسبة تكون أكثر إشكالًا في حال المديونية لمن يقع فيها، إذا وقع العميل في هذه المديونية فتكون العمولة منسوبة إلى مقدار الدين، وهذا من الربا الواضح في تقديري.
وهذه هي النقطة الثانية تنص في لوائحها أو تجيز لوائحها اشتراط غرامة مقطوعة أو نسبة محددة على المبلغ حال تأخر حامل البطاقة عن السداد دون عذر مشروع، وهذا ما تنص عليه بعض المصارف الإسلامية على أساس صرف هذه الغرامة بعد ذلك في وجوه البر، ولا يتملكها مستحق المبلغ، هذا الشرط في تقديري باطل ولا يجوز تضمينه لوائح البنوك الإسلامية؛ لأنه لا يجوز شرعًا الدخول على عقد يتضمن شرطًا ربويًّا، ولو كان قصده عدم الدخول تحت طائلته أو الالتزام به، ولا يصح قياسه - كما قاس البعض - على جواز اشتراط غرامة على التأخير، قياس جواز اشتراط غرامة على التأخير على التعزير بالمال، لأن هذا قياس مع الفارق، طبعًا معلوم أن التعزير بالمال قال به الأقل، جمهور الفقهاء منعه، التعزير بالمال ليس فيه دخول بشرط أو على شرط ربوي باطل، بينما هذا العقد واضح فيه أنه دخول على شرط ربوي باطل والله أعلم، وشكرًا.
الشيخ إبراهيم الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أولًا بما أنني آخذ الكلمة لأول مرة فلا بد أن أحيي رئيسنا الشيخ أو الشيخ الرئيس والحبيب الأمين العام لهذا المؤتمر على جهدهم المتواصل لوضعنا دائمًا في مستجدات الأمور والبحث عن تأصيلها في فقهنا وفي شريعتنا.
أود أن أتحدث في الموضوع محل البحث وكلمة Credit في الحقيقة هي أقرب إلى كلمة (الدائنة) باللغة الإنجليزية، ولكن هذا البحث العظيم في الحقيقة والموصل أعجبني كثيرًا وقرأته أكثر من مرة من حين وصوله إلي في البلاد هناك وهنا، وأتمنى دائمًا أن تكون محاولة تكوين التصور عن الأمور التي نريد أن ننزل عليها حكم الشرع دائمًا موضَّحة ومؤصَّلة، بل إنني وددت لو أن شيخنا أبو سليمان قد توسع فيما بدأ به في الصفحة السادسة حينما قال:(نشأ نظام البطاقات وتطورت أنظمته ولوائحه في البلاد الغربية على أساس الاقتصاد الرأسمالي بفلسفته وأساليبه، وبلغ من الإحكام بحيث لم يترك منفذًا إلا سلكه أو طريقًا للربح - والأولى للاستغلال - من حامل البطاقة إلا قننه ونفذ إليه) . ولو أنه توقف عند هذه الفقرة وتوسع فيها فتحدث عن النشأة والتطور وبلوغ درجة الإحكام لكشف ما أوجزه شيخنا الرئيس بكلمة رائعة في حديثه الآن حينما قال: إنه نظام جاء ليضيف كارثة المديونية الشخصية إلى كارثة المديونية العالمية للدول الإسلامية والمستضعفة.
النظام الرأسمالي أصلًا الذي نشأ فيه هذا النظام وتطور من خلاله واكتمل عنده يقوم على فكرة المديونية أو الدائنية أصلًا، ومن هنا كلمة الائتمان، لأن النظام يقوم على فكرة إيهام العاملين الطالبين للمنتجات أن في يدهم أكثر مما هو في الحقيقة، ومن هنا جاءت فكرة الدائنية التي تقدمها الدول الغربية إلى العالم الثالث، وجاءت فكرة بطاقات الائتمان لإيهام صاحب المال أن لديه أكثر مما في يده، لأن النظام يقوم أصلًا على الفكرة التالية: إن كان بائع المواد الأولية مثلناه في (أ) مثلًا وباع بما يساوي 500 وحدة سواء ملايين أو بلايين أو ما شئنا من الأرقام، العاملون جميعًا مثلناهم بمجموعة واحدة (ب) مثلًا فهو يعطيهم مثلًا 500 وحدة من الملايين أو البلايين ، مجموع المنتجات ستكون مساوية لكمية النقد، لأن الأصل في النظرية الاقتصادية أن مجموع المنتجات يساوي عرض النقود، فسيكون عرض النقود هو مئة ألف من الوحدات التي اتفقنا عليها من الملايين أو البلايين أو التراليين، في هذه الحالة الرأسمالي لكي يكسب لا بد أن يوهم الذين عندهم ألف وحدة أنهم يملكون أكثر من ذلك.
هذا الوهم هو الذي يأتي بفكرة الإقراض بالفائدة وبفكرة Credit Card وبفكرة إقراض العالم الثالث، وهذا النظام في حقيقته هو نوع من إيهام الأفراد أنهم يملكون في حساباتهم وفي جيوبهم أكثر مما يملكون في الحقيقة، ولذلك فهو نظام يقوم على فكرة إيهام، والحصول على سعر فائدة من وراء ذلك، واستنزاف حامل البطاقة إلى أقصى مليم يستطيع أن يستنزفه البنك وكيل الرأسماليين في ذلك، فإنه لم يترك منفذًا إلا سلكه أو طريقًا للربح أو للاستغلال من حامل البطاقة إلا قننه ونفذ إليه.
ولذلك حينما نريد أن نتحدث عن هذه البطاقات ثم نريد أن نلزمها بحدود الشريعة تفقد معناها بالنسبة للمصارف، وتفقد معناها بالنسبة للرأسمالية، لأن الشريعة لا تسمح له بذلك، والفقه الإسلامي سيوقفه عن ذلك ويمنعه، وبالتالي نصبح كأننا نقدم نظامًا بديلًا عن هذه البطاقات الائتمانية، لأن المقصود من Credit Cards هو ما يؤدي إلى مديونية الأشخاص واستنزافهم إلى آخر مليم بإيهامهم أنهم يملكون أكثر، ثم مطالبتهم ثم محاصرتهم، ثم كل ما يترتب على ذلك مما ترتب على الدول الإسلامية ودول العالم الثالث حينما قدمت لها القروض ثم رتبت عليها الفوائد، ثم لم تعرف أن ترد لا الفوائد ولا القروض وأصبحت في الوضع الذي هي فيه، وشكرًا.
الشيخ حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين.
الحقيقة أن الكلمات التي سأتقدم بها لا تعد ملاحظات ولا استدراكًا، ولكنها تتميم لبعض ما ورد في البحث القيم الذي تمسك صاحبه بروح الإسلام العالية، فلقد كان أخونا الدكتور أبو سليمان موفقًا في تعريفه بتلك البطاقة وشرحه لمختلف الإجراءات التي تتكون منها، والتشريعات البنكية التي تنظمها، ثم كان بارعًا أيضًا كما هي عادته عند استخلاص النقط التي جعلها أساسًا للتطبيق على تلك الأوراق.
فالحقيقة أنه مجهود يستحق التقدير والتنويه للبحث عن أوجه الدليل وحسن استخدامه بطرق أضفى عليها سحر البيان كثيرًا من الأهمية، وعند حكمه بأن تلك الورقة تشتمل على معايير تجعلها ترتبط بعدة عقود مثل القرض والسلم والضمان والوكالة اتضح بتبريراته أن تلك العقود ترتبط بها تلك البطاقات شكلًا ولا أقول جوهرًا، فترتبط بتلك العقود التي قارنها الدكتور الجليل، ولكن فيما يرجع إلى تنزيلها منزلة القرض في الصفحة 67 ففيه مفارقات حسب نظري، فالهدف من القرض في الشريعة الإسلامية هو ثواب الآخرة، وإلى ذلك أشار الحديث الشريف الذي رواه مسلم عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يقرض مسلمًا مرتين إلا كان كصدقة)) ، وهذا عكس ما تهدف إليه البنوك من وراء إصدار البطائق، إذ هدفها هو الربح عن طريق الفائدة، وإن التعريف الذي أعطاه الدكتور العالم أبو سليمان للقرض وضّح بكل تفصيل هذه المقارنة.
إذن فما دام القرض عملًا من أعمال البر، لا يرجو من قدمه لمن احتاجه سوى ثواب الآخرة فكيف تنزل تلك الأوراق على عموم صورها منزلته؟ فهي يشترط فيها استرجاع المبالغ التي أخذت بواسطتها بفائدة وحسب شروط إذعانية ليس لحاملها بد من قبولها، ثم إن الطرق التي تمت بها جميع الإجراءات التي أعدت بها تخالف صور القرض التي نظمتها أحكام الفقه الإسلامي، فهي أعدت أساسًا لجني الربح بواسطة الفائدة، بينما القرض سن التعامل به لنفع المحتاج بطرق تضمن لرب المال ماله بدون زيادة.
إن تلك البطائق تصدرها المؤسسات البنكية بهدف الربح من الفائدة التي تجعلها على الحسابات المؤداة بتلك البطائق، وخصوصًا على الذين لا يتوفرون على ودائع، فهي تضم صورًا من البيع وأخرى من القرض وبعضًا من تطبيقات السلم، فإن ما تضمنته من صور القرض يجر في الغالب نفعًا للمقرض، وعلى تلك الصور نص المغني على حرمتها، فقال:" والبيع مع السلف أن يبيع منه شيئًا ليقرضه أو ليؤجله بالثمن ليعطيه في ذلك ربحًا ".
فهذه البطائق تضم بيعًا وشرطًا وسلفًا جر منفعة مشروطة، وذلك نهى عنه الحديث الشريف الذي سيأتي قريبًا، ثم إنها أعدت من أجل تسهيل قرض تترتب عليه فائدة محددة تحديدًا ملزمًا للمذعن الذي هو حامل البطاقة، ولذلك تختلف مع عقد القرض الذي هو في الشريعة الإسلامية الحصول على ثواب الآخرة بقضاء حاجة المقترض بطريقة تستبعد اشتراط المقرض لأي منفعة من قرضه.
ولذا نرى أنه يصعب تنزيل هذه البطائق منزلة عقد القرض الإسلامي بسبب الزيادة التي يجنيها الممول، وخصوصًا إذا كان حامل البطاقة لا يتوفر على ودائع في البنك، بل إن مصدر البطاقة يأمل أن يسترجع حساباته من المداخيل الجارية التي تمر إلى حامل البطاقة عن طريق البنك كأجور الموظفين وأكرية عقارات المُلَّاك وصفقات التجار، ففي هذه الحالة المستهلك حامل البطاقة يتسلمها بشروط لا مجال للمناقشة فيها، ومن أبرزها نسبة الفائدة التي ستضرب على ما سحب بتلك البطاقة، ولا مجال لقبول زيادة مشروطة عند إبرام عقد القرض في الإسلام.
قال السرخسي: " ولهذا قلنا: إن المنفعة إذا كانت مشروطة في الإقراض فهو قرض جر منفعة، وهو حرام، وإن لم تكن مشروطة فلا بأس به، حتى ولو رد المستقرض أجود مما قبضه فإن كان ذلك عن شرط لم يحل ".
أما عن اشتمال تلك البطائق على أوصاف عدة عقود فيمكن النظر إليه من خلال قصة أسيد بن عتاب لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة فقال عليه الصلاة والسلام: ((انههم عن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف، وعن بيع مالم يُقْبَض)) .
أما الحوالة بدون فائدة إذا كان المقترض سيرد أحسن مما أخذ وهو ما أشير إليه في الفارق بين الصرف والحوالة، فقال السرخسي:" إن ابن الزبير رضي الله عنه كان يأخذ بمكة وَرِقًا من عند التجار، فيكتب إلى أصحابه في الكوفة فيعطونهم وَرِقًا أجود منه، فسألت ابن عباس - يقول عطاء - عن أخذهم لورق أجود من ورقهم فقال: لا بأس به إذا لم يكن مشروطًا، وإن كتب له سفتجة بذلك ولم تكن الجودة مشروطة جاز ".
قال في جواهر الإكليل مؤيدًا لما جاء فيما قاله السرخسي على جواز أخذ الزائد أو الأحسن عند استرجاع القرض، إذا لم يكن ذلك مشروطًا عند تكوين القرض، وذلك عند قول المختصر:" وكَعَيْنٍِ ترهن أقامتها إلا أن يقوم دليل على أن القصد نفع المقترض فقط ".
هذه العبارة تأتي دليلًا واضحًا على أن مقصد الشارع من القرض هو نفع الضعيف وذوي الحاجة.
وسوَّى بعض الفقهاء بين القرض والسلم، ومنهم من ألحقه به، فردَّ صاحب التجريد على ذلك بقوله:" إن ذلك مجرد تسمية ولا يقتضي أنهما نوع واحد لتغاير مفهوميهما، إذ السلم بيع موصوف في الذمة، والقرض تمليك شيء على أن يرد بدله، فكيف يكون نوعًا واحدًا مع تغاير مفهوميهما؟ " ومن هنا أمكن تكرار ما قاله كثير من العلماء ورجال الفكر، وهو أن الشريعة الإسلامية نظام قائم بنفسه، ولا يمكن أن يرغم على قبول جميع الإجراءات المستحدثة خارج نظمه ما لم تستبعد منها جميع الإجراءات المخالفة لأقوال فقهاء شريعته السمحة.
أما عن تطبيق أحكام الضمان على تلك البطائق، فواضح أنه يصح شكلًا، ولكن لا يصح جوهرًا، وأقرب قول فقهي يطبق على ذلك قول مختصر خليل بن إسحاق عندما قال:" الضمان شغل ذمة أخرى بالحق وصَحَّ من أهل التبرع ".
الحقيقة أن ذمة البنك مصدر البطاقة انضمت إلى ذمة الحامل وحلَّت محلها في الالتزام بأداء المبلغ الذي سُحِبَ بواسطة البطاقة على أن يردَّه بفائدة حسب مسطرة التعامل مع البنك، وهي شروط فاسدة حسب الحديث الشريف:((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له ولو اشترط مائة شرط، كتاب الله أحق وشرطه أوثق)) رواه الصحيحان بألفاظ مختلفة، فإذا صح ضمان من حين حلول ذمةٍ محل أخرى، فإن اشتراط نسبة الفائدة باطل، وإن ارتبط العقد به فهو باطل.
وتخضع مسألة الضمان في هذه الورقة لما يمكن أن يطبق عليه ما قاله السرخسي في الواقعة التالية: " وإذا أمر رجل خليطًا له أن يؤدي عنه ألف درهم فضمنها، والآمر مقرٌّ بأن الألف عليه، فأدى الكفيل المال رجع به عليه الآمر استحسانًا، لأن الخلطة بينهما تقوم مقام تصريحه بالأمر بالكفالة عنه. فإن الخلطة بينهم مقصودة لهذا، وهو أن يؤدي ما عليه ليرجع به عليه فنزل ذلك منزلة الضمان. . . إلى أن قال: والخليط عندنا هو الذي يأخذ منه ويعطيه ويداينه ويضع المال عنده ".
هذه الإجراءات تقترب جدًّا من العلاقات الرابطة بين مصدر البطاقة وحاملها، وبين البنك المصدر والمورد والذي سحب منه العميل حامل الور قة.
مع فارق في الهدف، فالشريعة الإسلامية تريد نفع المحتاج والبنك يريد الربح، فاتحدت الصورة واختلف الهدف، لذلك فشكل علاقة هذه البطاقة في الإطار العام لتلك التصورات يبدو واردًا جدًّا، ولكن في نظري يمكن أن يبيح منها الفقه الإسلامي حالة واحدة هي أن يكون حامل البطاقة له ودائع لدى المصرف، واشترط الرجوع عليه بها بما سحب دون فائدة.
إن هذا التحليل القيم الذي اشتمل على مختلف الصيغ الإجرائية التي تتم عليها تلك البطاقة حسب ما أورده أخونا أبو سليمان يسوق إلى القول بأن صاحب البطاقة إذا كانت لديه أموال في البنك المسحوبة عليه فاتورات الشراء عن طريق تلك البطاقة، بحيث لم يسجل عليه البنك فائدة، وإنما دخل تسديده بالثمن في إجراءات السحب العادية، فإن هذا في نظري لا بأس به؛ لأنه لم يدخل في سلف جَرِّ منفعة ولما يتم فيه قرضًا بفائدة على ما دفع البنك عن صاحب البطاقة.
أما الحالة الثانية فهي أن يكون صاحب البطاقة ليست له ودائع في البنك، وإنما ربط مع اتفاق مسبق على التسديد والرجوع عليه بما سدد عنه مع الفائدة، قليلة كانت أم كثيرة فإن هذه تكون في نظري حالة من حالات الربا وهي حرام بالإجماع، ويجب النظر إليها ضمن الموقف الإسلامي منه، وما ينبغي أن ينظر فيه هو تحديد المعاملات الربوية لأنها حرام بالإجماع، وتمييز جميع صوره أصبحت الحاجة تعود إليه، وما لم يكن منه ينبغي أن يوضح للرأي العام الإسلامي.
وختامًا أشكر الأستاذ أبو سليمان على بحثه الذي شدنا جميعًا إلى قراءته عدة مرات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في الواقع أنني أكرر ولا أقول أثنِّي أو أثلِّث، وإنما أكرر ما تفضل به إخوتي من الثناء على بحث أخينا وزميلنا الدكتور عبد الوهاب وعلى المجهود الذي بذله، وهو في الواقع ليس بحثًا وإنما هو مؤلف نرجو أن يوفقه الله سبحانه وتعالى إلى استكمال ما يمكن أو ما ظهر أنه ملاحظة عليه في هذا اللقاء المبارك.
أولًا قبل دخولي أعتب عليه في أنه عبَّر عن اللغة الإنجليزية بأنها اللغة الأم، هي ليست لغة أُمٍّ وليست لغة، وإنما هي لغة يصدق عليها بأنها شرٌّ لا بد منه، هذه واحدة.
أما اللغة الأم فهي اللغة العربية، لغة كتاب الله ولغة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولغة أهل الجنة، فهذه هي اللغة الأم، أبى من يكابرنا في ذلك أم استجاب.
الحاصل، هي شر لا بد منه بالنسبة للبطاقة وغيرها، في الواقع إن بطاقات الائتمان خدمت وتخدم المجتمع الإنساني على وجه العموم، ومن ذلك المجتمع الإسلامي، ولكننا - ونحن مطالبون بالتقيد بالأمور الشرعية - يجب علينا أن يكون لدينا مراقبة، وأن يكون لدينا قيود، وأن يكون لدينا نظر فيما يَصِحُّ وفيما لا يصحُّ؛ فما كان صحيحًا فالحمد لله نأخذ به سواء جاءنا من الشرق أو من الغرب، والحكمة ضالة المؤمن، وإذا كان فيه ما فيه فيجب أن يطرح ولو كان جاءنا من أكبر أئمة الإسلام، فالإمام الشافعي رحمه الله يقول:" إذا جاء حديث رسول الله فاضربوا بقولي عُرض الحائط ". فيجب أن يكون لدينا مبدأ من هذا المنطلق.
الله سبحانه وتعالى خصَّنا بهذا الدين الحنيف، وما حرّم شيئًا إلا وأباح لنا ما هو أفضل منه وأتم وأسلم، الزنا حرمه، أباح النكاح وما فيه من الفضائل، حرم الربا أباح البيع وما فيه من المكاسب الطيبة، حرم علينا ما حرم، مشارب مآكل، لكنه سبحانه وتعالى أباح لنا مشارب أطيب منها ومطاعم أطيب منها، فنحن، والحمد لله، نعتز بهذا الدين الذي هو تشريع من حكيم حميد، خلقنا وهو العالم بأحوالنا.
ما يتعلق بهذا الموضوع، الواقع أن بطاقات الائتمان وإن تنوعت وكثرت وقيل إن فيها البطاقة الفضية والذهبية والماسية وفيها بطاقة الائتمان للقرض والاستخدام ولكذا وكذا. . إلخ، أرى أنها في الواقع تتفق في جوهر لا تختلف جميع أقسامها عنه، هذا الجوهر هو أنها في الواقع منقسمة أو قائمة على ثلاثة عقود حسبما درسناها، ويكاد إجماع الباحثين عن هذه البطاقة ينعقد على أنها مشتملة على هذه العقود الثلاثة.
العقد الأول: هو عقد بين المنظمة الدولية المشرفة على بطاقات الائتمان الصادرة عن مصدريها من مصارف وغير مصارف، وهذه العلاقة أو هذا العقد يقضي بأن يكون لهذه المنظمة الإشراف وحق المتابعة في أي مخالفة تكون، وكذلك حق الضمان لاستمرارية خدمات هذه البطاقة، ولها - أعني هذه المنظمة - جزء مما يكتسبه مصدر البطاقة من هذه البطاقات التي يصدرها.
العقد الثاني: عقد بين مصدر البطاقة وبين العميل الحامل لها، وهذا العقد في الواقع سمعنا بأن هناك من يقول بأنه عقد ضمان، أو عقد وكالة، والحقيقة أن الأمر غير صحيح، فليس عقد ضمان وليس عقد وكالة، لأنه لو كان عقد وكالة لكانت ذمة العميل منشغلة لدى التاجر الذي أخذ منه البضاعة أو الخدمة، لكانت منشغلة مع البنك إن كان كفيلًا ولا تنشغل معه إن كان وكيلًا، وليس الأمر كذلك فإن ذمة البنك قد استقلت - أعني مصدر البطاقة - قد استقلت بالحق المترتب على هذه البطاقة من قبل التاجر، وليس للعميل حامل البطاقة علاقة مطلقة بهذا الحق الذي للتاجر، بمجرد تقديم هذه البطاقة وقبول التاجر هذه البطاقة وأخذه بضاعته برئت ذمته براءة تامة، ولو أفلس مصدر البطاقة لما كان في حكم أنظمة هذه البطاقات لما كان للتاجر أن يرجع على العميل، وإنما رجوعه على البنك.
هل هذه من خصائص الوكالة؟ هل هذه من خصائص الضمان؟ الواقع أنها حوالة وحوالة كاملة، والحوالة هي نقل حق من ذمة إلى ذمة، وهذا الحق قد انتقل من ذمة العميل الذي اشترى هذه البضاعة أو أخذ هذه الخدمة إلى ذمة مصدر البطاقة، فإذن كيف نقول بأن هذه حوالة؟ أو نقول بأنها ضمان؟
لا يخفى أن الضمان ضم ذمة إلى ذمة، وللدائن أن يطالب مَنْ أراد منهما؛ الدائن أو الكفيل له.
الآن بموجب أنظمة البطاقات ليس للتاجر أية علاقة، وليس له حق قبل العميل حامل البطاقة، فكيف نقول بأنها وكالة؟ أو نقول بأنها ضمان؟
هناك حفظكم الله كذلك عقد بين التاجر وبين مصدر البطاقة، هذا العقد يعني أنه يتحمل أو يتقبل جميع الحوالات المتعلقة ببطاقات الائتمان من حامليها الذين يشترون بضائع أو يأخذون خدمات، سواء كانت خدمات فندقية أو خدمات تذاكر طيران أو أية خدمة من الخدمات المعروضة للبيع.
فإذن التاجر في الواقع الآن تحول حقه من ذمة العميل إلى ذمة مصدر البطاقة تحولًا كاملًا وبرئت ذمة العميل، بعد هذا، نستطيع أن نقول إن العلاقة بينهما علاقة حوالة، ولا يأتينا أو يرد علينا بأن الحوالة يشترط أن تكون على دين مستقر، نعم قال بذلك مجموعة أهل العلم، ولكن هناك مجموعة من أهل العلم آخرون قالوا بأنه لا بأس أن تكون الحوالة على دين مستقر، أو على غير دين، إذا قبلها المحال عليه.
في الواقع، أنا أجد، بأن هذه العلاقة بين التاجر وبين مصدر البطاقة فيها تجاوز وفيها جرثومة، لا بد أن نفطن لها، ما هي هذه الجرثومة أو هذا الشيء؟ هو في الواقع أن الحق حينما يتحول، من التاجر إلى ذمة مصدر البطاقة، مصدر البطاقة لا يعطيه كامل المبلغ، قيمة البضاعة التي أخذها حامل البطاقة مائة ألف، يقول: أنا لا أعطيك إلا سبعة وتسعين ألفًا، ثلاثة آلاف أين ذهبت؟ هي في الواقع إذا أردنا أن نكيفها كيفناها؛ لأن الدين الآن استقر في ذمة مصدر البطاقة، فكيف إذن نكيف هذا المبلغ الذي أخذه مصدر البطاقة الذي هو ثلاثة آلاف ويريد أن يتقاسمه بينه وبين المنظمة العالمية، هذا في الواقع لا نستطيع أن نجد له أكثر من تكييف أو أكثر من تخريج وهو أنه مصارفة، فقد تمَّت المصارفة بين التاجر وبين مصدر البطاقة على أن تكون المصارفة المائة بسبعة وتسعين، ولا يخفى أن هذه المصارفة باطلة؛ لأن المصارفة من شأنها ومن شروطها أن تكون مِثْلًا بِمِثْل في حال اتحاد الجنس، وقد اتحد الجنس ولم يكن الأمر بالنسبة لذلك مِثْلًا بمثل، فإذن كيف نقول بأن هذه مباحة؟ هل المبلغ الذي أخذه في أثناء هذه العملية مصارفة أو عملية باطل بإجماع أهل العلم؟
لا شك ولا أعرف أن أحدًا من أهل العلم أجاز المصارفة إذا كانت من جنس واحد بتفاضل، وإنما الأمر في ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم:((الذهب بالذهب. . .)) إلخ، وقال صلى الله عليه وسلم:((مثلًا بمثل، يدًا بيد، سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والآخذ والمعطي فيه سواء)) ، هذه في الواقع تعتبر من الأمور التي يجب علينا أن تكون في اعتبارنا، وأن نستبعد ما يقال بأن لدينا وكالة، لدينا ضمان، ليس لدينا في العلاقة بين العميل وبين التاجر، وبين التاجر ومصدر البطاقة: ليس لدينا غير حوالة، وحوالة أبرأت ذمة العميل. هذه واحدة، أرى - حفظكم الله - عندي بديل، نحن في الواقع نتحدث ونفخر بأننا - والحمد لله - مسلمون، وأن إسلامنا لا يَسُدُّ بابًا إلا ويفتح بابًا أطيب منه وأوسع، ونحن لا نقول بناء على وجود هذا الشيء فنقول بأن البطاقات باطلة، ولا يجوز التعامل بها، ونقول هذه النقطة نستطيع أن نعالجها معالجة من شأنها أن يبتعد فيها عنصر البطلان وأن تتفق مع المعطيات الشرعية.
ما هي هذه المعالجة؟ هذه المعالجة في الواقع أرى أنه لو حصل اتفاق كما هو الحاصل بين مصدري البطاقة والتجار أنفسهم، لو عُدِّل الاتفاق بأن يقول مصدر البطاقة: حقك عندي كاملًا، لكني أنا أشترط عليك ألا أسدده إلا بعد زمن خمسة أشهر، ستة أشهر، سبعة أشهر، مدة معينة، يعني يكون دينًا مؤجلًا عليه، ثم بعد ذلك بعد أن يستقر الدين في ذمته وهو مؤجل، يخيره بعد ذلك، يقول: هل تريد أن أعجل لك دينك؟ فضع وتعجل. هل تريد أن تستمر حتى تنتهي المدة؟ فأنا مستعد أن أعطيك كامل حقك من غير نقص.
في الواقع إن التاجر أو مصدر البطاقة لا يتضرر من هذا الإجراء؛ لأنه إن رضي التاجر بأن ينتظر فهذا يعني أن مصدر البطاقة سينتفع أو في الواقع سيستغل هذا الدين هذه المدة، وسيكون له من استغلاله هذا الدين قدر المبلغ الذي يأخذه مصارفة وهو مبلغ باطل.
إن رغب أن يعجل فيقول له: ضع وتعجل، يقول: ضع مما تريد وأعطيك مبلغك، ويصير منتفعًا بذلك.
هذا في الواقع ما يتعلق بهذا الشيء، وهناك حفظكم الله نقطة وهي ما يتعلق بالرسوم المتعلقة بإصدار البطاقة، ورسوم العضوية، ورسوم إصدار بطاقة تلف، هذه الرسوم المتعلقة بالخدمات الدفترية أو الخدمات الاختصاصية لهذه البطاقة، هي في الواقع محل نظر ويمكن التيسير في أمرها. هناك حفظكم الله أمر يتعلق بالبطاقات التي يترتب عليها فوائد ربوية، وهذه لا شك بإجماع الحاضرين، إن شاء الله، لا تجوز، وينبغي أن توضع القيود المترتبة على منع مثل ذلك.
هناك حفظكم الله أمر وهو أن من البطاقات الائتمانية ما يسمى ببطاقات التخفيض، أو بطاقات السحب، بطاقات التخفيض لا أجد فيها شيئًا يدعونا إلى التوقف في قبولها، لماذا؟ لأنها في الواقع بطاقات اختصاص، أنا أعطيك بطاقة وأقول هذه البطاقة تجعل لك الحق في الدخول على هذا السوق وأن تشتري منه حينما تعرض هذه البطاقة بأسعار منخفضة وتدفع الثمن نقدًا، ما فيها شيء إلا أنها تيسر لديك أمر تخفيض السلع، هذه ما يظهر فيها شيء، كذلك بطاقات السحب على الصراف، كذلك حينما تسحب من نقودك ويؤخذ أجرة لهذا الجهاز، كذلك هذا يمكن إن شاءالله ما يكون به بأس.
هذا في الواقع أهم ما لدي، حفظكم الله.
الرئيس: بطاقات التخفيض يا شيخ عبد الله غير داخلة في البحث.
الشيخ محي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وعلى من والاه.
نقدم شكرنا مرة أخرى للإدارة ثم للباحث الكريم على بحثه القيم الذي استفدت منه كثيرًا، وكذلك للإخوة الكرام الذين سبقوه بالبحوث، وهناك ملاحظات بسيطة، منها شكلية ومنها من ناحية الأسهم، الإخوة الكرام سبقوني، ولكن من الناحية اللغوية Credit في القاموس حتى في قانون اللغة ذكر أن ضمن معانيه الائتمان، الأستاذ الدكتور نفسه ذكر أن ضمن معاني Credit الائتمان، فلذلك هذا التركيز الشديد والعناية الشديدة بقضية أن هذا المصطلح غلط: الائتمان، أعتقد أنه جازاه الله على حرصه، لكن لم يكن هناك دواعي كثيرة لهذا الإجهاد الذي بذله في سبيل تحقيق ذلك، إضافة إلى أن فضيلته قال: إن هذا العنوان هو بطاقات المعاملات المالية مرجوح لديه في بحثه وقال: " الأحسن والأفضل هو بطاقات الإقراض وبطاقات السحب المباشر من الرصيد "، ومع ذلك لم يختر ما هو رجحه واختار المرجوح، فما أدري إذا كان هو يرجح المرجوح لماذا لم يرجح المرجوح الشائع، والناس يقولون: الغلط الشائع أفضل من الصحيح غير الشائع، ولا مشاحة في الاصطلاح.
وذكر أن الحنفية والحنابلة إذ يرون بالنص صحة العقد مع اشتراط الفائدة - الربا - ومشى على هذه المسألة وأسند هذه القضية إلى الحنفية، وثنَّى عليه الدكتور أبو غدة، هنا، وكذلك ذكر في بحثه الذي قدمه في السابق، وأصل ذلك واعتمد على حديث بريرة، وهذه المسألة في اعتقادي تختلف عن مسألة العتق في عدة جوانب ليس الآن مجال البحث فيها، والذي أريد أن أوكده أن إسناد هذا الرأي للحنابلة والحنفية ليس دقيقًا إن لم يكن - لا أقول: - صحيحًا؛ لأنه غير الصحيح ولكن أقول غير دقيق، وذلك بالرجوع إلى مصادرهم من ناحية، وما ذكره فضيلته عن الحنابلة ليس نصًّا في الموضوع، والحنابلة يرون بطلان الشرط والعقد في هذه المسألة كما نصَّ عليه في أكثر كتبهم، والنص الذي ذكره عن الحنابلة لا ينص على ما ذكره، بل نجد نصوصًا صريحة في (منتهى الإرادات) ينص على أن اشتراط الفائدة يجعل العقد باطلًا، كذلك عموم قواعدهم ينص على ذلك، وهم أشد الناس في هذا المجال في مسألة النهي، هل النهي يقتضي الفساد؟ هم أوسع الناس في أن النهي يقتضي الفساد، حتى ولو كان لوصف غير لازم.
أما بالنسبة للحنفية أيضًا فهم لا يقولون بأن العقد صحيح، وإنما يقولون بأن العقد فاسد، والعقد الفاسد محرم عندهم، ولكنه يترتب عليه عند القبض بعض الآثار الفقهية، نعم، يشترط في كل العقود شرطًا، فيها شرط إذا لم تدفع تقبل بهذا الشرط، إذا لم تدفع المال حتى مع وجود الغطاء أو إذا كان الغطاء ينتهي أو إذا أنت سحبت فلوسك؛ المهم الإنسان بهذا الشرط ينص عليه بأنه فيه فائدة ربوية بنسبة كذا مع وجود الغطاء أو عدم وجود الغطاء، فالقبول بهذا الشرط الفاسد محرم في اعتقادي.
إضافة إلى أن التعاون في البلاد التي يوجد فيها البنوك الإسلامية مع البنوك الربوية، وإجازة التعامل في هذا المجال، أيضًا يفتح المجال في التعاون على الإثم والعدوان، أما في حالات الضرورة في الدول غير الإسلامية والتي يحتاج الإنسان فيها إلى هذه البطاقة ربما يكون الأمر يختلف بعض الشيء.
كذلك أودُّ أن أقول: إن مسألة الوعد التي أطال فيها النفس أخونا الحبيب والأستاذ الفاضل، ليس لها بهذه المسألة علاقة بموضوع البطاقات، وبالنسبة من الناحية التطبيقية في البنك الدولي الإسلامي نحن حقيقة الهيئة أجازت بطاقة الائتمان، ولكن ليس فيها السحب، فلذلك إسناد القول إلى الحنفية والحنابلة بأن العقد صحيح مع بطلان الشرط يحتاج إلى إعادة النظر.
العلاقات التي ذكرها فضيلته كلها تحتاج - لا أدخل في تفاصيل - إلى إعادة نظر، وقد أشار إلى ذلك فضيلة الأستاذ د. القري، وكذلك الدكتور أبو غدة.
هذا بخصوص ملاحظاتي البسيطة على البحث، أما موضوع البطاقات الحالية التي يجب كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ الرئيس أن يكون الجهد منصبًّا عليها، فإن البطاقات الحالية التي تصدرها البنوك الربوية بوضعها الحالي، أنا في اعتقادي بجميع صورها التي نبحثها البطاقات الائتمانية حرام، سواء كان لها غطاء أو ليس لها غطاء، أما الذي ليس لها غطاء فهو قرض بفائدة؛ لأنه من النصوص التي فيها أنه إذا لم يكن هناك أداء مباشر أو غطاء مباشر فسوف تؤخذ الفائدة مباشرة، فحينئذ تؤخذ الفائدة مباشرة فتكون فائدة وربًا، ولا يجوز الربا بإجماع المجامع الثلاثة، كذلك إذا كان لها غطاء لا يجوز، لوجود هذا الشرط الذي يجعل العقد فاسدًا، ونحن لسنا مع الذين يقولون بصحة العقد تمامًا، وأن الشرط باطل وأن المسألة مثل عتق بريرة رضي الله عنها.
النقدي، لما أن في السحب النقدي بعض الإشكاليات التي قد تصل إلى كأنها فوائد على هذا السحب ، في اعتقادي، في كل الاعتبارات، وقد أشار إلى ذلك فضيلة الأستاذ أبو سليمان إلى أن القرض هنا إن اعتبرناه قرضًا فهو ليس قرضًا عاديًّا، وإنما هو ما يسمى بالقرض الاستجراري أو استدانة الاستجرار التي ذكرها الحنفية وذكرها كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
وهناك فضيلة الشيخ ابن منيع - الله يحفظه ويبارك فيه - استفدنا من ملاحظاته، هناك علاقة رابعة لم يذكرها وهي العلاقة بين التاجر وحامل البطاقة، حيث يتعاقد أيضًا مع هذا التعاقد لا بد من بيان التاجر وحامل البطاقة إضافة إلى العلاقات الثلاث.
مسألة أنه جمع بين الحوالة والوكالة لا مانع منها أبدًا؛ لأن حتى الحوالة والوكالة والكفالة لأنها باعتبارات مختلفة، وقضية النهي عن الصفقتين، لي بحث في هذا الموضوع وصلت فيه إلى أن النهي في هذه المسألة مخصص فيما إذا جمع بين القرض السلف وبين التبرعات أو نحو ذلك، فالجمع بين الحوالة والوكالة والضمان ليس فيها إشكالية في اعتقادي.
أما العلاقة بين التاجر والمصدر، فيمكن اعتبار هذه العلاقة مصارفة؛ تحتاج في الحقيقة إلى تحقيق، وما صرح به شيخنا الفاضل الشيخ المنيع حقيقة وحتى البديل الذي أتى به يؤدي إلى أن يتضرر التاجر أكثر من السابق؛ لأنه يتضرر بالتأخير ثم في نفس الوقت يدفع نفس النسبة للشخص، ولماذا لا يكون العقد أو الدين يستقر بمجرد دفعه وبمجرد ضمان البنك له؟ فوجود الزمن لمدة ستة أشهر أو أكثر من ذلك يعني هل يحتاج إلى هذا الوقت إلى أن يستقر، والاستقرار بالنسبة للقرض يتم بالنسبة للمذاهب الثلاثة بالقبض وبالنسبة للإمام مالك بمجرد العقد، فالمسألة أنه تأخير شهرين أو ثلاثة أشهر ويتضرر به التاجر ثم بعد ذلك المصدر يأخذ نفس النسبة، أعتقد يحتاج في اعتقادي إلى إعادة النظر. وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور شوقي دنيا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله.
أود أن أطرح أمام حضراتكم بعض النقاط، ولن أطيل، وآمل ألا أكرر ما سبق أن قيل.
النقطة الأولى، سبق أن طرح موضوع بطاقات الائتمان في الدورة السابعة للمجمع، قدمت فيه بعض الأوراق الجيدة من فقهاء واقتصاديين، ودارت حوله مناقشات موسعة، ونظرًا لما بدر من خلاف واسع حول التكييف الفقهي لبطاقة الائتمان وما تنطوي عليه من علاقات واتفاقيات، وما نجم عنه من خلاف أوسع حول الحكم الشرعي لما يحدث عنها من تصرفات مالية، نظرًا لذلك كله رأى المجلس الموقر أن يُرْجِئَ البَتَّ في هذا الموضوع، طالبًا المزيد من الدراسة حوله.
هنا يجيء البحث القيم للأخ الكريم د. عبد الوهاب، وقد اهتم فيه من وجهة نظره اهتمامًا بالغًا بجانبين مهمين أغفلتهما الدراسات السابقة. الجانب الأول: تحرير القول في موضوع التسمية، هو يرى أن التسمية الشائعة عليها ملاحظات، وأنا أؤيد في هذا تأييدًا كبيرًا، والملاحظات التي أبداها عليها ليست فقط ملاحظات لغوية، وإنما هي بالدرجة الأولى ملاحظات شرعية أو فقهية، أنا لست فقيهًا، ولكنني أقرأ جيدًا الفقه والحمد لله، نحن نعلم أن هناك عقود أمانة في الفقه الإسلامي، وليس من بين هذه العقود عقود الأمانة أو الاستئمان أو الائتمان، كلها مادة واحدة، أم إن هذه العقود لا يدخل تحتها عقد القرض، فإذن إذا ما سلَّمنا بأن بطاقة الائتمان تنصرف بشكل أو بأخر إلى أن تكون عقد قرض فلا يصح شرعًا أن يطلق عليها عقد ائتمان، لأن مسؤولية المؤتمن أو المؤتمن في الفقه الإسلامي غير مسؤولية المقترض.
القضية الأخرى فيما يتعلق بالتسمية، نحن المهتمين بالاقتصاد الإسلامي نعاني أشد المعاناة من الأسماء التي فرضت علينا فرضًا، واعتبرت مصطلحات اقتصادية عالمية وشائعة، رغم أن فيها ما فيها من بعض المخالفات الشرعية أو الفقهية، فإذا طلبنا بأن تُعَدَّلَ هذه المصطلحات، وتؤصل إسلاميًّا وتستبدل بمصطلحات إسلامية تنسجم مع تراثنا ومع عقيدتنا ومع شريعتنا يقال: إنّ هذا اصطلاح شائع، وإن هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذا كذا، وهذا شيء أنا أقره وأعترف به هو اصطلاح شائع، لكن إلى متى سنظل أسرى لهذه المصطلحات الشائعة إذا كان فيها بعض المخالفات الشرعية.
بالتأكيد كلمة Credit أوسع من كلمة القرض، والبحث ذكر هذا وإن كان لم يركز عليه كثيرًا، وأنا أتفق مع بعض الإخوة بأن هذه الكلمة الإنجليزية أوسع من كلمة دين، والدين نحن نعلم جميعًا أنه أوسع من كلمة قرض، لكن هل استخدام هذا المصطلح والإبقاء عليه ألا يحقق مفاسد؟ الفرد الذي يتعامل ببطاقة اسمها بطاقة ائتمان، هو أبعد ما يكون ذهنيًّا عن محاذير شرعية، أما إذا تعامل ببطاقة اسمها بطاقة إقراض أو بطاقة مداينة، أو بطاقة دين، في تلك الحالة سوف يتوقف بعض الشيء ليدرس هل هذا الدين دَين شرعي أو دين غير شرعي، وبالتالي ممكن أن نحد من هذه القضية. ولذلك أنا بقدر ما، أنا أرى أن لا بد من النظر في التسميات والمصطلحات القائمة وإن كان فيها ما فيها شيوع ومن هيمنة ومن سيادة، وإن كان سيترتب عليها بعض القلاقل المفاهيمية مؤقتًا إلى أن تستقر المفاهيم السليمة.
القضية الثانية التي التفتَ إليها بذكائه وببراعته أخونا د. عبد الوهاب، وأغفلتها البحوث السابقة، هي التحليل القانوني الجيد من مصادره الأصلية وبلغته الأم، ويقصد بالأم اللغة التي استخدمت فيها هذه الأدوات، وهذه القضية وهذه الصياغة وليس أي شيء آخر.
قدم تحليلًا قانونيًّا رائعًا ابتعدت عنه الدراسات السابقة، وأرى أنه يعني في المناقشات التي أثيرت حاليًا، يبدو أنها لم تطلع على الورقة بشكل جيد؛ لأن ما زال الخلاف قائمًا بين الفقهاء هل هي حوالة؟ هل هي كذا؟ هل هي كذا؟
يقول لنا البحث طبقًا لمصادره ولبلاده وللقائمين على تنفيذه هم كَيَّفوه بأنه كذا وكذا وكذا، ثم نعرض عن هذا كله ونقول: ربما كان كذا وربما كان كذا، إذن ما قيمة هذا البحث والدراسة الجيدة التي استغرقت الوقت الطويل؟
الأخ الدكتور عبد الوهاب ذهب بحق إلى أن التكييف الفقهي الدقيق في مثل هذه الجوانب يتوقف على جناحين، الجناح القانوني الوضعي والجناح الاقتصادي، وهو من الجناح القانوني توفية جيدة طيبة يشكر عليها، لكن الجانب الاقتصادي رغم أهميته القصوى في مثل هذه المسائل لم أر له وجودًا إلا نادرًا، منفعة التاجر، يعني كلام طبعًا أن أفهم ما وراء ذلك، هو بحكم الاختصاص أو بحكم التخصص هو فقيه ورجل قانوني ولا يدعي أنه رجل اقتصادي، لكن من حسن الحظ أن هناك بحثًا سابقًا قدم من أخ اقتصادي فاضل وهو (د. القري) أشار إلى بعض الجوانب الاقتصادية.
أنا أهيب بالمجلس في مثل هذه القضايا العصرية الكبرى الاقتصادية
أن يولي الجانب الاقتصادي ما يستحقه من عناية فيها، ولا أقصد الجانب الاقتصادي فقط مجرد تصوير المسألة تصويرًا اقتصاديًّا، يعني هي كذا وكذا لا، أنا أرى أن يمتد البحث فيها إلى بيان مآلاتها، آثارها الاقتصادية.
الأخ الكريم السيد الرئيس أشار إشارة جيدة، وهي بفرض أن هناك منافع جزئية في بطاقة الائتمان للحامل وللمصدر وللتاجر، لنفترض هذا ولنفترض أنها ليس فيها مديونية بفائدة، لكن ماذا عن آثارها الاقتصادية على المستوى الكلي على المستوى القومي، ماذا عن آثارها على المديونية؟ وقد طرحت، هي تتجاوز هذا، ليس فقط المديونية ومشكلاتها الفردية والدولية والقومية التي نعيشها جميعًا، هي أكثر من هذا، ماذا عن آثارها على مشكلة التضخم؟ مشكلة التضخم، شراء بكثرة، مديونية، مديونية وشراء بكثرة، سوف تولد لي مشكلة تضخم، سوف تولد لي أو تؤثر تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا في مشكلة الاحتكار، وتزيد من الاحتكار سيطرة بعض المراكز التجارية وسيطرة بعض البنوك، ماذا عن سيطرة بعض المصارف على التمويل بكل صنوفه حتى التمويل التجاري وليس التمويل المالي، ماذا عن تزايد الاستهلاك وتناقص المدخرات، يعني أن يولي المجمع الموقر وقد انصرف إلى دراسة هذه القضايا الكبرى، آمل أن يولي دراسة الجانب الاقتصادي الكلي أو القويّ في مثل هذه القضايا اهتماماته؛ لأن ما قد يجوز بالجزء قد لا يجوز بالكلي كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله.
هناك نقطة ثالثة مسألة الضمان والأجر عليه، بغض النظر عما في البطاقة، وهل فيها ضمان والأجر عليها أو عدم الأجر عليها في البطاقة، هذه مسألة لا تقف عند حدود بطاقة الائتمان، في الحياة الاقتصادية الكفالة أو الضمان أصبحت شائعة، وأصبحت أساسية وأصبحت مهمة جدًّا، فهل أخذ الأجر عليها يظل محرمًا في ظل هذا الواقع القائم، بحكم أنها من أعمال البر والرفق، أم أن هناك محظورًا شرعيًّا أقوى من هذا؟ وخاصة أن بعض كتب الفقه الشافعي أشارت إلى ما فيه شبهة ربا، يعني آمل أن تراعى مثل هذه القضية في نظر المجمع الموقر.
مسألة الإذعان في البطاقة، يعني أنا أختلف مع الأخ د. عبد الوهاب في أن البطاقة فيها إذعان، والإذعان مبطل للعقد، أي إذعان هذا؟ البنك طرح شروطًا وطرح اتفاقات، من يرغب يتقدم ومن لا يرغب لا يتقدم، هل التسعير هل بيع المرابحة بصيغته الأصلية الموجودة في الفقه أشياء محددة من طرف دون الطرف الآخر هل تبطل العقود، المرافق تحتاج إلى بحث وإلى نظر فقهي جيد.
نقطة أخيرة أثارها د. عبد الوهاب وهي نقطة فقهية جيدة، لكن صداها العملي في حياتنا الاقتصادية غير واضح، هي قضية الشروط في العقود، وهل تبطل العقد أو لا تبطل العقد، هل شرط فاسد ينصرف أثره إلى العقد فيفسد أو يبطل، أو يبقى العقد صحيحًا ويفسد الشرط؟ كلام فقهي جميل، ولكن ما هو الصدى العملي لهذا الكلام عند رجال الأعمال وعند التجار، ما معنى أن يقال لرجل أعمال: الشرط باطل والعقد صحيح، هل هناك أثر عملي يترتب على هذا؟
آمل ألا أطيل في هذه القضايا، وأعود وأكرر شكري للإدارة وللأخ الدكتور على هذا البحث الجيد الذي عايشته طويلًا. وشكر الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ ناجي عجم:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين.
أولًا: بالنسبة إليَّ، هذا أوسع بحث شرعي اطلعت عليه، فصنع
الباحث إلي معروفًا وأنا أشكره على هذا المعروف.
ثانيًا: أشكره أيضًا على تغيير هذا الاسم إلى بطاقة المعاملات المالية، فإن هذا اسم بطاقة الائتمان كما تفضل الدكتور شوقي ليس من عقود الأمانات هذه، عقود الأمانات: المرابحة، التولية، الوضيعة، وهذه العقود غير داخلة في هذه البطاقة أبدًا فهذا الاسم (بطاقة المعاملات المالية) من حيث اللغة ومن حيث المضمون هو ألصق بواقع العمل بهذه البطاقة.
الأمر الآخر بطاقة السحب النقدي أو بطاقة القيد على الحساب، ما أرى في ذلك بأسًا لكن على ألا يكون في بطاقة السحب النقدي قرض، فإذا سحب صاحب البطاقة مبلغًا من غير صندوق البنك المصدر للبطاقة يسجل عليه قرض ثم يترتب على ذلك فوائد، وكذلك في بطاقة القيد على الحساب ينبغي أن لا تشمل هذه البطاقة شرط أنه إذا انكشف حسابه، فإنه ملزم بدفع ما يترتب عليه من غرامات التأخير، فهذا هو الربا بعينه. ينبغي أن يحذف هذا الشرط حتى يصح عقد بطاقة القيد على الحساب مع ما تفضل به بعض الإخوة أن لا تستعمل هذه البطاقة في المحرمات، وإنها إذا استعملت في المحرمات فينبغي أن يعاقب على الأقل بسحب هذه البطاقة.
أما البطاقات التي ليس لها غطاء، أو البطاقات المدينة، هذه الربا فيها واضح، الذي أجمعت الشرائع السماوية كلها على تحريمها، أما تكييفها بأنها حوالة، ليست هي حوالة، هذا قرض، ثم هناك ملاحظة فاتني أن أقولها في بطاقة السحب على الحساب أو بطاقة السحب النقدي، أسمع بطاقة ذهبية وبطاقة فضية وبطاقة ماسية ولكل بطاقة رسم إصدار، ثم يكون لكل بطاقة ميزات، مثلًا في البطاقة الذهبية أنها إذا استعملها في شراء بطاقة للطائرة أو أنه إذا أكثر الشراء بها، فسوف يكون له تأمين تجاري إذا فاته مثلًا الحجز في الطائرة أو تأخرت الطائرة فيعطون حق التأمين التجاري بغطاء 150.000دولار، والمجمع الكريم أفتى بحرمة التأمين التجاري، فكون يكون هناك رسومًا متفاوتة للبطاقة ويسمونها خدمات أو رسوم خدمات فالخدمة واحدة سواء في إصدار بطاقة ذهبية أو فضية، فما أرى أن يكون هناك تفاوت في رسوم إصدار هذه البطاقة ولا يكون تمايز في هذه البطاقات. أكتفي بهذا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الشيخ سعود الثبيتي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وبعد:
فالشكر موصول لأستاذنا الجليل د. عبد الوهاب أبو سليمان، حفظه الله، على تقديم هذا البحث القيم الذي أفدنا منه جميعًا، وبين ووضح فيه كثيرًا من الأمور الغامضة قبله.
وإن كان لي بعض المداخلات، سوف أقتصرها وأضيف أو أثني على بعض ما سبقني به أصحاب الفضيلة وخصوصًا الكلمة التعليقية الوافية الضاهية من شيخنا ابن المنيع، حفظه الله.
والذي تلخَّص لي من العرض ومن المداخلات على هذا العرض، أن بطاقات الائتمان كما يسميها أهلها تنقسم إلى أقسام منها: بطاقة السحب وهي التي تسمح للعميل بالشراء على الحساب، ولكن يتم الدفع بالكامل خلال فترة من شهر إلى شهرين، ولا بد أن يكون حساب العميل فيه رصيد لا يقل عن المبلغ المتاح للشراء بهذه البطاقة.
الموضوع الثاني: بطاقة الائتمان أو المدفوعات، وتؤدي هذه وظيفة بطاقة السحب، كما يمكن بواسطتها أن يقوم البنك بالدفع عن العميل، ولو لم يتوفر في حسابه شيء، حسب المدة التي يرغبها العميل، واحتساب فوائد ربوية عليه نظير عملية الإقراض هذه، أو عدم احتسابها إذا كان البنك إسلاميًّا.
في الواقع أن التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان يختلف حسب طبيعتها والشروط المقترنة بها واستخدامها. فإذا تم استخدام البطاقة في الاقتراض من البنك المصدر لها حيث يقوم بالتسديد نيابة عن العميل لعدم وجود رصيد في حسابه وتحتسب عليه فوائد ربوية، فهذه لا شك في حرمتها؛ لأنها قرض بفائدة، وكل قرض جر نفعًا فهو ربا.
وهذا هو الغالب في تعامل البنوك غير الإسلامية مع عملائها. وإن سدد البنك عنه ولم يحتسب عليه فائدة فهذا قرض حسن، وحينئذٍ لا تمنع البطاقة لعدم الربا فيها، وهذا قلما يكون.
ويبقى النظر حينئذ في الجوانب والشروط الأخرى للبطاقة ومدى مشروعيتها، فإذا تضمنت شروط البطاقة بين البنك المصدر لها والعميل شرطًا يلتزم فيه العميل بالتسديد من رصيده، وفي حال خلوه أو نقصه يقوم البنك بإقراضه واحتساب فائدة عليه، ثم لم يحصل ذلك بمعنى أن العميل جعل رصيده أكثر مما يستحق عليه نتيجة الشراء بالبطاقة، فإن هذا الشرط يجعل العملية محرمة، لما فيه من التزام الربا والرضا به والتوقيع عليه، وهذا لا يجوز، وإن ذهب البعض إلى جواز ذلك. إذا اتخذ العميل من الاحتياطات ما يكفل عدم تطبيق الشرط المحرم؛ لأن هذا الشرط في معرض الإلغاء كما يقولون شرعًا، وهو مستنكر له وعامل على استبعاد مفعوله، وسواء في هذا الأمر كان السحب من البنك أو من الأجهزة الآلية، لا فرق في ذلك.
الرسم الذي يأخذه البنك المصدر للبطاقة من العميل، وهو ما يسمى برسم الإصدار، ذهب بعض الباحثين إلى تحريم أخذ البنك لهذا الرسم من العميل على اعتبار أن ذلك غرر وجهالة، لأن العميل يدفع رسمًا ولا يستخدم البطاقة، وقد يستخدمها مرات معدودة، لا تساوي هذا الرسم المدفوع عليها، والظاهر أن حجج هذا الرأي غير مقنعة، لأن الرسم يمكن تكييفه على أنه قيمة لتلك البطاقة وأجر على الخدمات والمنافع التي تقدمها أو يمكن تقديمها لتلك البطاقة للعميل. والغرر والجهالة غير موجودين؛ لأن العميل يمكن أن يستخدمها بعدد مرات الأخذ لها، فإذا لم يستخدمها فهذا حقه لم يستخدمه وليس ملزمًا بممارسته وعدم استيفائه. وهذا الأمر لا يجعل عند البطاقة غررًا أو جهالة.
الرسوم المأخوذة من أصحاب المحال التجارية مقابل الجهاز الخاص الذي تمرر فيه البطاقة وكذلك مقابل خدمات السمسرة بين العملاء وأصحاب المحلات التجارية الذي تم عن طريق البنوك، حسم نسبة مئوية من قيمة فاتورة السلع والخدمات المشتراة التي تحصل عليها شركة البطاقة حيث لا يحصل أصحاب المحلات التجارية على كامل قيمة الفاتورة. فهل هذه كما يسميها البعض عمولة وأجر على تحصيل الثمن من العميل حامل البطاقة يجوز أخذها على تحصيل الدين؛ لأنها إجارة على تحصيل منفعة مباحة وهي جائزة شرعًا، أم أنها خصم في حالة مصارفة كما أشار إلى هذا الأمر صاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله؟
في الواقع أني أثني على ما ذهب إليه الشيخ عبد الله بن منيع في اعتبار أن جانب الحوالة لم يعط الأهمية الكافية والوافية في هذا البحث، وما ذهب إليه أستاذنا الجليل د. عبد الوهاب أبو سليمان من أنه وكالة أو ضمان، فهذا بعيد كل البعد عن واقع بطاقة الائتمان، حيث إن الساحب من حسابه أو الآخذ إن أخذ من حسابه فنحن كيفنا الحسابات الجارية فيما تقدم في هذا المجمع الموقر على أنها قرض، والقرض دين، والسحب من الحساب سواء كان عن طريق الآلة أو عن طريق الأوراق أو غيرها فهو استيفاء من الدين، والدين إذا لم يكن له أجل فهو حال، فيجوز لصاحبه أن يستوفي منه في أي وقت من الأوقات.
وأما إذا كان حامل البطاقة قد اشترى من التاجر فقد أصبح مدينًا، هذا المدين له دين على مصدر البطاقة وحينئذ يصبح الأمر بين المدين الذي هو حامل البطاقة وبين التاجر أمر حوالة؛ لأن ذمة حامل البطاقة مشغولة بدين، وذمة مصدر البطاقة مشغولة بدين، ونقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى هو الحوالة بعينها، ولا اعتبار بتكييف من كيف هذا الأمر بأنه وكالة أو كما برره الشيخ (د. شوقي) بأن هذا تكييف من إصدار البطاقة فلا اعتبار بتكييفاتهم إن كانت.
فإذا كان للعميل دين، أو حسابه مغطى في البنك فهذه حوالة وليس إلا، وإن لم يكن له دين أو لم يكن حسابه مغطى فهذه العملية يتنازعها أمران: الأمر الأول أنها حوالة على مذهب الحنفية، والحنفية قد ذهبوا إلى جواز الحوالة على من لا دين له للمحيل، وهذا يتماشى مع مذهب الحنفية، والذي أراه أن هذا من باب الضمان، وإن كان واقع بطاقة الائتمان العملي الآن لا ينطبق على هذا، فنرجو أن يدخل على بطاقة الائتمان التي يرغب التعامل بها في الدول الإسلامية شرط أن تبقى ذمة المدين مشغولة، وذمة العميل مشغولة، حيث كما عرفنا أن العميل تبرأ ذمته والدائن لا يطالبه بحال من الأحوال، علمًا بأن الذمة إذا شُغلت بدين لا تبرأ منه إلا بأدائه، فهذا أمر ينبغي التركيز عليه في حالة ما إذا كان حساب العميل مكشوفًا.
مسألة أشار إليها شيخنا الفاضل ابن منيع حفظه الله، بأن المبلغ الذي يقتطعه مصدر البطاقة من البائع أو من أصحاب الخدمات أننا نعتبره من مسألة (ضع وتعجل) ، والواقع أن مسألة (ضع وتعجل) لا تكون إلا في دين، والعلاقة بين العميل وبين المصدر للبطاقة وبين البائع ليست بدين، وإنما هي آجل فلا تنطبق في الواقع مسألة (ضع وتعجل) في هذا المجال، وإن أرادت البنوك أو الجهات المصدرة الاحتيال على هذا، فتجعلها مؤجلة إلى وقت ثم تخصم منها، وهذا من صور الاحتيال المرفوضة.
وأشكركم على إتاحة الفرصة والاستماع، وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا.
بهذا ترفع الجلسة، إن شاء الله تعالى، ونعود في الساعة الرابعة والنصف.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نستأنف هذه الجلسة المسائية بعون الله وتوفيقه لاستكمال المناقشات حول موضوع بطاقات المعاملات المالية.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله خير البشر، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين. أحب أولًا أن أقدم الشكر والتقدير لهذا البحث القيم، وإن ما وجه إليه لا يقلل من قيمته، فهو من أفضل الأبحاث التي قدمت إن لم يكن أفضلها.
بعد هذا نأتي إلى الموضوع، ولا أريد أن أعقب على البحث بشيء؛ لأن المهم هنا أن نخرج بقرارات، لا أن نتحدث عن تعليق أو نقد لبحث، في تصوري أن المطلوب من المجمع الموقر هو ما يأتي:
أولًا: بيان تحريم البطاقات العالمية التي تصدرها البنوك الربوية، وبيان جوانب التحريم.
جوانب التحريم موجودة في الشرط الربوي، سواء أكانت البطاقة لها غطاء أم ليس لها غطاء، ثم في وقوع الربا فعلًا، وبالنسبة للشرط الربوي المناقشة التي دارت بأن العقد باطل والشرط باطل، أم العقد صحيح والشرط باطل - حديث بريرة - لا شك أن قرارات المجمع تنظر إلى الواقع العملي - حديث بريرة - الشرط ألغي، حتى لو فرضنا أن هذا الشرط مثل شرط حديث بريرة هو ليس مثل شرط حديث بريرة، إنما لو فرضنا هذا الشرط ألغي، لكن هنا حامل البطاقة أيملك إلغاء الشرط أو إبطال العقد؟ إنه بمجرد أن يوقع يصبح ملتزمًا قانونًا بكل الشروط التي وقع عليها، سواء أكانت هذه الشروط باطلة أم غير باطلة، لذلك الحكم الشرعي هنا يأتي بالنسبة للواقع العملي، هذا شرط لا بد منه، هذا عقد أصبح ملزمًا إذن فما الحكم الشرعي؟
إنما إذا جئنا إلى الجانب الفقهي النظري بأن هذا العقد صحيح أم باطل والشرط صحيح أم باطل، هذا أعتقد لا أثر له في الواقع العملي، فلا بد أن ننظر إلى مخالف، لأنه شرط ربوي، إذن غير جائز شرعًا، هذا العقد المشتمل على هذا الشرط غير جائز شرعًا، وكون المسلم يقدم على هذا يعلم أنه يقدم على شيء غير جائز.
عندما يقال هنا الضرورة، لا يفتى بالضرورة؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، قلت بأن هذا جائز لأن هناك ضرورة، فكل مسلم هو الذي يقدر ضرورة نفسه ويقدرها بقدرها، لذلك إذا بين المجمع الموقر بأن هذا غير جائز، فالمسلم عندئذ لا يقدم إلا إذا كان عنده ضرورة، وما لم يكن هناك ضرورة فلا يقدم على هذا.
لازلت أذكر منذ سنوات عندما سئلت في إحدى الدول الأوروبية عن حكم البطاقة وبينت هذا الجانب، وجدت كثيرًا من الحاضرين ألغوا بطاقتهم إذا لم يوجد ضرورة، وعندما تحدثت في مدينة أخرى قالوا: إخوانكم هناك مزقوا بطاقاتهم، إذن هنا مسألة الضرورة لا تجعلنا نقول هذا جائز لأنه ضرورة، وإنما نقول: هذا غير جائز، والمسلم هو الذي يُقدِّر أعنده ضرورة أم ليس عنده ضرورة.
أمر آخر أرى أيضًا أنه مطلوب من مجمعنا الموقر، وهو ما أشار إليه بعض الإخوة الكرام، بيان المفاسد المترتبة على استخدام هذه البطاقات، مفاسد بالنسبة للجانب الاقتصادي، فعلًا هذه البطاقات لها مفاسد كثيرة إن كانت لها بعض المحاسن عند الضرورات أو ما استخدمته المصارف الإسلامية إنما أتحدث عن هذا النوع بالذات، الذي يغري بالديون الربوية والمفاسد التي ترتبت على هذا، وأذكر هنا على سبيل المثال بأن مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي عندما بين تحريم فوائد البنوك لم يكتف ببيان التحريم، وإنما تحدث عن المساوئ المترتبة على تفشي المصارف الربوية، لذلك أرجو من مجمعنا الموقر أن يتوسع في هذا الجانب، والإخوة الذين كتبوا؛ الأخ الكريم دكتور عبد الوهاب والإخوة الذين كتبوا من قبل والإخوة الاقتصاديون الموجودون معنا، كل هؤلاء، إن شاء الله، يمكن أن يستفاد من علمهم.
النقطة الثالثة التي أرى أن المجمع الموقر مطالب بها هي: بيان البديل الإسلامي لهذه البطاقة، والبديل الإسلامي لم يعد مسألة نظرية، وإنما خرج إلى التطبيق العملي، وفي البحث الذي بين أيدينا عقدان وهناك مصارف إسلامية أخرى كثيرة أخرجت هذا البديل، لذلك على المجمع الموقر مطلوب منه إن شاء الله أن يضع الضوابط الشرعية لهذا البديل الإسلامي. فالمصارف الإسلامية التي أصدرت البطاقات تنظر في هذه الضوابط، ويكون وضع الضوابط هذا إقرارًا لعملها، أو تعديلًا لبعض ما جاء في هذه البطاقات، أو إلغاء لبعض شروط هذه البطاقات، يعني إذن هنا تكون المصارف الإسلامية مطمئنة إلى أن عملها يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وعلى الأخص أن هناك مصارف إسلامية تلتزم بقرارات المجامع الفقهية، هذا يجعل مسؤولية المجمع هنا، أن هناك المصارف التي تلتزم بهذه القرارات، نعم هناك مصارف إسلامية لا تلتزم، لكن المجمع ما دام فيه مصارف إسلامية (وهي غالب المصارف الإسلامية) ، هذه المصارف تلتزم بقرارات المجمع إذن هي بحاجة إلى هذه القرارات.
يلزم إذن أن ننظر في عمل البطاقات الإسلامية، الإجراءات التي تتم، العلاقة والمبالغ التي تؤخذ لنرى: ألها وجهة شرعية أم فيها مخالفة؟
أول شيء إصدار البطاقة وأخذ أجر مقابل إصدار البطاقة، لعل هذا من الأمور الجائزة، لأنها مقابل عمل يقوم به، ثم بعد ذلك شروط العقد، ما علاقة المصرف المصدر للبطاقة بحاملها المستفيد؟ وما علاقة المصرف المصدر للبطاقة بالتاجر؟ وما علاقة المصرف المصدر للبطاقة بالشركة العالمية؟ وما علاقة حامل البطاقة بالتاجر؟ ثم بعد بيان هذه العلاقات ما يؤخذ تبعًا لهذه العلاقات أهو جائز أم غير جائز؟ الاتجاه إلى أن حامل البطاقة عندما يشتري يصبح مُحيلًا والتاجر محالًا، والمصرف المُصدِر محالًا عليه، هذا التخريج جائز، لكن ليس حوالة فقط، هنا عقدان لأنه من شروط الحوالة التساوي في القدر والزمن، شروط الحوالة معروفة، فهنا لا يوجد التساوي لأن المصارف المصدرة تأخذ نسبة مئوية من المبالغ التي يأخذها التاجر ثم هي قد تأخذ بعملة أخرى، فإذن لا يوجد التساوي ولا اتحاد العملة، إذن لا بد أن ينظر هنا إلى عقدين معًا أهما جائزان معًا أم لا؟ الحوالة مع أخذ هذا المبلغ، المبلغ هذا يمكن أن يكون أجرًا مقابل وكالة - كما قال بعض الإخوة - أم يمكن أن يكون سمسرة؟ لأن التاجر قبل أن يؤخذ منه هذه النسبة لأن البطاقة تسهل له البيع فأشبه هنا بالسمسار، فأرجو أن تبحث هذه النقطة، هل يمكن التخريج على هذا الأساس؛ أنها حوالة وفي الوقت نفسه سمسرة أو حوالة مع وكالة بأجر؟ أم لا؟
ثم ما قيل هنا بالتخريج على المرابحة، هذه الحقيقة يعني أن المرابحة سيكون لها دور غير البيع، لأن المصرف ليس بائعًا، المصرف يقوم بأداء الثمن الذي أصبح دينًا في ذمة حامل البطاقة المستفيد، وأحيل هذا الدين إلى المصرف المصدر للبطاقة، فأين البيع هنا؟ وأيضًا ليس دائنًا أو مدينًا أصليًّا ، إنما هو مدين بعد أن تمت الحوالة فهو محال عليه، لذلك مسألة المرابحة أو (ضع وتعجل) هذا أمر أرى أنه بعيد عن موضوعنا.
المصرف المصدر للبطاقة يأخذ مبلغًا آخر من المستفيد من البطاقة، والمستفيد من البطاقة له رصيد في المصرف الإسلامي، وقد يحدث أن يكون رصيده لا يكفي، فالمصارف الإسلامية بحمد الله تعالى لا تأخذ زيادة، في حالة السحب النقدي يأخذ من حامل البطاقة وليس من التاجر، فتخريج هذا بعض البنوك الإسلامية رأت إلغاء السحب النقدي، قالت هنا: إن الزيادة ستكون زيادة مقابل دين فهي ربا، مصارف إسلامية أخرى رأت أن السحب النقدي قد يكون ضرورة من الضرورات في بعض الحالات، فوجهت العملاء إلى عدم السحب النقدي إلا عند الضرورة.
لكن ثم السحب النقدي ما تأخذه المصارف الإسلامية تبعًا لهذا السحب النقدي، أيجوز أم لا يجوز؟ إذا أخذت نسبة من المبلغ فكما بين بعض الإخوة الزملاء، هذه النسبة إذن ترتبط بالمبلغ فعندئذ لا تكون مقابل عمل.
لكن أذكر هنا أن القائمين على المصرف الإسلامي، عندما عرضوا الموضوع على هيئة الرقابة الشرعية، بينوا الإجراءات التي يقومون بها، عند السحب النقدي يحدث كذا وكذا، إجراءات معينة يقوم بها المصرف، وطالبوا بأجر مقابل هذا العمل، فأجازت لهم هيئة الرقابة الشرعية أن يأخذوا أجرًا مقطوعًا، ثم حدد هذا الأجر، يعني لم يجعل الأجر المقطوع للمصرف يحدده كيفما شاء، وإنما قالوا كذا وكذا، فهو: نريد هنا الأجر أن يكون مبلغ كذا.
فإذن هنا في هذه الحالة المصرف الإسلامي كان يقوم بإجراءات ويتكلف تكاليف، وموظفون يعملون في هذا السحب النقدي وما يترتب على السحب النقدي، إذا أخذ مبلغًا مقطوعًا أيجوز أم لا يجوز؟ إذا كانت هيئة الرقابة الشرعية قد أجازته ، الآن نريد أن نعرف رأي المجمع لنرى هل هذا جائز فعلًا أم أنه غير جائز؟
ويسترشد هنا، الحقيقة أن الهيئة التي أجازت استرشدت بقرار المجمع في خطابات الضمان، حيث رأى المجمع أنه لا يجوز أخذ أجر على الكفالة المجردة، ولكن يجوز أخذ أجر على العمل المصاحب لإصدار خطاب الضمان. استرشدت الهيئة بقرار المجمع الموقر، وقالت هنا: إذا ما دام هذا العمل فعلًا، فيمكن أن يؤخذ مبلغ مقطوع مقابل هذا العمل، يتناسب مع العمل ولا ينظر فيه إلى المبلغ.
هنا نقطة أيضًا، نريد أن نعرف رأي المجمع فيها، شراء الذهب والفضة بهذه البطاقة، المعلوم أن الذهب والفضة والنقود الورقية لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا مع التقابض الفوري، فهل الشراء بالبطاقة يعتبر تقابضًا فوريًّا، أم أن هنا تأخير، لأنه يشتري في دولة ثم بعد الشراء بفترة يصل المبلغ إلى التاجر، فهل يعتبر هنا من القبض الفوري، أم ليس من القبض الفوري؟ هذا أيضًا نريد قرارًا من المجمع الموقر به، في حالة شراء الذهب والفضة. أيضًا نريد قرارًا من مجمعنا الموقر، بارك الله فيه وفي عمله بالنسبة للصرف، حامل البطاقة اشترى بالدولار، بالجنيه الاسترليني، بالمارك الألماني، بأي عملة من العملات، ثم يأتي إلى المصرف المصدر للبطاقة العملة مختلفة، نريد أن نفرق بين أمرين:
الأمر الأول، لو أن حامل البطاقة أراد أن يدفع بالعملة نفسها فقبل المصرف، أو لم يستطع أن يدفع بالعملة نفسها فطالب بالصرف، هذه حالة.
والحالة الأخرى، إذا رفض المصرف الإسلامي أن يكون الدين هذا بالعملة الأصلية، وإنما لا بد أن يكون بعملة البلد التي فيها هذا المصرف. نريد قرارًا بالنسبة للحالتين.
هنا أمر أخير أكتفي به وهو التأخر في الدفع بالنسبة للبنوك الإسلامية وما نسمع عنه من غرامات التأخير، المجمع الموقر له قرار في هذا سابقًا ، بحث باب التقسيط له قرار سابق في هذا، لكن أريد الحقيقة أن نبرز هذا القرار من جديد، لأن أخذ المبلغ ثم إضافته إلى جهة خيرية أقول هنا من البنوك الإسلامية ما تأخذ هذه الغرامات التأخيرية سواء كان المدين مماطلًا أم غير مماطل، وتأخذها هي، بل إن بعض البنوك الإسلامية وضعت على الحاسب الآلي نسبة المرابحة التي تأخذها، هي كم تأخذ في المرابحة 10 %، 20 % أي أحد يتأخر في دفع الأقساط الحاسب الآلي نفسه يحسب هذا التأخير، وما يقابله من فوائد تأخير؛ لأنه أصاب المصرف بضرر، فهذا تعويض عن الضرر، منع المبلغ من أن يستثمر، لو أنه استثمر فكنا نأخذ كذا من المرابحة، أيمكن أن نفرق بين هذا وبين الربا؟
أكتفي بهذا، وشكرًا.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
الحديث في بطاقات الائتمان كثير، وسأحاول أن أختصر حديثي بقدر الإمكان على نقاط أربع أو خمس بالأكثر:
المسألة الأولى: التسمية.
المسألة الثانية: التكييف.
المسألة الثالثة: حكم إصدار هذه البطاقات.
المسألة الرابعة: البديل للبطاقات المحرمة.
المسألة الخامسة: بعض الملحوظات على البحث.
ما يتعلق بالتسمية كثر الحديث فيها بسبب ما أشاره الدكتور عبد الوهاب جزاه الله خيرًا في بحثه من تخطئة، وأنا أوافقه على هذه التخطئة وعلى أنها ترجمة غير موفقة، الائتمان ترجمة غير موفقة لكلمة Credit، وأوافقه على أن كلمة الائتمان هذه لو لم تكن ترجمة فسوف يصعب فهمها، حتى على الخاصة، وقد عانيت أنا شخصيًّا الكثير في فهم المراد منها في بطاقات الائتمان وفي مجالات أخرى في أعمال البنوك عندنا في السودان.
وقد سررت كثيرا عندما قرأت ما كتبه الدكتور عبد الوهاب عن هذه الكلمة، ولكني توقفت عند ترجمته لها بالقرض وتسميته لبطاقات Credit Card ببطاقات الإقراض بفوائد، لا سيما وأن الدكتور عبد الوهاب جعل اللغة الإنجليزية والقانون الإنجليزي هو الأساس.
كلمة Crediter أو Credit تقابلها Debit، هاتان كلمتان معروفتان في لغة البنوك ولغة المحاسبة، والترجمة المعروفة هي دائن ومدين، وليست مقرض ومقترض.
أما كلمة قرض فلها معنى آخر في اللغة الإنجليزية، وقد استعملها الدكتور عبد الوهاب كثيرًا في بحثه وهي كلمة Boro و Boroar المقترض، ولا يقابله Crediter، على أني أوافق الدكتور عبد الوهاب على أنه لا بد لنا من البحث عن تسمية عربية تؤدي المعنى المراد من غير عناء ومشقة، ولعله يرشدنا إلى هذه الكلمة.
الموضوع الثاني التكييف: الذي يظهر لي أن تكييف بطاقة الائتمان بالنسبة للعلاقة بين الأطراف الثلاثة: البنك المصدر، وحامل البطاقة، والتاجر، وهذه هي الأطراف الرئيسية في بطاقة الائتمان، والتكييف يجب أن يعم هذه الأطراف الثلاثة، فلا نكيف كل طرفين وحدهما، هذا لا يؤدي إلى الغرض.
والبنك المصدر، أنا توصلت إلى أنها حوالة بهذا التكييف، البنك المصدر يقول لحامل البطاقة: خذ هذه البطاقة واشتر بها ولا تدفع الثمن وأَحِلْ من اشتريت منه عَلَيّ وأنا أدفع له، ويقول للتاجر: بايع حامل هذه البطاقة وأنا سأدفع لك الثمن، وحامل البطاقة يقول للتاجر عندما يذهب إليه ويشتري منه ويصبح الثمن دينًا في ذمته: أحلتك على البنك مصدر هذه البطاقة بالثمن.
هذا هو التكييف الذي توصلت إليه، فإذا حصل الشراء فقد تمت الحوالة مستوفية لأركانها وشروطها، أركانها: محيل ومحال ومحال عليه، ولا يصح أن تكون كفالة، كما ذهب إليه بعض الإخوة؛ لأن الكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة (ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة) ، يستطيع فيها الدائن الذي هو المكفول له أن يطالب المكفول وأن يطالب الكفيل، والدائن في هذه المعاملة لا يستطيع أن يطالب حامل البطاقة، وإن انتفى شرط الكفالة، وإنما يطالب البنك فقط.
كذلك لا يصح أن تكون وكالة، لأن حامل البطاقة لا يملك الدفع للتاجر، الذي يدفع هو البنك المصدر، والوكالة لا تكون إلا في أمر مملوك للموكل، فلم يبق أمامنا سوى الحوالة، على أنني أعترف بأنه قد تثار بعض المشاكل بالنسبة لبعض الشروط الموضوعة في بعض عقود البطاقة نحو الحوالة هذه.
المحال عليه يصح أن يكون مدينا كما يصح أن يكون غير مدين، غير مدين هذا هو مذهب الحنفية، رأي الجمهور أن المحال عليه لا بد أن يكون مدينًا، وعندنا في بطاقات الائتمان تارة يكون المحال عليه مدينًا، إذا كان هذا في نوع البطاقة الأولى التي يكون حامل البطاقة عنده رصيد، عنده حساب جار، والحساب الجاري كما هو معروف تكييفه قرض، فهو دائن للبنك ويحيل التاجرعليه، هذه لا خلاف فيها.
الخلاف في المسألة الثانية إذا كان حامل البطاقة ليس عنده رصيد، البنك ليس مدينًا هذه جائزة عند الحنيفة، فلا بأس من الأخذ بها.
يؤيد هذا التكييف ما جاء في بحث الدكتور عبد الوهاب، يقول الدكتور عبد الوهاب:" يقوم نظام البطاقات على أساس التزام البنك مصدر البطاقة بتسديد مشتريات حامل البطاقة مباشرة للمؤسسات والمحلات التجارية، وهذا هو شأن المحال عليه "، وعبارة أخرى أيضًا وردت في البحث:" يلتزم البنك التاجر دفع قيمة ما توجب عن حامل البطاقة من دون رجوع إليه "، ويقول أيضًا:" البنك المصدر للبطاقة هو المسؤول الوحيد أمام التاجر عن قيمة مبيعاته لحامل البطاقة ".
ولهذا فإني لا أوافق الدكتور عبد الوهاب على ما انتهى إليه من أن التكييف هو كفالة أو كفالة ووكالة معًا.
حكم البطاقات: البطاقات التي عرضت علينا ثلاث وحكمها يختلف قطعًا، فيجب أن نأخذ كل واحدة على حدة.
البطاقة الأولى هي بطاقة السحب المباشر من الرصيد، بتسمية أخرى: بطاقة الخصم الفوري، وهي ترجمة لكلمة واحدة باللغة الإنجليزية Debit Card إصدار هذه البطاقة جائز، ولا أظن أن في هذا نزاع في الجملة، لكن هناك مسائل ينبغي التنبيه إليها، لا يصح أن نقول هذه البطاقة جائزة ونسكت، لأن هناك ممارسات كثيرة تتعلق بهذه البطاقة، وأخونا الدكتور السالوس قد أشار إلى كثير منها يجب علينا بحثها بدقة.
فمن هذه الحالات استعمالات البطاقة عندما تكون صرفًا، وقد تكلم الدكتور السالوس عن هذه، هذه البطاقة قد تستعمل في شراء سلع، وقد تستعمل في سحب نقدي، وقد يكون الشراء أو السحب لعملة غير العملة التي في البنك المصدر للبطاقة، وهي عملة حامل البطاقة، البنك سيدفع بالعملة التي عنده ما يقابل المبلغ المستحق عليه الذي دفعه البنك المصدر للتاجر، وهنا تأتي المشكلة، هذا يحتاج إلى قرار.
مَثَل آخر، يقول الدكتور عبد الوهاب: إن البطاقة إذا لم تكن إلكترونية فإن القيمة تخصم من حساب حامل البطاقة بعد فترة من الزمن، وهذا لا إشكال فيه إذا كان السحب بنفس العملة، أما إذا كان بعملة مختلفة فإنه يحتاج إلى بيان الحكم، مع الأسف الدكتور عبد الوهاب لم يتعرض لهذه الجزئية بتاتًا، تأتي أيضًا مسألة العمولة، مصدر البطاقة يأخذ عمولة من التاجر، هنا لا بد أن نتأكد من أن الذي يدفع العمولة حقيقة هو التاجر وليس حامل البطاقة، قد تكون هذه مسألة صورية، فالتاجر يُحَمِّلُ حامل البطاقة هذه العمولة بزيادة السعر، كذلك عمولة البنك التاجر من قيمة الفاتورة التي يدفعها للتاجر، هذا أيضًا يحتاج إلى قرار.
الرسوم، وهي متعددة تحتاج إلى فتوى، وبخاصة أن الدكتور عبد الوهاب يقول: إن رسم بطاقة السحب المباشر من الرصيد أعلى من بطاقة الإقراض بفوائد، وهذا يورث شبهة في أن هذه الزيادة جاءت لأنها ليس فيها فائدة، فتبقى فائدة مستترة، وأنا لا مانع عندي من الرسوم ما لم تتضمن فائدة مستترة، وهناك مسائل أخرى بعضها أشار إليه الدكتور السالوس، وبعضها ورد في ندوة البركة في الأردن، كلها تحتاج إلى قرار من المجمع.
فجواز النوع الأول مقيد ببحث هذه المسائل وبيان الحكم فيها.
النوع الثاني: بطاقة الاعتماد أو الخصم الشهري، هذه ليست تسمية الدكتور عبد الوهاب، يسميها بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الفائدة، وكلا هذين اللفظين ترجمة لكلمة Charge CArd، اللفظ الإنجليزي واحد، اختلفت الترجمة، الدكتور عبد الوهاب يعتبر هذه من بطاقات الإقراض، ولا يريد أن يستعمل كلمة ائتمان أو اعتماد.
يقول الدكتور عبد الوهاب: " تخول هذه البطاقة لحاملها الشراء والسحب النقدي في حدود مبلغ معين ولفترة محدودة دون تقسيط في دفع المبلغ المستحق عليه، فإذا تأخر العميل في تسديده، فرضت عليه فوائد ربوية حسبما تنص عليه الاتفاقية بين المصدر وحامل البطاقة ".
معنى هذا أن الاتفاقيات تنص على فوائد يدفعها حامل البطاقة إذا تأخر، ويقول في بحثه:" يفرض مصدرها عقوبة مالية وفوائد ربوية عند التأخير في السداد ". ومع هذا يقول لنا الدكتور عبد الوهاب في تسميتها: إنها خالية من الفائدة، والفائدة مشروطة فيها حسب هذه النصوص وحسب التسمية، فكيف تكون خالية من الفائدة؟
يرى الدكتور عبد الوهاب أيضًا أن اشتراط الزيادة هذه لا يؤثر إذا التزم حامل البطاقة بالوفاء في الموعد، يرى أن هذا الالتزام يرفع الحرج ويخرجه من المحظور وفي هذا القول نظر، فإن حامل البطاقة يقع في المحظور بمجرد موافقته على هذا الشرط، فلا يمكن أن أذهب إلى رجل مرابي وأنا في حاجة إلى المال وأتفق معه وأكتب معه شرطًا بأني إذا تأخرت في الدفع أدفع له كذا فائدة، وأقول: إن هذا جائز! لا أظن هذا يقبل، ولهذا فإني لا أوافق الباحث على ما يفهم من كلامه، وإن كان لم يصرح بذلك من جواز إصدار هذه البطاقة، وأرى أن تلحق بالنوع الثالث، وليس بالنوع الأول.
والنوع الثالث: هو بطاقة الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط، كما يسميها الباحث، أو بطاقة الائتمان، التسمية التي رفضها؛ وكلا التسميتين لكلمة واحدة هي Credit Card ولا خلاف في منع هذه الصورة، فلم يبق أمامنا سوى البحث عن بديل لها، فما هذا البديل؟
قدم أحد الأساتذة الأفاضل بديلًا لبطاقة الائتمان هذه، سماها بطاقة المرابحة، وقرأت بحثه ولا أوافقه على ما جاء فيه، ولم ألق أحدًا من الفقهاء وافقه عليه، وأريد أن أقدم مشروعًا بديلًا، يبدأ بأصل البطاقة ويجعل للبنوك الإسلامية بطاقة خاصة نسميها البطاقة الإسلامية islam card بدلًا عن visa card أو American card وهذا يتطلب إنشاء منظمة على غرار منظمة Visa Card American هذا يحتاج إلى تكاتف البنوك الإسلامية جميعًا، فإذا قامت هذه المنظمة استطاعت أن تضع النظم والقوانين للبنوك الإسلامية.
يبقى بعد ذلك كيف تعمل هذه البنوك لكي تربح، لأن الغرض من هذه الـ Visa هو الربح، فالبنوك الربوية تأتي بهذا الربح عن طريق الفائدة، ونحن نريد أن نأتي به للبنوك عن طريق مشروع، فهذا الطريق عندي هو أن تصدر البنوك الإسلامية بطاقة البيع بالتقسيط وليس بطاقة المرابحة، بدلًا من بطاقات الائتمان، وذلك بأن تنشئ البنوك الإسلامية مجتمعة أو كل بنك لوحده محلات للبيع بالتقسيط مملوكة للبنوك ملكًا كاملًا أو بالمشاركة مع بعض البيوت التجارية، يشتري حامل البطاقة منها ما يريد، البيع بالتقسيط، البنوك تكون استفادت وربحت، مفهوم أن البيع بالتقسيط أكثر من البيع الحالي، فتستفيد بهذه الزيادة، والمشاركة عندي أولى لأنها تمكن البنك من إنشاء عدد من المتاجر.
ما في شك أن هذه العملية تحتاج إلى عدد كبير من البنوك كما هو في الوضع الحاضر بالنسبة للبطاقات الربوية، تحتاج إلى آلاف المتاجر فيمكن أن يكون هذا عن طريق المشاركة مع المتاجر القائمة، فبدل أن ينشئ البنك متجرًا واحدًا بـ 10 مليون ، يمكن بهذه العشرة مليون أن يشارك عشرة أشخاص وينشئ عشرة متاجر.
هذا تصور أَوَّليٌّ رأيت أن أطرحه عليكم، ويبقى بعد ذلك الملحوظات، ولا داعي لذكرها، سأقدمها إلى صاحب البحث القيم زيادة في جودته إن شاء الله.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة هذا الموضوع عولج بتفصيل وإفاضة في الدورة السابعة وهو يُعالَج أيضًا بحمد الله بتفصيل وببحث قيم تقدم به الأخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
لي ملاحظة في هذا المجال، تفتيت هذه المسألة وتحديد العلاقات التي تقوم، واضح أن مدار العملية هو على استقصاء هذه العلاقات وملاحظة أنها تقوم في دافعها عند البنوك على تحقيق مزيد من الأرباح لهذه البنوك في موضوع الفوائد التي تؤخذ والمبالغ التي تحصّل كرسوم أو كأجور أو غير ذلك.
اقتراح بديل كما سمعنا الآن من الأخ الكريم الدكتور صديق يجب أن يلاحظ عنصرًا في غاية الأهمية فيما يتعلق بتعامل البنوك الإسلامية، وهو أن هذه البنوك نتيجة للتكييف الذي تم لأعمالها تحقق أرباحًا كبيرة، المشكلة أن أرباحها لا تظهر؛ لكثرة الودائع التي تحصل عليها نتيجة رغبة الكثير من المودعين في تعاملهم بالتعامل الإسلامي البعيد عن الربا، ونتيجة عدم قدرتها على تحقيق مجالات استثمارية جديدة قائمة على مشاركة فاعلة في التنمية وتحقيق الأرباح.
إذن يجب أن يكون دافعنا في طرح أي بديل عنصر هام يدفع الإنسان العادي للحصول على هذه البطاقة، وهو رغبة أن يكون هناك تسهيل لتعامله وبالتالي وجود النقود محفوظة لدى البنك، ومن ثَمَّ إذا تحققت مبيعات له أو مشتريات له يتم تحصيلها من البنك، فلماذا لا يوضع ترتيب بتفكير متقدم في هذا المجال يقوم على أساس أن البنوك الإسلامية تقدم في هذا المجال، خدمة لعملائها عن طريق فكرة الدفع فيما إذا تحصلت المبالغ على الذين يحملون هذه البطاقات من أرصدتهم، وإذا زاد عن أرصدتهم فمن ترتيب معين يكون هذا على أساس ثقتهم بالعميل، يكون قائمًا على فكرة القرض الحسن.
أما لحظة التفكير بأي صيغة تقوم على مناظرة الصيغ المطروحة في البنوك الدولية، فإننا ندخل في محاذير الربا وغيرها.
في هذا المجال أحب أن أشير، وكنت أتمنى في الواقع، ما دام أن البنوك الإسلامية قد أصدرت بطاقات في هذا المجال أن تكون الصيغ التي جرى التعامل بها الآن أمامنا حتى نرى أن هذه الصيغ يمكن تبنيها أو لا يمكن تبنيها، يعني أستغرب أن يسأل المجمع الفقهي ويبحث المجمع الفقهي وما زال يبلور في هذه المسألة والتطبيق جاري، وكثير من البنوك قد أصدرت بطاقات في هذا المجال! إذن أصدرتها فعلى أي أساس؟ إذا كانت أصدرتها على أساس سليم، كفينا مؤنة البحث وأصبح التطبيق خير شاهد على الإنجاز، لكن إذا أصدرتها وهي مخالفة، إذن لماذا نشغل أنفسنا في إطالة القول في هذه القضايا وتأجيلها من دورة إلى دورة دون أن يكون هنالك بلورة لهذا الموضوع ما دام أن الأمر جرى عليه التطبيق وباتت كثير من البنوك تصدر مثل هذه البطاقات.
أذكر في دورة عمان عرضت بعض صيغ الممارسة، كان في البنك الإسلامي الأردني أو في بيت التمويل الكويتي أو غير ذلك، يعني كنت أتمنى في الواقع أن تكون معروضة أمامنا الصيغ التي استخدمت لإنجاز مثل هذه البطاقات، فإذا رأينا أنها سليمة اكتفينا بذلك، وإلا انتقدناها وحذزنا المسلمين منها، وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا، نناقش بحدود عشر دقائق لعلنا نغطي أكثر الموجودين. الأستاذ منذر قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أريد أن أبدأ كما بدأ كثيرون غيري بتقريظ بحث الدكتور عبد الوهاب وتهنئته على الأسلوب العلمي الذي اتبعه فيه، هذا أيضًا كما قال غيري لا يعني أن البحث لا يتعرض لبعض الملاحظات.
أهم ملاحظة - الحقيقة - تنطلق من فهم أساس البطاقة، بطاقة الائتمان هي وعد من البنك وليست غير ذلك، وعد من البنك بأن يدفع عن حامل البطاقة ثمن ما يشتريه، وأيضًا لو اقترض منه أن يدفع عنه ذلك القرض اقترضه من أي جهة أخرى قرضًا، فيدفع عنه ذلك ويحمله فوائد على ذلك، هذه هي البطاقة الموجودة بطاقة الائتمان. هي نفسها ليست بطاقة إقراض ولا اقتراض، هي بطاقة ائتمان فعلًا، وهي ائتمان بكل معنى الكلمة، بكل معناه العام، ما يشمله هذا الائتمان، لأنك بتلك البطاقة تُمَكَّن من أن تستأجر سيارة فتعطى السيارة أمانة لك بالأجرة ودون بطاقة الائتمان لا تستطيع أن تستأجرها في أي مكان، الآن في أوروبا وأمريكا وفي السعودية أيضًا، لا بد لك من بطاقة ائتمان حتى تستطيع أن تؤمن على أن تستلم هذه السيارة من شركة تأجير السيارات، وكذلك الحجز في الفنادق وغير ذلك. فمعنى الائتمان واضح فيها.
النقطة الثانية، أن هذا الوعد، الحقيقة التمييز بين نوعين من بطاقة الائتمان اللذين ذكرهما الدكتور Credit Card أو Charge card يعني لعل هذا التمييز كان موجودًا في وقت من الأوقات، لا أقول إنه في السبعينات أو الستينات لم يكن موجودًا، لكن هذا غير موجود الآن، والشيء الرئيسي الموجود هي البطاقات العادية، أنا عندي الآن عدد من بطاقات Credit Card هذه واحدة منها ليس لها Charge ليس فيها رسم، لا يوجد فيها رسم ولا يوجد فيها التزام من طرفي إلا بأحد شكلين، لو دفعت في الوقت فلا فائدة عليك، وإن لم تدفع في الوقت تترتب الفوائد، هذا وعد من البنك، فإذا دفعت أنا في الوقت فما الذي يترتب علي إذن، يعني لو وعدني شخص - أيًّا كان ذلك الشخص - لو لم تؤخر فلا شيء عليك، فإذا أخرت يترتب شيء آخر، ولا أؤخر.
النقطة الثالثة، بالنسبة للعمولة التي يأخذها البنك المصدر من التاجر، قيل: إنها حوالة، وهي حوالة بالثمن. لماذا هي حوالة بالثمن؟
أنا اشتريت سلعة ومعلوم لدى التاجر أن هذه السلعة إذا باعني بهذه البطاقة فما ثمنه خمسمائة، وفي حقيقته يعلم قبل أن يبيعه بأنه يبيعه بأربعمائة وتسعين ولا يبيعه بخمسمائة، هو يعلم عند استعماله البطاقة بأنه يبيعه بأربعمائة وتسعين. فهي إنشاء لذلك الدين على الفضول الذي التزم به، وليس نشوء لدين عليّ ثم تحويل هذا الدين وإنقاص منه أو زيادة، هو إنشاء للدين على الفضول الذي التزم به للواعد، فليس هناك خصم، العمولة معناها أنه معلوم لديه قبل أن ينشئ الدين أن هذا الدين سينشأ بأربعمائة وتسعين وليس بخمسمائة، هذا معلوم لديه مسبقًا، فهي إنشاء، هي فيها معنى الحوالة بكل تأكيد، إلا أن هذا المعنى ليس كاملًا، ليس دين ينشأ ثم يحول، دين بخمسمائة ينشأ ثم يحول، الدين ينشأ للتاجر بأربعمائة وتسعين منذ أن ينشأ.
النقطة الرابعة، أدخل عدد من الإخوان مسألة الصرف فيها. مسألة الصرف مسألة ينبغي أن ينظر إليها بشروطها، إلا أنها ليست جزءا من بطاقة الائتمان، وما يحصل فيها من صرف يحصل في يوم الأداء ولا يحصل في غير يوم الأداء، يعني ما يسجل على حامل بطاقة الائتمان لو استعمل هذه البطاقة لشراء بعملة أخرى غير عملتها، المبلغ الذي يسجل عليه هو المبلغ بيوم أداء البنك المصدر لذلك الشخص، أو لوكيل ذلك الشخص، وهو بنك محلي. فيحصل في يوم الوفاء، يعني لا أظن أن هناك مشكلة في الصرف ينبغي أن يركز عليها، والصرف بشروطه على كل حال.
بالنسبة لأجر إصدار البطاقة في بعض البنوك التي تحمل أجرًا على إصدارها، أجر إصدار البطاقة في كثير من الأحيان، وهو في البنوك العربية واللاإسلامية هو كذلك أجر إصدار البطاقة أكثر بكثير من كلفة إصدارها الحقيقية وأكثر بكثير من أي ربح معقول يضاف إلى كلفة إصدارها الحقيقية، يعني بطاقة تصدرها كل البنوك مجانًا، وتصدر لك ما شئت من البطاقات ، لماذا هنا في السعودية يصدرونها بثلاثمائة ريال؟ أكثر بكثير من أي سعر آخر، فالسعر هذا ينبغي أن لا نطلق الكلمة على عمومها أنها أجرة مقابل الإصدار، هي تتضمن شيئًا آخر ينبغي أن يبحث هذا الشيء الآخر.
البنوك تنتفع من هذه البطاقة. نعم، تنتفع كثيرًا، إلا أن الانتفاع الرئيسي للبنوك من هذه البطاقة هو الانتفاع من خلال شرط الفوائد، هم يعلمون أن الناس الذين هم مثلي لا يؤخرون الدفع هؤلاء قلة، ولا يعولون عليهم، هؤلاء يسمونهم باللغة الإنجليزية الراكبون المجانيون، هؤلاء يستفيدون منها مجانًا، أما الراكبون الحقيقيون الذين يدفعون الرسم هم أولئك الذين يدفعون الفائدة ويأخذون منهم فائدة مضاعفة عن فائدة الإقراض المعتاد الذي تقرض به البنوك الربوية، ذلك هو كسبهم الحقيقي وليس من الأجرة، لأنهم يصدرونها مجانًا، ولا من العمولة التي يأخذونها من التاجر.
الشيخ خليفة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأشكر فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب على بحثه وهو حقيقة بحث جيد في بابه ويمثل مبادرة جيدة، وزيادة في هذا المجال إن شاء الله في أدبيات الفقه المصرفي الإسلامي.
ومن مآخذ بعض الذين علقوا على بحثه أنه دخل في موضوع المصطلحات الخاصة بالنظام المصرفي الإسلامي. وأن المقصود ليس هذا إنما المقصود هو أن ننظر إلى المعاملة الموجودة الآن في البنوك التجارية لكي نبين رأي الشرع فيها، وأنا أرى أنه لا بأس من الجمع بين الأمرين، بل إن تأسيس نظام مصرفي إسلامي لا يكون إلا من خلال مثل هذه الأبحاث التي تحاول أن تضع مصطلحات، أن تضع مسميات لكي ينشأ من خلال ذلك إن شاء الله في المستقبل بنيان متكامل حينما تتوسع المؤسسات المالية الإسلامية.
هذا فيما يتصل بهذه النقطة، أيضًا أخذ عليه أنه توسع كثيرًا في الجانب الخاص بالاقتصاد والقانون، وحُقَّ له أن يفعل ذلك؛ لأن هذه الجوانب هي التي تبين حيثيات الموضوع، ولا يمكن إصدار الفتوى إلا إذا فهم الموضوع بدقائقه، فأرى أن مثل هذه الدراسة دراسة جيدة، القاضي يصدر الحكم في صفحة أو صفحتين لكن ملف القضية يكون دائمًا ملفًا كبيرًا؛ لأنه يُعْنَى بالوقائع والبحث فيها إلى أن يصل خلال تلك الحقائق إلى الحكم الذي يمكن أن يصدره. فحينما تستبين المسألة يسهل بعد ذلك إصدار الفتوى، فإيغاله في هذا الجانب وإغراقه في الدخول في التفاصيل أرى أنه أمر مفيد ولا يؤخذ أبدًا على بحثه، وإنما يعتبر ميزة من ميزات البحث.
فقط أود أن أقف عند بعض المسائل، منها:
أولًا: أن العلاقة بين الأطراف المختلفة بحسب ما ذهب إليه تحتاج فعلًا إلى ضبط أكثر، كما وأن العلاقة لا تثبت على حالة واحدة، نجد أن هذا من جهة وكالة وهذا من جهة كفالة، وهكذا مما يصعب معه إصدار الفتوى المناسبة.
مثلًا في موضع يذكر هو أن الطرف الأول مثلًا، مصدر البطاقة هو المخول قانونًا بإصدار البطاقة لحاملها، ويقوم وكالة عنه بتسديد قيمة المشتريات للتاجر، ويكون وكيلًا عنه إذا كان لدى العميل ما يغطي ما يسدده البنك، فيكون البنك وكيلًا في هذه الحال، لكن إذا كان ما عنده لا يكون وكيلًا، قد يكون كفيلًا أو شيئًا آخر. هذه نقطة.
الطرف الثالث، التاجر يعتبره ممولًا، هو صحيح ممول وهو في نفس الوقت مقرض، لأن التاجر يقرض العميل البضاعة ويأخذ الثمن بعد ذلك من البنك، ويترتب على ذلك أن يمر زمن إلى أن يحصّل الثمن من البنك الذي التزم بهذا، فهو مقرض من هذه الناحية، فيكون عندنا مقرض أول هو البنك الذي أصدر البطاقة، وعندنا مقرض ثاني هو التاجر الذي أقرض العميل، وعندنا عميل هو المقترض. ليس هناك حل فعلًا إلا أن تعتبر أن المسألة من باب الحوالة، ولهذا فإن الانتهاء إلى أنها من باب الحوالة أمر مناسب؛ لأن العلاقات اضطربت كثيرا في الجوانب الأخرى؛ اعتبارها وكالة أو غير ذلك من الجوانب.
فالمسألة كلها تؤول نهاية إلى المحال عليه وهو البنك الأول.
هذا، وفيما عدا ذلك - وكما ذكر بعض الإخوان أيضًا - فإن كل هذه المسائل مؤسسة على نظام مصرفي غير إسلامي وهو النظام الرأسمالي، ولهذا جاءت هذه المحاذير، فلو فعلًا البنوك الإسلامية استطاعت أن تؤسس لنفسها مسميات ومصطلحات وأن تستقل بنفسها عن طريق التعاون بينها في أن تشتق لنفسها النظام الذي يمكن أن يكون بعيدًا عن هذه الأنظمة، ويخلق من نفسه الأسلوب الذي يمكن أن يسير عليه، ويكون فعلًا فقهًا إسلاميًّا مصرفيًّا، يكون هذا هو السليم؛ لأننا بحالة أو بأخرى يمكن أن نقع في المحظور إذا لم تكن الفلسفة الأساسية التي قام عليها النظام ابتداء فلسفة منسجمة. وشكرًا لكم. والسلام عليكم.
الحاج حسن كمارا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. حضرة صاحب السماحة رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي ،
حضرة معالي الأمين العام للمجمع، أصحاب الفضيلة ،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
سماحة الرئيس، قبل كل شيء يسرني أن أرفع أسمى آيات الشكر والتقدير لسماحتكم بتفضل تقديم دعوتكم الكريمة للمشاركة في هذه الدورة المباركة لمجمع الفقه الإسلامي، أسأل المولى العلي القدير أن يكلل هذه الدورة بالتوفيق والنجاح، وأن يحفظكم ويرعاكم للإسلام والمسلمين. صاحب السماحة:
إنني لم أطلب الكلام لأناقش ما استمعنا إليه من البحوث القيمة من الفقهاء والأطباء في هذا الموضوع، إنما طلبت الكلام لأقدم لسماحتكم هذه المبادرة نظرًا لأهمية مجمعكم الموقر، ونظرًا لتحقيق الغرض المنشود الذي يعود بالفائدة إلى الأفراد والمجتمعات الإسلامية، ألا وهي تكوين لجان أو اللجنة الفرعية التابعة لمجمعكم الموقر لدى الدول الأعضاء على الصعيد الوطني، التي يجتمع فيها العلماء والفقهاء للبحوث في المسائل الفقهية والموضوعات الأخرى التي تهم المسلمين.
سماحة الرئيس:
أرجو أن تكون هذه المبادرة من ضمن التوصيات والقرارات التي تصدرها أو التي ستصدر من هذه الدورة المباركة.
الشيخ عبد اللطيف:
في دورتنا المجمعية المباركة بيانات شافية وافية عن هذه البطاقات التي تريد الفتوى فيها أو يراد لها الفتوى فيها. فهذا الموضوع يحتاج إلى تصور، وقد أحسن الباحث الكريم في هذه التصورات التي وضعها في كتابه إجمالًا، ولذلك فإنها كما ظهر من كلام إخوتنا وزملائنا لها صور ثلاث: الصورة الأولى وهي صورة السحب المباشر، ويمكن تكييفها بالحوالة وربما إن شاء الله لا يكون فيها بأس إذا خلت عن الفائدة سرًّا وعلانية وضبطت بقيود، وهذا ما ينبغي أن يقوم به إخوتنا في المجمع الموقر.
أما الصورة الثانية فهي صورة لا بد أن ندرسها وأن نكيفها تكييفًا فقهيًّا جديدًا وهي قضية الإقراض، ما يسمى بالإقراض، ولا مانع أن يقال: بطاقة التعامل أو المداينة، طبعًا المداينات لها قيمتها هنا وهي أفضل من قضية القرض، ولكن لا مانع أن نقول بطاقة التعامل فهذه تحتاج إلى دراسة وتكييف فقهي؛ هل هي من طريق القرض مع الضمان أم هي من طريق آخر؟ فهذا هو محل الخلاف، وأرجو أن يحرر محل الخلاف أولًا، فإنني دائمًا أصبو في مجمعنا الموقر وأعضاءه العلماء الأجلاء قبل البدء في الحديث أن يحرر محل الخلاف، ولعل البعض قد حرر محل الخلاف بصورة غير مباشرة حتى نضع أيدينا على ما يجب أن نبحث عنه بالذات بالضبط، وهذه هي الصورة التي يجب أن نبحث عن قيودها.
أما الصورة الأخيرة فهي مفروغ من تحريمها؛ لأنها صورة ربوية لا مجال للشك فيها إطلاقًا.
الموضوع كله خطير ولا شك أنه هجمة شرسة من أعداء الإسلام في الشرق والغرب يريدون الكيد للإسلام والمسلمين ولمجتمعاتنا عن هذا الطريق، فينبغي التحرز، فلا نغلق الباب إغلاقًا كاملًا، ونوصده في وجه التغير والتطور الذي لا بد منه للمجتمعات الإنسانية، ولا نفتحه كذلك فتحًا كاملًا، بل نغلق بمقدار ونفتح بمقدار كي نكون متوسطين، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة143] وهذه الوسطية تتجلى في وضع القيود والمعايير للأمور التي ينبغي أن تدرس.
أما المفروغ من جوازها فهي جائزة. والمفروغ من حرمتها فهي محرمة، وبطاقة الائتمان على الوجه الموجود فعليًّا الآن حاليًا في الوضع الراهن في البنوك الربوية حرام بحت لا مجال للشك في ذلك إطلاقًا. والله تبارك وتعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم. وشكرًا.
الشيخ علي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أيضًا الشكر موصول للأستاذ الكريم أبو سليمان على هذا البحث الرائع، حفظه الله وأبقاه ذخرًا.
أردت أن أشير فقط إلى بعض النقاط، ولا أطيل:
النقطة الأولى: الآثار السلبية التي ذكرت لنظام بطاقة الائتمان كمسألة المديونية الشخصية ومسألة التضخم ومسألة سيطرة البنوك على مجمل العمل التجاري، وما إلى ذلك. هذه الأضرار أعتقد أنها تأتي حتى ولو صححنا قضية بطاقة الائتمان، حتى ولو كانت هذه البطاقة تصدرها البنوك الإسلامية وفق الشروط التي نطرحها. مسألة المديونية مطروحة باعتبار سهولة الاستفادة من هذه البطاقة وفي أي مكان، خصوصًا وإذا كانت هذه مسندة من قبل شركات عالمية تسمح بالاستفادة من البطاقة بمستويات أسهل في مختلف المجالات.
الشيء الذي أريد أن أقوله هنا واقعًا، هذه الآثار موجودة، لكن هذه الآثار تختلف من حالة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر ومن ظرف إلى ظرف، ومن هنا فهي أمور يجب أن تنتبه لها الدولة الإسلامية، يعني هذه من وظائف الحكم أوالحكومة الإسلامية التي تلاحظ مدى نفع مثل هذا النظام أو ضرره، وأحيانًا قد يلاحظ الحاكم الإسلامي أن عقدًا مباحًا ما في مثل هذا الظرف يجب أن يوقف تنفيذه ولا يسمح به لكي تمر آثاره السلبية ولا يصيب هذا العقد بها المجتمع.
إذن أنا أفرق بين أن تصدر فتوى في قضية أو أن يصدر حكم حكومي من قبل ولي الأمر من قبل الحكومة الإسلامية في مثل هذه القضايا.
وأريد أن أقول إن هذه المديونية أو ما قيل عن التضخم وما إلى ذلك، هذه كلها تترتب حتى لو أننا صححنا نظام البطاقة وحذفنا منها النقطة الأساسية.
النقطة الثانية: ما ذكره الأستاذ سامي من أن خصم البنك من المؤسسة يجب أن يعود إلى العميل؛ فيه روايات لدينا مروية عن أئمة أهل البيت وتؤكد هذا المعنى، ومن هنا فأنا أميل لمثل هذا الرأي وإن كان يمكن تصحيح هذا المعنى على السمسرة باعتباره واقعًا، يقدم البنك بهذه البطاقات خدمات كبرى لهذه المحلات عندما يسوق لها الزبائن من شتى أنحاء العالم. هذه خدمات سمسرة يمكن أن يؤخذ عليها أجر.
النقطة الثالثة: ما أشير في هذا الصباح إلى أننا يجب، أو ما أشار إليه الأستاذ الدكتور أبو سليمان، أننا يجب أن نرجع إلى مباني أولئك الذين اكتشفوا هذه الطريقة وطرحوها.
الحقيقة نرجع إليهم، ولكن لا مانع من أن نصحح أو أن نبطل هذه المباني على ضوء مبانينا نحن، يعني هذه العملية يجب أن تعرض على ضوء مبانينا، وهذه المباني هي التي يجب أن تصدر حكمها في هذه الطريقة المعينة. والذي أعتقده أن المشكلة الأساسية في بطاقة الائتمان هي العملية الربوية التي تنتج عن التأخير في دفع تسديد هذه الأجور. يعني هذه هي النقطة الأساسية، وأما الإشكالات الأخرى فأعتقد أنها إشكالات فرعية يمكن حلها أو يمكن إعطاء تخريج فقهي آخر لها. المشكلة هي ما ركزنا عليه وما رأيناه من مسألة الربا المحقق والمسلم من الربا وهو هذه الفوائد التي تؤخذ من التأخير.
آخر شيء أطرحه، أعتقد أن البديل الذي ذكره شيخنا الجليل الشيخ الضرير بديل غير عملي، وليسمح لي، وإلا كان على هذه البنوك أن تنشئ شركات طيران وتنشئ فنادق ضخمة، لأن هذه أمور لا تقتصر على شراء من محلات، وإنما هي أمور الآن هي مال الإنسان في كل مكان، وهي كل ما يملك في مختلف الأمور، فأعتقد أنه غير عملي. لكن ما طرحه الأستاذ العبادي من أن البنوك الإسلامية يمكنها أن تعتبر هذه العملية من التسهيلات التي تقدمها لعملائها هي بهذه الأساليب قد تربح كثيرا من العملاء وتربح الكثير من الأموال التي تودع لديها لكي تستثمر في مجالات أخرى. فليكن هذا من تسهيلات البنوك الإسلامية، التسهيلات المجانية التي تقدم للعملاء ويكتفي البنك بخصوم المؤسسات المدفوعة لقاء عملية السمسرة المطروحة. أعتقد أن الحل الوحيد لهذا المعنى هو هذا المعنى، يعني البنك الإسلامي هو يقدم نفس التسهيلات، بل لو رجح على البنوك الربوية وقدم تسهيلات أكبر استطاع أن يسحب الكثير من الأموال ويوظفها في مشاريع بشكل أمتن وأحسن وأقوى، أعتقد أن ما طرح من أن جعل هذا المعنى من التسهيلات هو السبيل الأمثل، بمعنى أنه حتى لو تأخر فإما أن تحذف منه البطاقة، أو لا يؤخذ نتيجة لتأخيره شيء. شكرا جزيلًا.
الشيخ محمد سالم:
بسم الله الرحمن الرحيم
انا لا أريد أن أعقب على البحث لأني لم أتمكن من قراءته، ولكن أريد تصحيح بعض الأخطاء التي وردت في بعض التدخلات من طرف الإخوة.
أتكلم عن كلمة صدرت من الأخ ابن يونس، أنا أسميه هذا لأن ابن يونس هو علم من أعلام الفقه المالكي معروف، هو رفيقنا ابن يونس هنا. هو عزى للمالكية أن الوعد المورط يلزم الوفاء به، هذا ليس هو كل ما عند المالكية في الموضوع، الوعد عندهم لا خلاف في طلب الوفاء به لكن اختلفوا في درجة هذا الطلب، منهم من قال: يجب الوفاء بالوعد، ومنهم من قال: لا يجب، ومنهم من قال: يجب إذا كان على سبب وإذا كان على غير سبب لم يجب، ومنهم من قال: إذا أدخل الواعد الموعود في ورطة يعد الرجل امرأته إذا أتته بألف فارقها، فباعت زينتها أو باعت ريعها فإنه في هذه الحال ملزم بالوفاء لها، وهذا ما هو معروف عندنا، وقد نظمه الزقاق في منهجه بقوله: يلزم الوفاء بالوعد. نعم هذا قول بالإطلاق أو لا هذا قول بالإطلاق، وقصدي بالقول يدل على عدم ضعفه، نعم لسبب هو الثالث أو أن يلزم هو الرابع.
هذه واحدة من المسائل التي أردت أن أنبه عليها، وإذا سمح لي الشيخ أذكر أننا قتلنا كثيرا من الوقت في ذكر أهل الكتاب اسم الله على ذبائحهم حتى تحل لنا، والمعروف عندنا والذي نقله أئمة الفقه المالكي أنه لا يشترط أن يذكر الكتابي اسم الله على ذكيته إما بالإجماع وإما على الخلاف، فقد نقل الزواوي الإجماع أن هذا لا يجب ونقل فيه القرطبي الخلاف.
وأكتفي بهذا لأن الوقت ضائق ولا أريد أن أضايق. وشكرًا.
الأستاذ نبيل نصيف:
شكرًا سيدي الرئيس، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
يجزي الله أستاذي الجليل الدكتور عبد الوهاب خير الجزاء على هذا البحث القيم، وأستسمحه في بعض الملاحظات والتوضيحات.
أولًا: إن بطاقات الفيزا أو الماستركارد ما هي إلا شركات تشبه التجمعات مثل نادي باريس، وهي تقدم نظامًا دوليًّا للدفع تسهل من خلاله إعطاء العضوية للبنوك التي تتيح لهم - هذه العضوية - إصدار البطاقات. وبالتالي فإن العقد الأساسي للبنوك هذه هو العضوية لدى الشركات، ولم يوضح أستاذي الجليل - في بداية بحثه - من ضمن الثلاثة عقود الأساسية هذا العقد.
ثانيًا: أشير إلى استنتاج فضيلته في الصفحة السادسة بأن البنك يحقق أمجادًا مالية من خلال إصدار البطاقات ، قد يكون من المناسب توضيح أهداف البطاقات المذكورة بالنسبة للبنك المصدر لها:
أولًا: هو تقديم أدوات متطورة للعميل للمنافسة في السوق المصرفية والإبقاء على هذا العميل لديه. وهي الآن - أعني بطاقات الائتمان - من الاحتياجات الأساسية لكل شخص، خصوصًا كثير السفر.
ثانيًا: إن هدف هذه البطاقات هو تيسير عملية الشراء الآجل والدفع المضمون، واسمحوا لي بقراءة مقدمة أحد مستندات المصارف الإسلامية: إن المصرف يقدم لعملائه أداة دفع متطورة من خلال نظم الدفع الدولية مثل الـ Visa أو Master Card، وقد أطلق المصرف الإسلامي على هذه البطاقة، بطاقة الدفع.
ثالثًا: إن الهدف الأساسي أيضًا من هذه البطاقات هو إتاحة عملية الشراء دون حمل النقود أو الأموال السائلة حتى لا تتعرض للضياع والسرقة. وبالتالي فإن التكييف الشرعي مهم جدًّا لعمليات هذه البطاقات، وأعتقد أن كثير من البنوك الإسلامية كما أشير قد بدأت التعامل بها، وقد يكون من المناسب وجود بحث تطبيقي يوضح كيفيات هذا التعامل وكيف أخذت الهيئات الشرعية بها.
هناك ملاحظة - في منتصف البحث - يكون مصدر البطاقة وكيلًا عن التاجر، وهذه الجملة على إطلاقها قد يكون فيها شيء من المبالغة، لأنه ليس دائمًا مصدر البطاقة هو وكيل عن التاجر.
أخيرًا، الخطورة في استخدام هذه البطاقات كما أشار السيد الرئيس أنها تدفع المقترض أو تدفع المرء إلى التعامل بصورة كبيرة على أساس دخله المستقبلي، وقد تجره إلى مشاكل كبيرة لا يستطيع مقابلتها، وبالتالي قد يكون من ضمن التوصيات أن البنوك التي تصدر هذه البطاقات في الدول الإسلامية تصدرها للأفراد الذين لديهم الأرصدة الكافية، ويمكن إصدارها للشركات التي يعمل لديها الأفراد، وبالتالي هم مسؤولون عن إدارة شؤون هؤلاء الأفراد، وأشكر السيد الرئيس على إتاحة الفرصة.
الشيخ محمد الأشقر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أنا أناقش الأخ الدكتور عبد الوهاب في نقاط محدودة، ولي تعليقات على بعض كلام الأخوة الذي سمعناه في المناقشات.
الأمر الأول: بطاقة المعاملات المالية، وهذا الاسم الذي اهتم به الأخ الدكتور عبد الوهاب لا أرى الحقيقة داعيًا لهذا الاهتمام الكبير، مع أنه معروف أن المصطلحات لا مشاحة فيها، وخاصة إذا انتشر المصطلح وتعارف عليه الاقتصاديون والبنوك والجماهير حتى تعرفه معرفة تامة، وله أصل في اللغة، الائتمان - كما بين الإخوان - يعني ما ادَّيَن إنسان ولا أعطيه ولا أبيعه بالأقساط ولا أؤاجر بمؤجر إلا وقد ائتمنته نوعًا من الائتمان.
النقطة الثانية: العمولة التي تخصم للبنك من حساب التاجر ويتقاسمها بنك التاجر مع البنك المصدر للبطاقة، رأيت الأخ الدكتور عبد الوهاب حاول أن يخرج الجواز من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: قال: إن هذه العمولة أو الخصم هو خصم وليس بزيادة، إذن ليس ربا، وأعتقد أن هذا لا ينبغي أن يقبل في مجال الربا، فالخصم والزيادة أثرهما متفق أن أحد العوضين أكثر من الآخر. فإذا كان أحد العوضين أنقص من الآخر فالآخر أكثر منه.
الوجه الثاني: وهو أنه خرج الجواز على ما خرج عليه مركز تطوير الخدمة المصرفية لبيت التمويل الكويتي من أن هذه أجرة وكالة. يعني ما يبدو لنا هنا أجرة وكالة هي في الحقيقة دين سينتقل من ذمة المشتري إلى ذمة البنك وتسقط عن المشتري، ولا يحق له الرجوع إلى المشتري أصلًا. فإذن هنا لا شك أنها إما شيء من قبيل الحوالة، ولا يجوز أن تكون الحوالة بأكثر من الدين الذي انتقل.
الوجه الثالث: أنه استند إلى العرف، وأن استخدام البطاقات هذا وإجراء الخصم جرى به العرف وتعارف عليه الناس، فينبغي أن يكون هذا، نقول: العرف إذا بني على باطل فلا شك أنه يكون باطلًا، وخاصة إذا كانت الأدلة الشرعية لا ترضاه.
فإذن هذه الوجوه الثلاثة يبدو لي أنها ليست كافية، وهناك طرحت وجوه أخرى في هذه الجلسة وربما طرح الباحثون في غير هذه الجلسات أشياء أخرى، فليت المجمع يحاول جمع هذا أو يكلف من يجمع الوجوه والمعالجات المختلفة التي ربما تكون طرحت أو ربما البنوك الإسلامية - يعني هيئاتها الشرعية - توصلت إليها، وينظر فيها.
وقد ذكر الباحث الجواز الذي يعطى على بعض بطاقات الإقراض، ولا أدري لماذا أجازها على البنوك الإسلامية ومنعها عن البنوك غير الإسلامية؟
كما نقل الباحث نقلًا عن الحنابلة جاء على غير وجهه، فمعروف أن مذهب الحنابلة يلزم رد بدل القرض ولو طلبه صاحبه فورًا. فله الفسخ في أي وقت، لأنه عندهم عقد جائز، ولو أجله لا يتأجل حتى لو أجله في ضمن العقد. أما الذي يلزم بالقبض فهو امتلاك المقترض للعين. فلا يملك المقرض استرجاع العين نفسها، وإنما له بدلها، وهذا عند جميع الفقهاء إلا في حالة الإفلاس.
أما جواز الفسخ قبل الإقراض فهو مذهب الجميع فيما يبدو لي ما عدا المالكية. فإذا ما نقله الأخ الباحث أرجو أن يصحح هذا الموضع. ونقل عن البهوتي الحنبلي أنه يلزم الشرط الصحيح فإن وفى به حصل المشتري شرطه فلا فسخ، وإلا يوفي به فله الفسخ لفقد الشرط. هذا القول هو في شروط البيع ، وليس في شأن القرض، ولا القرض عند الحنابلة يجوز فسخه في أي وقت ودون أي اشتراط.
أما النقطة التي أشار لها الدكتور عبد الستار فأنا أوافقه عليها فعقود الإذعان ليست عقودًا اضطرارية ما دام له الخيار أن لا يدخل أصلًا في العقد. ليس هناك اضطرار ولا ينطبق عليه حديثنا عن بيع المضطر.
الأخ الدكتور رفيق المصري الذي تكلم في الوعد، وليته يحوله إلى رسالة أو كتيب ليسهم في تصحيح ما أوقعه القول بالإلزام بالوعد من خلل في الفقه الشرعي في أذهان المتفقهين في تصورهم لمعنى العقود وتصورهم لإمكان الوصول إلى المحرمات بتسمية الأشياء، هذه التي حصلت - يعني - في نواحي مختلفة.
في كلمة أشار إليها الأخ الدكتور علي القره داغي من أن القبول بالشرط الفاسد محرم. العقد الفاسد محرم أما القبول بالشرط الفاسد ليس محرم. بمعنى أن عقدًا صحيحًا يدخل فيه شرط فاسد لا يكون محرمًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدخوله إذ قال: ((اشتريه وخذيه واشترطي لهم الولاء)) . فلا نستطيع القبول بهذا القول على إطلاقه وخاصة إذا لاحظنا دلالة الحديث: ((خذيه واشترطي لهم الولاء)) .
إذا كان أصل العقد صحيحًا، فلو اشترى سيارة بالأقساط على أنه إن أخّر يضاف عليه فوائد، لا شيء في ذلك في نظري من ناحية قبول الطرف المشتري والعقد صحيح والشرط باطل؛ فإن أدى الأقساط في مواعيدها فلم يؤد فائدة فلا حرج على المشتري في ذلك في نظري، وخاصة إن كان مضطرًا إلى الدخول تحت هذا الشرط أو محتاجًا إلى شراء المذكور، والحرمة والإثم تكون على الطرف الذي يضع مثل هذا الشرط ويطلب من الطرف الآخر الالتزام به، وليس على الطرف الذي التزم به تحت ضغط الضرورة أو الحاجة، أو حتى لغير حاجة ولا ضرورة كما في حديث بريرة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الشيخ تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أما بعد ،
فإن هذا الموضوع قد طرح على هذا المجمع لمرة ثالثة وقد طال فيه الكلام، وإنما أقصر حديثي على موضوع قد أثير وهو إذا حصل أحد على بطاقة الائتمان بنية الالتزام بأداء الثمن في خلال الفترة المحددة لكي لا تترتب عليه فوائد، فبعض الإخوة قد ذهبوا إلى عدم جواز ذلك، بناء على أنه قد دخل في عقد يشتمل على شرط الربا. والواقع أننا في هذا العصر مضطرون إلى كثير من العقود التي يشترط فيها فرض مثل هذه الفوائد عند التأخير، فعندنا في بعض البلاد مثلًا حينما يتعامل أحد مع شركة الكهرباء فإن شركة الكهرباء تفرض في نفس العقد أنه إذا تأخر المساهم في أداء الفاتورة في حدود معينة فإنه يلزمه فائدة بنسبة كذا وكذا. فهل نقول بأنه لا يجوز أن يتعامل مع هذه الشركة (شركة الكهرباء) لأنها تفرض مثل هذه الغرامة أو تفرض مثل هذه الفائدة؟ لا شك أننا دخلنا مع هذه الشركة (شركة الكهرباء) بنية الالتزام بأداء الفواتير في موعدها فهذا يباح لنا شرعًا.
ويبدو لي أنه يمكن على ذلك الاستئناس إن لم أقل الاستدلال بحديث
بريرة وقد تقدمني فضيلة الشيخ محمد الأشقر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اشترطي لها الولاء)) معنى اشتراط الولاء هو غير جائز شرعًا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لأنه كان يعرف أن هذا الشرط باطل ولا ينفذ، فلو دخل أحد في مثل هذا العقد بمثل هذه النية فلا بد - يبدو لي - أنه يكون حرامًا.
أما بالنسبة للخصم الذي يخصم من التاجر من قبل مشتري البطاقة.
ففيما يبدو لي يمكن تخريجه على أساس السمسرة. فإن هذه البطاقة تجلب زبائن للتجار وخصوصًا في الظروف الحاضرة. إنه إذا لم يقبل أحد التجار هذه البطاقات فإنه لا يمكن أن يتاجر في السوق المعاصرة، فإنه يأتي إليه أي زبون أو يأتي إليه زبائن بقلة فهذه البطاقة تجلب إليه زبائن كثيرين وزبائن جياد، فمن هذه الناحية يمكن تكييفه على أساس السمسرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشيخ عبد الله إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فضيلة الرئيس، أصحاب السماحة والفضيلة، والحاضرين جميعًا السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أولًا أشكر الرئيس على إتاحة الفرصة للمشاركة في إبداء الرأي في الموضوع الذي طرح علينا في هذا الوقت وهو موضوع بطاقات الائتمان. وقبل كل شيء أريد أن أضم صوتي إلى الأصوات التي سبقتني بالإشادة بالبحث وبصاحب البحث، لا شك أنه بحث قيم قدمه لنا صاحبه وهو الأستاذ الفاضل الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان. إنه لبحث قيم هام لنا جميعًا، نهنئه على نجاحه في إعداده وتقديمه ويشكر عليه، ويكثر الله من أمثاله.
وأنا هنا أريد أن أتناول نقطتين مما تناوله الباحث وكذلك المعقبون على هذا البحث، وهما من حيث تكييف العلاقة ما بين الأطراف التي منها نحصل على هذه البطاقة، والنقطة الأخرى العمولة على السحب النقدي.
حيث نسمع بالنسبة لتكييف العلاقات أن هناك علاقة عقود مختلفة متعددة منها علاقة عقد الحوالة ووكالة وغير ذلك. هذا من حيث التكييف.
وهنا أريد أن ألفت النظر هل يكفي مجرد التكييف في هذه العلاقات أن هناك يوجد عقد بالفعل عقد حوالة مثلًا، مجرد التكييف التصوري والاعتباري، هل هذا التكييف يوجب بالفعل هذه العقود؟ أرى أن البطاقات التي أصدرتها هذه البنوك الربوية لا تصدرها على هذه العقود، إنما تصدرها على الأساس الربوي كما نعلم جميعًا. فالتكييف مجرد تكييف لا يجعلها تشتمل على عقد الحوالة وغيرها إذن، فإذا أردنا أن يشتمل على العقد الحقيقي الفعلي لعقد الحوالة وغيرها لا بد من أن تتضمن استمارة الطلب للحصول على هذه البطاقات على الصيغة لهذه العقود من إيجاب وقبول بين الأطراف، وحتى لو أصدرتها البنوك الإسلامية نفسها فإنه لا بد من اشتمال استمارة الطلب على الصيغة لهذه العقود، وإلا فلا يخرجها عن كونها كما هي في الأصل.
ثانيًا: العمولة على السحب. كما يظهر لنا أنها كما يرى ليست بفائدة وإنما هي في مقابل خدمات، لأنها فيما يرى لا ترتبط بمبلغ قرض ولا بأجله، ولكن فيما يظهر لي كيف لا ترتبط هذه العمولة بمبلغ القرض ولا بأجله خاصة في حالة إذا كانت مقطوعة من نفس المبلغ للقرض وتحسم على حسب أجله، فلا أستطيع أن أتصور أنها لا ترتبط بمبلغ القرض ولا بأجله.
ومن ناحية أخرى قد تناول بعض المعقبين مسألة فرض الغرامة، وهنا أريد أن أؤيد ما قاله الأستاذ علي السالوس نظرًا لما سبق للمجمع أن أصدر قرارًا بعدم جواز فرض الغرامة على التأخر في سداد القرض، وحتى هنا أرى أن فرض هذه الغرامة حرام ومعصية من المعاصي، ومنهي عنه في المعاملات الإسلامية. فلذلك أؤيد ما قاله الأستاذ علي السالوس ولا أرى بجوازها ولو على قصد التصدق بها على جهات البر ، مثلها مثل وضع أموالنا في البنوك الربوية فإنه من باب معونة لهذه البنوك فهي معونة على المعاصي، فلا أرى في جوازها، لذلك لإخراج هذه المعاملة من المنهي عنه، فلا بد من عدم فرض غرامة على التأخر في سداد القرض لا غير. وشكرًا.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أود - ليس جريًا على عادتي ولكن صدقًا - أن أنضم إلى موكب الذين أثنوا على هذا البحث، فهو بحث علمي كثيف وجاد.
بحث في قضية غائمة يلفها ضباب الغرب وسحبه الكثيفة، فالغرب كما يصدر السلع فإنه يصدر وسائل التعامل والتبادل، وقد أعجبني في هذا البحث - وكله حسن وشائق - منهجية الباحث حيث أخرج أصل هذا العقد من خَبِيّه وتتبعه في بيئته، وأخذ الكعك من صناعه كما يقول أحد علمائنا في المغرب.
تتبعه في بيئته فتعرف عليه وعرَّفه، ووصفه وكيف تصوره وصوره، ليحكم والحكم على الشيء فرع عن تصوره، ساعد في تحقيق المناط لإبراز الوقائع، وتحقيق المناط هو تطبيق الحكم على الواقع، ولا ينقطع الاجتهاد فيه أبدًا.
لعل كثافة هذا البحث وتدفق التعريفات وتصاريف وجوه العقود وتفاريقها ومحاولة تصنيفها تجعلها تشتبه في عين المطالع أو على الأقل تشتبه في عيني، وبخاصة عندما تندك على حياض المذهب تعريفات مختلفة في وقت واحد.
ولهذا فإن عقدة هذا العقد كانت العلاقة الغامضة بين أطراف هذا العقد بدءًا بمصدر البطاقة هل هو مجرد جهة تصدر بطاقة ضمان تتعهد بمقتضاه أن تسدد، قد ظهر من خلال أقوال القائلين بأنه ليس من باب عقد الضمان لأن الضمان هو التزام بأداء الدين، وهذا الالتزام تنشغل فيه ذمة أخرى، أو كما يقول ابن عرفة: هو الحمالة بالتزام دين لا يسقط.
إن الأمر هنا يتعلق بالالتزام، من جهة أخرى هو التزام سابق؛ لأن القرض قد تم بالقول على الطريقة التي عرضها الدكتور عبد الوهاب؛ لأنه وقع إقراض بالقول، والإقراض بالقول يجوز على المعتمد من مذهب مالك. ولقد استهوتني فكرة الحوالة. فإن حامل البطاقة إذا كان يملك وديعة في البنك المصدر، وهذا البنك يتصرف في هذه الوديعة، فهذا التصرف يعتبر اقتراضًا كما هي عبارة الإمام ناصر اللقاني:" إن اتجر في الوديعة يصيرها سلفًا ". لكن عند التأمل إن اتجر في الوديعة يصيرها سلفًا، إذن من هو المقرض في هذه الحالة؟ المقرض في هذه الحالة هو المتلقي، هو حامل البطاقة هو المقرض الذي أقرض البنك، وهنا قد أقرض البنك من أجل قرضٍ جَرَّ نفعًا، لأنه يستفيد من هذا القرض ضمانًا، وهذا واضح جدًّا إذا اعتبرنا هذه الوديعة التي هي تحت تصرف البنك قرضًا وهي كذلك، لأن البنك يتصرف فيها فهو المقترض هنا مقرض، المقرض الأول هو حامل البطاقة. إذن الأدوار التي يقوم بها تقوم بها مجموعة؛ مصدر البطاقة وحامل البطاقة والمتجر أو الطرف الثالث.
هي أدوار ما زالت بالنسبة لي على الأقل ليست واضحة رغمًا من التوضيحات القيمة والجيدة - أعترف بذلك - التي قرأتها في هذا البحث. فالمودع مقرض وقرضٌ جرَّ نفعًا لأنه يستفيد من الضمان، والبنك هو المقترض وهل يمكن اعتبار كل منهما مقرضًا للآخر مع وجود مقاصة مؤخرة؟
هذا لا يصح. لكن هناك شرط وهذا الشرط الذي يشترطه البنك سواء كانت حوالة أم قرضًا، الشرط الذي يشترطه بأنه إذا كشف هذا الغطاء إذا كان غطاء فإن العميل يلتزم بفوائد ربوية، هذا الشرط مفسد عند قوم، وحرام عند قوم آخرين، لأنه ما ألغي إلا لأنه حرام، إلغاء الشرط يدل على حرمته، والمعاملة الفاسدة لا يجوز تعاطيها كما يقول السيوطي في الأشباه والنظائر.
إذن النتيجة متقاربة جدًّا بين من يقول بفساد القرض، وبين من يقول بإلغاء الشرط مع عدم فساد العقد، لأن العقد إذا فسد ماذا يقع؟ أرى قولين، إما أن يرد إلى فاسد أصله وهو البيع، وإما أن يرد إلى صحيح نفسه، معنى أنه يرجع قرضًا كما كان. ولا فرق إلا في الرجوع بالقيمة عند الفوات، يعني النتيجة بالنسبة لمن يقول بالتحريم وبإسقاط الشرط هي نتيجة متقاربة جدًّا أردت أن أنبه عليها وهذا في غاية الأهمية.
إذن لا يمكن أن يقبل هذا الشرط، لا بد من البحث في هذه المسألة، على ضوء التحقيق والتشقيق الذي قدمه الدكتور أعتقد أن الأمر يحتاج إلى أن يدرس، فمازال الخلاف في التكييف كما سمعنا قائمًا، وما زالت البدائل المتفق عليها إلى الآن غير موجودة.
هنا اسمحوا لي، كتبت بعض الملاحظات السريعة هكذا. البطاقة الإسلامية كما دعا إليها البعض كبديل أعتقد أنه لا يصح، لأن استعمال الإسلام في الدعاية ليغطي ربما يغطي في وقت من الأوقات ما ليس شرعيًّا أمر لا يستحسن. أسموها بطاقة بيع، بطاقة دين بطاقة تقسيط
…
أي شيء آخر، ولكن أعطوها مضمونًا إسلاميًّا.
ألا يمكن أن نكتب في المحاور أن نستكتب في المحاور لإيجاد البدائل؟ على سبيل المثال وعلى أساس الخطة والأرضية التي وفرها البحث، كتابة في النظر إلى هذه البطاقة من زاوية الحوالة، وبحث يكرس للعلاقة من زاوية القرض، وبحث آخر من زاوية الكفالة، لتعقد ندوة لتقدم التكييف والبدائل في وقت واحد.
لقد استمعنا إلى الحوالة والكفالة والوكالة والسمسرة، لكن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ.
أخيرًا، كلمة واحدة عن حديث عائشة رضي الله عنها. عائشة ليست هي المشترطة وإنما هي التي قبلت الشرط. بل هي المشترط عليها، هو مشترط عليها، اشترطي: معناه اقبلي الشرط. ومما قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تقريع المشترطين وأراد بيان الحكم، ولو أن الشرط لا يجوز ما ألغي، ولولا أنه لا يجوز ما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟)) والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ العقروبي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
معالي الرئيس أشكرك على إتاحة الفرصة لي للتحدث في مجلسكم الموقر هذا، وأمام أساتذتنا وعلمائنا الأفاضل. ولي بعض الملاحظات على ما دار من تعقيب من الإخوة الأفاضل على البحث المقدم من أستاذنا الدكتور عبد الوهاب جازاه الله خيرًا، وهي:
ذكر الأستاذ الجناحي بخصوص بطاقات الائتمان وأنها تمر بعدة مراحل، وذكر على سبيل المثال سبع مراحل. هل نحن درسنا هذه المراحل التي تمر بها هذه البطاقات؟ أرجو أن تتاح الفرصة للإخوة يدرسوا هذه المراحل، لأن الرجل يمارس هذا العمل وهو من الاقتصاديين الذين يمارسون هذه القضية. كذلك أثار قضية البطاقة بالأجل، البيع بالأجل. وهي التي سوف تطبق ربما يلتزم بها جميع الناس في عام 2010 م. الرجاء
من الإخوة في المجمع أن ينظروا إلى مثل هذه الأشياء المستحدثة في العالم والنظر إليها بجدية.
ثانيًا: ذكر الشيخ الدكتور عجيل النشمي جزاه الله خيرا بخصوص البطاقة وعلق عليها ثم ذكر البديل. والبديل الذي هو مطروح ، وكثير من الإخوة ذكروا أن البديل هو Visa الإسلامية، وهل الـVisa المطروحة من البنوك الإسلامية أصلها؟ الأصل كيف تتعامل، لأن بطاقة الفيزا مرتبطة بالشركات الأجنبية الأمريكية أو الأوروبية ، فإذن كيف التعامل مع مثل هذه الأشياء؟
وكذلك ذكر الشيخ إبراهيم جازاه الله خيرًا أن البطاقات تغري كثيرا من الناس بالشراء، هذا صحيح ومع الأسف الشديد نحن واقعون في هذه المسألة عندما نسافر لا ندفع شيئًا نقديًّا نشتري به هذه الأشياء، ربما تجرنا - وما بالك بغيرنا - إلى كثير من الشراء بدون جدوى، إذن بين مضار هذه البطاقة إذا كان لم تستخدم في مجالها الحقيقي.
وذكر الشيخ عبد الله المنيع جازاه الله خيرا بخصوص المنظمة الدولية فما كنا عارفين بالنسبة للمنظمات الدولية هل هي الشركات الأم التي تصدر هذه البطاقات؟ أما الشيخ محيي الدين جازاه الله خيرًا فقد ذكر بخصوص البطاقات التي تصدر، وخاصة بالنسبة لقطر (بنك قطر الدولي الإسلامي) ثم ذكر أنه بالنسبة لبطاقة الصرف الآلي لا تعطى للزبائن، أخي الكريم أصبحت هذه المسألة ضرورية الآن. ربما كنتُ مخطئًا في هذا، سواء كان الآلي أو في الخارج إذا كان الإنسان عنده مثل هذه البطاقة وأراد مبلغًا ما، احتاج إلى مبلغ ما، هل لا يصرف له؟ الشركات الأخرى تصرف للزبون وتحسب على حسابه الخاص في البنك الذي يتعامل معه، وهذه من المفروض أنها تعطى من ضمن التسهيلات للأشخاص.
كما ذكر أستاذنا شوقي جازاه الله خيرًا بخصوص تسمية البطاقة، على أساس أنها كمصطلح جديد بأن تسمى بطاقة دين كما ذكر الدكتور عبد الوهاب جازاه الله خيرًا، فإذا رأيت دراسة هذه المسألة وأنها تسمى بهذا الاسم لماذا لا نأخذ هذا المصطلح ويعمم في عالمنا الإسلامي؟
ذكر الدكتور الشيخ علي السالوس جازاه الله خيرًا بخصوص مواضيع جدّ مهمة، ومن ضمن هذه المواضيع بخصوص البطاقات أنه عندما ذهب إلى الغرب وحاضر هناك أن كثيرا من الناس ألغوا هذه البطاقات، دكتور ما أعرف بالنسبة تعلم أن الكثير في دول أوروبا الإنسان لا يستطيع أن يحمل نقودا في جيبه، فكيف بنا نحن كمسلمين أن نقول لهم: لا تستخدموا مثل هذه الأشياء؟ وأن هناك إذا كان الإنسان حمل مبلغًا ما في جيبه يتوقف أو يأخذونه بالإكراه أو بالغصب. كذلك بالنسبة في بعض الدول عملاتها جدّ رخيصة وأن الإنسان إذا حمل مبلغًا ما يأخذونه بكميات كبيرة، فهذه المسائل تسهل على الإنسان إنه يأخذ هذه البطاقة وتسهل له أموره كثيرًا، فعلينا أن نبحث هذه من جميع الجوانب.
ذكر شيخنا جازاه الله خيرًا الدكتور الضرير بخصوص إقامة مجمعات لهذه البطاقات والشراء منها، دكتور جازاك الله خيرًا، الآن كثير من البنوك الإسلامية في الواقع متهمة أو كثير من الناس يتهمونها بأنها لا تفي بأغراض الناس، فكيف نجمع أغراض متعددة ومختلفة أهواء الناس ومطالبهم في مجموعات من المحلات التجارية، فأعتقد أن هذا يضيق على الناس، وعلينا أن نوسِّع على الناس بما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
الدكتور منذر قحف جازاه الله خيرًا ذكر بخصوص البطاقة، البطاقة هذه كثيرًا ما نحملها صحيح كثير منا، ولكن مع الأسف الشديد في بعض المحلات يا دكتور عندما تعرف أنك ستشتري عن طريق البطاقة ترفع السعر مباشرة أمامك، يقول لك: إذا كنت ستشتري بهذه البطاقة ترفع السعر على أساس تحسب أرباح العميل الذي يتوسط في هذا الجانب.
وفي الختام أشكركم، جزاكم الله خيرًا. واسمحوا لي.
الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جرت عبارة على لسان سعادة الأستاذ الدكتور شوقي دنيا أثناء تعليقه قائلا: المناقشات بعض المناقشات تدل على عدم الاطلاع على البحث. وهو يقول هذا بحاسة المدرس المحترف الذي يعرف عندما يناقش الطالب أمرًا من الأمور يعرف من حديثه إذا كان مستوعبًا الموضوع أو أنه يريد إثبات الوجود. فجزاه الله خيرًا على هذه العبارة، ومن أجل هذا فإني قسمت المناقشين في هذه الجلسة إلى مناقشات في نفس البحث، وعين البحث فيها الكثير من التأمل والدقة، فجزى الله الأساتذة الناقدين مدحًا أو قدحًا وهذا هو النقد. جزاهم الله خير الجزاء. وأشكرهم على إنصافهم في كلا الأمرين، ولعل الله أن يستجيب ويجعلهم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:((بشر المقسطين بمنابر من نور يوم القيامة)) .
وبعض المناقشات اكتفت بقراءة الجانب الشرعي فدققت فيه دون أن تطلع على الجانب القانوني، وأنا ما أردت أن أقحم الجانب القانوني لأنه قانوني أو اقتناعًا بالغرب أو أي كلمة تقال من هذا النوع، وإنما أردت من هذا إيضاح الحقيقة.
أنا بنيت بحثي على ثلاثة أمور. لم يكن على تصور وخيال، ولم يكن على مقولات تقال، وإنما على كتب في اللغة الأم معتمدة لم يكن في اللغة فقط لم يكن بحثي في كتب اللغة وإنما اللغة هي الأساس ثم بعد ذلك العمل الجاري في تلك الأماكن. بنيت أحكامي هذه على نصوص الاتفاقيات في البنوك التي أرفقتها في نهاية البحث ودققت النظر فيها. لم أضمها إلى البحث تضخيمًا للبحث، فقد كنت خائفًا من ضخامة البحث، الأشياء والوثائق والمعلومات التي تحصلت عليها في أكثر من عام، ولا أريد أن أبالغ بأكثر، شيء كثير جدًّا، ولكن أردت أن أضع الحقائق العلمية بمنطق الواقع وأخاطب العقل. وإلا لو أردت أن أضع كل ما قيل كنت عندما قدمت للأمانة العامة كنت مترددًا أن يكون مقبولًا، أن يقبل بهذا الحجم. لأني أعرف منهج الأمانة العامة وقد رفضت بحوثًا طويلة، فاعتبرت هذا يدًا أن يقبل البحث بهذه الضخامة، اعتبرت هذا يدًا ورعاية من معالي الأمين العام رعاية خاصة بي، فجزاه الله خيرًا.
الإخوة الشرعيون بعضهم لم يطلع على القسم القانوني، اطلع على الجانب الفقهي فقط، والجانب الفقهي قائم على الجانب القانوني على تصور ووضع الجانب القانوني، وبعضهم التقط النقاط فقط، وأعتقد أنه ليس من الأمانة أن يعالج موضوعنا هذا أو يناقش بمثل هذه المناقشة.
على أي حال أنا أشكر كل من تحدث وكل من تناول الموضوع بدقة وعناية.
أبدأ أولًا، سعادة الأستاذ الدكتور محمد القري جازاه الله خيرًا وضع نقاطًا على الحروف، أولًا هو اعترض على الوقفة على تصحيح العنوان. أنا ما اعتمدت على الناحية اللغوية فقط، ثم اقتبس لي من كتاب الشيخ عبد الرزاق السنهوري، أنا اعتمدت على الموسوعة الاقتصادية، ولذلك كلمة ائتمان لا تطبق مع المصطلح الاقتصادي الذي يقولون عنه.
أنا أقرأ من الموسوعة الاقتصادية: الائتمان بمعنى القرض، وهذه للدكتور عمر حسين موسوعة المصطلحات الاقتصادية يقول: منح دائن لمدين مهلة من الوقت يلتزم المدين بانتهائها دفع قيمة الدين. وفي الشؤون المالية يعني الائتمان عادة قرضًا. إذا كان هذا القاموس الاقتصادي يتكلم هكذا ويقول في الشؤون المالية بالائتمان عادة قرضًا، واسمحوا لي الآن في الصحف والإعلام ألا يقال عن القرض قرضًا - تعمية - وإنما يقال ائتمان، لا يمكن أن تنهض الدول النامية المتخلفة إلا بالائتمان، هذه عناوين في الصحف فهل نقبل أن نقاد وننساق ونخدع بهذه العناوين. ثم أنا اعتراضي ليس على المصطلح لأنه شائع بين العامة يزاوله العامة، ووددت أيضًا لو قرئ البحث تمامًا في هذه النقطة، جريدة عكاظ عملت استبيان على ثلاثمائة شخص - وهذا موجود في البحث -:
ما معنى كلمة ائتمان؟ فمنهم من قال: وديعة. ومنهم من قال: هبة.
والبعض قال بأنها قرض.
فإذن الناس في لبس، وأنا أول من وقع في هذا اللبس. على أي حال أنا لم أكن أعتمد على الناحية اللغوية إنما الناحية اللغوية أساسًا، وذكرت المبررات لأنه يتعلق بهذا أمر شرعي. والشيخ ابن القيم نقلت عنه نقلًا عن ما كتبه معالي الدكتور بكر أبو زيد على أن المصطلح الفاسد غير مقبول، وهذا له صلة بنواحي شرعية حتى يعرفها العامة قبل الخاصة، وبعد نتهاون في هذا ونجادل في هذا، والأغرب من هذا أن يخالف الشرعيون في هذا. الضمان في بطاقة السحب المباشر: المصرف ضامن لثمن المشتريات، هذه نقطة، الحقيقة توقفت فيها، وأنا فعلًا ذكرت على أنه ليس ضامن، وهذه من النقاط التي أوافق فيها الدكتور. التاجر البنك وكالة غير سديدة، المشكلة أننا نريد أن نكيف عقد البطاقة بجميع أطرافه بتكييف واحد. ولذلك أنا ذكرت في المقدمة من أجل ألا أطيل في القسم الثاني بطاقة القرض أو عقد الإقراض في الفقه الإسلامي، أنا أقرأ الجزئية هذه لتكفيني التعليق: من الصعب تكييفه في صورته الكلية بعقد واحد، وهذا عليه أكثر الباحثين الشرعيين، حوالة، أو جعالة أو ضمان أو وكالة، أو عقدين معًا، أنا أتيت بالجانب القانوني حتى يتبين هذا الأمر كالوكالة والكفالة والجعالة. أنا عملت مذكرة تعقيبية على كل تكييف قيل في هذا المجمع وهي موجودة ، وما أردت أن أقرأها، يعني المسألة هذه مذكرة تعقيبية وليست ادعاء على كل ما كتب. لأن زميلي الدكتور عبد الستار أبو غدة قال: ليته لو اطلع على البحوث وليته اطلع على التعقيبات، اطلعت على التعقيبات وهذه هنا الإشارات كلها. فنصيحته هذه أقبلها ولكن أنا أعتب عليه أنه لم يقرأ البحث، ولم يقرأ إلا الجانب الفقهي فقط، لأن كلامك لم يكن يدل على أنك قرأته.
الدكتور القري اعترف بأن البطاقة فيها قرض، ثم أنا أود أن أوجه الكلام إلى زملائي أساتذة الاقتصاد وغيرهم وهم الذين لا يتصورون أن العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها علاقة القرض. الزيادة التي لا تأتي عن تجارة أو حرفة كما هي في تسديد البطاقة متفقون بأنها زيادة ربوية، على ماذا؟ نعم على دين، كلام جميل هذه سنرجع لها يا دكتور فهذه نقطة مهمة جدًّا.
إذن القوانين التي أبدعتها تعتبرها قرضًا وهو قرض بالمفهوم الإسلامي أيضًا. وكان اعتراض الدكتور القري وبعض الأساتذة بأن القرض تمليك، ولكن جئت فرحًا لأن الشيخ عبد الله بن بيه جزاه الله خيرًا يشاركني العناء ويشاركني الهموم في هذا، فلم أنم بعض الظهر وجئت له بالنص وهو قد وقف عليه أيضًا، يقول المالكية وجزى الله الإمام مالك والمالكية في كل زمان ومكان خير الجزاء. يا سعادة الرئيس لا أقصد مفهوم المخالفة، ولذلك كنت دقيقا جدًّا في العبارة بين حامل البطاقة والمصدر (البنك) ، لم أقل في أي كلمة بأنه ملكه القرض، قلت خوله، منحه، هذه العبارة عند المالكية تقول:(وهو يملكه القرض) المقترض بالعقد، وإن لم يقبضه المقترض ذلك لأنه لا يتوقف عن (الحوز) .
إذن ليس شرطًا. وجزى الله المالكية خيرًا، أنقذوني على الأقل يا دكتور. الائتمان في مصطلحهم أبرز ما يكون في مدلوله هو القرض، ما علي أنا معهم أنه ليس الائتمان هو القرض، ولكن أبرز ما فيه القرض، وهذا عند المصطلح الاقتصادي أنا ما أتكلم من الناحية اللغوية فقد أتيت بها. أما الحديث مع الفقهاء الرافضين القرض وتكييف العقد كله بحوالة، أو ضمانة أو وكالة فإني أسترجع كلام الزميل الدكتور؟ الشيء يحكم عليه بنتائجه، إذا لم يسدد المبلغ أليس المتوقع أن يسجل عليه أصل المبلغ مع زيادة ربوية متصاعدة عند التأخير، ألا يكفي أن يكون هذا دينًا أيها الشرعيون؟ إذا كان إخواننا الاقتصاديون مانعوا في هذا. ألا يكفي هذا بأن نسميه دينًا؟ أعجبني بعض الإخوة في مقدمتهم الأستاذ علي محيي الدين القره داغي الجماعة الذين يمانعون أن يكون هناك تكييف على حسب علاقات الأطراف، قال: إنه باعتبارات مختلفة كل واحد يكيف وضعه باعتبار مختلف وكما نقول في عباراتنا التقليدية: الجهة منفكة، بمعنى أن أكون قد أكون أنا أبًا وأكون ابنًا وأكون جَدًّا أكون شيخًا وأكون طالبًا، فهي باعتبارات مختلفة ولا تتعارض ولا تتناقض، إذا مصدر البطاقة كونه مقرضًا، كونه وكيلًا بنص الوثائق الموجودة عندكم هنا بنص الوثائق أنه له وكيل عن حامل البطاقة في التسديد ووكيل عن التاجر يسدد له ويخصم منه ما هو عليه. هذه كلها في النصوص. إذن كونه وكيل مقرض هذا باعتبار صاحب البطاقة وكيل عنه لأنه فوضه في التسديد، ولأن التاجر أيضًا فوضه في سحب من رصيده ما هو مرجوع عليه. ووضع أيضًا في رصيده، ليس في ذلك شيء.
ثم إن العملية كلها ضمان وكفالة، مصدر البطاقة ضمن للتاجر حقه، فالمقترض مضمون والتاجر مضمون له والمبيعات مضمونة ولذلك هو يدفعها ، فإذن التكييف هذا ليس منكرًا ، ولذلك كل شخص حاول أن يكيف البطاقة بشيء واحد، هو ركز على جانب معين، والجوانب الأخرى تظهر عنده ضعيفة.
على أي حال أنا وضحت وجهة النظر هذه أو الكلام في هذا الموضوع في بداية الكلام على الفصل الأول والفصل الثاني؛ إذا صح تصوير عقد بطاقة الإقراض، إذا صح تصويرها وتكييفها بواحد من تلك العقود من جانب فإنه يختل من طرف وجانب آخر لا يسلم لصاحبه، ولذلك فإن الذين يقولون حوالة لا يسلموا لصاحب الضمان، والذين يقولون ضمان لا يسلموا لصاحب الحوالة. نحن لا نقول إن هذا كله وكالة ولا كله ضمان ولا كله حوالة.
إخوتنا الشرعيون الذين يصرون على هذا الموقف لم يطلعوا على الجانب القانوني بمعنى لم تصل إليهم معلومات جديدة، بمعنى أن البحث لم يحقق غرضه بالنسبة إليهم ، فإذن ما هو إلا تكرار وشريط مكرر وإعادة لما كان سابقًا؛ لأنه لو كانت هناك قراءة متأنية لوجدت على الأقل اعتراضًا على نقطة، لكن المسك بجزئيات، التزام بمقولات سابقة، هذا دليل أنه لم يكن هناك قراءة للبحث ولم يضف البحث إلى أفكارهم شيئًا جديدًا.
يقول الدكتور القري: إن القرض تمليك. وقد شرحت هذه الكلمة، صحيح أنا تكلمت وقلت: تمليك. ولكن فيما بعد ذكرت أن المالكية، هنا يختل موضوع البطاقة على القرض، على رأي المالكية يصح ، أغفلت بيان أهمية كل نوع ، والله يا دكتور مجال الحديث كبير جدًّا، ولكن خشيت ألا يقرأ البحث، وفعلًا لم يقرأ عند الكثيرين فإذا كنت بدأت أهمية كل نوع، الحمد لله أعطيتموها ببحثكم حقها، وفي رأيي لم يكن لها دور في صحة التكييف، لأن هذا شيء أو كلنا نوافقكم على أهميتها، لكن أنا الآن في موضوع مهم جدًّا وهو التكييف والعلاقات.
الدكتور عبد الستار جزاه الله خيرًا ما أدري هل كان مادحًا أو ذامًّا لأنه قال نختلف معه في تصحيح العنوان وفي التكييف. وهذا هو كل البحث!! ماذا بقي من البحث يا دكتور مدح بما يشبه الذم أو ذم بما يشبه المدح. على أي حال بيننا وبينه بعض معاكسات في هذا الأمر،
هو كما قلت نصحني بأن أطلع على كل هذه الأشياء، والواقع أنني اطلعت عليها وعندي تعقيب على كل شيء، ولذلك عندي مذكرة تعقيبية لو أردت للبحث أن يطبع لا بد أن تكتب هذه المذكرة التعقيبية.
البطاقة حظيت بدراسة شرعية في الهيئة الشرعية، لكن ما خرجت بنتيجة ما فيه تصور، الشرعيون اعتمدوا على بحثين فقط، كل من كتب في الدراسات الشرعية البحوث الفقهية اعتمد على بحث الدكتور محمد علي القري وبيت التمويل الكويتي. حل يكفي هذا لكتابة بحث علمي تبنى عليه أحكام شرعية ويعطينا تصور كامل؟
أيضًا الدكتور تعرض لموضوع التسمية وأعتقد انتهينا من موضوع التسمية ، يقول تغير إذا كانت تغير النظرة إلى ذات الموضوع. ما في شك تغير النظرة إلى ذات الموضوع، وأنا أول من تغير، أنا عندي بطاقات استطعت أن أتخلص من بعضها وأبقيت البعض وهو Debit Card.
الجانب القانوني يقول الدكتور عبد الستار: يحتاج إليه في مجال التنازع، تنازع البنوك، نعم صحيح، ولذلك هذه الهيئات القانونية تساعدنا على التكييف الفقهي، وهو الذي نريده، ثم نحن لم نستسلم لتكييفهم، تكييفهم هو وسيلة لوضوح الصورة، ولكن لم نخضع لقواعدهم لم نخضع لمبادئهم، وقد شرحت هذا الكلام حتى لا يلتبس على البعض كما التبس على اللغة الأم.