الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة
إعداد
الدكتور محمد الهواري
الأستاذ بجامعات ألمانيا
مخطط البحث
الفصل الأول: التذكية الشرعية
أولا) تعريف الذكاة:
1-
الذكاة في اللغة
2-
الذكاة الشرعية عند الفقهاء
ثانيا) شروط التذكية:
1-
التسمية
2-
أهلية المذكي
3-
موضع الذكاة من الحيوان (مكان الذبح)
4-
آلة التذكية
5-
الحيوان المذكى
ثالثا) طرائق الذبح (كيفية الذبح) :
ا- التذكية الشرعية بدون تدويخ الحيوان
2-
الذبح بعد التدويخ:
(1)
تدويخ الحيوان بالصدمة الكهربائية
(2)
التدويخ بالمسدس ذي الواقذة
(3)
التدويخ باستعمال غاز ثاني أكسيد الكربون
(4)
التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة
(5)
الخنق بالطريقة الإنكليزية
(6)
ذبح الطيور والدواجن
3-
معاملة الحيوان قبل الذبح وبعد الذبح.
رابعا) آداب التذكية ومستحباتها.
خامسا) مكروهات التذكية.
سادسا) ذبائح أهل الكتاب.
الفصل الثاني: حكم ما جهل ذابحه مما حل أكله.
الفصل الثالث: حكم اللحوم المستوردة.
خلاصة البحث.
مراجع البحث.
الفصل الأول
التذكية الشرعية
شروطها وأحكام مخالفتها مما وقع إزهاق الروح فيه بالطرق الحديثة
أولا- تعريف التذكية:
ا) التذكية في اللغة:
(1)
التذكية: الذبح (1) والذكاء والذكاة: الذبح؛ عن ثعلب. وكل ذبح ذكاة.
والعرب تقول: ذكاة الجنين ذكاة أمه، أي إذا ذبحت الأم ذبح الجنين.
وفي الحديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه ".
ابن الأثير: التذكية الذبح والنحر (2) ؛ يقال: ذكيت الشاة تذكية، والاسم الذكاة، والمذبوح ذكي.
ذكى الشاة وغيرها: ذبحها وفرى أوداجها (3)
وذكى الناقة: نحرها؛ والاسم الذكاة والذكاء؛ فالشاة ذَكِيٌّ (4)
ويقول ابن حزم: "والذكاة في اللغة الشق، وهو أمر متفق على جملته إلا أن الناس اختلفوا في تقسيمه "(5)
(1) لسان العرب، لا بن منظور؛ والصحاح، للجوهري
(2)
لسان العرب، والمعجم الوسيط
(3)
معجم متن اللغة، للشيخ أحمد رضا.
(4)
لسان العرب؛ وانظر تفسير النسفي: 1/ 269؛ وتفسير الكشاف للزمخشري: 1/ 653
(5)
المحلى، لابن حزم: 7/ 438، بتحقيق أحمد محمد شاكر
(2)
وقوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ؛ قال أبو إسحاق:"معناه إلا ما أدركتم ذكاته من هذه التي وصفنا". (1)
ومعنى التذكية: أن تدركها وفيها بقية تشخب معها الأوداج وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أدركت ذكاته، وأهل العلم يقولون: إن أخرج السبع الحشوة أو قطع الجوف قطعًا تخرج معه الحشوة" فلا ذكاة لذلك، وتأويله أن يصير في حالة ما لا يؤثر في حياته الذبح (2) .
وقد روي عن علي، وابن عباس، والحسن، وقتادة أنهم قالوا: ما أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف، أو ذَنَبٌ يتحرك، فأكله حلال.
(3)
وأصل الذكاة في اللغة كلها إتمام الشيء (3)
قال الأزهري: أصل الذكاء في اللغة كلها تمام الشيء، فمنه الذكاء في السن والفهم وهو تمام السن.
(4)
وجاء في تاج العروس: "قال الراغب: حقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية، لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه (4) أي وهو قطع الحلقوم والمريء بمنهر للدم: من سكين وسيف وزجاج وحجر وقصب له حد يقطع كما يقطع السلاح المحدد، ما لم يكن سنا أو ظفرا".
(1) المعجم الوسيط؛ تاج العروس؛ وانظر أيضا: زاد المسير، لابن الجوزي: 2/ 280؛ وتفسير المنار: 6/ 143؛ وروح المعاني للآلوسي: 6/ 57
(2)
تاج العروس
(3)
المعجم الوسيط؛ وتاج العروس؛ وانظر أيضا: المسير، لابن الجوزي: 2/ 280؛ وتفسير المنار: 6/ 143؛ وروح المعاني للآلوسي: 6/ 57
(4)
تاج العروس
(5)
وقال القرطبي: "ذكيت الذبيحة أذكيها مشتقة من التطيب؛ يقال: رائحة ذكية؛ فالحيوان إذا أسيل دمه فقد طيب، لأنه يتسارع إليه التجفيف ".
ثم قال: " فالذكاة في الذبيحة تطهير لها وإباحة لأكلها ". (1) ومسك ذكي وذاك وذكية: ساطع ريحه، وأصل الذكاء في الريح شدتها من طيب أو نتن (2) .
(6)
وقال الطبري: " {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] يعني جل ثناؤه بقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] إلا ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهورا ". (3)
(7)
على أن لسان العرب قد انفرد بتفسير لمعنى (الذبح) لغة، إذ يقول:"هوقطع الحلقوم من باطن عند النصيل ". وهو ما لا يتفق مع المعنى الشرعي للذبح في أي من المذاهب الفقهية، بل لم يذهب إلى هذا المعنى أحد من الفقهاء.
(8)
ويبدو أن أهل اللغة، لا يفرقون بين الذبح والتذكية: فقد جاء في القاموس المحيط: "والتذكية:الذبح "(4)
كما جاء في لسان العرب: "جدي ذكي، أي ذبيح ".
غير أن التذكية تحمل معان أخر، فكانت أعم.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 6/ 51
(2)
تاج العروس
(3)
جامع البيان في تفسير القرآن للطبري: 4/ 46
(4)
القاموس المحيط: 4/ 33
والإمام النووي يشير إلى معنى لغوي آخر "للذكاة" وهو "التتميم " أو"الإكمال "، وعلى هذا فإن "الذكاة" هي كمال الذبح وإتمامه (1)
فالتذكية هي إذن: الذبح والنحر والعقر في غير المقدور عليه، وإتمام الفعل والتطييب والتطهير بالذبح.
(2)
الذكاة الشرعية في المذاهب الفقهية:
ا- عرف بعض المالكية (الذكاة الشرعية) بأنها: "عبارة عن أنهار الدم، وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور، والعقر في غير المقدور عليه، مقرونا بالقصد لله، وذكره عليه ". (2) .
2-
وعرفها البعض الآخر من المالكية: بأنها السبب الموصل إلى حل أكل الحيوان البري اختيارا، وأنواعها أربعة: ذبح، ونحر، وعقر، وفعل يزيل الحياة بأية وسيلة (3)
وهذا تعريف للذكاة الاختيارية بمعناها العام، ما عدا العقر في غير المقدور عليه، لأنها ذكاة اضطرارية، لمكان العجز عن الذبح أو النحر في المكان المخصوص.
3-
على أن ابن رشد المالكي، في كتابه "بداية المجتهد" يحرر مذهب المالكية في "صفة الذكاة" ويخصصها بالذبح، حيث يقول:"فإن المشهور عن مالك في ذلك، هو قطع الودجين، والحلقوم (على التعيين) وأنه لا يجزئ أقل من ذلك ". (4)
(1) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، الأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني: 2/ 295 فما بعد
(2)
تفسير القرطبي: 6/ 53؛ وانظر: أحكام القرآن لابن العربي: 2/ 541، طبعة دار الفكر.
(3)
الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 727، ط دار إحياء التراث العربي؛ وانظر أيضا: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، للشيخ الدردير.
(4)
بداية المجتهد، لابن رشد: 2/ 465 بتحقيق محمد صبحي حسن الحلاق
4-
أما الحنفية فقد عرفوا الذكاة الشرعية بأنها: " إتلاف الحيوان بإزهاق روحه للانتفاع بلحمه بعد ذلك ". (1)
وعرفوا " الذبح " بأنه: " فري (قطع) الأوداج " حتى إذا استوفى قطعها، فذلك" كمال التذكية" وإن فرى بعضها دون بعض، فإن قطع ثلاثة منها دون تعيين، وترك واحداً حل الذبيح عند أبي حنيفة، إعطاء للأكثر حكم الكل.
أما أبو يوسف، فيرى أنه لابد من قطع الحلقوم والمرئ، وأحد الودجين، على التعيين، وذهب محمد إلى أن حلية الذهب، لا تتم إلا بقطع الأربعة، ويكتفى من قطع كل واحد منها بأكثره (2)
5-
أما الشافعية فقالوا:" الحيوان المأكول، إنما يصير مذكي بأحد طرقين: أحدهما: الذبح في الحلق واللبة؛ وذلك في الحيوان المقدور عليه، والثاني: العقر المزهق في أي موضع كان (3)
وذهب الشافعية إلى وجوب قطع الحلقوم والمريء بشرط استيعاب قطعها، وأما قطع الودجين، فمستحب عندهم (4) .
(1) فتح القدير، للكمال بن الهمام: 8/ 52
(2)
البدائع، للكساني: 5 / 41؛ وراجع الخلاف في حاشية رد المحتار، لابن عابدين:(6 / 294) وما بعد؛ وراجع أيضًا تكملة فتح القدير، لابن الهمام على شرح الهداية: 8 / 58 وبهامشه شرح العناية على الهداية للبابرتي- المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق: 1318 هـ.
(3)
روضة الطالبين، للنووي: 3 / 237
(4)
مغنى المحتاج، للشربيني الخطيب: 4 / 270، ط مصطفى البابي الحلبي؛ انظر: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار للحصني الدمشقي: 2 / 423؛ راجع أيضًا: روضة الطالبين للإمام النووي: 3 / 201 وما بعد، ط الكتب الإسلامي؛ وكذلك: منهاج الطالبين، للنووي، ص 140؛ كذلك كتاب الأم، للإمام الشافعي: 8 / 284، ط شركة الطباعة الفنية المتحدة.
6-
وذهب الحنابلة مذهب الشافعية: في وجوب قطع الحلقوم والمريء، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب (1) .
7-
وجاء في فقه السنة للسيد سابق ما يلي: الذكاة في الأصل معناها التطيب، ومنه: رائحة ذكية، أي طيبة، وسمي بهذا الذبح لأن الإباحة الشرعية جعلته طيباً.
وقيل: الذكاة معناها: التتميم، ومنه فلان ذكى، أي: تام الفهم.
والمقصود بها هنا: ذبح الحيوان أن نحره بقطع حلقومه (مجرى التنفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب ومن الحلق) ، فإن الحيوان الذي يحل أكله لا يجوز أكل شيء منه إلا بالتذكية ما عدا السمك والجراد (2) .
8-
وقالت الظاهرية: والتذكية قسمان: قسم في مقدور عليه متمكن منه، وقسم في غير مقدور عليه أو غير متمكن منه؛ وهذا معلوم بالمشاهدة، فتذكية المقدور عليه المتمكن منه ينقسم قسمين لا ثالث لهما: إما شق في الحلق وقطع يكون الموت في أثره، وإما نحر في الصدر يكون الموت في أثره؛ وسواء في ذلك كله ما قدر عليه من الصيد الشارد أو من غير الصيد، وهذا حكم ورد به النص بقوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] والذكاة في اللغة الشق، وهو أمر متفق على جملته إلا أن الناس اختلفوا في تقسميه.
(1) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للماوردي الحنبلي: 10 / 392، تحقيق محمد حامد الفقي 1377 هـ / 1957م؛ وانظر المغنى، لابن قدامة: 13 / 303، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان عام 1410 هـ / 1990 م، بتحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو.
(2)
فقه السنة، لسيد سابق 3 / 297
وإكمال الذبح هو أن يقطع الودجان والحلقوم والمرئ- وهذا ما لا خلاف فيه من أحد- فإن قطع البعض من هذه الآراب المذكورة فأسعر الموت كما يسرع من قطع جميعها فأكلها حلال، فإن لم يسرع الموت فليعد القطع ولا يضره ذلك شيئاً، وأكله حلال، وسواء ذبح من الحلق في أعلاه أو أسفله، رميت العقدة إلى فوق أو إلى أسفل، أو قطع كل ذلك من القفا، أبين الرأس أو لم يبن، كل ذلك حلال أكله، وهذا مكان اختلف الناس فيه. (1)
9-
وجاء في فقه الإمامية:"الذبح هو قطع الأوداج الأربعة جميعاً، دون استثناء أي منها، حتى إذا لم يقطع أي منها أو كلها دون استيفاء، لم تحل الذبيحة". (2)
هذا ويقصد بالأوداج: الحلقوم، والمريء والودجان.
أما الحلقوم: فهو مجرى التنفس، والمريء: مجرى الطعام والشراب، والودجان، هما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم والمريء.
وإنما عبروا بالقطع احترازاً عن (الشق) لأن هذا غير كاف في حلية المذبوح عندهم، ذهاباً منهم إلى أن" كمال التذكية " لا يتم إلا بقطع الأربعة جميعًا إنهارًا للدم، وإزهاقاً للروح، وإراحة للذبيحة من التعذيب، وليس مجرد إزهاق الروح دون أنهار الدم بمجزئ في حلية الذبح (3) .
محل النزاع: الاتفاق- كما يبدو- منعقد على أصل القطع للأربعة جميعًا في الذبح، ومحل النزاع" فيما يكتفي به من القطع"؛ أي الحد الأدنى منه.
(1) المحلي، لابن حزم: 7 / 438 وما بعد، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع- ببيروت، بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.
(2)
اللمعة الدمشقية بشرح الروضة الندية، للشهيد العاملي: 7 / 221، حيث جاء فيها:" فلو قطع بعض هذه، لم يحل، ، وإن بقي شيء يسير- أي شيء قليل من الأوداج"؛ راجع أيضاً: تحرير الوسيلة: 2 / 129، للإمام الخميني.
(3)
بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، الأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني: 2 / 300
ويبدو أن تعريف المالكية للذكاة الشرعية من أفضل التعاريف؛ لضبطه وإيجازه، فهي برأيهم:" السبب الموصل إلى حل أكل الحيوان البري"، وهذا يشمل كل وسيلة تفضي إلى الحل شرعًا إذا توافرت شروطها. معنى هذا أن السبب الموصل إلى الحل هو الوسيلة أو الطريق الذي يؤدي إلى رفع حياة الحيوان البري المذكى حالة السعة والاختيار، (لا حالة الاضطرار) ، وذلك إنما يكون في الحيوان المستأنس الأليف المقدور على تذكيته الذكاة الشرعية، في محلها، وبشروطها، وواضح أن هذا يختلف باختلاف الحيوان:
أ) من كونه ذا دم سائل: فتكون تذكيته بفصل الدم الخبيث النجس المحرم، عن اللحم الطاهر الطيب الحلال، وبالذبح أو النحر، تبعا لكون الحيوان مما يذبح أو ينحر.
من سنة الضأن والمعز والبقر والدواجن: الذبح، ومن سنة الإبل: النحر.
ب) أو كونه لا دم له سائلا: من مثل الجراد والسمك، فإن السبب الموصل إلى حله- في فقه المالكية- هو الفعل المميت الذي يرفع الحياة الثابتة بأي وسيلة، بمعنى أن "ذكاته إماتته " لا فصل دمه، لأن الفرض أن لا دم له سائل يفصل، وهذا عند المالكية، خلافا للجمهور الذي يرى: أن الجراد يحل أكله ميتا، "دون فعل يميته ".
وأما السمك فيعتبر مجرد إخراجه من الماء حيا ذكاة له.
والعقر: هو طعن أو جرح الوحشي غير المقدور عليه، في أي موضع من جسمه بمحدد، بحيث يسيل دمه ويموت من ذلك الجرح، وهذه تذكية شرعية اقتضتها الضرورة بالنسبة إلى هذا الحيوان الوحشي الممتنع النفور غير المقدور على ذبحه، في موضع الذبح، أو الحيوان المستأنس الذي طرأ عليه التوحش عند الجمهور، بأن شرد أو ندّ واستعصى في مكان ضيق، أو تردى في بئر أو كان صائلا، بحيث يتعسر- إن لم يتعذر- ذبحه في المحل المخصص له شرعا. (خلافا للإمام مالك الذي لا يعتبر طروء التوحش مبيحا للعقر، بل اقتصر في اعتبار العقر ذكاة على الحيوان الوحشي طبعا، وبأصل خلقته) .
والذبح: هو قسم من الذكاة الشرعية، وهو الوسيلة المتعينة للحل دون سواها، وبالنسبة للحيوان البري المأكول اللحم، إذا كان مستأنسا أهليا مقدورا عليه، كالضأن، والماعز، والبقر، والطيور الدواجن، بخلاف الإبل، فوسيلة تذكيتها النحر.
ثانيا- شروط الذبح أو التذكية:
تفتقر الذكاة إلى خمسة أشياء هي: (الذكر) و (الذابح) و (محل الذبح) و (آلة الذبح) و (الحيوان المذبوح)، وأضاف بعضهم:(توجيه الذبيحة للقبلة) .
ا- الشرط الأول: التسمية (الذكر) :
ذهب الجمهور ومنهم الإمامية إلى أن التسمية هي شرط وجوب لحلية الذبيح بالنسبة للمسلم.
قال مالك: كل ما ذبح ولم يذكر عليه اسم الله فهو حرام، سواء ترك ذلك الذكر عمدا أو نسيانا. وهو قول ابن سيرين وطائفة من المتكلمين (1)
أما الشافعي وغيره، فقد رأوا: حل متروك التسمية عمدا، أو سهوا أو خطأ من باب أولى إذا كان الذابح أهلا للذبح (2)
(1) فقه السنة، لسيد سابق 3/ 301- 302، ط دار الكتاب العربي، وانظر: بداية المجتهد: 2/ 472- الطبعة المحققة: محمد صبحي الحلاق؛ ونيل الأوطار للشوكاني: 8/ 139؛ والمغني والشرح الكبير: 11/ 33؛ والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: 1/ 399؛ ومغني المحتاج، للشربيني الخطيب: 4/ 272- 273؛ والمسوى شرح الموطأ، للإمام الدهلوي: 2/ 330- 331؛ وتحرير الوسيلة: 2/ 131. جاء في تحرير الوسيلة ما نصه: "التسمية من الذابح، بأن يذكر اسم الله عليها حينما يتشاغل بالذبح
…
فلو أخل بها عمدا حرمت، وإن كان نسيانا، (لم تحرم الإمامية) .
(2)
مغني المحتاج، للشربيني الخطيب: 4/ 272-273؛ وانظر: بداية المجتهد: 2/ 472، بتحقيق محمد صبحي الحلاق؛ والمجموع شرح المهذب، للنووي: 9/ 80؛ وفقه السنة:3/ 302
وانقسم الجمهور نفسه إلى فريقين:
أ) فريق ذهب إلى أن التسمية واجبة مطلقا عند الذبح حال الذكر (التذكر) أو النسيان، على السواء، فالحل متوقف على هذا الشرط، أخذا بظاهر قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، وقوله عز وجل ،وقوله:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وبهذا أخذ الظاهرية (1) وهو مروي عن الحسن وابن سيرين، وللشعبي، وغيرهم.
وعلى هذا فإن التسمية، بحسب رأي هذا الفريق، شرط وجوب عند الذبح ليحل الذبيح، مسلما كان الذابح أو كتابيا، إجراء للنص على إطلاقه (2)
ب) ومذهب الحنفية والمالكية بأنها واجبة حال الذكر دون النسيان (3) .
بل ذهب المالكية إلى أن "التسمية" ليست بواجبة أصلا على الكتابي، وإن كانت واجبة في حق المسلم، فقد جاء في المسوى شرح الموطأ:"تحل ذبيحة أهل الكتاب، قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] هكذا بإطلاق دون قيد التسمية، ولا أبلغ في التعبير عن معنى الإباحة، من لفظ الحل "(4)
(1) المحلى، لابن حزم: 7/ 412، بتحقيق أحمد شاكر.
(2)
راجع تفسير القرطبي: 6/ 76 وما يليها.
(3)
المحلى، لابن حزم: 7/ 412 مسألة رقم 1003، بتحقيق أحمد شاكر؛ وانظر: بداية المجتهد: 2/ 472، الطبعة المحققة: محمد صبحي الحلاق؛ وحاشية ابن عابدين: 5/ 192؛ وشرح المحلي على المنهاج: 4/ 259؛ وفقه السنة، لسيد سابق: 3/ 302
(4)
المسوى شرح الموطأ: للإمام ولي الله الدهلوي: 2/ 331
تنبيه: ينبغي أن يلاحظ أن الشافعية وإن قالوا بعدم وجوب التسمية، في حق المسلم ولا حق الكتابي، غير أنهم لا يجيزون ذكر اسم أحد الأصنام أو الأوثان ،أو اسم غير الله تعالى على الذبائح، بل يحرمون الذبيحة إن ذكر اسم غيره تعالى، يقول الإمام النووي:"ذبيحة أهل الكتاب حلال، سواء أذكروا اسم الله عليها أم لا، لظاهر القرآن: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن علي والنخعي، وحماد (أستاذ أبي حنيفة) وأبي حنيفة "(1) وقال الإمام النووي في الروضة: "ولا يجوز أن يقول الذابح أو الصائد: باسم محمد، ولا: باسم الله واسم محمد، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه، واليمين باسمه، والسجود له، ولا يشاركه في ذلك مخلوق ". ثم أورد عن نص الشافعي، رحمه الله:" أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى - كالمسيح- لم تحل "(2)
إن تارك التسمية ناسيا مرتكبا لمحرم، والحديث يشهد بذلك:
"إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان". (3) واعتبر النسيان عذرا في أكثر من حكم في الشريعة، والحل هو قول عدد كبير من الصحابة والتابعين، بل هو بشيء من التسامح قول الجمهور، وهذا ما يتمشى ومصالح الناس في جلب المصلحة ودفع المفسدة، إذ لكثرة مشاكل الناس ومشاغلهم صار النسيان عندهم طبعا، فالقول بحرمة متروك التسمية نسيانا عسر ومشقة، والمشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع (4)
(1) المجموع شرح المهذب: 9/ 80
(2)
روضة الطالبين للإمام النووي: 3/ 205
(3)
أخرجه ابن ماجه، والبيهقي، وهو حديث حسن.
(4)
(ما يحل ويحرم بالذكاة) : أبو اليقظان عطية الجبوري- مجلة كلية الدراسات الإسلامية- بغداد، العدد الخامس، ص 39
التسمية ولغتها ووقتها:
إن المطلوب من الذكر أن يذكر الذابح أي اسم من أسماء الله تعالى، فيجزيه ذلك لقوله تعالى:{وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 119] وليس هناك فصل بين اسم من أسماء الله تعالى وبين آخرلقوله عز وجل: {قُلِ ادْعُواْ اللهَ أو ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] .
فإن قال: بسم الله أو بسم الله الرحمن الرحيم، أو بسم الرحمن، أو الرحيم، أو الكريم، أو قال: بسم الله والله أكبر، أو قال: الله أكبر، أو الله أجل، أو الله أعظم، أو الله أعز، فيجزيه ذلك الذكر، ويجزئه هذا اللفظ بأي لغة كانت، سواء كانت العربية أم الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أو أية لغة من لغات العالم، والسبب في ذلك هو أن الشرط الذكر، وهو يحصل بأية لغة. والذكر هنا غير تكبيرة الافتتاح في الصلاة (1)
، والواجب في التسمية أن ينوي بها التسمية على الذبيحة، أما إذا أراد غير ذلك كأن عطس فقال: الحمد لله تنزيهاً للباري عز وجل عما لا يليق به، فقالوا: لا تؤكل لأنها خلت عن الذكر (2) .
أما وقت الذكر في الذكاة الاختيارية فيجب أن يكون عند الذبح أو النحر، ولا يجوز قبل ذلك ولا بعده، ولا يجوز التراخي فيها، لأن الله تعالى اشترط الذكرعلى الذبيحة، وهو لا يتحقق إلا وقت الذبح.
أما الذكاة الاضطرارية فوقت التسمية فيها وقت الرمي أو الإرسال، لا وقت الإصابة (3)
(1)(ما يحل ويحرم بالذكاة) : أبو اليقظان عطية الجبوري- مجلة كلية الدراسات الإسلامية- بغداد، العدد الخامس، ص 41.
(2)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 5/ 48
(3)
ما يحل ويحرم بالذكاة: أبو اليقظان عطية الجبوري- مجلة كلية الدراسات الإسلامية- بغداد- العدد الخامس، ص 42
2-
الشرط الثاني: أهلية المذكي:
اشترطت الشريعة الإسلامية في حل الذبيحة أن يكون المذكي أهلا للذكاة، وهذه الأهلية المرتبطة، منها ما يعود إلى الخصائص العقائدية، ومنها ما يعود إلى الخصائص البدنية (1) .
(أ) ذهب الأحناف إلى اشتراط الإسلام في المذكي، ومن كان غير مسلم لا تصح تذكيته باستثناء الكتابي، كما في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [المائدة: 5]
ولا تحل مذكاة من لا كتاب له، ولا يؤمن بنبي مرسل، ودخل في ذلك أصحاب العقائد الباطنية مطلقاً- أي دون استثناء- وأهل الشرك والمجوس وعبدة الأوثان والمرتدون.
وعند التحقيق تحل ذكاة المعتزلي والجبري وغيرهما من المذاهب، الذين هم في نظر الفقهاء والمجتهدين غير كافرين، أو غير مرتدين، وإن كانوا عصاة فساقا، والعصاة والفساق من الأمة تحل ذبائحهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم (2)
ويشترط في المذكي أيضًا أن يكون ذا عقل مميز، ليكون هناك قصد ونية، وخرج بذلك المجنون، ومن لا قصد له ولا نية.
(1) أحكام الأطعمة في الإسلام للدكتور كامل موسى، ص 80
(2)
انظر الحاشية، لابن عابدين: 4/ 138
(ب) وذهب المالكية إلى اشتراط الإسلام، وممن لا يدينون بالإسلام كأهل الكتاب فقط، وحرموا مذكاة المرتد والصابئين والمجوس والمشركين، وكل من خرج عن القيد المذكور آنفا (مسلم أو كتابي) .
وكذلك فقد اشترطوا التمييز كحد أدنى، وسواء في ذلك الذكر والأنثى، وكذلك عندهم مذكاة الصغير المميز والفاسق مجزئة مع الكراهية. واختلف في تذكية من لا يصلي، والسكران الذي يخطئ ويصيب، والمبتدع المختلف في كفره.
وعند الشك في ذكاة النصارى، من استحلالهم للميتة أو غير ذلك، من شروط تخل بحل المذكاة، لا يؤكل مما غاب عنا علمه، ولا ينبغي للإنسان أن يقصد الشراء من ذبائحهم (1) .
(جـ) وذهب الشافعية إلى اشتراط الإسلام في المذكي، وأنه من ليس مسلما لا تحل مذكاته، باستثناء الكتابي، نظرا للنصوص.
والكتابي هو اليهودي والنصراني من العجم، ومن العرب من دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل، وأما من دخل بعد ذلك، فلا تحل ذبيحته.
ولا تحل ذكاة المرتد والوثني والمجوسي والزنديق، وكل من لا كتاب له من الكفار. ولا يشترط في حل ذكاة المرأة أن تكون طاهرة، وكذلك الرجل.
ومن الأفضل أن يكون المذكي بالغا عاقلًًا، وليس هذا بشرط، ويستحب أن يكون بصيرا. والمجنون الذي ليس له أدنى تمييز لا تحل ذكاته، وكذلك السكران.
أما الصابئون والسامرة، فمذهب الشافعي: إن وافقت الصابئة النصارى، والسامرة اليهود في أصول العقائد، حلت ذبائحهم ومناكحتهم وإلا فلا (2) .
(1) القوانين، ص 156؛ وانظر أحكام الأطعمة في الإسلام، للدكتور كامل موسى، ص 84
(2)
المجموع للنووي: 9/ 73.
(د) وذهب الحنابلة إلى اشتراط كونه مسلما، وما استثني من غير المسلمين، وهو الكتابي، لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . والأصل عدم قبول مذكاة سوى مذكاة المسلم، لولا ورود النص في إباحة مذكاة الكتابي، ولذا كانت مذكاته مباحة، بخلاف غيره من الصابئة والمجوس والوثنيين والمرتدين والزنادقة وأصحاب العقائد الباطنية (1) .
(هـ) وخالف الظاهرية في ذبائح المجوس، فقالوا: بإباحة تذكيتهم، وبإباحة الزواج من نسائهم معتبرنيهم ملحقين بأهل الكتاب (2)
(و) ومنع الإثنا عشرية ذبيحة غير المسلم، حتى ولو كان كتابيا (3)
(1) الإقناع: 4/ 316
(2)
المحلى، لا بن حزم: 7/ 457
(3)
منهاج الصالحين: 2/ 456
3-
الشرط الثالث: موضع الذكاة من الحيوان:
يقصد بالموضع مكان الذبح من جسم الحيوان.
(أ) ذهب الأحناف إلى تنويع الذكاة، تبعا لنوع الحيوان المراد تذكيته، فالذكاة متعددة: منها الذبح، ومنها النحر، ومنها العقر:
أما الذبح فهو خاص بالبقر والغنم والطير ونحوها، ويكون في (حلق) البهيمة، أي أسفل اللحيين، وكذلك في كل حيوان ذي عنق قصير.
وأما النحر، فهو خاص بالإبل والنعام ونحوها، وموضعه (اللبة) ، وكذلك في كل حيوان ذي عنق طويل، والأصح في الذبح والنحر ما رواه أبو هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في حجاج منى: ((ألا إن الذكاة في الحلق واللبة)) (1)
وأما العقر، أي الجرح في (أي موضع) كان من الحيوان المذكى، فهو خاص بالحيوانات والطيور غير المقدور عليها- أي على بعضها وإمساكها- والأصل في العقر ما رواه رافع بن خديج قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فند بعير، وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا.)) (2)
ويتبع ذلك في الحكم ما ند من الحيوانات الأليفة، وعلم صاحبه أنه لا يقدر على ضبطه، كند الثور أو البعير، فله أن يذكيه رميًا.
ولو تصرف عكسا، بأن ذبح ما ينبغي نحره، أو نحر ما ينبغي ذبحه جاز، لكنه مكروه تنزيها.
ولا يجوز العقر فيما كانت ذكاته ذبحا أو نحرا، ولو فعل ذلك فمات الحيوان حرم تناوله.
وحتى تصح الذكاة- ذبحا أو نحرا- فلابد من قطع المريء (مجرى الطعام والشراب) والحلقوم (مجرى التنفس) والودجين (مجرى الدم) .
(1) رواه الدارقطني.
(2)
متفق عليه.
وفي الأجزاء اختلف أئمة المذهب:
فعند الإمام أبي حنيفة: يجزئ بقطع الثلاث منها، وهو أحد القولين لأبي يوسف، وفي قوله الآخر: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين.
وعند الإمام محمد: لا بد في الإجزاء من قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة، وهو رواية عن أبي حنيفة (1) .
(ب) وذهب المالكية إلى هذا التنويع، من صيد (عقر) وذبح ونحر.
أما الصيد فهو خاص بغير المقدور عليه.
وأما الذبح، فهو خاص بالطيور والحيوانات المضبوطة، كالغنم.
وأما النحر، فهو خاص بالإبل، وفي البقر التخيير بين الذبح والنحر.
وموضع الذبح في الحلق، وموضع النحر في اللبة.
وإن ذبح ما ينبغي نحره، أو نحر ما ينبغي ذبحه، فإن كان للضرورة أُكل، وإلا لم يخل من الاختلاف.
وما ينبغي قطعه عند الذبح أو النحر هو: الودجان والحلقوم والمريء، وإن قطع بعض الودجين والحلقوم، لا يجوز عند سحنون.
وقال ابن القاسم:"إن قطع النصف أو الثلثين جاز، وإن لم يقطع إلا اليسير لم يجز"(2)
(ج) وذهب الشافعية إلى ما ذهب إليه كل من الأحناف والمالكية من أن الذكاة كامنة في الذبح والنحر والعقر.
(1) الاختيار لتعليل المختار: 5/ 192؛ وشرح منلا مسكين: 2/ 215
(2)
القوانين الفقهية، ص 165؛ وانظر: أسهل المدارك: 2/ 52
وأن السنة في الإبل ونحوها النحر، وفي البقر والغنم ونحوها الذبح، ولا يجزئ الذبح أو النحر إلا بقطع الحلقوم والمريء، ونص الشافعي على قطعهما ضرورة من حيوان فيه حياة مستقرة، وهو الصحيح في المذهب.
وأما قطع الودجين فهو مطلوب- لكن استحبابا لا إجزاء- لأن في قطع الودجين أَوْحَى في إزهاق الروح.
ولو ترك من الحلقوم والمريء شيء ومات الحيوان، فهو ميتة، وكذلك لو انتهى إلى حركة المذبوح فقطع بعد ذلك المتروك، فهو ميتة.
وحكى الماوردي وغيره وجها آخر، وهو أنه إذا بقي من الحلقوم أو المريء شيء يسير لا يضر، بل تحصل به الذكاة، واختاره الروياني في الحلية، والمذ هب الأول (1) .
ولو عمل العكس، بأن ذبح الإبل أو نحر البقر أجزأه، لكنه ترك للمستحب، ويستحب الاقتصار على قطع الأعضاء الثلاثة: الحلقوم والمريء والودجين، ويكره إبانة رأسها في الحال، أي قبل خروج الروح منها، كما أنه يكره كسر عظم أو عنق أو أي فصل زائد قبل خروج الروح منها (2)
(1) المجموع للنووي: 9/ 89
(2)
المجموع للنووي: 9/ 89
(د) وذهب الحنابلة إلى ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من منطلق التنويع في الذكاة تبعا لنوع الحيوان:
فأما الذبح والنحر فهما طريقتان خاصتان في المقدور عليه كالطير الممسوك والأنعام مما يعيش في البر، سوى الجراد للنص. وكذلك ما كان مأواه البحر ويعيش في البر كالسلحفاة المائية مثلا، فلا يحل تناولها إلا بالذكاة، نظرا للتمكن من إمساكها وضبطها، والحيوانات من حيث التركيب الخلقي نوعان: منها ما هو طويل العنق كالإبل، فذكاته بالنحر، وموضع النحر اللبة، واللبة موضع بين العنق والصدر في أسفل العنق من جهة الصدر، وتسمى"الوهدة". ومنها ما هو قصير العنق كالغنم، فذكاته بالذبح، وموضع الذبح الحلق، والحلق أعلى العنق من جهة الرأس، وهي السنة في الذكاة، فإن عكس- أي ذبح ما ينبغي نحره، أو نحر ما ينبغي ذبحه- أجزأه، لكنه مخالف للسنة. وينبغي قطع الحلقوم والمريء والودجين، وإن اقتصر على الحلقوم والمريء أجزأه، لكنه خالف الأفضل والأكمل.
وأما العقر فهو ذكاة الحيوان غير المقدور عليه من قِبَل الآدمي، ويكون بالجرح في أي موضع من الجسم من الحيوان المطارد سَبَبٌ في إماتته.
ولو كان الحيوان مما هو مقدور عليه ففر عند التذكية، فطارده صاحبه فلم يقدر عليه فضربه بالآلة المحددة فقتله كان مجزئاً في الحل؛ لأنه انتقل مما هو مقدور عليه إلى غير مقدور عليه (1) .
(1) الإقناع: 4/ 318
مسألة قطع رقبة الحيوان من القفا:
ذكر ابن رشد في مقدمته أن هذه المسألة مختلف فيها: فذهب المالكية إلى عدم جواز أكلها، لأن القطع لا يصل إلى الأوداج والحلقوم إلا بعد قطع النخاع، وهو مقتل من المقاتل، وهو مذهب سعيد بن المسيب وابن شهاب وغيرهم. وأجاز أكلها بقية الأئمة من الأحناف والشافعية، وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عمر وعلي وعمران بن الحصين (1) .
ذكر النووي في روضة الطالبين: " ولو قطع من القفا حتى وصل الحلقوم والمريء عصى لزيادة الإيلام، ثم ينظر: إن وصل إلى الحلقوم والمريء وقد انتهى إلى حركة المذبوح، لم يحل بقطع الحلقوم والمريء بعد ذلك، وإن وصلهما وفيه حياة مستقرة فقطعهما حل، كما لو قطع يده ثم ذكاه (2)
قال الإمام: "ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المريء، ولكن لما قطعه مع بعض الحلقوم انتهى إلى حركة المذبوح لما ناله بسبب قطع القفا فهو حلال، لأن أقصى ما وقع التعبد به أن يكون في حياة مستقرة عند ابتداء قطع المذبح، والقطع من صفحة العنق كالقطع من القفا ". (3)
(1) بداية المجتهد: 2/ 464، بتحقيق محمد صبحي حسن الحلاق؛ وانظر: فقه السنة، لسيد سابق: 3/ 301
(2)
انظر: السراج الوهاج- شرح الغمراوي على متن المنهاج، للنووي، ص 558
(3)
روضة الطا لبين، للنووي: 3/ 202
وجاء في الهداية: (تكملة فتح القدير) :"فإن ذبح الشاة من قفاها فبقيت حية حتى قطع العروق حل، لتحقق الموت بما هو ذكاة، ويكره لأن فيه زيادة الألم من غير حاجة، فصار كما إذا جرحها ثم قطع الأوداج، وإن ماتت قبل قطع الأوداج لم تؤكل لوجود الموت بما ليس بذكاة فيها ". (1)
وتعرض الحنابلة إلى الذبح في القفا من ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: أن يذبحها من القفا اختيارًا، فقد ذكر ابن قدامة عن الإمام أحمد أنها لا تؤكل. وقيل: إنها إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء حلت، وإلا فلا. قال ابن قدامة:"وهذا أصح، لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحله كأكيلة السبع والمتردية والنطيحة، ولو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلت بذلك، نص عليه أحمد فقال: لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكله". (2) والإباحة هي المذهب على الوجه الصحيح (3)
الجانب الثاني: "أن يقع الذبح من القفا على سبيل الخطأ، فيأتي الذبح على موضعه وهي في الحياةأكلت هذه الذبيحة، كأن تلتوي عليه فتأتي السكين على القفا، فيسقط اعتبار المحل، نظراً للعجزعن الذبح في الموضع ". (4)
الجانب الثالث: إن ذبحها من قفاها، فلم يعلم هل كانت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أو لا؟ نظرت؛ فإن كان الغالب بقاء ذلك، لحدة الآلة، وسرعة القتل، فالأولى إباحته؛ لأنه بمنزلة ما قطعت عنقه بضربة السيف، وإن كانت الآلة كالة، وأبطأ قطعه، وطال تعذيبه، لم يبح؛ لأنه مشكوك في وجود ما يحله، فيحرم، كما لو أرسل كلبه على الصيد فوجد معه كلبا آخر لا يعرفه". (5)
(1) الهداية: تكملة فتح القدير: 8/ 60
(2)
المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 308
(3)
المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 308
(4)
المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 307
(5)
المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 308
ومذهب المالكية، أنه لا بد من استقرار الحياة مع عدم إنفاذ المقاتل عند الذبح، فما أدرك بذكاة وهو مستقر الحياة، وكان قبل إنفاذ مقتله أكل، وألا فلا يؤكل، ولو ثبتت له حياة مستقرة. والمقاتل هي قطع النخاع ونثر الدماغ وفري الأوداج وثقب المصران ونثر الحشوة. (1)
ووافق الظاهرية الجمهور في حل هذه المسألة، من أن القطع من القفا غير مخل بالحل. (2)
ولا يجيز الفقه الإسلامي الذبح من القفا مطلقا، حتى ولو أسرع في الذبح فقطع العروق قبل زهوق الروح، فهو مع المالكية سدا للذريعة، فالذبيحة إذا نخعت من القفا حرمت مطلقا، حتى ولو كان ذبحها بسبب الذبح، تأكيداً لاشتراط الذبح من الأمام، مراعاة للمعنى التعبدي في الذبح، ويؤكد هذا اشتراطهم قطع الأربعة جميعا، شرطا في الحل.
جاء في تحرير الوسيلة ما نصه:"يشترط أن يكون الذبح من القدام، فلو ذبح من القفا وأسرع إلى قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج، قبل خروج الروح حرمت". (3)
(1) أسهل المدارك: 2/ 54
(2)
المحلى، لابن حزم 7/ 438
(3)
تحرير الوسيلة: 2/ 130
مسألة الفورية:
ذهب الجمهور إلى أن الفورية-أو الإسراع في الذبح، وإزهاق الروح- شرط في الحلية، فإن رفع يده قبل تمام الذبح ثم أعادها فورا تؤكل الذبيحة، فإن تباعد ذلك، لم تؤكل، واستندوا في اجتهادهم هذا إلى أن"الذكاة" طرأت على"منفوذة المقاتل" أي التي"نفذ فيها أثر القتل قبل كمال الذبح فصارت ميئوسة"، أو مقطوعاً بموتها الطارئ قبل تمام الذبح، فلا تحل. (1)
وقال الحنفية والشافعية: يستحب الإسراع - وسموه" التذفيف" - في قطع الأوداج للحديث:" وليرح ذبيحته"، والإسراع نوع من أسباب إراحة الذبيحة (2)
هذا وذهب الأمامية إلى أنه يجب الذبح في فور واحد، وبالتتابع، دون فصل يعتد به عرفاً، وذلك بقطع الأوداج الأربعة جميعا قبل زهوق الروح، مرة واحدة، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتى انتهت إلى الموت، ثم قطع الباقي حرمت، لأنه ذبح في مرتين، ويعد في العرف عملين (3) .
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد:"هل من شرط الذكاة أن تكون في فور واحد؟ فإن المذهب لا يختلف أن ذلك من شرط الذكاة، وأنه إذا رفع يده قبل تمام الذبح ثم أعادها، وقد تباعد ذلك أن تلك الذكاة لا تجوز. واختلفوا إذا أعاد يده بفور ذلك وبالقرب، فقال ابن حبيب: إن أعاد يده بالفور أكلت؛ وقال سحنون: لا تؤكل؛ وقيل: إن رفعها لمكان الاختبار هل تمت الذكاة أم لا فأعادها على الفور، إن تبين له أنها لم تتم أكلت". (4)
(1) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، للأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني: 2/ 334
(2)
مغني المحتاج: 4/ 275 وما بعدها، رد المحتار: 5/ 207 وما يليها
(3)
تحرير الوسيلة، للإمام الخميني: 2/ 130
(4)
بداية المجتهد: 2/ 468 بتحقيق الحلاق؛ وانظر أيضاً: المقدمات الممهدات لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي: 1/ 429- 430، بتحقيق محمد حجي.
4-
الشرط الرابع: أداة التذكية:
أداة التذكية إما أن تكون آلة جارحة محددة (السلاح)، وإما أن تكون جارحة حيوانية؛ فالسلاح: كل ما كان حادا يقطع ويفري بحده لا بثقله، كالسيف والسكين والشفرة وما شابه ذلك، إلا ما كان سنا أو ظفرا. وأما الجارحة الحيوانية فهي مثل الكلاب والصقور وكل ما قَبِل التعليمَ من سباع الطير والبهائم.
وفي السلاح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) (1)
وروى الإمام أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا رميت فسميت فخزقت فكل، وإن لم تخزق فلا تأكل، ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيته، ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت)) (2)
وفي الآلة الحيوانية، يقول الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] ويستدل من هذه النصوص أن الشرع قد افترض استعمال آلة تتحقق بها الذكاة.
(1) متفق عليه
(2)
أخرجه الإمام أحمد في المسند: 4/ 380
وقد فصلت المذاهب في الشروط التي يجب أن تتوافر في آلة التذكية:
1-
فاشتراط المالكية أن تكون الآلة حادة مثل السيف والسهم، وكذا كل ما من طبعه القطع وما شابهه، سوى السن والظفر والعظم، ولا تجوز التذكية بالحجر والمعراض، وما شابه ذلك، إلا أن يكون له حد ويتقن إصابته (1)
2-
واشترط الأحناف أن يكون من طبع الآلة الجرح المؤثر في إراقة الدم، وأنه لا يحل ما قتل صدمًا أو جثمًا أو خنقًا، وذلك لفقدان الحرج. فالذبح جائز بكل ما من طبعه فري الأوداج وإنهار الدم، كالسكين والسيف، ما عدا السن القائمة والظفر، فإن كان منفصلاً جاز مع الكراهية (2)
3-
واشترط الشافعية أن يكون في طبع الآلة القطع الحاد، سواء في ذلك المعادن كلها من حديد ونحاس أو ذهب أو فضة أو رصاص أو خشب أو قصب أو حجر أو زجاج، وسواء في ذلك الذكاة الاختيارية أو الاضطرارية، باستثناء السن والظفر والعظم، وأما إذا لم تكن الآلة حادة كالمُثَقَّلِ والمعراض والبندقة والسوط وما ماثلها، فما مات بها فهو ميتة، لا يحل أكلها (3) .
4-
وذهب الحنابلة إلى ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة في صفات الآلة الجارحة، واستثنوا كذلك السن والظفر، وأن ما قتلته البندقة ذات طبع الوقذ حرام، وليس من طبعها القطع والخرق (4)
5-
وقد جوز ابن حزم الذبح بكل ما يقطع كقطع السكين أو ما ينفذ نفاذ الرمح، سواء كان من العود المحدد، أو الحجر المحدد، أو القصب الحاد، وكل شيء، ولم يستثن إلا آلة أخذت بغير حق، والسن والظفر أو ما عمل منهما، وأما العظام فقد استثنى عظم الإنسان والخنزير والحمار الأهلي والسبع من الحيوانات والجوارح من الطيور، فإذا ذبح بشيء من ذلك لا يكون حلالا بل اعتبره ميتة حرام الأكل، أما سائر العظام فقد جوز الذبح بها حتى ولو كانت عظاما لميتة غير ما ذكر (5)
(1) القوانين، ص 153
(2)
الاختيار لتعليل المختار: 5/ 5
(3)
مغني المحتاج: 274/4
(4)
المغني، لابن قدامة: 13/ 282-283 بتحقيق التركي والحلو.
(5)
المحلى، لابن حزم: مسألة 1051: 7/ 450، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت، بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.
5-
الشرط الخامس: الحيوان المذكى (الذبيح) :
ليس كل حيوان يذكى الذكاة المطلوبة يجوز أكله، بل من الحيوانات أصناف كثيرة لا تحللها الذكاة، وإن حللها وجوزها الاضطرار، وفيما يلي خلاصة عما يجوز أكله من الحيوانات، وما يحرم منها (1)
ا- الحيوانات التي يحرم أكلها:
أ- ما لا خلاف في تحريمه:
(1)
الخنزير (2)
(2)
الميتة (3) وهو الحيوان الذي مات حتف أنفه من غير ذكاة، ويعتبر في حكم الميتة ما قطع من البهيمة قبل ذبحها، أو بعد ذبحها قبل أن تستقر (4)
(1) انظر أحكام الذبح والذبائح: مؤتمر رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية واللجان المنبثقة عن المؤتمر، ص 11- 15، منشورات منظمة الصحة العالمية.
(2)
بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(3)
بدليل قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(4)
بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) ، رواه أبو داود والترمذي.
(3)
الدم المسفوح (1) : وهو الدم المراق من الحيوان نتيجة ذبحه.
(4)
ما أهل لغير الله به (2) : وهو الحيوان الذي ذبح وذكر عليه اسم غير اسم الله تبارك وتعالى، كأسماء الأصنام والطواغيت.
(5)
المنخنقة (3) : وهي البهيمة التي تموت بالخنق بفعلها أو بفعل غيرها.
(6)
الموقوذة (4) :وهي البهيمة التي تموت نتيجة الضرب أو بحديدة أو رصاص أو حجر أو غير ذلك مما يقتل بثقله (ما عدا الصيد الذي يضرب بسهم أو رصاصة أو نحوهما بنية الصيد) .
(1) بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(2)
بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(3)
بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(4)
بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(7)
المتردية (1) : وهو الحيوان الذي يسقط من مكان عال أو يقع في حفرة أو نحوهما فيموت.
(8)
النطيحة (2) : وهي الحيوان الذي يموت بسبب النطح.
(9)
ما أكل السبع (3) : وهي الحيوان الذي افترسه سبع أو طير جارح (غير الصيد) .
(1) بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(2)
بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(3)
بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(10)
ما ذبح على النصب (1) : أو تقرب به لغير الله عز وجل.
(11)
ذبائح المشركين واللادينيين والعلمانيين والملحدين والمجوس والمرتدين وسائر الكفار من غير الكتابيين (2)
(12)
ما تحقق فيه الضرر لآكله (3)
وتحريم أكل اللحم في كل ما تقدم يشمل أجزاء الحيوان ومشتقاته،
بما في ذلك الدهن والشحم والعظم.
(1) بدليل قوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(2)
بدليل قوله عليه السلام:"إنكم إذا نزلتم بفارس من النبط، فإذا اشتريتم لحما فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوه، وإن كان من ذبيح مجوس فلا تأكلوه ". رواه الإمام أحمد.
(3)
بدليل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] وقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار) رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
ب- ما ذهب الجمهور إلى تحريمه:
(1)
البغال والحمر الأهلية (1)
(2)
الحيوانات المفترسة، وهي كل ذي ناب من السباع (2) كالأسد والنمر والذئب والثعلب والفهد والدب والكلب والهر: محرمة عند الجمهور وأكلها مكروه عند الإمام مالك (3)
(3)
الطيور الجارحة وهي كل ذي مخلب من الطير (4) كالصقر والبازي والنسر والعقاب والباشق والشاهين وأمثالها: محرمة عند الجمهور وأباحها الإمام مالك (5)
(4)
الهوام كالفأر والخنافس (6) : محرمة عند الجمهور، وكرهها الإمام مالك والإمام الأوزاعي (7)
(5)
الفيل: محرم عند الجمهور وأباحه بعض الفقهاء.
(1) بدليل ما روي عن أن بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر مناديا فنادى:(إن الله ورسوله يَنْهَيَانِكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) . فأكفؤوا القدور، وإنها لتفور باللحم، رواه البخاري، وحديث جابر:(ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) رواه مسلم.
(2)
بدليل قوله عليه السلام: (كل ذي ناب من السباع حرام) ، رواه مسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام:(نهى عن أكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب من الطير) . رواه مسلم.
(3)
بدليل أنها لم تذكر في الآية الكريمة. {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
(4)
بدليل قوله عليه السلام: (كل ذي ناب من السباع حرام) رواه مسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام:(نهى عن أكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب من الطير) رواه مسلم.
(5)
بدليل أنها لم تذكر في الآية الكريمة: {قُلْ لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
(6)
بدليل قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157]
(7)
بدليل أنها لم تذكر في الآية الكريمة: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
2-
الحيوانات التي يحل أكلها:
أ- ما لا خلاف في إباحته:
(1)
الشاء (الغنم والماعز) والجمال والبقر والجاموس (1) ،وسائر الحيوانات البرية غير المفترسة، سواء كانت مدجنة كالغزلان والبقر الوحشي، أم غير مدجنة كالقنفذ والخلد، والدواجن من الطيور كالحمام والدجاج والديك الرومي والبط، وسائر الطيور غير الجارحة كالعصافير
…
إذا ذكيت ذكاة شرعية بذبح أو نحر أو عقر ،أو صيدت.
(2)
السمك والجراد (2)
(3)
ما ذكي من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إذا أدرك وفيه حياة فذبح قبل موته (3)
(4)
ما اضطر المسلم إلى أكله خشية الموت جوعا، فيأكل بقدر الضرورة (4)
(5)
جميع ما في الذبيحة يحل أكله، ويجوز أكل الجنين إذا تبين أنه لحم (5) ، أما إذا خرج حيا فيجب أن يذكى.
(6)
ذبائح الكتابيين أي اليهود والنصارى (6) ، ما لم تكن محرمة لعينها (كالخنزير) أو وصفها (كالميتة) أو لقصور في تذكيتها الشرعية (لأنها في حكم الميتة) .
(1) بدليل قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ا]
(2)
بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال ". رواه أحمد وابن ماجه.
(3)
بدليل قوله تعالى: {إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]
(4)
بدليل قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3]، وقوله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]
(5)
بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) رواه الحاكم.
(6)
بدليل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 3]
ب- ما ذهب الجمهور إلى إباحته:
(1)
جميع حيوانات الماء (1) : أباحه الجمهور، وحرم الحنفية ما سوى السمك والسمك الطافي، وحرم الحنابلة كلب البحر وخنزير البحر.
(2)
الضب (2) .
(3)
الخيل: أباحها الجمهور، وكره ذلك الإمام أبو حنيفة وبعض المالكية (3) .
(4)
الأرنب: أباحها الجمهور (4) ، وكرهها الحنفية.
(5)
الضبع (5)
(6)
الحيوانات البرمائية كالتمساح والضفدع والسلحفاة وكلب البحر والسرطان والقندس وأمثالها ،بعضهم حرمها وبعضهم أباحها.
والمسلم مخير في أتباعه أيا من العلماء، وخاصة إذا أخذ الحكم بدليله.
6-
الشرط السادس: توجيه الذبيحة للقبلة:
يرى الإباضية وجوب توجيه الذبيحة للقبلة، ويراه الجمهور سنة مستحبة وليست واجبة، ولذلك لم تشترط، وإنما تستحب إذا أمكن ذلك، وكره الحنابلة توجيه الذبيحة إلى غير القبلة (6) .
(1) بدليل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]، وقوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل عن البحر:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته) . وقوله عليه السلام: (أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد) .
(2)
بدليل أكل خالد بن الوليد له أمام النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة إلا الترمذي.
(3)
بدليل حديث جابر: (ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحميرة فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) رواه مسلم.
(4)
بدليل حديث أنس بن مالك أنه صاد أرنبًا فأتى بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها؛ قال: فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها. رواه مسلم.
(5)
بدليل حديث جابر حينما سئل عن أكل الضبع "قال: نعم، قال (الراوي) : أصيد هي؟ قال: نعم. قال: أسمعت ذلك من نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ".
(6)
المقنع: 3/ 542، وانظر: الإنصاف للمرداوي الحنبلي: 10/ 404
3-
طرائق الذبح (كيفية الذبح) :
1-
التذكية الشرعية: موضوع الذبائح من الأمور التعبدية في الشريعة الإسلامية، وهي مما يتقرب به الإنسان المسلم إلى الله تعالى كما هو الحال بإراقة الدماء في الأضحية والهدي، ويُنال الثواب بإطعام الفقراء والجيران والأهل من ذبيحته.
والأصل في الذبح عند المسلمين أن يكون بدون تدويخ للحيوان؛
لأن المسلمين يرون أن طريقة الذبح الإسلامية هي الأمثل رحمة بالحيوان وإحسانا لذِبحته وتقليلا من معاناته. وقد أشرنا فيما سبق إلى رأي المذاهب الإسلامية في الأساليب والشروط التي يجب توافرها في تحقيق هذه التذكية (1)
2-
ذبح الحيوان بعد التدويخ:
تقضي القوانين الغربية بأن إزهاق روح الحيوان يمكن أن يتم بأية طريقة إرادية، تؤدي إلى موت الحيوان الأهلي أو الزراعي بغية الاستهلاك الغذائي، وتشترط هذه القوانين أن لا يلجأ إلى ذبح أي من الحيوانات الفقارية إلا من قبل شخص مؤهل تتحقق فيه الخبرة الكافية بأصول الذبح حسب الطريقة المستعملة، والتي من شأنها أن تقلل ما أمكن من ألم الحيوان. وبصورة عامة لا تجيز القوانين الغربية ذبح الحيوانات إلا بعد تخديرها أو تدويخها بطريقة يقبلها القانون، ووفقا لظروف الذبح ونوع الحيوان، ويستثني كثير من التشريعات الغربية الحالات الاضطرارية القصوى التي تجيز الذبح بدون تدويخ، وخاصة بالنسبة لبعض الطوائف الدينية كاليهود بصورة عامة، والمسلمين في عدد محدود جدا من البلدان الغربية، أو حالات الذبح التي يتطلبها تصدير اللحوم إلى بعض الدول الإسلامية.
(1) انظر: حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام، للدكتور الخياط، ص 28
وقد أجاز بعض الدول الغربية التي اعترفت بالإسلام أن يذبح المسلمون على طريقتهم الشرعية في المجازر المرخصة، وبدون تدويخ مسبق، وتحت إشراف الرقابة الصحية اللازمة.
لا تجيز القوانين الغربية تسويق لحوم الحيوانات الميتة، ولكنها لا تشترط بوضوح في طرق التدويخ أن لا تؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح. وسنستعرض فيما يلي أشهر الطرق الحديثة المتبعة في تثبيت الحيوانات المختلفة وتدويخها وذبحها أو (قتلها) :
أولا) تثببت الحيوان أثناء التدويخ والذبح:
يستعمل لحجز الماشية نموذجان مشهوران من الصناديق الخاصة هما:
(1)
الصندوق الدوار من نموذج واينبرغ Weinberg:
وهو يتكون من جدار أمامي ينتصب إلى حوالي نصف ارتفاع الحيوان، ويشتمل على حاصرة تحجز رأس الحيوان وتشده نحو الأمام والأعلى، ومن باب خلفي يدفع الحيوان نحو الأمام، ومن جدارين جانبيين يقومان بحصر الحيوان من خاصرتيه. ويرتبط بالصندوق سكتان معدنيتان دائريتان تسمحان بدوران الصندوق (180) درجة وفقا لمحور أفقي لتسهيل عملية الذبح.
(2)
الصندوق الثابت من نموذج سينسيناتي Cincinatti:
يتكون الصندوق من جدار أمامي يصل إلى نصف ارتفاع الحيوان، ومن حاصرة للرأس، ومن باب خلفي يدفع الحيوان نحو الأمام، ومن جدارين جانبيين أحدهما ثابت والثاني متحرك، ومن لوح بطني يسند الحيوان ويحميه من السقوط.
أما الحيوانات الصغيرة كالخراف والماعز فيتم تدويخها مباشرة دون حاجة إلى تثبيتها.
ثانيا) التدويخ:
هناك (5) طرق رئيسية مستعملة:
(1)
تخريب المادة البصلية النخاعية Bulbomedullaire وذلك بإحداث ثقب في جوف الجمجمة بواسطة مسدس واقذ مزود بساق مصادمة تنتهي برأس إبري أو برأس نصف كروي.
(2)
التدويخ بالصدمة الكهربائية: Electronarcose.
(3)
التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون co2.
(4)
التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة.
(5)
الخنق بالطريقة الإنكليزية.
(1)
التدويخ بالمسدس ذي الواقذة الإبرية:
يتألف المسدس من كتلة معدنية تسمح بوضع متفجر ناري يدفع ساقا تصادمية مرتدة تنتهي برأس إبرية، وتؤدي الطلقة إلى أن تقوم الساق بإحداث ثقب نافذ إلى دماغ الحيوان، يؤدي إلى فقدان الوعي بشكل فوري نتيجة لتخريب جزء من البنية الحية من الدماغ، كما يؤدي إلى زيادة عنيفة مفاجئة في الضغط. ويختلف مكان وضع المسدس باختلاف الحيوان وعمره:
أ) ففي الماشية يغرز الساق في وسط الجزء الجبهي، ويكون بوضع أخفض في العجول، لأن القسم العلوي من الدماغ فيها قليل النمو.
هذا وإن توجيه رأس المسدس في العجول نحو الرقبة (القذال) يؤدي إلى شلل فوري، إلا أن فقدان الوعي لا يحدث إلا بعد مرور (20) ثانية من تحرير الطلقة.
ب) وفي صغار المجترات يتم تصويب الطلقة في القسم العلوي من الرأس باتجاه زاوية الفك.
ج) وفي ذوات القرون من الخراف والماعز، يوضع المسدس مباشرة خلف الخط الواصل بين القرنين وتصوب الطلقة باتجاه الفم.
د) أما في الخيل فيتم إحداث الصدمة فوق نقطة تقاطع الخطوط الواصلة بين العين من طرف، والأذن في الطرف الآخر.
(2)
التدويخ بالمسدس ذي الواقذة الكروية: نموذج شيرمر (Schermer)
يشبه هذا المسدس الشكل السابق، ويختلف عنه بأن رأسه التصادمية تتكون من ساق منتهية بكتلة نصف كروية أو تشبه الفطر، لا يؤدي استخدام هذا المسدس إلى ثقب جمجمة الحيوان، بل يحدث انهداما في العظم الجبهي يفضي إلى فقدان الوعي.
(3)
التدويخ بالصدمة الكهربائية:
تستخدم هذه الطريقة لتدويخ صغار العجول والشاء (الخراف والماعز) والأرانب والدواجن، ولهذه الغاية تستخدم آلة تشبه الملقط متصلة بمأخذ كهربائي، يثبت طرفا الملقط على صدغي الحيوان، ويمرر تيار كهربائي ذي شدة معينة وفولطاج محدد ولمدة ثابتة، وتختلف جميعها باختلاف الحيوان.
يحدث فقدان الوعي مباشرة نتيجة إلى اللاتقاطب الكبير في العصبونات Neurons الدماغية، وهو يسبق عادة حدوث طور من التقلص العضلي المزمن chronique الذي يلاحظ قبل المرحلة النهائية من الارتخاء Relaxation.
أ) هذا والأمثل في الحيوانات الكبيرة أن تطبق المساري الكهربائية
على جانبي رأس الحيوانات بين الحجاج Orbite وقاعدة الأذن، وذلك باستخدام تجهيزات خاصة تسمح بتعديل شدة التيار الكهربائي وكمونه الذي قد يصل إلى (1000) فولط.
ب) وفي حالة الخرفان لا يكون التدويخ كافيا إذا كان جلد الحيوان مغطى بالصوف في موضع التماس مع المساري الكهربائية، ولتجنب ذلك تستخدم مساري كهربائية ذات نهاية إبرية تسمح باختراق الصوف نحو الجلد مباشرة.
ج) ومنذ نهاية الثمانينيات تستخدم المجازر النيوزلندية الصدمة الكهربائية لتدويخ الماشية، وذلك باستعمال تيار كهربائي شدته (2.5) أمبير يؤدي إلى توقف القلب، وقد أدى هذا إلى مشاهدة مظاهر حبرية Petichial وكسور عظمية في جسم الذبيحة؛ مما يقلل من قيمة نوعية اللحم.
هذا وإذا لم يحدث توقف القلب، فيمكن للحيوانات أن تستعيد وعيها خلال بضعة عشر ثانية؛ وحينئذ لا تضمن هذه الطريقة الشروط المطلوبة لإراحة الحيوان عند الذبح.
د) ويتم تدويخ الدجاج آليا بالصدمة الكهربائية، بحيث يعلق الدجاج من رجليه على سلكين معدنيين ويغطس الرأس المدلى في مجرى مائي يتصل بمسرى كهربائي.
يمر التيار في جسم الحيوان من الرأس إلى القدمين، ونظرا لسماكة الجلد في القدمين المتقرنين، يلجأ إلى إنقاص المقاومة الكهربائية برش الكلاليب التي تعلق بها الأقدام بالماء. يطبق مرور التيار لمدة لا تقل عن (4) ثوان. وتؤدي شدة التيار المستعمل إلى توقف القلب في (90 %) من الحالات دون أن يؤثر ذلك بشكل ملحوظ على نزيف الدم بعد الذبح بقطع الرأس بسكين دوارة، بيد أنه لوحظ أن زمن النزف أطول من الوقت المعتاد بدون تدويخ.
إن استعمال تيار كهربائي شدته (7.5) ميلي أمبير يعتبر كافيا لإحداث التدويخ، بيد أن هناك محذورا فعليا قد يؤدي إلى عودة الوعي إلى الحيوانات قبل أو أثناء الذبح. ويتردد الخبراء المهنيون كثيرا في استعمال تيار كهربائي عالي الشدة لما يلاحظونه من زيادة كبيرة في النزف العضلي والكسور العظمية المرافقة نتيجة لتقلص العضلات التشنجي بسبب التيار الكهربائي، وهذا ما يؤدي إلى تعارض المصلحة بين إراحة الحيوان ونوعية اللحم الناتج.
أما الدواجن كبيرة الحجم كالأوز والبط والديك الرومي وما شابه ذلك، فيتم ذبحها عادة يدويا وبدون تدويخ، نظرا لضآلة الإنتاج بالمقارنة مع الدجاج، ولثقل وزنها ولعدم تلاؤم وزنها وحجمها مع التقنية الآلية المتبعة في ذبح الدجاج.
(4)
التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة:
طريقة بدائية قديمة تتبع لتدويخ الحيوانات الكبيرة كالماشية والخيول، وذلك بضرب العظم الجبهي للحيوان بمطرقة ضخمة تحدث ألما شديدا للحيوان وتفقده الوعي وينهار الحيوان مباشرة، ثم يتم ذبحه باليد، وقد تخلت المجازر الحديثة عن هذه الطريقة البدائية، واستبدلت بها طريقة التدويخ بالمسدس الواقذ، في حين لا يزال يلجأ بعض الأفراد في القرى أو في المزارع إلى التدويخ بالمطرقة، وذلك لاستهلاك اللحم محليا.
(5)
التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون:
أكثر ما تستخدم هذه الطريقة في تدويخ الخنازير، وقد يلجأ إليها أحيانا لتدويخ الشاء والماشية.
يحبس الحيوان في بيئة هوائية تحتوي على (70 %) من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويبقى الحيوان محتفظا بوعيه خلال (20) ثانية ثم يحدث فقدان الوعي مباشرة، ويتبعه منعكسات حركية تستمر لمدة (10) ثوان. ولا يعتبر الخبراء ذلك نتيجة لمحاولة الحيوان في الفرار؛ نظرا لأن هذه الظاهرة تشاهد في المخطط الكهربائي الدماغي للحيوان بعد تخدير عميق.
تعقب المنعكسات الحركية حالة ارتخاء عضلي حينما يصبح الحيوان في حالة تخدير عميق تستمر عادة من (2- 3) دقائق، ولا يؤدي هذا إلى توقف القلب إلا في حالات نادرة.
هذا وإن زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء تؤدي إلى تسريع عملية التدويخ، وهو ما يرغبه المهنيون.
ويظن بعض العلماء البيطريين استنادا إلى قياس تركيز (الكاتشولامين catecholamine) في البلاسما، ولسلوك الحيوان الظاهري، بأنه لا يشعر بالألم ولا بالضيق أثناء عملية التخدير بالغاز، بيد أن هذا لا يتفق مع رأي كثير من العلماء الآخرين الذين يعتقدون بأن الحيوان يتعرض لحالة ضيق تنفسي شديد أثناء التخدير، وقد تأيد ذلك من خلال تجارب أجريت على متطوعين من البشر كانوا قد شعروا بالضيق التنفسي عندما تجاوزت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء (40 %) .
ويرى بعض الخبراء أن التخدير بالغاز يضمن إراحة الحيوان إذا كانت الطريقة سليمة الأداء، وإلا فالطريقة تؤدي إلى محاذير كبيرة إذا لم تتم حسب الأصول.
هناك دراسات حديثة تجري لمحاولة تطبيق هذه الطريقة على الدواجن، حيث يتم تدويخها في الأقفاص عند استقدامها إلى المجزرة، ويرون في هذه الطريقة أنها تجنب حالات التوتر التي تصيب الحيوانات عند إخراجها من الأقفاص وتعليقها في الكلاليب وطرح رأسها إلى الأسفل. ويبدو أن النتائج كانت مشجعة من حيث إراحة الحيوان ونوعية اللحم.
6-
الخنق بالطريقة الإنكليزية:
تعتمد على خرق جدار الصدر بين الضلعين الرابع والخامس، ومن خلال هذا الخرق ينفخ بمنفاخ (أو كير) فيختنق الحيوان نتيجة لضغط هواء المنفاخ على رئتي الحيوان، وهذا الاختناق يحول دون نزيف الدم وإنهاره.
ولا نرى حاجة لبيان الحكم الشرعي لهذه الطريقة التي تؤدي لموت الحيوان بالاختناق، والمنخنقة محرم أكلها بالنص القرآني.
ثالثا) الذبح:
يتم الذبح بأنهار الدم؛ حيث ينزف منه حوالي (50 %) ، وفي حالات توقف القلب تنقص كمية الدم النازف كثيرا، خاصة في الخراف والماشية، وينحبس الدم المتبقي عادة في الأحشاء.
يجري الذبح عادة في المجازر الأوروبية بقطع الجانب البطني من العنق بجرح ينفذ حتى الفقرات.
وقد نشاهد أسلوبا آخر يتم بإحداث قطع في جانب العنق بحيث تفري السكين الأوعية الدموية والعمود الفقاري والرغامى والمريء.
وهناك أسلوب ثالث يجري بقطع الرقبة وخلع الموصل الفَقْهِي القذالي Jonction atlanto- Occipal. (القذال: مؤخر الرأس والفقهة: فقرة العنق الأولى) .
معاملة الحيوانات قبل الذبح وبعد الذبح:
حرص الإسلام على الرحمة والرفق بالحيوان، ودعا إلى الإحسان في الذبح ومعاملة الحيوان معاملة إنسانية بعيدة عن القسوة والألم والتعذيب امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) (1) وذلك بإتباع ما يلي (2) :
(1)
إحسان الذبح في البهائم والترفق بها، ولذلك ينهى الإسلام عن إخافتها وذلك بعدم حدِّ الشفرة أمامها، أو ذبحها أمام بعضها البعض، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن حد الشفرة أمام الشاة:((أتريد أن تميتها ميتتين؟!! هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)) . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه ". (3)
(2)
عدم القسوة في معاملتها؛ كجرها من موضع إلى آخر برفق، روى ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى رجلا يسوق شاة ليذبحها سوقا عنيفا، فضربه بالدرة ثم قال له:"سقها إلى الموت سوقا جميلا لا أم لك "(4)
(3)
عدم القسوة في الضغط عليها وإيلامها، فقد روي عن عمررضي الله عنه أنه رأى رجلا أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة، فضربه بالدرة فهرب الرجل، وشردت الشاة (5) .
(4)
عدم قطع أي جزء منها قبل موتها، فالقطع تعذيب وحرام،ولا يجوز أكل ما يقطع منها قبل ذبحها، كما لا يجوزقطع أي شيء منها قبل أن تستقر- أي يتأكد من موتها- امتثالا لقول الله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] ، فلم يبح الله أكل شيء منها قبل وجوب الجنب، وهو الموت (6) . ويدخل في باب التعذيب جمع الأغنام معا وذبحها بالدَوْر وهي تشاهد الذبح.
(5)
ومعاملة الحيوان بعد ذبحه ينبغي أن تكون برفق، فلا يكسر عنقه، ولا يقوم بسلخه أو قطع أي عضو منه حتى يبرد، فإذا فعل ذلك أساء وأكلت الذبيحة (7) . ويرى ابن حزم عدم حل أكل ما قطع من البهيمة قبل أن تموت وتبرد، لقول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:"أقروا الأنفس حتى تزهق ". ويرى الإباضية عدم جواز أكل الذبيحة إذا سلخت قبل أن تبرد (8) .
(1) أخرجه مسلم، في باب الأمر بإحسان الذبح؛ وأبو داود في باب النهي أن تصبر البهائم؛ والترمذي في باب ما جاء في النهي عن المثلة؛ والنسائي في باب الأمر بإحداد الشفرة؛ وابن ماجه في باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة.
(2)
حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام، للأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط، ص 32
(3)
الفروع من الكافي للكليني: 6/ 235
(4)
بدائع الصنائع: 6/ 2811
(5)
بدائع الصنائع: 6/ 2811
(6)
المحلى، لابن حزم: 7/ 449
(7)
كتاب المقنع: 3/ 542؛ والمحلى لابن حزم: 7/ 457
(8)
كتاب النيل وشفاء العليل: 4/ 465
دراسات عملية حول إراحة الحيوان (1) :
" يمكن أن ننظر إلى إراحة الحيوان بصورة موضوعية من خلال (3) علامات رئيسية هي: الألم Souffrance والكرب stress والوعي Conscience. ولا شك أن هذه العلامات متشابكة جدا ووثيقة الارتباط ببعضها البعض، فالألم يسبب الكرب ويتطلب الإحساس به، والكرب قد يحدث نتيجة لأسباب عديدة أحدها الإحساس بالألم، ومع فقدان الوعي يزول الكرب والإحساس بالألم.
(1)
الألم: Souffrance
غياب الألم هو العنصر الرئيسي في إراحة الحيوان، ولذا كان من الضروري إنقاص الإحساس بالألم إلى حده الأدنى عند الذبح، ويعتبر هذا من الناحية العلمية من أصعب الأمور التي يمكن ملاحظتها عيانا. ولهذا ليس بالإمكان الاعتماد إلا على بعض المعايير الذاتية (الشخصية Subjectif) لمعرفة ما إذا كان الحيوان يتألم أم لا؟ وعلاوة على ذلك لا يمكن قياس درجة الإحساس بالألم بصورة كمية، وفي الواقع تختلف التفاعلات المشاهدة من فرد إلى آخر، كما أنها قد تختلف في الفرد نفسه بتأثير منبه معين من يوم إلى آخر، ومن الصعب أيضا التفريق بين مظاهر الألم ومظاهر الكرب؛ فالحيوان قد يصرخ وقد يتخبط بتأثير الخوف فقط، أجريت بعض الدراسات العملية لمراقبة إحساس الحيوان بالألم عند الذبح، ولهذا الغرض وضعت أبقار بهدوء في قفص (سينسيناتي) وتم إحكام الحاصرة بصورة تسمح للحيوان أن يسحب رأسه كيفما شاء، وجرى ذبح الحيوان بدون تدويخ مسبق، وبإمرار السكين بحركة واحدة مستمرة. ولم يلاحظ أن أحدا من الحيوانات المذبوحة قد حاول أن يسحب رأسه، وشوهدت فقط علامات ارتجاف خفيفة لدي تماس السكين مع جلد الحيوان. وإذا لمسنا أو صدمنا أطراف الجرح بالسكين، أو انغلق الجرح على السكين، يلاحظ أن الحيوان يبدأ بالتخبط.
وإذا كان رأس الحيوان مشدودا تماما، وتم الذبح بحركة واحدة وسريعة، فإن أغلب الحيوانات ينهار مباشرة، وبقية الحيوانات تنظر فيما حولها وكأن شيئا لم يحدث أبدا، وهذا يدعو إلى الظن بأنها لم تستوعب ما حدث.
(1) دراسة مقتبسة من رسالة جامعية لنيل شهادة الدكتوراة من إعداد: (آن كاترين فيرمو)، وهي بعنوان: الذبح الشرعي (الديني) : الحلال والشيخيتا (عام 1994/ 1995) : Les A b attages rituels: Halal et shechita (anne- catherine vermaut 1994- 1995)
(2)
الكرب: Stress
من الواضح أن الحيوانات تصاب بالكرب الشديد في المجازر، وقبل القيام بأي نوع من التدويخ أو الذبح، وقد يتولد هذا أثناء عمليات نقل الحيوانات التي تجد نفسها مع حيوانات غريبة عنها وفي بيئة لا تعرفها مسبقا.
وللتقليل من خوف الحيوان هناك بعضر المبادئ السلوكية التي يحسن مراعاتها، وتأخذ جدارة العاملين أهمية كبيرة في هذه المرحلة، وعلى العامل أن يبقى بعيدا عن منطقة حركة الحيوانات لتجنب حالات الهلع ومحاولة الهروب.
وتؤثر تسلية الحيوانات كثيرا على تهيجها وإثارتها؛ فالظل ووضع العاملين في مقدمة الحيوانات وعدم توجيه النور الساطع إلى العيون مباشرة، وتخفيف الضجيج، وإخماد أصوات المحركات وصفير الهواء وقرقعة الصفائح المعدنية والصراخ، والتهوية المناسبة التي لا تحمل معها رائحة الحيوانات المذبوحة، كل ذلك يؤثر إيجابيا على راحة الحيوان وعدم إصابته بالكرب.
وللدم أثر ملحوظ على الحيوانات، فإذا كان مصدر الدم من حيوان هادئ، فالملاحظ أنه لا يسبب أي خوف، بل قد يقوم بعض الحيوانات بلعق هذا النوع من الدم.
وبالعكس، إذا كانت هناك آثار من دم حيوان مكروب يتخبط، فالملاحظ أن الحيوانات الأخرى ترفض الدخول إلى صندوق التثبيت. ولقد تأكدت هذه الظاهرة أيضا بالنسبة لتأثير لعاب الحيوان الذبيح على الحيوانات الأخرى.
وتدخل الحيوانات بسهولة إذا ما تم غسل الصندوق بعناية، مما يشير إلى أن هناك مادة ذات رائحة خاصة تسبب هلع الحيوان.
ولقد أعيدت هذه التجارب على الجرذ، وتأكدت جميع المشاهدات السابقة.
ويعتقد بعض الباحثين أن هذه المادة التي توجد في اللعاب والدم هي الكورتيزول Cortisol أو مادة أخرى يتم إفرازها مع الكورتيزول، ولا شك أن عملية إفراز الكورتيزول في البدن تتطلب بعض الوقت، ولهذا إذا قمنا بتهييج الكرب في حيوان بتأثير بيل كهربائي شديد النور في غرفة محصورة، فالحيوان التالي مباشرة يدخل الغرفة بسهولة ويبقى هادئا، ولكن إذا بقي الحيوان الأول محصورا فترة من الزمن في الغرفة، فالحيوانات الأخرى ترفض الدخول إلى المكان خلال عدة ساعات.
وللكرب أهمية كبرى عندما يحصر الحيوان في الصندوق، فلقد أجرى الباحث C.S. Dunn دراسة قارن فيها كرب الماشية المذبوحة بالطريقة الإسلامية باستخدام صندوق سينسيناتي وصندوق واينبرغ الدوار، واعتمد في ملاحظاته على المظاهر السلوكية والفيزيولوجية للحيوان، وقام بمعايرة كل من الكورتيزول والهيماتوكريت Hematocrite في نماذج من الدم المأخوذ أثناء الذبح.
لاحظ Dunn أن الوقت الذي يقضيه الحيوان في صندوق واينبرغ وسطيا هو أطول بـ (10) مرات من الوقت الذي يقضيه في صندوق سينسيناتي قبل إمرار السكين على رقبة الحيوان. ولوحظ أن كثيرا من الحيوانات يتخبط طويلا، وتبدأ حركات التخبط مع بدء دوران الصندوق.
ومقدار الهيماتوكريت الذي يعكس حالة الجملة العصبية الودية يكون مرتفعا في الأبقار المحصورة في صندوق واينبرغ، كما لوحظ أنه أكثر ارتفاعا في الأبقار المدوخة بالمسدس الواقذ الإبري (الذي يثقب الجمجمة) ، منه في الأبقار المدوخة في صندوق سينسيناتي.
وتأكد أن التدويخ بالمسدس الواقذ الإبري أو بالتيار الكهربائي يؤدي إلى إفراغ كمية هائلة من الأدرنالين Adrenaline، ومع ذلك فإن التدويخ بجميع هذه الأساليب يؤدي إلى فقدان الوعي مباشرة، وليس هناك وقت كاف يسمح للحيوان بأن يصاب بالكرب، ولقد لوحظ أيضا بأن عيار الكورتيزول في الحيوانات المحصورة في صندوق واينبرغ أعلى منه في الحيوانات المحصورة في صندوق سينسيناتي، كما شوهدت مظاهر لهاث شديدة في كل من الحيوانات المحصورة في صندوق واينبرغ أو سينسيناتي على حد سواء، وفي الحالتين يتم ضغط أحشاء الحيوان (من جراء الدوران في صندوق واينبرغ، ومن جراء ضغط اللوح البطني في صندوق سينسيناتي) ، مما يؤدي إلى زيادة الضغط في داخل الصدر Pression intrathoracique.
ويبدو من كل هذا بأن حالات الكرب باستعمال الصندوق الدوار هي أكثر شدة نظرًا للدوران الكلي غير الفيزيولوجي للحيوان ولطول فترة المكث التي يقضيها الحيوان في الصندوق.
(3)
الوعي: Conscience
إن فقدان الوعي هو العلامة المهمة جدا في إراحة الحيوان أثناء الذبح، لأنه يضمن عدم الإحساس بالألم وإزالة مظاهر الكرب، ولهذا يجب الوصول إلى هذه المرحلة في أسرع وأقصر وقت ممكن.
إن استخدام المسدس الواقذ الإبري (الثاقب) يؤدي إلى فقدان الوعي آنيًا وبصورة غير معكوسة Irreversible.
أما المسدس الواقذ الكروي والصدمة الكهربائية فهما يسببان فقدان الوعي بصورة وقتية محدودة ومعكوسة، ويستدعي هذا أن يتم ذبح الحيوان بسرعة بعد التدويخ حتى لا تتحول حالة اللاشعور الناتجة عن عوز الأوكسجين Anoxie إلى طريق استعادة الوعي والإحساس بالألم.
هذا ولقد اعتمد في الدراسات المختلفة في مراقبة الوعي على قياسات الاستجابات البصرية وعلى قياس مخططات قشرة الدماغ:
ا) قياس الاستجابات البصرية الإيحائية: Reponses visuelles evoquees
يقاس النشاط الكهربائي لسطوح الدماغ البصرية بغرز مساري كهربائية في القشرة، ويتم التحريض بواسطة ومضة ضوئية flash موجهة إلى عيني الحيوان.
إن غياب الاستجابة الإيحائية في الدماغ يعتبر دليلًا قاطعًا على انعدام الوعي في الحيوان، ومع ذلك لا يعتبر وجود الاستجابات الإيحائية شاهدا جيدا للإدراك الشعوري، لأننا قد نشاهدها أيضا في الحيوان المخدر.
2) التخطيط الكهربائي لقشرة الدماغ Electrocorticogramm.
عندما نغرس المساري الكهربائية في جمجمة الحيوان وفي مستوى قشرة الدماغ، نستطيع أن نقيس النشاط العفوي للدماغ.
يتميز المخطط الطبيعي للحيوان المستيقظ بظهور موجة ذات سعة ضعيفة وتوتر مرتفع، بينما تشاهد السعة المرتفعة والتوتر المنخفض في الحيوانات النائمة أو المخدرة، أما المخطط الكهرساوي (المتساوي التكهرب Isoelectrique) فيدل على موت الدماغ.
في الخراف المذبوحة بدون تدويخ مسبق (الطريقة الإسلامية) يلاحظ انعدام الاستجابات الإيحائية بعد (2- 7) ثوان من القطع، ويصبح المخطط كهرساويا بعد (10- 25) ثانية، ولا يتوقف القلب إلا بعد (15) دقائق من الذبح.
وإذا تم جرح الحيوان في جانب واحد من الرقبة (الطريقة اليهودية) فيتأخر انعدام الاستجابات الإيحائية إلى (29) ثانية.
وفي الماشية المذبوحة بدون تدويخ مسبق (الطريقة الإسلامية) تنعدم الاستجابات الإيحائية بعد (85) ثانية، ولا يصبح مخطط قشرة الدماغ كهرساويا إلا بعد مرور (132-336) ثانية من الذبح.
وقبل أن يحدث موت الدماغ هذا تلاحظ تدفقات دورية للاستجابات الإيحائية تستمر من (123- 323) ثانية. ومن الصعب جدا الحكم بأن هذه الاستجابات الملاحظة تدل على عودة الشعور.
ويمكننا أن نفسر الفرق الملاحظ بين الخراف والماشية بالبنية التشريحية الخاصة لكل منهما، فالشريان الفقري في الماشية يصب مباشرة في مضلع ويليس Polygone de Willis ويقوم بتغذية الدماغ بالأوكسجين، أما في الخراف فيصب الشريان الفقري في الشريان الوداجي، ولا يستطيع أبدا أن يزود الدماغ بعد قطع الوداج، وهذا يفسر الاختلاف ما بين طريقة الذبح والنحر.
ومن الواضح أن قصر الزمن اللازم لحدوث فقدان الوعي في الضأن Ovins هو دليل مؤيد لطريقة الذبح الإسلامية التي لا ترى مبررا للتدويخ قبل الذبح.
وإضافة إلى ذلك فإن النتائج السابقة لا تبرر استعمال التدويخ المسبق قبل الذبح إلا إذا أدت إلى حالة فقدان الوعي بصورة آنية؛ أي باستعمال المسدس الواقذ الإبري أو المسدس الواقذ الكروي؛ أو الصدمة الكهربائية، وفي الحالتين الأخيرتين يجب أن يشرع بالذبح في خلال الثواني القليلة التي تلي عملية التدويخ لتجنب الانعكاس في عودة الوعي إلى الحيوان.
هذا وتسمح طريقة قياس الاستجابات الإيحائية ومخطط قشرة الدماغ بتقدير الأوضاع النسبية للملاحظات السلوكية الحيوانية، فالحيوان الذي يبدي مخططا مسطحا قد تظهر عليه حركات غير مترابطة؛ وهو مع ذلك فاقد الوعي، ولا يمكن اعتبار هذه الحركات دليلا على الإحساس بالألم أو الخوف.
وهكذا نستطيع أن نحدد العلامات الدالة على التدويخ الصحيح باستعمال آلة ميكانيكية:
- فالحيوان ينهار مباشرة ولا يحاول الوقوف.
- ويصبح جسم الحيوان وعضلاته متوترة مباشرة بعد انهمار الدم؛ وقد يترافق ذلك مع حركات غير مترابطة تستمر لعدة دقائق.
- يتوقف النظم التنفسي الطبيعي، وقد تلاحظ منعكسات لهاثية (ناتجة عن نقص الأوكسجين في الدماغ Hypoxie) .
- تبقى حدقة العين مركزة وثابتة ولا تضطرب، وينعدم المنعكس البصري، هذا ولقد سمح الذبح الصناعي الآلي بالاستجابة إلى متطلبات الاستهلاك الهائلة، إضافة إلى استبانة الأجزاء غير القابلة للأكل وتحسين إراحة الحيوان ومراقبة هذه الحالة بشكل مناسب، ولا شك أن المجازر أصبحت مجهزة بآلات مناسبة لا يمتلكها الأفراد غير المهيئين وغير المتلائمين مع طرائق الذبح الحديثة، ويلعب الطبيب البيطري دوراً مهما في المسلخ؛ فهو إلى جانب وظيفته الرئيسية في مراقبة جودة اللحم، يعتبر الشخص الوحيد القادر على توجيه العاملين ولفت نظرهم إلى حسن معاملة الحيوان والرفق به وتخفيف آلامه، ولديه كافة الحقوق التي تخوله رفض أي حيوان ارتكبت بحقه أية مخالفة ينص عليها قانون حماية الحيوان.
ومن الجدير بالذكر أن جمعيات الرفق بالحيوان في عصرنا هذا، استطاعت إثارة الرأي العام نحو كل ما يؤدي إلى تألم الحيوان، وتأثرت بذلك التشريعات القانونية، وبذلت جهود كبيرة لحماية الحيوان لدرجة نستطيع أن نقول معها بأن طرائق الذبح الحديثة تجري إلى حد كبير بصورة مطابقة للقواعد السلوكية السليمة.
ومما لا شك فيه أن الأوروبيين يعتبرون أن طرائق الذبح الشرعي معضلة خاصة، إلا أننا نستطيع أن نقول بأن معظم الهيئات الإسلامية في الغرب- على خلاف الطوائف اليهودية- قبلت أو أذعنت إلى الأمر بتدويخ الحيوان بشرط أن لا يؤثر ذلك على حياته، وأن يتم ذبحه مباشرة بعد التدويخ، ويتحقق ذلك باستعمال المسدس الواقذ الكروي أو باستعمال الصدمة الكهربائية، ويضيف المدافعون عن هاتين الطريقتين بأن هذه الأساليب هي أكثر أمنا، وخاصة بعد ظهور مشكلة التهاب الدماغ اسفنجي الشكل في البقر (جنون البقر) Encephalite spongiformr Bovine.
أما الهيئات اليهودية فلا تزال ترفض بشدة أي تدويخ مسبق للحيوان، وحسب طريقتهم المتبعة في الذبح، يبقى الضأن في حالة وعي خلال (30) ثانية تقريبا، ويعتبر هذا الزمن قصيرا نسبيا، أما في الماشية، فقد لوحظ عودة الإحساس خلال (5) دقائق، إلا أن الحيوان لا تبدو عليه مظاهر الألم.
رابعا- آداب التذكية ومستحباتها
لا تعتبر آداب التذكية شروطا تتوقف عليها صحة التذكية إنما هي أمور يطلب مراعاتها من باب كمالية الذكاة، لا من باب الإجزاء والصحة فيها وهي (1) :
ا- أن تكون التذكية بالنهار.
2-
أن تكون الآلة حادة، كالسكين القاطعة.
3-
أن يدقق في قطع الأوداج.
4-
أن تكون الذكاة ذبحا في البقر والشاة أو نحوها، ونحرا في الإبل.
5-
أن تقطع الأوداج كلها.
6-
الاكتفاء بقطع الأوداج دون بلوغ النخاع.
7-
عدم إبانة الرأس.
8-
أن يكون الذابح مستقبلا القبلة.
9-
أن توجه الذبيحة إلى القبلة.
ومن المستحب (2) :
10-
أن يكون المذكي بالغا لأنه أقدر على الذبح، فإن ذبح صبي جاز.
11-
أن يكون مبصرا وعاقلا، وليس بسكران.
12-
أن يكون المذكي رجلا، لأنه أقوى على الذبح من المرأة، فإن كانت امرأة جاز.
(1) أحكام الأطعمة في الإسلام للدكتور كامل موسى، ص 125
(2)
روضة الطالبين، للإمام النووي: 3/ 204 وما بعد.
خامسا- مكروهات التذكية
ا- يكره أن يقول عند الذبح: "اللهم تقبل من فلان " ولا مانع منه قبل أو بعده. (1)
2-
يكره له بعد الذبح أن ينخعها أو أن يسلخها قبل أن تبرد.
3-
يكره جرها إلى المذبح برجلها أو أن يسوقها سوقا عنيفا.
4-
يكره أن يحد الشفرة أمامها.
5-
يكره أن يكون الذبح بآلة كالة.
6-
يكره أن يكسر عنق الحيوان أو أن يسلخه قبل زهوق روحه.
سادسا- ذبائح أهل الكتاب
الأصل في الكتابي أن يكون نصرانيا أو يهوديا، وهم الذين يعرفون الكتاب أي: أتباع الإنجيل والتوراة (2)
ويدخل فيهم كل من يعتقد بكتاب كالصابئة والسامرة؛ فالصابئة لكونهم يدينون بما ورد على عيسى، عليه السلام، والسامرة لكونهم يدينون بما ورد على إبراهيم، عليه السلام، وسواء كان الكتابي ذميا (هو الذي التزم الجزية ويعيش في ظل البلاد الإسلامية) أو حربيا (وهو الذي لا يعيش في ظل بلاد إسلامية، ويعيش في دار الحرب) .
(1) أحكام الأطعمة في الإسلام، للدكتور كامل موسى، ص 125
(2)
أحكام الأطعمة في الإسلام، للدكتور كامل موسى، ص 80
وقد اختلف الفقهاء في تعريف الكتابي وهل يجب أن يكون من أبوين كتابيين، وهل يعتبر كتابيا من دخل في اليهودية أو النصرانية بعد الإسلام؟ (1) .
- قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "بل الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بِنَسَبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك، والمنصوص الصريح عن أحمد، وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف. وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، رضي الله عنهم، ولا أعلم بين الصحابة في ذلك نزاعا، وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم، واحتج بذلك في هذه المسألة على من لا يقر الرجل في دينهم بعد النسخ والتبديل، كمن هو في زماننا إذا انتقل إلى دين أهل الكتاب، فإنه تؤكل ذبيحته، وتنكح نساؤه. وهذا يبين خطأ من يناقض منهم ". (2)
2-
وجاء في التفسير الكبير: "ليس لأحد أن ينكر على أحد أكل من ذبيحة اليهود والنصارى في هذا الزمان، ولا يحرم ذبحهم للمسلمين، ومن أنكر ذلك فهو جاهل مخطئ مخالف لإجماع المسلمين، فإن أصل هذه المسألة فيها نزاع مشهور بين علماء المسلمين، ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة، لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد، فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء، كيف والقول بتحريم ذلك في هذا الزمان وقبله قول ضعيف جدا، مخالف لما علم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما علم من حال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ". (3)
(1) راجع رأي الشافعية في الصفحة رقم 390 من البحث
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 223- 224
(3)
التفسير الكبير لتقي الدين ابن تيمية: 4/ 22- 23، طبعة دار الكتب العلمية، بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة؛ وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 212-213
3-
بسط الشيخ محمد رشيد رضا هذه القضية في الجزء السادس من تفسير المنار، واستعرض آراء المذاهب المختلفة حول ذبائح أهل الكتاب، وننقل من رأيه ما يلي:
جاء في تفسير المنار: " وروى ابن جرير أيضا وابن المنذر وابن أبى حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، قال: ذبائحهم، وروى مثله عبد بن حميد عن مجاهد، وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي.
وقد أجمع الصحابة والتابعون على هذا، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية، ووضعت له السم في ذراعها، وكان الصحابة يأكلون من طعام النصارى في الشام بغير نكير، ولم ينقل عن أحد منهم خلاف إلا في بني تغلب، وهم بطن من العرب انتسبوا إلى النصرانية ولم يعرفوا من دينهم شيئا، فنقل عن علي رضي الله عنه أنه لم يجز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم معللا ذلك بأنهم لم يأخذوا من النصرانية إلا شرب الخمر، يعني أنهم على شركهم لم يصيروا أهل كتاب، واكتفى جمهور الصحابة بانتمائهم إلى النصرانية. روى ابن جرير عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب فقرأ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم} [المائدة: 51] . وفي رواية عنه أنه قال: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم، فإن الله تعالى قال: وقرأ الآية، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم، أي يكفي كونهم منهم: نصرهم لهم وتوليهم إياهم في الحرب ".
واستنبط بعض الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد، وهي: هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والإنجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم، أو العبرة بإتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالإسرائيليين من اليهود؟
يقول السيد رشيد رضا: "المتبادر من نص القران الكريم ومن السنة وعمل الصحابة أنه لا وجه لهذه المسألة ولا محل، فالله تعالى قد أحل أكل طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم على الحال التي كانوا عليها في زمن التنزيل، وكان هذا من آخر ما نزل من القرآن، وكان أهل الكتاب من شعوب شتى، وقد وصفهم بأنهم حرفوا كتبهم ونسوا حظا مما ذكروا به في هذه السورة نفسها، كما وصفهم بمثل ذلك فيما نزل قبلها، ولم يتغير يوم استنبط الفقهاء تلك المسألة شيء من ذلك. وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] أن سبب نزولها محاولة بعض الأنصار إكراه أولاد لهم كانوا تهودوا على الرجوع إلى الإسلام، فلما نزلت أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتخييرهم، ولا شك أنه كان في يهود المدينة وغيرهم كثير من العرب الخلص، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون بينهم في حكم من الأحكام ". (1)
(1) تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار: 6/ 179، طبعة دار الفكر
4-
وقدم الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس دراسة في كتابه: (حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين) استعرض فيها آراء وفتاوى عديد من العلماء السابقين والمعاصرين، وخلص من ذلك إلى النتيجة التالية:
الرأي المختار: ويمكننا بعد أن عرضنا وجهات النظر المتباينة أن نفتي الناس ونحن مطمئنون بما يلي:
"أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب من يهود ونصارى- سواء كانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم من أعدائها المحاربين لها- ولحومهم المثلجة والمجففة والمطبوخة حلال إلا أن يثبت للمسلم أنها ذبحت مخالفة للطريقة الشرعية".
ثم يقول: "هذا والمسلم ليس مكلفا بالبحث عما غاب عنه، فلا يجب عليه أن يسأل عن طريقة الذبح، وهل ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر؟ وهل ذكر اسم غير الله تعالى؟ كل هذا ليس مطلوبا منه، ولا مأمورا به، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده عن عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر)) (1) .ولكن المسلم لو علم علم اليقين أنه تحدث مخالفة شرعية في الذبح، كالخنق والإهلال لغير الله وجب عليه الامتناع من أكل هذه الذبائح "(2)
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري: 12/ 54- 55.
(2)
الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 64 وما بعد.
وفي فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يقول فيها: "وأجمعوا على ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، واختلفوا في ذبيحة المجوس عباد النار". ثم يقول فيما بعد: "إذا علم هذا فاللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية، إن علم أنها من ذبائح أهل الكتاب فهي حل للمسلمين إذا لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي ". وانظر أيضا الفتوى بنفس المعنى للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد- رئيس هيئة التمييز- وفتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1) وانظر رأي الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط في تقريره عن: (حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام)(2)
(1) مجلة البحوث الإسلامية، العدد 6: حكم اللحوم المستوردة، ص 133، 140، 145
(2)
حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام، ص 46
الفصل الثاني
حكم ما جهل ذابحه مما حل أكله
ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الأصل في اللحوم والأبضاع الحرمة، حتى تباح اللحوم بالذكاة الشرعية، والأبضاع بعقد الزواج، والذكاة الشرعية لابد من توافر شروط فيها، ومن بين هذه الشروط أن يكون الذابح مسلما أو كتابياً (1)
واتفق أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم وأهل الظاهر وفقهاء الرأي والحديث على أن ذبيحة غير المسلم وغير الكتابي محرمة على المسلم (2) . قال في العدة شرح العمدة: " أما غير الكتابي فلا تحل ذبيحته ولا طعامه "(3) . وقال في بدائع الصنائع: "ولا تؤكل ذبيحة أهل الشرك والمجوسي والوثني والمرتد"(4)
وقال في المجموع: "فإن ذبح مشرك نظرت ، فإن كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] وهؤلاء ليسوا أهل الكتاب ". (5)
ولقد أجمع الصحابة والتابعون، رضي الله عنهم، على تحريم ذبائح غير المسلمين وغير أهل الكتاب، ولم ينقل عن واحد منهم أنه قال بإباحة ذبائح المشركين (6) .
(1) الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 79
(2)
الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 74
(3)
العدة شرح العمدة، ص 457
(4)
بدائع الصنائع: 6/ 2776.
(5)
المجموع شرح المهذب: 9/ 75
(6)
المغني: 13/ 296-298، بتحقيق التركي والحلو.
وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى إباحة طعام الكفار- أي ذبائحهم - وقد قيد بعضهم ذلك بشروط عديدة، والبعض الآخر لم يقيد الإباحة بتلك الشروط:
ا- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا: يرى الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله أن القرآن لم يحرم طعام الوثنيين، ولا طعام مشركي العرب مطلقا كما حرم نكاح نسائهم، بل حرم ما أهل به لغير الله من ذبائحهم، كما حرم ما كان يأكل بعضهم من الميتة والدم المسفوح، وحرم لحم الخنزير. (1)
2-
فتوى الشيخ فيصل مولوي: "إن تحريم الذبائح لا يتعلق بشخص الذابح وأنه مسلم أو كتابي أو مشرك، وإنما يتعلق بالغاية من الذبح، عندما يكون تقربا إلى الأصنام والأوثان والآلهة المدعاة، أو يتعلق بكيفية الموت، وهل هو ذكاة شرعية أو لا وبناء على ذلك فإن ذبائح المشركين إذا قطعت أوداجها والحلقوم والمريء، ولم يُهَلَّ بها إلى غير الله فإنها حلال "(2) .
(1) تفسير المنار: 6/ 153- 154
(2)
بحث له نشر في مجلة الشهاب اللبنانية، العدد الأول، السنة الثامنة، ص 15- 16، تاريخ 25/ 5/ 1394 هـ- 15/ 7/ 1974م
3-
وجاء في رأي للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ما خلاصته:
(1)
"وحصر المحرمات في القرآن، وخاصة في آية المائدة التي هي من آخر القرآن نزولا، وفيها تحريم الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وتحريم ما ذبح على النصب، ولم يذكر تحريم ما ذبحه الكافر والمشرك، وما كان ربك نسيا".
(2)
"وحيث لم يثبت تحريم ذبائح الكفار لا في الكتاب، ولا في السنة، فإننا نقتصر على تحريم ذبائح المشركين والوثنيين تمشيا مع الصحابة، ولا نعديه إلى غيرهم من تحريم ذبائح سائر الكافرين، لعدم ما يدل على ذلك.
وما يقال في بلدان الصين من وقوع الاختلاط فيه بين سائر الأمم والأديان، فكذا يقال مثله في بلدان الروس والألمان واليابان وأمثالهم، فلم نجد لتحريم ذبائحهم نصا يجب المصير إليه، لا في القرآن، ولا في السنة" (1)
(1) مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: المجلد الثالث، ص 383- 384.
(3)
ويقول في مقال آخر: " وكل ذبيحة من حيوان أو دجاج تجلب إلى الناس وهي مجهولة، لا يعلم من ذبحها، ولا كيف ذبحها، فإنها تندرج في عموم الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة: أنهم قالوا: ((يا رسول الله، إن قوما حديثو عهد بجاهلية يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا أنتم وكلوا")) فكأنه صلى الله عليه وسلم بهذا يقرر أن التسمية على الذبح واجبة على المسلمين لا على غيرهم ". (1)
4-
وقد ناقش الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس هذه الآراء السابقة في كتابه: (حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين) فقال:
"إن القاعدة العامة في هذا الدين والأصل المعتبر في لحوم المشركين وذبائحهم أنها محرمة، لا يحل للمسلمين أكلها، وهذه الذبائح محرمة سواء كانت في بلادهم، أم صدروها إلى بلاد المسلمين، إلا أن يثبت للآكل أن الذبائح التي ذبحت، قد ذبحت وروعي في ذبحها الشروط الشرعية من حيث الذابح والذبح والحيوان المذبوح.
(1) فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، مجلة الأمة، العدد 7، السنة الأولى، ص 50
ويدخل ضمن هذا ذبائح الشيوعيين والملحدين عربا كانوا أو عجما.
ذلك لأنه قد أصبح من المألوف والمعروف أن الأصل الشرعي الثابت عموما هو نجاسة كل ميت، وهذا يقين كلي له حكم الأسبقية والشمول
…
ثم إن الشارع الحكيم- استئناء من هذا الأصل- قد حكم بطهارة أنواع معينة من الحيوانات إذا أزهقت حياتها بطريقة معينة وقيود معروفة". (1)
5-
وجاء في فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز ما نصه: "قال الله سبحانه: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [المائدة: 5] هذه الآية أوضحت لنا أن طعام أهل الكتاب مباح لنا، وهم اليهود والنصارى، إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان المباح على غير الوجه الشرعي، كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء أو ضرب الرأس ونحو ذلك، فإنه بذلك يكون منخنقا أو موقوذا ، فيحرم علينا كما تحرم علينا المنخنقة والموقوذة التي ذبحها مسلم على هذا الوجه، أما إذا لم نعلم الواقع فذبيحتهم حل لنا عملًا بالآية الكريمة"(2) .
(1) د. محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 90- 91
(2)
مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة: العدد الثالث، السنة الثامنة (ذو الحجة 1395 هـ) ، ص 156
6-
ولما سئل ابن تيمية رحمه الله عن "الذبيحة" التي يتيقن أنه ما سمي عليها: هل يجوز أكلها؟ فأجاب: "الحمد لله، التسمية عليها واجبة بالكتاب والسنة، وهو قول جمهور العلماء، لكن إذا لم يعلم الإنسان هل سمي الذابح أم لم يسم أكل منها، وإن تيقن أنه لم يسم لم يأكل، وكذلك الأضحية". (1)
7-
وجاء في فتوى للشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة العربية السعودية عن سؤال حول اللحوم المستوردة من الخارج: "أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم؟ هل يذبحون بالطريقة الشرعية أم بغيرها، ولم يعلم حالة المذكين وجهل الأمر، فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح تغليبا لجانب الحظر، وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيُغَلَّب جانب الحظر، سواء كان في الذبائح أو الصيد" (2)
8-
وجاء في مقال للشيخ عبد العزيز الناصر- رئيس هيئة التمييز -حول اللحوم المستوردة يقول فيه بعد أن قسم اللحوم المستوردة إلى (3) أقسام: أولها ذبائح أهل الكتاب فهي حلال، وثانيها ذبائح غير أهل الكتاب فهي حرام، وثالثها أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم، فالقواعد الشرعية تقضي بالتحريم، فإن القاعدة الشرعية أنه إذا اشتبه مباح بمحرم، حرم أحدهما بالأصالة والآخر بالاشتباه.
والقاعدة الأخرى، إذا اجتمع مبيح وحاظر، قدم الحاظر، لأنه أحوط وأبعد عن الشبهة (3)
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 240
(2)
مجلة أضواء الشريعة الإسلامية، العدد الحادي عشر، 13
(3)
مجلة البحوث الإسلامية، العدد السادس، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 140-142
9-
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في جواب عن سؤال ورده بشأن اللحوم المستوردة: "أن لا نعلم هل ذابحه من تحل ذبيحته أو لا
- وهذا هو الغالب على اللحم الوارد من الخارج- فالأصل هنا التحريم، فلا يحل الأكل منه، لأننا لا نعلم صدور هذا الذبح من أهله ". (1)
10-
وبناء على ما سبق يمكننا أن نخلص بشأن ما جهل ذابحه مما حل أكل لحمه إلى ما يلي:
(1)
إذا كان اللحم موجودا في بلاد المسلمين، أو في بلاد أغلبية سكانها من أهل الكتاب
…
فالأصل إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل.
قال في المنتهى وشرحه: "ويحل حيوان مذبوح منبوذ بمحل يحل ذبح أكثر أهله؛ بأن كان أكثرهم مسلمين أو كتابيين، ولو جهلت تسمية ذابح "(2)
(2)
وإن كان اللحم موجودا في بلاد أغلبية سكانها من غير المسلمين أو من غير الكتابيين، فالأصل إجراء الحكم على التحريم لوقوع الذبح من غير أهله، وتغليبا لجانب الحظر.
وهذا استنادا لما قرره أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم من الحنابلة، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام النووي وغيرهم كثير، مستدلين بما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي بن حاتم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم الله عليه فكل، فإن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكل)) فالحديث يدل على أنه إذا وجد مع كلبه المعلم كلباً آخر أنه لا يأكله تغليبا لجانب الحظر، فقد اجتمع في هذا الصيد مبيح وهو إرسال الكلب المعلم إليه، وغير مبيح وهو اشتراك الكلب الآخر، لذا منع الرسول صلى الله عليه وسلم من أكله. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم:((إذا أصبته بسهمك فوقع في الماء فلا تأكل)) (3)، وفي رواية عند الترمذي:((إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل)) وقال: حسن صحيح عن عدي بن حاتم.
قال ابن حجر في الصيد: "إن الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد". وقال أيضا عند قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن وقع في الماء فلا تأكل ""لأنه حينئذ يقع التردد؛ وهل قتله السهم أو الغرق في الماء. فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله ". قال النووي في شرح مسلم: "إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق "(4)
(1) مجلة البحوث الإسلامية، العدد السادس، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 148
(2)
مجلة البحوث الإسلامية، العدد 6: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 149
(3)
متفق عليه
(4)
انظر مقال الأطعمة المستوردة من الكفار وحكمها في الشريعة الإسلامية، للدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، مجلة أضواء الشريعة الإسلامية، مجلد 11، ص 13- 14
الفصل الثالث
حكم اللحوم المستوردة
لم يبحث فقهاؤنا القدامى هذا الموضوع أصلًا، لأنه لم يكن واقعا في عصرهم، فكان لا بد من الاجتهاد بالرأي على ضوء ما تقرر في هذا التشريع الإلهي من مبادئ وأحكام، وخاصة بعد تطور وسائل ذبح الحيوان وإماتته بغية تحصيل لحمه للطعام، وهي وسائل فنية متطورة ذات قدرة فائقة على الإنتاج الكبير للحم، وتصنيعه وتعليبه أو تجميده أو تجفيفه في المصانع الحديثة، ومما يؤسف له أن العالم الإسلامي في معظم أقطاره أصبح يعتمد في تأمين غذائه على ما يستورده من الخارج، وفي طليعة ذلك اللحوم والحبوب.
وقبل الوصول إلى الحكم في اللحوم المستوردة، لا بد لي من الإشارة إلى الحقائق التالية:
ا- إن الغاية من إنشاء المجازر الصناعية الحديثة التي تستورد منها اللحوم هي إزهاق روح الحيوان بغية تحصيل لحمه للطعام، وليس هناك غاية أخرى كالذبح للكنيسة أو للأنصاب أو لفلان من الناس، ولا محل في الواقع الحالي لهذا الأمر.
2-
لا تسمح القوانين السائدة التي تحكم المجازر الحديثة بأكل لحم الميتة ولا بتسويقها.
3-
تتمتع جمعيات الرفق بالحيوان بنفوذ كبير جدا، ولها تأثير على التشريعات الخاصة بالحيوان، وهي تدعو دائما إلى الرفق بالحيوان وعدم استعمال أي أسلوب يؤدي لتعذيبه وإيلامه عند الذبح، وتصل في ذلك إلى حد المبالغة.
4-
فهم بعض العلماء من الطرق التي تتبع قبل ذبح الحيوان أنها تستعمل لقتل الحيوان، ومن غير بينة ووضوح أفتوا بحرمة التدويخ أو الصعق الكهربائي والصرع بالمسدس، وأرادوا تحريم أية ذبيحة يستعمل فيها المسدس للصرع، أو الكهرباء للتدويخ، ونحن معهم في أن ما يموت بالصرع أو بالصعق من غير ذبح حرام، ولا يجوز أكله أبدا، ولكن الواقع يخالف ذلك، فإن طريقة الصرع أو التدويخ لا تقتل الحيوان، ولكنها تؤدي إلى فقدان وعيه ووقوعه، ثم يذبح بعد ذلك ذبحاً يتوافق مع متطلبات التذكية الشرعية.
وقد كنت عضوا في لجنة مكونة من أطباء بيطريين يمثلون بلدان السوق الأوروبية المشتركة، وأجرينا تجارب في مدينة جامبلو Gembloux ببلجيكا على عجول جرى تدويخها بالمسدس الواقذ.، وثبت لنا أن قلب الحيوان استمر في النبض لأكثر من (15) دقائق، ثم جرى ذبحه فانهمر الدم منه بشدة.
5-
وفي مناسبة أخرى، تمت دراسة تجريبية على خروفين، أحدهما بالغ بوزن (35) كغ، والآخر فطيم يزن (18) كغ، وأخضع الحيوانان الشروط متماثلة من التدويخ باستعمال تيار كهربائي يبلغ كمونه (300) فولط وشدته (1.25) أمبير لمدة (3) ثوان، وذلك بتطبيق المسارين على الصدغين.
وظهرت على الحيوانين المظاهر الوصفية التوترية والرمعية (الارتجافية) للصرع قبل أن يتماثلا للشفاء التام.
وقد دلت هذه التجربة على الطبيعة المعكوسة للتدويخ الكهربائي ضمن الشروط الموصوفة، أي عودة الحيوان بعد التدويخ إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه، كما لم تظهر أي آثار إضافية متعلقة بعمر أو حجم الحيوان الفتي (1) .
(1) عن التقرير WHO- BM/FOS/10-A عن اجتماع لجنة رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية لدراسة تدويخ الحيوانات بالصدمة الكهربائية، وقد ضمت اللجنة الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام (رئيسا) ، والأستاذ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، والأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم أبو الفضل، كما ضمت الأستاذ الدكتور محمد الهواري (مقررا) والأستاذ الدكتور محمد عبد المؤمن. وعقدت اجتماعها في معهد الطب البيطري في برلين (23-26 شوال 1406هـ= 30/ 6-3/ 7/ 1986 م)
6-
طريقة التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون Co2 على الرغم من عدم انتشارها في تدويخ الماشية والشاء حتى الآن، إلا أنها لا تهيج الحيوان، وتنشط التنفس والدورة الدموية مما يسهل معه نزف دم الحيوان، ولا تعطي لحوما ذات نقط نزفية، ولا تحدث تغيرات في درجة حموضة اللحم PH
7-
تقضي القاعدة العامة في الإنتاج الصناعي أن يذبح الحيوان فورا بعد التدويخ، لأن التماهل في ذلك يؤدي إلى خفض الإنتاج، وهذا يتعارض مع المبدأ الاقتصادي الصناعي.
8-
يقتصر حديثنا على اللحوم المستوردة مما يحل أكله، ولا محل للحديث عن الحيوانات التي حرمت الشريعة أكل لحومها كالخنزير وما شابه ذلك.
9-
اختلف الفقهاء المعاصرون في رأيهم حول اللحوم المستوردة، فمنهم من أباحها بإطلاق، ومنهم من أباحها بشرط أن تكون قد تمت تذكيتها الشرعية، ومنهم من حرمها لتغليب الظن بعدم تذكيتها التذكية الشرعية المطلوبة.
وقد قسم الدكتور عبد الله الفوزان اللحوم المستوردة إلى (3) أقسام (1) :
القسم الأول: ما علم أنه ذكي على الطريقة الشرعية، فهذا حلال بالإجماع.
القسم الثاني: ما علم أنه ذكي على غير الطريقة الشرعية.
القسم الثالث: ما جهل حاله، فلا يدري على أي صفة حصلت تذكيته.
فالقسم الأول: حلال بالإجماع ، كما سبق.
والقسم الثاني: قد أفتى بحله بعض العلماء محتجًا بعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} . قال القاضي ابن العربي في كتابه أحكام القرآن (2) في تفسير هذه الآية ما نصه: "هذا دليل قاطع على أن الصيد وطعام الذين أوتوا الكتاب من الطيبات التي أباحها الله، وهو الحلال المطلق
…
وإنما كرره الله سبحانه ليرفع الشكوك ويزيل الاعتراضات، ويخرج إلى تطويل القول. ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها: هل يؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه؟
…
فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا، إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه ".
(1) انظر: مقال الأطعمة المستوردة من الكفار وحكمها في الشريعة الإسلامية للدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، مجلة أضواء الشريعة الإسلامية المجلد الحادي عشر، ص 9-10
(2)
أحكام القرآن: 2 / 556، ط دار الفكر.
وقد استند إلى هذه الفتوى الشيخ محمد عبده فأباح هذا النوع في فتواه الترانسفالية حيث قال ما نصه: "وأما الذبائح؟ فالذي أراه أن يأخذ المسلمون في تلك الأطراف بنص كتاب الله تعالى في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وأن يعولوا على ما قال الإمام الجليل أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسيهم وعامتهم ويعد طعاما لهم كافة".
وقد أحدثت هذه الفتوى ضجة كبرى بين العلماء في ذلك الوقت ما بين مستنكر لها ومؤيد لها
…
وممن أيدها وتحمس لها تلميذه محمد رشيد رضا وأطال الكلام في تأييدها والدفاع عنها (1) في مجلة المنار (2) وقد ذهب علماء آخرون إلى غير ما ذهب إليه القاضي ابن العربي والشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، واشترطوا صحة الذكاة فيما يذبحه الكتابي.
وبالرجوع إلى كثير من الفتاوى التي صدرت بشأن اللحوم المستوردة يتبين لنا أن الأحكام علقت التحريم والتحليل تبعا لوصف الذبح الذي يتم به إزهاق روح الحيوان. وقد تصور البعض أن هذا الذبح يتم بالخنق أو بضرب الرأس أو بالصعق الكهربائي.
حتى إن بعض العلماء الأجلاء لم يتضح له المقصود من عبارات وردت في أسئلة بعض المستفتين كذبح الخرفان بالصرع الكهربائي وذبح الدجاج بقصف الرقبة، ولدي سؤاله لمن سماهم بأهل الخبرة أجابوا بأن الصرع هو إزهاق الروح بواسطة الكهرباء من غير ذبح شرعي، وأما القصف فهو قطع الرقبة مرة واحدة، فكانت الإجابة بناء على ذلك بأنه "إن كان هذا هو المراد من الصرع والقصف فالذبيحة بالصرع ميتة، لكونها لم تذبح الذبح الشرعي الذي يتضمن قطع الحلقوم والمريء وإسالة الدم
…
" (3)
(1) مجلة المنار: 6/ 771، 812، 927؛ وتفسير المنار: 6/ 200-217
(2)
مجلة المنار: 6/ 771، 812، 927؛ وتفسير المنار: 6/ 250-217.
(3)
انظر فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مجلة البحوث الإسلامية: عدد 6، ص 135
والواقع هو غير ما تم وصفه، فالصرع الكهربائي المذكور إنما هو عملية تهدف إلى تدويخ الحيوان وإزالة وعيه، وليس إلى قتله، ثم يجري فيما بعد ذبح الحيوان في المجازر الحديثة والحيوان لا يزال حيا وقلبه ينبض بشدة
…
وهذه مشاهدات رأيناها في كثير من المجازر التي عايناها، وأيدتها تجارب الطب البيطري بدون أدنى شك، ولم نعد نجد في المجازر الحديثة أي صورة من الطرق القديمة الموصوفة في قتل الحيوان قبل أن يتم ذبحه.
والذي نطمئن إليه في هذا الصدد يتلخص فيما يلي:
(1)
اللحوم المستوردة من البلدان التي غالبية سكانها من أهل الكتاب وتذبح حيواناتهم المأكولة في المجازر الحديثة: هي لحوم حلال، ولا حرج في أكلها لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} .
(2)
اللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب هي: لحوم حرام، ولا يجوز تناولها لوقوع التذكية من غير أهلها.
(3)
نظرا لانتشار المسلمين- بحمد الله- في كثير من البلاد المصدرة للحوم، فلا حرج في أكل لحوم الحيوانات المباحة إذا تمت تذكيتها تحت إشراف هيئة إسلامية معتمدة، وكان الذابح مسلما أو كتابيا.
(4)
نوصي المجمع الفقهي بإعداد لائحة بأسماء الهيئات الإسلامية المنتشرة في كثير من بلاد العالم، والتي يمكن اعتمادها للإشراف على الذبح الشرعي، وأن تقبل شهادات المراقبة التي تصدر عنها بعد اعتمادها من سفارات الدول الإسلامية.
(5)
نوصي مجمع الفقه الإسلامي بأن يضع لائحة بالشروط التي يجب توافرها في المراقبة على الذبح الشرعي، والتي يجب أن تراعيها الهيئات الإسلامية في المراقبة وإصدار شهاداتها المعتمدة.
خلاصة البحث
ا- عرف أهل اللغة التذكية بأنها الذبح والشق والنحر وإتمام الفعل والتطييب والتطهير بالذبح.
بينما عرفها الفقهاء بأنها السبب الموصل إلى حل أكل الحيوان البري اختيارًا وأنواعها أربعة: ذبح ونحر وعقر ، وفعل يزيل الحياة بأية وسيلة ، مقرونا بالقصد لله.
واتفق الفقهاء على أصل القطع للودجين والحلقوم والمريء، واختلفوا فيما يكتفى به من القطع، أي الحد الأدنى.
ومعنى الذبح: قطع الحلقوم والمريء والودجين- والحلقوم: مجرى الهواء، والمريء: مجرى الطعام والشراب، والودجان:عرقان غليظان في جانبي ثغرة النحر- ويغلب استعماله في الغنم والبقر والطيور، ويجوز في غيرها.
أما النحر: فهو الطعن في الحلق واللبة (المنحر) إلى مبدأ الصدر. ويغلب استعماله في الإبل وأمثالها، ويجوز في البقر.
والعقر: هو جرح الحيوان غير المقدور عليه، سواء الوحشي المباح صيده، أم المتوحش من الحيوانات المستأنسة.
2-
ومن شروط الذكاة أنها تفتقر إلى خمسة أشياء هي: الذِكْر والذابح، ومحل الذبح، وآلة الذبح، والحيوان المذبوح، وأضاف بعضهم توجيه الذبيحة إلى القبلة.
3-
ذهب الأئمة بالنسبة للتسمية (الذكر) مذهبين:
(1)
أولهما يقول بوجوب التسمية وأن حل المذكاة متوقف عليها حال الذكر، وأنه معفو عنها عند النسيان، ويرى المالكية بأنها ليست واجبة في حق الكتابي.
(2)
وثانيهما يقول بأنها ليست شرطا في صحة الذكاة، وإنما هي مستحبة.
وتجوز التسمية بأية صيغة فيها ذكر الله تعالى، أو بأي اسم من أسمائه الحسنى، ووقتها عند الذبح أو النحر أو عند الرمي أو الإرسال.
وفي جميع الأحوال لا تصح التذكية إذا ذبح الحيوان وذكر عليه اسم غير اسم الله تبارك وتعالى كأسماء الأصنام والطواغيت.
4-
ومن المتفق عليه أن من أهلية المذكي أن يكون مسلما أو كتابيا. وأن يكون مميزا، ولا تحل مذكاة من لا كتاب له ولا يؤمن بنبي مرسل. واتفق على ذكاة المرأة سواء كانت طاهرة أم لا، واختلف في ذكاة الصبي الذي لم يعقل والمجنون والسكران.
وأباح الظاهرية ذبائح المجوس، ومنع الإثنا عشرية ذبيحة غير المسلم حتى ولو كان كتابيا.
5-
وفيما يتعلق بموضع الذكاة، فقد قسم الفقهاء الذكاة إلى اضطرارية واختيارية:
(1)
فالأولى خاصة بالحيوان غير المقدور عليه، وذكاته بالعقر أو بالرمي في أي موضع سبب في إزهاق روحه.
(2)
والثانية خاصة بالمقدور عليه، وذكاة الحيوان إما أن تكون بالذبح، كما في البقر والغنم والطير ونحوها، ويكون في حلق البهيمة، وإما أن تكون بالنحر كما في الإبل والنعام والأوز، وموضعه في اللبة. واختلف في قطع رقبة الحيوان من القفا؛ فإن ذبحت البهيمة من قفاها وبقيت حية حتى قطع العروق، حل وهو مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية، وهو قول الجمهور.
ويرى المالكية أنه ما دام الذبح قد وقع على مقتل من المقاتل النافذة، الآيلة إلى الموت، فلا تكون الذبيحة حلالا.
والذبح بضربة واحدة في العنق، سواء من القفا أو من الأمام وقطع الرأس يجزئ الذبح، على أن تكون الآلة سريعة إذا كان الذبح من القفا.
ولا يجيز الإمامية الذبح من القفا حتى ولو كان سريعا.
وذهب الجمهور إلى أن الفورية (الإسراع في الذبح أو التذفيف) شرط في الحليّة، ويرى الشافعية والأحناف بأنها مستحبة.
6-
وأداة التذكية إما أن تكون سلاحا أو أن تكون جارحة حيوانية:
(1)
فالسلاح كل ما كان حادا يقطع ويفري بحده لا بثقله، كالسيف والسكين والشفرة وما شابهه، إلا ما كان سنا أو ظفرا.
وفي حالة الذكاة الاضطرارية، فحلها متوقف على إصابتها بالآلة، ولا تصح الذكاة إذا أزهقت روح الحيوان بالثقل أو بالدق أو الصدم أو الجثم أو الوقذ
…
إلخ.
(2)
أما الجارحة الحيوانية فهي مثل الكلاب والصقور وكل ما قبل التعليم من سباع الطير والبهائم.
7-
وليس كل حيوان يذكى الذكاة المطلوبة يجوز أكله، بل من الحيوانات أصناف كثيرة لا تحللها الذكاة، وإن حللها وجوزها الاضطرار. وفي البحث تفصيل عما لا خلاف في تحريمه، وما لا خلاف في إباحته، وما ذهب الجمهور إلى إباحته أو تحريمه.
8-
وليس بين الفقهاء اتفاق على أن توجيه الذبيحة إلى القبلة شرط في صحة التذكية، بل يرى الجمهور على أنه سنة مستحبة، ويرى الإباضية على أنها واجبة، وكره الحنابلة توجيه الذبيحة إلى غير القبلة.
9-
وأدخلت الوسائل الحديثة في إزهاق روح الحيوان أمورا مستحدثة أهمها وجوب تدويخ الحيوان قبل الذبح. ولقد تعددت طرق التدويخ وكان من أهمها:
(1)
تخريب المادة البصلية النخاعية Bulbomedullaire وذلك بإحداث ثقب في جوف الجمجمة أو انهدام في العظم الجبهي، بواسطة مسدس واقذ، مزود بساق مصادمة تنتهي برأس إبري أو برأس نصف كروي.
(2)
التدويخ بالصدمة الكهربائية: Electronarcose.
(3)
التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون Co2.
(4)
التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة.
(5)
الخنق بالطريقة الإنكليزية.
10-
التدويخ بالمسدس الواقذ يؤدي إلى فقدان الوعي في الحيوان بشكل فوري، ويبقى القلب ينبض لمدة تزيد عن (10) دقائق، ولا يؤثر ذلك على نزيف الدم بعد الذبح.
11-
لقد ثبت أن التدويخ بالصدمة الكهربائية يفقد وعي الحيوان بشكل معكوس، ولا يؤدي إلى موت الحيوان ضمن الشروط المطلوبة في التدويخ. وأكثر ما تصلح هذه الطريقة في تدويخ الشاء وصغار العجول، بينما لا تزال تطبيقاتها في تدويخ الحيوانات كبيرة الحجم والوزن محدودة حتى الآن.
12-
وتدويخ الدجاج بالصدمة الكهربائية وفقا للطريقة المتبعة حاليا، يؤدي إلى توقف القلب في (90 %) من الحالات، وقد يؤدي إلى موت نسبة من الدجاج لا تقل عن (10 %) قبل الذبح، إضافة إلى ذلك فقد شوهدت حالات من النزف العضلي والكسور العظمية، مما يؤثر على نوعية اللحم.
13-
وخلافا لما هو شائع فإن طريقة تدويخ الحيوان باستعمال ثاني أكسيد الكربون لا تؤدي إلى موت الحيوان، بل تنشط الدورة التنفسية مما يسهل معه نزف الدم، ولا تعطي لحوما ذات بقع نزفية، ولا تحدث تغيرات في درجة حموضة اللحم.
14-
أما التدويخ بضرب الرأس بالمطرقة أو البلطة فطريقة بدائية مرفوضة، وقد تخلت عنها المجازر الحديثة.
15-
والخنق بالطريقة الإنكليزية طريقة مرفوضة، لأنها تؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح.
16-
إن طرق التدويخ التي لا تؤدي إلى موت الحيوان والتي تهدف إلى فقدان وعيه وتخفيف آلامه، لا تؤثر على صحة ذكاة الحيوان المأكول إذا كان الذابح مسلما أو كتابيا.
17-
وذبائح أهل الكتاب من يهود أو نصارى سواء كانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم من أعدائها المحاربين؛ حلال، إلا أن يثبت للمسلم أنها ذبحت مخالفة للطريقة الشرعية.
18-
وبالنسبة لما جهل ذابحه مما حل أكل لحمه نرى:
(1)
أن اللحم إذا كان موجودا في بلاد المسلمين أو في بلاد أغلبية سكانها من أهل الكتاب
…
فالأصل إجراء ما ذبحه مَنْ تَحِلُّ ذبيحته على أصلِ الحِلِّ.
(2)
وإن كان اللحم موجودا في بلاد أغلبية سكانها من غير المسلمين أو من غير الكتابيين، فالأصل إجراء الحكم على التحريم، لوقوع الذبح من غير أهله وتغليبًا لجانب الحظر.
19-
وبالنسبة للحوم المستوردة:
(1)
إذا كانت مستوردة في بلاد غالبية سكانها من أهل الكتاب، وتذبح حيواناتهم في المجازر الحديثة، هي لحوم حلال ولا حرج في أكلها لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .
(2)
واللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب، حرام ولا يجوز تناولها لوقوع التذكية من غير أهلها.
(3)
اللحوم المستوردة من البلاد المذكورة في الفقرة (2) والتي تمت تذكيتها تحت إشراف هيئة إسلامة معتمدة، وكان الذابح مسلماً أو كتابياً، هي حلال ولا حرج في أكلها.
20-
نوصي المجمع الفقهي بإعداد لائحة بأسماء الهيئات الإسلامية التي يمكن اعتمادها للإشراف على التذكية الشرعية، وأن تقبل شهادات المراقبة الصادرة عنها بعد اعتمادها من سفارات الدول الإسلامية.
21-
نوصي المجمع الفقهي بأن يضع لائحة بالشروط التي يجب توافرها في المراقبة على التذكية الشرعية، والتي يجب أن تراعيها الهيئات الإسلامية في المراقبة وإصدار الشهادات اللازمة.
د. محمد الهواري
_________
الذبائح
والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة
إعداد
الشيخ خليل محيي الدين الميس
مفتي زحلة والبقاع، مدير أزهر لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
فإن موضوع: (الذبائح والطرق الشرعية للذكاة)
…
قد أتى الأخوة الباحثون فيه على جملة من الأبواب والفصول
…
ولكن هنالك موضوع يبدو أنه لم يلق كثير عناية واهتمام ألا وهو: (الوجه التعبدي في الذبائح والصيد)
…
ومما يلفت الانتباه أن صاحب (المنار) قد نفى سمة التعبد في هذه المسألة
…
وكأنه قد استلها من مقتضى مذهب الإمام الشافعي القائل بحل الذبيحة متروكة التسمية سهوا أو عمدا، لذلك كان لا بد من تحرير القول وبيان الراجح من الأقوال.
ومن الملاحظ أن تذكية آلاف الذبائح من البقر والغنم وغيرهما، وذبح عشرات الآلاف من الدجاج في وقت واحد يقترب من الذكاة الاضطرارية
…
لذلك كان لا بد من استقصاء القول في بيان الحكم في الذكاة الاضطرارية، وهل الصعق الكهربائي وضرب رؤوس ما يراد تذكيته قبل الذبح يأخذ حكم الموقوذة والنطيحة من حيث بقاء مشروعية الحياة فوق حياة المذبوح؟ مما تتجلى عظمة الإسلام في معاملة الحيوانات التي تقدم للذبح.
وأشرت إلى بيان حكمة مشروعية التسمية في الذبح والإرسال وصولًا إلى بيان الحكمة من تحريم الميتة
…
سائلا المولى تعالى أن نكون قد وفقنا في إصابة الحق، إنه من يهدي السبيل.
مسألة طعام أهل الكتاب
قال صاحب المنار:
إن المسألة ليست من المسائل التعبدية، وإنه لا شيء من فروعها وجزئياتها يتعلق بروح الدين وجوهره، إلا تحريم الإهلال في الذبيحة لغير الله تعالى، لأن هذا من عبادة الوثنيين وشعائر المشركين، فحرم أن نشايعهم أو نشاركهم فيه.
ولما كان أهل الكتاب قد ابتدعوا وسرت إليهم عادات كثيرة من الوثنيين الذين دخلوا في دينهم- لا سيما النصرانية- وأراد الله أن نجاملهم ولا نعاملهم معاملة المشركين- استثنى طعامهم فأباحه لنا بلا شرط ولا قيد كما أباح لنا التزوج منهم، مع علمه بما هم عليه من نزعات الشرك التي صرح فيها بقوله:{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
على أنه حرم علينا التزوج بالمشركات بالنص الصريح، ولم يحرم علينا طعام المشركين بالنص الصريح، بل حرم ما أُهِلَّ به لغير الله.
فأمر الزواج أهم من أمر الطعام نفسه، والنص فيه عام قطعي في المشركين، وهو لم يمنع من التزوج بالكتابية، ولأجل كون حل طعام أهل الكتاب ورد مورد الاستثناء من المحرمات المذكورة بالتفصيل في سورة المائدة
…
صرح بعض أئمة السلف: بأن النصراني إذا ذبح لكنيسته فإن ذبيحته تؤكل، مع الإجماع على أن المسلم إذا ذبح وذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو الكعبة فإن ذبيحته لا تؤكل
…
" إلى أن قال:"فهذه هي الحكمة في حل طعامهم
…
لا كونهم يذبحون على وجه الخصوص ". (1)
قلت: إن ما انتهى إليه صاحب المنار ربما استفاده من مقتضى مذهب الإمام الشافعي، قال الماوردي:" إن التسمية عند الذبح في الضحايا واللحم، وعند إرسال الجوارح على الصيد سنة وليست بواجبة، فإن تركها ذاكرًا أو ناسيًا حلت الذبائح وصيد الجوارح ". (2)
(1) المنار: 7/ 241
(2)
الماوردي- الحاوي الكبير: 15/ 95
هل الذكاة عبادة؟
قال ابن عبد البر: (463 هـ) الفقيه المالكي:
"التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام "(1) .
ثم زاد هذه الفكرة وضوحا وتأصيلا بقوله: "التسمية على الذبيحة سنة مسنونة لا فريضة، ولو كانت فريضة ما سقطت بالنسيان، لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض، إلا أنها عندي من مؤكدات السنن، وهي أكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل "(2) .
وكأني بابن العربي قد تلقف هذا المبدأ وعمل على تأصيل هذه الحكمة، بمناسبة تفسيره قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فقال: "لا سيما والذكاة عبادة كلفها الله عباده للحكمة التي يأتي بيانها في سورة الأنعام.
إن الذبيحة قربة بدليل افتقارها إلى النية، قال تعالى:{ {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} "} [الحج: 37] وقال: "إن ذكر الله مشروع في كل حركة وسكنة حتى في خطبة النكاح، وإنما تختلف درجاته بالوجوب والاستحباب " (3)
إن الضابط العام الذي يجمع أنواع التذكية هو أن يكون إزهاق روح الحيوان بقصد أكله، ويشترط في ذلك شرط ديني واحد وهو: أن لا يكون فسقًا أهل لغير الله به من مسلم أو وثني مشرك بالله، كالذي كانوا يذبحون على النصب- وهي حجارة تنصب ويذبح عليها للأصنام- ويمكن الاستدلال على سنية التسمية في الذبح بحديث هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان، ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا عليها ثم كلوها)) .
قال مالك: "وذلك في أول الإسلام، وفيه من الفقه: أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام ". (4)
قال الباجي: "يحتمل أن يريد به الأمر بالتسمية عند الأكل، لأن ذلك مما بقي عليهم من التكليف، وأما التسمية على الذبح تولاه غيرهم من غير علمهم، فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على الصحة حتى يتبين خلافها". (5)
ويحتمل، أن يريد به: أن سموا الله أنتم الآن، فتستبيحون به أكل ما لم تعرفوا ذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته.
وقال الزرقاني: "ليس المراد أن تسميتهم على الأكل قائمة مقام التسمية على الذبح، بل طلب الإتيان بالتسمية على الأكل.
قال المهلب: هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال.
وقد أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضا، فلما نابت التسمية عن الذبيحة دل على أنها سنة، لأن السنة لا تنوب عن الفرض ". (6)
(1) ابن عبد البر- الاستذكار: 15/ 214
(2)
ابن عبد البر- الاستذكار: 15/ 214
(3)
ابن العربي- أحكام القرآن: 2/ 750
(4)
الموطأ-488، ووصله البخاري عن عائشة في باب التوحيد (7398)
(5)
الباجي- المنتقى: 3/ 105
(6)
الكاندهلوي- أوجز المسالك: 9/ 120
ما جاء في التسمية على الذبيحة (1)
مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقيل له: يا رسول الله، إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان، ولا ندر هل سموا الله عليها أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((سموا الله عليها ثم كلوها)) (2)
(1) ينظر في هذه المسألة: البدائع: 5/ 46؛ تكملة الفتح: 8/ 54، تبيين الحقائق: 5/ 288؛ الدر المختار: 5/ 210؛ الشرح الكبير: 2/ 106؛ بداية المجتهد: 1/ 434؛ القوانين الفقهية، ص 185؛ كشاف القناع: 6/ 206؛ المغني: 8/ 565 " مغني المحتاج: 4/ 278؛ المهذب: 1/ 252؛ الفقه الإسلامي وأدلته: 3/ 659
(2)
الموطأ: 448، ووصله البخاري عن عائشة في التوحيد (7398) باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها؛ فتح الباري: 13/ 379، عن يوسف بن موسى، عن أبي خالد الأحمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وتابعه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن هشام عن أبيه، عن عائشة؛ أخرجه البخاري في البيوع (2057)، باب "من لم ير الوساوس ونحوها": 4/ 294، وتابعه الداروردي؛ أخرجه البخاري تعليقا في التوحيد عقيب حديث أبي خالد الأحمر (7398) ، وأسامة بن حفص؛ أخرجه البخاري في الذبائح (5507)، باب "ذبيحة الأعراب ونحوهم "؛ الفتح: 9/ 634؛ وأخرجه أبو داود في الذبائح (2829)، باب "ما جاء في أكل اللحم لا يدري: أذكر اسم الله عليه أم لا؟ ": 3/ 104، عن يوسف بن موسى، نحوه.
قال جمهور الفقهاء غير الشافعية: تشترط التسمية عند التذكية وعند الإرسال في العقر، فلا تحل الذبيحة، سواءً كانت أضحية أو غيرها، في حال ترك التسمية عمدا، وكانت ميتة، فلو تركها سهوا أو كان الذابح المسلم أخرس أو مستكرها، تؤكل لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وأضاف الحنابلة: من ترك التسمية على الصيد عامدا أو ساهيا، لم يؤكل، وعلى هذا فتحقيق المذهب عندهم أن التسمية على الذبيحة تسقط بالسهو، وعلى الصيد لا تسقط.
وقال الشافعية: تسن التسمية ولا تجب وتركها مكروه، لقوله تعالى:{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] فلو ترك التسمية عمدا أو سهوا، حل الأكل، ولأن الله تعالى في قوله:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أباح المذكى ولم يذكر التسمية، وأباح الله تعالى ذبائح أهل الكتاب، وهم لا يسمون غالبا، فدل على أنها غير واجبة.
قال مالك: وذلك في أول الإسلام.
قال أبو عمر: لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد أسنده جماعة ثقات رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه البخاري وغيره مسندا،
ورواه مرسلا (1) - كما رواه مالك - ابن عيينة ويحيى القطان، وسعيد بن عبد الرحمن، وعمرو بن الحارث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، لم يتجاوزوه.
وفيه من الفقه: أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام.
وفيه دليل على أن هذا الحديث لم يكن إلا بعد نزول قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] لقوله فيه: لا ندري هل سموا الله عليه أم لا؟
وهذا الحديث كان بالمدينة وأهل باديتها كانوا الذين يأتون إليهم باللحمان.
(1) تحفة الأشراف: 13/ 294؛ الحديث (19029) .
والأمر بالتسمية في سورة الأنعام، وهي مكية.
وأما قوله: ((سموا الله عليها، ثم كلوها)) فإن العلماء مجمعون على أن التسمية على الأكل مندوب إليها، لما في ذلك من البركة، وليس ذلك من شروط الذكاة، لأن الميتة والأطعمة لا تحتاج إلى التذكية، وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ليعلمهم أن المسلم لا يظن به ترك التسمية على ذبيحته، ولا يظن به إلا الخير، وأمره محمول على ذلك ما خفي أمره، حتى يستبين فيه غيره.
وفيما وصفنا دليل على أن التسمية على الذبيحة سنة مسنونة،لا فريضة، ولو كانت فرضا ما سقطت بالنسيان، لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض، إلا أنها عندي من مؤكدات السنن، وهي آكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة، فقال:((سم الله وكل))
(1)
مالك عن يحيى بن سعيد، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي (2) أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة، فلما أراد أن يذبحها قال له: سم الله، فقال له الغلام: قد سميت.
فقال له: سم الله، ويحك، قال له: قد سميت الله، فقال له عبد الله بن عياش: والله لا أطعمها أبدا (3) قال أبو عمر: هذا حديث واضح في أن من ترك التسمية على الذبيحة عمدا، لم تؤكل ذبيحته تلك.
ألا ترى أن في خبره هذا: أراد أن يذبحها، فقال له: سم الله، فأمره بذلك من قبل أن يذبحها، وراجعه بما لم يصدقه، لأنه كان بموضع لا يخفى عنه ذلك، لقربه وعلم معاندته، لأنه كان يجيبه بقوله: قد سميت، ولا يسمي، ولو قال في موضع: قد سميت باسم الله؛ اكتفي بذلك منه، فاعتقد أنه عمدا ترك التسمية عليها، فلم يستحل أكلها.
(1) قال عمر بن أبي سلمة، كنت في حجر رسول صلى الله عليه وسلم الله، وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي:(يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) رواه البخاري في الأطعمة (5376) باب"التسمية على الطعام " الفتح: 9/ 521و 5377، 5378، باب الأكل مما يليه؛ الفتح: 9/ 523 ومسلم في الأشربة: (5171) باب "آداب الطعام والشراب "؛ ورواه النسائي في مواضع من الوليمة (في الكبرى) وفي عمل اليوم والليلة على ما في تحفة الأشراف: 8/ 131؛ ورواه ابن ماجه في الأطعمة (3267)، باب (الأكل باليمين) : 2/ 1087
(2)
صحابي ولد بأرض الحبشة، يكنى: أبا الحارث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وروى عنه: بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ونافع مولى ابن عمر، ترجمته في الجرح والتعديل: 2/ 2/ 125؛ وأسد الغابة: 3/ 365
(3)
الموطأ: 488
وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم فيمن ترك التسمية على الصيد، أو الذبيحة عامدًا.
ومما يدل على أن ترك التسمية عامدا يفسد الذكاة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] ومعلوم أن ذلك أمر يقتضي الإيجاب، وأنه غير واجب على الأكل، فدل على أنه أراد به حال الاصطياد، والسائلون قد كانوا مسلمين فلم يبح لهم الأكل إلا لشريطة التسمية، ويدل عليه قوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] يعني في حال النحر، لأنه تعالى قال:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] والفاء للتعقيب.
ويدل عليه من جهة السنة حديث عدي بن حاتم حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم،عن صيد الكلب فقال:((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل إذا أمسك عليك، وإن وجدت معه كلبا آخر وقد قتله فلا تأكله، فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره)) وقد كان عدي بن حاتم مسلما فأمره بالتسمية على إرسال الكلب، ومنعه الأكل عند عدم التسمية بقوله: فلا تأكله فإنما ذكرت اسم الله على كلبك.
ويدل على تأكيد النهي عن ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وهو راجع إلى الأمرين: من ترك التسمية ومن الأكل.
ويدل أيضا على أن المراد حال ترك التسمية عامدا إذا كان الناسي لا يجوز أن تلحقه سمة الفسق.
ومما يدل على أن ترك التسمية عامدا يفسد الذكاة ولا يحل الأكل:
ما روى عبد العزيز الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ((أن الناس قالوا: يا رسول الله إن الأعراب يأتون باللحم، فبتنا عندهم وهم حديثو عهد بكفر، لا ندري ذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا عليه الله وكلوا ".))
وجه الاستدلال: لو لم تكن التسمية من شروط الذكاة لقال: وما عليكم من ترك التسمية؟ ولكنه قال: كلوا، لأن الأصل أن أمور المسلمين محمولة على الجواز والصحة، فلا تحمل على الفساد وما لا يجوز إلا بدلالة.
اعتراض والرد عليه:
فإن قيل: لو كان المراد ترك المسلم التسمية لوجب أن يكون من استباح أكله فاسقا لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فلما اتفق الجميع على أن المسلم التارك للتسمية عامدا غير مستحق بسمة الفسق دل على أن المراد الميتة أو ذبائح المشركين.
الجواب: قيل له: ظاهر قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] عائد على الجميع من المسلمين وغيرهم، وقيام الدلالة على خصوص بعضهما غير مانع بقاء حكم الآية في إيجاب التسمية على المسلم في الذبيحة.
وأيضا فإنا نقول: من ترك التسمية عامدا مع اعتقاده لوجوبها هو فاسق، وكذلك من أكل ما هذا سبيله مع الاعتقاد، لأن ذلك من شرطها فقد لحقته سمة الفسق.
وأما من اعتقد أن ذلك في الميتة أو ذبائح أهل الشرك دون المسلمين فإنه لا يكون فاسقا لزواله عند حكم الآية بالتأويل.
اعتراض آخر: فإن قال قائل: لما كانت التسمية ذكرا ليس بواجب في استدامته ولا في انتهائه، وجب أن لا يكون واجبا في ابتدائه، ولو كان واجبا لاستوى فيه العامد والناسي.
الجواب: قيل له: أما القياس الذي ذكره فهو دعوى محض لم يَرُدَّه على أصل فلا يستحق الجواب، على أنه منتقض بالإيمان والشهادتين، وكذلك في التلبية والاستئذان وما شاكل هذا، لأن هذه وإن كانت ليست بواجبة في استدامتها وانتهائها ومع ذلك فهي واجبة في الابتداء.
وإنما قلنا: إن ترك التسمية ناسيًا لا يمنع صحة الذكاة من قبل أن قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام 121] خطاب للعامد دون الناسي- ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وليس ذلك صفة للناسي، ولأن الناسي في حال النسيان غير مكلف بالتسمية.
وروى الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) .
وإذا لم يكن مكلفا للتسمية فقد أوقع الذكاة على الوجه المأمور به فلا يفسده ترك التسمية، وغير جائز إلزامه ذكاة أخرى؛ لفوات ذلك منه. وليس ذلك مثل نسيان تكبيرة الصلاة أو نسيان الطهارة ونحوها، لأن الذي يلزمه بعد الذكر هو فرض آخر، ولا يجوز أن يلزمه فرض آخر في الذكاة لفوات محلها (1)
قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام 121]
قال ابن العربي: مطلق سبب الآية: الميتة، وهي التي قالوا هم فيها: ولا نأكل مما قتل الله.
فقال الله لهم: لا تأكلوا منها، فإنكم لم تذكروا اسم الله عليها.
وقال: قد آن أن نكشف لكم نكتة أصولية وقعت تفاريق في أقوال العلماء.
إنا نقول: مهما قلنا: إن اللفظ الوارد على مسبب، هل يقصر عليه أو لا؟
فإنا لا نخرج السبب عنه بل نقره فيه، ونعطف به عليه، ولا نمتنع أن يضاف غيره إليه إذا احتمله اللفظ أو قام عليه الدليل.
فقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام 121] ظاهر في متناول الميتة بعموم لفظه، وكونها سببا لوروده
…
ويدخل فيه ما ذكر اسم غير الله عليه من الآلهة المبطَلة (2)
(1) الجصاص- أحكام القرآن: 3/ 5- 8
(2)
ابن العربي- أحكام القرآن: 2/ 748
قال القرطبي (1) : وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية ليست بواجبة، لقوله عليه السلام لأناس سألوه قالوا: يا رسول الله، إن أقواماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((سموا الله عليه وكلوا)) أخرجه الدارقطني عن عائشة، ومالك مرسلا عن هشام بن عروة عن أبيه، لم يختلف عليه في إرساله، وتأوله بأن قال في آخره:(وذلك في أول الإسلام) يريد قبل أن ينزل عليه: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام 121] .
قال أبو عمر: وهذا ضعيف، وفي الحديث نفسه ما يرده، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل، فدل على أن الآية قد كانت نزلت عليه. ومما يدل على صحة ما قلناه: أن هذا الحديث كان بالمدينة، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام 121] نزل في سورة الأنعام بمكة.
ومعنى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] أي لمعصية، عن ابن عباس، والفسق: والخروج.
واحتج البيهقي أيضا بحديث عائشة، رضي الله عنها، أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: ((سموا عليه أنتم وكلوه)) .
قالت: "كانوا حديثي عهد بكفر". (2) قال: "لو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها".
وهذا هو المتبادر من سياق الحديث، حيث وضع الجواب فيه (سموا أنتم) كأنه قيل لهم: لا تهتموا بذلك، بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا، وهذا من الأسلوب الحكيم، ومما يدل عليه قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فأباح الأكل من ذبائحهم، مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا.
(1) القرطبي- جامع الأحكام: 7/ 76
(2)
رواه البخاري في 72 كتاب الذبائح والصيد، 21 باب ذبيحة الأعراب ونحوها حديث (1038) ؛ ورواه النسائي.
ترك التسمية على الذبيحة.
وأما اختلاف العلماء فيمن ترك التسمية على الذبيحة، أو على الإرسال على الصيد عامدا أو ناسيا:
فقال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، والحسن بن يحيى:إن تركها عمدا لم تؤكل الذبيحة، ولا الصيد، وإن نسي التسمية في ذلك أكلت.
وبه قال إسحاق بن راهويه، ورواية عن أحمد بن حنبل.
وقال بعض هؤلاء: من تعضد ترك التسمية مع علمه بما أمره الله به فيها، فقد استباح بغير ما أذن الله له فيه، فصار في معنى قوله:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فلم تؤكل ذبيحته.
وهذا ليس بشيء، لأن هذا إنما قيل في ذبيحة من ذبح لغير الله عز وجل ممن لا يؤمن بالله.
وقال الشافعي وأصحابه: تؤكل الذبيحة والصيد في الوجهين جميعا تعمد في ذلك أو نسيه.
وهو قول ابن عباس، وأبي هريرة، وعطاء، وسعيد بن المسيب، والحسن، وجابر بن زيد، وعكرمة، وعطاء، وأبي رافع، وطاوس، وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقتادة (1)
ولا أعلم أحدا روي عنه أنه لا يؤكل ممن نسي التسمية على الصيدأو الذبيحة إلا ابن عمر (2) والشعبي، وابن سيرين.
(1) مصنف عبد الرزاق: 4/ 479؛ وسنن البيهقي: 9 / 240؛ وأحكام القرآن، للجصاص: 3/ 5: والمغني: 8/ 565
(2)
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه لا يحل أكل متروك التسمية عليه سواء كان الذبّاح مسلمًا أو غيره، وسواء كان ترك التسمية عمداً أو سهواً، وقد سأله رجل في ذبيحة اليهودي والنصراني فتلا عليه:{أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5] وتلا عليه: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [النحل: 115] وتلا عليه: {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، فجعل الرجل يكرر عليه، فقال ابن عمر:"لعن الله اليهود والأنصار وكفرة العرب، فإن هذا وأصحابه يسألونني فإذا لم يوافقهم أتوا يخاصمونني". مصنف عبد الرزاق: 6 / 120
وذهب قوم إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلما- عمدا تركت التسمية أو نسيانا- واحتجوا بقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ} [المائدة: 4]
كما استدلوا بالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد، كحديث عدي بن حاتم: ((إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل
…
)) (1) وحديث أبي ثعلبة قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني، رضي الله عنه، يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب نأكل من آنيتهم. فقال:((أما ما ذكرت أنك بأرض صيد فما صدت بقوسك فاذكر اسم الله عليه ثم كل، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك الذي ليس معلَّم فأدركت ذكاته فكل)) . (2)
وحديث رافع بن خديج: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكلوه)) في الصحيحين (3)
وقالوا: ففي هذه الأحاديث إيقاف الإذن في الأكل على التسمية ، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم، والشرط أقوى من الوصف.
وأجاب من حمل الآية على الوجه الأول بأن الأمر في حديث عدي وأبي ثعلبة محمول على التزين، وقال ابن التين: يحتمل أن يراد التسمية هنا عند الأكل، وبذلك جزم النووي.
وأما الذبح على تسمية ما تولاه غيرهم فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها.
وقال المهلب: هذا الحديث أصل في أن التسمية ليست فرضا، فلما نابت تسميتهم عن التسمية على الذبح دل على أنها سنة، لأن السنة لا تنوب عن فرض (4)
(1) أخرجه مسلم في 34 كتاب الصيد والذبائح؛ والبخاري في 72 كتاب الذبائح والصيد.
(2)
أخرجه البخاري في 72 كتاب الذبائح والصيد، 10 باب ما جاء في التصيد، حديث رقم (2198)
(3)
البخاري 72 كتاب الذبائح والصيد، ومسلم في 35 كتاب الأضاحي.
(4)
القاسمي- التفسير: 6/ 121
وقت التسمية
وأما وقت التسمية: فوقتها في الذكاة الاختيارية وقت الذبح، لا يجوز تقديمها عليه إلا بزمان قليل لا يمكن التحرز عنه، لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] والذبح مضمر فيه، معناه: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه من الذبائح.
ولا يتحقق ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة إلا وقت الذبح، وكذا قيل في تأويل الآيتين الأخريين أن الذبح مضمر فيهما أي (فكلوا ما ذبح بذكر اسم الله عليه) و (ما لكم ألا تأكلوا مما ذبح بذكر اسم الله تعالى عليه) فكان وقت التسمية الاختيارية وقت الذبح.
وأما الذكاة الاضطرارية: فوقتهما وقت الرمي والإرسال لا وقت الإصابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه حين سأله عن صيد المعراض والكلب:((إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل)) . وقوله: "عليه "، أي: على المعراض والكلب، ولا تقع التسمية على السهم والكلب إلا عند الرمي والإرسال، وكان وقت التسمية فيها وهو الرمي والإرسال.
والمعنى هكذا يقتضي وهو: أن التسمية شرط، والشرائط يعتبر وجودها حال وجود الركن، لأن عند وجودها يكون الركن علة، كما في سائر الأركان مع شرائطها، هو المذهب الصحيح على ما عرف في أصول الفقه.
والركن في الذكاة الاختيارية هو الذبح، وفي الاضطرارية هو الجرح، وذلك مضاف إلى الرامي والمرسل، وإنما السهم والكلب آلة الجرح، والفعل يضاف إلى مستعمل الآلة لا إلى الآلة، لذلك اعتبر وجود التسمية وقت الذبح، والجرح هو وقت الرمي والإرسال.
ولا يعتبر وقت الإصابة في الذكاة الاضطرارية، لأن الإصابة ليست من صنع العبد لا مباشرة ولا سببا ، بل محض صنع الله تعالى- يعني به مصنوعة- وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وهي المسألة المعروفة بالمتولدات، وهذا لأن فعل العبد لابد وأن يكون مقدور العبد، ومقدور العبد ما يقوم بمحل قدرته هو نفسه، وذلك الرمي السابق والإرسال السابق، فتغير التسمية عندهما، على أن الإصابة قد تكون وقد لا تكون فلا يمكن إيقاع التسمية عليها، وعلى هذا الأصل يخرج مسائل:
- ما روى بشر عن أبي يوسف، رحمهما الله تعالى، أنه قال: لو أن رجلا أضجع شاة ليذبحها وسمى، ثم بدا له فأرسلها وأضجع أخرى فذبحها بتلك التسمية لم يجزه ذلك، ولا تؤكل لعدم التسمية على الذبيحة عند الذبح.
- ولو رمى صيدا فسمى فأخطأ وأصاب آخر فقتله لا بأس بأكله
…
- ومنها: لو أضجع شاة ليذبحها وسمى عليها، ثم ألقى السكين وأخذ سكيناً آخر فذبح به يؤكل، لأن التسمية في الذكاة الاختيارية تقع على المذبوح لا على الآلة، والمذبوح واحد فلا يعتبر اختلاف الآلة بخلاف ما إذا سمي على سهم ثم رمى بغيره فإنه لا يؤكل.
ولأن التسمية في الذكاة الاضطرارية تقع على السهم لا على المرمي إليه ، وقد اختلف السهم، فالتسمية على أحدهما لا تكون تسمية على الآخر.
- ولو سمي ثم انقلبت الشاة وقامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها فقد انقطعت التسمية (1)
(1) الكاساني- البدائع: 5/ 49
حكم متروك التسمية على الصيد والذبيحة
قال ابن العربي: اختلف العلماء في متروك التسمية على ستة أقوال (1) الأول: إن تركها سهوا أكلت، وإن تركها عمدا لم تؤكل قاله في الكتاب: مالك وابن القاسم، وأبو حنيفة وعيسى، وأصبغ (2)
الثاني: إن تركها عامدا أو ناسيا تؤكل، قاله الحسن والشافعي: وذكر مثله عن الأوزاعي (3)
الثالث: أنه إن تركها عامدا أو ناسيا حرم أكلها، قاله ابن سيرين وأحمد.
الرابع: إن تركها متعمدا كره أكلها ولم تحرم، قاله القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من أصحابنا، وهو ظاهر قول الشافعي.
الخامس: قال أحمد بن حنبل، التسمية شرط في إرسال الكلب، دون السهم في إحدى روايتيه.
السادس: قال القاضي أبو بكر، رضي الله عنه، (ابن العربي) : يجب أن تعلق هذه الأحكام بالقرآن والسنة والدلائل المعنوية التي أسسها الشريعة. فأما القران: فقال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:118] . وقال سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] .
فبين الحالين، وأوضح الحكمين.
(1) ابن العربي- أحكام القرآن: 2/ 749
(2)
الطحاوي- مختصر اختلاف العلماء: 3/ 198
(3)
الجصاص- أحكام القران: 3/ 5
وقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] نهيٌ محمول على التحريم، ولا يجوز حمله على الكراهة؛ لتناوله في بعض مقتضياته الحرام المحض، ولا يجوز أن يتبعض، هذا من نفيس علم الأصول.
وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم في الصحاح: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)) .
وقال أيضا: ((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل)) .
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((وإن وجدت مع كلبك كلبا آخر فلا تأكل، فإنك سميت على كلبك، ولم تسم على الآخر)) .
ثم قال: هذه أدلة ظاهرة عالية، وذلك من أظهر الأدلة؛ وأعجب لرأس المحققين إمام الحرمين يقول في معارضة هذا: وذكر الله إنما شرع في القرب، والذبح ليس بقربة. والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان، فنسخ الله ذلك بذكر الله في الألسنة، واستمر ذلك في الشريعة.
حتى قيل لمالك: هل يسمي الله إذا توضأ؟
فقال: أيريد أن يذبح؟ إشارة إلى أن محل التسمية وموضوعها إنما هو في الذبائح لا في الطهارة.
الرد على استدلال المخالف بالحديث: وأما الحديث الذي تعلقوا به في قوله:" اسم الله على قلب كل مؤمن " فحديث ضعيف، لا تلتفتوا إليه. وأما الناسي للتسمية على الذبيحة: فإنها لم تحرم عليه، لأن الله تعالى قال:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وليس الناسي فاسقا بإجماع، فلا تحرم عليه.
فإن قيل: وكذلك المتعمد ليس بفاسق إن أكلها إجماعا، لأنها مسألة اجتهاد اختلف العلماء فيها.
قلنا: قد أجبنا على هذه النكتة في مسائل الخلاف، وصرحنا فيه بالحق من وجوه أظهرها:
أن تارك التسمية عمدا لا يخلو من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يترك التسمية إذا أضجع الذبيحة، لأنه يقول: قلبي مملوء من أسماء الله وتوحيده فلا أفتقر إليها، ونسب ابن العربي في الأحكام مقالة إلى إمام الحرمين مفادها: وذكر الله إنما شرع في القرب، والذبح ليس بقربة. ثم سارع إلى الرد عليه حيث قال:
قلنا: هذا فاسد من ثلاثة وجوه:
أحدها: أنه يعارضه القرآن والسنة كما قلنا، وفي بعض النسخ كما بينا.
الثاني: أن ذكر الله مشروع في كل حركة وسكنة، حتى في خطبة النكاح، وإنما تختلف درجاته في الوجوب والاستحباب.
الثالث: أن الذبيحة قربة بدليل افتقارها إلى النية- عندنا وعندك- وقد قال الله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37] .
فإن قيل: المراد بذكر اسم الله في القلب؛ لأن الذكر أيضا كالنسيان، ومحل النسيان القلب.
وقد روى البراء بن عازب وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ((سم الله على قلب كل مؤمن يسمي أو لم يسم)) ولهذا تجزيه الذبيحة إذا نسي التسمية تعويلا على ما في قلبه من اسم الله سبحانه.
قلت: الذكر يكون باللسان، ويكون بالقلب، إن ذكر ذلك بلسانه، فذلك يجزيه، لأنه قد ذكر الله وعظمه.
وإن قال: ليس هذا موضع التسمية صريحة- فإنها ليست بقربة- فهذا يجزيه لكونه على مذهب يصح اعتقاده اجتهادا للمجتهد فيه، وتقليدا لمن قلد.
وإن قال: لا أسمي، وأي قدر للتسمية؟
فهذا متهاون كافر فاسق لا تؤكل ذبيحته، فإنما يتصور الخلاف في المسألة على الصورتين الأوليين، فأما على الصورة الثالثة فلا تشخيص لها.
ثم انتهى إلى القول: والذي نعتمد عليه في صورة الناسي أن الخطاب لا يتوجه إليه لاستحالة خطاب الناسي، فالشرط ليس بواجب عليه. أهـ.
قال الجصاص (1) :
قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فيه نهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، وقد اختلف في ذلك.
فقال أصحابنا- فقهاء الحنفية- ومالك والحسن بن صالح: إن ترك المسلم التسمية عمدا لم يؤكل، وإن تركها ناسيا أكل.
(1) الجصاص- أحكام القرآن: 3/ 6
وقال الشافعي: يؤكل في الوجهين. وذكر مثله عن الأوزاعي.
وقد اختلف أيضا في تارك التسمية ناسيا:
فروي عن علي وابن عباس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وابن شهاب وطاوس قالا: لا بأس بأكل ما ذبح ونسي التسمية عليه.
وقال علي: إنما هي على الملة.
وقال ابن عباس: المسلم ذِكْر الله في قلبه.
وقال ابن عباس: كما لا ينفع الاسم في الشرك، ولا يضر النسيان في الملة.
وقال عطاء: المسلم تسمية الله تعالى، المسلم. وهو اسم من أسماء الله تعالى والمؤمن هو اسم من أسمائه، والمؤمن تسمية للذابح.
أجمع العلماءُ في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل، وإن لم يسم الله عليها، إذا لم يسم عليها غير الله، وأجمعوا أن المجوسي والوثني لو سمي الله لم تؤكل ذبيحته.
وروى أبو خالد عن ابن عجلان عن نافع: أن غلاما لابن عمر قال له:
يا عبد الله قل باسم الله، قال: قد قلت.
قال: قل بسم الله، قال (الغلام) : قد قلت.
قال: قل بسم الله، قال (الغلام) : قد قلت.
قال: فذبح فلم يأكل منه. أهـ.
ترك التسمية عامدا
وإذا ترك التسمية عامدا حرم به الصيد والمذبوح عندنا، ولم يحرم عند الشافعي رحمه الله، والمسلم والكتابي في ذلك سواء، وقال الخطابي: " قال الشافعي: التسمية استحباب وليس بواجب وسواء تركها عامدا أو ساهيا
…
وهو قول مالك وأحمد ، وإن ترك ناسيا لم يحرم عندنا ". (1)
وقال مالك رحمه الله تعالى وأصحاب الظاهر: يحرم. وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما، وقال ابن سيرين: إن ترك التسمية ناسيا لم يؤكل، وروي أن غلام ابن عمر قام عند قصاب ذبح شاة ونسي أن يذكر اسم الله عليها، فأمره ابن عمر أن يقوم عنده، فإذا جاء إنسان يشتري قال ابن عمر يقول: إن هذه لم يذكها فلا تشتري. اهـ (2)
وكان علي وابن عباس رضي الله عنهما يفصلان بين العامد والناسي كما هو مذهبنا- الحنفية- وقد كانوا مجمعين على الحرمة إذا ترك التسمية عامدا وإنما يختلفون إذا تركها ناسيا، وكفى بإجماعهم حجة.
ولهذا قال أبو يوسف، رحمه الله: متروك التسمية عامدا لا يسوغ فيه الاجتهاد، ولو قضى القاضي بجواز البيع فيه لا يجوز قضاؤه، لأنه مخالف للإجماع.
وقال أبو ثور وداود: كل من ترك التسمية عامدا أو ساهيا فذبحته لا تحل، ومثله عن ابن سيرين والشعبي. اهـ
(1) الخطابي- معالم السنن: 3/ 283
(2)
الجصاص- أحكام القرآن: 3/ 6
دليل الشافعي:
استدل الشافعي رحمه الله تعالى بحديث البراء بن عازب وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم يذبح على اسم الله، سمي أو لم يسم)) ؛ وفي رواية قال: ((ذكر اسم الله تعالى في قلب كل مسلم)) . وجه الاستدلال من الحديثين: كون الذكر في قلبه في حالة العمد أظهر منه في حالة النسيان.
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهماعن متروك التسمية قال: يحل تسمية ملته. وفي إقامة الملة مقام التسمية لا فرق بين النسيان والعمد.
وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إن الأعراب يأتوننا بلحوم فلا ندري أسموا أم لم يسموا، فقال عليه الصلاة والسلام:((سموا أنتم وكلوا)) .
وجه الاستدلال: لو كانت التسمية من شرائط الحل لما أمرها بالأكل عند وقوع الشك فيها، ولأن التسمية لو كانت من شرائط الحل كانت مأمورا بها، وفي المأمورات لا فرق بين النسيان والعمد كقطع الحلقوم والأوداج، وكالتكبير والقراءة في الصلاة.
إنما يقع الفرق في المزجورات كالأكل والشرب في الصوم، لأن موجب النهي عنه الانتهاء، والناسي اعتقادًا.
فأما موجب الأمر الائتمار، والتارك ناسيا أو متعمدا لا يكون مؤتمَرا، ولأنه استصلاح الأكل فكانت التسمية فيه ندبا لا حتما. كالطبخ والخبز، ثم فيما هو المقصود- وهو الأكل- التسمية فيه ندب وليس بحتم، فهذا هو طريق إليه أولى، والدليل عليه: أنه تحل ذبائح اليهود والنصارى، ولو كانت التسمية شرطاً لما حلت ذبائحهم، لأنهم وإن ذكروا الله تعالى فإنهم يريدون غير الله، وهو ما يتخذونه معبودا لهم، لأن النصارى يقولون:"المسيح ابن الله " تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ونحن نتبرأ من إله له ولد.
دليل فقهاء الحنفية:
واستدل فقهاء الحنفية لمذهبهم بالنقل والعقل.
أما النقل: فقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فمطلق النهي يقتضي التحريم، وأكد ذلك بحرف (مما) لأنه في موضع النهي للمبالغة فيقتضي حرمة كل جزء منه.
والهاء في قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] إن كان كناية عن الأكل فالفسق أكل الحرام ،
وإن كان كناية عن المذبوح، فالمذبوح الذي يسمى فسقا في الشرع يكون حراما، كما قال تعالى:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام:145] وفي الآية بيان الحرمة لعدم ذكر الله تعالى، لأن التحريم بوصفٍ دليل على ذلك الوصف هو الموجب للحرمة كالميتة والموقوذة.
وبهذا تبين فساد حمل الآية على الميتة وذبائح المشركين، فإن الحرمة هناك ليست لعدم ذكر الله تعالى، حتى إنه وإن ذكر اسم الله تعالى لم يحل، وقال تعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} يعني عند النحر، بدليل قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]، أي: سقطت، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير الآية: ذكر اسم الله تعالى أن يقول عند الطعن: بسم الله، والله أكبر.
قال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، والمراد التسمية عند الإرسال، فثبت بهذين النصين أن التسمية مأمور بها، ومطلق الأمر يفيد الوجوب، وهي من شرائط الحل، ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه:((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل)) . والمعطوف على الشرط شرط، وأكد ذلك بقوله:((وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك)) .
وجه الاستدلال من الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم علل للحرمة بأنه لم يسم على أكل غيره، فهو دليل الحرمة إذا لم يسم على نفسه، وشيء من المعنى يشهد له، فإن ذبيحة الكتابي تحل، وذبيحة المجوس لا تحل، وليس بينهما فرق يعقل معناه بالرأي، سوى من يدعي التوحيد يصح منه تسمية الله على الخلوص، ومن يدعي الاثنين لا يصح منه تسمية الله على الخلوص فيه يتبين أن التسمية من شرائط الحل.
أو إنما أمرنا ببناء الحكم في حق أهل الكتاب على ما يظهرون دون ما يضمرون، ألا ترى أن تسمية غير الله تعالى على سبيل التعظيم موجبة للحرمة كقوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3] ، فلو اعتبرنا ما يضمرون لم تحل ذبيحتهم،
وكذلك يستحلفون في المظالم بالله، والاستحلاف بغير الله لا يحل، فعرفنا أنه ينبني على ما يظهرون.
ثم إنا أمرنا بالتسمية عند الذبح مخالفة للمشركين؛ لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح، ومخالفتهم واجبة علينا، فالتسمية عند الذبح تكون واجبة أيضا، بخلاف الطبخ والأكل، فإنهم ما كانوا يسمون آلهتهم عند ذلك، فالأمر بالتسمية عند ذلك ندب.
وكذلك عند الوصف، فالأمر بالتسمية عند الوصف لم يكن لمخالفتهم فكان ندبا.
ألا ترى أن في حالة النسيان تقام ملته مقام التسمية؟
قاله ابن عباس، رضي الله عنهما، لمعنى التخفيف، وهذا التخفيف يستحقه الناسي دون العامد، ولأن العامد مُعْرِضٌ عن التسمية فلا يجوز أن يجعل مسميا حكما بخلاف الناسي فإنه غير معرض بل معذور.
والفرق بين المعذور وغير المعذور أصل في الشرع في الذبح،
ألا ترى أن اعتبار الذبح في المذبح يفصل بين المعذور وغيره؟
وفي الأكل في الصوم يفصل بين الناسي والعامد؟ ولا يعتبر بالمأمور والمزجور، فالأكل في الصلاة مزجور.
ثم سوى فيه بين النسيان والعمد ، والجماع في الإحرام كذلك، ولكن ما اقترن بحالة ما يذكره كهيئة المحرمين والمصلين لا يعذر بالنسيان.
وهنا في الذبح لم تقترن بحالة ما يذكره
…
وقد يذبح الإنسان الطير وقلبه منشغل بشغل آخر ، فيترك التسمية ناسيا، وعليه يحمل الحديث على أنه ذبح على اسم الله تعالى إذا كان ناسيا غير معرض، بدليل أنه ذكر في بعض الروايات ((وإن تعمد لم يحل)) ، وحديث عائشة رضي الله عنها ((إن الأعراب يأتوننا بلحم
…
)) دليلنا؛ لأنها سألت عن الأكل عند وقع الشك في التسمية ، فذلك دليله على أنه كان معروفا عندهم أن التسمية من شرائط الحل، وإنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل بناء على الظاهر أن المسلم لا يدع التسمية عمدا؛ لمن اشترى لحما من سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر، وإن كان يتوهم أنه ذبيحة مجوسي (1) .
(1) السرخسي- المبسوط: 12/ 238
الخطأ في الذبح
وما يأخذ حكم الذبح
ذكر ابن سماعة في نوادره، رحمه الله، عن أبي يوسف:
لو أن رجلا قطع شاة نصفين، ثم إن رجلا فرى أوداجها والرأس يتحرك، أو شق بطنها فأخرج ما في جوفها، وفرى رجل آخر الأوداج فإن هذا لا يؤكل، لأن الأول قاتل.
وذكر القدوري رحمه الله تعالى أن هذا على وجهين:
إن كانت الضربة مما يلي العجز لم تؤكل الشاة، وإن كانت مما يلي الرأس أكلت، لأن العروق المشروطة في الذبح متصلة من القلب إلى الدماغ، فإذا كانت الضربة مما يلي الرأس فقد قطعها فحلت.
وإن كانت مما يلي العجز فلم يقطعها فلم تحل.
وأما خروج الدم بعد الذبح فيما لا يحل إلا بالذبح فهل هو من شرائط الحل فلا رواية فيه.
لو ضرب صيدا بسيف فقطعه نصفين يؤكل النصفان عندنا جميعا، وهو قول إبراهيم النخعي.
وجه هذا القول: لأنه وجد قطع الأوداج لكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح فيؤكل الكل.
وإن قطع أقل من النصف فمات: فإن كان مما يلي العجز لا يؤكل المبان عندنا، وقال الشافعي: يؤكل.
وجه قوله: إن الجرح في الصيد إذا اتصل به الموت فهو ذكاة اضطرارية، وأنها سبب الحل كالذبح.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أبين من الحي فهو ميت)) . والمقطوع مبان من الحي فيكون ميتاً.
وأما قوله: إن الجرح الذي اتصل به الموت ذكاة في الصيد، فنعم
…
لكن حال فوات الحياة عن المحل وعند الإبانة المحل كان حيا، فلم يقع الفعل ذكاة له، وعندما صار ذكاة كان الجزء منفصلا، وحكم الذكاة لا يلحق الجزء المنفصل.
وإن كان مما يلي الرأس يؤكل الكل لوجود قطع الأوداج، فكان الفعل حال وجوده ذكاة حقيقية فيحل به الكل.
ولو ذبح شاة ولم يسل منها دم- قيل: وهذا قد يكون في شاة اعتلفت بالعناب- واختلف المشايخ فيه:
قال أبو القاسم الصفار رحمه الله: لا تؤكل، لقوله، عليه الصلاة والسلام:((ما فرى الأوداج وأنهر الدم فكل)) يؤكل بشرط إنهار الدم ولم يوجد.
ولأن الذبح لم يشرط لعينه بل لإخراج الدم المحرم وتطييب اللحم ولم يوجد، فلا يحل.
وقال أبو بكر الأسكافي والفقيه أبو جعفر الهندواني رحمهما الله:
يؤكل لوجود الذبح وهو فري الأوداج، وأنه سبب لخروج الدم عادة، لكنه امتنع لعارض بعد وجود السبب، فصار كالدم الذي احتبس في بعض العروق عن الخروج بعد الذبح، وذا لا يمنع الحل كذا هذا.
وعلى هذا يخرج ما إذا قطع من إلية الشاة قطعة أو من فخذها أنه لا يحل المبان، وإن ذبحت الشاة بعد ذلك، لأن حكم الذكاة لم يثبت في الجزء المبان وقت الإبانة لانعدام ذكاة الشاة لكونها حية وقت الإبانة، وحال فوات الحياة كان الجزء منفصلا، وحكم الذكاة لا يظهر في الجزء المنفصل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:((ما أبين من الحي فهو ميت)) والجزء المقطوع مبان من حي وبائن منه فيكون ميتا.
وكذلك إذا قطع من صيد لم يؤكل المقطوع- وإن مات الصيد بعد ذلك- لما قلت.
وقال الشافعي: يؤكل إذا مات الصيد من ذلك.
وإن قطع فتعلق العضو بجلده لا يؤكل، لأن ذلك القدر من التعلق لا يعتبر فكان وجوده والعدم بمنزلة واحدة، وإن كان متعلقا باللحم يؤكل الكل؛ لأن العضو المتعلق باللحم من جملة الحيوان، وذكاة الحيوان تكون لما اتصل به (1) .
(1) الكاساني- بدائع الصنائع: 5/ 66
أهلية الذابح
وقال الكاساني: ومن شرائط ركن الذكاة- اختيارية كانت أو اضطرارية- أن يكون المذكي عاقلا، فلا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي الذي لا يعقل، والسكران الذي لا يعقل.
وجاء في وجه هذا القول: إن القصد إلى التسمية عند الذبح شرط، ولا يتحقق القصد الصحيح ممن لا يعقل- فإن كان الصبي يعقل الذبح ويقدر عليه تؤكل ذبيحته، وكذا السكران.
ومنها: أن يكون المذكي مسلما أو كتابيا- فلا تؤكل ذبيحة أهل الشرك والمجوسي والوثني وذبيحة المرتد.
أما ذبيحة أهل الشرك فلقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة:3]، وقوله تعالى:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] ، والنصب هي الأصنام التي يعبدونها.
وأما ذبيحة المجوسي: فلقوله صلى الله عليه وسلم: ((سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم)) ، ولأن ذكر الله تعالى على الذبيحة من شرائط الحل عند فقهاء الحنفية.
وأما المرتد فلأنه لا يقر على الدين الذي انتقل إليه، فكان كالوثني الذي لا يقر على دينه.
وأما ذبيحة الكتابي فتؤكل؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] والمراد منه ذبائحهم، لأن غير الذبائح من أطعمة الكفرة مأكول، ولأن مطلق اسم الطعام يقع على الذبائح كما يقع على غيرها؛ لأنه اسم لما يتطعم، والذبائح مما يتطعم، فيدخل تحت اسم إطلاق اسم الطعام فيحل لنا أكلها.
ومنها: التسمية حالة الذكر عندنا (فقهاء الحنفية) وعند الشافعي ليست بشرط أصلا.
وقال مالك: إنها شرط حالة الذكر والسهو حتى لا يحل متروك التسمية ناسيا عندهم. والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم (1) .
(1) السرخسي- المبسوط: 11/ 236
ذبيحة الكتابي
إنما تؤكل ذبيحة الكتابي إذا لم يُشهد ذبحه ولم يُسمع منه شيء، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده.
والوجه في ذلك: أنه إذا لم يسمع منه شيء يحمل على أنه قد سمي الله تعالى وجرد التسمية، تحسينا للظن به كما بالمسلم.
- ولو سمع منه ذكر الله تعالى لكنه على بالله عز وجل المسيح عليه السلام قالوا:
تؤكل لأنه أظهر تسمية هي تسمية المسلمين إلا إذا نص فقال: بسم الله الذي هو ثالث ثلاثة، فلا تحل.
وقد روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب وهم يقولون ما يقولون، فقال رضي الله عنه: قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
فأما إذا سمع منه أنه سمي المسيح عليه السلام وحده، أو سمي الله تعالى وسمى المسيح لا تؤكل ذبيحته عندنا.
كذا روي عن علي رضي الله عنه، ولم يرو عن غيره خلافه، فيكون إجماعا، ولقوله عز وجل:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة:3] وهذا أهل لغير الله عز وجل فلا يؤكل.
ومن أكلت ذبيحته ممن ذكرنا أكل صيده الذي صاد بالسهم أو بالجوارح، ومن لا فلا، لأن أهلية المذكي شرط في نوعي الذكاة الاختيارية والاضطرارية جميعا. (1)
(1) الكاساني- البدائع: 5/ 68
وقال ابن عبد البر: وأخبرنا معمر، قال: سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب فقال: من انتحل دينا فهو من أهله، ولم ير بذبائحهم بأسا (1) وروى عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا نساءهم، فإن الله تعالى يقول:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51](2) قال أبو عمر: على هذا أكثر العلماء، إلا أن يسمي النصراني من العرب المسيح على ذبيحته، فإن قال: بسم المسيح، أو ذبح لآلهته، أو لعيده، إنهم اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا، نذكره في هذا الباب إن شاء الله.
وأما نصارى العرب: فمذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نصارى العرب بني تغلب كغيرهم.
وقد قيل: إنه خص بني تغلب بأن لا تؤكل ذبائحهم. روى معمّر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، أن عليا رضي الله عنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب، ويقول: إنهم لا يتمسكون من النصرانية إلا بشرب الخمر (3)
وقالت بهذا طائفة منهم: عطاء، وسعيد بن جبير، وهو أحد قولي الشافعي.
(1) مصنف عبد الرزاق: 4/ 486 الأثر: (8571)
(2)
مصنف عبد الرزاق: 4/ 486 الأثر: (8573)
(3)
مصنف عبد الرزاق: 4/ 485، الأثر:(8570) و 6/ 27 و 7/ 186؛ والروض النضير: 3/ 369؛ تفسير ابن جرير الطبري: 9/ 576، ط المعارف؛ وسنن البيهقي: 9/ 218؛ وأحكام القرآن، للجصاص: 3/ 323؛ والجامع لأحكام القرآن: 6/ 78
وأما اختلاف العلماء فيما ذبح النصارى لكنائسهم وأعيادهم أو ما سموا عليه المسيح: فقال مالك: ما ذبحوه لكنائسهم أكره أكله، وما سمي عليه باسم المسيح لا يؤكل.
والعرب عنده والعجم في ذلك سواء.
وقال الثوري: إذا ذبح، وأهل به لغير الله كرهته. وهو قول إبراهيم (1) .
قال سفيان: وبلغنا عن عطاء أنه قال: قد أحل الله ما أهلوا لغير الله، لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول، وقد أحل ذبائحهم.
وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت، قالا: لا بأس بما ذبح النصارى لكنائسهم وموتاهم، قال أبو الدرداء: طعامهم كله لنا حل، وطعامنا لهم حل.
وإلى هذا ذهب فقهاء الشاميين: مكحول، والقاسم بن مخيمرة، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وسعيد بن عبد العزيز، والأوزاعي، وقالوا: سواء سمي النصراني المسيح على ذبيحته أو سمي جرجس، أو ذبح لعيده، أو لكنيسته، كل ذلك حلال؛ لأنه كتابي ذبح بدينه، وقد أحل الله ذبائحهم في كتابه.
وقال المزني، عن الشافعي: لا تحل ذبيحة نصارى العرب (2)
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب (3) وعلي بن أبي طالب (4) .
(1) مختصر المزني، ص 284 في كتاب (الضحايا)
(2)
مصنف عبد الرزاق: 6/ 119، وآثار أبي يوسف، ص 239
(3)
روى البيهقي في سننه: 9/ 216، عن الفاروق عمر قوله:(ما نصارى العرب بأهل كتاب، ما تحل لنا ذبائحهم، وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم) .
(4)
الجامع لأحكام القران، القرطبي: 6/ 78؛ وأحكام القرآن، للجصاص: 3/ 323؛ وتفسير الطبري: 9/ 576، ط دار المعارف، عن الإمام علي مثل قول الفاروق
وروى قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي، قال: إذا سمعت النصراني يقول: باسم المسيح فلا تأكل، وإذا لم يسم (فكل) فقد أحل الله ذبائحهم (1)،وعن عائشة قالت: لا تأكل ما ذبح لأعيادهم.
وعن عمر مثله، وعن الحسن، وميمون بن مهران: إنهما كانا يكرهان ما ذبح النصارى لأعيادهم، وكنائسهم، وآلهتهم.
وقد قال إسماعيل بن إسحاق: كان مالك يكرهه من غير أن يوجب فيه تحريما.
وذكر عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عمر بن ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز كان يوكل بقوم من النصارى قوما من المسلمين إذا ذبحوا أن يسموا الله، ولا يتركوهم أن يهلوا لغير الله (2)
وجاء في البيان والتحصيل مسألة:
وسئل عن ذبيحة الخصي فقال: أحب ألا يذبح، فإن ذبح أكلت، فقيل له: فذبيحته للعيد؟
قال: هو يؤم الناس في النافلة وفي السفر، فأما صلاة الجماعات في المساجد فلا، قيل: أرأيت إن أَمَّ خصي قوما أيعيدون الصلاة حين علموا قال: لا
…
(1) المحلى: 7/ 411؛ ومثله في أحكام القرآن، للجصاص: 1/ 125
(2)
مصنف عبد الرزاق: 4/ 488، الأثر (8581)
قال محمد بن رشد: كره ذبح الخصي ولم يكره ذبح العبد وكلاهما لا يكون إماما راتبا، ولا تجب الإعادة على من صلى خلفه.
فالفرق بينهما: أن الخصاء أمر ثابت، فنحا به ناحية التأنيث، والعبودية ليست بثابتة، قد يعتق العبد.
إلى أن قال: وإن كان الأولى في ذلك الذبح الكمال في الطهارة والدين، فقد كان الناس يبتغون لذبائحهم أهل الفضل والإصابة.
وقال: فستة لا تجوز ذبائحهم، وستة تكره ذبائحهم ، وستة يختلف في جواز ذبائحهم:
فأما الذين لا تجوز ذبائحهم: فالصغير الذي لا يعقل، والمجنون في حالة جنونه، والسكران الذي لا يعقل، والمجوسي، والمرتد، والزنديق. وأما الذين تكره ذبائحهم: فالصغير الذي يعقل، والمرأة، والخنثى، والخصي، والأغلف، والفاسق.
قال القرافي: ومنشأ الخلاف: هل النظر إلى أن ضعف طبع الثلاثة الأُول يمنع الذكاة على وجهها، ومشابهة الخصي بهم ونقص الآخرين من جهة الدين ،
أو أن القصد والفعل من الجميع ممكن فتصح.
وأما الذين يختلف في جواز ذبائحهم: فتارك الصلاة، والسكران الذي يخطئ ويصيب، والمبتدع الذي يختلف في تكفيره، والعربي النصراني، والنصراني يذبح للمسلم بأمره، والعجمي يجيب إلى الإسلام قبل البلوغ، هذا كله مذهب مالك (1) .
وقال: ولا ينبغي لمسلم أن يشتري اللحم من مجزرة يهودي وهو يجد من ذلك مندوحة، فقد كانوا يبتغون لذبائحهم أهل الفضل والإصابة،
فكيف باليهودي والنصراني والكتابي؟ وقال: في اختيار الذبائح. (2)
(1) القرافي- الذخيرة: 4/ 122؛ التحصيل: 3/ 3546؛ البيان والتحصيل: 17/ 124
(2)
القرافي- الذخيرة: 4/ 123
قال مالك: ولقد أخبرني شيخ من بني عبد الأشهل قال: أدركت الناس يختارون لذبائحهم.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم - من كتاب الصيد والذبائح ساقها فيه- على أن الاختيار للمرأة إذا اضطرت إلى ذكاة ذبيحتها وعندها نصراني أن تذكيها ولا تكلها إلى النصراني ووجه اختيار أهل الفضل للذبائح صحيح؛ لأن الفاسق- وإن كانت تؤكل ذبيحته- لكن لاينبغي أن يؤتمن ابتداء على الذبح، مخافة أن يقصر فيما يلزمه فيه، فيكتم ذلك ولا يعلم به، وذلك مأمون من أهل الفضل (1) .
وقال ابن القاسم: وما لا يستحلونه ولا يؤكل، كذي الظفر وهو الإبل والنعام والبط وما ليس مشقوق الأصابع، خلافا لابن حنبل لأنه ليس من طعامهم.
جاء في معالم السنن للخطابي (388 هـ) : ومن باب أكل ذبائح أهل الكتاب.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عمر بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله!! فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهٌ} [الأنعام: 121]
(1) البيان والتحصيل: 17/ 124
قال الشيخ (الخطابي) : في هذا دلالة على أن معنى ذكر اسم الله على الذبيحة في هذه الآية ليس باللسان، وإنما معناه تحريم ما ليس بالمذكى من الحيوان.
فإذا كان الذابح ممن يعتقد الاسم ولكن لم يذكره بلسانه فقد سمي، وإلى هذا ذهب ابن عباس في تأويل الآية (1)
وجاء في (باب أكل اللحم لا يدري أذكر اسم الله عليه أم لا) :
قال أبو داود
…
عن حماد ومالك وعائشة أنهم قالوا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سموا الله وكلوا)) .
قال الشيخ الخطابي: فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح،
لأن البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة، فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه، فلو كانت التسمية من شرط الذكاة لم يجز أن يحمل الأمر فيها على حسن الظن بهم فيستباح أكلها، كما لو عرض الشك في نفس الذبح ، فلم يعلم هل وقعت الذكاة أم لا، يجوز أن تؤكل (2)
(1) الخطابي- معالم السنن: 4/ 277
(2)
الخطابي- معالم السنن: 4/ 283.
شرط الحل في الحيوان المذكى
إن الشرع إنما ورد بإحلال الطيبات قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وقال سبحانه وتعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ولأن الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح، وأنه لا يحل إلا في الذبح، ولا يطيب إلا بخروج الدم المسفوح، وذلك بالذبح فيما يذبح من الشاة والبقر ونحوهما، والنحر فيما ينحر وهو الإبل عند القدرة على الذبح والنحر، ولهذا حرمت الميتة؛ لأن المحرم وهو الدم المسفوح قائم فيها، ولذا لا يطيب مع قيامه، ولذا يفسد في أدنى مدة ما يفسد في مثلها المذبوح، وكذا المنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة لما قلنا، ولأن المقصود من- الذبح والنحر- إخراج الدم المسفوح وتطيب اللحم (1) .
وكذلك إذا قطع من إلية الشاة قطعة أنه لا يحل المبان وإن ذبحت الشاة بعد ذلك، لأن حكم الذكاة لم يثبت في الجزء المبان وقت الإبانة، لانعدام ذكاة الشاة لكونها حية وقت الإبانة، وحال فوات الحياة كان الجزء منفصلا، وحكم الذكاة لا يظهر في الجزء المنفصل.
وروي أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من إلية الشاة ومن سنام البعير فيأكلونها، فلما بعث النبي المكرم عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام:((ما أبين من الحي فهو ميت)) والجزء المقطوع مبان من الحي وبائن منه فيكون ميتا.
(1) الكاساني- البدائع: 5/ 41
وهذا الحديث الشريف يعتبر أصلا وقاعدة في هذا الباب يفرع عليه مسائل كثيرة، منها:
1-
إذا قطع جزء من الصيد لم يؤكل المقطوع وإن مات الصيد بعد ذلك.
2-
لو ضرب صيدا بسيف- ويصدق ذلك على المذبوح بالآلات- فقطعه نصفين، يؤكل النصفان عندنا جميعا، وهو قول إبراهيم النخعي ، وجه هدا القول: وجد قطع الأوداج لكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح فيؤكل الكل، وإن قطع أقل من النصف فمات؛ كان مما يلي العجز لا يؤكل المبان عندنا.
قال الشافعي: يؤكل.
وجه قوله: إن الجرح في الصيد إذا اتصل به الموت فهو ذكاة اضطرارية وأنها سبب الحل كالذبح.
واستدل فقهاء الحنفية بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أبين من الحي فهو ميت)) والمبان من الحي فيكون ميتا.
الرد على وجه قول الشافعي:
وأما قول الشافعي: إن الجرح الذي اتصل به الموت ذكاة في الصيد ، فنعم، لكن حال فوات الحياة من المحل، وعند الإبانة: المحل كان حيا فلم يقع الفعل ذكاة له، وعندما صار ذكاة كان الجزء منفصلا، وحكم الذكاة لا يلحق الجزء المنفصل، وإن كان مما يلي الرأس ويؤكل الكل لوجود قطع الأوداج، فكان الفعل حال وجوده ذكاة حقيقية فيحل به الكل. اهـ (1) .
ومن شروط الحل في الحيوان المذكى:
ا- قيام أصل الحياة في الحيوان وقت الذبح - قلت أو كثرت - في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يكتفي بقيام أصل الحياة، بل تعتبر حياة مقدورة كالشاة المريضة، والوقيذة، وجريحة السبع، والنطيحة، إذا لم يبق فيها إلا حياة قليلة عرف ذلك بالصياح أو بتحريك الذنب أو طرف العين أو التنفس.
وأما خروج الدم فلا يدل على الحياة إلا إذا كان يخرج كما يخرج من الحي المطلق.
فإذا ذبحها وفيها قليل حياة على الوجه الذي ذكرنا تؤكل عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعن أبي يوسف روايتان:
في ظاهر الرواية عنه أنه إن كان يعلم أنها لا تعيش مع ذلك فذبحها
لا تؤكل، وإن كان يعلم أنها تعيش مع ذلك فذبحها تؤكل.
وفي رواية قال: إن كان لها من الحياة مقدار لا تعيش به أكثر من نصف يوم فذبحها تؤكل، وإلا فلا.
(1) الكاساني- البدائع: 5/ 45
وقال محمد رحمه الله: إن كان لم يبق من حياتها إلا قدر حياة المذبوح بعد الذبح أو أقل فذبحها لا تؤكل، وإن كان أكثر من ذلك تؤكل. وذكر الطحاوي قول محمد مفسرا فقال: على قول محمد إن لم يبق معها إلا الاضطراب للموت فذبحها لا تحل.. وإن كانت تعيش مدة كاليوم أو كنصفه حلت.
وجه قولهما: إذا لم يكن لها حياة مستقرة على الوجه الذي ذكرنا كانت ميتة معنى ، فلا تلحقها الذكاة كالميتة.
ولأبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] .
وجه الاستدلال: استثنى سبحانه وتعالى المذكى من الجملة المحرمة، والاستثناء من التحريم إباحة، وهذه مذكاة لوجود فري الأوداج مع قيام الحياة فدخلت تحت النص (1) .
(1) الكاساني- البدائع: 5/ 55- 51
الذبح الاضطراري:
قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، استثنى سبحانه وتعالى المذكى من المحرم، والاستثناء من التحريم إباحة، هذا والحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح، وأنه لا يزول إلا بالذبح والنحر، ولأن الشرع ورد بإحلال الطيبات، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وقال سبحانه وتعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] ولا يطيب إلا بخروج المحرم وهو الدم المسفوح، وذلك بالذبح والنحر، ولهذا حرمت الميتة لأنه المحرم وهو الدم المسفوح فيها قائم، ولذا لا يطيب مع قيامه، وكذا المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة؛ لما قلنا.
هذا والذكاة على ما عرف قسمان: اختيارية واضطرارية:
والاختيارية: الذبح فيما يذبح، والنحر فيما ينحر.
والاضطرارية: فركنها العقر، وهو الجرح في أي موضع كان وذلك في الصيد وما هو في معنى الصيد، وإنما كان كذلك لأن الذبح إذا لم يكن مقدورا ولا بد من إخراج الدم لإزالة المحرم وهو الدم المسفوح وتطيب اللحم، فيقام سبب الذبح مقامه وهو الجرح على الأصل المعهود من إقامة السبب مقام المسبب عند العذر والضرورة
…
وكذلك ما ندَّ من الإبل والبقر والغنم بحيث لا يقدر عليها صاحبها، لأنه بمعنى الصيد وإن كان مستأنسا (1) .
(1) الكاساني- بدائع الصنائع: 5/ 63
باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة
وقال ابن عبد البر، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رجلا من الأنصار، من بني حارثة، كان يرعى لقحة (1) له بأحد. فأصابها الموت (2) فذكاها بشظاظ (3) فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك، فقال:((ليس بها بأس، فكلوها)) (4) .
مالك عن نافع، عن رجل من الأنصار (5)، عن معاذ بن سعد أو سعد ابن معاذ: أن جارية كانت لكعب بن مالك كانت ترعى غنمها فأصيبت شاة منها، فأدركتها، فذكتها بحجر، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال:((لا بأس بها فكلوها)) (6) .
(1) اللقحة: الناقة ذات اللبن
(2)
أصابها الموت: أراد المرض أو الإصابة مما يتيقن أنها تموت بسببه
(3)
الشظاظ: العود المحدد الطرف
(4)
الموطأ، ص 489؛ الموطأ برواية محمد بن الحسن، ص 17 2، الحديث (640) وهو مرسل عند جميع الرواة عن مالك، وروي موصولا عن أبي سعيد الخدري: أخرجه النسائي في الضحايا- باب (إباحة الذبح بالعود) عن محمد بن معمر، عن حبان بن هلال، عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن زيد بن أسلم، قال جرير: فلقيت زيدا فحدثني عن عطاء بن يسار.
(5)
الرجل من الأنصار: هوعبد الرحمن بن كعب بن مالك، على ما رجحه الحافظ ابن حجر.
(6)
الموطأ، ص 489؛ والموطأ برواية محمد بن الحسن، ص 218، الحديث (641) ؛ ومن طريق مالك أخرجه البخاري مما في الذبائح والصيد (5505) (ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد) والبيهقي في السنن: 9/ 282-283، عن نافع عن رجل من الأنصار بهذا الإسناد؛ وأخرجه البخاري في الوكالة (2354) باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد ذبح أو أصلح ما يخاف عليه الفساد و (5551) في الذبائح والصيد "باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد" من طريقين عن معتمر بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، به. وأخرجه البخاري (5504) باب (ذبيحة المرأة والأمة) وابن ماجه (3182) في الذبائح باب ذبيحة المرأة؛ البيهقي: 9/ 282 من طريق عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، به؛ وأخرجه أحمد: 6/ 386؛ والطبراني 19/ 190، من طريق حجاج عن نافع، به؛ وأخرجه الطبراني: 19/ 144، 169 من طريق ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك عن أبيه؛ وأخرجه أحمد: 3/ 454، من طريق وكيع، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن ابن كعب أن جارية لكعب كانت ترعى
…
قال أبو عمر: أما حديثه الأول، عن زيد بن أسلم، فلم يختلف عنه في إرساله على ما في (الموطأ)، وقد ذكره البزار مسندا فقال: حدثنا محمد بن معمر قال: حدثني حبان بن هلال، قال: حدثني جرير بن حازم، عن أيوب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكره السراج محمد بن إسحاق، أبو العباس (1)، قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش، قال: حدثنا حيان بن هلال قال: حدثنا جرير بن حازم، قال: حدثنا أيوب، عن زيد بن أسلم؛ فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: كانت لرجل من الأنصار ناقة ترعى في قبلي أحد، فنحرها يزيد، بوتد من حديد، أو خشب، قال: بلى من خشب، وأتى النبي عليه فسأله ، فأمره بأكلها (2) .
(1) هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، الإمام الحافظ الثقة، شيخ الإسلام، محدث خراسان، أبو العباس الثقفي مولاهم الخرساني النيسابوري، صاحب المسند الكبير على الأبواب والتاريخ وغير ذلك، وأخوه إبراهيم المحدث إسماعيل. مولده في سنة ستة عشرة ومئتين، ووفاته سنة ثلاثة وثلاثمائة بنيسابور وكان من الثقات الأثبات، وقد عني بالأحاديث، وصنف كتبًا كثيرة من أهمها:"المسند الكبير". وقد أفاض العلماء في توثيق روايته، وأنه متفق عليه من شرط الصحيح، وأنه صدوق، مجاب الدعوة، وأنه السراج كالسراج، وأنه كان ذا تعبد وتهجد، وذا ثروة واسعة، وبر معروف. وقد كتب عن الأقران، ومن هو أصغر منه سنا، لعلمه وتبحره، حتى إنه كتب عن ألف وخمسمائة وزيادة. ترجمته في: الجرح والتعديل: 7/ 196؛ فهرست ابن النديم (220) ؛ تاريخ بغداد: 1/ 248- 735؛ سير أعلام النبلاء: 14/ 388؛ العبر: 2/ 157- 158؛ دول الإسلام: 1/ 189؛ الوافي بالوفيات: 2/ 187- 188؛ مرآة الجنان: 2/ 266-267؛ طبقات الشافعية، للسبكي: 3/ 108- 109؛ البداية والنهاية: 11/ 153؛ طبقات القراء للجزري: 2/ 97؛ النجوم الزاهرة: 3/ 214؛ طبقات الحفاظ، ص 311؛ شذرات الذهب: 2/ 286؛ الرسالة المستصرفة، ص 75
(2)
تقدم ذكره مع الحديث (1012) وروى البزار، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر:(أن جارية لآل كعب كانت ترعى غنما، فخافت على شاة منها أن تموت، فأخذت حجرا، فذبحتها به، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بأكلها) زوائد البزار (1223) ؛ وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 4/ 33، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط
…
ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح. وقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد (16/ 126) : " قد روي هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر، وليس بشيء، وهو خطأ، والصواب: رواية مالك ومن تابعه على هذا الإسناد.
قال أبو عمر: اللقحة: الناقة ذات اللبن، والشظاظ: العود الحديد الطرف. كذا قال أهل اللغة.
وقد روى هذا الحديث يعقوب بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، فقال فيه: فأخذها الموت، فلم يجد شيئا ينحرها به، فأخذ وتدا، فوجأ في لبتها حتى أهرق دمها، ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فأمره بأكلها.
وقال ابن عبد البر في (الاستذكار) عن مالك، عن يحيى بن سعيد،عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب؛ أنه سأل أبا هريرة: عن شاة ذبحت فتحرك بعضها، فأمره أن يأكلها، ثم سأل عن ذلك زيد بن ثابت فقال: إن الميتة لتتحرك، ونهاه عن ذلك (1) .
وذكر ابن وهب هذا الخبر في موطئه عن مالك بإسناده، قال في آخره: سألت مالكا عن ذلك، فقال: إذا كان شيئا خفيفا، فقول زيد أحب إلي، وإن كان جرى الروح في الجسد، فلا بأس بأكلها.
قال ابن وهب: وأخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: الذكاة في العين تطرف، والذنب يتحرك، والرجل تركض.
قال: وأخبرني يونس، عن ربيعة، قال: ما أدركت مما أكل السبع حيا، فكله، يريد إذا أدركت ذكاته.
وسئل مالك عن شاة تردت فتكسرت، فأدركها صاحبها فذبحها.
فسال الدم منها ولم تتحرك. فقال مالك: إذا كان ذبحها ونفسها يجري، وهي تطرف فليأكلها.
قال أبو عمر: على قول مالك هذا في الموطأ على أكثر العلماء. وهو قول علي، وأبي هريرة، وابن عباس، ومن ذكرنا معهم في الباب قبل هذا من الصحابة والتابعين، وأئمة الفتوى من الفقهاء.
(1) الموطأ، ص 495
وقد اختلف في ذلك أصحاب مالك، واختلف فيه قول الشافعي ، وذكر حماد بن سلمة، عن يوسف بن سعيد، عن يزيد مولى عقيل بن أبي طالب، قال: كانت لي عناق كريمة، فكرهت أن أذبحها، فلم ألبث أن تردت، فأمررت الشفرة على أوداجها، فركضت برجلها، فسألت زيد بن ثابت، فقال: إن الميت يتحرك بعد موته، فلا تأكلها.
قال أبو عمر: لا أعلم أحدا من الصحابة قال بقول زيد هذا.
وقد قال علي، وابن عباس، وأبو هريرة، وجماعة التابعين: إنه إذا ذبحت وفيها حياة، فإن ذلك منها، فإن تطرف بعينها، أو تحرك ذنبها، أو تضرب بيديها، أو رجلها، فهي ذكية جائز أكلها.
وقال محمد بن سلمة: إذا قطع السبع حلقوم الشاة، أو قسم صلبها، أو شق بطنها، فأخرج معاها، أو قطع عنقها لم تذك إذا كان فيها حياة.
وذكر ابن حبيب، عن أصحاب مالك - خلا ذلك في الذي شق بطنها-أنها تذكى.
وقال إسحاق بن منصور: سمعت إسحاق بن راهويه يقول في الشاة يعدو عليها الذئب، فيبقر بطنها، ويخرج المصارين حتى يعلم أنها لا يعيش مثلها. قال: السنة في ذلك ما ذكر ابن عباس؛ لأنه وإن خرجت مصارينها، فإنها حية بعد، وموضع الذكاة منها سالم.
وقال: وإنما ينظر عند الذبح أهي حية أو ميتة؟ ولا ينظر هل تعيش مثلها.
وكذلك المريضة التي لا يشك أنه مرض موت؛ جائز ذكاتها إذا أدركت فيها حياة.
قال: وما دامت فيها الحياة فله أن يذكيها.
قال: ومن قال بخلاف هذا فقد خالف السنة من جمهور الصحابة، وعامة العلماء.
قال أبو عمر: هذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في أصل مذهبهم.
وقد روى أصحاب (الإملاء) عن أبي يوسف أنه إذا بلغ التردي، أو النطح، أو الضرب من الشاة حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل، وإن ذكيت قبل الموت.
وكذلك قول الحسن بن حي.
وذكر ابن سماعة (1) عن محمد (2) : إن كان يعيش مثله اليوم، أو دونه، وإن كانت لا تبقي إلا كتف المذبوح لم تؤكل.
(1) هو قاضي بغداد أبو عبد الله، محمد بن سماعة بن عبد الله التميمي الكوفي، صاحب أبي يوسف ومحمد، (130- 233 هـ) ، روى عن أبي يوسف، ومحمد بن حسن الشيباني، والليث بن سعد، وغيرهم، وتولى القضاء ببغداد عند موت أبي يوسف، ودام إلى أن ضعف بصره، فصرفه المعتصم بإسماعيل بن حماد. كان محدثا ثقة، وفقيها عالما ممن جمع العلم والعمل، قال فيه أبن معين: لو أن المحدثين يصدقون في الحديث كما يصدق ابن سماعة في الفقه، لكانوا فيه على نهاية. صنف بعض الكتب منها:(الاكتساب في الرزق المستطاب)، وكتاب (النوادر) وترجمته في (أخبار القضاة) : 3/ 282؛ مروج الذهب: 7/ 209؛ الفهرست، ص 205؛ تاريخ بغداد: 5/ 341؛ سير أعلام النبلاء: 110/ 646؛ الوافي بالوفيات: 3/ 139- 140؛ تهذيب التهذيب: 9/ 204؛النجوم الزاهرة: 2/ 271؛ الجواهر المضية: 2/ 58، 59؛ الفوائد البهية، ص 175، 171؛ معجم المؤلفين: 10/ 157؛ تاريخ التراث العربي: 2/ 76
(2)
محمد بن حسن الشيباني.
واحتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت جراحته متلفة، وصحت أوامره، ونفذت عهوده، ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود.
وقال الأوزاعي: إذا كان فيها الحياة وذبحت، أكلت. قال: والمصبورة إذا ذبحت لم تؤكل.
وقال الليث: إذا كانت حية وأخرج السبع جوفها، أكلت إلا ما بان منها.
هذا قول ابن عباس (1) .
حدثني أحمد بن عبد الله قال: حدثني إسماعيل بن محمد، قال: حدثني عبد الملك بن بحر الجلاب، قال: حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثني سنيد بن داود، قال: حدثني جرير بن حازم، قال: عن الركين بن الربيع بن عميلة، عن أبي طلحة الأسدي، قال: سأل رجل ابن عباس، قال: كنت في غنمي فعدا الذئب فبقر شاة منها، فوقع قصبها بالأرض، فأخذت ظررًا من الأرض، فضربت بعضها ببعض، فصار لي منه كهيئة السكين، فذبحتها به، فقطعت العروق، وأهرقت الدم.
قال: انظر ما أصاب الأرض منه فاقطعه، وارم به، فإنه قد مات، وكل سائرها.
(1) مصنف عبد الرزاق: 4/ 494؛ والمحلى 7/ 458؛ والمغني: 8/ 584؛ وكشف الغمة: 1 /239
وقال الشافعي: إذا شق بطن الشاة، واستوقن أنها تموت إن لم تذك، فذكيت، فلا بأس بأكلها (1) . قال المزني: وأحفظ له: أنها لا تؤكل إذا بلغ ذلك منها (2) لا بقاء لحياتها إلا كبقاء المذبوح (3) .
وقال البويطي: إذا انخنقت الشاة، أو تردت، أو وقذت، أو نطحت، أو أكلها السبع، فبلغ ذلك منها مبلغا ليس لها معه حياة، إلا مدة قصيرة، والروح قائم فيها؛ ذكيت وأكلت، رجيت حياتها أو لم ترج، وهي كالمريضة ترجى حياتها.
قال أبو عمر: "أجمعوا في المريضة التي لا ترجى حياتها أن ذبحها ذكاة لها إذا كانت فيها الحياة في حين ذبحها، وعلم ذلك منها بما ذكروا من حركة يدها أو رجلها أو ذنبها ونحو ذلك، وأجمعوا أنها إذا صارت في حال النزع ولم تحرك يدا ولا رجلا أنه لا ذكاة فيها.
فكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردية وما ذكر معها في الآية ". اهـ
(1) نقله المزني في (مختصره) ، ص 283 كتاب الصيد والذبائح.
(2)
مختصر المزني: إذا بلغ منها ما لا بقاء لحياتها إلا كحياة المذكى.
(3)
مختصر المزني، ص 283
وقد اختلف الفقهاء في ذكاة ما نزل به الموت من الأنعام، والمتردية، والنطيحة، والموقوذة، وأكيلة السبع، والمنخنقة، فقال أبو قرة موسى بن طارق (1) : سألت مالكا عن المتردية والمفروسة تدرك ذكاتها وهي تتحرك فقال: لا بأس بها إذا لم يكن قطع رأسها، أو نثر بطنها.
قال: وسمعت مالكا يقول: إذا غير ما بين المنحر إلى المذبح لم تؤكل.
وفي المستخرجة لمالك وابن القاسم أن ما فيه الحياة- وإن كان لا يعيش، ولا يرجى له بالعيش- يذكى ويؤكل في ذلك.
وقال الليث بن سعد: إذا كانت حية، وأخرج السبع بطنها أكلنا إلا ما بان منها.
وهو قول ابن وهب، وهو الأشهر من مذهب الشافعية، وبه قال إسحاق ابن راهويه.
قال المزني: وأحفظ للشافعي قولا اخر أنها لا تؤكل إذا بلغ منها السبع أوالتردي إلى ما لا حياة معه (2)
، قال المزني: وهو قول المدنيين (3) .
(1) هو المحدث الإمام الحجة، أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي السكسكي، قاضي زبيد، ومن شيوخ الإمام أحمد بن حنبل، وقد ذكره وأثنى عليه خيرا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخليلي: ثقة صنف كتاب (السنن) على الأبواب، وأصابت كتبه آفة، فتورع أن يصرح بالأخبار، فكان يقول: ذكر فلان. ترجمته في: الجرح والتعديل 8/ 148؛ ثقات ابن حبان: 9/ 159؛ ميزان الاعتدال: 4/ 207؛ تهذيب التهذيب: 1/349
(2)
مختصر المزني، ص 283 كتاب الصيد والذبائح.
(3)
في مختصر المزني، ص 283: وهو عندي أقيس، لأني وجدت الشاة تموت عن ذكاة فتحل، وعن عقر فتحرم، فلما وجدت الذي أوجب الذبح موتها وتحليلها لا يبدلها أكل السبع لها، ولا يرد بها، كان ذلك في القياس إذا أوجب السبع موتها وتحريمها لم يبدلها الذبح لها.
وقال أبو حنيفة: في كل ما تدركه ذكاته، وفيه حياة -ما كانت الحياة - بأنه إذا ذكي قبل أن يموت.
وروى الشعبي، عن الحارث، عن علي- رضي الله عنه قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة، أو المتردية، أو النطيحة، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها (1) .
وكان الشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، وطاوس، والحسن، وقتادة، كل هؤلاء يقولون في قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] : إذا أطرفت بعينيها، أو مضغت بذنبها- يعني حركته وضربت به- أو ركضت برجلها؛ فذكيتها، فقد أحل الله لك ذلك. وذكره عن أصحابه، وهو قول أبي هريرة وابن عباس (2) .
وإليه ذهب ابن حبيب، وذكره عن أصحاب مالك.
وروى ابن عيينة، وشريك، وجرير، عن الركين بن الربيع، عن أبي طلحة الأسدي، قال: سألت ابن عباس عن ذئب عدا على شاة، فشن بطنها حتى انتثر، فسقط منه شيء إلى الأرض؟ فقال: كل وما انتثر من بطنها فلا تأكل (3) .
(1) مسند زيد: 3/ 385؛ المجموع: 9/ 95؛ المحلى: 7/ 459؛ الدر المنثور: 3/ 15
(2)
مصنف عبد الرزاق: 4/ 496؛ المحلى: 7/ 45
(3)
مصنف عبد الرزاق: 4/ 494، الأثر، (8613) وفيه:(فأمره أن يذكيها فيأكلها) ؛ والمحلى: 7/ 458؛ والمغني: 8/ 548؛ وكشف الغمة: 1/ 239
التحرك بعد الذبح
ذكر في بعض الفتاوى أنه لا بد من أحد شيئين:
إما التحرك، وإما خروج الدم، فإن لم يوجد لا يحل، كأنه جعل أحدهما بعد الذبح علامة الحياة وقت الذبح، فإن لم يوجد لم تعلم حياته وقت الذبح فلا يحل.
وقال بعضهم: إن علم حياته وقت الذبح بغير التحرك يحل، وإن لم يتحرك بعد الذبح ولا خرج منه الدم ، والله أعلم (1) .
مسائل تخرج عن حكم التسمية على الذبيحة
- لو أضجع شاة وأخذ السكين وسمي، ثم تركها وذبح شاة أخرى وترك التسمية عامدا عليها: لا تحل. كذا في الخلاصة.
- وإن أخذ سهما وسمى، ثم وضع ذلك السهم، وأخذ آخر ورمى: لم يحل بتلك التسمية. كذا في جواهر الألخلاطي.
- وإذا أضجع شاة ليذبحها وسمى عليها، ثم كلم إنسانا أو شرب ماء أو حد سكينا، أو أكل لقمة، أو ما أشبه ذلك من عمل لم يكثر؛ حلت بتلك التسمية.
- وإن طال الحديث وكثر العمل كره أكلها، وليس في ذلك تقدير، بل ينظر فيه إلى العادة (2) : إن استكثره الناس في العادة يكون كثيرا، وإن كان يعد قليلا فهو قليل، ثم ذكر في هذا الفصل لفظة الكراهة.
(1) الكاساني- البدائع: 5/ 52
(2)
الكاساني- البدائع: 5/ 49
- وقد اختلف المشايخ، رحمهم الله تعالى، في أضاحي الزعفراني، إذا حد الشفرة تنقطع تلك التسمية من غير فصل بينما إذا قل أو كثر. كذا في المحيط.
- ولو سمي ثم انفلتت الشاة وقامت من مضجعها، ثم أعادها إلى مضجعها فقد انقطعت التسمية. كذا في البدائع.
- ولو أن رجلا نظر إلى غنمه فقال: بسم الله، ثم أخذ واحدة فأضجعها وذبحها وترك التسمية عامدا، وظن أن تلك التسمية تجزئه لا تؤكل. كذا في البدائع.
- ولو أضجع إحدى الشاتين على الأخرى تكفي تسمية واحدة إذا ذبحهما بإمرار واحد، ولو جمع العصافير في يده فذبح وسمي، وذبح آخر على إثره ولم يسم: لم يحل الثاني.
ولو أمر السكين على الكل جاز بتسمية واحدة. كذا في خزانة المفتين، والله أعلم (1)
ومن شرائطها: أن تكون التسمية من الذابح، حتى لو سمي غيره والذابح ساكت وهو ذاكر غير ناس لا يحل، لأن المراد من قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] أي لم يذكر اسم الله عليه من الذابح، فكانت مشروطة فيه.
ومنها: أن يريد بها التسمية على الذبيحة، فإن أراد بها التسمية لافتتاح العمل لا يحل، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بذكر اسم الله تعالى عليه في الآيات الكريمة، ولا يكون ذكر الله عليه إلا وأن يراد بها التسمية على الذبيحة.
وعلى هذا إذا قال: (الحمد لله) على سبيل الشكر لا يحل، كذا لو سبح أو هلل أو كبر، ولم يرد به التسمية على الذبيحة، وإنما أراد به وصفه بالوحدانية والتنزه عن صفات الحدوث لا غير: لا يحل، لما قلنا.
ومنها: أن يقصد بذكر الله تعالى تعظيمه على الخلوص، ولا يشوبه معنى الدعاء، حتى لو قال: اللهم اغفر لي، لم يكن ذلك تسمية لأنه دعاء، والدعاء لا يقصد به التعظيم المحض فلا يكون تسمية، كما لا يكون تكبيرا (2) .
(1) الفتاوى الهندية: 5/ 288- 289
(2)
الكاساني- البدائع: 5/ 48
ما يستحب من الذكاة وما يكره منها
قال الكاساني في البدائع: إن المستحب أن يكون الذبح بالنهار ويكره بالليل،
والأصل فيه: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((أنه نهى عن الأضحى ليلا، وعن الحصاد ليلا)) ، وهو كراهة تنزيه، ومعنى الكراهة يحتمل أن يكون لوجوه:
أحدها: أنه دليل وقت أمن وسكون وراحة، فإيصال الألم في وقت الراحة يكون أشد.
الثاني: لا يأمن أن يخطئ فيقطع يده، ولهذا كره الحصاد بالليل.
الثالث: أن العروق المشروطة في الذبح لا تتبين في الليل، فربما لا يستوفي قطعها، ولكن هذا لا يمنع الجواز (1) .
ومنها: أنه يستحب في الذبح- حالة الاختيار- أن يكون بآلة حادة من الحديد كالسكين والسيف ونحو ذلك، ويكره بغير الحديد، وبالقليل من الحديد، لأن السنة في ذبح الحيوان ما كان أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته.
والأصل فيه: ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:((إن الله عز شأنه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) (2)
(1) السرخسي- المبسوط: 12/ 19
(2)
رواه مسلم (1955) ؛ وأحمد: 4/ 123، 124، 125؛ والترمذي (1409) ؛ والنسائي: 7/ 227؛ وابن ماجه (3170) ؛ والبيهقي: 8/ 60
…
وغيرهم.
وفي بعض الروايات: ((وليشد قوائمه وليلقه على شقه الأيسر، وليوجهه نحو القبلة، وليسم الله تعالى عليه)) والذبح بما قلنا أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته.
ومنها: التدفيف (الإسراع) في قطع الأوداج، ويكره الإبطاء فيه لما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:((وليرح ذبيحته)) والإسراع نوع راحة له.
ومنها: الذبح في الشاة والبقر، والنحر في الإبل، ويكره القلب في ذلك لما ذكرنا فيما تقدم، والله عز شأنه أعلم (1) .
ومنها: أن يكون ذلك من قبل الحلقوم، ويكره قبل القفا لما مر (2) .
ومنها: قطع الأوداج كلها، ويكره قطع البعض، دون البعض لما فيه من إبطاء فوات حياته.
ومنها: الاكتفاء بقطع الأوداج ولا يبلغ به النخاع، وهو العرق الأبيض الذي يكون في عظم الرقبة، ولا يبان الرأس، ولو فعل ذلك يكره لما فيه من زيادة إيلام من غير حاجة إليها، وفي الحديث:((ألا لا تنخعوا الذبيحة)) والنخع القتل الشديد حتى يبلغ النخاع.
ومنها: أن يكون الذابح مستقبلا القبلة، والذبيحة موتجهة إلى القبلة، لما روينا، ولما روي أن الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا إذا ذبحوا استقبلوا القبلة، فإنه روي عن الشعبي أنه قال: كانوا يستحبون أن يستقبلوا القبلة، وقوله:"كانوا" كناية عن الصحابة رضي الله عنهم، ومثله لا يكذب، ولأن المشركين كانوا يستقبلون بذبائحهم إلى الأوثان فتستحب مخالفتهم في ذلك باستقبال القبلة التي هي جهة الرغبة إلى طاعة الله عز شأنه، وذلك مندوب إليه في غير الصلاة، فلهذا كان تركه موجبا للكراهة غير مفسد للذبحة (3)
ويكره: أن يقول عند الذبح: اللهم تقبل من فلان، وإنما يقول ذلك بعد الفراغ من الذبح، أو قبل الاشتغال بالذبح
…
هكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله، عن حماد عن إبراهيم، وكذلك قال أبو يوسف: ادع بالتقبل قبل الذبح إن شئت أو بعده.
(1) السرخسي- المبسوط: 12/ 3
(2)
السرخسي- المبسوط: 12/ 3
(3)
العيني- البناية على الهداية: 9/ 46
- وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((موطنان لا أذكر فيهما: عند العطاس، وعند الذبح)) . وروينا عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال:"جردوا التسمية عند الذبح ". ولو قال ذلك لا تحرم الذبيحة، لأنه ما ذكر اسم غير الله عز شأنه على سبيل الإشراك، لكنه يكره لتركه التجريد من حيث الصورة.
- فإن قيل: أليس أنه ((روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته)) .
فالجواب: أنه ليس فيه أنه ذكر مع اسم الله تعالى جل شأنه نفسه عليه الصلاة والسلام، أو أمته، فيحتمل أن ضحى بأحدهما وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عنه، وضحى بالآخر وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عن أمته، وهذا لا يوجب الكراهة.
ويكره له بعد الذبح قبل أن تبرد أن ينخعها أيضا، وهو أن ينحرها حتى تبلغ النخاع. قاله صاحب الهداية.
ويكره له: أن يسلخها قبل أن تبرد، لأن فيه زيادة إيلام لاحاجة إليها.
فإن نخع أو سلخ قبل أن تبرد فلا بأس بأكلها لوجود الذبح بشرائطه.
ويكره: جرها برجلها إلى المذبح، لأنه إلحاق زيادة ألم بها من غير حاجة إليها في الذكاة.
وروي عن ابن سيرين عن سيدنا عمر رضي الله عنهما، أنه رأى رجلا يسوق له شاة ليذبحها سوقا عنيفا، فضربه بالدرة ثم قال له: سقها إلى الموت سوقا جميلا، لا أم لك.
ويكره: أن يضجعها ثم يحد شفرته بين يديها، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته وهي تلاحظه فقال عليه الصلاة والسلام:((أوددت أن تميتها موتات؟ ألا حددت الشفرة قبل أن تضجعها)) (1) .
قوله صلى الله عليه وسلم: "أن تميتها موتات " أي مرات عديدة.
فإن قلت: كيف يكون ذلك ولا يعلم الحيوان بذبحه، لأنه لا عقل له؟
قلت: هذا سؤال ساقط، وفيه سوء أدب؟ لأنه الوهم في ذلك كاف وهو موجود فيه، والعقل يحتاج إليه لمعرفة الكليات، وما نحن فيه فليس منها.
وأجاب السرخسي في المبسوط: بأن الحيوان يعرف ما يراد منه كما جاء في الخبر:
أبهمت البهائم إلا عن الأربعة خالقها ورازقها وضعفها وشقائها. فإذا كانت تعرف ذلك وهو يحد الشفرة عندها كان فيه زيادة ألم غير محتاجة إليه، ولهذا قيل: يكره أن يذبح شاة والأخرى تنظر إليها، وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه، أنه رأى رجلا قد أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة، فضربه بالدرة فهرب الرجل وشردت الشاة.
ولأن البهيمة تعرف الآلة الجارحة كما تعرف المهالك فتتحرز عنها، فإذا حد الشفرة وقد أضجعها يزداد ألمها.
وهذا كله لا تحرم به الذبيحة؛ لأن النهي عن ذلك ليس لمعنى في المنهي، بل لما يلحق الحيوان من زيادة ألم لا حاجة إليه، فكان النهي عنه لمعنى في غير المنهي عنه، وأنه لا يوجب الفساد كالذبح بسكين مغصوب، والاصطياد بقوس معضوب (2) .
والحاصل أن ما فيه زيادة إيلام لا يحتاج إليه في الذكاة: مكروه.
(1) وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك، في الضحايا، عن حماد بن زيد عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهم.
(2)
الكاساني- بدائع الصنائع: 5/ 60- 61
الحكمة من تحريم الميتة
ولئن قيل: ما هو الفقه في تحريم ما مات حتف أنفه؟ وهو المتبادر من لفظ الميتة عند الإطلاق، وما هو في معناه كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع منها إذا لم تذك، أي يجهز عليها بقصد الأكل.
- وما هو الفرق بين الصيد يأتي به الكلب المعلم ميتا فيكون حلالا، وبين ما أكل السبع منه فمات ولم تدرك ذكاته؟
وما ضرب الإنسان بعصا أو حجر فمات كذلك ولم يذك القصد؟
وما الحكمة في جعل القصد محللا؟
الجواب عن ذلك: فيما يظهر لنا بعد اعتبار تعظيم شأن القصد في الأمور كلها ليكون الإنسان معتمدا على كسبه وسعيه، وهو الحكمة الأولى في ذلك، وهو أن الميت حتف نفسه يغلب أن يكون قد مات في مرض أو أكل نبات سام، وبذلك يكون لحمه ضارا كلحم الخنزير، فإن هذا قد حرم لضرره فهذه حكمة ثانية.
والحكمة الثالثة:- غير اعتبار القصد وخوف الضرر- وهي أن الطباع السليمة تستقذر الميت حتف أنفه ولا تعده من الطيبات، والدين يربي الإنسان على شرف النفس، ولذلك أحل له الطيبات، وحرم عليه الخبائث. وأما ما هو في معنى الميتة حتف أنفها من المنخنقة والموقوذة فيظهر في علة تحريمه كل ما ذكر إلا حكمة توقع الضرر في الجسم، فيظهر فيه بدلها تنفير الناس عن تعريض البهيمة إلى الموت بإحدى هذه الميتات القبيحة في حال من الأحوال، وأن يعرفوا أن الشرع يأمر بالمحافظة على حياة الحيوان، وينهى عن تعذيبه، أو تعريضه للتعذيب، ويعاقب من تهاون في ذلك بتحريم أكل الحيوان عليه، إذا تهاون في حفظ حياته.
الحكم في مشروعية التسمية في الذبح والإرسال
وقال ولي الله الدهلوي:
واعلم أن ههنا أمور مهمة تحتاج إلى ضبط الحدود، وتمييز المشكل:
منها أن المشركين كانوا يذبحون لطواغيتهم ويتقربون به إليها، وهذا نوع من الإشراك، فاقتضت الحكمة الإلهية أن ينهى عن هذا الإشراك، ثم يؤكد التحريم بالنهي عن تناول ما ذبح لها ليكون كابحًا عن ذلك الفعل، وأيضا فإن قبح الذبح يسري في المذبوح، ثم المذبوح للطواغيت أمر مبهم ضبط بما أهل لغير الله به، وبما ذبح على النصب، وبما ذبحه غير المتدين بتحريم الذبح بغير اسم الله، وهم المسلمون وأهل الكتاب، وجر ذلك أن يوجب ذكر اسم الله عند الذبح، لأنه لا يتحقق الفرقان بين الحلال والحرام بادي الرأي إلا عند ذلك.
وأيضا فإن الحكمة الإلهية لما أباحت لهم الحيوانات - التي هي مثلهم في الحياة وجعل لهم الطولى عليها- أوجبت أن لا يغفلوا عن هذه النعمة عند إزهاق أرواحهم، وذلك أن يذكروا اسم الله عليها، وهو قوله تعالى:{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34] .
ومنها: أن الميتة حرام في جميع الملل والنحل.
أما الملل فاتفقت عليها لما تلقّى من حظيرة القدس أنها من الخبائث.
وأما النحل فلما أدركوا أن كثيرا منها يكون بمنزلة السم؛ من أجل انتشار أخلاط سمية تنافي المزاج الإنساني عند النزع، ثم لا بد من تمييز الميتة عن غيرها، فضبط بما قصد إزهاق روحه بالأكل، فجر ذلك إلى تحريم المتردية والنطيحة وما أكل السبع
…
فإنها كلها خبائث مؤذية.
ومنها: أن العرب واليهود كانوا يذبحون وينحرون، وكان المجوس يخنقون ويبعجون (يشقون البطون) ، والذبح والنحر سنة الأنبياء، عليهم السلام، توارثوهما، وفيهما مصالح (1)
(1) الدهلوي- حجة الله البالغة: 2/ 168
الخاتمة
وبعد:
فقد تحصل لدينا أن التذكية أمر تعبدي، لا كما ذهب إليه صاحب المنار، ومن تأثر برأيه من بعض الفضلاء المعاصرين- وأن التسمية على الذبح والإرسال مطلوبة شرعا بصريح النص من الكتاب والسنة، والمسلم يذبح بدينه وكذلك الكتابي، والإسلام شرع الرفق بالحيوان قبل الذبح وبعده بما لا يوجد في ملة سواه، ولا في قانون وضعي، كما سن آداباً على جانب من الأهمية، يحسن أن تلحظ في التوصيات التي يصدرها المؤتمر نتيجة المناقشات.
- والتذكية في المذابح الآلية الحديثة أقرب إلى الذبح الاضطراري منه إلى الذبح الاختياري، نتيجة ضرب الحيوان أو صعقه بالكهرباء قبل الذبح، بحيث يوصف بالموقوذة والمتردية والنطيحة.
ولا بد من بقاء الروح في الحيوان المذكى على هذا الوجه بما يوصف (فوق حياة المذبوح) وألا كان ميتة يحرم تناولها
…
آملين أن تتوصل دول العالم الإسلامي إلى الاستغناء عن مثل هذه الذبائح، خروجاً من الخلاف، واستبراء لدين المسلمين، وتجنبا لمواطن الشبه.
والله من وراء القصد
الشيخ خليل محيي الدين الميس
قائمة بأهم المصادر والمراجع
ا- أحكام القرآن، ابن العربي
2-
أحكام القران، الجصاص
3-
بدائع الصنائع، الكاساني
4-
معالم السنن، الخطابي
5-
المبسوط، السرخسي
6-
الجامع لأحكام القران، القرطبي
7-
صحيح البخاري
8-
صحيح مسلم
9-
الموطأ، الإمام مالك
10-
سنن البيهقي
11-
سنن ابن ماجه
12-
المستدرك، الحاكم
13-
مصنف عبد الرزاق
14-
مختصر المزني
15-
الفتاوى الهندية
16-
حجة الله البالغة، الدهلوي
17-
المنار
18-
الحاوي الكبير، الماوردي
19-
الاستذكار، ابن عبد البر
20-
المنتقى، الباجي
21-
البناية على الهداية، العيني.
22-
أوجز المسالك، الكاندهلوي.
الذبائح
العرض- التعقيب- المناقشة
العرض
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في هذه الجلسة الصباحية المباركة- إن شاء الله- نستعرض موضوع الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة، والآن الشيخ محمد تقي الدين العثماني يعطي عرضًا عن بحثه، ونرجو أن يكون في حدود عشرين دقيقة: الشيخ محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فموضوع الذبائح والطرق الشرعية لإنجاز الذكاة ليس موضوعا جديدا، وإنما هو مبسوط في كتب الفقه الإسلامي كل البسط، ومن البدهي أنه ليس المقصود من عرض هذا الموضوع على المجمع الكريم استقصاء جميع الأحكام المتعلقة بالذبائح، وإنما المقصود التعرض للأحكام التي تتعلق بالقضايا المستجدة والطرق الجديدة لإنجاز الذكاة والذبح. ومن هنا فإني قد فصلت بحثي على أقسام، وقد استحسنت أن أشرع في هذا البحث بالرد على قول شاذ خطير قد صدر من الشيخ المفتي محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا؛ من أن الذبح ليس من الأمور التعبدية وإنما هو من الأمور العادية، ويجوز للإنسان أن يتصرف فيه كيف ما شاء.
فهذا قول قد استغله بعض الناس للانخلاع عن ربقة التكليف بأسرها، فأردت أن أرد على هذا القول، والذي يكفي في الرد عليه هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله)) .
وأصرح من ذلك رواية النسائي جاء فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها)) . فهذا الحديث يدل على أن الذبح من الشعائر الدينية التي يمتاز بها المسلم عن غيره، ولولا أن ذبح الحيوان له أحكام خاصة تعبدية لجاز كل حيوان قتله وثني أو مجوسي أو دهري، ولا ما اقتصر الحل على ذبيحة مسلم أو كتابي.
ومن هنا أصبحت أحكام الصيد والذبائح من أهم أبواب الفقه الإسلامي، وقد بسط الفقهاء هذه الأحكام، وهي مستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وبعد هذا التمهيد، فإن التذكية الشرعية لها شروط، والشروط التي تهمنا في يومنا هذا هي ثلاثة:
الشرط الأول: هو طريق إزهاق الروح.
الشرط الثاني: ذكر اسم الله تعالى عند الذبح.
الشرط الثالث: كون الذابح مسلما أو كتابيا.
فأما طريق إزهاق الروح، فقد اتفق الفقهاء على أن في الذكاة الاختيارية يجب أن يقع إزهاق الروح عن طريق محدد، وبما يفري الأوداج أو يقطع العروق، والعروق هي أربعة وهي: الحلقوم، والمريء، والودجان. وربما يتوسع بعض الفقهاء في استعمال كلمة الأوداج لجميع هذه الأربعة. ثم قد اختلف الفقهاء فيما إذا قطع بعض هذه العروق ولم يقطع بعضها؛ على أقوال معروفة فيما بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يجب أن يقطع الحلقوم والمريء، ومنهم من قال: إنه يجب أن يقطع أكثرها، ومنهم من قال: إن الودجين لابد من قطعهما؛ اختلافات.
فإنه يتبين أن جميع الفقهاء مطبقون على أن فري الأوداج أو قطع العروق هو لازم لإنجاز الذكاة الاختيارية الشرعية، وقد ثبت ذلك بعدة أحاديث ذكرتها في البحث، وهي معروفة عن أهل العلم.
أما إذا وقع إزهاق الروح بغير قطع الأوداج فلا تحصل به الذكاة الشرعية في الحيوان المقدور عليه، لأنه داخل إما في المنخنقة أو الموقوذة أو في النطيحة، لأن الله- سبحانه وتعالى حين قال:{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ} [المائدة: 3] فإن النطيحة من الحيوانات التي ينطحها حيون آخر فيسيل الدم، وربما يسيل الدم من مذابحها، ولكن صرح القرآن الكريم بحرمتها؛ فظهر بذلك أن الحيوان لا يحل بمجرد سيلان الدم ولو من مذابحه، إنما يجب أن يسيل الدم بطريق شرعه الله- سبحانه وتعالى للتذكية.
هذا ما يتعلق بطريق إزهاق الروح.
والمسألة المهمة هي شرط التسمية عند الذبح، والمعروف أن جمهور الفقهاء يشترطون لحل الذبيحة أن يسمي الذابح عليها اسم الله تعالى، فلا تحل ذبيحة من ترك التسمية عامدا عند أبي حنيفة ومالك وأحمد وجمهور الفقهاء، أما إذا نسيها فالذكاة معتبرة عند الحنفية والمالكية ولا فرق عندهم في هذا بين الذبيحة والصيد، أما عند الحنابلة فالنسيان معفو عنه في الذكاة الاختيارية فقط، أما في الصيد فلا تعتبر الذكاة إذا لم يذكر الصائد اسم الله عند إرسال السهم أو الكلب، سواء أتركها عمدا أم نسيانا.
وقد اشتهر عن الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى- أنه يقول بجواز متروك التسمية عامدا، ولكن الذي يظهر من مراجعة كتاب (الأم) للإمام الشافعي- رحمه الله أنه لم يصرح بحل متروك التسمية عمدا، وإنما صرح بحل ما نسي الذابح ذكر الله عليه، وعبارته مايلي:"وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمي، فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل، لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة، فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل، لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي ". فهنا ذكر الإمام الشافعي- رحمه الله حالة النسيان، ولم يذكر حالة التعمد.
ثم إن الإمام الشافعي- رحمه الله صرح فيما بعد بأن من يترك التسمية عند الذبح استخفافا لا يحل أكل الذبيحة، فقد ذكر رحمه الله في معرض ما هو مسلم عنده:"إن المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته، وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته ".
وقد صرح بعض العلماء بأن الفقهاء أجمعوا على ذلك، فقد جاء في التفسير المظهري نقلا عن شرح المقدمة المالكية:"وكل هذا في غير المتهاون، وأما المتهاون فلا خلاف أنها لا تؤكل ذبيحته تحريما، قاله ابن الحارث والبشير، والمتهاون هو الذي يتكرر منه ذلك كثيرا. والله أعلم ". وهذه العبارات تدل على أن مذهب الإمام الشافعي- رحمه الله ليس على إطلاق الحل فيما تعمد ترك التسمية عليه، وإنما تحرم الذبيحة عنده إذا ترك عليها التسمية تهاونا واستخفافا، وجعله الرجل عادة له.
ومفاد ذلك أن حكم الحل مقتصر عنده على من ترك التسمية مرة أو مرتين اتفاقا، لا تهاونا واستخفافا، وفي تلك الصورة أيضا لا يخلو ذلك من كراهة، لأنه قال:"أحببت له أن يسمي "، وقد صرح فقهاء الشافعية بأن ترك التسمية عمدا مكروه، وأنه يأثم به التارك.
وبهذا ظهر أن متروك التسمية عمدا حرام عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وحرام عند الشافعي- رحمه الله أيضا إذا كان ذلك استخفافا وتهاونا، وصار كالعادة للذابح وما وقع اتفاقا، فإنه لا يحكم بحرمته عنده، ولكنه لا يخلو من كراهة. وهذه الرخصة أيضا لا تساندها نصوص القرآن والسنة، حيث تظافرت الآيات والأحاديث على اعتبار التسمية ركنا من أركان الذكاة الشرعية.
قال الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وهذه الآية من أصرح ما يكون في الموضوع، ولم يقع هذا التحريم مرة واحدة في القرآن، وإنما تتابعت الآيات في جعل اسم الله تعالى ركنا من أركان الذبح الإسلامي، فقال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]
{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]
{وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَاّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ} [الأنعام: 138]
{وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 119]
وهذه الآيات كلها تدل بأساليب مختلفة أن ذكر اسم الله تعالى من أهم العناصر التي تحل للمسلم أكل لحم الحيوان، ولم يكتف القرآن ببيان ذلك في آية أو آيتين، وإنما ذكر هذا الركن في كل من الذبيحة، والصيد، والأضحية بصفة مستقلة، وأنكرعلى من يتركه إنكارا بليغا، فجعله افتراء على الله، وأنكر أيضا على من لا يستحل الذبيحة التي ذكر اسم الله عليها، مما يدل على أنه من أعظم الشروط للذكاة الشرعية.
وكذلك تكاثرت الأحاديث على اعتبار التسمية شرطا وركنا من أركان الذبيحة الشرعية، وقد سردت هذه الأحاديث في بحثي، وهي تسعة أحاديث وهي معروفة لديكم.
وإن هذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على مدى التأكيد والتركيز على ذكر اسم الله تعالى عند الذبح، وإن النص الواحد من هذه النصوص كان كافيا لبيان أن التسمية ركن من أركان الذبح، ولكن الشارع لم يكتف ببيان هذا الحكم مرة واحدة، وإنما جاء به مرارا وتكرارا في عدة مناسبات وبأساليب مختلفة، وما ذلك إلا لأهميته البالغة ولكونه شرطا قطعيا لحصول الذكاة الشرعية في الحيوان.
أما حالة النسيان فقد استثنيت بالأدلة العامة وببعض الأحاديث التي استثني فيها حالة النسيان في موضوع الذبح بنفسه، وجئت بهذه الأحاديث وتكلمت على إسنادها، وهي موجودة في بحثي.
وإزاء هذه الآيات والأحاديث المتكاثرة، من يستدل بحل ترك التسمية عمدا ربما يستدل بقول الله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، قائلا إن الله سبحانه وتعالى أطلق التذكية ولم يقيدها بالتسمية، لكن هذا الاستدلال ضعيف بالمرة، لأن الله- سبحانه وتعالى استعمل كلمة (الذكاة) ، والذكاة بمعناها الشرعي يشمل شرط التسمية، والحديث الذي يستدل به من يحل متروك التسمية هو حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:((إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه)) ، وقالت: كانوا حديثي عهد بالكفر. وهذا لفظ البخاري. ولكن هذا الحديث لا يتم به الاستدلال على حقة على ما علم فيه باليقين أن ذابحه ترك التسمية عمدا، لأن غاية هذا الحديث حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، ومفاده أن المسلم إن قدم لحما أو طعاما فالظاهر أنه حلال مذبوح بطريقة شرعية، فيحمل على الظاهر، ونحن مأمورون بإحسان الظن بكل مسلم، فلا يجب البحث عن طريقة ذبحه ما لم يتبين أنه ذبحه بطريقة غير مشروعة. وإن هؤلاء القوم الذين وقع السؤال منهم كانوا مسلمين وإن كانوا حديثي عهد بالكفر، كما صرحت به عائشة رضي الله عنها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل فعلهم على الظاهر، وهو أنهم ذكرو اسم الله عليه، ولا يلزم منه حل الذبيحة إذا تيقن الرجل أن ذابحها ترك التسمية متعمدا. فالحديث في حكم هذه الحالة، وأين ذلك من الحالة التي نعلم فيها بيقين أن الذابح ترك التسمية عن قصد وعمد وكيف تقاس الحالة الثانية على الأولى؟
ثم الشرط الثالث لحل الذبيحة هو أن يكون الذابح إما مسلما أو كتابيا، وقد شذ بعض المعاصرين فقالوا: إن الحرمة مقتصرة على ذبيحة الوثنيين من أهل العرب، وأباح ذبيحة سائر الكفار غيرهم- سواء أكانوا وثنيين أم ملحدين أم دهريين أم عبدة النار، وهذا قول خاطئ لا عهد به في الكتاب والسنة ولا في أقوال السلف رحمهم الله تعالى ، وقد رددت على هذا القول بشيء من التفصيل.
أما ذبائح أهل الكتاب فقد صرح القرآن الكريم بحل ذبيحتهم، وهو كلمة الإجماع فيما بين الفقهاء من أجل هذا النص، ولكن المسألة في ذبائح أهل الكتاب هي هل يشترط في ذبح أهل الكتاب ما يشترط في ذبح المسلمين من فري الأوداج ومن الآلة المحددة ومن ذكر اسم الله تعالى؛ هذه المسألة تحتاج إلى دراسة بالنظر إلى ما ادعى بعض المعاصرين من حل ذبيحتهم بقطع النظر عن الطريق الذي اختاروه لذلك. وهذه المسألة قد قسمتها إلى شقين: الشق الأولى: هل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذبحوا الحيوان بطريقة مشروعة للذبح من فري الأوداج بآلة محددة؟
الشق الثاني: هل يجب أن يذكروا اسم الله تعالى عند الذبح؟
فالشق الأول فالجمهور من الفقهاء على أن ذبيحة الكتابي إنما تحل إذا ذكاها بقطع العروق اللازمة بآلة محددة، وهو الحق الثابت بالأدلة الناطقة التي ذكرتها في هذا البحث، والحمد لله، ولكن زعم بعض المعاصرين أن ذبيحة الكتابي حلال بأي طريق قتلها ذلك الكتابي، لأنه داخل في عموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وتمسكوا في ذلك بقول القاضي ابن العربي رحمه الله حيث قال في أحكام القرآن:"ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها: هل يؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه؛ وهي المسألة الثامنة. فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا، إلا ما كذبهم الله سبحانه وتعالى".
ولكن هذا القول الغريب من ابن العربي رحمه الله متعارض تمام التعارض مع الأصل الذي ذكره هو نفسه في نفس الكتاب قبل نحو صفحة من هذه العبارة، وعبارته هناك ما يلي:
"فإن قيل: فما أكلوه (أي أهل الكتاب) على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؟ فالجواب أن هذه ميتة، وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم، وهو حرام علينا، فهذه مثله، والله أعلم ".
وهذا تعارض صريح في عبارتي ابن العربي، ومتى وقع التعارض بين عبارتين، فالأجدر بالقول ما هو ثابت بالنصوص، ومؤيد بتعامل الأمة، وهذا القول رددت عليه بعدة دلائل:
ا- إن الله سبحانه وتعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، فحرم المنخنقة والموقوذة على الإطلاق، فيشمل كل ما مات بالخنق والوقذ، بالرغم من ديانة خانقه أو واقذه، فمن يستدل بعموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] على كون مخنوقة الكتابي أو موقوذته حلالا، يلزمه أن يقول بحل الخنزير الذي ذبحه كتابي، لأنه من جملة (طعام أهل الكتاب) ، فإن تمسك بالآية المذكورة في حرمة لحم الخنزير، فإن نفس الآية تحرم المنخنقة والموقوذة، ولا سبيل إلى التفريق بينهما.
2-
وقد تقرر في أصول الفقه أنه متى ورد حكم على اسم مشتق، فمادة اشتقاقه هي العلة لذلك الحكم، مثلا إذا قلنا:"أكرموا العلماء"، فإن حكم الإكرام ورد على "العلماء" الذي هو اسم مشتق، فمادة اشتقاقه، وهي العلم، علة للإكرام، وهذا واضح مسلم، فإذا ورد حكم الحرمة في آية المائدة على "المنخنقة" و"الموقوذة" فإن الخنق والوقذ علة لهذا الحكم.
وإن ذلك يدل على أنه متى وجد الخنق والوقذ، ثبت حكم الحرمة، ولا تأثير في ذلك لديانة الخانق أوالواقذ.
3-
غاية ما يثبت من قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أنهم في أمر الذبائح في حكم المسلمين سواء بسواء، لا أنهم يفوقون المسلمين حتى يحل منهم ما يحرم من المسلمين، ونتيجة قول ابن العربي أن تكون للكفار مزية على المسلمين من حيث إن ما يقتلونه بأي طريق حلال طيب، وما يقتله المسلم بنفس الطريقة حرام ، وهذه النتيجة باطلة بالبداهة.
4-
من المسلم في الأمة الإسلامية أن الكفار كلهم ملة واحدة، وكان هذا الأصل يقتضي أن يكون أهل الكتاب مثل الكفار الآخرين في تحريم ذبيحتهم، ولكن الشريعة الإسلامية ميزت أهل الكتاب من بين سائر الكفار في أمر الذبيحة والمناكحة، لأن أحكام الذبح والنكاح عندهم كانت مماثلة لأحكام الإسلام في كلا الأمرين، فكانوا يراعون في الذبح نفس الشروط التي فرضها الإسلام على المسلمين، وهذه الأحكام موجودة حتى الآن في كتبهم المقدسة، بالرغم من التحريفات الكثيرة التي وقعت فيها. وإليكم بعض النصوص من كتابهم المقدس:
جاء في سفر اللاويين- الذي قد يسمى سفر الأحبار-:
"وأما شحم الميتة وشحم المفتَرَسة، فيستعمل لكل عمل لكن أكلا لا تأكلوه ".
وجاء في سفر الاستثناء:
"وأما ذبائحكم فيسفك دمها على مذبح الرب إلهك واللحم تأكله، احفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك ".
وهذان الكتابان يعترف بهما كل من اليهود والنصارى.
أما كتب النصارى فقط، فقد جاء في سفر أعمال الرسل- المنسوب إلى لوقا-:"لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر، غير هذه الأشياء الواجبة، أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا". وجاء مثل ذلك في كتب أخرى.
وإن بولوس- الذي هو رسول في زعم النصارى، وهو المقتدى عندهم- يكتب في رسالته الأولى إلى أهل كورنيوس:
"بل إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين لا لله، فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين، لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب ، كأس الشياطين، لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين ". ويجدر بالذكر أن بولوس هو الشخص الذي حكم- بالرغم من نصوص سيدنا عيسى عليه السلام بنسخ جميع أحكام التوراة في حق النصارى، ومع ذلك فإنه أبقى الأحكام المتعلقة بالذبح محكمة غير منسوخة، فحرم الحيوان المخنوق، وأوجب أن يكون الذبح لله تعالى.
وبهذا يتبين أن أحكام الذبح في أصل دين النصارى كانت باقية على نحو ما كانت عند اليهود، وكذلك كتب اليهود مملوءة بالأحكام التفصيلية للذبح، وجاء في كتاب مشنا، وهو المرجع الأساسي للأحكام المشروعة عند اليهود:
"إن ذبح المرء بشفرة يدوية أو بزجاج حاد أو بقصب، فإن ما يذبحه حلال، كل أحد يستطيع أن يذبح وفي أي وقت وبأية أداة، إلا بالمحصدة أو بالمنشار أو بالسن، أو بظفر الأصابع لأنها تخنق ".
وقد ذكرت بعض العبارات من كتب اليهود في بحثي، أنهم يوجبون مثل هذه الشروط وهذا يدل.
أولا: على أن المنخقة والموقوذة حرام في شريعتهم كما هو حرام في شريعتنا.
ثانيا: الظاهر أنهم يوجبون أن يكون الذبح لله، وبعبارة أخرى يذكر اسم الله، كما يظهر من رسالة بولوس إلى كورنثيوس والتي ذكرتها قبل قليل.
ثالثا: إن ابن العربي رحمه الله حينما أفتى بحل الدجاجة التي فتل نصراني عنقها في العبارة المنقولة من أحكام القرآن- إن صحت نسبتها إليه- فإنما أفتى على زعم منه أن المخنوقة حلال عند النصارى، لأنه علل هذه المسألة بقوله:"وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا"، وقد تبين من النصوص النصرانية أن زعمه هذا خاطئ، فإن كتبهم المقدسة تصرح بكون المخنوق حراما، كما حكينا في سفر أعمال الرسل.
رابعا: يتبين من هذه العبارات ما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله حيث قال: "وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه ".
خامسا: نظرًا إلى ما سردنا من النصوص النصرانية يتحصل من حلة المخنوقة والموقوذة بيد نصراني أنه لو كان الخانق أو الواقذ مسلما، فإن الحيوان حرام، ولو خنقه نصراني فإن الحيوان حرام في دين النصارى أيضا، ولكن لو أخذنا بقول ابن العربي يتحصل منه أن يكون حلالا للمسلمين، وإن كان حراما للنصارى.
فكأن كون الخانق من الكفار مزية تبرز أفعاله التي هي محظورة في شريعتنا وفي شريعتهم جميعًا، وإن هذه النتائج الباطلة بالبداهة إنما تحصل إذا قلنا: إن ما قتله أحد من أهل الكتاب حلال للمسلمين، ولو قتله بطريق غير مشروع، وما يؤدي إلى مثل هذه النتائج الباطلة باطل.
سادسا: إن ما يتميز به اليهود والنصارى بين سائر الكفار أمران: الأول: حل ذبيحتهم. والثاني: حل مناكحة نسائهم.
ولئن وقع النكاح بامرأة من أهل الكتاب على غير طريق المسلمين، مثل نكاح إحدى المحرمات، أو النكاح بغير شهود، أو بغير الإيجاب والقبول المشروعين، لا يقول بحله أحد، فتبين أن حلة نساء أهل الكتاب مشروطة بأن يقع العقد بطريق مشروع عند المسلمين، ولو وقع العقد بطريق غير مشروع فلا يصح الاستدلال على حلته بقول الله عز وجل:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُم} [المائدة: 5] ، فكيف لا تكون حقة ذبائحهم مشروطة بأن يقع الذبح بطريق مشروع؟ ولئن وقع ذبحهم بطريق غير مشروع مثل الخنق والوقذ، فكيف يصح الاستدلال على حلته بقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]
مع أن كلا الحكمين مقترنان في نسق واحد.
سابعا: أن حرمة الميتة والمنخنقة والموقوذة ثابتة بالنص القطعي المطلق، فإن فقهاء الأمة أطبقوا على حرمتها، ولو كان الخانق أو الواقذ من أهل الكتاب. ولم يقل أحد بحل المخنوقة أو الموقوذة بيد كتابي- فيما نعلم- إلا ابن العربي في عبارته المذكورة في نفس الكتاب، أفتترك نصوص الكتاب والسنة والأدلة القوية التي ذكرناها؛ بمجرد فتوى شاذة لابن العربي، في حين أنها متناقضة، وفي حين أنها مبنية على زعم المخنوقة حلال في دين النصارى، وقد تبين خطؤه بنصوص كتبهم المقدسة.
ثم تعرضت للمسألة الثانية، وهي أنها هل يشترط للكتابي أن يسمي الله تعالى؟ وهل تحل ذبيحته إذا لم يسم؟ فهناك أقوال للفقهاء ذكرتها، والجمهور على أنه يشترط في الكتابي أيضا أن يسمي الله تعالى عند الذبح، ولكن ذهب المالكية إلى أنه إنما تشترط التسمية في حق المسلم، ولا تشترط في حق الكتابي، فإذا ذبح الكتابي ولم يسم الله تعالى فإن الذبيحة حلال عند المالكية.
وقد ذكرت أن الراجح المؤيد بالنصوص، هو أنه يشترط التسمية للكتابي كما أنه يشترط للمسلم، ولكن قضية ترك التسمية أخف بالنسبة إلى مسألة الخنق والوقذ، من جهة أن حرمة متروك التسمية من ذبائح أهل الكتاب مسألة مجتهد فيها، أما مسألة الخنق والوقذ فهي مسألة إجماعية ليست محل اختلاف.
ثم تعرضت إلى أن الذين يسمون أنفسهم نصارى بعضهم دهريون وماديون لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى فهؤلاء لا يدخلون في مفهوم أهل الكتاب إذا تبين في أحد بعينه أنه لا يؤمن بالله تعالى وهو متسم باسم نصراني فقط، أما إذا وجدنا رجلا أنه يتسمى باسم النصرانية ويعلن بكونه نصرانيا، فنحمله على ظاهره، ولا نقول بأن ذبيحته حرام ما لم يتبين أنه قد ترك دين النصرانية وكفر بالله سبحانه وتعالى.
ثم تعرضت لحكم ما جهل ذابحه، وأترك هذا الموضوع لضيق الوقت ولأنه موجود في كتب الفقه.
وأخيرا تعرضت لمسألة الذبح الآلي: وهذه هي قضية العصر. والطرق الآلية المستخدمة للذبح هي تتنوع في ذبح الدجاج وفي ذبح الأغنام والبقر وغيرهما.
أما الطريق الذي يستخدم في ذبح الدجاج- وقد شاهدته في عدة أماكن- أن الجهاز الواحد، وهو كبير جدا، يتكفل جميع مراحل الذبح والإنتاج، بحيث يدخل فيها الدجاج من طرف واحد، ويخرج لحمه الصافي معلبا من الطرف الآخر، وجميع المراحل ما بين ذلك؛ من ذبحه، ونتف ريشه، وإخراج أمعائه، وتنظيف لحمه، وتقطيعه وتعليبه؛ تتم بواسطة الجهاز الكهربائي، وإن هذا الجهاز يحتوي على قضيب حديدي طويل ينصب في عرض القاعة ما بين الجدارين، وإن هذا القضيب في أسفله علاقات كثيرة تتجه عراها إلى الأرض، فيؤتى بمئات من الدجاج في شواحن كبيرة، ثم يعلق كل دجاج برجليه، بحيث تعلق رجلاه في عروة العلاقة، وسائر جسمه معلق معكوسا، بمعنى أن حلقومه ومنقاره متجهان إلى الأرض.
وإن هذه العلاقات تسير على العمود مع الدجاج المعلق، حتى تأتي إلى منطقة ينصب فيها الماء البارد من فوق في صورة شلالة صغيرة، فتمر بهذا الدجاج من خلالى الماء البارد، والمقصود بغمسها في الماء تنظيفها من الأدران، وفي بعض الحالات يحتوي هذا الماء على تيار كهربائي يخذر الدجاج،. ثم تأتي هذه العلاقات إلى منطقة وضع في أسفلها سكين دوار يدور بسرعة شديدة، وإن هذا السكين الدوار منصوب في مكان تصل إليه أعناق الدجاج المعلقة معكوسة، فحينما تأتي العلاقة في هذه المنطقة فإنها تدور حول هذا السكين الدوار بشكل هلالي، فتصل أعناق الدجاج إلى طرف هذا السكين الدوار دفعة واحدة وتمر عليه، فيقطع السكين حلقوم كل واحد منها تلقائيا.
ثم تتقدم العلاقات إلى الأمام، وقد فرغ الجهاز من قطع حلقوم الدجاجات المعلقة فيها، وبعد قليل تمر على منطقة ينصب فيها الماء من فوق مرة أخرى، ولكن هذا الماء حار، ومقصود المرور عليه نتف ريش الدجاج، ثم هناك مراحل أخرى من إخراج أمعائه وتصفيته وتقطيعه في نفس الجهاز، ولكن نترك ذكرها لكونها خارجة عن عملية الذبح المقصودة بالبحث هنا، والجدير بالذكر أن هذا الجهاز الكهربائي لايزال يسير طوال النهار، وأحيانا على مدار الساعة، لا يقف إلا في حالات استثنائية.
وإن ما يحتاج إلى البحث في هذه الطريقة من الناحية الشرعية: أمور أربعة:
الأول: المرور على الماء البارد الذي فيه تيار كهربائي.
الثاني: قطع الحلقوم بالسكين الدوار.
الثالث: المرور على الماء الحار.
الرابع: كيف يتأدى واجب التسمية في هذا الطريق الميكانيكي؟
أما المرور على الماء البارد قبل قطع حلقوم الدجاج، فلا يستخدم هذا الطريق في جميع المسالخ، بل يستغنى عنه في كثير منها، وإن كان الماء البارد بدون أثر كهربائي فهذا لايؤثر في قضية الذبح، فإن كان في الماء أثر من الكهرباء، فإن ذلك لا يسبب موت الحيوان عادة، وإنما يخدر دماغه، والتخدير وإن كان يسبب انكماشا في القلب، فلا يخرج منه الدم عادة بذلك المقدار الذي يخرج من المذبوح بدون التخدير، ولكن مجرد ذلك لا يجعل الحيوان ميتة. ولكن إذا تحقق في حيوان بعينه أن هذه العملية سببت موته فلا يجوز أكله.
وأما الذبح بالسكين الدوار، فإن هذا السكين يشبه الرحى وأطرافه حادة، وإن هذا الرحى لايزال يدور بسرعة، وتميز على أطرافه أعناق الدجاج من جانب الحلقوم فتقطع تلقائيا، والظاهر أنه يقطع عروق الدجاج، ولكن قد يحدث أن تتحرك الدجاجة في العلاقة لسبب من الأسباب، فلا ينطبق عنق الدجاج على طرف السكين الدوار، فإما أن لا يقطع عنقه بتاتا، أو يقطع جزء قليل منه بحيث يقع الشك في قطع العروق، وفي كل من الحالتين لا تحصل به الذكاة الشرعية.
أما قضية التسمية، فإنها صعبة جدا في استخدام هذا الطريق، فالمشكلة الأولى في تعيين الذابح، لأن التسمية إنما تجب على الذابح، حتى لو سمي رجل وذبح غيره لا يجوز، فالسؤال إذن، من هو الذابح في هذا الجهاز الميكانيكي؟ فيحتمل أن نقول: إن من شغل هذا الجهاز لأول مرة يعتبر ذابحا، لأن عمليات الأجهزة الكهربائية إنما تنسب إلى من شغلها، لأن الآلة ليست من ذوي العقول حتى ينسب إليها الفعل، فينسب الفعل إلى من استعملها، فيصير هو الفاعل بواسطة الآلة، ولكن المشكلة هنا: أن من يشغل هذا الجهاز في أول النهار مثلا، إنما يشغله مرة واحدة، ثم لايزال يسير الجهاز طول أوقات العمل، وفي بعض الأحيان على مدار الساعة، فيقطع أعناق آلاف من الدجاج، فإذا سمى من شغله في أول النهار مرة واحدة، فهل تكفي هذه التسمية الواحدة للآلاف من الدجاج التي تذبح بهذا التشغيل في سائر النهار؟ والظاهر من النص القرآني {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]
أن كل حيوان يحتاج إلى تسمية مستقلة يذبح بعدها على الفور، وعلى هذا الأساس استنبط الفقهاء أحكاما تدل على أنه يجب أن تكون التسمية على كل حيوان أو على كل فعل.
وذكرت هذه العبارات في بحثي ، واستنتجت منها أن الجمهور من الأئمة الذين يشترطون التسمية عند الذبح يشترطون أن تقع التسمية على حيوان بعينه، وأن تكون عند الذبح، وألا يفصل بين التسمية وبين الذبح فاصل يعتد به، وهذه الشروط مفقودة في الطريق المذكور في الجهاز الميكانيكي، فإنه لو سمي من شغله لأول مرة لم يسم على حيوان بعينه، وقد وقع بين تسميته وبين ذبحه آلاف الدجاج فاصل كبير ربما يمتد إلى نهار كامل أو يومين، فالظاهر أن هذه التسمية لا تكفي لذكاة هذه الحيوانات بأجمعها.
ثم رأيت في بعض المذابح من مذابح كندا أنهم أوقفوا رجلا عند السكين الدوار وهو لايزال يسمي (بسم الله الله أكبر) ، تحدثت عن هذه الآلة، وقلت: إن في كون تسميته معتبرة شرعا إشكالات آتية:
الأول: أن التسمية ينبغي أن تصدر من الذابح، وهذا الرجل الواقف أمام السكين الدوار لا علاقة له بعملية الذبح، فإنه لم يشغل الجهاز، ولا أدار السكين، ولا قرب الدجاجة إليه، وإنما هو رجل منفصل عن عملية الذبح تمام الانفصال، فتسميته ليست من الذابح.
الثاني: أن السكين الدوار تأتي إليه عدة دجاجات بفصل ثوان، ولا يمكن لهذا الرجل الواقف أن يسمي على كل واحد من هذه الدجاجات من غير فصل.
الثالث: أن هذا الرجل الواقف إنسان، وليس جهازا أوتوماتيكيا، فلا يستطيع أن لا ينشغل بأي عمل آخر دون التسمية، فربما تعرض له حاجات تشغله عن التسمية، وفي هذه الأثناء تمر عشرات من الدجاج على السكين الدوار.
وهناك ملحظ آخر في موضوع التسمية على الجهاز الأوتوماتيكي، وهو أن نقيس تشغيل الجهاز الأوتوماتيكي على إرسال كلب الصيد، حيث لا تجب التسمية عند هلاك الصيد، وإنما تجب عن إرسال الكلب، وقد يكون بين الإرسال وبين هلاك الصيد فاصل كبير، وقد يهلك كلب الصيد عدة حيوانات في إرسال واحد، والظاهر أن التسمية الواحدة تكفي لحل جميعها. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: وإن سمي الصائد على صيد فأصاب غيره حل، وإن سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاده به ".
وهذا، وإن كان متعلقا بالذكاة الاضطرارية، ومسألتنا تتعلق بالذكاة الاختيارية، ولا تقاس حالة الاختيار على حالة الاضطرار، ولكن إذا نظرنا إلى حاجة إكثار الإنتاج في أسرع وقت، وذلك لازدياد العمران، وتكاثر عدد المستهلكين، وقلة الذابحين، وإلى أن الشريعة إنما أسقطت اعتبار تعيين الصيد لمشقته، كما يقول ابن قدامة رحمه الله، والمعهود من الشريعة في مثله دفع الحرج، فإن ذلك قد يبدو مبررا لقياس حالة الاختيار على حالة الاضطرار في موضوع التسمية فقط، دفعا للحرض وتيسيرا على الناس، ولست أجزم بمدى قوة هذا الملحظ، ولكن أردت أن أطرحه للبحث أمام العلماء للبت في هذا الموضوع، ولم أفت بذلك حتى الان، وخاصة في حين أن عندنا بديلا مناسبا للسكين الدوار، وهو يلبي جميع حاجات الإنتاج في نفس الوقت، وذلك أن يزال السكين الدوار عن موضعه في الجهاز، ويقوم في محله أربعة أشخاص مسلمين يتناوبون في قطع حلقوم الدجاج مع ذكر اسم الله تعالى، كلما تمر عليهم العلاقات بالدجاج.
وهذا أمر اقترحته على مذبح كبير في جزيرة ري يونين، فعملوا بذلك، وقد دلت التجربة على أن ذلك لم ينقص من كمية الإنتاج شيئا، وذلك لأن هؤلاء الأشخاص يقطعون حلقوم الدجاج في نفس الوقت الذي كان السكين الدوار يقطعه، وإن هذا الجهاز لا يغني عن استعمال الطاقة البشرية بالكلية، فقد شاهدنا أنهم اضطروا إلى تعيين رجال يقومون في بعض المناطق التي تمر عليها هذه العلاقات، وأنهم يستعملون أيديهم أو آلات يدوية لإخراج الأمعاء وغيرها من بطن الدجاج؛ ولم أعرف مذبحا يستغني عن مثل هذا العمل البشري بتاتا. فإن كانوا يقيمون أشخاصا لهذا الغرض، فإنهم يستطيعون أن يقيموا أربعة أشخاص عند مرحلة الذبح أيضا، فيقع الذبح بالطريقة المشروعة بأيدي ذابحين مسلمين يسمون الله تعالى عند الذبح، والأمور الباقية يتكفلها الجهاز.
أما مرور الدجاج على الماء الحار، فهو ليس ماء مغليا حتى يؤدي إلى نجاسة اللحم.
أما في الأنعام من البقر والغنم؛ فالطرق الآلية فهي لا تذبح الحيوان وإنما تتكلف بقيده في الآلة. والموضوع المهم في تلك الأنعام هو أن الطرق المستخدمة هل تقطع الأوداج؟ لأن المعمول به في تلك المذابح هو أنهم يقطعون جانبا من العتق، أو بقطع الرقبة، فلا نجزم بأنها هل قطعت الأوداج أم لا؟ ثم إنهم يستعملون طرقا للتدويخ قبل الذبح، وهذه الطرق تحتاج إلى نظر، لأن للتدويخ طرقا كثيرة يستخدمونها؛ ففي بعض الحالات وقد شاهدت أنهم يطلقون على جبهته المسدس ويحصل به وخز عنيف، ورأيت أن قضيبا مثل الأصبع قد دخل في جبهة الحيوان، وخرج منه الدم وانهار الحيوان على الأرض فورا، وانقطعت حركة أعضائه بالكلية كأنه ميت، ولَكَم يذكرون أن هذا مجرد تخدير ولا يسبب الموت، ولكن لقيت مشرفا حكوميا- في كندا - الذي يشرف على هذه العمليات، فقال: إن التخدير بهذه الصورة فيه مجال لاحتمالين: إما أن يموت به الحيوان بعد دقائق، أو يعود إلى شعوره بعد دقائق. وقد أكد هذا المشرف بأن تخدير عدة حيوانات يقع على التعاقب، وكذلك عملية الذبح تقع على التعاقب، فلا يبعد عند تخدير الحيوانات أن يموت أحد منها قبل أن تقع عملية الذبح.
فمثلا إذا خدروا خمسة حيوانات، وبعد ذلك جاء هذا الذابح بالحيوان الأول فذبحه، ثم انتقل إلى الثاني والثالث ثم الرابع، فليس ببعيد أن يكون الرابع قد مات قبل أن يصل إليه الذابح، ثم قال لي: إنه ليس عندنا طريق للتأكد من كون الحيوان حياً عند عملية الذبح.
وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسة فنية عميقة من المتخصصين المسلمين الغيورين على دينهم، وبما أن الموضوع خارج عن اختصاصي، فلا يسع لي أن أبت فيه بشيء، وأقترح على المجمع أن يكون لجنة من الخبراء المسلمين؛ ليقدموا تقريرا بعد دراستهم للموضوع.
ولا شك أن هذه الطرق للتدويخ لو كانت مسببة للموت أو يخشى منها الموت؛ فلا يجوز استعمالها ولا القول بحلة الحيوان المذبوح بعد التدويخ، وما دامت هذه الطرق مشكوكة فالأسلم أن يبتعدوا عنها. ومن المعروف أن اليهود لا يقبلون أي طرق للتدويخ، والمسلمون أولى منهم بالابتعاد عن الشبهات، وهيئة كبار العلماء في (المملكة العربية السعودية) أرسلت مندوبين إلى هذه المجازر، وقد ضمنت بحثي جميع التقارير التي جاءت من هؤلاء المندوبين، وتشهد بأن هذه الشهادات غير موثوق بها أصلا، ولا ينبغي أن يثق بها المسلمون، وقد وجد في كراتين السمك أنها مذبوحة بالطريقة الإسلامية.
وبهذا أكتفي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشيخ محمد سليمان الأشقر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
إن الكلام في الذبائح وطرق الذبح مما يهم كل مسلم التعرف عليه وعلى الطرق الشرعية فيه، حيث إنه من الوسائل التي يتحقق بها للمسلم طيب المطعم وحله، والله تعالى أرسل رسوله يحل لنا الطيبات، ويحرم علينا الخبائث، فما حرمه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا شك عند المسلم أنه خبيث، وإن لم ير فيه ضررا ظاهرا، وما أحله فهو الطيب.
وطبعًا الآيات الواردة في هذا واضحة- والحمد لله- ولا تخفى على أحد، وأشير إلى الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو مسلم)) . فقرن النبي صلى الله عليه وسلم التزام الإنسان بأحكام الشريعة في الذبائح بالصلاة واستقبال القبلة في تحديد هوية المسلم، هذا ولأن هذه الأمور الثلاثة كما هو ملاحظ في بعض المجتمعات الغربية تجمع المسلمين على أمور ظاهرة، فيعتني بها المسلم فيعرف أنه مسلم، فالذبح الشرعي شعيرة من شعائر الدين يجب أن تقام ويعتنى بها كل الاعتناء، وليس مقصودي بأنه شعيرة أن الذبح في حد ذاته قربة، لكن يكون قربة إذا قصد القربة، بأن قصد أن يضحي أو يقدم هديا، أما الذبح العادي للطعام فليس هو بقربة، ولكن الذكر عليه، والالتزام بالذكر هو من شعائر الدين.
تكلمت في مشروعية التذكية وبينت أن المراد بها إخراج ما في بدن الحيوان من الدم، وأن الدم في شريعة الإسلام حرم نصا بنفس آية تحريم الميتة ولحم الخنزير، لأن الدم يحتوي على الميكروبات الضارة، وكذلك يحتوي على البول- وذلك قبل تصفيته في الكلى يكون البول موجودا في الدم- والبول يحتوي على فضلات.
وأيضا الذبح هو أيسر الوسائل المتاحة للإنسان عادة لإخراج الدم الخبيث من الحيوان الذي يعد لحمه للأكل، فهو أيسر ما يمكن للحيوان وأقل لتألمه؛ لسرعة خروج الدم من الودجين، وإنهاره بقوة شديدة، وهذا يؤدي إلى إزهاق نفسه وتخليص لحمه من دمائه في مدة قليلة جدا.
ثم تطرقت بعد ذلك في بحثي إلى أن هناك أربعة أمور هي التي سنتطرق إليها، وهي:
1-
في شروط الذكاة.
2-
في الطرق التي تتبع في المسالخ العصرية لازهاق أرواح الحيوانات.
3-
في العمل في حالة الجهل بتحقق شروط الذكاة في اللحم المقدم للطعام.
4-
في مشكلات اللحوم المستوردة.
ففي الأول في شروط التذكية تكلم الشيخ تقي العثماني على جزء كبير منها، وأنا أحاول أن أتجنب ما تكلم فيه.
مسألة ذبح غير المسلم والكتابي والوثني وغيره وخاصة في البلاد الشرقية والبلاد الشيوعية والبلاد التي في شرق آسيا، فهذه البلدان لا تدين لا بالنصرانية ولا بالإسلام، فلا شك أن هذا أمر مجمع على تحريم استيراد الذبائح منهم، والحمد لله التوجه العام في البلاد الإسلامية ألا تستورد اللحوم من تلك البلدان، ولم أر شيئا من اللحوم استورد من الصين مثلا أو من البلاد الشرقية هذه إلا مرات قليلة جدًّا، فقد جاء إلى الكويت بعض اللحوم وكرهها الناس.
الشروط في آلة الذبح:
طبعًا الأدلة الشرعية والحديث الصحيح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالسن والظفر، فقال عليه الصلاة والسلام، ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر)) . وأحسن التأويلات في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس السن والظفر)) أنه السن القائم والظفر القائم الذي في اليد، أي أن ينهش الذبيحة بأظافره أو بأسنانه أي بفمه كما تفعل الوحوش، فهذا نهي في الحقيقة، وتكريم للإنسان عن أن يفعل مثل ما تفعل الوحوش، وإذا فعل ذلك فقد حرمه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((ليس السن والظفر)) .
شروط التسمية:
وفَّى الكلام فيه الشيخ تقي العثماني، وأنا أشكره على ذلك، وتعرض لمسألة مهمة في أن ما ينسب إلى الإمام الشافعي بأنه يرى جواز أكل ما تعمد الذابح ترك التسمية عليه، هذا ينسب للإمام الشافعي، وأنا رجعت إلى (كتاب الأم) حتى أتأكد من هذا الموضوع، فوجدته يقول ما يلي بالضبط:"إذا أرسل المسلم كلبه المعلم أحببت له أن يسمي، وإن لم يسم ناسيا فقتل أكل، لأنه إذا كان قتله كالذكاة، فهو لو نسي في الذبيحة أكل، لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي ". فهذا النص من الشافعي- رحمه الله يحتمل معنيين لأن قوله: "أحببت له " قد يوحي بالاستحباب، وآخره يدل على أنه لا بد من التسمية عنده، والتحليل الذي ذكره الشيخ تقي تحليل مقبول وجيد وجزاه الله خيرا.
شرط آخر وهو أن لا يذكر عند التسمية غير الله تعالى، وأن لا يقصد الذبح لغير الله، وهذا دلت عليه النصوص الصريحة مثل قوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:((لعن الله من ذبح لغير الله)) . ولذلك اهتم العلماء المسلمون بهذا، وأوجبوا تجريد التسمية على الذبيحة- تسمية الله تعالى- ولا يذكر معه غيره، حتى النبي صلى الله عليه وسلم ، عند الإمام مالك لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قال: للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا شك عند الجميع. فإذا قال:((بسم الله، والله أكبر، اللهم صل على محمد)) فبعض العلماء يرى أنه يحرم الذبيحة.
هناك مسألة يقع فيها الكثير من المسلمين وهو أنه يذبح للولي، أهل العلم يعرفون أنه يذبح للولي لا بمعنى أنه يقصد التقرب إلى الولي لينفعه أو ليقربه إلى الله زلفى فهذا محرم، وبعض العامة يذبحون للولي تقربا إليه لكي يعطيه مالا أو ولدا، وقد سمعنا بآذاننا من يقول: يا رسول الله أعطني ولدا أو أعطني مالا. فإذا قصد العامي هذا فلا شك أنه نوع من الشرك في العمل، ولذلك ينبغي أن يتجنب أهل العلم أن يذبح للولي بقصد نفع الولي؛ لأن العامي لا يفرق بين الحالتين.
بالنسبة أيضا لذبائح أهل الكتاب، هل يترخص في ذبائحهم من ناحية التسمية أم لا؟ أيضا هذه المسألة استعرضها فضيلة الشيخ، وأنا أقول: إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوى القول إنه ينبغي أن يلتزم في ذبائح أهل الكتاب ما التزم في ذبائح المسلمين.
الذبح على النصب مذكور في القران مع قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3] بمعنى أنه ذكر الأمران (وما أهل لغير الله به) ومعناه ما رفع الصوت به بذكر اسم المذبوح له، فإذا أهل به لله فهو حلال، وإذا أهل به لغير الله فهو حرام، ثم قال:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] ، وهو ما كان يفعله أهل الجاهلية من نصب حجر أو نصب صنم أو نصب تراب يعبده ويقرب إليه؛ فهذا ينبغي أن يتجنب أيضا، ويكون ما ذبح له يكون محرماً.
بالنسبة لموضع ما يقطع من الحيوان بالذبح، هنا في الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم نبه إلى أن الذكاة بين اللبة وبين اللحيين، اللبة هي الوهدة التي في أسفل العنق، واللحيان معروفان، فالذبح لا يكون إلا هنالك، فلو ذبح في الفخذ أو في الظهر أو في أعلى الرقبة؛ فإن كل ذلك لا يحل به المذبوح، ولا بد أن يكون الذبح في هذا المكان.
ووجد الخلاف فيما يجب قطعه من الذبيحة من هذه العروق الأربعة في الرقبة، وهي عرقا الدم وهما الودجان، والمريء وهو مجرى الطعام، والحلقوم وهو مجرى الهواء (القصبة الهوائية) ، هذه الأربعة، العلماء يختلفون فيما يجب قطعه منها، ويبدو لي أن الذي خالف وأجاز أو أوجب قطع المريء والقصبة الهوائية كان يتصور تصورا غير صحيح، وهو أنهم كانوا يتصورون أن الإنسان إذا قطع حلقومه (مجرى الهواء) ، فإنه يموت فورا، وإذا قطع المريء فإنه يموت فورا، ولذلك أوجب بعضهم قطع الحلقوم أو قطع المريء أو كليهما، وتساهلوا في قطع الأوداج.
ينسب للإمام الشافعي - رحمة الله عليه- أنه كان يرى أن قطع الحلقوم وقطع المريء هذا هو الذي تتحقق به الذكاة، وأنه لو قطع الودجين وحدهما فلا تتحقق به الذكاة، هذا نص كلامهم، قال الشافعي:"ولا يشترط قطع الودجين؛ لأنهما قد يسلان من الإنسان وغيره ويعيش، والمريء والحلقوم إذا قطعا لم يعش طرفة عين ". هذا تصور غير سليم، بحسب ما كان عندهم من المعلومات كانوا يتصورون هذا، فالآن التصور الطبي، وأعتقد لا يخفى على أحد من الأطباء، وأنا قد راجعت بعضهم ومنهم الأخ محمد البار، فأكد لي ما أخبرني به بعض الأطباء في الأردن وهو أنه يمكن للحيوان والإنسان أن يعيش إذا قطع حلقومه ومريئه ولا يموت في الحال، قد يبقى أياما وأسابيع وشهورا وهو يتنفس من مقطع الحلقوم، ويأكل من فتحة المريء أو يأكل بأن يفتح له في جدار المعدة خرق ويصب فيه الطعام السائل.
فإذن أنا أرى أنه ينبغي أن ينتهي الخلاف في هذه المسألة، وأن الذبح هو في حقيقته هو قطع الودجين فقط، ولا دخل للمريء ولا للحلقوم. ولكن في واقع الأمر تركيبة الأنابيب الأربعة هذه جعلها الله- عز وجل بشكل معين بحيث تكون القصبة في الوسط (مقدمة) والمريء في الوسط (متأخر) والودجان على الجانبين، فلو أراد إنسان أن يقطع الودجين هو بطبيعة الحال يقطع.. يعني الجزار العادي ما ينتبه إلا لو كلفنا طبيبا حاذقا بأن يقطع الودجين ويترك المريء والحلقوم، وهذا أمر غير معقول وهو في العادة لا يصير، لكن تحقيق المناط في الذبح هو بقطع الودجين، والحديث أيضا يؤيد هذا صراحة، الحديث النبوي:((أفر الأوداج بما شئت)) والأوداج في اللغة هي مجرى الدم، وليسر الحلقوا ودجا ولا المريء ودجا، إنما قالوا هذا من باب التغليب، والتغليب يصار إليه مع وجود الحقيقة، هذا أمر في الحقيقة غير مقبول.
أنتقل إلى مسائل متقدمة ومنها التوقف في الذبح عند حد العظم، هذا في الحقيقة ينبغي أن يعتنى به، لأن بعض الآلات الآن تقطع وكذلك بعض الذابحين في بلاد أوروبا أنه يضرب بالبلطة، بحيث يضع رأس الدجاجة على قطعة الخشب، ويضرب الرأس بالبلطة فيقطع العظم، الحقيقة قطع العظم ينقطع به النخاع، وإذا انقطع النخاع توقف القلب فورا، لأنه لا تأتيه إشارات من الدماغ فيقل خروج الدم، لأنه إذا توقف القلب يتوقف خروج الدم، ولذلك لا تخرج إلا كمية ضئيلة من الدم، فلا يكون هذا الذبح على الوجه الأمثل، وإن كان تحل به الذبيحة على ما هو معروف عند العلماء.
بالنسبة للفصل الثاني من بحثي والمتعلق بالطرق التي تتبع في المسالخ العصرية لإزهاق أرواح الحيوانات، فذكرت المسالخ ومميزاتها في المحافظة على نظافة المجتمعات المتحضرة، وخاصة التجمعات السكانية الكبيرة، ولو ترك المجال لكل إنسان يذبح في بيته أو في مكانه لأدى ذلك إلى وجود أمراض، فالمسالخ هي تقدم عصري جيد جدا ومقبول ويشكر أصحابه عليه، ولكن مسالخنا الكثير منها للأسف استورد المسلخ بما فيه بدون أن يرجعوا إلى أهل العلم ليضبطوا المسألة كما ينبغي.
فطريقة الصعق الكهربائي إذا وقف عندها، وكما أشار الشيخ محمد رشيد رضا- رحمة الله عليه وغفر له- أن الصعق الكهربائي يكون تذكية، هذا أمر غيرمقبول لأنه من باب المنخنقة التي لا يخرج منها دم بالمرة.
لكن إذا ذبح بعد ذلك، وهو الذي نسمعه الآن من بعض الإخوة الأطباء- والذين يعرفون ما يجري- أن هناك بعض المسالخ تذبح بعد الصعق، فنحن إذا كنا نتحقق من أن الصعق لم يقتل هذا الحيوان وإنما شله وخدره؛ فهذا الصحيح أن نقول: إنه يجوز أكله، ولكن ليكون متبعا في المسالخ في البلاد الإسلامية، فلا بد من التحقق من خمسة أمور:
1-
التحقق من أن هذه الطريقة ليست قاتلة ولو للبعض، لو 1 % من الحيوانات التي تصعق تموت يجب ترك هذه الطريقة.
2-
التحقق من أنها لا تصحبها آلام للحيوان، يعني الصعق الكهربائي إذا لامست سلك الكهرباء تجد ألما فظيعا جدا إذا لم يكن قاتلا، يعني حتى في حالة عدم القتل فهل الحيوان عندما يصعق بالكهرباء هل يتألم أو لا يتألم؟ في النشرة التي وزعت علينا بالأمس أنه إلى الآن لم يستطع أن يجزم أهل الخبرة في هذا الموضوع بأن الحيوان يتألم بالصعقة أو لا يتألم، بمعنى هل هو يتألم أولًا ثم يتخدر أو يتخذر بدون أن يتألم؟ لأن النشرة التي وزعت علينا وعليها اسم منظمة الصحة العالمية تقول: إنه إلى الآن لم يمكن التحقق من أن الحيوان لا يتألم بالصعق.
3-
يجب التحقق من أن الصعق لا يحول دون تدفق الدم عند إجراء الذبح بعده، ولا ينقصه عما يحصل إن ذبح الحيوان دون صعق، وهذا يحتاج إلى اختبارات، من ذهب إلى التحقق من هذا الموضوع يجب أن يجري هذه الاختبارات حتى يعرف الأمر، يعني يمكن يذبح دجاجات ويعرف من كل منها كم يخرج من الدم، ويذبح دجاجات بعد الصعق ويزن الدم ويعرف هل ينقص أم لا ينقص؟
4-
التحقق من أن الذبح يحصل فورا بعد الصعق وبالحيوان حياة مستقرة.
5-
يجب أن يتحقق من عدم تأثير هذه الطريقة بحصول فساد في اللحم نقصان لطيبه. وهنا أذكر ما أورده الأخ الدكتور فتحي الدريني في بحثه في الذبائح، أن أهل الدانمارك رفعوا إلى حكومتهم يطلبون إيقاف العمل بالصعق الكهربائي، لأن اللحم يفسد بسرعة.
طريقة المسدس أو الشاكوش والبلطة والمطرقة هذه التي يشلون بها الحيوان، هذه في الحقيقة باقية عند الغربيين أثرا لما كان عليه الأمر قديما من أنهم كانوا لا يبالون بأي طريقة قتلوا الحيوان، سواء بالساطور على رأسه أم بالوقذ كما رأيناه في بعض التلفزيونات؛ حيث يضرب الحيوان بالعصي ويهجمون عليه ويقتلونه ثم يأكلونه بعد ذلك، فهذه بقاياه لكن إذا هذبوها بطريقة ما، أنا أستبعد أن يدخل مسمار من الحديد طوله طول الأصبع في رأس الحيوان ثم لا يكون قاتلا، أستبعد هذا جدا إلا أن يكون حيوانا ضخما جدا، فلا يصل إلى الدماغ، أما إذا اخترق الدماغ كيف لا يكون قاتلا؟! أنا أستبعد هذا.
أيضا النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) .
الخنق إذا كان قاتلا فلا شك أنه من المنخنقة، وهي محرمة وإن كان مجرد مسكن لحركة الحيوان ومخدر له، وهذا ما رأيته في كتابة الدكتور الهواري إذا كان مجرد إفقاده للوعي ولا ينقص خروج الدم، فيبدو أنه لا بأس بذلك إن شاء الله، لكن أذكر أولًا الطريقة الإنجليزية في قتل الحيوان للأكل؛ وهي إدخال المنفاخ الذي ننفخ به إطارات السيارات، ويتم إدخاله بين الأضلاع ويبدأ ينفخ فيه حتى لا تستطيع الرئتان أن تجذب الهواء، فإن مات بذلك فلا شك أنه منخنقة، لأنه مات بسبب عدم وصول الهواء إلى رئتيه.
أما طريقة التخدير فلا أدري، كل الأبحاث التي اطلعت عليها لم تعتن بطريقة التخدير، طريقة التخدير أعتقد هناك كما يجري البنج على الذي نجري له عملية ويخدر، ويبقى في غرفة العمليات ساعات؛ المباضع تشتغل في قلبه وجسده وصدره، وهو لا يحس بشيء من ذلك، ثم يعود إلى الإفاقة، لماذا لا تستعمل هذه الطريقة في مسالخ المسلمين؟ هذه طريقة سهلة ومريحة، وأعتقد ربما يكون المانع هو التكلفة المادية، لكن نحن نعرف أن الصيادين يصيدون الطيور البرية بأن يلقوا لها حبوبا فيها مخدرات ويمسكون بها وتفيق بعد ذلك في الأقفاص، فلو درست هذه الطريقة وهي عندي طريقة مثالية إذا لم تكن تكلفتها الاقتصادية عالية جدا.
الذبح بالآلات السريعة، ووصف الشيخ تقي العثماني كان وصفا ممتعا للجهاز الذي ذكره، ولكن مسألة التسمية أنا أذكر أن هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف أفتت- وكنت حاضرا في تلك الفتوى- أنه عند ذبح مجموعة كبيرة من الدواجن تكفي التسمية عليها مرة واحدة عند أولها إن جرى الذبح بصورة متتابعة دون توقف، فإن جرى توقف لسبب ما فعلى الذابح أن يسمي على المجموعة الباقية من جديد، وأما تكليف الذابح الذي يذبح له عشرة آلاف طير في اليوم أو نحو ذلك بأن يسمي على كل مرة؛ لا شك أن هذا حرج لا يمكن أن تأتي به الشريعة، لا بد من عمل طريقة، والطريقة التي ذكرها الشيخ تقي العثماني طريقة سليمة وجيدة، إذا كان أربعة من الذابحين يقومون مقام أحسن جهاز موجود لهذا الموضوع فممكن أن يمشي الأمر.
الجهل بتحقيق شروط الذبح:
أنواع الجهالة ذكرتها وهي خمسة أنواع، والنبي صلى الله عليه وسلم نبهنا على نوع منها وهو جهل أنهم هل سموا عليه أو لم يسموا؟ ونبه على أن الأمر في ذلك سهل، وأنه يكفي المؤمن أن يسمي عليه، فإذا كان الذابح مسلما لن تكلف بالبحث عن أن هذا اللحم الذي قدمه لك صديقك أو قدمه لك أهلك أو اشتريته من السوق أو من أي مكان، فإنه لم تكلف أن تسأل هل ذبح على الطريقة الشرعية؟ وهل هو بالسن أو بالظفر؟ وهل هو بكذا وكذا
…
؟ أنت تأكل مادام هذا مسلما قد قدمه لك وأنت مستريح القلب ودون أي حرج، والجهل في هذه المسألة نعمة كبيرة، وأنا أتذكر أن الإمام ابن تيمية رحمه الله نبه إلى أن هذا نعمة، الجهل قد يكون نعمة في هذه المسألة بالذات.
لكن لا أتذكر وقد بحثت هذا الموضوع في مظان ذهني من قديم، ويمكن الاستدلال على ذلك بالآية القرآنية:{وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أو بُيُوتِ آبَائِكُمْ أو بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أو بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أو بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أو بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أو بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أو بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أو بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أو مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أو صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] ، ولم يشترط السؤال.
ولكن إذا رأيت مخايل لوجود أشياء تدل على أن الذبح قد وقع بطريقة غير صحيحة، افرض أنك دخلت بيت صديقك ووجدت عنده علبا مكتوبا عليها لحم خنزير وملقاة خارج باب المنزل مثلا، هذه قرينة على أن طعامه ليس بسليم، ففي هذه الحالة ربما تسأل، وربما تترك الطعام.
اللحوم المستوردة هذه هي مشكلة العصر في الحقيقة، وأسبابها واضحة وهي:
- انحياز أكثر الأفراد في المجتمعات الإسلامية إلى العواصم والمدن الكبرى لما فيها من الثروة والتعليم والاقتصاد والمصانع وغير ذلك، وترك العمل في القرى والفلاحة، وإنشاء مشاريع زراعية كبيرة، ولكن مشاريع إنتاج الدواجن لم تكن على قدر المطلوب في البلاد الإسلامية ولا نقول في كل البلاد الإسلامية، فمثلا هنا الدواجن والحمد لله تنتج بكثرة وتصدر للخارج.
- تضخم الثروات في بعض البلاد الإسلامية، ففي هذه استطاعوا أن يأكلوا اللحم كثيرا، ولكن لم ينتجوا لحما بدله، وطريقة التجميد في البلاد البعيدة والتي وجدت في هذا العصر، والتي أمكن بها نقل الحيوانات من أماكن بعيدة بعد ذبحها وتخزينها بصورة سليمة وإرسالها إلى البلاد التي تحتاج إلى اللحوم، كل هذا يساعد على وجود هذا الأمر، والبلاد الإسلامية الآن أكثرها مستورد للحوم وغير منتج لها، ولذلك وجدت هذه المشكلة، أيضا مما يجعل المسلم في حرج في هذه الناحية- الناحية الاقتصادية- أن الذبح باليد فيه تكلفة زيادة، والذبح بالآلات يوفر هذا، وأيضا الحيوان إذا بقي دمه فيه فإنه يفيد المصدر اقتصاديا، وخاصة إذا أدخل في اللحوم المفرومة. فارق السعر هو الذي يدعونا إلى التشكك، لأنهم يسيرون حسب المنفعة الاقتصادية. أيضا لحوم الخنازير في بعض الجهات أرخص من لحوم الأغنام كما هو معروف ولكن قيل لنا: إن بعض البلاد لحوم الخنازير فيها أغلى، لكن إذا كان لحم الخنزير أرخص فهم سيحاولون إدخاله، وقد ذكر بعض الإخوان، وأنا رأيت بعيني علبا جاءت إلى الكويت مكتوبا عليها باللغة العربية لحم بقر وباللغة الإنجليزية يعني لحم طعام، وباللغة الألمانية مكتوبا عليها لحم خنزير، هذه أتت من ألمانيا أو من رومانيا، ونحن نقول: إنهم لا يكذبون ولكنهم أحيانا يكذبون إذا اقتضت المصلحة ذلك.
تعليق الحكم بالبلد إن جهلت ديانة الذابح بالنسبة للحوم المستوردة، هذه الفتاوى في العصر الحاضر كثير منها ذهب إلى تعليق الأمر، لأننا لا يمكن أن نقول الذابح وحده إلا في المسائل الكبيرة جدا، ممكن ابتعاث ناس ينظرون، لكن بالنسبة للشخص الواحد ينظر إلى غالبية البلد، وهذه قرينة قوية جدا ويمكن الاكتفاء بها.
المشكلة الكبيرة هي ما جهلت كيفية ذبحه من اللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب، الفتاوى مذكورة في بحثي، وهي أننا إذا كنا جاهلين طريقتهم للذبح، فأنا أميل إلى ما أفتى به شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أنه إذا جهل ما يأتي من بلادهم وهم أهل كتاب فالأصل أنه يجوز الأكل، لكن هذا مع الشبهة.
نحن نريد البلاد الإسلامية أن تخرج المسلمين من الشبهة، نريد أن نعمل شيئا يبعد المسلمين عن الشبهة، وعندما يأكل المسلم طعامه فإنه مطمئن القلب إلى أن هذا حلال.
وذكرت الشهادات التي تأتي مع اللحوم، وأنا أيضا أكلت من هذا اللحم الذي جاء إلى الكويت، وهو أسماك مكتوب عليها (مذبوح على الطريقة الإسلامية) والشهادات التي وردت كثير منها عرف أنه كاذب، وللأسف هي صادرة عن جماعة من المسلمين، ولكنهم لم يحملوا الأمانة التي حملهم الله إياها.
اقترحت مشروعا وهو مشروع يمكن أن يتصوره أي إنسان، وقلت:
واجب الدول الإسلامية تجاه استيراد اللحوم. أقول: إن الوضع الحاضر للحوم المستوردة إلى كافة البلاد الإسلامية من البلاد غير المسلمة وضع سقيم بلا شك ،وهو بحاجة إلى إصلاح وتنظيم ليكون ما يأكله المسلمون حلالا سائغا لا شبهة فيه ولا مخالفة لشريعة الله. ونرى أن ذلك يمكن أن يتم بما يلي:
أولا: أن توجد جهة إسلامية موحدة، تجمع بين المقدرة والأمانة، لتتولى إصلاح هذا الوضع وتنظيمه، وتضمن استمرارية التنفيذ.
وليس أولى من ذلك في نظري من (رابطة العالم الإسلامي) فإنها موضع ثقة المسلمين، ولديها إمكانيات علمية وإدارية كافية.
ثانيا: تشكل الجهة التي يوكل إليها هذا الأمر، تشكل إدارة أو مؤسسة تتولى العمل المباشر وتتفرغ له تفرغا كليا.
ثالثا: تضع تلك الإدارة، مع الاستعانة بآراء الخبراء الشرعيين والإداريين لائحتين: إحداهما شرعية تبين ما يجب مراعاته في شأن اللحوم المستوردة، والثانية إدارية تتضمن كيفية تسيير دفة العمل، بما يحكم الرقابة ويقضي على الفوضى.
رابعا: توضع على اللحوم التي يوافق على استيرادها، وهي التي حازت شروط القبول الشرعي، علامة تجارية مميزة، تسجل لدى جميع الدول في سجل العلامات التجارية، ويطلب من الدول المصدرة الاعتراف بها كعلامة خاصة مملوكة للجهة الإسلامية القائمة بالأمر، وإدخالها ضمن العلامات التجارية المحمية بالقانون، بحيث يمكن مقاضاة أي جهة تستعملها استعمالا غير مرخص به من جهة المؤسسة المالكة له.
خامسا: يمكن أن يوضع لاستعمال تلك العلامات رسوم مادية بحيث تكون موردا تمول منه العملية بكاملها.
والله الموفق للصواب والهادي إلى سبيل الرشاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ أحمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سأحاول- إن شاء الله- أن أختصر، لأنه سبقني من سبقني من أصحاب الفضيلة، وقد أتوا على كثير مما أردت أن أقوله ولا أريد التكرار. البحث كما هو معلوم التذكية الشرعية شروطها وأحكام مخالفتها، مما وقع فيه إزهاق الروح بالطرق الحديثة، واشتمل على مقدمة في تعريف الذكاة لغة واصطلاحا ومباحث.
المبحث الأول: في كيفية الذكاة الشرعية. قسمت فيها أصناف الحيوانات إلى مقدور عليه وغير مقدور عليه، فالأول هو الإنسي وما وقع في قبضة اليد من الوحشي، فتذكيته لا تكون إلا بنحر أو ذبح. وتكلمت عن النحر والذبح، ثم ذكرت في الذبح أقوال العلماء كيف يتم الذبح، وهي ثمانية أقوال، واخترت من بينها القول الذي وقع الإجماع عليه، وهو أنه لا بد من قطع الودجين والحلقوم والمريء، وفي هذا حسب ما يبدو راحة للحيوان من أجل الإسراع في موته، ومن ناحية أخرى فإن الحديث الذي يدل على فري الأوداج كما قال بعض العلماء، ومن بينهم الإمام النووي في (المجموع) والإمام ابن نجيم في (البحر الرائق) : الأوداج تطلق تغليبا على المريء والحلقوم بجانب الودجين. وذكرت بأن الذبح مشروع في كل ما لا ينحر كالغنم والطيور والأرانب، وما كان مقدوراًَ عليه من الحيوانات الوحشية، بخلاف النحر فإنما هو في الحيوانات الطويلة العنق وفي مقدمتها الإبل، وجاءت به السنة في الخيل واختلف في البقر هل الأولى فيها النحر أو الذبح؟
فقد رجحت طائفة الذبح لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67]، وآخرون رجحوا النحر لحديث جابر رضي الله عنه قال:((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة)) . وذكرت ما أورد عليه وما يتجه إلى الإيراد من اعتراض، وذكرت أن الذبح أنسب بطبيعة البقر لقصر أعناقها بخلاف الإبل، وقد أوضح حكمة هذا التفاوت العلامة القرافي فقال:" وأصل ذلك أن المقصود بالذكاة الفصل بين الحرام الذي هو الفضلات المستقذرة وبين اللحم الحلال بأسهل الطرق على الحيوان، فما طالت عنقه كالأبل فنحره أسهل لزهوق روحه لقربه من الجسد وبعد الذبح منه، والذبح في الغنم أسهل عليها لقربه من الجسد والرأس معًا، ولما توسطت البقر بين النوعين جاز الأمران ".
وذكرت خلاف العلماء في نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر، والأقوال
طبعًا موجودة في البحث. وخلصت من ذلك إلى أن الذكاة في المقدور عليه تنحصر في الحلق واللبة ، وهو ثابت بالسنة والإجماع، فقد أخرج الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى: ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق
…
)) إلى آخر الحديث. والعلامة ابن قدامة حكى الإجماع على ذلك وقال: "ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع " إلى أن قال: " وإنما نرى أن الذكاة قد اختصت بهذا المحل لأنه مجمع العروق فتنسفح بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق النفس، فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان ".
وهي يعني أن العدول عن هذه الطريقة إلى طريقة أخرى في أزهاق
روح الحيوان المقدور عليه تجعله ميتة غير حلال الأكل، وذكرت بعد ذلك حديث أبي العشراء عن أبيه أن ((النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك ")) وذكرت بأن الرواية هي متروكة لا عمل بها عند الأمة، لأن الإجماع منعقد على خلافها، كما نص على ذلك كلام ابن قدامة وغيره من الفقهاء، وأبو العشراء هذا مجهول يروي عن مجهول، إلى آخر ما ذكره أهل العلم عنه.
وذكرت رأي العلامة السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار، ومتابعة العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالته (فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب) الذي جاء رأيا غريبا. وقد تحدث العلامة الشيخ تقي العثماني عن رأي السيد محمد رشيد رضا وذكركثيراًَ مما قلته في التعقيب على كلامه. ثم ذكرت أن جمهور أهل العلم بأن الناد من الحيوان الإنسي حكمه حكم الوحشي في أن الذكاة فيه إنما تكون برميه بالسهم أو بصيده بالجوارح، وعندها ذهبت طائفة إلى خلاف رأيهم، وهو مذهب مالك وأصحابه وربيع والليث بن سعد ، وحجة الجمهور حديث رافع بن خديج قال: كنا مع النبي عين في غزاة وقد أصاب القوم غنما وإبلا، فند منها بعير فرمي بسهم فحبسه الله به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا)) ، واستدلوا من جهة القياس أن الوحشي إذا تأنس يعامل معاملة الإنسي، فكذا الإنسي إذا توحش. وأجاب المالكية بأنه مقدور عليه في الغالب، فلا يراعى النادر من أحواله، وقالوا في حديث رافع: إن النبي سلط على حبسه لا على ذكاته بدليل قوله "فحبسه " ولم يقل إن السهم قتله.
واستأنست لتأييد رأي الجمهور بتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الأوابد الأهلية بأوابد الوحش، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى إلحاقها بها في الحكم.
ثم ذكرت أن جمهور العلماء ألحقوا بالنادِّ من بهيمة الأنعام ما وقع في بئر أو نحوها، فتعذر التوصل إلى تذكيته بالذبح.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى مبحث ثان في أهلية المذكي، وذكرت أنه لا خلاف بين الأمة في كون المسلم أولى من يقوم بالتذكية من أجل سلامة باطنه من الانحراف الفكري، وظاهره من الانحراف السلوكي، وهو أولى بأن يحافظ على الأمانة ويعطي التذكية حقها الشرعي، ولا خِلَاف أيضا بين الأمة في أن المشركين من عبدة الأوثان والملاحدة الذين لا دين لهم لا تحل ذبائحهم، لأنها في حكم الميتة إلا ما ذكره بعض المتأخرين، وهذا كما قال فضيلة الشيخ العثماني: لا يلتفت إليه.
كذلك ذكرت بأن لأهل الكتاب حكما خاصا مخالفا لأحكام المشركين في ذلك لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وإنما وقع الخلاف في أمور وقفت عند بعضها لعدم اتساع البحث لاستيعابها كلها منها:
- هل يشترط أن يكون المذكي عاقلا أو أن يكون بالغًا؟
- حكم المرتد إلى النصرانية أو إلى اليهودية.
- وكذلك الأعجم.
عدة قضايا وقع فيها الخلاف ذكرت أقوال العلماء فيها.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى مبحث ثالث فيما يذكى به، وقلت: ينبغي للإنسان أن يحرص على الرفق بالحيوان حسب وسعه في تذكيته، فيختار له الآلة الأنسب التي تؤدي إلى الغرض مع التخفيف عنه بقدر المستطاع، وذكرت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) . وعلى هذا الأساس يكون اختيار آلة التذكية، وقد وسع الله تعالى لعباده المجال في ذلك ليختاروا بأنفسهم ما يرونه أنسب، كما يدل عليه حديث رافع بن خديج رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر وسأحدثكم عنه، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) فالحديث أطلق جواز التذكية بكل ما أنهر الدم إلا أنه استثنى شيئين دل تعليله استثناء أحدهما على استثناءٍ ثالث لهما، فهو دليل على عدم جواز الذكاة بالعظام كالأسنان والأظافر.
ثم بعد ذلك انتقلت إلى المبحث الرابع في النية والتسمية، وذكرت
أنه قد سبق ذلك في البحث أن التذكية من القربات إلى الله عز وجل، والقربات لا بد لها من نية، وفي هذا بيني وبين زميلي وأخي الدكتور الأشقر شيء من الخلاف، ولكن لا أعده إلا خلافًا لفظيا، فهو لا يعتبر الذبح مطلقا من القربات، واعتبرته من القربات نظرًا إلى التقيد بالأحكام الشرعية، لأن التقيد بالأحكام الشرعية في الذبح قربة إلى الله تبارك وتعالى، فلذلك لم يبح للإنسان أن يزهق الروح بأي وجه كان، ومن أجل ذلك اشترط جماعة من العلماء النيةَ في الذبح، وإن كان هنالك قول آخر بخلاف ذلك، ووجدنا الكثير من العلماء يشترطون النية، وأما ذكر اسم الله عند التذكية فلا خلاف بين الأمة في مشروعيته، وحكى الإجماع عليه كل من الإمام النووي والحافظ ابن حجر، وإنما اختلف علماء الأمة في كونه شرطاًَ لصحة التذكية يترتب عليها حل لحم الحيوان وعدم حله، على أقوال ستة سردتها في البحث.
واخترت من بين هذه الآراء الرأي الذي يقول بأن ذكر اسم الله- تبارك وتعالى شرط في صحة التذكية على أي حال، سواء مع الذكر أو مع النسيان لأجل أن الله- تبارك وتعالى أطلق النهي عن أكل ما لا يذكر اسم الله تعالى عليه في قوله:{وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وأمرنا أن نأكل مما ذكر اسم الله عليه في قوله:{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] ولا ريب أن الشرط كما قيل يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود ولا العدم لذاته، فإذا انعدم الشرط ينعدم المشروط، ومع هذا فإن هذا الرأي يعتضد أيضا بالكثير من أدلة القرآن التي قرنت بذكر اسم الله- تبارك وتعالى مع نحر الإبل {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ومع استعمال الجوارح، وكذلك ما جاء في الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من اشتراط ذكر اسم الله تعالى على إرسال السهم.
وعللت هذا الحكم حسب ما يبدو أو ذكرت حكمة هذا الحكم من الله تعالى حسب ما يبدو أن الحيوان هو كائن ذو روح يتألم كما يتألم الإنسان، ويحب الحياة لنفسه كما يحبها الإنسان، فتدخل الإنسان في أمر حياته بإزهاق روحه من أجل التنعم بأكله لو لم يكن بإذن الله تبارك وتعالى لكان ذلك عدوانا، والعدوان محرم، ولكن بما أن الله تبارك وتعالى الذي ملك هذا الحيوان هو الذي سلط الإنسان على هذا الفعل فإن الإنسان يقدم على هذا العمل باسم الله الذي هو مالك الإنسان ومالك الحيوان، وهو الذي أعطى هذا الحكم للإنسان.
وتناول أيضا البحث موضوع الفرق بين التذكية الشرعية والطرق الحديثة في إزهاق الروح!
إن المقارنة بين هذه التذكية المشروعة في الإسلام وبين ما يجري في بلاد الغرب أو الشرق من إزهاق روح الحيوان بالطرق القديمة أو الحديثة متعذرة لبعد ما بينهما، فإن الحق والباطل لا يلزان في قرن، وشتان بين ما كان تعبدا ربانيا وما كان عادة بشرية مستمدة من إيحاءات نفوس شيطانية وأفكار مأفونة وفطر منحرفة عن سواء السبيل، على أن تلك الطرق التي يتبعونها في ذلك لا تزال امتدادا للتقاليد الوثنية التي كانت متبعة في عهود الرومان قبل اعتناق الإمبراطور قسطنطين للنصرانية.
ولئن كانت تطورت شكليا بتطور وسائلها الحديثة فإن آثارها واحدة، فقد كانوا يستخدمون البلطة والمطرقة والمرزية لتهشيم رأس الحيوان قبل ذبحه، وكثيرا ما يؤدي بها ذلك إلى الموت من غير ذبح، كما كانوا يستخدمون المنفاخ الآلي بعد خرق حائط صدر الحيوان بين الضلعين الرابع والخامس إلى أن يختنق الحيوان بضغط الهواء على الرئتين، ولم يتركوا هذه الطرق إلا إلى مثيلاتها، كاستعمال مسدس الطلقة المسترجعة؟ وذلك بتوجيه طلقة إلى جمجمة الحيوان ونسيج مخه من أجل تدويخه، وهو مما قد يؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح، وقد لا يصلون بذلك إلى غرضهم من إفقاد الحيوان إحساسه، فيستعينون بإدخال سلك فولاذي عدة مرات في الثقب الدي أحدثه المسدس في الجمجمة، أو استخدام التدويخ الكهربائي الذي شاع في دول متعددة، ونص عليه القانون البريطاني في عام 1958 م، أو التخدير بثاني أكسيد الكربون، وهي طريقة تعود أولى تجاربها إلى عام 1904 م، إلا أن إدخالها في عالم صناعة اللحوم تمت في عام 1950م في أحد مصانع اللحوم المحلية بأمريكا، ثم انتقلت إلى الدانمارك ثم شملت معظم الدول الأوروبية.
وهذه الطرق كلها بعيدة عن الذكاة الشرعية وما فيها من خصائص الرحمة والرفق والشعور بالمسؤولية أمام الله، ولا حاجة بنا في هذه العجالة إلى بحث ما في استخدام الطرق القديمة من مضار، وإنما يكفينا أن نلم إلمامة خاطفة بالطرق المستخدمة الآن.
فأولاها: وهي طريقة استخدام مسدس الطلقة المسترجعة تنتج عنها حالة باللحم تسمى بالتبقع الدموي، وهي نقط نزيفية أو بقع أو خطوط في أجزاء مختلفة من أعضاء الذبيحة.
أما الطريقة الثانية: وهي التدويخ الكهربائي فإن عدم الدقة والإتقان في استخدامها يؤدي إلى نتيجة سلبية حتما، فعندما ينخفض التيار يشل الحيوان شللًا تاما مع بقاء وعيه، وتسمى هذه بالصدمة الضائعة، وعندما يزداد يصاب الحيوان بالسكتة القلبية القاتلة، وقد عدل استخدام هذه الطريقة في الطيور والدواجن منذ عام 1970 م بأمرارها في حمام مائي مكهرب، ليجتمع لها الغرق والصعق، على أن التدويخ الكهربائي في جميع أحواله يؤدي إلى إسراع التعفن في اللحم.
وأما الطريقة الثالثة: وهي التخدير بثاني أكسيد الكربون فمن أشهرعيوبها أنها تؤدي إلى سرعة فساد اللحم، كما قد تؤدي إلى اختناق الحيوان وموته لعدم التحكم في كمية الغاز.
هذا ومن المعلوم أن الذبح بالآلات الكهربائية يفتقد فيه عنصر التعبد اللازم كما تحدث الشيخ العثماني في هذا.
هذا، ويتميز الذبح في الإسلام بالعديد من المزايا:
ا- أنه طريقة لإدماء الحيوان ، فهو أقل ألما وأشبه بإدماء المتبرع بالدم، بعكس غيره فإن الحيوان يدمى حتى الموت.
2-
أنه يؤدي إلى سرعة موت الحيوان ويعجل بإخراج روحه نتيجة النزيف الشديد الناتج عن فري الأوداج.
3-
أنه أشبه بالتخدير أي حالة إفقاد الشعور بالألم، بخلاف التدويخ (إفقاد الوعي بضربة أو صدمة) وهو الشكل البدائي الذي تخلى عنه الإنسان منذ سنين.
4-
أنه طريقة صحية إنسانية تمدنا بلحم خال من الدم، فهو صحي ولذيذ.
ثم بعد هذا انتقلت إلى موضوع اللحوم المستوردة، وذكرت أن ما استورد من بلاد الإسلام لا حاجة إلى البحث فيه؛ لأن الأصل في ذبائح المسلمين أن تكون على الطريقة الشرعية وحديث عائشة رضي الله عنها في ذبائح الأعراب الذين كانوا قريبي عهد بكفر دليل على ذلك، وإنما ذكرت ما إذا كان القطر الذي استورد منه اللحم يرفع شعار الانتساب إلى أهل الكتاب، وقلت: وكذلك إن كان من بلاد كتابية وعرف أن الذبح من قبل أهل الكتاب أنفسهم، مع محافظتهم على طرق الذكاة الشرعية، وكان من لحوم البهائم المحللة؛ فهو أيضا حلال لأنه داخل في طعام أهل الكتاب الذي أحله الله لنا.
أما إن كان القطر الذي استورد منه اللحم يرفع شعار الانتساب إلى أهل الكتاب من أجل مصلحة سياسية وأغراض دنيوية مع انغماسه في الإباحية والإلحاد بسبب تلاشي العقيدة الدينية في نفوس أبنائه كما هو الشأن في بلاد الغرب اليوم، فالواجب تمحيص مسألة اللحوم المستوردة منه والوقوف عندها طويلا من أجل استظهار الحق، ويزيد ذلك تأكيدا ما عرف عنهم من أنهم يتبعون في الذبح طرقًا غير مشروعة في الدين بل هي أقرب إلى أن تكون قتلًا للحيوان ثم ذكرت اتجاهات العلماء المعاصرين حول هذه المسألة، وهي:
الاتجاه الأول: منهم من أباح اللحوم على علاتها؛ نظرا لما في البلاد من كنائس، وأن أهلها ينتسبون ولو شكليا إلى ديانة كتابية.
الاتجاه الثاني: اتجاه من أباحها مع مراعاة الضوابط الشرعية التي تحل بها الذبيحة، منها أن يكون الذابح يهوديا أو نصرانيا، وأن يكون ذبحه إياها في رقبتها أو نحرا في لبتها حال كونها حية، وأن يذكر اسم الله عليها على رأي من يشترط التسمية في صحة الذكاة، وأن لا يذكر عليها غير اسمه تعالى، وأن لا تكون موقوذة بإطلاق مسدس عليها أو تسليط تيار كهربائي إلى أن تموت، وهو الذي نصت عليه الفتوى رقم (1216) الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الرياض بالمملكة العربية السعودية.
الاتجاه الثالث: اتجاه من تشدد في هذه اللحوم وعدها في حكم الميتة المحرمة بالنص، وأفتى بحرمة الاتجار فيها كحرمة أكلها، وهو قول طائفة كبيرة من أهل العلم، ذكرتُ جماعة من هؤلاء في بحثي. وذكرت حجج أصحاب هذا القول منها:
أ) أن معظم شعوب هذه الدول قد تخلت في العصر الحديث عن الدين، ولم يبق له عندهم أي سلطان على حياة الناس العقدية والعملية، وإنما بقيت المحافظة على الكنائس في تلك الدول مظهرًا لا أثر له في الفكر ولا في السلوك، ولم تعد الكنائس قادرة على مواجهة التيار الإلحادي الهادر الذي يأتي على كل أثر من آثار التدين، وقد يكون استبقاء هذه الكنائس لأغراض سياسية، فإنها من وسائل نفوذهم في الشعوب التي يسعون إلى غزوها بأفكارهم وتخديرها بمكرهم، وهذا هو الذي سجله الكتاب الأوروبيون بأقلامهم، ودونكم شهادة شاهد من أنفسهم يقول الأستاذ جود الذي كان رئيس الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن:
" سألت عشرين طالبا وتلميذة كلهم في أوائل العقد الثاني من أعمارهم، كل منهم مسيحي بأي معنى من معاني الكلمة؟ فلم يجب بنعم إلا ثلاثة فقط، وقال سبعة منهم أنهم لم يفكروا في هذه المسألة أبدا، أما العشرة الباقية فقد صرحوا أنهم معادون للمسيحية". ويضيف إلى ذلك الأستاذ جود قوله: "أنا أرى هذه النسبة بين من يؤمن بالمسيحية ويدين بها وبين من لا يؤمن في هذه البلاد ليست شاذة ولا غريبة، نعم إذا وُجِّه هذا السؤال إلى مثل هذه الجماعة قبل خمسين سنة أو عشرين كانت الأجوبة مختلفة".
هذه شهادة من أحد أبناء جلدتهم، وهو غير خارج عن ملتهم ولا مفارق لهم ، إنما في بيئتهم، وقد قرر في كلامه أن هذه الأجوبة من أولئك التلاميذ إنما كانت ناشئة من حال مجتمعهم ولم تكن مجرد تصرف صبياني، كيف وهو يقول بأن هذه النسبة في تلك البلاد ليست شاذة ولا غريبة.
وهاكم شهادة عادلة من رجل نشأ في هذه البيئة المتعفنة ثم هداه الله للإسلام وهو الأستاذ محمد أسد الألماني الذي يقول: "لا شك أنه لا يزال في الغرب أفراد يعيشون ويفكرون على أسلوب ديني، ويبذلون جهدهم في تطبيق عقائدهم بروح حضارتهم، ولكنهم شواذ، إن الرجل العادي في أوروبا ديمقراطيا كان أو فاشيا، رأسماليا كان أو اشتراكيا، عاملا باليد أو رجلا فكريا إنما يعرف دينا واحدا وهو عبادة الرقي المادي والاعتقاد بأنه لا غاية في الحياة غير أن يجعلها الإنسان أسهل وبالتعبير الدارج حرة مطلقة من قيود الطبيعة، أما كنائس هذا الدين فهي المصانع الضخمة ودور السينما والمختبرات الكيمائية ودور الرقص ومراكز توليد الكهرباء، وأما كهنتها فهم رؤساء الصيارف والمهندسون والممثلات وكواكب السينما وأقطاب التجارة والصناعة والطيارون، والمبرزون الذين يضربون رقما قياسيا".
وفي هذا يقول المفكر الإسلامي الكبير الشيخ أبو الحسن الندوي:
"وعلى كل حال فقد وقع المحذور وانصرف اتجاه الغرب إلى المادية بكل معانيها، وبكل ما تتضمنه هذه الكلمة من عقيدة ووجهة نظر ونفسية وعقلية وأخلاق واجتماع وعلم وأدب وسياسة وحكم، وكان ذلك تدريجيا وكان أولًا ببطء وعلى مهل، ولكن بقوة وعزيمة، فقام علماء الفلسفة والعلوم الطبيعية ينظرون في الكون نظرا مؤسسًا على أنه لا خالق ولا مدبر ولا آمر وليس هناك قوة وراء الطبيعة والمادة تتصرف في هذا العالم وتحكم عليه وتدبر شؤونه، وصاروا يفسرون هذا العالم الطبيعي ويعللون ظواهره وآثاره بطريق ميكانيكي بحت، وسموا هذا نظر! علميا مجردًا، وسموا كل بحث وفكر يعتقد بوجود إله ويؤمن به طريقاًَ تقليديا لا يقوم عندهم على أساس العلم والحكمة، واستهزؤوا به واتخذوه سخريا، ثم انتهى بهم طريقهم الذي اختاروا وبحثهم ونظرهم إلى أنهم جحدوا كل شيء وراء الحركة والمادة وأبوا الإيمان بكل ما يأتي تحت الحس والاختبار، ولا يدخل تحت الوزن والعد والمساحة، فأصبح- بحكم الطبيعة وبطريق اللزوم- الإيمان بالله وبما وراء الطبيعة من قبيل المفروضات التي لا يؤيدها العقل ولا يشهد بها العلم " إلخ.
ب) أن ذبائح الغربيين اليوم لا تخرج عن كونها موقوذة أو منخنقة، وقد نص على تحريمها القرآن، وذلك أنه تواتر اليوم أن هذه الدول تقتل إما بواسطة الصعق الكهربائي أو المسدس أو بالبلطة أو بالغازات، وهذا ما نقله الثقات الذين زاروا مسالخ هذه الدول، ورأوا بأم عينهم ما تقشعر منه الجلود من ارتكاب المخالفات التي لا يقرها الدين في إزهاق روح الحيوان.
ج) أنه ثبت بالعيان تزوير الشهادات التي تلصق بغلف هذه اللحوم من أجل خداع الناس بأنها مذكاة على الطريقة الإسلامية، وذكرت عدة شواهد، ومن بين هذه الشواهد أنني بنفسي جاء إلي رجل اشترى دجاجة مكتوب على غلافها مذبوح على الطريقة الإسلامية، وإذا بها لا أثر لإدمائها قط، هي مخنوقة من غير إدماء.
د) أن الأغنام والأبقار تذبح في بلاد الغرب مع الخنازير، فتختلط بلحومها، والخلطة في مثل هذه الحالة تؤدي إلى الحرمة، لتعذر التمييز معها بين الحلال والحرام.
هـ) أنه ثبت في تعاملهم الغش، فقد نقل عدد من الناس أنهم رأوا أسماكًا معلبة مكتوبا عليها (ذبح على الطريقة الإسلامية) ، بل قيل لي إن لحوم الخنزير هي موردة لبلاد الإسلام من أجل النصارى وغيرهم ووجد عليها مكتوب (ذبح على الطريقة الإسلامية) ! على أن هذا الغش قد يكون حتى من المستوردين في بلاد الإسلام، فقد قال الدكتور عبد الله عزام في عمان: اكتشفت أمانة العاصمة قبل سنوات عند شركة ملصقات كثيرة مكتوبا عليها (مذبوح على الطريقة الإسلامية) حتى تلصقها على علب اللحوم فور وصولها، ولقد جاء إلى وزارة الأوقاف الأردنية وأنا فيها علبة لحم مكتوب عليها (مذبوح على الطريقة الإسلامية لحم بقر صاف 100 %) ، وفي الجهة المقابلة باللغة الألمانية أنها تحتوي على نسبة من شحم الخنزير.
وبعد هذه الجولة بين منحنيات هذه الحقائق لا يبقى ريب لمرتاب أن القول الثالث- وهو القول بالتشديد- هو أقوم قيلا وأصح دليلا، على أن القول الثاني يعود إليه كما ذكر الأستاذ الشريف في رسالته، لانعدام تلك الضوابط التي وضعها أصحاب هذا القول في اللحوم المستوردة من بلاد الغرب، وعليه فالخلاف بين القولين لا يعدو أن يكون لفظيا، وإنما الخلاف بينهما وبين القول الأول الذي يبيح هذه اللحوم من غير مراعاة لشيء من تلك الضوابط، ويستند إلى عموم قوله تعا لى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهو استدلال في منتهى البعد، وذلك يتضح بالنظر إلى هذه الأمور:
أولها: أنه لا يكفي في إعطاء أحد حكم أهل الكتاب إلا إن كان على عقيدة تقوم على الإيمان بكتابه، وأنى ذلك في أمة فقد سوادها الأعظم هذا الإيمان ، واستولى عليها الإلحاد ، وتفشت فيها الاباحية كما تقدم ، ولا يغني عنهم انتسابهم إلى أصول تؤمن بالكتاب شيئا، فإن الرجل الذي كان نفسه على الإسلام وولد من أبوين مسلمين مؤمنين قانتين إن ارتد عن إسلامه - والعياذ بالله- لم يغن عنه كل ذلك شيئا، ولم يعط أحكام المسلمين في إباحة أكل ذبيحته ولا غيرها، وما الفارق في ذلك بين المسلم والكتابي؟
ثانيها: أن قوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] جاء إثر تحريم طائفة من الحيوان، منها المنخنقة والموقوذة فكيف يمكن أن يكون دليلا على إباحة المخنوق والموقوذ إن كانا على يد كتابي مع أنهما حرام بالقطع إن كان الواقذ أو الخانق مسلما؟ وهو مما يترتب عليه كون الكتابي أكرم على الله من المسلم، لأنه أباح على يديه ما لم يبحه على يدي المسلم، ويأبى الله ذلك، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
ثالثها: أنه يلزم هؤلاء أن يحلوا بهذا لحم الخنزير إن كان على مائدة
كتابي، لأنه من طعامهم الذي استحلوه بهوى أنفسهم كما استحلوا المنخنقة والموقوذة وغيرهما، ولا فرق بين الصورتين فإن تحريم المنخقة والموقوذة جاء في نسق واحد مع تحريم الخنزير ومع تحريم الميتة والدم.
رابعها: أن الآية الكريمة مصدرة بإباحة الطيبات، ولا يقول عاقل آتاه الله رشدا: إن المنخقة والموقوذة وغيرهما مما حرمه الله عليه تعد من جنس الطيبات، وهل يطيبها أن يكون الواقذ أو الخانق من جنس الكفار الذين رفضوا الاستجابة لدعوة كتابهم إلى الإيمان بخاتم الرسل عليه أفضل الصلاة والسلام الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل؟ وهذه مغالطة للحقيقة ليس أبعد منها مغالطة، فكيف يكون الشيء الواحد خبيثا إن كان على يد المسلم، وطيبًا إن كان على يد غيره؟
وقد استدل بعض أصحاب هذا القول لما ذهبوا إليه بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، في ذبائح الأعراب، وهو استدلال منتقض من أساسه، فإن أولئك الأعراب ما كانوا على ملة غير الإسلام، ولا ثبت أنهم يرتكبون مخالفات للشريعة في ذبحهم، وإنما وقع في نفوس بعض الناس شك في تسميتهم على الذبح لحداثة عهدهم بالكفر، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يفيدهم أن أعمال المسلم- وإن كان جديد عهد بالإسلام- محمولة على موافقة الحق ما لم يثبت خلافه له.
وأما ما استأنسوا به من كلام ابن العربي الذي يبيح أكل الدجاجة التي يفتل عنقها النصراني، فهو مدفوع بما نص عليه ابن العربي نفسه قبله بسطور معدودة وهو قوله:"فإن قيل فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذه ميتة ، وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا".
فيا ترى هل نترك من كلامه ما وافق الدليل القرآني إلى ما خالفه؟ على أن أي أحد وإن بلغ ذرى المراتب في العلم والفضل لا يحتكم إلى كلامه مع قيام الدليل الشرعي، بل يحكم الشرع في كلامه، لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]
أما محاولة الجمع بين الكلامين بأن يحمل المنع على غير ما يعتقدونه ذكاة عندهم، والإباحة على ما اعتقدوه تذكية فهي محاولة فاشلة، لأن الصورة واحدة وهم هم أنفسهم، على أنه يفيد كلامه أن ذلك يحرم علينا وإن كانوا هم في اعتقادهم له مستحلين، بدليل تمثيله بالخنزير وبقوله بأنه حلال لهم ومن طعام وهو حرام علينا.
على أننا لا نسلم أن الخنزير حلال لهم، فإنهم لم يأكلوه استنادا إلى نص كتاب على حله، ولكن بفتوى من أفتاهم بذلك من رهبانهم، ومثله الميتة- ومنها المنخنقة والموقوذة- إذ النصارى لم يبح لهم إلا ما أباحته التوراة إلا ما كان تحريمه في التوراة وقتيا عقوبة لليهود على سوء صنيعهم وشططهم في العناد ومكابرة الحق.
على أنه لو ادعى أحبارهم ورهبانهم حل ذلك لهم لم يصدقوا فيه كما قال الإمام الرهوني: "كيف يقبل قولهم بعد إخبار الله تعالى عنهم بأنهم حرفوا وبدلوا حسبما أفصحت بذلك الآيات القرآنية والأحاديث المتواترة النبوية
…
" إلى أن قال: "على تسليم تصديقهم تسليما جدليا فلا وجه في تصديقهم أن المنخنقة والمسلولة العنق والموقوذة المضروبة في الرأس بشاطور مثلا حلال عندهم، وعدم تصديقهم في أن الميتة والخنزير حلال عندهم، وما فرق به- يعني أبا عبد الله الحفار المنتصر لرأي ابن العربي- من أن الله قد كذبهم في الميتة والخنزير دون المضروبة بشاطور مثلا، وما ذكر معه لا يصح؛ لأنه إن عنى أن الله كذبهم في إخبارهم بحليتها، فليس في القرآن ولا الأحاديث شيء من ذلك، وإن عنى أن الله كذبهم بقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] فهذه مصادرة، لأن الله قد كذبهم فيما زعم أنهم يصدقون فيه، لأنها إما منخنقة أو موقوذة، وقد ذكر الله حرمة كل واحدة منهما في الآية نفسها بقوله عز من قائل:{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} الآية، وقد قال ابن العربي نفسه في الأحكام ما نصه:"وأما قوله والمنخنقة فهي التي تختنق بحبل بقصد، أو بغير قصد أو بغير حبل ".
هذا وأما استدلال ابن العربي لحلية طعام الكتابي مطلقا بأنهم يعطوننا أولادهم ونساءهم ملكا في الصلح فيحل لنا وطؤهن فكيف لا تحل ذبائحهم والأكل دون الوطء في الحل والحرمة، فهو غير مسلم إن كان ذبحهم خنقا أو وقذا لمجيء النص القطعي بحرمة الموقوذة والمنخنقة، فهو قياس في مقابلة النص على أنه يترتب على قوله أن تباح بسبب ذلك ذبائح المشركين، فإن ما ذكروه من حكم الأولاد والنساء لا ينحصر في أهل الكتاب دونهم، وللعلامة الرهوني في رد احتجاج ابن العربي هذا بحث موسع اكتفينا عنه بما ذكرناه فليرجع إليه من يشاء الاطلاع والاستفادة.
ثم ذكرت بعد ذلك أنه نظرًا إلى أن كون اليهود أكثر التزاما من النصارى -أو من الذين يدعون النصرانية - في الذبح فإن جماعة من المشايخ أوصوا بأن يأكل المسلم عندما لا يجد ذبيحة المسلم في بلاد الغرب مثلا يأكل ذبيحة اليهودي، لأجل محافظته على الطريقة الشرعية في الذبح، لا على ذبيحة من يدعي النصرانية.
ذكرت بعد ذلك ملخصا لما جاء في البحث وهو بين أيديكم.
ونسأل الله تعالى التوفيق للخير، وأشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور محمد الهواري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد أغناني الإخوة الذين تقدموني بالبحث عن تناول النواحي الفقهية والأمور المختلفة التي تعرضوا إليها، وسيكون تركيز بحثي- بإذن الله- على الطرق الحديثة التي يجري عليها الذبح الآن في المجازر الغربية في أوروبا. وقبل أن أبدأ الحديث، فلا بد لي من بعض الملاحظات في هذا الموضوع، لم يبحث فقهاؤنا القدامى هذا الموضوع أصلا، لأنه لم يكن واقعا في عصرهم، فكان لا بد من الاجتهاد - أي في موضوع الطرق الحديثة في الذبح- بالرأي على ضوء ما تقرر في هذا التشريع الإلهي من مبادئ وأحكام، وخاصة بعد تطور وسائل ذبح الحيوان وإماتته بغية تحصيل لحمه للطعام، وهي وسائل فنية متطورة ذات قدرة فائقة على الإنتاج الكبير للحم وتصنيعه وتعليبه أو تجميده أو تجفيفه في المصانع الحديثة.
ومما يؤسف له أن العالم الإسلامي في معظم أقطاره أصبح يعتمد في تأمين غذائه على ما يستورده من الخارج، وفي طليعة ذلك اللحوم والحبوب.
وقبل الوصول إلى الحكم في اللحوم المستوردة وأمثالها لا بد لنا من الإشارة إلى الحقائق التالية:
1-
إن الغاية من إنشاء المجازر الصناعية الحديثة التي تستورد منها اللحوم هي إزهاق روح الحيوان بغية تحصيل لحمه للطعام، وليس هناك غاية أخرى كالذبح للكنيسة أو أب أو لفلان من الناس، ولا محل في الواقع الحالي لهذا الأمر.
2-
لا تسمح القوانين السائدة التي تحكم المجازر الحديثة بأكل لحم الميتة ولا بتسويقها، هذا من حيث الأصل.
3-
تتمتع جمعيات الرفق بالحيوان بنفوذ كبير جدا، ولها تأثير على التشريعات الخاصة بالحيوان، وهي تدعو دائما إلى الرفق بالحيوان وعدم استعمال أي أسلوب يؤدي لتعذيبه وإيلامه عند الذبح، وتصل في ذلك إلى حد المبالغة.
4-
فهم بعض العلماء من الطرق التي تتبع قبل ذبح الحيوان أنها تستعمل لقتل الحيوان، ومن غير بينة ووضوح أفتوا بحرمة التدويخ أو الصعق الكهربائي والصرع بالمسدس، وأرادوا تحريم أية ذبيحة يستعمل فيها المسدس للصرع أو الكهرباء للتدويخ، ونحن معهم في أن ما يموت بالصرع أو بالصعق من غير ذبح حرام، ولا يجوز أكله أبدًا، ولكن الواقع يخالف ذلك. طريقة الصرع أو التدويخ لا تقتل الحيوان، ولكنها تؤدي إلى فقدان وعيه ووقوعه، ثم يذبح بعد ذلك ذبحا كثيرا ما يتوافق مع متطلبات التذكية الشرعية.
وقد كنت عضوًا في لجنة مكونة من أطباء بيطريين يمثلون بلدان السوق الأوروبية المشتركة، وأجرينا تجارب في مدينة جامبلو ببلجيكا على عجول جرى تدويخها بالمسدس الواقذ، وثبت لنا أن قلب الحيوان استمر في النبض لأكثر من (10) دقائق، ثم جرى ذبحه فأنهمر الدم منه بشدة.
5-
وفي مناسبة أخرى، تمت دراسة تجريبية على خروفين كنا في لجنة ومن ضمن أفرادها الشيخ ابن الخوجة وذلك عام 1986 م، أحدهما بالغ بوزن (35) كغ، والآخر فطيم يزن (18) كغ، وأخضع الحيوانان لشروط متماثلة من التدويخ باستعمال تيار كهربائي يبلغ كمونه (300) فولط، وشدته (1.25) أمبير، لمدة (3) ثوان، وذلك بتطبيق المسريين على الصدغين.
وظهرت على الحيوانين المظاهر الوصفية التوترية والرمعية (الارتجافية) للصرع قبل أن يتماثلا للشفاء التام.
وقد دلت هذه التجربة على الطبيعة المعكوسة للتدويخ الكهربائي ضمن الشروط الموصوفة، أي عودة الحيوان بعد التدويخ إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه، كما لم تظهر أي آثار إضافية متعلقة بعمر أو حجم الحيوان الفتي.
6-
طريقة التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون co2 على الرغم من عدم انتشارها في تدويخ الماشية والشياه حتى الآن، إلا أنها لا تهيج الحيوان، وتنشط التنفس والدورة الدموية، مما يسهل معه نزف دم الحيوان، ولا تعطي لحوما ذات نقط نزفية، ولا تحدث تغيرات في درجة حموضة اللحم.
7-
تقضي القاعدة العامة في الإنتاج الصناعي أن يذبح الحيوان فورا بعد التدويخ، لأن التماهل في ذلك يؤدي إلى خفض الإنتاج، وهذا يتعارض مع المبدأ الاقتصادي والصناعي.
أما ما يتعلق بطرائق الذبح فسنتعرض لها الآن- إن شاء الله-:
1) التذكية الشرعية: موضوع الذبائح من الأمور التعبدية في الشريعة الإسلامية، وهي مما يتقرب به الإنسان المسلم إلى الله تعالى كما هو الحال بإراقة الدماء في الأضحية والهدي، وينال الثواب بإطعام الفقراء والجيران والأهل من ذبيحته. والأصل في الذبح عند المسلمين أن يكون بدون تدويخ للحيوان، لأن المسلمين يرون أن طريقة الذبح الإسلامية هي الأمثل؛ رحمة بالحيوان وإحسانا لذبحته وتقليلًا من معاناته، وقد تأكد لنا هذا بالتجربة العملية.
2) ذبح الحيوان بعد التدويخ:
تقضي القوانين الغربية بأن إزهاق روح الحيوان يمكن أن يتم بأية طريقة إرادية تؤدي إلى موت الحيوان الأهلي أو الزراعي بغية الاستهلاك الغذائي.
وتشترط هذه القوانين أن لا يلجأ إلى ذبح أي من الحيوانات الفقارية إلا من قبل شخص مؤهل تتحقق فيه الخبرة الكافية بأصول الذبح، حسب الطريقة المستعملة والتي من شأنها أن تقلل ما أمكن من ألم الحيوان. وبصورة عامة لا تجيز القوانين الغربية ذبح الحيوانات إلا بعد تخديرها أو تدويخها بطريقه يقبلها القانون ووفقا لظروف الذبح ونوع الحيوان، ويستثني كثير من التشريعات الغربية الحالات الاضطرارية القصوى التي تجيز الذبح بدون تدويخ، وخاصة بالنسبة لبعض الطوائف الدينية كاليهود بصورة عامة، والمسلمين في عدد محدود جدا من البلدان الغربية، أو حالات الذبح التي يتطلبها تصدير اللحوم إلى بعض الدول الإسلامية، وقد أجاز بعض الدول الغربية التي اعترفت بالإسلام أن يذبح المسلمون على طريقتهم الشرعية في المجازر المرخصة، وبدون تدويخ مسبق، وتحت إشراف الرقابة الصحية اللازمة.
لا تجيز القوانين الغربية تسويق لحوم الحيوانات الميتة، ولكنها لا تشترط بوضوح في طرق التدويخ أن لا تؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح.
وسنستعرض فيما يلي أشهر الطرق الحديثة المتبعة في تثبيت الحيوانات المختلفة وتدويخها وذبحها:
أولا- تثبيت الحيوان أثناء التدويخ والذبح:
يستعمل لحجز الماشية نموذجان مشهوران من الصناديق الخاصة هما:
1) الصندوق الدوار من نموذج واينبرغ weinberg:
وهو يتكون من جدار أمامي ينتصب إلى حوالي نصف ارتفاع الحيوان، ويشتمل على حاصرة تحجز رأس الحيوان وتشده نحو الأمام والأعلى، ومن باب خلفي يدفع الحيوان نحو الأمام، ومن جدارين جانبيين يقومان بحصر الحيوان من خاصرتيه، ويرتبط بالصندوق سكتان معدنيتان دائريتان تسمحان بدوران الصندوق (180) درجة، وفقا لمحور أفقي لتسهيل عملية الذبح.
2) الصندوق الثابت من نموذج سينسيناتي Cincinatti.
يتكون الصندوق من جدار أمامي يصل إلى نصف ارتفاع الحيوان. ومن حاصرة للرأس، ومن باب خلفي يدفع الحيوان نحو الأمام، ومن جارين جانبيين أحدهما ثابت والثاني متحرك، ومن لوح بطني يسند الحيوان ويحميه من السقوط.
أما الحيوانات الصغيرة كالخراف والماعز فيتم تدويخها مباشرة دون حاجة إلى تثبيتها.
ثانيا- التدويخ:
هناك (5) طرق رئيسية مستعملة:
1) تخريب المادة البصلية النخاعية، وذلك بإحداث ثقب في جوف الجمجمة بواسطة مسدس واقذ مزود بساق مصادمة، تنتهي برأس إبري أو برأس نصف كروي.
2) التدويخ بالصدمة الكهربائية.
3) التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون.
4) التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة.
5) الخنق بالطريقة الإنكليزية.
1-
التدويخ بالمسدس ذي الواقذة الإبرية:
يتألف المسدس من كتلة معدنية تسمح بوضع متفجر ناري يدفع ساقا تصادمية مرتدة تنتهي برأس إبرية، وتؤدي الطلقة إلى أن تقوم الساق بإحداث ثقب نافذ إلى دماغ الحيوان، يؤدي إلى فقدان الوعي بشكل فوري نتيجة لتخريب جزء من البنية الحية من الدماغ، كما يؤدي إلى زيادة عنيفة مفاجئة في الضغط ، ويختلف مكان وضع المسدس باختلاف الحيوان وعمره.
أ) ففي الماشية يغرز الساق في وسط الجزء الجبهي، ويكون بوضع أخفض في العجول لأن القسم العلوي من الدماغ فيها قليل النمو.
هذا وإن توجيه رأس المسدس في العجول نحو الرقبة (القذال) يؤدي إلى شلل فوري، إلا أن فقدان الوعي لا يحدث إلا بعد مرور (20) ثانية من تحرير الطلقة.
ب) وفي صغار المجترات يتم تصويب الطلقة في القسم العلوي من الرأس باتجاه زاوية الفك.
ج) وفي ذوات القرون من الخراف والماعز، يوضع المسدس مباشرة خلف الخط الواصل بين القرنين وتصوب الطلقة باتجاه الفم.
د) أما في الخيل فيتم إحداث الصدمة فوق نقطة تقاطع الخطوط الواصلة بين العين من طرف والأذن في الطرف الآخر.
3-
التدويخ بالصدمة الكهربائية:
تستخدم هذه الطريقة لتدويخ صغار العجول والشياه (الخراف والماعز) والأرانب والدواجن. ولهذه الغاية تستخدم آلة تشبه الملقط متصلة بمأخذ كهربائي، يثبت طرفا المقلط على صدغي الحيوان، ويمرر تيار كهربائي ذي شدة معينة وفولطاج محدد ولمدة ثابت، في الغالب تكون 3- 6 ثوان، وتختلف جميعها باختلاف الحيوان.
يحدث فقدان الوعي مباشرة نتيجة إلى اللاتقاطب الكبير في العصبونات الدماغية، وهو يسبق عادة حدوث طور من التقلص العضلي المزمن الذي يلاحظ قبل المرحلة النهائية من الارتخاء.
أ) هذا والأمثل في الحيوانات الكبيرة أن تطبق المساري الكهربائية على جانبي رأس الحيوان بين الحجاج وقاعدة الأذن، وذلك باستخدام تجهيزات خاصة تسمح بتعديل شدة التيار الكهربائي وكمونه الذي قد يصل إلى (1000) فولط.
ب) وفي حالة الخرفان لا يكون التدويخ كافيا إذا كان جلد الحيوان مغطى بالصوف في موضع التماس مع المساري الكهربائية، ولتجنب ذلك تستخدم مساري كهربائية ذات نهاية إبرية تسمح باختراق الصوف نحو الجلد مباشرة.
ج) ومنذ نهاية الثمانينات تستخدم المجازر النيوزلندية الصدمة الكهربائية لتدويخ الماشية، وذلك باستعمال تيار كهربائي شدته (2.5) أمبير يؤدي إلى توقف القلب، وقد أدى هذا إلى مشاهدة مظاهر حبرية وكسور عظمية في جسم الذبيحة، مما يقلل من قيمة نوعية اللحم.
هذا وإذا لم يحدث توقف القلب، فيمكن للحيوانات أن تستعيد وعيها خلال بضعة عشر ثانية، وحينئذ لا تضمن هذه الطريقة الشروط المطلوبة لإراحة الحيوان عند الذبح.
د) ويتم تدويخ الدجاج آليا بالصدمة الكهربائية، بحيث يعلق الدجاج من رجليه على سلكين معدنيين ويغطس الرأس المدلى في مجرى مائي يتصل بمسرى كهربائي، يمر التيار في جسم الحيوان من الرأس إلى القدمين، ونظرًا لسماكة الجلد في القدمين المتقرنين يلجأ إلى إنقاص المقاومة الكهربائية برش الكلاليب التي تعلق بها الأقدام بالماء، يطبق مرور التيار لمدة لا تقل عن (4) ثوان، وتؤدي شدة التيار المستعمل إلى توقف القلب في (95 %) بالمئة من الحالات دون أن يؤثر ذلك بشكل ملحوظ على نزيف الدم بعد الذبح بقطع الرأس بسكين دوارة، بيد أنه لوحظ أن زمن النزف أطول من الوقت المعتاد بدون تدويخ، وكذلك لوحظ أن 10 % من الدجاج يموت أثناء هذه العملية، إن استعمال تيار كهربائي شدته (7.5) ميلي أمبير يعتبر كافيا لإحداث التدويخ، بيد أن هناك محذورا فعليا قد يؤدي إلى عودة الوعي إلى الحيوانات قبل أو أثناء الذبح.
ويتردد الخبراء المهنيون كثيرا في استعمال تيار كهربائي عالي الشدة لما يلاحظونه من زيادة كبيرة في النزف العضلي، والكسور العظمية المرافقة نتيجة لتقلص العضلات التشنجي بسبب التيار الكهربائي، وهذا ما يؤدي إلى تعارض المصلحة بين إراحة الحيوان ونوعية اللحم الناتج.
أما الدواجن كبيرة الحجم كالأوز والبط والديك الرومي وما شابه ذلك، فيتم ذبحها عادة يدويا وبدون تدويخ، نظرا لضآلة الإنتاج بالمقارنة مع الدجاج، ولثقل وزنها ولعدم تلاؤم وزنها وحجمها مع التقنية الآلية المتبعة في ذبح الدجاج.
4-
التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة:
طريقة بدائية قديمة تتبع لتدويخ الحيوانات الكبيرة كالماشية والخيول وذلك بضرب العظم الجبهي للحيوان بمطرقة ضخمة تحدث ألما شديدا للحيوان وتفقده الوعي وينهار الحيوان مباشرة، ثم يتم ذبحه باليد.
وقد تخلت المجازر الحديثة عن هذه الطريقة البدائية، واستبدلت بها طريقة التدويخ بالمسدس الواقذ، في حين لا يزال يلجأ بعض الأفراد في القرى أو في المزارع إلى التدويخ بالمطرقة، وذلك لاستهلاك اللحم محليًّا.
5-
التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون:
أكثر ما تستخدم هذه الطريقة في تدويخ الخنازير، وقد يلجأ إليها أحيانا لتدويخ الشياه والماشية.
يحبس الحيوان في بيئة هوائية تحتوي على (70 %) من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويبقى الحيوان محتفظا بوعيه خلال (20) ثانية ثم يحدث فقدان الوعي مباشرة، ويتبعه منعكسات حركية تستمر لمدة (10) ثوان، ولا يعتبر الخبراء ذلك نتيجة لمحاولة الحيوان في الفرار؛ نظرا لأن هذه الظاهرة تشاهد في المخطط الكهربائي الدماغي للحيوان بعد تخدير عميق.
تعقب المنعكسات الحركية حالة إرتخاء عضلي حينما يصبح الحيوان في حالة تخدير عميق، تستمر عادة من (2- 3) دقائق، ولا يؤدي هذا إلى توقف القلب إلا في حالات نادرة.
هذا وإن زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء تؤدي إلى تسريع عملية التدويخ، وهو ما يرغبه المهنيون.
ويظن بعض العلماء البيطريين استنادا إلى قياس تركيز (الكاتشولامين Catecholamine) في البلاسما ولسلوك الحيوان الظاهري، بأنه لا يشعر بالألم ولا بالضيق أثناء عملية التخدير بالغاز، بيد أن هذا لا يتفق مع رأي كثير من العلماء الآخرين الذين يعتقدون بأن الحيوان يتعرض لحالة ضيق تنفسي شديد أثناء التخدير، وقد تأيد ذلك من خلال تجارب أجريت على متطوعين من البشر كانوا قد شعروا بالضيق التنفسي عندما تجاوزت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء (40 %) .
ويرى بعض الخبراء أن التخدير بالغاز يضمن إراحة الحيوان إذا كانت الطريقة سليمة الأداء، وألا فالطريقة تؤدي إلى محاذير كبيرة إذا لم تتم حسب الأصول.
هناك دراسات حديثة تجري لمحاولة تطبيق هذه الطريقة على الدواجن، حيث يتم تدويخها في الأقفاص عند استقدامها إلى المجزرة، ويرون في هذه الطريقة أنها تجنب حالات التوتر التي تصيب الحيوانات عند إخراجها من الأقفاص وتعليقها في الكلاليب وطرح رأسها إلى الأسفل، ويبدو أن النتائج كانت مشجعة من حيث إراحة الحيوان ونوعية اللحم.
6-
الخنق بالطريقة الإنكليزية:
تعتمد على خرق جدار الصدر بين الضلعين الرابع والخامس، ومن خلال هذا الخرق ينفخ بمنفاخ (أو كير) فيختنق الحيوان نتيجة لضغط هواء المنفاخ على رئتي الحيوان، وهذا الاختناق يحول دون نزيف الدم وإنهاره، ولا نرى حاجة لبيان الحكم الشرعي لهذه الطريقة التي تؤدي لموت الحيوان بالاختناق، والمنخنقة محرم أكلها بالنص القرآني.
ثالثا- الذبح:
يتم الذبح بإنهار الدم: حيث ينزف منه حوالي (50 %) ، وفي حالات توقف القلب تنقص كمية الدم النازف كثيرا وخاصة في الخراف والماشية، وينحبس الدم المتبقي عادة في الأحشاء.
يجري الذبح عادة في المجازر الأوروبية بقطع الجانب البطني من العنق بجرح ينفذ حتى الفقرات.
وقد نشاهد أسلوبا آخر يتم بإحداث قطع في جانب العنق، بحيث تفري السكين الأوعية الدموية والعمود الفقاري والرغامى والمريء.
وهناك أسلوب ثالث يجري بقطع الرقبة وخلع الموصل الفقهي القذالي (القذال: مؤخر الرأس والفقهة: فقرة العنق الأولى) .
هناك بعض الدراسات التي أجريت حول عملية إراحة الحيوان قبل الذبح. يمكن أن ننظر إلى إراحة الحيوان بصورة موضوعية من خلال (3) علامات رئيسية هي: الألم والكرب والوعي. ولا شك أن هذه العلامات متشابكة جدا ووثيقة الارتباط ببعضها البعض، فالألم يسبب الكرب ويتطلب الإحساس به، والكرب قد يحدث نتيجة لأسباب عديدة أحدها الإحساس بالألم، ومع فقدان الوعي يزول الكرب والإحساس بالألم.
ا) الألم:
غياب الألم هو العنصر الرئيسي في إراحة الحيوان. ولذا كان من الضروري إنقاص الإحساس بالألم إلى حده الأدنى عند الذبح، ويعتبر هذا من الناحية العلمية من أصعب الأمور التي يمكن ملاحظتها عيانا، ولهذا ليس بالإمكان الاعتماد إلا على بعض المعايير الذاتية لمعرفة ما إذا كان الحيوان يتألم أو لا؟ وعلاوة على ذلك لا يمكن قياس درجة الإحساس بالألم بصورة كمية، وفي الواقع تختلف التفاعلات المشاهدة من فرد إلى آخر.
كما تعلمون جرى هنا في عام 1985 م اجتماع مشترك ما بين رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية وعدد من الخبراء المتخصصين في قضايا الذبح، وتشكل عن هذا المؤتمر نتائج هي التي ترونها في هذه النشرة، وتشكل عن ذلك عدة لجان تابعت عملها خلال سنين، من هذه اللجان اللجنة التي ذهبت إلى برلين عام 1986، ودرست القضايا المتعلقة بالصعق الكهربائي، وكان من بين أعضاء اللجنة فضيلة الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة، ولجنة أخرى ذهبت إلى بريطانيا لدراسة الألم عند الحيوان والتخدير بالكهرباء، وكان في هذه اللجنة الأستاذ محمد عبد المنعم، وهو الذي قام بهذه الدراسات بشكل مباشر.
الجدير بالذكر أن العلماء حتى الآن غير متفقين على معرفة أين يوجد مركز الألم؟ نحن نتألم في منطقة من الجلد أو في أي منطقة ما، لكن أين يوجد مركز الألم؟ هل هو في الدماغ؟ هل في جهة عصبية معينة؟ إلى الآن لم يتوصل العلم مع تقدم التجارب العلمية في هذا المجال إلى تحديد معرفة مركز الألم، هل هناك مركز للألم أم لا؟ الشيء المعروف على أن الألم يمكننا أن نتعرف عليه من خلال موضع شكة الدبوس مثلا، وهذه حالة ارتكاسات، أما الألم لا يمكن معرفته بشكل مباشر، كذلك لا يمكن قياسه بشكل كمي مثل أن نقول: عندنا (50) وحدة ألم، لا توجد عندنا هذه الإمكانية لمعرفة هذا.
أجريت بعض الدراسات العملية لمراقبة إحساس الحيوان بالألم عند الذبح، ولهذا الغرض وضعت أبقار بهدوء في قفص (سينسيناتي) وتم إحكام الحاصرة بصورة تسمح للحيوان أن يسحب رأسه كيفما شاء. وجرى ذبح الحيوان بدون تدويخ- الطريقة الإسلامية- مسبق وبإمرار السكين بحركة واحدة مستمرة. ولم يلاحظ أن أحدا من الحيوانات المذبوحة قد حاول أن يسحب رأسه، وشوهدت فقط علامات ارتجاف خفيفة لدى تماس السكين مع جلد الحيوان.
وإذا لمسنا أو صدمنا أطراف الجرح بالسكين، وانغلق الجرح على السكين يلاحظ أن الحيوان يبدأ بالتخبط، وإذا كان رأس الحيوان مشدودا تماما، وتم الذبح بحركة واحدة وسريعة، فإن أغلب الحيوانات ينهار مباشرة، وبقية الحيوانات تنظر فيما حولها وكأن شيئا لم يحدث أبدا، وهذا يدعو إلى الظن بأنها لم تستوعب ما حدث.
(2)
الكرب:
من الواضح أن الحيوانات تصاب بالكرب الشديد في المجازر وقبل القيام بأي نوع من التدويخ أو الذبح، وقد يتولد هذا أثناء عمليات نقل الحيوانات التي تجد نفسها مع حيوانات غريبة عنها وفي بيئة لا تعرفها مسبقا، وللتقليل من خوف الحيوان هناك بعض المبادئ السلوكية التي يحسن مراعاتها؛ وتأخذ جدارة العاملين أهمية كبيرة في هذه المرحلة، وعلى العامل أن يبقى بعيدا عن منطقة حركة الحيوانات، لتجنب حالات الهلع ومحاولة الهروب.
وتؤثر تسلية الحيوانات كثيرا على تهيجها وإثارتها؛ فالظل ووضع العاملين في مقدمة الحيوانات، وعدم توجيه النور الساطع إلى العيون مباشرة، وتخفيف الضجيج، وإخماد أصوات المحركات وصفير الهواء وقرقعة الصفائح المعدنية والصراخ، والتهوية المناسبة التي لا تحمل معها رائحة الحيوانات المذبوحة؛ كل ذلك يؤثر إيجابيا على راحة الحيوان وعدم إصابته بالكرب، وهذا يذكرنا بالأشياء المستحبة والمسنونة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملة الحيوان قبل الذبح والرأفة به.
وللدم أثر ملحوظ على الحيوانات، فإذا كان مصدر الدم من حيوان هادئ، فالملاحظ أنه لا يسبب أي خوف، بل قد يقوم بعض الحيوانات بلعق هذا النوع من الدم، وبالعكس إذا كانت هناك آثار من دم حيوان مكروب يتخبط، فالملاحظ أن الحيوانات الأخرى ترفض الدخول إلى صندوق التثبيت، ولقد تأكدت هذه الظاهرة بالنسبة لتأثير لعاب الحيوان الذبيح على الحيوانات الأخرى.
وتدخل الحيوانات بسهولة إذا ما تم غسل الصندوق بعناية، مما يشير إلى أن هناك مادة ذات رائحة خاصة تسبب هلع الحيوان.
ولقد أعيدت هذه التجارب على الجرذ، وتأكدت جميع المشاهدات السابقة.
ويعتقد بعض الباحثين أن هذه المادة التي توجد في اللعاب والدم هي الكورتيزول Cortisol أو مادة أخرى يتم إفرازها مع الكورتيزول، ولا شك أن عملية إفراز الكورتيزول في البدن تتطلب بعض الوقت، ولهذا إذا قمنا بتهييج الكرب في حيوان بتأثير بيل كهربائي شديد النور في غرفة محصورة، فالحيوان التالي مباشرة يدخل الغرفة بسهولة ويبقى هادئا، ولكن إذا بقي الحيوان الأول محصورا فترة من الزمن في الغرفة، فالحيوانات الأخرى ترفض الدخول إلى المكان خلال عدة ساعات.
3) الوعي:
إن فقدان الوعي هو العلامة المهمة جدا في إراحة الحيوان أثناء الذبح لأنه يضمن عدم الإحساس بالألم وإزالة مظاهر الكرب، ولهذا يجب الوصول إلى هذه المرحلة في أسرع وأقصر وقت ممكن.
إن استخدام المسدس الواقذ الإبري (الثاقب) يؤدي إلى فقدان الوعي آنيًا وبصورة غير معكوسة.
أما المسدس الواقذ الكروي والصدمة الكهربائية فهما يسببان فقدان الوعي بصورة وقتية محدودة ومعكوسة. واستدعى هذا أن يتم ذبح الحيوان بسرعة بعد التدويخ حتى لا تتحول حالة اللاشعور الناتجة عن عوز الأوكسجين إلى طريق استعادة الوعي والإحساس بالألم.
هذا، ولقد اعتمد في الدراسات المختلفة في مراقبة الوعي على قياسات الاستجابات البصرية وعلى قياس مخططات قشرة الدماغ.
1-
قياس الاستجابات البصرية الإيحائية:
يقاس النشاط الكهربائي لسطوح الدماغ البصرية بغرز مساري كهربائية في القشرة، ويتم التحريض بواسطة ومضة ضوئية flash موجهة إلى عيني الحيوان.
إن غياب الاستجابة الإيحائية في الدماغ يعتبر دليلا قاطعا على انعدام الوعي في الحيوان، ومع ذلك لا يعتبر وجود الاستجابات الإيحائية شاهدا جيدا للإدراك الشعوري، لأننا قد نشاهدها أيضا في الحيوان المخدر.
2-
التخطيط الكهربائي لقشرة الدماغ:
عندما نغرس المساري الكهربائية في جمجمة الحيوان وفي مستوى قشرة الدماغ، نستطيع أن نقيس النشاط العفوي للدماغ.
يتميز المخطط الطبيعي للحيوان المستيقظ بظهور موجة ذات سعة ضعيفة وتواتر مرتفع. بينما تشاهد السعة المرتفعة والتواتر المنخفض في الحيوانات النائمة أو المخدرة، أما المخطط الكهرساوي (المتساوي التكهرب) فيدل على موت الدماغ.
في الخراف المذبوحة بدون تدويخ مسبق (الطريقة الإسلامية) يلاحظ انعدام الاستجابات الإيحائية بعد (2- 7) ثوان من القطع، ويصبح المخطط كهرساويا بعد (10-25) ثانية، ولا يتوقف القلب إلا بعد (10) دقائق من الذبح.
وإذا تم جرح الحيوان في جانب واحد من الرقبة (الطريقة اليهودية) فيتأخر انعدام الاستجابات الإيحائية إلى (29) ثانية.
وفي الماشية المذبوحة بدون تدويخ مسبق (الطريقة الإسلامية) تنعدم الاستجابات الإيحائية بعد (85) ثانية، ولا يصبح مخطط قشرة الدماغ كهرساويا إلا بعد مرور (132- 326) ثانية من الذبح.
وقبل أن يحدث موت الدماغ هذا تلاحظ تدفقات دورية للاستجابات الإيحائية، تستمر من (123- 323) ثانية. ومن الصعب جدا الحكم بأن هذه الاستجابات الملاحظة تدل على عودة الشعور.
وهذا كله يؤكد على حقيقة أن مطلب المسلمين في ذبح الحيوانات بدون تدويخ أمر له مبرر علمي ومبرر شرعي كما رأينا.
لو سمحتم عندي توصية فقط.
الحقيقة نحن نعاني كمسلمين في الغرب، وكما تعلمون أن المسلمين في الغرب الآن يبلغ عددهم ثلاثة وثلاثين مليونا، يعانون كثيرا في التعامل مع الدول الغربية والسلطات المحلية في الحصول على أذون بالذبح على الطريقة الإسلامية بدون تدويخ.
بعض الدول ومنها بلجيكا صدر منها في العام الماضي قانون يجيز لجميع الطوائف التي تحرم على نفسها أكل الحيوان الذي يذبح بعد التدويخ، فيجيز لها أن تذبح بدون تدويخ. هولندا الآن في طريقها لإنجاز قانون بهذا الصدد.
نحن في ألمانيا على صلة مستمرة مع الدولة منذ أكثر من عشر سنوات لم ننجح إلى اليوم في الحصول على هذا، وأحد الأسباب أن الفتاوى التي صدرت عن بعض المؤسسات الفقهية المعتبرة- مثل الأزهر وغيره- كانت تجيز أنه طالما أن هذا الحيوان الذي يوقذ ويترك وهو حي وبعد ذلك يذبح؛ ففي هذه الحالة يجوز أكله لأن الذابح كتابي. نحن طبعا معهم في هذا المجال ولكن لا بد من توصية تقول بأن الدول الإسلامية على الأقل التي تستورد اللحم، لا بد أن تكون هذه اللحوم ناتجة عن حيوانات تذبح بدون تدويخ وأن يتم الإشراف عليها من هيئات إسلامية معتبرة، يمكن للمجع الفقهي أن يحدد أسماء هذه الهيئات، لأنه ثبت أن بعض الهيئات يتلاعب عليها ويُدفع لها مبالغ رمزية، ويدفع لها إيجار المكان
…
إلخ، فتعطي الشهادات بدون مشاهدة حقيقية. فلا بد من تحديد هذه المراكز بشكل صحيح، وأن تعتمد شهاداتها من المؤسسات الرسمية مثل السفارات وغيرها.
أسأل الله أن أكون قد وفقت في شرح الأمور التي تساعد إخواننا الفقهاء على هذا الأمر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعقيب
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
مما يلفت الانتباه أن مسألة التعبد في الذكاة يبدو أن الأوراق الثانية لم تأخذ حظها، لذلك وجهت بحثي نحو مسألة (وجه التعبد في الذكاة) والذي أثار هذا الموضوع ما جاء في تفسير المنار، وقال صاحب المنار: إن المسألة ليست من المسائل التعبدية وأنه لا شيء من فروعها وجزئياتها يتعلق بروح الدين وجوهره إلا تحريم الإهلال في الذبيحة لغير الله تعالى لأن هذا من عبادة الوثنيين، فحرم أن نشايعهم أو نشاركهم فيه.
هذه المسألة كأني بها قد استلت من ظاهر مذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، والذي أيضا تعرض لها الشيخ تقي ولكن بإشارة دون تفصيل.
قال ابن عبد البر (المتوفي 463 هـ) : "التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام ". ثم زاد هذه الفكرة وضوحا وتأصيلا بقوله: "التسمية على الذبيحة سنة مسنونة لا فريضة، ولو كانت فريضة ما سقطت بالنسيان، لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض، إلا أنها عندي من مؤكدات السنن، وهي آكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل ".
وكأني بابن العربي رحمه الله قد تلقف هذا المبدأ وعمل على تأصيل هذه الحكمة بمناسبة تفسيره قول تعالى: {إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُم} [المائدة: 3] فقال: لا سيما والذكاة عبادة.
إذن ابن عبد البر قال: "التسمية على الذبيحة سنة مسنونة" بينما ابن العربي قال: "الذكاة عبادة كلفها الله عباده للحكمة التي يأتي بيانها في سورة الأنعام "، وفيها يقول:"إن الذبيحة قربة بدليل افتقارها إلى النية، قالى تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37] ، وقال: إن ذكر الله مشروع في كل حركة وسكنة حتى في خطبة النكاح، وإنما تختلف درجاته بالوجوب والاستحباب ".
وإن ضابط العلم الذي يجمع أنواع التذكية هو أن يكون إزهاق روح الحيوان بقصد أكله، ويشترط في ذلك شرط ديني واحد هو: ألا يكون فسقا أهل لغير الله به من مسلم أو وثني مشرك بالله كالذين كانوا يذبحون على النصب. قال صلى الله عليه وسلم: ((سموا عليها ثم كلوها)) .
قال مالك: وذلك في أول الإسلام، وفيه من الفقه أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام.
قال الباجي: " يحتمل أن يريد به الأمر بالتسمية عند الأكل لأن ذلك مما بقي عليهم من التكليف، وأما التسمية على الذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على الصحة حتى يتبين خلافها".
وقال المهذب: " وقد أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضا، فلما نابت التسمية على الذبيحة دل على أنها سنة لأن السنة لا تنوب عن الفرض ".
وفي تحرير مذهب الإمام الشافعي في حكم ترك التسمية عامدا، الشيخ تقي العثماني- حفظه الله- قال: إنه بالعودة إلى كتاب الأم لم ير هذا المذهب ولكن لو عدنا إلى ما قاله العلماء، قال ابن العربي: وإن تركها متعمدا كره أكلها ولم تحرم، وبه قال القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من أصحابنا وهو ظاهر قول الشافعي.
قال الخطابي: "وإذا ترك التسمية عامدا لم يحرم عند الشافعي رحمه الله والمسلم والكتابي في ذلك سواء".
وقال الخطابي أيضا: التسمية استحباب وليس بواجب، وسواء أتركها عامدا أم ساهيا، وهو قول مالك وأحمد، وإن تركها ناسيا لم يحرم عندنا. هذه خلاصة قول الخطابي.
وعلى أية حال دليل الشافعي، وأستدل له أيضا من كتبهم- رحمه الله هو حديث البراء بن عازب وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((المسلم يذبح على اسم الله، سمي أو لم يسم)) وفي رواية قال: ((ذكر اسم الله تعالى في قلب كل مسلم)) وجه الاستدلال من الحديثين كون الذكر في قلبه في حالة العمد أظهر منه في حالة النسيان. ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن متروك التسمية قال: يحل تسمية ملته ، وفي إقامة الملة مقام التسمية لا فرق بين النسيان والعمد. وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:((إن الأعراب يأتون بلحوم فلا ندري أسموا أم لم يسموا، فقال عليه الصلاة والسلام: "سموا أنتم وكلوا")) .
إذن وجه الاستدلال في هذا الحديث هو أنه لو كانت التسمية من شرائط الحل لما أمرها بالأكل عند وقوع الشك فيها، ولأن التسمية لو كانت من شرائط الحل كانت مأمورة بها، وفي المأمورات لا فرق بين النسيان والعمد كقطع الحلقوم والأوداج، وكالتكبير والقراءة في الصلاة، إنما يقع الفرق في المزجورات كالأكل والشرب في الصوم، لأن موجب النهي عنه الانتهاء والناسي اعتقادا.
إذن هكذا يتحرر مذهب الشافعي أنّ تَرْكَ التسمية عامدا لا يمنع من صحة أكلها.
ثم في ذبح الآلات. الحقيقة بعد أن سمعنا ما سمعناه.. يا ترى: هل ذبح الآلات بعد الضرب والصعق- وما إلى ذلك من هذه الصور- هل يدخل تحت عنوان الذبح الاضطراري كالنطيحة والموقوذة والمتردية؟ والذبح الاضطراري كيف يحل بعد ذلك؟. الحقيقة أن ذبح الآلات الحديثة إذا سلمنا أن هذا الضرب والصعق لا يؤديان إلى القتل هنالك كلام للفقهاء وهو أنه يخرج على حكم التسمية على الذبيحة مسائل:
- لو أضجع شاة وأخذ السكين وسمي ثم تركها وذبح شاة أخرى وترك التسمية عامدا عليها لا تحل. كذا في الخلاصة.
- وإن أخذ سهما وسمي ثم وضع ذلك السهم وأخذ آخر ورمى لم يحل بتلك التسمية.
- وإذا أضجع شاة ليذبحها وسمي عليها ثم كلم إنسانا أو شرب ماء، أو حد سكيناً، أو أكل لقمة، أو ما أشبه ذلك من عمل لم يكثر حلت بتلك التسمية.
- وإن طال الحديث وكثر العمل كره أكلها، وليس في ذلك تقدير بل ينظر فيه إلى العادة، إن استكثره الناس في العادة يكون كثيرا، وإن كان يعد قليلا فهو قليل، ثم ذكر الكاساني في هذا الفصل لفظة الكراهة.
- ولو سمي ثم انفلتت الشاة وقامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها فقد انقطعت التسمية. كذا في البدائع.
- ولو أن رجلا نظر إلى غنمه فقال بسم الله، ثم أخذ واحدة فأضجعها وذبحها وترك التسمية عامدا، وظن أن تلك التسمية تجزئه، لا تؤكل. كذا في البدائع.
إلى آخر هذه الصور.
وفي الحقيقة هنالك مسائل يمكن أن تدخل فيما يعرف الآن في الرفق بالحيوان، الحقيقة في باب الذبائح لا شك أن الفقهاء تكلموا في آداب الذبح وفيها من الآداب ما لا يرقى إليه قانون وضعي في العالم، لذلك يحسن أن ننظر إليه.
يقول الكاساني: " إن المستحب أن يكون الذبح بالنهار ويكره في الليل".
الأمر العجيب أنه قيل في دول معينة أنهم يمنعون الاصطياد بالليل لأنه وقت استراحة الطير، إذن هذا الكلام عندنا في النص وهو: والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ((نهى عن الأضحى ليلا وعن الحصاد ليلا)) ، وهو كراهة تنزيه، ومعنى الكراهة يحتمل أن يكون لوجوه:
أحدها: أنه دليل وقت أمن وسكون وراحة- ما هذا؟ شيء عجيب في الفقه الإسلامي فعلا في الحقيقة ينبغي علينا أن نخرج هذه الكنوز للعالم كله، فايصال الألم في وقت الراحة يكون أشد.
الثاني: أنه لا يأمن أن يخطئ فيقطع يده ولهذا كره الحصاد بالليل.
الثالث: أن العروق المشروطة في الذبح لا تتبين في الليل.
ومنها أنه يستحب في الذبح حالة الاختيار أن يكون بآلة حادة من الحديد كالسكين والسيف ونحو ذلك، ويكره بغير الحديد وبالقليل من الحديد، إلى آخره.
والأصل فيه ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز شأنه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتهم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) . وفي بعض الروايات ((وليشد قوائمه، وليوجهه على شقه الأيسر، وليوجهه نحو القبلة، وليسم الله تعالى عليه)) ، والذبح بما قلنا أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته.
ومما يستحب التدفيف- أي الإسراع في قطع الأوداج- لما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وليرح ذبيحته)) والإسراع نوع راحة له.
ومنها: الذبح في الشاة والبقر، والنحر في الإبل، ويكره القلب في ذلك لما ذكرنا فيما تقدم.
ومنها: أن يكون ذلك من قبل الحلقوم ويكره قبل القفا لما مر.
ومنها: قطع الأوداج كلها، ويكره قطع البعض لما فيه من إبطاء الموت.
هذا ما أردت أن أذكره باستعجال، إلا أننا نود أن يلحظ في التوصيات الآداب الإسلامية في التذكية مما أورده ولي الله الدهلوي في كتاب (حجة الله البالغة) ، وهذا ما أردت أن أضيفه وشكرا لكم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد الحاج الناصر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله على رسول الله وعلى آله وصحبه.
لن يكون تعقيبي في موضوع الذكاة الحديثة أو القديمة، لكنه في موضوعات تتصل بهذا الموضوع من قريب، وهي في تقديري الأسس التي ينبغي أن تعتمد في كل محاولة لاستنباط منهاج لتكييف حدث من الأحداث الحديثة بحكم الله- سبحانه وتعالى في القرآن وفي السنة، ذلك بأن ما نصل إليه لا ينبغي أن يعتبر حكما، فليس لأي بشر مهما يبلغ علما وذكاء واجتهادا أن يزعم أن ما انتهى إليه فهمه واجتهاده هو حكم الله، إنما الحكم الحق لله سبحانه وتعالى، والذي تنتهي إليه أفهامنا هي محاولة لاجتلاء أو استكشاف حكم الله من نص قطعي أو ظني، ولذلك كان التابعون- رضوان الله عليهم، يقولون: الأشبه كذا. وكان أئمة الاجتهاد في الأول من بعدهم يقولون: أحببت أو كرهت، أو ما إلى ذلك من المعاني، ولا يقولون: حكم الله، بل لم يقولوا: الصحيح والضعيف إلا بعد القرن الثاني.
هذه الموضوعات أرجو أن تراعى حين يراد الاستنباط لمنهاج أو لطريقة لتكييف التوافق بين حَدَثٍ حَدَثَ وأحكام الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المناقشة
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الحمد لله على قربنا من جنابكم الممرع وروضكم المربع حتى أتيحت لنا الفرصة للتحدث في هذا الموضوع.
هذا الموضوع أعتقد أنه موضوع أطال فيه الإخوة الكلام في موضوعات لا تستحق أن تبحث هنا لأنها مفروغ منها، شروط الذكاة موضوعات معروفة في سائر أمهات الكتب، ونحن هنا شأننا الاتباع وليس الابتداع، الأشياء التي فرغ منها الفقهاء لا حاجة بإعادتها وتكرارها هنا.
في رأيي هناك أمور خاصة وإن كانت قد اختلف فيها قديما، هي التعامل مع ذبائح أهل الكتاب سواء في أرضهم أم تلك التي تستورد ونستوردها في بلادنا، والنظر في هذه القضية هو من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول- كما طرحه بعض الإخوان-: هل هم أهل كتاب؟ هذا السؤال طرح.
السؤال الثاني: كيف يذبحون؟
السؤال الثالث: هو تحقيق حالة هذا الذبح بمعنى أننا سمعنا أنواعا من إزهاق الروح أو الوسائل التي يجعلون بها البهيمة يغمى عليها، وهي وسائل متعددة وتحتاج إلى توضيح ليحكم على كل صورة منها بحكم يخصها.
سأتحدث عن هذه المسائل عن القضيتين: مسيحيتهم أو ذبائحهم التي ترد منهم.
أولا: الجواب على المسألة الأولى أقول: إنها مسألة طرحت أيام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أمير المؤمين علي رضي الله عنه في نصارى بني تغلب: إنهم لم يتمسكوا من المسيحية إلا بشرب الخمر، ومع ذلك فإن جمهور العلماء من الصحابة وغيرهم اعتبروهم نصارى فأكلوا ذبائحهم وقالوا:"من يتولهم منكم فإنه منهم " هؤلاء النصارى.
وكذلك اعتبروا السامرية من اليهود كما قال خليل: وإن سامرية. حتى ولو كان هذا الشخص سامريا فإنه يعتبر تابعا لتلك الملة. فاستصحاب الحال في من يدعي ملته هو الأصل، لكي يجب أن نرفع هذا الحرج، وقال أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى أنه سأل مشايخه في القدس، في بيت المقدس عندما كان في الشام عن النصارى وقال: هل هم ما زالوا نصارى؟ فقالوا له: هم ما زالوا نصارى. والأمر في ذلك واضح لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73] ،
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72]
ومع ذلك تركهم على كتاب، فالمسألة هي مسألة رخصة وليست مسألة عزيمة.
هذا هو الجواب عن المسألة الأولى، إذن هم نصارى ومن ينتمي إليهم، وهذا الأمر ما زال حيا إلى اليوم.
أخيرا عين رئيس وزراء في فرنسا هو من الحزب الاشتراكي ولكنهم لاحظوا وقالوا: هذا أول بروتستاني يكون رئيس حكومة في فرنسا، كان الرؤساء كلهم من الكاثوليك، من نحلة الكاثوليك، إذن ما زال هذا حيا، وكل واحد عندما تقرأ عنه يقول: إن أبي بروتستاني أو كاثوليكي، إلى آخره، فهذه النسبة وهذا الإدعاء رخص الله سبحانه وتعالى لنا بعلمه ما سيكون ،وبقاؤنا معهم هذه الفترة الطويلة رخص لنا في التعامل معهم، فلنتعامل طبقا لذلك ولنستصحب الأصل ولا نحيد عنه إلا بيقين، هذه هي النقطة الأولى وفي رأيي أنها مهمة جدا ويمكن أن يبت فيها المجلس.
النقطة الثانية: هي مسألة الذبائح، الذبائح أولاً أريد أن أجيب على اعتراض وهو: هل الكافر يكون أزكى من المسلم في ذبيحته؟ الكافر.... أُعفينا من بعض القضايا ومن بعض الشروط، أعفينا من النية، وأعفينا من التسمية عند الكافر، حتى عند مالك: لو سمي عليه الصليب أو عيسى قال: أكره ذلك، ولم يقل أمنعه، وذهب كل أتباع مالك إلى أن الكراهة هذه على بابها. طبعا تعرفون أن مالكا قد يقول: أكره ، لما يرى أنه من باب الحرام، ولكنهم قالوا:(أكره) هذه على بابها.
إذن سواء ذكر اسم الصليب أم المسيح فإن ذبيحته تؤكل عند مالك.
إذن الكتابي له أحكام خاصة وشروط أعفيناه من تتبعها بالنسبة إليه،
هنا تأتي إشكالية أبي بكر بن العربي ، أبو بكر العربي رحمه الله تعالى وكما قرره الحفار وغيره؟ هو شرط أشار الشيخ اليوم إلى كلامه، قال: إن ذبائحهم بالشكل الذي يذبحون به، وأوضح ذلك الشيخ الطاهر بن عاشور، فقال:"إذا كانت ناقصة عن ذبحنا" بمعنى أنه اعتبر النقص بالذبح، وقال: هذا النقص قد يكون بأن يضربوا بحديدة حادة الرأس، فأبو بكر بن العربي قال:
تؤكل لأنه في قوة الاستثناء، كأن الله سبحانه وتعالى قال: حرمت عليكم الميتة- وما أهل به لغير الله حرام - إلا إذا كان الأمر يتعلق بأهل الكتاب، كما استثنى الصيد فهو استثناء في قوة الاستثناء عندهم، هو تخصيص لذلك العام في تقرير مذهب أبي بكر بن العربي، لا أدافع عنه ولا أقول به أصلا، لكن أود أن أوضح مذهب أبي بكر بن العربي، لأنه رأى التخصيص، رأى آخر الآيات مخصصا لأولها، فمذهبه منطقي، ورأى أنه من باب الرخصة؛ فأهل الكتاب تجوز ذبائحهم حتى ولو كانت غير مطابقة لذبائحنا، وقال: آكل ما يأكله أحبارهم ورهبانهم، هذا هو تقرير مذهب أبي بكر بن العربي. ومع ذلك فإذا شككنا في أنهم لا يذبحون كذبحنا هنا قاعدة مهمة جدا، هذه القاعدة هي أن الشك في المقتضى يضر، بمعنى أننا إذا شككنا هل هذا مذكى أم ليس مذكى فالأصل في اللحوم كما يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله الحرمة، أنها حرام في اللحوم والأبضاع؛ قدم هذه القاعدة لأنها تقتضي شروطا معينة، إذا لم تتوفر هذه الشروط فلا يجوز الأكل. فهذا الاحتمال إذا كان قائما بناء على معطيات حقيقية فيجب أن نتجنب ذلك، أما إذا لم يكن قائما على معطيات حقيقية فالأصل أن الشك في المانع ليس مؤثرا. الشك في المانع لا يؤثر فيه: كطلاق وعتاق يؤثر، وعكسه الشرط كموقن
…
هذا طبعا الفرق عند المالكية وليس عند غيرهم.
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأكلون أجبان أهل الكتاب، وبعضهم كان يأكل أجبان المجوسي، وقد نسب ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية إلى سلمان رضي الله عنه وقال:" إنه كان يفتي بذلك "، وذكر حديث أبي داود، وقال: إذا كان هذا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا نزاع في المسألة. وعمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: "وما لم يتبين لكم - أي من الجبن- فكلوه، ولا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم "، مع أنهم قالوا: إنها تجبن بإنفحة الخنزير. وكذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أجاب امرأة لما سألته عن ذلك- كما ذكر صاحب المطالب العالية- فقالت: إنهم يجبنون بإنفحة الخنزير؟ فقال: " ما يصنع أهل الكتاب والمسلمون فكليه ". فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يكرهون السؤال عن مثل هذه الذبائح أو مثل الأجبان إذا كانت قادمة من بلاد أهل الكتاب.
يجب أن نضع ذلك في الاعتبار وألا نضيق على الناس، لكن إذا ظهر أنهم يأكلون الميتة وأنهم لا يذبحون أو أن هذه الذبائح تموت قبل أن تذبح، إذن هذا أمر مهم جدا، لو صعقها أو دوخها فلم تمت إلا بعد أن ذبحت فهي حلال على مذهب الثلاثة خلافا لمالك، لأن مالكا يرى الاستثناء في قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] استثناء منفصل، بينما يرى غيره أنه متصل، بمعنى أن مالكا لو أنفذ مقتلها ما نفعت الذكاة عنده، بينما الثلاثة يرون أنه استثناء متصل، أي هذه المذكورات إذا ذكيت قبل أن تموت، فإن الذكاة تنفع فيها. مالك قال: المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة لا تنفع فيها ذكاة إذا أنفذت مقاتلها، وأن (إلا) هنا هو استثناء منفصل أي: وما ذكيتم فإنه يجوز لكم أن تأكلوه. هذا هو التعليق على هذه المسألة.
حسبنا أن نتبع أقوال الفقهاء، وحسبنا أن نفهم أقوالهم وأن نستنبط من أقوالهم.
نقطة أخيرة هي ما يتعلق بالمقترحات، وأعتقد أن هذه المقترحات هي متنوعة، وقد قدمها الإخوان، ويجب أن تقدم إلى إخواننا في بلاد الغربة، وأن تقدم إلى دول المسلمين والجهات المختصة حتى تطبقها؛ لأنها عندما تشير بأصبعها إلى هذه الشركات ستلتزم بالذبح الشرعي. الذي ينقص فقط هو شيء من الهمة وشيء من الاهتمام.
فأنا أرجو أن يؤكد مجلسنا هذا ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلامي ينحصر في متروك التسمية عمدا وفي ذبائح أهل الكتاب وفي الطرق الحديثة للذبح الآلي أو المسالخ الآلية.
أما ما يتعلق بمتروك التسمية عمدا فأؤيد ما حققه الشيخ خليل بأن المذهب الشافعي يجيز ذلك مع الكراهة، وأن ما نقل عن الأم ليس بالضرورة أن يكون هو المذهب، فلذلك كثيرا أو بعض الحالات رجحها المتأخرون وخصوصا محرر المذهب الشافعي الإمام النووي، فليس دائما الاحتكام إلى الأم حجة في المذهب الشافعي، والدليل على ذلك أن الأوضاع الحديثة خصوصا المسالخ الآلية يتعذر فيها تحقيق التسمية، وأن الإمام الشافعي في هذا رفع الحرج عن الأمة في العصر الحاضر حينما أجاز ذلك.
والتسمية خلافا لما ذكر الشيخ تقي العثماني من أنها تعد ركنا بل إنما هي شرط عن القائلين بضرورتها، فليست التسمية من الأركان، وإنما هي من الشروط بدليل أنه مرة ذكرها وقال: إنها شرط، في آخر كلامه، وأغلب المرات قال: إنها ركن.
فإذن مترك التسمية عمدا في الواقع الأدلة على جوازه، منها حديث الدارقطني ((اسم الله على فم كل مسلم واسم الله على قلب كل مسلم)) فهذا مفترض فيه ويرفع الحرج عن المسلمين.
وأما الحديث الذي ذكره فضيلة الشيخ تقي في رواية البخاري: "إن قوما حديثي عهد بالإسلام " هناك روايات أخرى: "إن قوما من أهل الكتاب يأتوننا بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: سموا الله عليها وكلوا" فهذه هي الرواية الأشهر وليست رواية البخاري. أيضا ما يتعلق بالتسمية، هناك أمور نرجو أن نوضحها، الآن يتعذر تحقيق التسمية في المسالخ الآلية، فما المانع من أن يوضع جهاز تسجيل وتسجل عليه التسمية، لأن فتح المسجل يعد فعل فاعل، وتكرار ذلك كأن إنسانا يكرر، كما أن أغلب البلاد الإسلامية تعتمد في الأذان على الأذان المسجل، فلذلك إذن فعل الفاعل يكفي، وكذلك لابد من الاتجاه إلى أن نقول: إذا تعذر ذلك فالتسمية على المجموعة في حكم التسمية أيضا على كل ذبيحة من هذه الذبائح لأنه يتعذر يقينا إذ بثوان معدودة قبل أن ينطق الإنسان بالتسمية الآلة تذبح العشرات، ونحن لا نستطيع أن نلاحق الآلة في قضية تكرار التسمية.
فإذن من الممكن أن نعتمد على المسجل، ومن الممكن أن نكتفي بالتسمية على المجموعة، ولا يشترط أن يكون على كل واحدة منها.
قضية الذبح الآلي: في الواقع أثيرت هذه القضية عندنا في عام1965، وجاءنا مدير المسلخ الآلي حينما أرادوا إقامة المسلخ وقال: إنه درس في أوروبا، وأنه أكد لنا أن الأوروبيين حريصون كل الحرص على استنزاف الدم، لأنهم أصبحوا يصنعون الدم ويأكلونه، فإذن هم حريصون على أن تذبح الذبيحة وهي في حالة الحياة، وأما أنها تكون ميتة فهم بعيدون كل البعد عن ذلك في الغالب كما حقق الدكتور الهواري، وأنه يعيش في البلاد الغربية.
فالواقع من هذه الناحية ينبغي أن نلاحظها، وأما إذا تحققنا من الموت بقضية الصرع بمسدس قاتل، فلا شك أنه لا يؤكل، لكن إذا كان التأثير بالكهرباء أو بثاني أكسيد الفحم أو بشيء أخف من هذا ما لم يكن ببلطة يهشم الجملة العصبية، فحينئذ لا مانع من أكل هذه الذبائح خصوصا وأن الذبح بعد هذه الأشياء التي استخدموها لتثبيت الحيوان ومنع مقاومته للآلات، إنما تتم العملية بسرعة فائقة التصور، يعني لا يكاد أن تمر لحظات وهي أقل من نصف دقيقة ما بين التخدير أو التدويخ وبين إجراء الذبح بالمسالخ الآلية، وهذا طبق في البلاد الإسلامية ولم يعد محصورا في البلاد الغربية، أما الذبائح المستوردة من أهل الكتاب، فالواقع أن الفقهاء كلهم قرروا أن ذلك مكروه بالتأكيد. وهناك مذاهب ثلاثة لا تجيز فعلا ذبائح أهل الكتاب، وهذه المذاهب هي: الإمامية والإباضية (على لسان سماحة المفتي كما فهمنا) وعمليا الفقه الشافعي لا يجيز ذبائح أهل الكتاب. الشافعية في الواقع يشترطون شروطا تمنع من أكل ذبائح أهل الكتاب، فيشترطون في النصراني أن يعلم أن أصوله دخلوا في الدين المسيحي قبل نسخه، ومن يستطيع أن يعلم أن الشخص الفلاني دخلت أصوله في الدين المسيحي قبل مجيء الإسلام؟ وأما اليهود فالشرط أخف، قالوا: ألا يعلم أن أصوله دخلوا في الدين اليهودي قبل نسخه، فالشرط هنا أخف، التمييز لأنه يظهر أنه أسبق في الزمان ويتعذر تحقيق هذا الشرط.
الواقع هذا الشرط عند الشافعية أخف، هكذا أنا أنقل المذهب الشافعي، بمعنى الشرط عند الشافعية في ذبائح اليهودي أخف من شرط ذبيحة النصراني، لأن النصارى متأخرون وقريبون من الإسلام أما اليهود فأقدم منهم فيتعذر تحقيق هذا الشرط من قبيل دفع الحرج أو ما شاكل ذلك.
فهذه المذاهب في الحقيقة بعضها يمنع صراحة على الرغم من وجود النص القرآني {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وبالإجماع قالوا: إنها الذبائح كحل نساءهم أيضا.
فنحن أمام هذا الواقع ينبغي أن نختار ما يتيسر لنا في حال الحاجة أو الضرورة، لكن إذا لم نحتج إلى هذا؛ فالأولى تجنب الأكل من كل هذه اللحوم المستوردة، وخصوصا وأنهم يلبسون الأمور علينا ويدلسون في كثير من القضايا.
أشار فضيلة الشيخ محمد الأشقر إلى قضية مجهول التسمية. الواقع الأخذ برأي ابن تيمية في هذا الموضوع فيه كما ذكر أنه نعمة ، وهذا وضع سليم ويمكن الأخذ به، لكن أشار إلى قضية الذبح للولي، أنا خلافا لما ذكره من إحصاءات هذه ظاهرة منتشرة بين العوام ينذرون للأولياء والعلماء والصحابة وغير ذلك، لكن ما سألت إنسانا من هؤلاء العوام حينما يذبح: هل يذبح لذات الولي أو ينذر لهذا الولي؟ في الواقع لم أجد أحدا ولو كان أميا إلا ويقول: الذبح لذات الله عز وجل، هو يسيء الاستعمال فقط، ينبغي أن نعلمه ونبين له، وخصوصا المسيطر على أوضاعنا العامة هم العوام، نحن لا نمثل شيئا في المجتمع الإسلامي إلا القليل، ولا نمارس هذه الأمور، هم يمارسون الذبح والتجارة والصناعة وكل شيء، فما سألت أحدا إلا قال: أنا أذبح بسم الله وعلى اسم الله ومن أجل التقرب إلى الله عز وجل ولا يذبح لذات هذا الولي، وإن أساء التعبير فهو يتأوله فورا حينما نناقشه في هذا الموضوع.
وقضية اتهام الناس في عقائدهم ليس من السهل وألا كان يكفر إذا ذبح.
صحيح أن بعض الناس يذبحون بين رجلي رئيس من الرؤساء حينما يأتي أو عند قدوم الحاج، هذا بالتأكيد لا يؤكل لأنه ذبح من أجل غير الله عز وجل، وليس فيه تعظيم ولا عبادة، فهذا لا يؤكل قطعا. الآية الكريمة:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]
الرئيس:
طيب، ما هو الفرق بين هذه الصورة وبين صورة الذبح لولي؟
الشيخ وهبة:
هم هناك بين رجلي الولي، بين رجلي القادم، واضح أن الذبح لغير الله عز وجل، أما هنا فالولي ميت ولا يوجد تصور لا مادي ولا معنوي ولا شيء من هذا القبيل.
الرئيس:
عمل العوام ليس حجة على الشريعة يا شيخ، النصوص صحيحة صريحة، ومع تقديرنا لكلامك لا يمكن قبول هذا الشيء يا شيخ. والشيخ محمد الأشقر ذكر أنه يصعب التفريق بين هاتين الصورتين فألحقت أحداهما بالأخرى.
الشيخ وهبة:
نحن نعلمهم لكن لا نتهمهم، لأننا إذا سألناهم بالإجماع ، أنا أسألهم حينما يستفتوننا في هذه القضايا ونسمعهم لا نقرهم نحن على هذه الحال إطلاقا، لكن هل نقول: إن هذه الذبيحة لا تؤكل؛ أغلب الناس يأكلونها، والفقراء يعيشون على هذه القربات التي تأتي إلى المساجد ويعلمون بالتأكيد أن القصد هو لله عز وجل، والذبح على اسم الله، ويسمون ولا يريدون ذات هذا الولي ولا غيره من هذا القبيل. أنا هذا ما أحصيته، على العموم القضية قضية استقراء وإحصاء.
أيضا قضية المستورد من الهند ، يعني دائما نتردد في دعوة فضيلة الشيخ مجاهد الإسلام القاسمي إلى الهند بمجمع الفقه الإسلامي، فالمعروف طبعا أن الهنود أغلبهم بوذيون وهناك مسلمون، فتحرجت في الأكل فسألت، فقالوا لي: اطمئن كل الذبائح التي تذبح في الهند هي من المسلمين، لأن الهنود لا يقدمون على هذا العمل، وهذه أيضا تيسر لنا حينما نزور الهند، لأن من طبيعة الهندوس أنهم لا يأكلون اللحم، ولذلك المسلمون هم الذين يأكلون هذه الأشياء.
قضية الذبح من القفا: في الحقيقة هذا وإن كان مكروها لكنه جائز، صحيح أن فيه شيئا من التعذيب خصوصا المذابح، المسالخ الآلية تذبح بسرعة فائقة التصور، فلا يتصور ما قاله بعض الفقهاء أنهم إذا ذبحوا من الحلق يصبح ميتة، حينما تصل السكين إلى الودجين يكون قد مات لأنه قطع النخاع الشوكي، العملية الآن في المسالخ الآلية سريعة جدا ولا نتحرج من أكل هذه الذبائح.
قضية قطع الأوداج، في الواقع أنا أميل إلى ما قرره الأطباء وقرره أغلب الفقهاء من أنه لا بد من قطع الودجين لأن بهما نستنزف دم الحيوان، وأما الاكتفاء كما ذكر الشافعية بقطع الحلقوم والمريء، فهذا في الحقيقة محل نظر، ويخالف ما عليه الواقع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
أحب أن أذكر الشيخ وهبة بمسألة التنظير بالأذان المسجل أنه سبق وأن صدر قرار المجمع الفقهي بالرابطة على عدم جواز ذلك، هذه للتذكير فقط.
الشيخ إبراهيم السلقيني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الواقع بالنسبة لما يتعلق بمتروك التسمية في الذبيحة، وبالنسبة لذبيحة أهل الكتاب إذا لم تكن متوافقة مع قواعد الشريعة، لمست من الإخوة أن هناك اتجاها - بحجة التيسير ورفع الحرج - أن نأخذ بالرأي الذي يقبل متروك التسمية أو الذبيحة من الكتابي مثلا ولو كانت خنقا.
أقول: أيها الإخوة، نحن أمام أمر تعبدي، والأمور التعبدية يجري فيها الاحتياط لا التساهل.
في الواقع كل من الرأيين سواء رأي الجمهور أو رأي الشافعية، لكل مستنده، فمثلا فيما يتعلق بالجمهور استدلوا بمجموعة من الأدلة منها الآية الكريمة {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، قالوا: الواو هنا للعطف وليست للحال، فكل ما لم يذكر اسم الله عليه فإنه فسق. طبعا المجيزون قالوا: إنها للحال أي حال كونه فسقاً، أي حال ذكر اسم غير الله عز وجل.
كذلك بالنسبة للاستدلال بالحديث: ((المسلم يذبح على اسم الله، سمي أو لم يسم)) هذا بالنسبة كخبر واحد لا يقيد عموم الكتاب على رأي من قال: إن دلالة العام قطعية، والقطعي لا يخصص بظن. أيضا إن الذي أحفظه وأذكره فيما يتعلق بالحديث ((سم وكل)) هذا فيما يتعلق بالأعراب وليس بالكتابيين، وأنا لأول مرة أسمع رواية أنها في الكتابيين.
كذلك ((سم وكل)) ليس فيه دليل على الإباحة، بل بالعكس أنها- أي التسمية- هي الأصل من المسلم، ولذلك فنأخذ بالأصل.
كذلك فيما يتعلق بذبيحة الكتابي، أقول: إن علينا أن نلتزم بقواعد الشريعة مع غير المسلم كما نلتزم مع المسلم، والآية الكريمة {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] هنا ضمن الأسس والقواعد العامة في الشريعة الإسلامية، وما يتعلق بالتسمية بآلة أو مسجل أقول هذا باب خطير جدا إذا سلكناه فنأتي للأذان ونقول بمسجل، نأتي بخطبة الجمعة فنقول في استديو يخطب الخطيب، وتوضع المسجلات في المساجد!! هذا أمر خطير لا أراه، وقد سررت حينما علمت بأن هناك قرارا مسبقاً للرابطة في منعه.
المهم أيها الإخوة، نحن كمسلمين نعتز بإسلامنا، ليس الأمر في كل موضوع أن الأيسر هو ما يؤخذ به، نعم إذا كان هناك في بلد غير مسلم وبنظام غير إسلامي ابتلينا أن نعيش فيه فنأخذ بالآراء المخالفة للجمهور، أما في أحكامنا وقواعدنا وفتاوانا العامة؛ فيجب أن نأخذ في الأمور العبادية - كما قلت، وأنا أؤكد على هذا دائما- بالأحوط، أما في أمور المعاملات والعقود والبيوع فنسلك مسلك الأيسر، والله تعالى أعلم.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم.
اسمحوا لي في البداية أن أشارك الأخ الكريم الأستاذ عبد الله بن بيه على أن الموضوع أخذ أبعادًا واسعة ما كان من داع لها، لأنه نحن أمام التزام من المسلمين استمر أربعة عشر قرنا في قضايا الذبائح. الأصل أن نلاحظ ما أثير من قضايا حادثة ونركز عليها، ما أثير من قضايا يتعلق بما يفعله أهل الكتاب نتيجة استيراد المسلمين لكميات كبيرة من اللحوم من الدول التي أغلبها أو أكثرها أهل كتاب، لنثير قضية هل هم أهل كتاب رغم ما حدث من تطورات وتغييرات وتبدلات؟ ونثير موضوع كيفية الذبح وما يتعلق به من أدوات حادثة في الذبح الجماعي لأنواع الماشية، أما أن ندخل في تفصيلات كل الأمور ونتحدث في كل الأمور، حقيقة يتسع الأمر دون أن يكون له ضرورة.
وفي ظني أن النقطة الأساسية التي يجب أن يركز وتسلط عليها الأضواء هذه النقطة، ونحاول أن نسلط في النقاش الحديث عليها لننتهي إلى بلورة رأي فيها.
أما استطرادات وحتى مناقشة بعضنا في التفاصيل، لأننا إذا أردنا أن نمسك كل جزئية، فإن الأمر سيطول في الحوار والنقاش ونغيب عن المسألة الرئيسية، لكن قبل أن أدخل في هذه القضية أريد أن أتحدث في قضية الأولياء- هذا إذا سمح لي معالي الرئيس- حتى يكون الأمر واضحا في هذه القضية لا نستطيع أن نطلق فيها الكلام أيضا دون تفصيل، إذا كان الذبح للولي تقديسا وتعظيما وإشراكا بالله جل وعلا فنحن معكم في أن القضية تدخل في إطار أن هذا الشخص عقيدته لم تعد العقيدة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، وأصبح يقدس شخصا ويعظم مكانا، وبالتالي نحن أمام فعل لا نستطيع أن نقول إنه من ذبائح المسلمين، أما إذا كان الذبح عند الولي أو عند حضور الرئيس حتى (عند وليس لـ) ، ليس تعظيما وتقديسا فالأمر مختلف، قد يكون ارتكب إثما كبيرا، بل قد يكون ارتكب كبيرة، لكن لا يخرجه هذا من دائرة الإسلام، ويجعل فعله فعل إشراك بالله جل وعلا، وبالتالي نحكم بالتحريم.
هذه وجهة نظري ولكل شخص وجهة نظره، خاصة ونحن نعرف أن هذا الموضوع، وما يكتنفه من حساسيات ومن كلام ومن حديث، لكن لكل أن يبين رأيه في هذا المجال مادام أثير، على الأقل نحترم آراء بعضنا بعضا، فيما يتعلق بالموضوع المطروح، المشكلة في هذا المجال تتعلق بالدول الإسلامية وتتعلق بالمسلمين الذين يعيشون في تلك الدول التي تذبح مثل هذه الذبائح، بالنسبة للدول الإسلامية- كما تفضل الشيخ ابن بيه- دور المسؤولين وجهدنا في هذا المجال أن نستوثق وأن نتأكد، وبالتالي ما يقال بأنه من الممكن أن يكون هنالك شهادات مزورة أو غير ذلك ليس مطلوبا منا من الاستيثاق، ولا يمكن في الواقع أن نأخذ أنفسنا بمزيد من الاحتياط، لم يطلب أصلا منا في الشريعة. وأنتم تذكرون في هذه القضايا كراهية طلب الاستفسار والسؤال، وتذكرون حادثة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضية الحوض "أترد السباع حوضكم؟ فسارع وقال: لا تخبرنا يا صاحب الحوض "، لأن هذا الأمر ليس مطلوبا من الناحية الشرعية، لكن إذا وردنا بيقين هنا عند ذلك الحكم المنوط به باليقين.
فأما بالنسبة للذين يعشيون في تلك الديار أو يزورونها فالقضية أصبحت مختلفة، هنا نتمكن من الاستيثاق والحصول على الشهادات، في تلك الديار الأصل عموم المعاملة إلا إذا ورد اليقين، بمعنى أنه ليس مطلوبا منا الاستفسار والبحث والتأكد ما دام أن هذا الأمر- في الواقع- ظاهره ملتزم بقواعد الشريعة.
وهنا أريد أن أسأل سؤالا في موضوع التسمية: لماذا لم يرد في النصوص الشرعية خلال المسار الطويل لهذه الأمة- حتى في النصوص الشرعية الأولى- لم يرد موضوع التسمية؟ بمعنى أنه عندما ورد {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] لم يرد في النصوص أنه: اسألوا أهل الكتاب عندما يأتون لكم بالطعام أو عندما تزورونهم هل سموا أو لم يسموا؟ لَمَّا ورد هذا النص، أكلوا دون أن يسألوا ودون أن يستفسروا، فإذن موضوع التسمية في الواقع يجب أن ننبه إلى أن المقصود ألا تكون الغاية من الذبح لغير الله تعالى؛ كالذبح على النصب والأزلام وغير ذلك، أما إذا كانت الغاية من الذبح الإطعام فليس مطلوبا من أهل الكتاب أن نسألهم أتم هنالك تسمية أم لم يتم؟
في موضوع طريقة الذبح مادام الخبراء والمختصون المطلعون أفادوا بما يشبه اليقين بأن عمليات التدويخ واستخدام الأجهزة الحديثة لا تؤثر في وفاة الحيوان قبل ذبحه وأن الذبح يتم بفري الأوداج والقطع لأغلبها أو لمعظمها كما ورد، إذن لماذا نتعب أنفسنا ونحاول أن نحملها أكثر من ذلك ونحرر ونستقصي؟ في ذلك خنق. نعم.
على أية حال هذه القضية تحتاج إلى نظر، وكنت أتمنى مادام الحديث في إطار المذهب الإمامي مادام هنالك أقوال ثلاثة عند الإمامية، يعني كنا نتمنى أن يوضح القولان الآخران توضيحا كافيا وأن يؤتى بما استدل أصحابهما لهذا القول، أي بما أننا في بحث علمي نتمنى أن يفصل القول في هذا الأمر ويرجح بعد ذلك ما انتهى إليه الجمهور لمنعه.
أكتفي بهذا وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ ساتريا أفندي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين:
اسمحوا لي أن أشترك في هذه المداخلات ولو بكلمة قصيرة مختصرة ومتواضعة حول هذا الموضوع، وهو موضوع مهم جدا باعتبار أنه موضوع يمس حاجة المسلمين اليومية، ومما تعرض له السادة الباحثون الأفاضل في بحوثهم هو حكم اللحوم المستوردة من البلاد غير الإسلامية من اليهود والنصارى، وقد استمعنا إلى أقوال العلماء في ذلك، كما وضحها السادة العلماء الأفاضل الباحثون في بحوثهم، وأنا أميل إلى قول من قال: إن ذبائح أهل الكتاب مباح لنا أكلها، وذلك إذا ذبحت بطريقة صحيحة مألوفة، وأعجبني في هذا الصدد ما كتبه الأستاذ الباهر الدكتور الهواري- جزاه الله خيرا- في بحثه عن الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس حيث قال:"ويمكننا بعد أن عرضنا وجهات النظر المتباينة أن نفتي الناس ونحن مطمئنون بما يلي: أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب من يهود ونصارى سواء كانوا من رعايا الدولة الإسلامية أو أعدائها المحاربين لها ولحومهم المثلجة والمجففة والمطبوخة حلال إلا أن يثبت للمسلم أنها ذبحت مخالفة للطريقة الإسلامية". وأنا أضم رأي إلى هذا الرأي وأوافقه على هذا الحد، ولكنني أخالفه في ناحية أخرى في قوله بعد ذلك:"إن المسلم ليس مكلفا بالبحث عن ما غاب عنه، فلا يجب عليه أن يسأل عن طريقة الذبح وهل ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر؟ هل ذكر اسم غير الله تعالى؟ كل هذا ليس مطلوبا منه ولا مأمورا به ".
وإنني أرى نظرا إلى فساد أخلاق اليهود والنصارى اليوم أنه يجب على المسلمين أن يتأكدوا من صحة تذكية أهل الكتاب للحوم المصدرة إلى بلاد المسلمين، لأن الواقع قد أثبت لنا أن بعض الذبائح كانت قد ذبحت مخالفة للطريقة الإسلامية، وهناك منطقة ببلدي أندونيسيا معظم سكانها من النصارى يذبحون الدجاج عن طريق الطعن الجانبي في الرقبة وتستخرج الشرايين الدموية من مكانها ويستخرج منها الدم في إناء كبير ثم ترمى الدجاجة لتهدأ أو يتناولها العامل الآخر ليضعها في آلة تنظيف الريش.
وذلك الدم المستخرج يباع ويشتريه ويأكله بعض الناس من النصارى وغيرهم، كما يباع لحم الدجاج في السوق، وهذا الواقع أكبر وأقوى دليل على أن النصارى اليوم لا يتقيدون في الذبح بالقيود الشرعية. ولذلك أكرر مرة أخرى أنه يجب علينا- نحن المسلمين- أن نتأكد من صحة تذكيتهم للحوم المصدرة إلى بلادنا، وإن الوسائل لمعرفة ذلك قد أصبحت متنوعة ومتعددة في عالمنا المتحضر المتقدم، ويمكن استخدام تلك الوسائل لمعرفة ذلك على مستوى حكومي، أو عن طريق البعثات والسفارات بالدول المصدرة التي يتم استيرادها منها، ولكن يجب أن نعتمد على أياد أمينة مسلمة، ولا ينبغي أن نترك هذا الأمر -وهو أمر ديني مهم - في يد اليهود والنصارى الماكرين.
ولحدوث التنافس التجاري القائم بين تجار اللحوم ومنتجيها بالبلاد الأجنبية غير الإسلامية لكسب مزيد من الربح الذي يؤدي إلى الغش في التجارة ومن المحتمل- كما قاله فضيلة الشيخ محمد سليمان الأشقر- أن يخلطوا لحم الخنزير المحظور تناوله عند المسلمين باللحوم المباحة المعلبة، وأن يدخلوا شحمها في الحلويات المصنعة كالبسكويت والشوكولاتة ونحو ذلك. وأقول: إنه من المحتمل بل من الراجح أن يستخدموا شيئا محرما عندهم لزيادة اللذة في المأكولات، ومثل هذه الأشياء الملذذة تباع في أسواق المسلمين، وحسب قول فضيلة الشيخ محمد سليمان الأشقر في بحثه إن لحم وشحم الخنزير في بعض بلاد النصارى أرخص ثمنا وأقل تكلفة من لحم البقر والغنم وذلك لكثرة توالد الخنازير وميلها إلى العلف الرديء والقذر، وهذا ما دفع مجلس العلماء الأندونيسي- وأنا أحد أعضائه- إلى تشكيل هيئة لمراقبة الأطعمة والحلويات المتنوعة المتداولة في الأسواق المحلية، ومن وظائفها التأكد من عدم وجود المواد المستخدمة لزيادة اللذة وفتح الشهية، وكذا المواد المستخدمة في صناعة الأطعمة عامة، وقد صدر- والحمد لله- قرار ملزم رسميا من جانب الحكومة، وهو أن يضع منتجو الأطعمة عبارة حلال على كل مصنوعاتها بعد أن يتم تفتيشها من قبل الهيئة، وذلك قبل أن تصل تلك المصنوعات والمنتوجات إلى الأسواق للبيع.
وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فلي مجموعة مواد من التداخلات.
الأولى: التأويل أو التعليق على التأويل في غالب البحوث على التسمية، لا يخفى أن التسمية موضع خلاف بين أهل العلم، وفي قوله صلى الله عليه وسلم:((سم وكل)) إشارة إلى التيسير في ذلك وأن الأرجح والأقرب أن التسمية من السنن المؤكدة بآداب الذكاة.
الثانية: القول، هل التذكية والتوجيهات الشرعية في الأخذ بها هل هي من قبيل العبادة أو التوجيه لما فيه مصلحة العباد؟
لا يخفى أن الذبح من أنواع العبادة، فمتى ما قصد بالذبيحة التعبد فهي عبادة، فإن كانت لله فهي عبادة لله، وإن كانت لغير الله فهي شرك بالله ويحرم أكلها مهما كانت متفقة مع شروط الذبح وصحته. أما إذا كانت التذكية للأكل فقط، فهي من شؤون الحياة، وتعتبر التوجيهات الشرعية ذات حكم تقتضي مصلحة العباد في أكل لحوم هذه الذبائح ومن خالفها بمخالفة تجعلها في عداد المحرمات المذكورة في سورة المائدة:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] فهي محرمة بنص كتاب الله.
الثالثة: هل غرض المجمع في إدراج هذا الموضوع في جدول أعمال هذه الدورة؛ النظر في اللحوم المستوردة من الغرب أو الشرق من حيث التسمية وأنهم لا يسمون عند الذبح، أو أن الغرض من ذلك ما هو معروف من التجار والانحراف في طريقة الذبح، وأنه الآن لا يتم الذبح إلا بعد أن تكون الذبيحة من أنواع المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، حيث إنها بعد الصعق والتخدير في الغالب تكون في حركة هي حركة الذبيح؟ إذا كان كذلك، فهل يجوز لنا أن نعول أو نقول بأن هذه ذبائح أهل الكتاب، وهم يذبحون بطريقة لو أخذ بها المسلم لقلنا في ذبحه ما نقول؟ فهل للكتابي وضع أعلى من وضع المسلم؟ لا شك أن إباحة ذبائح أهل الكتاب كانت مبنية على تقيدهم بالتوجيهات الربانية في طرق الذبح، ولهذا كان المعروف عن اليهود بأنهم لا يزالون على الأخذ بالطريقة السليمة في الذبح.
هذا الموضوع بحث في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وندبت للتحقيق فيما يقال عن مجاوزات أهل الكتاب في الذبح هيئات، فجاءت تقارير هذه الهيئات محزنة ومفزعة، فهي تشتمل على المشاهدة والنظر؛ أما من حيث المشاهدة فقد شاهدوا كيف تصعق الذبائح وتخدر، وقالوا بأنها قبل ذبحها وبعد تخديرها وصعقها في حكم المتردية والنطيحة والموقوذة، حيث لا تبقى معها حركة بعد ذلك إلا كحركة الذبيح، وذكروا التجاوزات من مراقبي الذبح، ومع الأسف من جهات إسلامية، وجاء في بعض التقارير أن مصنع تسويق لحوم كان في البرازيل كتب عند مدخله (بسم الله والله أكبر) : لوحة عند مدخل المصنع، وقالوا: هذه التسمية، وصاروا يعتبرون أن كل ما يصدر في هذا المصنع من ذبائح قد سمي بهذه اللوحة الموجودة عند باب المصنع، ثم كذلك وجد أكثر من هذا؛ وردت مجموعة اللحوم المستوردة وهي لحوم أسماك مكتوب عليها (ذبح بالطريقة الإسلامية) ! وهذا في الواقع شيء معروف؛ كذلك ذكر لنا الشيخ أحمد الخليلي، وقد ذكر غيره، بأنه وجد مجموعة من الذبائح ولا سيما الدجاج، يقال بأنها ذبحت بالطريقة الإسلامية، وهي في الواقع رأسها ورقبتها متصلان مع جسمها لم تمس بجرح!! فلا شك أن هذه تغريرات.
أنا أرى أن على المسلمين أن يثبتوا هويتهم الإسلامية، والحمد لله، المسلمون الآن في وضع من الجانب الاقتصادي ولهم أسواق لها قيمتها واعتبارها، والغرب يتسابق في الحصول على هذه الأسواق، فلو فرضنا عليهم ما يجب علينا من التقيد بآداب الذبح لا شك أنهم سيستجيبون استجابة كاملة، ليس لأنهم يريدون أن يتقربوا بذلك إلى الله؛ وإنما يريدون أن يتقربوا إلى هذه الأسواق.
في الواقع أننا كذلك ينبغي أو أرى أن يكون من المجمع تأكيد وتوصية للمجتمعات الإسلامية والشركات الإسلامية بأن تكثف من أمر إيجاد مصانع وتصنيع اللحوم، فالحمد لله، البلاد الإسلامية الآن قوية، قوية بمواردها وقوية بطاقاتها البشرية والفنية والمادية، فلماذا لا يوجد عندنا مزارع لتربية الدواجن والأنعام؟ وإيجاد المصانع بطريقة معتبرة شرعية ونخدم إخواننا المسلمين، ونكون في ذلك على جانب من التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالاستقامة.
ثم أيها الإخوة هناك تنبيه خفيف، ولكنه مهم؛ وهو أنني سمعت من أخي الكريم فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه أنه قال: يقول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، لا شك أنه في الواقع لا يعتقد هذا، لكنها جاءت سبقا على لسانه، ولكنني أرى أن هذا يجب أن يكون محل تنبيه، الله سبحانه وتعالى لا يتعوذ من الشيطان، الشيطان أحقر وأذل وأدحر من أن يتعوذ الله سبحانه وتعالى منه، ولكن حينما يقول الله: بسم الله الرحمن الرحيم، فلا شك أنها آية من سورة النمل، أما أن نقول: يقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهذا ما يجب أن يكون محل تنبيه منا.
بقيت حفظكم الله نقطة تكرم بها أو تفضل بها أخي الشيخ وهبة، وهو اقتراح في أن يوجد تسجيل في الذبح، (بسم الله والله أكبر) مسجلة، الواقع أنا أرى أن هذا ليس صحيحا، هل يجوز أن يكون هناك تسجيل في الأذان والإقامة؟ إذا لم يجز فالتسمية كذلك، لأن التسمية يجب أن تكون مصاحبة لنية، فلا بد من التنبه على أن هذه النقطة- في رأيي- غير صحيحة. والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم،
عندي نقطة واحدة فقط، يقول الله سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . قلت: يقول الله- سبحانه وتعالى وأردت أن أقرأ قرآنا، فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. هل في هذا شيء. والله لا شيء في هذا.
الرئيس:
على كل أنا أظن أن السيوطي رحمه الله تعرض لها في الإتقان وذكر قولين، إنه للذاكر أن يقول: قال الله تعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يسوق الآية، وهذا بإجماع القائل والسامع أنه لا يرى أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإنما هو امتثال للأمر بالاستعاذة، أنا قصدي أنه حكي الخلاف في هذه المسألة لكن لو قال مثلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم ساق الآية خرج من الخلاف.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
عندي مسألتان فقط.
المسألة الأولى: دفاع عن ابن العربي الذي اتهمه بعض الباحثين- وهم ثلاثة- بالتناقض في كلامه، أولهم القاضي العثماني، ولكي يتضح هذا أقرأ لكم عبارة ابن العربي التي فهمها بعض المعاصرين على غير ما تدل عليه، وفهموا منها أن ابن العربي يجيز أكل ذبيحة الكتابي ولو كانت مخنوقة أو متردية أو نطيحة، ونقل الشيخ العثماني وغيره ما اعتمدوا عليه من عبارة ابن العربي وفهموها كما فهمها هؤلاء المعاصرون، قبل العبارة يحسن أن أقرأ لكم: زعم بعض المعاصرين- هذا تعبير القاضي العثماني- أن ذبيحة الكتابي حلال بأي طريقة قتلها، لأنه داخل في عموم قول الله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وتمسكوا في ذلك بقول القاضي ابن العربي رحمه الله حيث قال: ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة، ثم يطبخها هل يؤكل معه أو يؤخذ طعام منه؟ وهي المسألة الثامنة فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقًا وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه. هذه خاتمة العبارة الأولى:"إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه ".
يعلق القاضي العثماني على هذا: ولكن هذا القول الغريب من ابن العربي- رحمه الله متعارض تمام التعارض مع الأصل الذي ذكره هو نفسه في نفس الكتاب قبل نحو صفحة من هذه العبارة، وعبارته- أي ابن العربي-:"فإن قيل: فما أكلوه- أي أهل الكتاب- على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذه ميتة وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير؛ فإنه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا، فهذه أمثلة". ثم قال القاضي العثماني: وهذا تعارض صريح في عبارتي ابن العربي، ومتى وقع التعارض بين عبارتين فالأجدر بالقبول ما هو ثابت بالنصوص، إلى آخره. وأخذ يفند هذا القول.
الواقع أنه لا تعارض مطلقا في عبارتي ابن العربي اللتين ذكرهما، ولا يمكن أن نتصور أن ابن العربي يرى أن المخنوقة يجوز أكلها بأي حال من الأحوال سواء كانت من مسلم أو من غير مسلم، وهذا التصور جاء من العبارة الأولى، والتي فيها: سئل عن النصراني يفتل عنق الدجاجة
…
فهموا من هذا أن هذه مخنوقة. ابن العربي لم يرد هذا، بدليل قوله في آخر العبارة نفسها، لأنه لو أراد هذا لكانت العبارة نفسها متناقضة، وليست متناقضة مع العبارة التالية، لأنه قال في آخرها:" إلا ما كذبهم الله فيه "، والقرآن كذبهم في المنخنقة، فكيف يجيزها قبل ثلاثة أسطر ثم يمنعها بعد ذلك. هذا لا يمكن أن يتصور أن يصدر من ابن العربي، فابن العربي لا يرى في فتل عنق الدجاجة أنها منخنقة، ولذلك أجازها بدليل أنه في العبارة الأخرى قال. عندما سئل وجه الذكاة فقال: كالخنق وحطم الرأس "، منعه بعبارة واضحة، فكيف نظن به التناقض؟!
لم أستطع أن أفهم أن ابن العربي يجيز المخنوقة على أي حال سواء كان مصيبا أم مخطئا في هذه، قد يكون تأويله، هو اعتبر فتل الدجاجة ليس خنقا، لأنه لا يمكن أن أفهم أن ابن العربي يعتبر فتل الدجاجة خنقا ثم يقول بجوازه، ويأتي في آخر العبارة ويقول:"إلا ما كذبهم الله فيه " وهو يعلم أن الله كذبهم في المنخنقة وغيرها مما في الآية ومما ذكره هو نفسه في العبارة الثانية!! فهذا هو التأويل الأولى بكلام ابن العربي، لأنه يؤدي إلى أمر لا يصح أن ننسبه إلى ابن العربي، هذا ما فهمه بعض المعاصرين وكما فهمه الذين نقلوا عنه، لكن ابن العربي في عبارته هذه لا يرى أن الفتل خنقا، ولذلك جوزه.
المسألة الثانية: أورد بعض الباحثين من ضمن الشروط ألا يكون الذابح شيوعيا، وفصل بعضهم في هذا فذكر أن اللحوم التي تأتينا من البلاد الشيوعية أو التي أغلبها شيوعيون لا يحل أكلها وهذا مقبول ولا شك فيه، لكن العبارة الأخرى التي وردت في بعض البحوث من ضمن الشروط ألا يكون مرتدا وألا يكون ملحدا وألا يكون مشركا وألا يكون شيوعيا، ونحن نعلم أن الشيوعيين في بلاد المسلمين، فهل الشيوعي الذي في بلاد المسلمين ويذبح الذبيحة لا نأكلها؟ إذا حكمنا عليه بأنه مرتد فيدخل في المرتدين، أما إذا لم نحكم عليه بهذا.. ظاهر العبارات التي وردت في أكثر من بحث أن ذبيحته لا تجوز، لأنه ذكره مع المرتد والملحد. وهذه مسألة تحتاج إلى جواب من الذين ذكروها.
أكتفي بهذا، وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عكرمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد؛
فإني أثمن الجهود الطيبة المباركة التي قدمها الإخوة الباحثون والمعقبون والمتداخلون، وسوف أحرص على ألا أكرر ما تفضل به الإخوة جميعهم، وسأنحو منحى آخر بما لا يتناقض مع ما تفضل به الإخوة الكرام. ما من شك أن مجمع الفقه الإسلامي لم يطرح موضوع اللحوم المستوردة إلا بعد أن شك أو تيقن بأن هناك خللا موجودا في هذه اللحوم المستوردة، وألا لما طرح للمناقشة والبحث، ومعنى هذا لابد أن نعالج الموضوع معالجة جذرية عملية بالإضافة إلى الأحكام الفقهية الشرعية.
أولا: أن تعتمد الدول والأقطار العربية والإسلامية جميعها على نفسها في الذبح اليدوي أو في الذبح الآلي وفي تعليب المعلبات.
ثانيا: إذا اضطر أي قطر من الأقطار الإسلامية إلى الاستيراد ينبغي أن يكون ذلك من قطر إسلامي آخر ليطمئن المسلمون على سلامة الذبح من جهة، ومن جهة أخرى ليحصل على نوع من التقارب والتعاون بين الأقطار الإسلامية من الناحية الاقتصادية.
ثالثا: إذا لم يتوفر فائض من المواشي واللحوم المذبوحة أو المعلبات
في الأقطار العربية والإسلامية، فلا مانع من الناحية الشرعية الاستيراد من الدول غير الإسلامية، ولكن شريطة الإشراف المباشر للذبح وللتعليب من قبل لجنة فنية متخصصة، وحتى نتأكد من صحة الشعار الذي يكتب على المعلبات:"ذبح على الطريقة الشرعية". ليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول الأجنبية المصدرة للمعلبات فإنها تصدر اللحوم- أحيانا- الفاسدة أو التي انتهى مفعولها إلى العالم العربي والإسلامي، فهل يجوز من الناحية الشرعية أن تكون بلادنا الإسلامية حقلا للتجارب وحقلا للتسويق؟
فإني أميل إلى الدعوة للاعتماد والاكتفاء الذاتي فيما بيننا كعرب ومسلمين، ولا ينقصنا أي شيء، كما أميل إلى مقاطعة الاستيراد من الدول غير الإسلامية في موضوع المأكولات، ويا حبذا أيضا في غير المأكولات، وأناشد مجلس مجمع الفقه بما يحمله من السمعة الطيبة والثقة الجيدة، وبما يضم من علماء أفذاذ أن يستفيد من نفوذه للتأثير على مقاطعة ما أمكن من الصناعات الأجنبية بما فيها المأكولات وذلك من باب سد الذرائع من جهة، ومن جهة أخرى لنقوي أنفسنا نحن العرب والمسلمين اقتصاديا، ولا نكون نحن سببا في تقوية الاقتصاد غير الإسلامي، وآمل أن تسجل الملاحظة لدى المجمع في التوجه نحو الاعتماد على الذات ومقاطعة المأكولات الأجنبية، وأيضا تقوية الاقتصاد الإسلامي.
وبارك الله فيكم جميعا، والسلام عليكم.
الشيخ ثقيل الشمري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في الحقيقة الكثير مما أحببت أن أقوله تحدث عنه كثير من المتدخلين وفقهم الله، ولكنني سأركز على بعض النقاط التي أرى أنها مهمة.
أولا: في الموضوعات التي تحدث عنها بعض أصحاب الفضيلة في موضوع الاقتصاد، في الحقيقة نحن الآن نعيش عولمة الاقتصاد، وانعزالنا عن العالم يعني كأننا ندس رؤوسنا ونخفي الواقع، فينبغي أن نتعامل مع واقع معين من الناحية الاقتصادية، وموضوع اللحوم هو من هذه الموضوعات، لا شك أن الذبح من الأمور المهمة في واقع المسلمين وفي طعامهم وشرابهم، وموضوع التذكية كما تحدث عنه المتحدثون أمر لا يعنينا كثيرا لأن في كلامهم كفاية، ولكن الموضوع المهم أن الذبح لغير الله هو فيه إشراك بالله- عز وجل فما ذبح على القبور أو نذر لأصحاب القبور أو نذر للأولياء فهو شرك بالله وإشراك مع الله- عز وجل ولا يجوز لنا أن نفصل في ذلك وأن ندخل في النوايا لأن ظاهر الأمر ينصرف إلى أن هذا الإنسان ما ذبح إلى صاحب الضريح أو صاحب القبر إلا لأنه يعتقد أن صاحب القبر أو الولي أو كذا له نفع بقدر ما يكون يعتقد ذلك الذابح كان كبيرا أو صغيرا فإن هذه الذبيحة محرمة لا تجوز.
ثانيا: في البحث الذي تفضل به الدكتور الهواري قال: إن الطرق الحديثة في الذبح أو في التدويخ هي طرق لا تقضي على الحيوان المذبوح، وإنما تدوخه ويمكن بعد فترة أن ينتعش وأن يعود، فإذا دوخ بهذه الطريقة التي نتيقن معها أن الحيوان الذي يراد ذبحه لا يموت بها، فهذا التدويخ أظنه يدخل في إراحة الذبيحة التي أمر بها الشرع وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم:((فليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) فهذه من الإراحة المطلوبة وعلى الإخوة أن يتأملوا في هذا الموضوع، وكما ذكر الدكتور أن هذا التدويخ لا يقتل الحيوان، أما إذا كان يقتله أو نشك أن هناك ما يموت منها بهذه الطريقة فهذا موضوع نقاش.
أما أهل الكتاب فقد سماهم الله- عز وجل (أهل كتاب) ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده فعلوا ذلك، فهم أهل كتاب، والرخصة في طعامهم أي في ذبائحهم ونكاح العفائف من نسائهم، هذه من الرخص الشرعية التي تكلم عنها الفقهاء، فلسنا في حاجة إلى أن نبحثها إلا إذا كنا نتيقن أن ذبائحهم يذبحونها بطريقة هي محرمة في شرعنا وفي ديننا، وعند ذلك لا يجوز أكلها.
أما موضوع الدول الإسلامية أو إثبات الهوية كما تحدث عنه فضيلة الشيخ ابن منيع حفظه الله فإثبات الهوية لا أظن أن أحدا من الحاضرين أنه ينازع فيه، فإثبات الهوية أمر مطلوب، ولكن بعض المتحدثين يتمنى أماني في الحقيقة بعيدة لا ينبغي أن نعيشها في الأحلام، وإن حق لهم أن يحلموا ما شاؤوا، ولكن هناك واقع معين، ينبغي أن نتعامل مع واقع معين، وأن نعيش فيه، فواقعنا يحتاج في كثير من الأمور الاقتصادية وأمور الذبائح إلى قرار، وهذا القرار من يملكه؟ يعني نحن إذا أوصينا بتوصيات ولم تتابع ولم تنفذ لا قيمة لها، فلماذا نخوض في أمور بعيدة عن الواقع؟ نحن نريد أن نبين الحكم الشرعي في هذه المسألة أما القرارات تترك لأصحابها إلا إذا كنا نعتقد أننا نملك مثل هذا القرار أو نبلغه إلى من يملكونه، فإن كان هناك توجه للمجمع بتوصية بإثبات الهوية للمسلمين في أمور الاقتصاد وأخذ بتوصية الشيخ ابن منيع فأنا معه على ذلك.
الأمر الآخر في موضوع التسمية على الذبيحة، أنا أريد أن أقتصر وقد تم التحدث في موضوع التسجيل، إذا كانت المجموعة تدخل- وهذا ما ذكره الشيخ الأشقر في بحثه- أنه إذا دخلت هذه المجموعة وسمي عليها وهي في وقت واحد في مجموعة واحدة، فهذه التسمية الواحدة تكفي وأنا معه في هذا، أما قضية التسجيل فأمر لا ينبغي أن يفعل وأمر لا يجوز، وأظن أن الشيخ وهبة يمكن أن يرجع عن هذا بعدما سمع كلام فضيلة الرئيس.
هذا ما أحببت أن أقوله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيح علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
قبل أن أدخل في الذبائح أحب أن أشير إلى نقطة تتصل بالمنهج في النقاش والتعليق، أحد الإخوة الكرام وهو يختلف مع أخ كريم آخر؛ استشهد بقول السابقين (قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب) ، وهذا أدب لعلنا نستمر عليه، وأعتقد أن المجمع منذ بدئه كان يسير على هذا المنهج، ولكن اليوم استمعنا إلى بعض العبارات التي تؤثر في النفوس، وهذا أمر لا نرتضيه.. إنما أقول لألفت نظره إلى هذا الخطأ لأنه لم يفهم معنى الآية، أنه اضطراب في الفتوى
…
مثل هذه الكلمات أعتقد لو استبعدناها من حوارنا كان أفضل. نقول مثلا العبارات الأخرى تكون أفضل من هذا.
بعد ذلك أقول إن الذكاة عبادة، والعبادة تحتاج إلى الاحتياط مع رفع الحرج أيضا.
مسألة ميتة أهل الكتاب ومنخنقة أهل الكتاب - سواء كان ابن العربي قد وقع في التناقض أم لم يقع، سواء هذا أم ذاك- فأعتقد أن الاتجاه العام يتجه إلى تحريم هذه الميتة وهذه المنخنقة. فإذا انتهى المجمع إلى هذا، وأرجو أن ينتهي إلى هذا، فأرجو ألا نكتفي بذكر القرار؛ لأن إخوة أجلاء لهم مكانتهم في العالم الإسلامي دافعوا عن تحليل هذه الميتة وهذه المنخنقة، وآراؤهم منتشرة في الغرب والشرق وبلاد الإسلام، ولذلك أرى إذا انتهى المجمع إلى التحريم أن يذكر الأدلة بالتفصيل، ولنا في مجمع الرابطة أسوة حسنة، فمثلا عندما تحدث عن التأمين فصل الشُبه ورد عليها، لأنه احتمال أن يقول قائل: لو أن المجمع قرأ كذا وعرف كذا واطلع على أدلة فلان وهو علم مشهور لما أصدر هذه الفتوى، لكن ذكر الأدلة بالتفصيل يبين أن المجمع على علم بهذا ويرد على هذه الأدلة لأن الأمر خطير، ميتة المسلم ومنخنقة المسلم حرام وأهل الكتاب حلال؟! أمر خطير في الحقيقة، وأرجو من المجمع إذا تكرم أن يسلك في هذا مسلك ذكر الشبهة التي أثيرت ورد عليها، والإخوة الأفاضل أصحاب البحوث- جزاهم الله خيرا- تولوا هذا بالتفصيل.
التدويخ بالتيار الكهربائي - كما رأينا منه، كما ذكر الأخ الكريم الهواري بالنسبة للدجاج- توقف القلب في 90 %، والموت 15 %، إذن الدجاج إما أن يتوقف قلبه أو يموت، والدجاجة التي نأخذها لا ندري أهي توقف قلبها أم ماتت؟ وحتى توقف القلب، لذلك بالنسبة لمثل هذه الأمور أرجو أن نفضل لأن هذا الذي ذكر- التوضيحات هذه- كثير مما كتب ليس في هذا إنما الكتابات الموجودة أن هذا التيار الكهربائي على عمومه دون تفصيل لا يؤثر، لأنه مجرد راحة للذبيحة، والأخ الدكتور الهواري- جزاه الله خيرا- بين أن الذبح بالطريقة الإسلامية هو أكثر راحة للذبيحة من هذا التدويخ.
أمر آخر هنا بالنسبة للتدويخ ما ذكره أيضا - جزاه الله خيرا- من أن الدول التي اعترفت بالإسلام وأباحت للمسلمين أن يذبحوا بطريقتهم لم يستطع المسلمون أن يذبحوا بالطريقة وأن يتجنبوا التدويخ بسبب صدور فتاوى تبيح هذا التدويخ، إذن الفتاوى التي صدرت للتيسير- الهدف كان منها التيسير- جاءت هنا على عكس الهدف، أي أن هؤلاء الإخوة المسلمين في بلاد الغرب لو أن الفتوى صدرت بالمنع واعترفت تلك الدول بالإسلام وسمحت لهم بالذبح بالطريقة الإسلامية لاستطاعوا أن يذبحوا بالطريقة الإسلامية. لذلك مسألة التيسير، والتيسير مطلوب، لكن لا بد أن نراجع أنفسنا عندما نصدر فتوى لنرى هل فيها تيسير فعلا أم ليس فيها تيسير؟ وهل هي متفقة مع القواعد العامة أم لا؟
وأكتفي بهذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضرورة حسن التعبير في تعبيراتنا، وأذكر أن من سنة علمائنا القدامى أنهم عندما- أحيانا- يريدون أن ينتقدوا عالما آخر ربما لا يذكرون اسمه، يقولون: ذكر بعض العلماء ذلك، ونرى أنه لم يصب الحق.
لي بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: أنا لم أشأ أن أذكرها، لكن طلب بعض المتحدثين- حفظهم الله- أن أتحدث.
الإمامية مشهورهم من أشد المذاهب في مسألة الذبح، فهم أولا يشترطون أن يكون الذابح مسلما، وقد يبدو هذا لأول وهلة مخالفا، طبعا مشهورهم يشترط هذا. والرأي الثاني لا يشترط. والرأي الثالث- وذلك بناء على طلب الأستاذ العبادي أن نفصل الرأي الثالث- ما إذا سمعت التسمية منهم. هؤلاء عندما يقولون ذلك يقولون إن كلمة (وطعامهم حل لكم) هذه الكلمة مطلقة، لكن هذا الإطلاق مخدوش تماما، نحن نعلم علما من الخارج من القناعة من الضرورة الفقهية من الضرورة المعرفية أن هذا الكلام لم يبق على إطلاقه مطلقا، وإنما طعامهم من الخنزير مرفوض، طعامهم من الخمر مرفوض، طعامهم النجس مرفوض، طعامهم من الميتة مرفوض، المنخنقة.. فمعنى أن هذا الإطلاق لم يبق على إطلاقه، وإنما يقتصر منه القدر المتيقن. القدر المتيقن هو نسبة هذا الطعام إلى أهل الكتاب، هو كأن المقصود هو دفع توهم في ذهن الناس أننا يجب أن نقاطع أهل الكتاب تماما، ومن أساليب مقاطعتهم عدم أكل طعامهم، فدفعت هذه العبارة شبهة مسألة الانتساب، ولذلك قالوا: إن التحليل جهتي، من جهة كونهم أهل كتاب، ولم يفسروا {وطعامهم} بذبائحهم، لأن الطعام أعم من مسألة الذبائح، يشمل حتى الأمور التي ليس فيها ذبح، هذا هو اتجاههم في هذا المعنى.
أيضا هم يشترطون في أن يكون الذبح مستقبلا القبلة، طبعا شرط ذكري يعني إذا ذكر ذلك، أما إذا نسي فلا مانع.
يشترطون أيضا أن يكون الذبح بحديدة فلزية، يعني الشرط أن يكون بالحديد، وربما ذلك من النصوص التي ركزت على أن تكون الآلة القاطعة آلة حديدية، فكان هناك اشتباه بين أن يكون الحديد حديدا فلزيا أو لا، الحديد معناه حاد {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] أي نافذ، على أي حال هناك اختلاف ، وما أردت أن أتحدث في هذا الموضوع لولا طلب الأستاذ العبادي ذلك، ومن هنا نحن مصيبتنا في شراء اللحوم الخارجية أشد، نحن نشترط أن تكون الآلات باتجاه القبلة، ونشترط أن يكون الذبح بحديدة، ونشترط أن يكون الذابح مسلما، ولذلك إما من مسلمي المنطقة أو نرسلهم هناك، وأنا أشرف على العملية، ونشترط على الشركات إذا تخلف أي شرط فسوف نرجع الكمية بكاملها، وقد أرجعنا كميات ضخمة، ولم يستطيعوا أن يردوا ذلك، لا أعلم هل باعوها إلى مناطق إسلامية أخرى أم لا؟
النقطة الثانية: البحث الآخر هناك بحث أصولي، وأنا أركز عليه لأن هذا البحث الأصولي يدخل- طبعا أنا أشير إلى نتائجه فقط- في قضية مسائل الذبح والتذكية، يقول العلماء: إذا جاءنا إطلاقان متعارضان أحدهما يحظر والآخر يبيح، فإذا كان أحد الإطلاقين مخدوشا يقدم الإطلاق الآخر. هنا عندنا إطلاق من كلمة {َالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] يشمل منخنقة المسلم ومنخنقة الكافر، وعندنا لفظ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أيضا مطلق يشمل المنخنقة وغير المنخنقة. المناطقة يقولون: إن النسبة بينهم عموم من وجه. هذا التعارض يرتفع بتقديم كل ما لدينا من أدلة في قضية التذكية على هذا الدليل، يعني على هذا الإطلاق الموجود في أهل الكتاب باعتبار أنها إطلاقات سليمة وإطلاق {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] مخصص أو مقيد بتعبير أدق.
النقطة الثالثة: أصولية أيضا ، عندما نشك في كون هذا مذكى، تارة نحن في سوق المسلمين شكنا لا قيمة له، سوق المسلمين أمارة عامة على صحة ما يأتي، أما عندما لا يكون هناك سوق مسلمين، وأشك في كون هذا اللحم مذكى، لا ريب أن المحكم هنا أصالة عدم التذكية أصلا، استصحاب عدم التذكية لم يكن مذكى، وأشك في أنه ذكي استصحب العدم، والدليل هنا هو الاستصحاب، وهو دليل مقبول عند عموم العلماء، وليس دليلا كما تفضل فذكره إمام المسجد الحرام المرحوم ابن حميد؛ أنه من باب تغليب الحظر على الإباحة، يعني ليس هنا نقاش بين الحظر والإباحة، وإنما هنا حالة سابقة يجب أن تبقى حتى تنقض بيقين لاحق.
الحالة، حالة استصحاب، وأصالة عدم التذكية جارية بشكل كامل، هناك شيء يترتب: نشترط ويشترط كثير من العلماء أن تكون الصلاة في ثوب، من جلد، طاهر مذكى، أي أن تكون هناك تذكية في البيت، هنا يمكن التمسك بأصالة أخرى وهي أصالة الطهارة طبق قاعدة "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس "، هنا أصالة الطهارة جارية، وهناك بحث عند العلماء كيف يحرم علينا لحمه، ولكن يسمح لنا بلبسه في الصلاة؟
الواقع هناك نقطة أصولية أخرى أود أن أشير بها إلى الأستاذ محمد الحاج الناصر عندما قال: لا يمكن أن ننسب ما ننتهي إليه إلى الإسلام وأنه حكم إسلامي، هذه سنة كل العلماء عندما يصل إلى نتيجة قاطعة هو يطمئن إلى أنه رأي الإسلام، هناك بحث للعلماء حول الحجة والحجية، يعني عندما يقوم لي دليل حجة من خبر عادل أو من ظهور حجة، الحجية يقولون هي توجب تنجز الأمر، بمعنى إذا دلت على شيء فهو ينجز عليَّ، وعليَّ العمل به حتى ولو كان في علم الله لم يصدر، ويعذر أي إذا كانت الحجة معذرة أي مرخصة ومبيحة، حتى لو كان في علم الوجود، لكن مادام الدليل عذرني فأنا أقول وأيضا نتائج الحجية نسبة هذا الأمر إلى الإسلام أو إلى الله حتى. يعني أقول: هذا ما ثبت لي من حكم الله، هذا ما أراه حكمًا لله في حقي، هذه ليست جرأة بل هي سنة، هذا ما أراه وقد أكون أنا مخطئا، إذن لا أعتقد أن هناك تجرؤا في البين وأعتذر من سماحة شيخنا.
النقطة الأخرى: التي أرجو أن نلاحظها، وهي نقطة مهمة وأتصور أن الكثير ربما كانوا ينظرون إلي عندما يتحدثون عن مسألة الذبح. الحقيقة أنا أولا أعتقد أن عملية التذكية هي عملية توصلية ليست عملية تعبدية، يشترط فيها أن يذكر اسم الله، ولكن ليست كالصلاة بمعنى أنه إذا قصد أي أمر آخر في هذا المعنى يبطل هذا المعنى. الصلاة لو قصدت فيها أن أقوي عضلاتي إلى جانب القصد إلى قربة الله تعالى فصلاتي باطلة، الحقيقة أن هذه عملية توصلية بمعنى أي حكم شرعي أطبقه إذا لم يكن يشترط فيه قصد القربة الصلاتية التي أشرت إليها هذا العمل يؤدي أثره، غسل الثوب حتى لو كان بنية التطهير يؤدي أثره وهو تطبيق لحكم شرعي. الشيخ الخليلي قال: إنه مادام هو مشترط بشروط شرعية فهو عمل قربى. ما أكثر الأحكام الشرعية التي تشترط ولكن ليس فيها عنصر القربة، يشترط التسمية لكن إذا كان هناك من يقوم بهذا العمل ويسمي الله (بسم الله والله أكبر) بل يوجه إلى القبلة، ولكن يريد من ذلك بعد ذلك أن يبتهج ويعلن ابتهاجه بقدوم- مثلا- هذا الرئيس، أو يريد أن يطعم الفقراء والمساكين، أو يريد أن يهدي ثواب هذا الإطعام لروح هذا الولي الكبير مثلا، الحقيقة يجب ألا نتهمه بسرعة بأنه مشرك، وهو يسمي الله ويقول (بسم الله) ويقول (الله أكبر) ، ويوجه هذه الذبيحة إلى الكعبة، وباسم الله تعالى يذبح، لكن يريد أن يعبر عن نوع من التعبيرات الابتهاجية، أنه حاج قدم، هل عندما يذبح هؤلاء العوام الذبيحة للحاج يشركون الحاج بالله تعالى؟ حاج عليه نور الحج يشركونه بالله! الواقع عندما أقول بتعبيرنا العامي تفتق قلبه، هو لا ينظر لمسألة الشرك مطلقا، هو يقول:(بسم الله) ويقول: (الله أكبر) ويوجه إلى الكعبة، مثلا يعبر عن ابتهاجه لقدوم الحاج، وهذه أشياء صدقات تبذل للفقراء والمساكين.
أنا أؤيد ما يقوله الشيخ العبادي من أننا يجب أن نتوقف في نسبة الشرك لمثل هذه الأمور، فرق إذن بين أن أقصد التعبير بابتهاجي وأحقق كل الشرائط المطلوبة في الذبح وباسم الله تعالى أذبح، وبين أن أشرك بالله هذا الولي أو الحاج أو الرئيس
…
وما إلى ذلك.
النقطة الأخيرة: أنا أعتقد أن الملاحظ {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] يعني يجب أن يكون الذبح في إطار وفي جو التسمية لله تعالى بعيدا عن ما يفعله المشركون وأمثالهم، في قضية فرد يقف والشريط يتحرك والدجاجات تمر أمامه، هذا الفرد الذي يقف ربما ضحكنا عندما قيل: إن هناك فردا يسمي، والشريط يمر أمامه. لا، هذا الفرد هو مسيطر على هذا الشريط يمكن أن يطفئ الكهرباء فيقف الشريط عن عمله لأنه مسيطر وهو الذي يدفع التيار الكهربائي يمشي ويحرك هذا الشريط. هذا الرجل هو مشرف على الشريط تماما، وهو رجل يسمي بتسميات عرفية يقول:(بسم الله) ، (بسم الله والله أكبر) ويستمر في هذه التسمية. هذا الشيء الذي يذبح في جو تسمية بشكل كامل، وجو التسمية هنا متحقق، وحينئذ نستطيع أن نتقبل منه هذا الجو إذا كان إنسانا لا مسجلا. وشكرا لكم.
الشيخ ناجي عجم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، سيد المرسلين.
أرى أن موضوع كيفية التذكية، قد أشبعه السلف- جزاهم الله خيرا- بحثا، وما أراه أنه هو موضوع البحث، إنما موضوع البحث المستجد في إسقاط هذه الكيفية أو تطبيق مدة الكيفية على الطرق المستحدثة والمبتدعة من النصارى - بالوراثة لا الواقع والحال- هذه الطرق التي ابتدعوها في إزهاق الروح وقبلها الصعق الكهربائي والتدويخ والتخدير وضغط الهواء
…
وغير ذلك، ثم نحن نستورد هذه اللحوم وإخواننا المسلمون الذين يعيشون بينهم مضطرون ومحتاجون إلى تناول هذه اللحوم، والحمد لله، هذه المشكلة غير موجودة في بلاد المسلمين وما حصلت شكوى، وإنما وجدت المشكلة عندهم ونحن محتاجون إلى أن نستورد.
أيها الإخوة؛ ضوابط التذكية المشروعة واضحة جدا، وإنما كما أشار الإخوة في أبحاثهم- جزاهم الله خيرا- ضعف الالتزام بهذه الضوابط أو عدم الاهتمام بها والتساهل من بعض المسلمين في الأكل لعلهم يعتمدون على الفتوى التي نقلها الإخوة عن الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى أنه يجيز أكل الحيوان الميت ولو بالصعق الكهربائي.
أرى أن هذه هفوة منه رحمة الله عليه، وعليه أنا أثني على الاقتراح الذي تفضل به الأخ الدكتور محمد الأشقر في بحثه أن تشكل جهة إسلامية موحدة تتابع ما يذبح في بلاد الكفر وفي بلاد النصارى، ورشح أن تكون رابطة العالم الإسلامي ونعم هذا الترشيح، تشكل هذه اللجنة لتتابع هذه الذبائح، ويكون لها ختم أو يكون لها علامة وممكن أن تتقاضى رسوم مقابل وضع هذه الأختام على أن هذا الذبح تم بإشرافها ومعرفتها، تتقاضى رسوما لتغطية النفقات ولا بأس بهذا مع وضع خطة وتوصية للحكومات الإسلامية لكي يكون الاكتفاء الذاتي في الثروة الحيوانية، على الأقل نصدر لإخواننا المسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفار، فيأكلون من ذبائح المسلمين في بلاد المسلمين، لا أن نأكل نحن من ذبائحهم، والله الموفق، وشكرا.
الشيخ أحمد بن حميد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أحب أن أشير وباختصار إلى أمور ثلاثة:
الأمر الأول: ما أشارت إليه بعض الأبحاث وما سمعناه أثناء عرض الدكتور الهواري -جزاه الله خيرا- من أن الطيور في المذابح الآلية تمر بثلاث مراحل: مرحلة الماء المكهرب، ثم مرحلة السكين، ومرحلة الماء الحار، وأن الوفاة تحدث في أحد هذه المراحل، وإن كان بعضها أغلب من بعض، فهذه إن غلب على الظن حدوثها في مرحلة معينة فيعمل بهذا الظن، فإن غلب على الظن حدوث الوفاة بالسكين كانت حلالا بعد توفر الشروط الشرعية الأخرى، وإن غلب على الظن حدوثها بالماء المكهرب أو الماء الحار كانت حراما؛ لأن الظن كالعلم في عامة فروع الشريعة، وأما إذا شككنا في ذلك ولم تتوفر غلبة الظن المعمول بها شرعا، فيمكن أن يؤخذ بالقاعدة الفقهية المشهورة، وهي أن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن ، وحينئذ على الترتيب السالف الذكر- الماء المكهرب ثم السكين ثم الماء الحار- تعتبر الوفاة حدثت في مرحلة الماء الحار، فتكون حراما.
الأمر الثاني: فإن الإشارة أو التأكيد على القاعدة الفقهية والمهمة -وإن كان أشار إليها بعض المداخلين -وهي: أن الأصل فيما يذكى الحرمة حتى تثبت ذكاته بيقين. ولها أدلة واضحة الدلالة؟ كحديث عدي بن حاتم وغيره، ومقتضى هذه القاعدة أننا إن شككنا في توفر شروط الذكاة الشرعية من أهلية المذكي أو كون الذكاة على الوجه الشرعي، إذا شككنا في ذلك فنأخذ بالأصل وهو الحرمة ولا ننتقل عنه إلا بيقين. وهذه القاعدة هي العمدة في هذا الباب، وهي الفيصل في الموضوع، وقد يشكل على هذه القاعدة حديث عائشة رضي الله عنها ((سموا الله وكلوا)) . فيستدل بحديث عائشة على حل أكل ما جهل حاله، غير أنه إذا حمل حديث عائشة رضي الله عنها على ما كان في بلاد المسلمين؛ فهذا لا يشرع للإنسان أن يسأل عنه ولا أن يفتش بل يسمي الله ويأكل، أما اللحوم المستوردة من بلادٍ الغلبة فيها لغير المسلمين، أو يغلب على الظن أنها تذبح على غير الطريقة الإسلامية، فهذه يعمل بالقاعدة السابقة التي يقتضيها حديث عدي، وهو أن الأصل فيما يذكى الحرمة، جمعا بين حديث عائشة وحديث عدي، إذ المعروف أن العمل بالدليلين أولى من إهدار أحدهما.
بقي أن أشير إلى قضية وهي تتصل بالتسمية الجماعية لكن من جانب آخر، وهي ما استدل به بعض الباحثين من أن قول الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] أنها تدل بظاهرها على أن كل حيوان يحتاج إلى تسمية مستقلة، الذي يبدو ويظهر أن الآية لا تدل على ذلك، لأن الآية دلت في منطوقها على عدم الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، ودلت في مفهومها على جواز الأكل مما ذكر اسم الله عليه، أي كلوا مما ذكر اسم الله عليه، فالمفهوم هنا، وهو من باب المطلق، والقاعدة الأصولية "أن المطلق يصدق بأي صورة كان " كما قرر ذلك علماء الأصول، فإن ذكر اسم الله عليه استقلالا فهو داخل، وإن ذكر اسم الله عليه مع غيره فهو داخل أيضا بدلالة ظاهر الآية، هذا ما أحببت أن أقوله، والله أعلم.
الرئيس:
في الواقع بقي ما يزيد عن عشرة من أصحاب الفضيلة الذين طلبوا الكلمات والوقت تجاوزناه بنحو خمس وأربعين دقيقة، ولعلكم ترون أن ننهي الجلسة.
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من خلال المداولات في موضوع الذبائح، وطرق التذكية الشرعية، وضوابطها، فإن المداولات تضمنت أمرين تبعا للبحوث:
الأمر الأول: البحث في المسائل التي هي كمرتكزات وأصول للقضايا المستجدة والتي بحثها الفقهاء وفرغ منها كما ذكره بعض أصحاب الفضيلة الأعضاء.
والأمر الثاني: في المستجدات التي من أجلها طلب عرض هذا الموضوع على المجلس.
ولهذا فإننا نرجو من اللجنة التي تؤلف أن تركز- وقد سمعت وقيدت ما دار في هذا الموضوع- على المستجدات التي حصلت في موضوع الذبائح وحصل فيها المداولة والبحوث ومن أجلها أدرج هذا الموضوع في جدول أعمال المجلس، وقد ترون مناسبا أن تكون اللجنة من أصحاب الفضيلة المشائخ:
الشيخ تقي العثماني، الشيخ محمد الأشقر، الشيخ الخليلي، الشيخ أحمد بن حميد، الشيخ علي محي الدين القره داغي، الطيب الهواري، الطيب هيثم.
وقبل أن ترفع الجلسة أحب أن أشير إلى أن الموضوع في الجلسة الصباحية ليوم الأربعاء- إن شاء الله تعالى- غدا هو موضوع العقود المستجدة، والعقود المستجدة يحتوي على أمور: العقود المركبة، والشركات المتناقصة، والإيجار المنتهي بالتمليك وبطاقة الائتمان، وعدد من المعاملات الأخرى. وتعلمون أن ما يتعلق ببطاقة الائتمان سبق وأن درست في دورة أو دورتين، فالنفوس متهيئة والأبحاث موجودة، وآخر بحث معد من الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان موجود وموزع عليكم، وكون هناك جلستان صباحية ومسائية لهذه العقود هذا من العسر بمكان كبير، فلهذا نرى أن يكون الاقتصار على بطاقات الائتمان، ويكون التحضير غدا - إن شاء الله تعالى- لهذا الموضوع، ويكن العرض فيه للشيخ عبد الوهاب، وأما الشيخ نزيه والشيخ محمد القري بن عيد فلهم السبق فيما يتعلق بقضية بطاقة الائتمان؛ فيدخلون في المناقشة في هذا الباب. وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
قرار رقم 101/ 3/ د10
بشأن
الذبائح
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418هـ (الموافق 28 يونيو-3 يوليو 1997 م) .
بعد إطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع الذبائح، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء وخبراء الأغذية، واستحضاره أن التذكية من الأمور التي تخضع لأحكام شرعية ثبتت بالكتاب والسنة، وفي مراعاة أحكامها التزام بشعائر الإسلام وعلاماته التي تميز المسلم من غيره، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) . قرر ما يلي:
أولا: التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:
1-
الذبح: ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين، وهي الطريقة المفضلة شرعا في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.
2-
النحر: ويتحقق بالطعن في اللبة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق، وهي الطريقة المفضلة شرعا في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.
3-
العقر: ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيده، والمتوحش من الحيوانات المستأنسة، فإن أدركه الصائد حيا وجب عليه ذبحه أو نحره.
ثانيا: يشترط لصحة التذكية ما يلي:
ا- أن يكون المذكي بالغا أو مميزا، مسلما أو كتابيا (يهوديا أو نصرانيا) ، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين، واللادينيين، والملحدين، والمجوس، والمرتدين، وسائر الكفار من غير الكتابيين.
2-
أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتفري بحدها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السن والظفر.
فلا تحل (المنخنقة) بفعلها أو بفعل غيرها، ولا (الموقوذة) وهي التي أزهقت روحها بضربها بمثقل (حجر أو هراوة أو نحوهما) ، ولا (المتردية) وهي التي تموت بسقوطها من مكان عال أو بوقوعها في حفرة، ولا (النطيحة) وهي التي تموت بالنطح، ولا (ما أكل السبع) وهو ما افترسه شيء من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد.
على أنه إذا أدرك شيء مما سبق حيًّا حياة مستقرة فذكي جاز أكله.
3-
أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية، ولا يكتفى باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلا أن من ترك التسمية ناسيا فذبيحته حلال.
ثالثا: للتذكية آداب نبهت إليها الشريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه:
فلا تُحَدُّ آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يذكى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزء من أجزائها، ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار، ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.
رابعا: ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خاليا من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغييرا يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب الصحي فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.
خامسا:
أ- الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان، لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحسانا لذبحته وتقليلا من معاناته، ويطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.
ب- مع مراعاة ما هو مبين في البند (أ) من هذه الفقرة، فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي:
1-
أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي- القذالي (القفوي) .
2-
أن يتراوح الفولطاج ما بين (100- 400 فولط) .
3-
أن تتراوح شدة التيار ما بين (0.75إلى 1.0 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.
4-
أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3 إلى6 ثوان) .
جـ- لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.
د- لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.
هـ- لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأوكسجين، أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.
سادسا: على المسلمين المقيمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا بالطرق القانونية للحصول على الإذن لهم بالذبح على الطريقة الإسلامية بدون تدويخ.
سابعا: يجوز للمسلمين الزائرين لبلاد غير إسلامية أو المقيمين فيها، أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب مما هو مباح شرعا، بعد التأكد من خلوها مما يخالطها من المحرمات، إلا إذا ثبت لديهم أنها لم تذك تذكية شرعية.
ثامنا: الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية المذكورة في الفقرة (ثانيا) قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية.
تاسعاً:
أ- إذا كان استيراد اللحوم من بلاد غالبية سكانها من أهل الكتاب، وتذبح حيواناتها في المجازر الحديثة بمراعاة شروط التذكية الشرعية المبينة في الفقرة (ثانيا) فهي لحوم حلال لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .
ب- اللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب محرمة، لغلبة الظن بأن إزهاق روحها وقع ممن لا تحل تذكيته.
ج- اللحوم المستوردة من البلاد المشار إليها في البند (ب) إذا تمت تذكيتها تذكية شرعية تحت إشراف هيئة إسلامية معتمدة وكان المذكي مسلما أو كتابيا فهي حلال.
ويوصي المجمع بمايلي:
أولا: السعي على مستوى الحكومات الإسلامية لدى السلطات غير الإسلامية التي يعيش في بلادها مسلمون، لكي توفر لهم فرص الذبح بالطريقة الشرعية بدون تدويخ.
ثانيا: لتحقيق التخلص نهائيا من المشكلات الناجمة عن استيراد اللحوم من البلاد غير الإسلامية ينبغي مراعاة ما يلي:
أ- العمل على تنمية الثروة الحيوانية في البلاد الإسلامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ب- الاقتصار ما أمكن على البلاد الإسلامية في استيراد اللحوم.
جـ- استيراد المواشي حية وذبحها في البلاد الإسلامية للتأكد من مراعاة شروط التذكية الشرعية.
د- الطلب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لاختيار جهة إسلامية موحدة تتولى إصلاح مهمة المراقبة للحوم المستوردة، بإيجاد مؤسسة تتولى العمل المباشر في هذا المجال، مع التفرغ التام لشؤونه، ووضع لوائح مفصلة عن كل من شروط التذكية الشرعية، وتنظيم المراقبة والإشراف على هذه المهمة؛ وذلك بالاستعانة بخبراء شرعيين وفنيين، وأن توضع على اللحوم المقبولة من الإدارة علامة تجارية مسجلة عالميا في سجل العلامات التجارية المحمية قانونيا.
هـ- العمل على حصر عملية المراقبة بالجهة المشار إليها في البند
(د) ، والسعي إلى اعتراف جميع الدول الإسلامية بحصر المراقبة فيها.
و إلى أن تتحقق التوصية المبينة في البند (د) من هذه الفقرة يطلب من مصدري اللحوم ومستورديها ضمان الالتزام بشروط التذكية الشرعية فيما يصدر إلى البلاد الإسلامية؛ حتى لا يوقعوا المسلمين في الحرام بالتساهل في استيراد اللحوم دون التثبت من شرعية تذكيتها.
والله أعلم