المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاستنساختقنية، فوائد، ومخاطرإعدادد. صالح عبد العزيز الكريم - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد العاشر

- ‌بحثأحكام الذبائح واللحوم المستوردةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادسماحة الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية للذكاةإعدادأ. د إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الذبائحوالطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌‌‌الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد الهواري

- ‌الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاةإعدادالدكتور محمد الهواري

- ‌المفطراتإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌مفطرات الصائمفي ضوء المستجدات الطبيةإعداد الدكتور محمد جبر الألفي

- ‌ضابط المفطراتفي مجال التداويالأكل والشربإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المفطراتإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌المفطراتفي مجال التداويإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌التداوي والمفطراتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌المفطراتفي ضوء الطب الحديثإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌العقود المستجدةضوابطها ونماذج منهاإعدادالدكتور نزيه كماد حماد

- ‌العقود المستجدةضوابطها ونماذج منهاإعدادد. محمد بن علي القري

- ‌الاستنساخ البشريإعدادالشيخ محمد المختار السلامي مفتى الجمهورية التونسية

- ‌نظرة في الاستنساخ وحكمه الشرعيإعدادآية الله محمد علي التسخيري

- ‌الاستنساخ البشريبين الإقدام والإحجامإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌الاستنساختقنية، فوائد، ومخاطرإعدادد. صالح عبد العزيز الكريم

الفصل: ‌الاستنساختقنية، فوائد، ومخاطرإعدادد. صالح عبد العزيز الكريم

‌الاستنساخ

تقنية، فوائد، ومخاطر

إعداد

د. صالح عبد العزيز الكريم

أستاذ مشارك في علم الأجنة التجريبي

كلية العلوم- جامعة الملك عبد العزيز

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]

قال الله تعالى {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]

قال الله تعالى حكاية عن إبليس اللعين: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . [النساء: 119]

مقدمة

تابعت لأكثر من عشرين عامًا موضوع محاولات استنساخ الأجنة وهو أحد مجالات علماء الأجنة التجريبي الذي هو تخصصي الدقيق، وعندما أصدرت كتابي (المدخل إلى علم الأجنة الوصفي والتجريبي) عام 1411 هـ، تحدثت في أحد أبوابه عن تطبيقات التكاثر العذري الاصطناعي على الحيوانات (الاستنساخ بطريقة تنشيط البويضة)، وفي كتابي الثقافي (الهندسة الوراثية وتكوين الأجنة: الحقيقة والمستقبل) تحدثت فيه عن فكرة الاستنساخ بطريقة زراعة النواة، وذكرت أن ما تم تطبيقه في زراعة النواة في البرمائيات (الضفدعة) والثدييات (الفأر) يمكن تطبيقه على كل من حيوانات المزارع (الأغنام والأبقار) وكذلك مستقبلًا على الإنسان، وقد أعلنت اليوم معامل أدنبره للاستنساخ الحيوي بأنه قد تم فعلًا استنساخ (نعجة) من بويضة قد زرعت بها نواة لخلية جسدية، أي دون الحاجة للحيوان المنوي.

والاستنساخ كموضوع حديث لم يتبلور بعد في أذهان كثير من الناس، خاصة تطبيقاته ذات الفوائد أو المخاطر، فإنه حري أن يحظى باهتمام خاص من المجلات الثقافية، وعلى وجه الخصوص من المجلة العربية التي تبنت الأصالة في طرح قضاياها وبناء عليه فإن المجلة العربية متمثلة في رئيس تحريرها الأستاذ حمد القاضي دعتني لتبني مشروع كتيب تعريفي مبسط يسلط الضوء على موضوع الاستنساخ، ويؤدي الغرض الثقافي من الناحية العلمية، أما ما يخص النواحي الأخلاقية والمفاهيم الاجتماعية والتصورات الشرعية، فإنه سيتم الكتابة عنها في جزء آخر مستقل بإذن الله، وذلك بعد عرضها - أي تقنية الاستنساخ - بأنواعها المختلفة على المجامع الفقهية والشرعية المتخصصة، لأن الإسلام في مصدريه الكتاب والسنة يملك قواعد صلبة في التعامل مع جميع الإفرازات العلمية خيرها وشرها، فوائدها ومخاطرها. وأخيرًا أرجو من الله العلي القدير أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ص: 1317

الاستنساخ: المصطلح والمفهوم

مصطلح Cloning يعني باللغة العربية (التنسيل) وهي العملية البيولوجية التي بمقتضاها تتكون مجموعة من الخلايا ليس شرطًا بأن تكون متجانسة وذلك عبر الانقسامات الميتوزية المتتابعة لخلية واحدة فقط.

وقد استخدم هذا المصطلح في بعض الكائنات الحية ليعطي معنى التناسل الذاتي، وهو الخاص بالنمو عن طريق التكاثر اللاجنسي كما يحدث في حيوان البراميسيوم، ويتداول العلماء كلمة Clone لتعطي معنى (نسيلة) وهي تكوين خلايا أو أنسجة أو أعضاء أو أجنة من خلية سابقة واحدة، وقد استخدم هذا المصطلح أول مرة عام 1903 م بواسطة أحد علماء البساتين وهو هربرت ويبر H.Webber كمصطلح زراعي جديد، وهو يعني المجموعة المتكونة من التكاثر اللاجنسي لفرد سابق، وكان يطلق على جميع أشجار التفاح الناتجة عن تطعيم grafting شجرة أبوية واحدة.

ثم دخل الاستخدام التجريبي لمفهوم التنسيل (الاستنساخ) حيث تم استخدامه في تنسيل نباتات من خلية واحدة إما عادية أو مهندسة وراثيًّا، وهو ما يندرج تحت تقنية زراعة الخلايا والأنسجة النباتية، حيث تمكن العلماء من إنتاج أصناف نباتية جديدة ذات صفات مرغوبة ومطلوبة بطريقة Cloning.

منذ أكثر من ثلاثين عامًا انحصر مفهوم الاستنساخ Cloning على الاستنساخ الجيني للمادة الوراثية من خلال الخلايا النباتية والحيوانية، وهو اليوم يتحدد أكثر بأن أي خلية سواء جنسية أو جسدية Sex or Somatic إذا استطاعت أن تعطي تكوين مجموعة خلايا أو يكون الناتج النهائي لها كائنًا حيًّا فإن ذلك يكون استنساخًا، وتجربة الاستنساخ في الأجنة (تجربة دولي) صعدت المفهوم النهائي للاستنساخ بأنه استنساخ الأجنة، وقد استخدم هذا المصطلح في أجنة الحيوان لأول مرة عام 1952 م عندما تمكن الباحثان (روبرت بركز) و (ثومس كنك) من زرع خلية جنينية في مرحلة البلاستولا في بويضة غير مخصبة بعد أن انتزعت نواتها.

الجينات: سر الكائنات

تسكن المادة الوراثية كشبكة ملتفة في نواة الخلية (الكائنات الحية ذات النواة الحقيقية) ، ويصعب في هذه الحالة تحديدها وتمييزها عن بعضها البعض، لكنها تظهر على شكل صبغيات Chromosomes متراصة على هيئة أزواج خاصة في الطور الانقسامي الاستوائي Metaphase ويمكن من خلال استخدام طريقة كيمياء الخلايا تثبيت هذا الطور بمادة الكولثسين، ومن ثم التعرف على الكروموزومات باستخدام الأصباغ الحيوية.

ص: 1318

إن جينات الكائنات الحية العليا محمولة على هذه الصبغيات، هذه الصبغيات في حقيقتها عبارة عن شرائط من الـ DNA (لم يعرف أحد ماهية وجود الـ DNA حتى الأربعينات من هذا القرن، حيث قال باحث اسمه فري: إن ماهية ووظيفة الـDNA هي نقل المعلومات الوراثية. وفي عام 1953 م اكتشف العالمان (واتسون) و (كريك) البنية الحقيقية لتركيبة مادة الـDNA) .

وتحتوي كل خلية من خلايا جسم الإنسان على 46 صبغيًّا أي 23 زوجًا، وخلية نبات البازلاء تحتوي على 14 صبغيًّا، بينما خلية ذبابة الفاكهة فيها 8 صبغيات، والكروموزومات لا تعدو أن تكون مَرْكَبَات Vehicles مخصصة لنقل الجينات أثناء الانقسام الخلوي، بيد أن مهمتها هذه ليست بسيطة، وآلية عملها ليست واضحة تمامًا.

والثلاثة والعشرون زوجًا من الصبغيات في الإنسان تكون متشابهة ما عدا زوج واحد في خلية الذكر وهو الزوج الجنسي، فهو موجود على شكل كروموزومين من سلسلتين من الـ DNA تلتفان على بعضهما البعض بشكل حلزوني وتكونان لولبًا مزدوجًا بحيث تتناغم على سلالمه القواعد النيتروجينية بقواعد هيدروجينية، ويقدر مجموع DNA في كل خلية بشرية على شكل شريط طوله 2800 كم، والحامض النووي DNA عبارة عن مجموعة من النيوكليوتيدات، وتتكون كل نيوكليوتيدة من مجموعة فوسفات PO4 وسكر خماسي pentose (سكر الدي أوكسي رايبوز Deoxyribose) ، ومجموعة قاعدة نيتروجينية، وهي عبارة عن الأدنين Adenine، سايتوزين Cytosine، وجوانين Guanine، وثايمين Thymine بحيث إن الثايمين (T) في إحدى السلسلتين يرتبط مع الأدنين (A) في السلسلة الأخرى، وأن السايتوسن (C) يرتبط مع الجوانين (G) .

ص: 1319

_________

ص: 1320

وقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الأحماض النووية هي التي تحمل المعلومات الوراثية، وأن الـ DNA يخضع لجميع أوامر خالقه في الاحتفاظ بأسرار الوراثة المعقدة وإظهار ما يمكن إظهاره منها، وإخفاء الباقي لأجيال أخرى، بعضها يعبر عنه بالسائد، والبعض الآخر يعبر عنه بالمتنحي.

يخضع الـ DNA لجميع أوامر خالقه في الالتزام بمواثيق توجيه نشاط الخلايا: صفاتها، خصائصها، أنزيماتها، وظائفها

فكيف يكون ذلك؟ وما الذي يجعل الـ DNA مسيّرًا لأحداث التغير في كل الأجيال والأنواع؟

الـ DNA من أكبر الجزئيات المعروفة، يعطي تركيبًا أدق منه يعرف بالمورثات (الجينات) والمورثات حقًا عالم عجيب غريب

يحاول العلماء أن يسبروا أغواره اليوم مستخدمين كل أدوات وإمكانيات البحث لمعرفة ما يحمله من أسرار

ولكن مع كل ما يستخدمونه من تقنية دقيقة يظل يشفر لهم فقط، ويطلعهم على شيء يسير من أطراف تركيبه وبعض وظائفه، فالمورثات تنادي من الأعماق بأنها سر من أسرار الله، وأنكم أيها البشر:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] .

وقد ذكر البروفسور الفرنسي دانيال كوهن (1993) وهو واضع خارطة العوامل الوراثية الإنسانية ومدير مركز التعدد الشكلي للدراسات الوراثية بباريس، ورئيس مؤسسة جان دوسيه لكتلة العوامل الوراثية يقول:"ما نعرفه تمامًا، أي يمكننا قراءته واستيعابه علميًّا حتى الآن تقدر نسبته بـ1 في المائة منه الـ DNA، أما ما هو فعال في جسم الإنسان فمقدر بين 5- 10 في المائة منه، في الوقت الذي تبقى فيه النسبة المتبقية وهي 90 - 95 في المائة قيد الفرضيات ".

ص: 1321

والمورث (الجين) عبارة عن مجموعة كبيرة من النيوكليتيدات مرتبة ترتيبًا خاصًّا ضمن سلسلة الحامض النووي DNA، قد يصل عدد هذه النيوكليتيدات للجين الواحد إلى 2000 نيوكلوتيدة.

مصطلح الجين يستخدم لوصف الوحدات القاعدية للوراثة، ويتحكم الجين في الصفات الوراثية المختلفة من طول الجسم أو قصره أو شكله أو لونه، بل ونبرة الصوت ولون العين وحدة شم الأنف، أو الإصابة بمرض وراثي معين.

ويشترك في إبراز كل صفة من الصفات الماضية جينات متعددة.

وأول من أطلق لفظ جين Gene هو العالم فيلهلم جوهانسين W.johansson عام 1909 م، ورغم أن هذه الجينات موجودة في كل خلية من خلايا الجسم إلا أن جزءًا يسيرًا منها يعمل في كل خلية معينة، أي أن هناك جينات يلحقها تنشيط وأخرى تكون غير نشطة.

وتشكل كل ثلاثة قواعد نيتروجينية بما يعرف بالشفرة Codon بحيث تختار أحد الأحماض الأمينية التي تكون البروتين، ولقد أشرنا فيما سبق أن عدد القواعد النيتروجينية أربعة، فلو أردنا أن نصيغ منها كلمات كيميائية، على شكل شفر فيمكن أن تعطي 64 كلمة كيميائية وكل كلمة مكونة من ثلاثة أحرف، وتتحكم هذه الكلمات الكيميائية في عشرين حمضًا أمينيًّا نصوغ بها آلاف المركبات البروتينية المعقدة، مثلها في ذلك مثل أحرف الهجاء والتي عددها 28 حرفًا يمكن من خلالها صياغة آلاف الكلمات، بل يمكن من خلالها صياغة آلاف من أبيات الشعر ومقالات النثر وروايات القصص.

ص: 1322

الاستنساخ

هناك ثلاثة أنواع للاستنساخ هي:

1 -

الاستنساخ الجيني.

2 -

الاستنساخ الخلوي.

3 -

استنساخ الأجنة.

لكل نوع من الأنواع الثلاثة السابقة طريقته الخاصة به وكذا أنواعه التي تندرج تحته، مع العلم بأن الذي يستنسخ في النوع الأول هو الجينات المنقولة فقط، وذلك من خلال (نسخ) الخلايا الحاملة لنفس الجينات المستنسخة، ويستنسخ في النوع الثاني جينات الخلية المزروعة نفسها بانقسامها لتعطي مثلها، بينما يستنسخ في النوع الثالث جميع خلايا الجنين المطلوبة، وذلك بأحد طرق استنساخ الأجنة التي سنذكرها.

أولًا: الاستنساخ الجيني

يقصد بهذا النوع من الاستنساخ التحكم في وضع المورثات (الجينات) وترتيب صيغها الكيميائية فكًّا (قطع الجينات عن بعضها البعض) ووصلًا (وصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها) باستخدام الطرق المعملية، بحيث ينتج عن ذلك الحصول على الجينات الجديدة، ومن ثم يمكن أن نستنسخ منها (أي من الخلايا التي تحتوي على الجينات الجديدة) ما نريده.

استخدم الاستنساخ الجيني في تطبيقات الهندسة الوراثية، وقد بدأ الاهتمام به في عام 1964 م، حيث أوضح العالمان (أبل) و (ترتلز) أن هناك أنواعًا من البكتريا لديها القدرة على استقبال مواد وراثية خارجية، وأنه يمكن لهذه المواد الوراثية (الجينات) أن تتكاثر داخل السيتوبلازم لتلك البكتريا، وفي عام 1973 أعلن عن التناسل الذاتي لأول جين (الاستنساخ لأول مرة) ، وفي عام 1974 تمكن العالم ستانلي كوهن من استعمال طريقة الترقيع الجيني Gene Splicing وهي ما تعرف بعملية التهجين الكروموسومي، حيث نقل قطع كروموسومية من الـ DNA للضفدع إلى بكتريا القولون، وفي نفس العام جرت أول مناقشة علنية لتجارب إعادة تنظيم المادة الوراثية (DNA) أو ما يعرف بالتقنية الهندسية للـ DNA، ومنذ أكثر من عشرين عامًا وعلماء الاستنساخ الجيني في تطوير دائم ومستمر لتطبيقات هذه التقنية، وقد حفلت معاملهم بالعديد من الإنجازات والفوائد للبشر كما أنها محفوفة بكثير من المخاطر التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.

ص: 1323

تطبيقات الاستنساخ الجيني

لن نتطرق هنا إلى شرح تقنيات الهندسة الوراثية الخاصة بالاستنساخ الجيني، ويمكن العودة إليها مختصرة في كتابي (الهندسة الوراثية وتكوين الأجنة: الحقيقة والمستقبل) لكن نذكر أهم فوائد استخدام تقنية الاستنساخ الجيني وهي كما يلي:

1 -

في مجال الزراعة والنبات:

حيث تم إنتاج أكثر من خمسين نوعًا نباتيًّا ذي صفات مطلوبة وجيدة مثل مقاومة الحشرات والفيروسات ومبيدات الأعشاب أو نباتات تنتج ثمارًا تقاوم التلف، أو نباتات لها قيمتها الاقتصادية برفع قيمتها الغذائية، أي تحسين الناتج الغذائي لها.

وهناك ثلاثة تقنيات تستخدم للاستنساخ الجيني هي:

أ- تقنية استخدام الأكروبكتيريوم Agrobacterium.

ب- تقنية النباتات العارية Protoplasts.

جـ- تقنية قذف جزيئات الـDNA.

2 -

في مجال الصيدلة والدواء:

وقد استخدم لذلك الكائنات الحية الدقيقة، حيث من خلالها تمكن العلماء من إنتاج أصعب الأدوية وأندرها، لأن التغيير في مورثات (جينات) الكائن الدقيق يجعل ذلك الكائن مصنعًا يتخصص في إنتاج المطلوب من الدواء، وأكثر الكائنات المستخدمة لذلك هي بكتريا القولون، من تلك الأدوية التي تم إنتاجها بهذه التقنية:

أ- الأنسولين المنظم لسكر الدم.

ب- السوماتاستاتين المنظم لأعمال بعض الغدد في الجسم.

جـ- الأنترفيرونات التي تستخدم في علاج السرطان، ومنع الإصابة بالفيروسات.

3 -

المعالجة بالمورثات (الجينات) Gene Therpy:

1 % من الأطفال الذين يولدون يكونون مصابين ببعض الأمراض الوراثية، وذلك يجعلهم مصابين بتشوهات ظاهرية أو داخلية (فيزيولوجية) ، أو يؤدي وضعهم ذلك إلى الموت المبكر.

معظم الأمراض الوراثية سببها جينات متنحية والأغلبية منها ترجع إلى طفرة تعطل جينًا ينتج طبيعيًّا بريوتينًا هامًّا، وهذا ما جعل العلماء يحملون تصورًا لمعالجة تلك الأمراض بالجينات.

ص: 1324

_________

ص: 1325

وبعد تطبيق المعالجة بالجينات على الحيوانات بدأت تخرج من المعمل إلى الحياة، حيث طبقت لأول مرة على الطفلتين (سينثيا) و (أشانتي) حيث ولدت الطفلتان وهما تعانيان من عيب وراثي وهو عدم إنتاج أنزيم (adenosince deaminase) الذي يعمل نقصه على موت خلايا الدم التائيّة المسماة بالخلايا التائية (T-Cells) مما يؤدي إلى التأثير على جهاز المناعة لديهما، وفي سبتمبر 1990 م بدأت رحلة العلاج الجيني بحقن الطفلة (أشانتي) بالخلايا المعالجة وراثيًّا، وكرر حقن مثل هذه الخلايا الحاملة للجين المسؤول عن أنزيم (أدينوزين ديمتاز) عدة مرات، وبذلك تم شفاؤها وحصلت معالجتها، وخضعت الطفلة (سنثيا) لنفس الإجراء في عام 1991 م وأعطت نشر النتيجة، فمنذ ذلك العام وتطبيقات المعالجة بالجينات في تزايد، خاصة في معالجة الأمراض الوراثية.

4 -

الاستفادة من الحيوانات المهندسة وراثيًّا Transgenic animals

امتدت يد الاستنساخ الجيني إلى الحيوانات خاصة الثديية منها بشكل غير طبيعي، مما أدى اليوم إلى ظهور حيوانات تسمى الحيوانات الثديية المحولة (المهندسة) وراثيًّا تسمى Transgenic animals، والطريقة المباشرة لتكوين مثل تلك الحيوانات يكون بحقن عدة نسخ من سلسلة DNA المتبرع في داخل النواة الذكرية للبويضة المخصبة (وتستخدم النواة الذكرية لأنها أكبر من النواة الأنثوية) ، حقن DNA في بعض حالات التجارب يدخل بثبات إلى كروموزومات العائل، ويعبر عن بعض الجينات الموجودة فيه.

ص: 1326

هناك ما يعرف بـinjection chimera وهي عبارة عن تكوين لحيوان ثديي دخل في تكوينه بعض المورثات (سلسلة من DNA) في مرحلة البلاستولا، ويتم ذلك بزراعة خلايا الكتلة الداخلية Inner cells mass والتي يخلق منها الجنين إلى أن يتم الحصول على خط خلوي يعرف باسم الخلايا الجنينية الأصلية Embryonic Stem (تمتاز بقدرتها على إعطاء أي نوع من الخلايا) ، سلسلة DNA المانح (المطلوب نقله) يمكن إدخالها في تلك الخلايا بتقنية الثقب الكهربائي electroporation.

تحقن 8 - 12 من الخلايا السابقة - المحتوية على الجينات المنقولة - في تجويف البلاستولا لفأر طبيعي، حيث تتحد مع كتلة الخلايا الداخلية وتشترك في تكوين الجنين، تغرز بعد ذلك البلاستولا في رحم أنثى مهيأة فسيولوجيًّا وتترك لتنمو الأجنة، الجينات الممنوحة (المنقولة) تمر غالبًا إلى الأجيال، تسمى الأجنة الناتجة بهذه الطريقة Chimeras بسبب احتوائها على خلايا من مصدرين مختلفين.

ومن تطبيقات ذلك ما يلي:

أ- الحصول على أغنام أو أبقار تحتوي على الجين المسؤول عن إنتاج الحليب البشري، وقد أعلنت معامل أسكتلندا (معهد روزلين) عن إنتاج بقرة تسمى Rosie بحيث يحتوي حليبها على البروتين البشري alpha- lactalbumin وهو بروتين يحتوي على كل الأحماض الأمينية التي يحتاجها الطفل الرضيع، ويتداول حاليًا مدى الاستفادة التجارية من مثل هذه الأبقار، وذلك بتجفيف حليبها (البشري) وتعليبه ومن ثم بيعه.

ص: 1327

_________

ص: 1328

ب - وضحت معامل عديدة أن الجين المسؤول عن تكوين بيتا جلوبين البشري Human beta globin gene يمكن إدخاله من خلايا نقي العظام في الفأر بواسطة الفيروسات التراجعية كنواقل retroviral vectors، وعند زراعة تلك الخلايا في الفأر وجد أن التعبير الجيني ممثل تمثيلًا جيدًا، وحديثًا استخدم Verma وزملاؤه الفيروسات التراجعية لإدخال جين مسؤول عن عامل النمو البشري (IX) إلى أرومات ليفية fibroblasts وزرعت الخلايا في طبقة الأدمة للفأر، فأعطت نتائج جيدة من حيث ظهور عامل النمو في الدم.

جـ - هناك محاولات لاستزراع بعض الجينات الخاصة ببعض الأنسجة والأعضاء البشرية ضمن التكوين الجنيني لبعض الحيوانات الثديية خاصة الخنازير والأغنام، ومن ثم استخدامها كقطع غيار في حالة زراعة الأعضاء في الإنسان.

الفوائد والمخاطر

إن فوائد تقنية الاستنساخ الجيني كبيرة جدًّا، وقد حصرنا بعضًا منها فيما تم ذكره في التطبيقات السابقة، وهي تفتح المجال في المستقبل القريب في إنتاج العديد من البروتينات الخاصة في الاستخدام البشري لمعالجة بعض الأمراض، خاصة استخدام الثدييات المهندسة وراثيًّا مثل استخدام الماعز لإنتاج البروتين البشري أنتى ثروبين 3 (Antithrombin 3) وهو بروتين يسيطر على عملية تجلط الدم، وهناك تجارب حاليًا لمعرفة مدى إمكانية استخدامه في جراحات القلب المفتوح.

إن فوائد الحيوانات المنهدسة وراثيًّا توفر لنا معلومات قيمة عن الأمراض وطريقة تطورها، وهي أشبه ما تكون بأنابيب اختبار لبعض الأمراض.

والحقيقة أن التوسع في دائرة العمل الهندسي للنواحي يحمل جوانب إيجابية كبيرة جدًّا إلا أننا لا نستطيع أن نغفل الدور الخطير الذي يمكن أن يبتلى به العالم من جراء عدم وضع ضوابط لهندسة الكائنات والخلايا وتكمن الخطورة فيما يلي:

* إنتاج سلالات جديدة من الكائنات الحية تحمل أمراضًا جديدة نتيجة لنقل جينات غير معروفة أو تكون بيولوجيًّا مدمرة، وهذا النوع من التجارب يقوم على سرية تامة، ولا يعرف إلى الآن ما هي الكائنات التي تعمل أمريكا على إنتاجها كما يقول العالم كوهن أحد علماء الهندسة الوراثية، ويخشى من هذا النوع من النتائج في أن تستخدم في الحروب البيولوجية المدمرة ضد الشعوب، أو أن يحدث خطأ فتنتشر في الكون أحد الكائنات أو الفيروسات ذات التركيب الجيني الخطير.

* تشكيل مخلوقات حيوانية لا يمكن التخلص منها وتبقى سلالات حيوانية جديدة ذات صفات شرهة، كما حدث في إنتاج سلالة من الفئران ذات صفات متوحشة، وذلك من خلال نقل جينات غير معروفة ومحددة.

ص: 1329

_________

ص: 1330

ثانيًا: الاستنساخ الخلوي

يقصد بالاستنساخ الخلوي إفراد خلية واحدة معروفة التركيب والوظيفة والشكل ومحددة تصنيفيًّا تسمى Clone ومن ثم تنسيلها (استنساخها) بحيث لا تعطي إلا النوع نفسه، ويتم ذلك خلال تقنية زراعة الخلايا في الأوساط البيئية المحددة والمعروفة، ويكون التنسيل في هذه الحالة لمواصفات وخصائص معروفة تتبع نفس الخلية المستنسخة.

تطبيقات الاستنساخ الخلوي

1-

معالجة الأجنة قبل ولادتها:

يمكن الآن معرفة التكوين الوراثي للجنين، لأن الجنين أثناء تكوينه يطرد بعض خلاياه إلى السائل الأمينوتي، عند أخذ هذه الخلايا بطريقة تعرف باسم Aminocentesis وزراعتها في بيئة صناعية وفحصها بواسطة الطبيب المختص فإنه يمكن معرفة وجود الكروموزومات الشاذة التي تؤدي إلى تكوين تشوه وراثي للجنين، تستخدم تقنية الاستنساخ الخلوي في معالجة بعض الأمراضر الوراثية مثل الأمراض الخاصة بالجهاز المناعي وكذلك مرض الثلاسيميا، وذلك بطريقة زراعة خلايا الكبد الجنيني، حيث مع تحفظ خلايا من كبد الجنين الطبيعي المجهض، وتغرس عن طريق إبرة في وريد الحبل السري للجنين المشوه، تذهب هذه الخلايا إلى كبد الجنين وتعمل بعد ذلك على تصنيع البروتين المطلوب، ولأن جهاز المناعة في الطور الجنيني غير مكتمل فإن زراعة خلايا من جنين إلى آخر لا ترفض كما في حالة زراعة الأعضاء.

2-

الحصول على الأجسام المضادة من وحيدة النسيلة Monoclonal antibodies:

هناك طرق علمية معملية باستخدام زراعة الخلايا، تمكن العلماء من الحصول على الأجسام المضادة من خلال الاستنساخ الخلوي لخلية واحدة monoclonal ويستفاد من هذه التقنية في زراعة الأعضاء فيما يخص رفض جهاز المناعة للأعضاء المغروسة، وكذلك بعض أمراض الجهاز المناعي في الجسم.

3-

في دراسة التمايز الخلوي والخلايا السرطانية:

إن تحديد وظيفة الخلية سواء الطبيعية أو السرطانية ومعرفة مدى تحولها من نوع لآخر أو التأثير عليها بحيث تترك تمايزها وخصائصها يساعد في تحديد مفهوم التمايز الخلوي الذي هو سر التحول الخلوي الذي يحدث للخلايا السرطانية، وباستخدام تقنية الاستنساخ الخلوي فإن ذلك يفيد في حل كثير من المعضلات العلمية.

ص: 1331

الفوائد والمخاطر

إن هذا النوع من الاستنساخ يتم بطريقة شبيهة لأن تكون طبيعية 100 % لذلك فإن فوائده جمة وكبيرة، خاصة أنه يخدم الإنسان تطبيقيًّا في معالجة الأجنة قبل ولادتها، وكذلك الحصول على الأجسام المضادة الضروريَّة جدًّا للجهاز المناعي، ولا يتوقع أن تكون هناك مخاطر لهذا النوع من الاستنساخ.

ثالثًا: استنساخ الأجنة

إن تنسيل جنين كامل من الأمور المعقدة جدًّا، وذلك لأن الأمر مرتبط بغموض التكوين، حيث إنه إلى الآن لم يعرف السبب الحقيقي في قضية تمايز الخلايا، وكيف أن بعضها يتحول ويتخصص ليعطي خلايا عظم، بينما خلايا أخرى مجاورة تعطي خلايا كبد، وأخرى خلايا عصبية وهكذا، والتعقيد الأكبر أن بعض هذه الخلايا إذا تخصصت لا تتراجع أبدًا عن تخصصها، ولا يمكن إعادة تأهيلها إلى تخصصات أخرى ما عدا في حالات قليلة، من هنا يجيء القول بأن استنساخ الأجنة محل استغراب الجميع ولكن مع هذا أود أن يفرق القارئ الكريم بين أنواع استنساخ الأجنة التي هي على النحو التالي:

الاستنساخ بطريقة فصل الخلايا

الطريقة الأولى في الحصول على أجنة مستنسخة هي فصل الخلايا بعد الانقسام الأول أو الثاني للبويضة المخصبة (حيث يتم إخصاب البويضة بالحيوان المنوي) وهذا النوع من الاستنساخ يؤدي إلى تكوين نسخ متطابقة تمامًا، كما هي الحال في حالة التوائم.

وأول تجارب تحققت في هذا المجال هي ما قام به العالم سبيمان قبل نصف قرن تقريبًا، وحصل على جائزة نوبل نظير أعماله التجريبية في البرمائيات، ثم تدرج تطبيق هذه التقنية على الثدييات حيث تمكن العالم Willndson في كمبردج من تطبيق ذلك على الأغنام عام 1985م، وحديثًا عام 1993م تم تطبيق هذه التقنية على الإنسان بعد أن استطاع العلماء أن يمارسوا تطبيقات التلقيح الاصطناعي (طفل الأنبوب) بكل ثقة، وأجنة هذا النوع من الاستنساخ تكون متطابقة 100 % لأن المادة الوراثية مصدرها واحد وهو البويضة المخصبة، وأصبح استنساخ الأجنة بطريقة فصل الخلايا طريقة في متناول اليد لكثير من المراكز الطبية.

ص: 1332

الاستنساخ بطريقة تنشيط البويضة

هذا النوع من الاستنساخ هو في حقيقته ليس إلا تطبيقًا لفكرة التكاثر العذري parthenogenesis الموجودة في الطبيعة كما هو موجود في بعض الحشرات (دودة القز والنحل) وقد تم تطبيقه معمليًّا، وعرف بالتكاثر العذري الاصطناعي Artificial Parthenogenesis كما في بعض الحيوانات اللافقارية، وكذلك البرمائيات وبعض أنواع الثدييات، ويستخدم لحث البويضة غير الملقحة عدة وسائل منها المواد الكيميائية والصدمات الحرارية والكهربائية المفاجئة، وفي مثل هذه التجارب يحاول العلماء في كثير من الأحيان محاكاة دور الفعل المنشط للحيوان المنوي، وقد وضع العلماء ثلاثة تفسيرات لتجارب البويضة وانقسامها:

1-

وجود مغزل الجسم القطبي.

2-

إطلاق أيونات الكالسيوم في داخل البويضة.

3-

دخول مادة بروتينية إلى داخل البويضة.

على أية حال يبقى هذا النوع من الاستنساخ في بداياته الأولى، حيث إن نتائجه تكوين أجنة مشوهة، وهي بطبعها تكون أحادية المجموعة الكروموزومية، وهناك محاولات جادة من العلماء في تطبيق ذلك على الإنسان لينتج لنا بعد ذلك أطفال هم في حقيقتهم أطفال العذارى.

ص: 1333

الاستنساخ بطريقة زراعة النواة

هذا النوع من الاستنساخ يختلف عن النوعين السابقين تمامًا، حيث إنه يجمع بين الصفتين الموجودتين فيهما، فالنُّسخ متطابقة 100 % كالنوع الأول (طريقة فصل الخلايا) وهو يحدث بدون حاجة للحيوان المنوي كالنوع الثاني (طريقة تنشيط البويضة) .

تعتمد التقنية في هذا النوع على قتل نواة البويضة غير الملقحة بالأشعة وزراعة نواة خلية جسدية مكانها (نواة الخلية الجسدية تحتوي على العدد الزوجي للكروموزومات، بينما نواة البويضة تحتوي على العدد الفردي) وبعد حثها - كهربائيًّا - على الانقسام يتم إعادتها إلى أم مستقبلة فتنمو وتؤدي إلى تكوين جنين.

أول تجربة في مجال نقل النواة واستزراعها كانت على البرمائيات (الضفدعة) عام 1952 م، حيث زرعت نواة خلية في مرحلة البلاستولا في بويضة منزوعة النواة وتم استنساخ أجنة عديدة، ثم في عام 1962 تمكن العالم جورج كيردن من استنساخ ضفادع من أنوية الأمعاء للطور البالغ، وجرى تطبيق فكرة الاستنساخ على أجنة الفئران، وتم أخيرًا استنساخ نعجة (1997 م) على يد العالمين الأسكتلنديين (أيان ولمت) و (كيث كامبل) في معهد (روزلين) في أسكتلندة، ونشرت تفاصيل التجربة في المجلة العلمية Nature وكذلك في العديد من المجلات الأخرى مثل Newsweek.

ص: 1334

طريقة استنساخ دولي

1 -

الحصول على البويضة وسحب نواتها.

2 -

الحصول على نواة خلية جسدية (خلية من الضرع) مع ملاحظة أن كل الخلايا الجسدية تحتوي على العدد الزوجي للكروموزومات وأنها تحتوي على جميع الجينات، لكن لا يكون منها نشيطًا إلا ما له علاقة بالخلية نفسها.

3 -

معاملة الخلية الجسدية السابقة (خلية الضرع من نعجة عمرها 6 سنوات) بوضعها في وعاء به مواد غذائية خاصة، وتم التدرج بتغذيتها بتحديد المواد الغذائية مقارنة بالاحتياج الأساسي للخلية الجسدية، وفي ذلك محاولة من الباحث إعادة النواة لحالة السكون لتهيئة تنشيطها مرة أخرى بوضعها في بويضة.

4 -

تم نقل النواة من الخلية الجسدية إلى البويضة مسحوبة النواة، وترك المجال للجزيئات المنشطة والحاثة في سيتوبلازم البويضة تؤدي دورها في تنشيط الجينات لتعمل وكأنها بويضة مخصبة.

5 -

بعد نجاح عملية حث الجينات بدأت البويضة بالانقسام والتلقيح، بعد 4- 5 انقسامات خلوية تم نقلها إلى أم مستقبلة، وتركت لتنمو إلى أن تم ولادتها.

6 -

جاءت النتيجة الإيجابية بتكوين دولي بعد حوالي 277 محاولة.

إن السؤال الكبير علميًّا هنا هو: كيف استطاعت خلية متخصصة (جسدية) أن تعطي جميع أنواع الخلايا وذلك بتكوين جنين كامل؟ هذا السؤال لا يزال يكتنفه شيء من الغموض لدى جميع العلماء، لكن السر بلا شك يكمن في شيئين:

أ- وضع الطور (المرحلة) التي كانت تعيشها نواة الخلية المنقولة (دورة الخلية) .

ب- دور مكونات ومركبات البويضة (السيتوبلازم) .

ص: 1335

التفسير العلمي

إن تجارب إنتاج أجنة ثدييات كاملة وحية بطريقة زراعة النواة كانت تبوء بالفشل أو تعاني من تشوهات خلقية أو تكون ميتة، ولا يعرف إلى الآن على وجه الدقة ما هو سبب نجاح نواة جسدية واحدة من الضرع من بين 277 نواة، وكيف تمكنت تلك النواة من إدارة عملية تكوين جنين كامل هي (دولي) .

إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في مهارة الدكتور ويلمت بأن وافق بين حالة النواة الجسدية وحالة سيتوبلازم البويضة منزوعة النواة.

إن أي نواة جسدية تملك كل الجينات الخاصة بإدارة العملية الجنينية، لكنها في حالة مثبَّطة (يمكن مراجعة كتابي المدخل أو الهندسة الوراثية لمعرفة ذلك) وتشغيل تلك الجينات المثبطة له ارتباط وثيق بالنواحي الجزيئية التي تكوّن سيتوبلازم البويضة وهذا سبب، أما السبب الآخر فهو دور حياة الخلية cell cycle ومعروف أن الخلية تمر قبل الانقسام الميتوزي بثلاث مراحل تعرف (G2،S،G1) وخلال مرحلة S يتم مضاعفة الـ DNA بحيث يصبح في كل خلية من الخليتين المنقسمتين نفس الكمية من الـ DNA.

وعملية التوافق بين حالة البويضة والخلية الجسدية يعتبر من أصعب الحالات لطبيعة التركيبات الجزيئية والبروتينية، وقد فشل العلماء في تحقيق النجاح في ذلك مما جعل العالم (ويلمت) يضطر إلى استخدام خلية ساكنة QUIESCENT بعد أن تكون انتهت لتوها من مرحلة الانقسام وتوقف نشاطها، وقد حصل ويلموت على تلك الخلية من خلال نقص التغذية تدريجًا لخلايا الضرع المزروعة، حيث حصل على خلية ضرع في بداية مرحلة دورة الخلية، وهي تحوي على المطلوب من الـ DNA ويساعد استزراع النواة في حالة السكون التوافق بين حاثات السيتوبلازم (بروتينات البويضة) وبين تنشيط جيناتها بحيث يحقق عملية النمو بشكل طبيعي.

استنساخ البشر

على ضوء التجارب الناجحة في استنساخ أجنة الحيوان فإنه بات من الواضح تمامًا بأن استنساخ البشر أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأن المسألة مسألة زمن ووقت فقط.

هل المستنسخ أو المستنسل (بفتح السين) من البشر سيحمل سمات التطابق مع المستنسخ منه أم لا؟ هذا سؤال مهم يحتاج إلى إجابة.

إن العلماء يؤكدون بأن التطابق الوراثي للمستنسخ والمستنسخ منه يكون 100 % فيما يخص التركيب الحيوي من أنسجة وأعضاء وأجهزة، وهو يشبه إلى حد بعيد التطابق الذي يحدث في التوائم المتشابهة، أما ما يخص التطابق الشخصي والأخلاقي والميول والرغبات والتطابق النفسي فإن ذلك كله لا يمكن تأكيده أو نفيه، حيث إن ذلك يقتضي الإثبات ويفتقر إلى الدليل، وذلك ما لم يتم علمه إلى الآن، لكن لا يمكن تجاهل دور البيئة والمجتمع والتنشئة ورصيد التجارب في صقل الشخصية البشرية.

ص: 1336

الفوائد والمخاطر

إن استنساخ الأجنة مجال تطبيقي وسيأخذ انتشارًا في مستقبل الأيام، خاصة النوع الأول (بفصل الخلايا) سواء في الحيوان أو الإنسان، وهو بهذا يكون مفيدًا للإنسانية أما النوع الثاني (تنشيط البويضة) فهو محصور في مجال الأجنة التجريبي ونتائجه إلى الآن سلبية، ولا يحمل في طياته أي منافع بشرية بل هو من أشد الأنواع تغييرًا لخلق الله، وهو مجال تضييع للوقت وتأكيد لانحرافات شيطانية كما قال الله تعالى حكاية عن إبليس:

{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} أما النوع الثالث وهو (زراعة النواة) فيحمل جوانب إيجابية وجيدة تكمن فوائده فيما يلي:

* إيجاد سلالات من الحيوانات ذات صفات مطلوبة أو المحافظة على أنواع قد تتعرض للانقراض.

* في علاج العقم من خلال نقل نصف عدد الكروموزومات من خلية جسدية للرجل إلى نواة البويضة التي تحتوي على نصف العدد من الكروموزومات، وهذا النوع من التجارب يحتاج إلى تقنية عالية في نقل الكروموزومات.

* يمكن استخدامه في زراعة الأعضاء كأن يتم استزراع بعض الجينات الخاصة بالأعضاء في أغنام أثناء تكوينها الجنيني، فتتكون حيوانات حاملة لأعضاء يمكن نقلها إلى الإنسان، وهذا يحتاج إلى معرفة جينات الأعضاء المستزرعة ولا يزال مثل هذا المشروع في بداءاته الأولية.

أما مخاطر استنساخ الأجنة بطريقة زرع النواة فكثيرة جدًّا منها:

* استحداث طريقة شاذة في تنسيل البشر، وذلك خروج سافر على ناموس الله في الكون، ولمثل هذا العمل دور سلبي اجتماعيًّا وتربويًّا على الأطفال المستنسخين.

* الزيادة في استئجار الأرحام وترويج فتنة بيع البويضات.

* تعريض الأجنة المستنسخة للبيع والتشويه، واعتبار الإنسان المستنسخ مستودع لقطع الغيار البشري.

* في حالة استنساخ أشخاص يعانون من بعض الأمراض، فإنه قد يستنسخ مع الأجنة تلك الأمراض وذلك يحمل خطرًا كبير أو أذى مريرًا على البشرية.

* في استنساخ أجنة بشرية متطابقة ذهاب للهوية الفردية وتضييع لمعالم الإنسان النفسية والشخصية.

الدكتور صالح عبد العزيز الكريم

ص: 1337

مراجع الصور

الصفحة المراجع

226، 241 Villeetal

235 Verna

238 Gasserand Fraley

243 Science

249 Waddington

232 العلوم

235 مجلة اليمامة

244 روعة الخلق

المراجع العربية

- أبو خطوة، أحمد نبيل، موسوعة أبو خطوة 1992 م، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة.

- طيفور، ماجد، روعة الخلق 1991 م، الناشر: الدار العربية للعلوم.

- كريم، صالح عبد العزيز، المدخل إلى علم الأجنة الوصفي والتجريبي 1411 هـ، دار المجتمع، جدة.

- كريم، صالح عبد العزيز، الهندسة الوراثية وتكوين الأجنة 1415 هـ، دار المجتمع، جدة.

- كريم، صالح عبد العزيز، مقدمة في زراعة الخلايا والأنسجة، تحت الطبع.

المجلات والجرائد:

- العلوم، المجلد 9، العددان 3 و 4 (مارس- إبريل 1993م) .

- اليمامة، العدد 1291 في 8/15/ 1414 هـ

ص: 1338

المراجع الأجنبية

- Chakrabarty، A. (1985) . Gentic Engineering Fith. ed. CrC. press.

- Gasser، C. and Fraley، R. (1992) . Transgenic Crops. Scientific American، june.

- Larsen، W. (1993) . Human Euman Embryology. Churchill.

Livingstone. Newyork.

- Lewin، B. (1990) Genes IV. Oxford Cell press.

- Verna، I. (1990) . Gene Therpy، Scientific American. November.

68-

84.

- Waddington، C (1956) . principles Of embryology. the Macmillan Company، newyork.

المجلات والجرائد:

- Newsweek، March 10، 19967.

- Nature، Feb 27، 1997.

- Science، November، 1985.

ص: 1339

توصيات

الندوة الفقهية الطبية التاسعة

رؤية إسلامية لبعض المشاكل الطبية

الدار البيضاء: 8- 11صفر 1418هـ

14-

17 يونيو 1997م

الاستنساخ البشري

أ- مقدمة:

سبق للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن عقدت ندوة عام 1983 م

عن (الإنجاب في ضوء الإسلام) عرضت فيها ورقتان لاحتمالات إنجاز الاستنساخ البشري بعد أن نجح الاستنساخ في النبات وفي الضفادع والبحريات الصغيرة. وكانت التوصية التي اتخذت في هذا الصدد تنص على الآتي: (عدم التسرع في إبداء الحكم الشرعي في قضايا الاستنساخ بالنسبة للإنسان (على نحو ما أدت إليه التجارب في مجال الحيوان) مع الدعوة إلى مواصلة دراسة هذه القضايا طبياً وشرعياً مع جواز تطبيق تكنولوجيا التكاثر على مستوى الكائنات الدقيقة باستخدام خصائص الحامض النووي المعاود للالتحام لإنتاج مواد علاجية وفيرة) .

والآن عاد الموضوع يطرح نفسه بشكل حاد وعاجل، منذ تم استنساخ

جنين الإنسان بطريق الاستتآم عام 1993 م، ثم في الأشهر الأخيرة حين أعلن عن استنساخ النعجة التي سميت (دولي) في اسكتلندا في فبراير 1997 م بعد تكتم عن الأمر قرابة ثمانية أشهر، وتلا ذلك الإعلان عن استنساخ قردين بطريقة أخرى في جامعة أوريجون. ولما كانت التقانة التي استعملها العلماء للوصول لهذا الإنجاز يفترض أنها وافية بإجراء نفس التجربة على الإنسان، فقد اكتسب الموضوع منحىً عاجلاً أثار ردود فعل قوية.

ورغم أنه لم يعلن عن ممارسته على الإنسان بعد، إلا أن الحاجة إلى استباقه بالتعرف على آثاره المتوقعة ووضع ضوابطه الشرعية والقانونية والأخلاقية، حدت بكثير من الدول الغربية إلى منع التجارب البشرية أو تجميدها سنوات حتى تتم الدراسات المطلوبة.

* لذلك رأت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن تبادر ببحث الموضوع في هذه الندوة.

ب - تعريف الاستنساخ Cloning:

الاستنساخ هو تكوين مخلوقين أو أكثر كل منهما نسخة إرثية من الآخر، وهو نوعان:

الأول: الاستتآم أو شق البييضة، ويبدأ ببييضة مخضبة (بييضة دخلها منوي) ، تنقسم إلى خليتين فتحفز كل منهما إلى البدء من جديد وكأنها الخلية الأم، وتصير كل منهما جنيناً مستقلاً وإن كانا متماثلين لصدورهما عن بييضة واحدة.

الثاني: الاستنساخ العادي الذي لا يعتمد على الخلايا الجنسية وإنما يكون بوضع نواة خلية جسدية داخل غلاف بييضة منزوعة النواة. وتتكاثر الخلية الناتجة إلى برنين هو نسخة إرثية تكاد تكون طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية.

ص: 1340

ج - المناقشات:

ناقشت الندوة الجوانب الطبية لهذا الموضوع مناقشة مستفيضة استجلت من خلالها المرتكزات الرئيسة التي يقوم عليها الاستنساخ من حيث الآتي:

1-

استنساخ الجنين البشري عام 1993 م عن طريق (الاستتآم) وهو خفر البييضة المخضبة إلى سلوك النهج الذي تتبعه طبيعياً لتكوين التوائم المتماثلة؟ بحيث تتصرف كل من الخليتين الناجمتين عن أول انقسام للبييضة وكأنها بييضة جديدة من البداية، تأخذ في سلسلة التكاثر بالانقسام في اتجاه تكوين جنين مستقل، فإن أودع الجنينان الرحم، وضعت السيدة توأمين متطابقين لأنهما نتاج بييضة واحدة. ولم يستكمل البحث نظراً لتورع العالقين المبتكرين عن زرعهما في الرحم، بل إنهما اختارا خلية معيبة لا تنهض أن تنقسم لتنمو إلا لدور مبكر، وذلك لأن التجارب على الجنين البشري أمر حساس وخطير. ولا بد من مرور وقت حتى توضع له الضوابط الأخلاقية والقانونية.

وترى الندوة أن الطريقة من حيث مبدأ التلقيح سليمة، لكن تقويمها

من ناحية النفع والضرر لا يزال في حوزة المستقبل. ومن منافعها القريبة المنال إمكان تطبيق الوسائل التشخيصية على أحد الجنينين أو خلايا منه، فإن بانت سلامته سمح أن يودع الحمل الرحم، وكذلك التغلب على بعض مشاكل العقم، وينطبق عليها كل الضوابط المتعلقة بطفل الأنابيب.

أما التقنية التي أفضت إلى إنتاج النعجة (دولي) بإيداع نواة خلية جسدية داخل بييضة منزوعة النواة لتشرع في الانقسام متجهة لتكوين جنين، فقد أولتها الندوة بحثاً مستفيضاً، وتوسمت بعض النتائج التي تنجم عن تكوين جنين (ثم وليد) جديد يكون نسخة إرثية (جينية) طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية، فلا يمنع من تمام التماثل إلا وجود عدد ضئيل من الجينات في سيتوبلازم البييضة المستقبلة.

2 -

ظهر أن تلك القضية تكتنفها محاذير فادحة إن دخلت حيز التطبيق، من أبرزها العدوان على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه من بين طائفة من أشباهه (نسخه) ، وكذلك خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر، والعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني وكما اعتمدتها الشريعة وسائر الأديان أساساً للعلائق بين الأفراد والعائلات والمجتمع كله، بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات والزواج والمواريث والقانون المدني والجنائي وغيرها، وسيقت في هذا الباب فرضيات واحتمالات كثيرة.

وقد استبعدت الندوة من البداية بحث كل ما يقحم على عقد الزواج الشرعي القائم طرفاً غريباً عنه فإنه حرام بلا ريب.

وقد تطرق بعض السادة الفقهاء بالبحث إلى طائفة من الأحكام العقائدية والأخلاقية والعملية، تكليفية أو وضعية التي تتصل بموضوع الاستنساخ.

ص: 1341

3 -

وقد أخذ في الاعتبار أن الدول الغربية، ومنها التي تجري فيها أبحاث الاستنساخ، قد كان رد الفعل فيها قوياً على الحذر الشديد، فمنها من منعت أبحاث الاستنساخ البشري، ومنها من حرقتها من معونة ميزانية الدولة، ومنها من جمدتها سنوات حتى تبحثها اللجان المختصة ثم ينظر في أمرها من جديد.

لهذا فإن الندوة تخشى أن يسعى رأس المال الخاص وشركات الأدوية إلى تخالي هذا الحظر بتهيئة الأموال واستمرار الأبحاث في دول العالم الثالث واستغلالها حقلاً للتجارب البشرية كما كان ديدنها في كثير من السوابق.

4 -

أكدت الندوة أن الإسلام لا يضع حجراً ولا قيداً على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه وهو من تكاليف الشريعة. ولكن الإسلام يقضي كذلك بألا يترك الباب مفتوحاً بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة، بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام. فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون خالياً من الضرر وغير مخالف للشرع.

ولما كانت بعض المضار لا تظهر قبل مرور وقت طويل، فلابد من

عدم التسرع قبل التثبت والتأكد قدر الاستطاعة.

5 -

وتأسيساً على هذه الاعتبارات التي أجمع عليها الحاضرون، رأى البعض تحريم الاستنساخ البشري جملة وتفصيلاً. بينما رأى آخرون إبقاء فرصةٍ لاستثناءات حاضرة أو مقبلة، إن ثبتت لها فائدة واتسعت لها حدود الشريعة على أن تبحث كل حالة على حدة.

6 -

وفي كافة الأحوال فإن دخول الاستنساخ البشري إلى حيز التطبيق

سابق لأوانه بزمن طويل. لأن تقدير المصالح والمضار الآنية قد يختلف عليه على المدى البعيد والزمن الطويل. وإن من التجاوز في الوقت الحاضر أن نقول إن تطبيقات الهندسة الوراثية في مجال النبات قد أثبتت سلامتها على الإنسان، رغم مامر من سنوات. في حين لم تكد تدخل التطبيقات الحيوانية من العتبة بعد. ولعل المجهول هو أكبر الهموم في هذا الباب. ولا ينبغي أن تنسى الإنسانية درسها الكبير بالأمس القريب في مجال انشطار الذرة، إذ ظهر له بعد حين من الأضرار الجسيمة ما لم يكن معلوماً ولا متوقعاً، ولابد أن يستمر رصد نتائج التجارب النباتية والحيوانية لزمن طويل.

7 -

حتى لا يعيش عالمنا الإسلامي عالة وتبعاً للعالم الغربي في ملاحقته لهذه العلوم الحياتية الحديثة؛ أكدت الندوة على أن تكون لدينا المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بذلك وفق الضوابط الشرعية.

8 -

لم تر الندوة حرجاً في الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالي النبات والحيوان في حدود الضوابط المعتبرة.

ص: 1342

د - التوصيات:

توصي الندوة بما يلي:

أولاً: تجريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحماً أم بييضة أم حيواناً أم خلية جسدية للاستنساخ. ثانياً: منع الاستنساخ البشري العادي، فإن ظهرت مستقبلاً حالات استثنائية عرضت لبيان حكمها الشرعي من جهة الجواز أو المنع.

ثالثاً: مناشدة الدول شن التشريعات القانونية اللازمة لغلق الأبواب المباشرة، وغير المباشرة، أمام الجهات الأجنبية، والمؤسسات البحثية والخبراء الأجانب؛ للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإسلامية ميداناً لتجارب الاستنساخ البشري والترويج لها.

رابعاً: متابعة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وغيرها لموضوع الاستنساخ ومستجداته العلمية، وضبط مصطلحاته، وعقد الندوات واللقاءات اللازمة لبيان الأحكام الشرعية المتعلقة به.

خامساً: الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة في مجال الأخلاقيات الحياتية لاعتماد بروتوكولات الأبحاث في الدول الإسلامية، وإعداد وثيقة عن حقوق الجنين.

ص: 1343

الاستنساخ

العرض- التعقيب- المناقشة

العرض

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بين يدينا موضوع الاستنساخ، والمقرر هو الطبيب الأستاذ أحمد رجائي الجندي وهو صاحب البحث الأول فليتفضل.

الدكتور أحمد رجائي الجندي:

بسم الله الرحمن الرحيم

شكرًا سيادة الرئيس.

اسمحوا لي أن أتقدم لمعاليكم ولسماحة الأخ الفاضل الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، الأمين العام للمجمع ونيابة عن رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الدكتور عبد الرحمن العوضي ومجلس أمناء المنظمة وأمانتها؛ على هذا التعاون الوثيق بين مؤسستينا، والتي كان من أثرها إصدار العديد من القرارات المجمعية للعديد من المحدثات الطبية التي كانت علامة مضيئة على الطريق للأطباء والفقهاء، مما أكسب هذا التعاون الاحترام والتقدير من جميع الجهات العالمية والعلمية، ولعل آخر مظاهر هذا التعاون - ولن يكون الأخير إن شاء الله- الاجتماع الذي عقد بالدار البيضاء في الفترة ما بين 14- 17 يونيو، وناقشت الندوة من بين ما ناقشت المفطرات والاستنساخ، وأصدرت التوصيات التي بين أيدي حضراتكم والتي أرجو أن تكون تحت نظركم عند إصدار قراراتكم.

هذه كلمة ضرورية حملني إياها سعادة الأخ الدكتور عبد الرحمن العوضي ومجلس أمناء المنظمة متمنين لكم التوفيق والسداد.

وأعود إلى موضوع الاستنساخ، وفي البداية أحب أن أوضح نقطة هامة، وهي أن الاستنساخ يختلف تمامًا عن الهندسة الوراثية، ولذلك أرجو ألا يكون هناك خلط بين الموضوعين.

نوقش هذا الموضوع في الندوة الفقهية الطبية التاسعة، وقد شارك في إعداد الأبحاث الطبية الزملاء: الدكتور حسان حتحوت، د. عمر الألفي، د. صديقة العوضي، د. محمد ياشيع، ومحدثكم د. أحمد رجائي الجندي، ومن حسن الحظ أنهم جميعًا اتفقوا على الجوانب الطبية العملية لهذا الموضوع وهذه نقطة هامة حتى لا تضيع منا المسائل، وناقشت الندوة أيضًا الانعكاسات المختلفة للاستنساخ، فتحدث الدكتور حسن الشاذلي عن الإنسان وذاتيته وكرامته في الإسلام، وانعكاس الاستنساخ على الجوانب الاجتماعية والنفسية والقانونية، كما كتب في الجانب الفقهي للاستنساخ السادة الأفاضل: فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، فضيلة الشيخ الدكتور نصر فريد واصل، الدكتور حسن الشاذلي، الدكتور محمد الأشقر، وكان من المفروض أن يشارك معنا سماحة الشيخ محمد التسخيري الذي أناب عنه الشيخ حسن الجواهري ولكنه لم يتمكن من الحضور، ونوقشت جميع هذه الجوانب على مدى يومين.

ص: 1344

وسأقصر حديثي على الجانب الطبي، فكما سبق وذكرت في بداية حديثي. . فإن جميع من تحدثوا في هذا الجانب لم يختلف أي منهم عن الآخر في هذه التقنية، حيث الجانب النظري للموضوع بسيط جدًّا من الناحية النظرية ولكنه معقد كثيرًا من الناحية العملية، فنقل نواة خلية متخصصة- أي تحتوي على 46 كروموزومًا - مكان نواة بييضة- أي تحتوي على 23 كروموزومًا - إلا أن تطبيق ذلك عمليًّا أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى تقنيات متقدمة ومعلومات كثيرة.

وفي البداية أتحدث عن أنواع التكاثر، فهناك التكاثر اللاتزاوجي، أي تكاثر لا جنسي، وهو موجود في الكائنات ذات الخلية الواحدة مثل الأميبا والبكتريا، حيث تنقسم النواة إلى العديد من الخلايا وينتج عن ذلك الملايين في وقت بسيط، وهناك التكاثر التزاوجي، وهو الجنسي الذي لا بد وأن يكون بين الحيوانات الثديية، أي أن يكون هناك ذكر وأنثى، ويتم ذلك عن طريق تلقيح حيوان منوي من الذكر لبييضة من الأنثى، وبعد تلقيح نواة الخلية تبدأ الخلية بالانقسام إلى اثنين ثم إلى أربعة، وهكذا، وهذه هي الحياة الباكرة للإنسان الكامل حيث تبدأ عملية تخصص الخلايا لإنتاج الأنسجة والأعضاء المختلفة التي يتكون منها الإنسان.

ماهو الاستنساخ؟

في الحقيقة أن في سورة يس الآية 36 {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} أنبه فقط إلى هذه الآية إلى أنها ملفتة للنظر {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} يجب أن نتوقف نحن أمام هذا الموضوع.

نأتي بعد ذلك إلى شيء بسيط جدًّا حتى نعرف ماذا يتم في هذا الموضوع؛ الخلية، الحيوان المنوي يحتوي على 23 كروموزومًا، الحيوان المنوي يحتوي على جدار الخلية والنواة، وأيضًا البييضة الناضجة كل منهم يحتوي على نواة، وكل نواة تحتوي على 23 كروموزومًا، وهي الحقيبة الوراثية.

هذا هو الحيوان المنوي بتبسيط شديد، ويمكن الأخ صالح سوف يعرض لنا صورًا أكثر إيضاحًا، وهذه هي البييضة الناضجة، وكل منهما يحتوي على جدار للخلية، داخل هذه الخلية يوجد السيتوبلازم لتغذية النواة ثم تغذية الخلية، ثم توجد النواة وحولها الغشاء النووي، ونفس الشيء بالنسبة للبييضة الناضجة، بينما الخلية الجسدية تحتوي على نفس هذا التكوين بمعنى جدار خلوي ثم سيتوبلازم ثم النواة، لكن الفرق أن الحيوان المنوي يحتوي على 23 كروموزومًا والبييضة أيضًا تحتوي على 23 كروموزومًا وهو نصف الحقيبة الوراثية من الأب ونصف الحقيبة الوراثية من الأم، بينما الخلية الجسدية، أي خلية في جسم الإنسان ما عدا الخليتين سابقتا الذكر، تحتوي على 46 كروموزومًا، أي نتجت نتيجة هذا التلاحم.

ص: 1345

ماذا يحدث عند التكاثر؟

هذا هو الحيوان المنوي يحتوي على 23 كروموزومًا، وهذه هي البييضة تحتوي على 23 كروموزومًا، فيتحدا مع بعضهما ليكونا المرحلة الأولى، ثم يكونا البييضة التي نتجت عن التلقيح، هذه الخلية أصبحت تحتوي على نواة تحتوي على 46 كروموزومًا، تبدأ بعد ذلك في الانقسام إلى 2 ثم إلى 4 وهكذا، وهي الحياة الباكرة للجنين فيما بعد.

هنا نأتي إلى عملية الاستنساخ، هذه هي البييضة (23 كروموزومًا) وهذه هي الخلية الجسدية تحتوي على 46 كروموزومًا، الفكرة بدأت طالما أن هذه تحتوي على 46 كروموزومًا، هل يمكن أن نقوم بعملية تنشيط للنواة الموجودة وهي تحمل الحقيبة الوراثية الكاملة للإنسان، هل ننشطها وأن تنقسم؟ هذا هو السؤال الذي كان موجودًا، ربنا- سبحانه وتعالى عندما يتم 32 خلية في المراحل الأولى يبدأ عملية تخصيص الخلايا، جزء من الخلايا يذهب ليكون الكبد، وجزء يذهب ليكون الجلد، وجزء يذهب ليكون القلب، وهكذا، وحتى الآن لا يعرف أحد ما هو السر في هذا التخصص وكيف يتم؟ حتى الآن لا أحد يعرف ذلك، ثم الذي يحدث بعد ذلك أن هذه الخلايا المتخصصة تقوم بوظيفة واحدة فقط وتغلق بقية الوظائف، ولا نعرف أيضًا كيف تغلق ولماذا تغلق، فمثلًا خلايا الجلد تعطي خلايا جلدية فقط ولا تنتج أي شيء آخر مهما زرعناها ومهما حاولنا، الخلايا الكبدية تعطي أيضًا خلايا كبدية مماثلة للموجود ولا تعطي أي وظيفة أخرى، فكانت الفكرة هل نستطيع أن ننشط هذه النواة وأن نحولها إلى الانقسام لنعود مرة ثانية ، مثل الكمبيوتر عندما يوجد به العديد من الملفات لكنه مغلق على ملف واحد إذا صاحب هذا الكمبيوتر لم يضع يده على جميع المفاتيح لن يفتح نهائيًّا، هذه هي كانت المحاولات، ومحاولة فك الرموز بحيث أنها تنقسم وتتحول إلى خلية نشطة تعطي الإنسان الكامل.

(وول موت) عندما بدأ يعمل قام بـ 277 محاولة، المحاولات الأولى الغرض منها تنشيط الخلية الجسدية نفسها ، وهذا التنشيط يحاول أن يرغم النواة بالطرق المختلفة أن تنقسم لتتحول إلى خلية كأنها خلية جنسية وإلى ما شابه ذلك، لكنه فشل وبدأ ينقل عمله وينقل هذه النواة إلى هذه الخلية والتي هي البييضة، البييضة تحتوي على النواة، وضع هذه النواة، وفرغ الخلية من النواة ، وأصبحت هذه الخلية خالية النواة والتى هي البييضة، وأخذ نواة الخلية الجسدية من هذه النواة مرة ثانية وأصبحت البييضة + نواة الخلية الجسدية، إذن هنا حدث تزاوج، ووجد أنه بعد ذلك انقسمت وبعد عملية الانقسام بدأت تعطي المراحل الأولى، كأن هناك تلقيحًا جنسيًّا تم في هذه العملية، وبدأت تنقسم إلى أن تكوّن الحياة الباكرة للجنين، هذا النوع هو النوع الأول أو ما نطلق عليه الاستنساخ التقليدي وهو نقل نواة من خلية جسدية إلى بييضة منزوعة الخلية وإرغام الجسم الجديد على الانقسام لكي يتحول إلى خلايا منقسمة ويتحول إلى الحياة الأولى للجنين الكامل ثم يوضع في الرحم.

ص: 1346

أما قصة (دولي) وهي أن بعض الشركات ومعهد روزالين في أيرلندا وهو معهد مشهور جدًّا بالإنتاج الحيواني، أنتج العديد من الحيوانات بالهندسة الوراثية، الهدف في هذا الموضوع أنهم أنتجوا أم دولي والتي اسمها روز مهجنة أو محسنة من ناحية الجينات لكي تنتج لبنا يشابه لبن الأم تمامًا. . كانت هذه القصة في بدايتها، وعملوا (277) محاولة على الأم بحيث إنه يمكن إنتاج هذه العملية، الشركة التي أنتجت هذا الموضوع اسمها PPL هي التي مولت هذا الموضوع على أنها في سنة 2010 تكون بعض المستحضرات الصيدلانية موجودة داخل الأسواق العالمية لتسويقها عن طريق هذه الحيوانات المعدلة بالهندسة الوراثية وتنتج عن طريق الإقطاع في هذا الموضوع ، وهم منتظرين موافقة الصحة العالمية وموافقة الجهات المختلفة التي هي الأغذية والصحة الأمريكية، هذه هي القصة التي كانت وراء إنتاج النعجة دولي، وبسبب هذا الموضوع بدأت تثور هذه المشاكل.

هناك نوع آخر من الاستنساخ والذي هو الاستنساخ الجنيني، بعدما أذيع مباشرة موضوع إنتاج دُولّي بالهندسة الوراثية في هذا الاستنساخ العادي أذيع بعدها بأسبوعين أو بحوالي شهر إنتاج قردين أعلنت عنهم جامعة أوريجون وهما توأمان تمام التماثل، لكن إنتاجهما كان مختلفًا تمامًا عن إنتاج دولي، في إنتاج دولي تم أخذ نواة خلية جسدية متخصصة إلى بييضة منزوعة الخلية، لكن في القردين العملية بدأت عادة بحيوان منوي عادي مع بييضة وتم التلقيح بشكل عادي، وهذه تحتوي على 23 كروموزومًا، وهذه تحتوي على 23 كروموزومًا، أنتج بعد ذلك الزيجون الذي يحتوي على 46 كروموزومًا وبدأت تنقسم العملية، عندما انقسمت إلى اثنين تركت إلى أن انقسمت إلى أربعة، وبعد ذلك بدأ يحدث أنهم يفصلوا كل خلية عن بعضها لتتحول كل خلية من هذه إلى خلية قابلة للانقسام، بمعنى أنه أصبح عندي أربعة إخوان موجودون في هذه العملية، وجمعت هذه الخلايا مرة ثانية لتنتج اثنين وأربعة، بعد ذلك أخذوا بفصلهم إلى أن وصلوا إلى 37 جنينًا موجودًا ومحفوظًا وقابلًا للنمو.

ص: 1347

هذه التقنية بدأت في السبعينات عن طريق إحدى الطبيبات التي كانت تعمل في فيلادلفيا في موضوع السرطان ووجدت أن تناسب عملية انقسام الخلايا الجنينية يتماثل تمامًا مع انقسام الخلايا السرطانية وقامت بفصل هذه العملية، بعد ذلك ستنمان ودهول في سنة 1993 - وهم من واشنطن - طلبوا التصريح بعمل الشيء هذا، وأخذوا بعض البييضات المشوهة مع الحيوانات المنوية المشوهة وتصريح من لجنة الأخلاقيات للعمل عليها ونجحوا في عمل هذه الخطوة الجبارة، بمعنى أنه لو حصلت هذه الخلايا عندما تنفصل جدارها سوف تتهتك، فهم اخترعوا - وهو الجديد في الموضوع - الفصل ثم محاولة التئام الجدار مرة ثانية وذلك باستخدامهم بعض الطحالب البحرية وبعض الأنزيمات المختلفة بحيث أنهم استطاعوا أن يفصلوا هذه العملية وتوقفوا في بحثهم عند إنتاج 32 خلية لأن هذا سوف يصبح جنينًا بشريًّا، ولجنة الأخلاقيات عاقبتهم على هذا، وأمرت بتحويلهم إلى لجان تحقيق، لأن هذا البحث لم يكن مدرجًا ضمن المطلوب، لكن لجنة التحكيم أعطتهم أحسن جائزة على أحسن بحث.

بعد هذا أخذت جامعة أوريجون هذه التقنية وطورتها وأنتجت القردة التي تحدثت عنها، هذا هو الجزء الثاني من أنواع الاستنساخ.

النوع الثالث من الاستنساخ هو الاستنساخ الخلوي أو الجيني أو العضوي، هو عبارة عن حدث بدأ يدخل في موضوع البكتيريا. . تدخل الهندسة الوراثية وتغير الجين الموجود داخل هذه الأنواع من البكتيريا لتغير الوظائف الفيزولوجية الموجودة داخل هذه الخلية، ومن هذا الموضوع تم إنتاج الأنسولين البشري وبعض الهرمونات، وهي موجودة الآن تحت هذه المسميات، طبعًا يدخل تحت هذا البند أيضًا الحرب الكيماوية بتغيير بعض الصفات المختلفة لبعض أنواع البكتيريا بحيث إنها تعطي نتائج خطيرة جدًّا في الحرب.

بعد ذلك سوف أتعرض إلى أنه عندما قام هذا الموضوع أحدث ردود فعل عالمية، وهذه الردود اختلفت في كثير من البلاد؛ ففي بعض الدول الإسلامية أصبح هناك من طالب بمعاملته معاملة خطيرة، وكانت هناك ردود فعل قوية جدًّا، لكن العالم كله كان لديه ردود فعل، وكان هناك المؤيدون وهناك الرافضون لهذا الموضوع، المؤيدون للموضوع قالوا: إن السعي إلى تحقيق التوالد النسخي سيزود العلماء بكثير من المعلومات العلمية الأساسية عن تمايز الخلايا والسرطان والوراثة وما إلى ذلك، والأبحاث عن الاستنساخ سيتيح فرصة كبيرة للعلماء لاستكشاف الكثير.

فالاستنساخ ليس تدخلًا في المشيئة الإلهية لأن العنصر الرئيسي في الاستنساخ هو الخلية الحيّة وهي من صنع الله، وما تم هو الاستفادة من التقنيات الحديثة فقط.

ص: 1348

الاستنساخ موجود أصلًا وهو جزء من الطبيعة، فمثلًا الأميبات وحيدة الخلية تتكاثر بالاستنساخ كذلك، وبعض الحيوانات مثل رفايوس البحر يتكاثر بالاستنساخ، وما تم هو الاستفادة من التقنيات وكشف أسرار الإنسان الحي.

دكتور غلاس هو أحد أساتذة أمراض النساء يقول: بأن هذا الموضوع سوف يفتح آفاقًا جديدة للتغلب على مشكلات الحمل سواء عند الرجال أو النساء باستنفاذ أجزاء المبايض أو الخصي البشرية مخبريًّا، والتعرف على أسباب عدم إنتاجها للبويضات والحيوانات المنوية للتغلب على ذلك.

أيضًا يضيف بعض أطباء أمراض النساء الذين يشجعون أبحاث الاستنساخ أن ذلك سوف يكشف الكثير عن أسباب الإجهاض المبكر التي لا تعرف أسبابه، أما اختصاصيو تحديد النسل يعتقدون بأنه إذا تم إيجاد كيفية تعرف الجنين على زرع نفسه في الرحم سيتمكنون من إيجاد وسيلة جديدة لمنع الجنين من الانزراع داخل الرحم، وبذلك يتوصلون إلى وسيلة جديدة لمنع الحمل.

اختصاصيو السرطان يعتقدون بأن ذلك سيفتح أمامهم طريقًا للتعرف على الأسباب وراء سرعة انقسام الخلايا السرطانية والتي تبين أنها تماثل سرعة انقسام الخلايا الجنينية، وبالتالي فإذا تم التعرف على طريقة معينة لإيقاف انقسام الخلايا الجنينية فإنه يمكن استخدام ذلك في وقف انقسام الخلايا السرطانية.

مجال آخر يثيره مؤيدو الاستنساخ وهو إنتاج الخلايا الجذعية (Stem Cell) هذه الخلايا لا يمكن تمايزها وبالتالي يمكن أن تتطور إلى نوع من الخلايا في الجسم، وهذه الخلايا لا تهاجم بالجهاز المناعي الشخصي للجسم، وذلك لسرعة تطورها إلى حالة لا تمايزية، وإذا تمكن الإنسان من الحصول على كميات كبيرة من الخلايا الجذعية يمكن استخدامها في علاج أمراض المخ والجهاز العصبي، وهذه كلها مجرد افتراضات نظرية لم يتم إجراء التجارب عليها ولم تثبت أمام البحث العلمي، كما يمكن استخدام الاستنساخ في المسح الجيني وفي حالة إصابة أحد الوالدين.

التحكم بجنس الأطفال في المستقبل حسب الظروف العائلية.

إنتاج مجموعة من الأشخاص المتطابقين لأداء مهمات خاصة سواء في الأعمال أو الحروب.

تحقيق الرغبة البشرية في حق الفرد في تحقيق ذاته، إما من خلال إنتاج نسخة متطابقة له، أو إنتاج وليد بمواصفات خاصة؛ ويثيرون بأن الرغبة البشرية يجب أن تنزل منزلة التطور.

ومؤيدو هذا البحث يقولون إنه لن يتقدم إلا إذا أعطي الحرية الكاملة في الانطلاق، وإلا فلن يكون للحياة آثاره في التطبيق وإخراجه إلى حيز الوجود، يرد المؤيدون على المعارضين بأن وجود نسخ عديدة للشخص سوف تدفع هذه النسخ إلى البحث عن التمايز ليكون لكل نسخة شخصيتها وأسلوبها في الحياة مميز عن غيرها.

التزاوج بين الهندسة الوراثية والاستنساخ سيؤدي إلى إنتاج أجيال صحيحة معافاة من الأمراض.

ص: 1349

إنتاج نسخ جنينية لكل شخص تُجَمَّد وتخزن وتحفظ وتستخدم وقت الحاجة خاصة للمصابين بالأمراض.

المؤيدون يبررون أعمالهم وتجاربهم بأنها تجرى على خلايا جنينية، وفي رأيهم بأنها تمثل الحياة الباكرة للجنين ويجب احترامه وتطبيق العقوبات على من يعتدي عليها، بينما المعارضون يرفضون هذا الرأي ويعتبرون هذه الخلايا لا حرمة لها ولا تتمتع بالحرمة البشرية التي يثيرها رجال الأخلاقيات.

هذا ما يثيره المؤيدون للاستنساخ، أما المعارضون فيعترضون على ذلك وأن ذلك سوف يؤدي إلى خلط الأنساب وإلى عدم تمايز الشخصية. الرافضون لهذا الموضوع يقولون: إن هناك تشويشًا كبيرًا سوف يحدث الاعتداء على ذاتية الفرد، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير طبيعة العلاقة بين النسيخ وأصحاب الخلية والبييضة تغيرًا جذريًّا، والخوف من استمرار طابع وراثي معين، وهذا قد يؤدي إلى مخاطر جمة وانقراض البعض وسيادة البعض الآخر.

- الخشية من تأييدنا لإنسانيتنا وهو أمر وارد حتمًا، بينما تميز الإنسان بذاتيته لا يمكن إنتاجه بصورة تشبه إنتاج قطيع الأبقار أو الخراف.

- الخوف من إنتاج أشباه البشر واستبدالهم إما في مجال أعمال معينة أو لإنتاج قطع الغيار البشرية.

- الخوف من أن يمزج نسيج مشوه تشويهًا كبيرًا فما العمل حياله؟ هل يقتل أم يبقى؟ ومن المسؤول عن ذلك؟

- وصول هذه التكنولوجيا في أيدي أحد الزعماء الدكتاتوريين، وعواقب ذلك على العالم، ويربطون ذلك بالتكنولوجيا النووية والقنابل الجرثومية التي أصبحت في متناول أيدي الجميع.

- سهولة إجراء الأبحاث إذا تم تملك التقنية، وفي هذه الحالة فيمكن أن تتم في الدول النامية ومخاطر ذلك كثيرة في استخدامهم كحقول للتجارب.

النقطة الأخيرة - وهي من المعارضين - أن العمر الافتراضي للنسيج غير معروف، إلا أن المؤيدين يقولون إنه إذا كان هذا العمر الافتراضي مثلًا عمر (دولي) هل سيكون استكمالًا لعمر أمها أم عمر جديد؟ وهنا يثير المؤيدون للاستنساخ أنه إذا حدث أنها عاشت عمرًا جديدًا فسيتم التعرف على أسباب الشيخوخة، لأن الخلية تكون قد تجددت، ولا بد من البحث حول كيف عادت العناصر الأساسية الموجودة داخل الخلية والنواة إلى شبابها مرة ثانية وأنتجت هذا الجيل؟ وبالتالي يمكن التغلب على الشيخوخة.

- مخاطر تعرض الإنسان للظروف البيئية المختلفة قد تؤدي إلى ظهور أمراض خطيرة في الجنس البشري لا يمكن السيطرة عليها، فمثلًا الإنسان في عمر حياته بعد سن الخمسين إذا أخذنا خلية من جسمه تعرض إلى مشاكل كثيرة جدًّا هذه المشاكل من إشعاعات ومواد كيماوية وغير ذلك، هذه المواد يمكن أن تؤثر على إنتاجه هو، فعندما تؤخذ خلية منه يمكن أن يظهر أفراد جدد هي غير موجودة في الأب أو في صاحب الخلية نفسها.

هناك مخاطر قانونية ونفسية واجتماعية ستعاني منها المجتمعات، في الحقيقة موضوع الاستنساخ كانت له آثار على النبات ويحاولون الآن استخدامه في الحيوانات.

ص: 1350

نتائج استخدامه في النبات كثيرة جدًّا فهناك المحاصيل الوفيرة ذات الصفات والجودة العالية المقاومة للفيروسات والبكتيريا ودرجات الحرارة، وبالتالي يمكن في هذه الحالة الاستفادة خاصة أمام قلة الأراضي المزروعة وكثرة السكان، إلا أن هناك المعارضين أيضًا يثيرون نقطة هامة، وهي أن هذا الموضوع له مخاطره، وطالبت جمعيات كثيرة بأن يوضع على هذا الإنتاج أنه لم ينتج إنتاجًا طبيعيًّا 100 % ويجب أن يوضع في مكان خاص به ويعلن عن ذلك بأنه غير منتج طبيعيًّا، منظمة الصحة العالمية لم تتخذ قرارًا بهذا الموضوع، إدارة الأدوية والأغذية الأمريكية أيضًا لم تتخذ قرارًا ضد هذا الموضوع، وتركته حتى الآن، لكن ظهرت بعض الآثار الجانبية ومنها زيادة الحساسية عند بعض الناس الذين يستخدمون هذه المنتجات.

لذلك فإن هناك مخاطر يجب ألا تغفل في هذا الجانب.

الانعكاسات في الساحة العالمية كانت كثيرة، فمثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية أصدر الرئيس كلينتون قراره بوقف هذا الموضوع مؤقتًا وشكل لجنة من ثمانية عشر شخصية لوضع الأسس العلمية وتقديم تقرير عن هذا الموضوع، اللجنة طلبت وقف - فقط - تمويل الحكومات الفيدرالية لميزانيات الأبحاث في مجال الاستنساخ البشري فقط، لكنها تركت الباب مفتوحًا أمام التقنيات الأخرى لتطوير هذا، وأيضًا هي قررت أن تترك الباب مفتوحًا أمام الأبحاث الخاصة بعملية الاستنساخ حتى يمكن التعرف على كثير من هذه المواضيع.

البرلمانات الأوروبية أصدرت تشريعًا بوقف هذا الموضوع، لكن رغم التحفظ على وقف هذا الموضوع فإن هناك القطاع الخاص الذي سوف يستطيع أن يقوم بعملية تمويل الأبحاث في هذا المجال وستظهر نتائج هذا الموضوع في القريب، وأنا قلت مثل شركة PPL التي مولت إنتاج دولي، وبعد الإعلان عن إنتاج دولي زادت أسعار أسهمها بحوالي 15- 30 % وذلك في ثاني أوثالث يوم.

إذن نحن أمام مخاطر كثيرة وأيضًا أمام فوائد كثيرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وشكرًا لكم على حسن استماعكم.

ص: 1351

الدكتور صالح الكريم:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونصلي ونسلم ونبارك على حبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أشكر لمعالي الأمين العام دعوته لي للتحدث عن موضوع الاستنساخ، في البداية أحب أن أحدد بعض المصطلحات.

فالهندسة الوراثية هي جزء من عملية التقنية الحيوانية ، والهندسة الوراثية في جزئية منها في تطبيقاتنا تعتبر فعلًا أحد أنواع الاستنساخ، طبعًا الاستنساخ عندما جاء كموجة عالية على العالم الإسلامي من تطبيقات في معامل الوراثة، لقربي من التخصص كنت أعتبر الموضوع طبيعيًّا جدًّا وليس هنالك أي بعد خلقي أو تدخل بشري في خلق أدق الكائنات البسيطة، لذلك كان بالنسبة لي أن أستعرض بنوع من التفصيل لكل حالة من الحالات.

طبعًا عملية الاستنساخ تدور كلها حول النواة، النواة موجودة، هذه خلية حقيقية تحت المجهر وتبين لنا أين تسكن مادة الإنسان أو الحيوانات، تسكن في داخل النواة من الخلية نفسها، في داخل النواة يضع الله- سبحانه وتعالى سرًّا من أسراره في الخلق وهي مادة DNA ، هذه المادة إذا نقلت وهيئت لها في بيئة أخرى فإنها ستعمل بنفس الكيفية الموجودة فيها الخلية. هذه الكروموزومات تختلف عادة من كائن إلى آخر - كما ذكر - في النساء 46 من الكروموزومات، في ورق الفاكهة 8 في البازلاء 14، وهكذا نجد عددها يعتبر تصنيفًا نوعيًّا أو محددًا لكل كائن من الكائنات الحية.

أنا دخلت مباشرة لتعريف الاستنساخ وهو موجود في بحثي وكان عنوانه (الاستنساخ: تقنية، فوائد، ومخاطر) ، وندخل على تطبيقات الاستنساخ، هناك ثلاثة أنواع للاستنساخ، هي:

1 -

الاستنساخ الجيني.

2 -

الاستنساخ الخلوي.

3 -

استنساخ أجنة.

وكل نوع من هذه الأنواع له تطبيقاته، وأيضًا له فوائده وله مضاره.

ص: 1352

أولًا: الاستنساخ الجيني يطبق من خلال علاقة مباشرة بأن نقطع أجزاء من المادة الوراثية، الكروموزومات الموجودة هذه نقطع أجزاء منها وننقلها إلى نواة أخرى، يعني له ارتباط في انتزاع جينات معينة، كلنا يعرف أن الجينات هي التي تحمل الصفات والخصائص والحركات ونبرة الصوت، كل الصفات الدقيقة توجد أصلًا في الجينات أو الكروموزومات - الصور التي رأيناها قبل قليل - هذه الكروموزومات لو نحن أخذنا واحدًا منها وقتلناه نجد فيه آلاف مؤلفة من الجينات، هذه الجينات بقدرة الله هي التي تحدد الصفات والخصائص لكل كائن.

في الإنسان تجد أن لكل شخص توجد فيه جينات فاعلة ونشطة وتعمل ولكنها مفقودة عند شخص آخر، طبعًا هناك نظرية حديثة في مجال الوراثة وهو أن كل ما يخص الجينات البشرية موجودة في كل نواة من هذه الناحية، لكن التي تعمل منها مجموعة وتترك الباقية نائمة وهكذا، فإذن ما يسكن في داخل النواة من الكروموزومات ومن الجينات هي حاملة لكل الصفات البشرية، ولذلك توقفت عند حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا استقرت النطفة في الرحم جمع الله ما بيننا وبين آدم من نسب، فطبعًا هذه النظرية تذكر أن هنالك جينات نشيطة وتعمل وتبين الخصائص مثل لون الشعر والصفات والوجه، وهي أيضًا موجودة صفات فلان وفلان في نفس النواة هذه لكنها غير فاعلة.

تطبيقات الاستنساخ:

ذكرنا أن للاستنساخ ثلاثة أنواع منها الاستنساخ الجيني وهو أن نأخذ أجزاء من الكروموزومات أو الجينات وننقلها، هذا هو النوع الأول وهو له تطبيقات عديدة وكثيرة منها، في مجال الزراعة والنبات، وتم إنتاج أكثر من خمسين نوعًا نباتيًّا، وذلك عن طريق الهندسة الوراثية والاستنساخ الجيني، وهي ذات فوائد كثيرة منها: طريقة نقل الـ DNA أو الجينات، بحيث يدخل الجينات المراد إدخالها أو قطع الكروموزومات داخل الخلية النباتية، طبعًا هذه القطع التي تم اختيارها تكون ذات صفات وخصائص ممتازة ومرغوب فيها ومطلوبة، وبالتالي يتم نقلها إلى نواة خلية نباتية ثم بعد ذلك تزرع مرة ثانية ثم تترك لتعطي نسخًا منها، وهنا يأتي معنى الاستنساخ.

ص: 1353

هنا بعض النتائج ونقل بعض الجينات نفسها يحسّن لنا أنواع النبات بحيث يمكننا إنتاج سلالة من النبات مقاومة للآفات ومقاومة للمبيدات الحشرية وتعطي ثمارًا جيدة مقاومة للتلف.

المجال المهم للإنسان أكثر هو الاحتياج للدواء، فبطريقة الاستنساخ الجيني يتم الآن الحصول على كميات كبيرة من الأنسولين، طريقة الأنسولين البشري طبعًا أخذوا الجينات الخاصة بإنتاج الأنسولين وزرعت في بكتيريا تسمى بكتيريا القولون، هذه البكتيريا لها قابلية على أن تستزرع في داخلها الجينات الخاصة بإنتاج الأنسولين، وبالتالي تنتج عندنا إنزيمات بكتيريا القولون، ونجد طبعًا في داخلها مزروعة أو منقول إليها الجينات الخاصة بإعطاء الأنسولين، وطبعًا هنالك الكثير من الأدوية الأخرى وهذا نموذج.

أيضًا يستخدم استنساخ الجينات أو نقل الجينات وزراعتها في معالجة الأمراض الوراثية، ومن السهل الآن للكثير من الأطباء أن يجدوا من خلال أخذ خلايا معينة للجنين، وبالتالي يحددوا أين توجد المعطلة الوراثية أو التشوه الوراثي، ويعالج من خلال استنساخ أو زرع الجينات المعالجة للمرض نفسه، ومن هنا يتم نقلها من خلايا في السرة، وتنقل وتعامل وتدخل الجينات إلى الخلية المطلوبة، ثم تعاد إلى الجنين مرة ثانية، وهذه طبقت في عام 1991 م ونجحت فعلًا.

أيضًا الاستنساخ الجيني يستخدم في شيء نسميه الحصول على حيوانات مهندسة وراثيًّا أي معدلة وراثيًّا، بمعنى أن نحصل على خلايا ونرغب في جينات معينة لنقلها، ونستزرعها في نفس الجنين ويعطي حيوانات مهندسة وراثيًّا تحمل الإنتاج الخاص بالجينات التي زرعت فيها، وهذه طبعًا نجحت في استزراع عوامل النمو، بحيث يتم أخذ الخلية ويزرع فيها ثم تعاد مرة ثانية تحت الجلد، ونجد بعد ذلك أنه ينتج عندنا عوامل النمو المطلوبة.

طريقة الحصول على الحيوانات المهندسة وراثيًّا إما أن تتم بأن نستزرع عدة أعضاء للخلايا، وذلك في الفئران والأرانب وغيرها، وينتج عندنا الجنين من عدة آباء، ويحصل فيه بعض الصفات والخصائص المطلوبة.

هذا طبعًا إذا تم من خلال نقل الخلايا نفسها والذي هو النوع الآخر الذي نتكلم عنه وهو الاستنساخ الخلوي، لكن قد يتم أيضًا النقل من خلال استزراع الجينات المطلوبة نفسها، وتعاد مرة ثانية ضمن الخلايا الجنينية وهذه أيضًا نجحت، بمعنى أنه لو أخذنا خلية معينة واستزرعنا فيها الجينات المطلوبة كما في استزراع الحليب البشري في الأبقار ونجح، وهذه تمت من خلال استزراع الجنين نفسه أي استزراع الجينات نفسها، استزراع الجينات كيف يتم؟ الآن بعض العلماء حديثًا قالوا: إنه يتم من جين إلى جين هذا خاص بالحليب البشري وتؤخذ الجينات هذه نفسها وتستزرع ضمن خلية، الخلية تدمج مرة ثانية مع البلاستولا يكون الناتج النهائي أنه الجينات تعمل في الأخير في الحيوان نفسه، وهذا مجال كبير وواسع، يمكن عشرة سنين العلماء قطعوا شوطًا كبيرًا جدًّا ويستفاد منه الكثير، وذلك من خلال الحيوانات المهندسة أو المعدلة وراثيًّا، بل إنه أصبحت تصنف بأن هذه السلالة من كذا وهذه السلالة الجديدة من كذا وأن أي باحث يريد أن يعمل لا بد أن يعطى الضوء من خلال معرفة بطاقة شخصية للحيوان المهندس وراثيًّا نفسه.

هذه طبعًا مجموعة من الحيوانات المهندسة وراثيًّا.

ص: 1354

إذن هذا النوع الأول الذي تحدثنا عنه وهو الاستنساخ الجيني، الاستنساخ الذي له علاقة باستنساخ الجينات بعد استزراعها في الخلايا نفسها.

النوع الآخر الذي نسميه الاستزراع الخلوي، أي أننا نحدد من خلال تقنية زراعة الخلايا والأنسجة الخلايا المطلوبة المعينة عندنا وبالتالي نستزرعها، وبعد ذلك تؤخذ خلية، هذه الخلية تبقى معروفة، وهذه تستخدم في إنتاج المضادات وحيدة النسيلة، هذه طبعًا تستخدم كثيرًا في علاج أمراض المناعة وكذلك في زراعة الأعضاء، لأن التثبيط الناتج يحصل على المضادات، وتعطى للمريض الذي ليس لديه أي مناعة في جسمه لاستقبال أي عضو، وهذه تستخدم فيها فعلًا ويسمى الاستنساخ الخلوي وحيد النسيلة ويتم تحديد خلية معينة، ويركزون عليها ويضعوها في زراعة معينة وفي بيئة معينة يعرفون مواصفاتها ويحددون أنشطتها، وتعطى بعد ذلك بعض المواد بدورها تنتج الأشياء التي ضد النواحي المناعية، وبالتالي تعطى للمريض، وهذه يستفاد منها طبيًّا كثيرًا.

أيضًا هذه صورة لمجموعة من الخلايا التي تستنسخ.

الاستنساخ الخلوي مهم جدًّا في عملية تفسير معضلة السرطان أو مقارنة الخلايا الجنينية والخلايا السرطانية.

مما هو معروف علميًّا بأن هنالك تشابهًا كبيرًا جدًّا جدًّا بين الخلايا الجنينية والخلايا السرطانية، وهذا التشابه حير العلماء وجعلهم يركزون أكثر، واستزرعوا خلايا سرطانية في ضمن أجنة عادية ليروا هل تعطي أم لا؟ تصور أنت تضع هنا خلايا سرطانية ضمن خلايا جنينية، هذه الخلايا الجنينية تذوبها ولا يكون لها أثر أو وجود لهذه الخلايا السرطانية، والعكس أيضًا، فهنالك إذن عوامل متبادلة بين الخلايا السرطانية والخلايا الجنينية قد تكون هذه العوامل على مستوى النواحي الفيزيائية الكيميائية، إلا أن العلماء لم يعرفوها، إن استخدام الاستنساخ الخلوي يساعد على التعرف على معضلة السرطان، أيضًا الخلايا الخاصة بالجنين وتحدد من خلال اختبارات معينة. . . ثم بعد ذلك تعالج من خلال معاملتها، هذه الخلايا من الكبد نسميها الأستنسل أو الخلايا الجذعية، الخلايا الجذعية عبارة عن خلايا جنينية صرفة تعطيك أي نوع من أنواع الخلايا، فعند معالجة أو تحديد الأمراض الوراثية إذا كان يحتاج معالجتها مثلًا خلايا من الكبد تؤخذ بعض الخلايا من الكبد للأطفال المجهضين وتستزرع مرة ثانية في الأجنة قبل ولادتها وتتجه مباشرة إلى الكبد وبالتالي تغطي المرض الوراثي الموجود.

ص: 1355

النوع الثالث هو استنساخ الأجنة:

يتم استنساخ الأجنة من خلال الأنسجة، هذا الكلام قبل خمسين أو ستين سنة. أحد العلماء اسمه سنيمان والثاني لينتون، والملفت للنظر أن العلماء في أسكتلندا هم أكثر الناس قربًا (أو لهم باع طويل) في قضايا الاستنساخ، لذلك كانت ردة الفعل في أمريكا وغيرها قوية لأن هنالك ممكن في أسكتلندا وفي المعهد هذا بالذات هو المكان الذي ولد فيه الاستنساخ والمتابعة، وهنالك طبعًا قضايا لها سريتها الكبيرة ولا يمكن الإعلان عنها بسهولة، فقبل أن تنتج عملية استنساخ الأجنة لا تجد استنساخ أجنة نسميها في كتب الأجنة كلها مذكورة، وفي كتابي أيضًا ذكرت استنساخ أجنة من خلال قطعة بسيطة، نأتي إلى الجنين هذا مثلًا ونأخذ جزءًا بسيطًا ونستزرعه في بييضة ثم تجده يعطينا جنينًا، وهذه طبعًا نال عليها سنيمان جائزة نوبل.

وهذه الصورة تبين بأننا نأخذ جزءًا من جنين ونضعه في جنين آخر ويعطي أيضًا جنينًا ملاصقًا.

فإذن كان على مستوى ، قبل خمسين سنة ، على مستوى نقل نسيج بسيط مجموعة من الخلايا تعطي جنينًا كاملًا.

نأتي إلى استنساخ الأجنة، في الحقيقة استنساخ الأجنة ثلاثة أنواع وهي:

- استنساخ الأجنة بفصل الخلايا، عندما نقول: فصل الخلايا معناه أن هناك حيوان منوي هذه صورة حقيقية وأيضًا هناك بييضة، طبعًا الملفت للنظر هو أن الحيوان المنوي لا يحمل إلا رسالة المادة الوراثية التي تتجه بعد ذلك إلى النواة نفسها، بينما البييضة نفسها تحمل سيتوبلازم وتركيبات داخلية.

لاحظوا هنا أن الحيوان المنوي عندما يدخل إلى النواة ويتجه أيضًا إلي نواة البييضة.

وفي حالة أخرى يتحد الاثنان مع بعضهما ومنهما ينشأ التكوين ويخلق الله سبحانه وتعالى يعني من المادة الوراثية من الأب 23 كروموزومًا وأيضًا من الأم 23 كروموزومًا، ومن خلالهما يتم الدمج ويخلق الله سبحانه وتعالى الجنين.

وفي حالة أخرى أيضًا، هذه أربع خلايا البييضة الأولى التي رأيناها بعدما اندمجوا مع بعضهم يكوّنون البييضة المخصبة والتي هي سوف تعطي الجنين، تبدأ بعد ذلك عملية الانقسام، الانقسام الأول عبارة عن خليتين، الانقسام الثاني فيه أربع خلايا، بعد ذلك، هذه اثنان، أربعة، ثمانية، ستة عشر، اثنان وثلاثون، أربعة وستون، مائة وثمانية وعشرون، وهكذا، ما هي ميزة هذه الخلايا؟ ميزة هذه الخلايا بأنها تستمر خلايا نسميها بأنها غير متمايزة، لو أخذت أي خلية من هذه الخلايا واستزرعتها تعطي جنينًا، هذا النوع استفاد منه العلماء في الإنتاج الحيواني وأيضًا طبق على الإنسان عام 1993، بمعنى إذا أخذنا أي خلية فإنها تعطي جنينًا، إذن يستنسخ منها، ممكن أن ينتج من خلالها 128 نسخة متطابقة لأن المادة الوراثية واحدة قادمة من أب واحد ومن أم، ومن 23 و 23 من جهة واحدة، وفي حالة أخرى نرى أن هذا النوع يشبه التوائم المتطابقة، لأن عندنا نوعين من التوائم وهما: توائم غير متطابقة (عادية) وتتكون من حيوانين منويين ويخصبان بييضتين، كل حيوان منوي يخصب بييضة، لكن النوع الثاني (التوائم المتطابقة) والتي تكون مواصفاتهم واحدة هو أن حيوانًا منويًّا واحدًا يخصب بييضتين، ثم تنقسم مثل ما رأينا قبل قليل ثم يحصل في داخل المرأة أنه ينزل إلى الرحم بعد عملية الفصل، الخلايا تنفصل عن بعضها بعد عملية تلقيح الحيوان المنوي للبييضة وبالتالي يعطي توائم متطابقة.

ص: 1356

الاستنساخ بطريقة فصل الخلايا توائم متطابقة 100 %، لذلك تعاد مرة أخرى إلى الرحم، أي خلية أخذناها يصبح عندنا جنينًا.

طريقة فصل الخلايا تم تطبيقها على الضفادع ونجحت، وكذلك على الفئران والأغنام، والآن تستخدم كطريقة في كثير من المعامل.

أيضًا هذه طريقة إنتاج أبقار بطريقة فصل الخلايا.

نأتي إلى النوع الثاني من الاستنساخ والذي فيه كثير من الناس لا يعرفونه وهو الاستنساخ الخاص بتنشيط البييضة، والذي أسميه أحيانًا أطفال العذارى أو الإنتاج بدون الحاجة إلى الحيوان المنوي، هذا طبعًا تم تطبيقه في الحيوانات وهي الضفادع والفئران، لكن لم يتم إلى الآن تطبيقه في الأغنام والأبقار، من خلال عامل: معين شرارة كهربائية، مادة كيميائية معينة؛ يحث بييضة فقط دون وجود حيوان منوي وتنشط البييضة وتنقسم ثم تعطي حيوانًا، طبعًا هذا يلفت أنظار كثير من العلماء، وإلى الآن لم يعرفوا ما هو السبب، لماذا دون الحاجة إلى حيوان منوي؟ ربما يكون لعامل آخر يحاكي ما يفعله الحيوان المنوي ويؤثر، وبالتالي ينتج الجنين، الفرق طبعًا بين الاستنساخ هذا والاستنساخ السابق هو أن مجموعة الكروموزومات الموجودة التي تنتج، لو كانت الخلية خلية جسدية تجد أن عدد الكروموزومات 23 كروموزومًا، بينما فصل الخلايا 46، والشيء الآخر أنه يعطي حيوانات عقيمة والشيء الآخر أنها مشوهة، إنما الذي حصل بالضبط أنه ينتج حيوانات في النهاية لكن قليلة.

النوع الأخير من الاستنساخ هو استنساخ (دولي) وفكرته طبقت عام 1956م، وطبقت على استنساخ من خلايا البلاستولا، يعني مرحلة جنينية مبكرة، أخذوا خلايا البلاستولا وطبقت.

ص: 1357

النوع الأخير والذي كانت عليه ضجة كبيرة وهو الاستنساخ بطريقة زراعة النواة الجسدية في بييضة منزوعة النواة، بمعنى أنه يجمع بين الاستنساخين، وهو أنه لا يوجد عندنا حيوان منوي وأيضًا تكون النسخ متطابقة، فعندنا - طبعًا - تم تطبيقه في حيوانات الضفادع والفئران والأغنام، طبعًا فكرته مشروحة وموجودة.

الحالة التي بعدها، هذه طبعًا عصر استنساخ البشر، من الناحية العلمية النظرية ما طبق في الحيوان يطبق على البشر، لكن المحاولات كما سبق مثل ما رأينا 277 مرة، هو قد يكون ابتدأ بالصدفة، لكن القضية قضية موافقة النواة للبيئة السيتوبلازمية، فإذا استطاعوا أن يتوصلوا مثل (ويل موت) استطاع أن يجعل النواة تكون ساكنة في عملية الطور الانقسامي، فكأنه وفق بينها وبين السيتوبلازم الذي نقلت إليه البييضة، وبالتالي حقق النجاح وهو لا يعلم أنه حققه، وإذا توصل العلماء إلى لمس خيوط هذا الموضوع فإنه سيتم الاستنساخ البشري.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

هذه القضية التي ظهرت بقوة في عامنا هذا في السابع والعشرين من شهر فبر اير 1997 م، والتي كما قيل في المتنبي: أنها شغلت الناس وملأت الدنيا، وقد كتبت فيها بحثًا إلا أنني سأقتصر على بعض النواحي التي أراها أهم، طلبًا للاختصار.

فأقول: إن الدوائر التي تدخل الإنسان فيها في الاستنساخ والتوأمية هي ثلاث دوائر:

الدائرة الأولى: تدخل الإنسان في عالم النبات.

ثانيًا: تدخل الإنسان في عالم الحيوان.

ثالثا: تدخل الإنسان في البشر ذاته، أي في الإنسان ذاته.

ص: 1358

أما الاستنساخ في عالم النبات فقد فتح أبوابًا للعلماء للحصول على الفسائل بأقصر طريق وبأقل ثمن مع الاطمئنان على نوعية الأثمار وخصائص الشجرة التي ستكون كالأصل المأخوذة منه في قوتها ومقاومتها الأمراض ووفرة عطائها ومذاقها، وفي هذا الميدان فإن الأمر الهام هو تكوين المختصين في البحث، وتمويل المخابر العلمية، وحفز الهمم للمضي قدمًا في هذه السبيل، فصيحات الفزع من الانفجار السكاني العالمي والخوف من المجاعات ومن اختلال التوازن بين عطاء الأرض والأفواه قد تصبح رؤى أحلام تبددها خصوبة يقظة العلم تحقيقًا للإرادة الإلهية، ولإذنه السامي في تسخير الأرض للإنسان في حياته الدنيا.

الد ائرة الثانية: الاستنساخ الحيواني:

وقد ظهرت هذه النعجة (دولي) وأثارت سيلًا عارمًا من الأسئلة فكان السؤال الأول: هل يعتبر هذا العمل تحديًا للقدرة الإلهية؟ هل أصبح الإنسان خالقًا، خلق خلقًا كخلق الله؟

هذه القضية التي تحدى بها القرآن الذين اتخذوا آلهة من دون الله {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ، فالقرآن يؤكد في غير ما آية هذه الحقيقة التي هي عجز كل مخلوق أن يقدر على الخلق وها هو الإنسان قد وصل إلى الخلق!

إن تصور ما قام به هؤلاء العلماء أنه خلق هو تصور خاطئ ينبئ عن سذاجة من توهمه، ذلك أن غاية ما قاموا به أنهم درسوا قوانين الخلق الإلهي ووعوها وقاموا بتطبيق ما علموا على ما عملوا، فهم لم يوجدوا خلية ولا نواة ولا كروموزوما، وليس لهم أي تحكم في قسر الخلية على الانقسام والتكاثر لمجرد الإرادة والتسلط، فهي سلسلة متتابعة في التوالد عرفوا كيف يدخلون عليها عوامل من خلق الله ليحدث ما يحدثه الله أرادوه أو لم يريدوه.

والسؤال الثاني في هذه القضية عن (دولي) : لماذا هذا المجهود؟ ولم تصرف هذه الطاقات البشرية؟ أليس هذا عبثًا؟

إننا لا نفهم القصد من هذا العمل إلا إذا نظرنا إليه من زاوية الربح المادي المترتب عن ذلك، إن هذه الحيوانات التي أمكن للعلماء أن يتدخلوا في خليتها الأولى بإبرهم المكروسكوبية قد تمكنوا حتى قبل هذه التجربة من أن يضموا إلى الكروموزومات جين إحدى البروتينات الصالحة لمعالجة بعض الأمراض، وأعطت هذه الحيوانات في ألبانها كمية كبيرة من هذه البروتينات وصلت إلى خمسين نوعًا في سوق الدواء كلها مستخلصة من ألبان النعاج والمعز، والخنازير، حتى قالوا إنها منجم لا ينضب لاستخلاص ما ينفع الإنسان ويداوي أسقامه، ولكن منظمة الصحة العالمية أيقظت العالم من مركز مسؤوليتها على الصحة العالمية إلى ما يمكن أن يصحب هذا المنهج في التحصيل على الدواء من مضاعفات سلبية قد تكون خطرًا على الإنسان.

ص: 1359

إن ظاهرة التسرع في عرض الأدوية الجديدة للرواج العام أمر يدركه أهل الاختصاص وغيرهم، فقد حصل في هذه السنوات الأخيرة أنه يسحب من الأسواق أنواع من الأدوية كشفت التجربة عن آثارها السيئة على الصحة بعد أن استهلكها المرضى وعلقت آثارها السيئة بأبدانهم، واستقل أصحاب البراءة بالغُنم، ولكن وسائل الإعلام تعتم على هذا الجانب السلبي ولا تتولى نقده وإثارة الرأي العام العالمي، حتى يكون سندًا لاستصدار ميثاق عالمي للأدوية، يكون الإنسان وصحته الغاية التي تحكم ترويج الأدوية، وليس وسيلة تشبع جشع الشركات الكبرى المصنعة للدواء.

إن تجربة (دولي) ينظر فيها من نواح عديدة.

أولًا: باعتبار أنها تجربة تعطي للمختصين من إمكانات أوسع لاستخراج أدوية جديدة تساعد على الشفاء من أمراض ما تزال لحد اليوم مستعصية على العلاج، أعجرت الأطباء عن تخفيف آلام المصابين أو إنقاذ حياتهم، ومن هذه الناحية فإن التجربة مشروعة والاستمرار فيها لتبلغ الدقة اللازمة لا يختلف حكم ذلك عن حكم تصنيع بقية الأدوية لنفع الإنسان.

كما ينظر فيها ثانيًا من ناحية اتخاذ الحيوان وسيلة وحقلًا للتجارب، وهذا أمر مشروع لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} . كما ينظر فيها ثالثًا على أساس أن ذلك مستوى علمي ستظهر الحاجة إليه واعتماده، فينقلب السعي إلى بلوغ ذلك المستوى واجبًا كفائيًّا على الأمة على ما حققه أبو إسحاق الشاطبي رضي الله عنه من أن المباح أو المندوب بالجزء ينقلب واجبًا بالكل.

الاستنساخ لتحسين النوع:

إن الاستنساخ لتحسين النوع يجب أن يحرم إدخاله في حياة الإنسان إلا بعد أن تمضي مدة كافية تنفي كل احتمال ضرر للإنسان من تناول لحم أو لبن الحيوانات التي تمت بواسطة الاستنساخ، حسبما يقرره الخبراء الذين لا تربطهم صلة بالمخابر، باستمرار المراقبة الحازمة جيلين أو ثلاثة، حتى نطمئن على سلامة صحة الإنسان، وأنه لا يمكن أن تظهر أعراض متولدة عن التناسخ ضارة.

ص: 1360

الاستنساخ البشري:

تاريخه: منذ القرن الماضي، أخذ الطب يتدخل في الإنجاب أو في التكاثر البشري، ففي سنة 1884 م تم في أميركا الشمالية حقن كمية من المني داخل الرحم لستر عدم خصوبة الزوج، وبقيت هذه الطريقة عندهم محاطة بالسرية الكاملة، فلا يعرف المانح أين ذهب ماؤه، ولا تعرف المرأة صاحب المني، ولما تمكن العلماء من تجميد اللقاح تيسر انتشار هذه الطريقة في الخمسينات، وهذا محرم في نظر الإسلام، واختلاط للأنساب.

وفي سنة 1978 تطورت التقنيات فتمت ولادة لويز براون، بتخصيب بييضة أمها باللقاح خارج الرحم - في بريطانيا - واستمرت هذه التقنيات في حالات كسل الحيوانات المنوية أو قلتها أو في حالة انسداد قناة فالوب موعد اللقاء والاندماج بين البييضة واللقاح، أو بغير ذلك من النقائص.

وفي سنة 1983 وصلت التقنيات لتجميد اللقائح، الأمر الذي مكن من الاحتفاظ بها لمدد طويلة، فاتسعت دائرة استخدام طريقة الحمل بواسطة زرع هذه اللقائح في الرحم بعد تحريكها من جديد لتبدو الحياة الكامنة فيها.

وفي سنة 1993 تمت أول محاولة للاستنساخ البشري في الولايات المتحدة الأمريكية على الطريقة التوأمية، وتم الإعلان عنها في مؤتمر الخصوبة الأمريكية بمدينة مونريال.

وأعلن العالمان اللذان قاما بها أنهما عزما من أول الأمر أن تكون تجربتهما - خوفًا من النتيجة - تقف عند حد محدود، ولا تنتهي إلى غاية المدى الذي تصل فيه اللقيحة إلى إنسان مكتمل الخلق، ذلك أنهما خصبا البييضة بأكثر من حيوان منوي، فأصبحت بذلك محكومًا عليها سلفًا بالتوقف عن الانقسام والموت، وأشاد المؤتمرون بتجربتهما واعتبرت أفضل ما قدم في المؤتمر.

وما أن أطلت (دولي) تغازل البشرية أو تتحداها حتى ملأت الدنيا وشغلت الناس، وحق للإنسان أن يشعر بالخطر الداهم من الزلزال الذي سيدك كل ما بنيت عليه البشرية من قيم وأخلاق وروابط اجتماعية.

إن القرن العشرين الذي ورث حصاد ما زرعه الفكر الإنساني في حقل المعرفة من أول الكون إلى اليوم، قد تمرد فيه العلم تمردًا أعماه عن البصر بدوره الذي هو إسعاد البشرية، فعزل الغاية، وقصر همه على ذاته، فانطلق بدون هدى يهديه ولا قيم تحكمه، يبني ويهدم ويعمر ويخرب، ويستعبد الإنسان ثم يرمي به في زاوية العجز ليقضي عليه.

ص: 1361

إن قرننا هذا هو قرن الزلازل، فما إن انتهى النصف الأول حتى فجر العلماء ما خلق ليكون ملتئمًا، فجروا الذرة، فكان للفيزياء الدور الرائد، وتسابق رجال السياسة للبذل السخي على تطوير البحوث والتجارب وخزنوا من قوة التدمير ما يكفي لإفناء الأرض وما عليها مرات متوالية.

ويكفي أن يتسرب حتى الشعاع من مفاعل ذري - قالوا إنه للسلم والحياة المدنية السهلة - حتى يقضي على الحياة.

وما أن استيقظ العالم مما جرفتنا له العلوم الفيزيائية حتى قامت العلوم البيولوجية تأخذ صدارتها في نهاية هذا القرن، مؤذنة بانهيار كل القيم الإنسانية، سواء تعلقت بكرامة الإنسان أو بالأصول التي يقوم عليها الترابط الاجتماعي أو بالمشاعر والعواطف التي كانت لُحمة النسيج الرابط بين البشر.

وما الذي يمنع العلماء في مخابرهم من القيام بهذه التجربة؟ إن الستار الحديدي أطلق تجوزًا على العالم الشيوعي إبان الحرب الباردة، ولكن الستار الحديدي الذي أحكم عزله عن العالم الخارجي هو المخابر، لا يقل حرص الشركات عن حرص الدول على صيانتها عن الأسماع والأبصار، وتقوم فرق حماية التجسس في كل دولة على هذه المخابر حتى لا يتأتى اختراقها لأحد، ويكاد الظن بها والاحتياط ومحاولات التجسس من ناحية أخرى لا تختلف بين الدول المرتبطة بأوثق الروابط الاقتصادية والدفاعية وبين الدول التي تقوم علاقتها على أخذ الحيطة لكل واحدة من الأخرى.

إن هذه الأسوار العازلة للمخابر وما يجري في عوالمها الداخلية، وسلطان السبق للأسواق والاستئثار بما يدره الجديد من أرباح مما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا.

ص: 1362

وأخذ الناس يتحدثون: هل لنا أن نوقف العلم؟

أولًا: إنه فرق عظيم بين حرية البحث الذي يسعد الإنسان، والبحث المدمر للإنسان، إنه ليس السلطان الغيبي الذي لا يعطيه العلمانيون أية قيمة هو الذي يصرخ بالمنع، ولكن إلى جانب ذلك الإنسانية يعلو صوتها مستغيثة من تمرد التجارب اللامسؤولة ودخولها نطاق الإنسان ذاته لتحطم عزته وحقوقه، فليست وصاية على العلم، لكن تبصير العلم بحدوده حتى لايدمر نفسه ويدمر الإنسان معًا، هذا الإنسان الذي يكمن سر إنسانيته في كرامته، وذهاب كرامته معناه ضياعه وضياع مكاسب الإنسانية التي جاهدت وما تزال تجاهد في الحفاظ عليها، والتي تعتبر كل المكاسب الحضارية الأخرى متفرعة عنها ومنبثقة منها.

فاتخاذ نسخة موازية للتوأم والاحتفاظ بها لتكون رصيدًا لقطع الغيار لأخيه التوأم إهدار للقيمة الإنسانية التي يتساوى فيها المولود والمجمد يوم أخذت نسخته فأودعت الرحم، وأودعت الأخرى التبريد الآزوتي، وصورة أخرى: إذا كبر التوأم ولم يحتج إلى أخيه، فهل نحكم عليه بالإعدام أو نبقيه إلى أبد الآبدين، مع ما في التجميد من خطر الاختلاط؟ فقد أعلنت جريدة الفيفارو في سنة 1995، أن الخطأ في اللقائح المجمدة يصل إلى حدود 10 % في إنجلترا.

ثانيا: فإن الله لما كلف الإنسان بمهمة تعمير الكون خلقه خلقًا يمكنه من ذلك، فتعمير الأرض لا يتحقق الا بتوجه كل فرد إلى ما يلائم مواهبه وإمكاناته، هذه المواهب هي مختلفة، ولذا كان الاختلاف ضروريًّا لعمارة الكون، فلو اتحدت أذواق وعقول وميول البشر؛ لانصبوا على مكان واحد وعلى عمل واحد وعلى إنتاج واحد، الأمر الذي يساوي في الحقيقة التعطل العام المطلق، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} .

ص: 1363

وثالثًا: إن الاجتماع البشري يقوم على أساس العائلة، واستمرار طفولة الإنسان، واحتياجه سنوات إلى من يقوم عليه بالتربية ليتطور وليسلم عقله ومشاعره وقواه الجسمية، تجعل قيام راشد واحد بذلك حملًا ثقيلًا، ولذا فإنه في حالات اليتم العارض يدعو الإسلام بقية أعضاء الأسرة والجماعة الإسلامية لبذل رعاية خاصة للأيتام تعويضًا عما فقدوا.

رابعًا: إن التقدير المحكم الذي يسير عليه الكون، مما تمت ملاحظته فيه من أسرار، أن التوازن بين الذكران والإناث متقارب دائمًا، ولذلك فإذا اختل التوازن زمن الحرب بموت الرجال في الحروب عاد التوازن سريعًا بتفوق ولادة الذكور، فلو ارتبط الإنجاب برغبة النساء وهن حسب قانون الاستنساخ صواحبات الحق والدور الفعلي فإن الاختلال سيلحق المجتمع في تنوع الجنس، قال تعالى:{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} .

خامسًا: ماذا ستكون علاقة النسخة؟ هل النسخة باعتبار أنها تحمل نفس الحقيبة الوراثية وأنه سيبرز كل خط من خطوط البرنامج في النسخة؟ فهل تكون النسخة بالنسبة للمأخوذ منها وهي أنثى، أختا لها أو بنتًا، أو هي ذات واحدة في شخصين؟ ما علاقة النسخة بالزوج أهي ربيبته أو هي أخت زوجته أو هي زوجته - كما لو تضخم ثدي زوجته أو يدها أو رجلها أو أي جزء من أجزائها -؟ مع أن زوجته هي التي ولدتها في حال قيام العلاقة الزوجية. ولو حملت الزوجة بالنسخة من الزوج وسيولد ذكرًا، هل يكون أخًا لزوجها وقد حملته في بطنها وولدته، أو يكون زوجًا لها في صورتين الأصلية والنسخة، أو يكون ابنًا لها؟

ولو فرضنا أن الزوجة أعجبت برجل فأخذت خلية من خلاياه، ويكفي شعرة واحدة سقطت من رأسه ثم تستكمل المراحل حسبما وصفناه فتكون صلته بالزوج كصلته بالزوج الذي خدعته زوجته وحملت من غيره؟

ص: 1364

ولو فرضنا أن الزوجة لإعجابها بأبيها - وكل فتاة بأبيها معجبة - فأخذت نواة خلية من أبيها وأودع مكان نواة بييضتها ثم غرست في الرحم، ووصل المولود إلى أمد وضعه، هل يكون هذا المولود أبًا لها، أو ابنًا أو أخًا؟

سادسًا: إن هذه التقنيات يوم يكتب لها أن تصل إلى غاية مداها، فستفتح على مصراعيها أبواب استئجار الأرحام، فإذا كان الفقر والخصاصة، والجوع والعراء قد وصلت بالإنسانية إلى التجارة في السوق السوداء بالأعضاء البشرية، وإذا كان في كثير من الدول الآسيوية والإفريقية يرضى الإنسان أن يبيع كليته لمن يربح فيها أضعاف أضعاف ما يبذله للإنسان (الشيء والمتاع) ، فإن سوق استئجار الأرحام ستكون قطعًا نافقة بمقدار تعدد الأغراض وسعة مسالك الشهوة والخطيئة.

فتلتجئ إليها العاقر التي ترغب في تعمير بيتها بأنفاس الطفولة البريئة ونغمات أصواتها التي توقظ الأم من عمق النوم وتلهيها حتى عن نفسها، فترغب العاقر في القيام بتمثيلية تعيش فيها مع الخيال أشواطًا.

وترغب في استئجار رحم الأنثى المعجبة بوسامتها الحريصة على أناقتها من النجوم والمترفات والمثريات، فهي تستطيع أن تشتري بييضة من أنثى، وخلية منها أو من ذكر يملأ عينيها، ورحمًا تودع فيه الخلية لتبلغ به إنسانًا مكتمل الخلق، وقد دفعت الثمن فهي أحق به، وتكون علاقتها به في الحقيقة صفقة تجارية.

أما عصابات الإجرام فستفتح لهم ساحات العمل الإجرامي، وهم يستطيعون كما بيناه التحصيل على نسخ من أكبر المجرمين شراسة ومكرًا، حسبما تبين، ثم هم ينشؤونهم تنشئة تزيد انحرافهم حدة ويضللون العدالة بالنسخ المتماثلة، إذ يخفون الذي قام بالجريمة، ويثبتون أن مماثله كان في الوقت الذي حدثت فيه الجريمة بعيدًا آلاف الأميال عن موقعها.

ص: 1365

ولا نغفل عن المتاجرين بالجنس، فهؤلاء سوف يجدون في الاستنساخ ما كان يتجاوز أحلامهم، إذ يستطيعون إنجاب نسخ من نجوم السينما وملكات جمال العالم بثمن زهيد على الطريقة السابقة، خلية بييضة، رحم مولودة، نسخة مساوية لصاحبة الخلية طولًا وتناسبًا وجمالًا وصفاء، تربى تربية خاصة، حتى إذا ما نضجت كانت تبعًا لتربيتها وغسل دماغها، وإغراء الشباب وسلطان الوسامة ثروة في سوق الخنا يدر على الأشقياء.

وقائمة الاضطراب الفردي والاجتماعي تطول وتطول في ميدان التطبيقات التي لا تجد ما يحول بينها وبين التحقيق، والإمعان في الفساد والاختلال في منحرف الطريق؛ إلا عامل الدين المستند إلى صادق التنزيل الذي يُبَصِّر العقل والعلم ويهديهما سواء السبيل، البصيرة التي لا تنخدع بالجديد لجدته، ولا تقدس القديم لتطاول مدته، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .

وبجانب إحياء القيم الدينية لا بد من رادع يحرم على كل مؤمن أو كافر أن يفسد على الإنسانية حياتها وقيمها وعلاقاتها الاجتماعية، ويهدم ما بنته الإنسانية في عشرات القرون، فظنت أنها أمّنت الإنسان على كرامته، وأقامت المنظمات التي تحرس حقوقه وحقوق المرأة وحقوق الطفل، فيكون العبث بهذا الهرم الحضاري عداء للإنسانية. . على الأمم والدول أن تحمي نفسها باستصدار ميثاق ملزم توقع عليه كل الدول معتبرة كل من يعمل على الاستنساخ أو التوأمة من الباحثين أو المؤسسات في الميدان البشري مجرمًا ضد البشرية، تأخذه أحكام وتبعات ذلك أينما حل في أرض الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 1366

الشيخ محمد علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

أيها السادة، كل ما سمعناه حول الاستنساخ وما قرأناه كان بحق تخوفًا من آثاره الضارة والمرعبة، لكننا في اللغة الفارسية - وهذه معلومة لديكم - عندما نأتي بمتهم لمحكمة ولا يريد أن ينتخب له محاميًا نسمي بالفارسية المحامي الذي تنتخبه المحكمة بـ (المحامي التسخيري) ، اسمحوا لي أن أكون محاميًا تسخيريًّا في هذه الورقة المختصرة بشكل ربما يطرح الرأي الآخر، ولكنه رأي قد لا أقتنع أنا به، لكي تتم المداولة بشيء من التعادل؛ لا أريد أن أتحدث عن أنواع الاستنساخ فقد سمعنا منها هذا الصباح ما يفيد، ولكني ألاحظ أن الاستنساح بأشكاله التقليدية والجديدة لا يستغني عن تلاقح المنوي الذكري والبييضة الأنثوية ولو في المراحل السابقة، أما في شكله الجديد فواضح، وأما في الشكل القديم فلأن النواة المجلوبة من الجلد مثلًا إنما نتجت بعد تكاثر خلية ملقحة سابقًا، وقد سمعنا - هذا الصباح - من الدكتور أن البييضة قد تنشط حتى تصل إلى حيوان، هذه البييضة هي نفسها نتيجة تلقيح بلا ريب من قبل، وعندما تصل إلى الحيوان، هذا الحيوان عقيم لا يمكنه أن يمتد، كأن آثار التلقيح السابقة امتدت إلى هذا الحد ووقفت عند حدها.

قبل أن نلقي نظرة على الموضوع نرى ضرورة التذكير ببعض الأمور:

الأول: إن كل حدث جديد وخصوصًا إذا كان يتصل بمسألة حياتية كهذه مما يغير مجرى الحياة البشرية لا بد أن يثير أجواء عاطفية، ويغرق الأفكار في افتراضات وتخمينات بعضها رائع وبعضها مرعب، ولكل بعض أنصارٌ ومؤيدون. . في هذه الأجواء ربما لا يستطيع الباحث أن يدرس الموضوع بكل موضوعية وتجرد، وإنما يجنح مع هذا الفريق أو ذاك دون أن يشعر أحيانًا؛ ولذا فمن البعيد التوصل إلى رأي جماعي أو علمي أو فقهي موضوعي في هذه المرحلة.

الثاني: إن الأبحاث العلمية لا يمكن منعها والوقوف بوجهها، خصوصًا إذا كانت بهذا المستوى من التأثير الواسع، وإذا كانت تطل على عالم مجهول لتفتح مغاليقه ومجاهله، فيجب التأمل كثيرًا قبل إصدار الأحكام المطلقة، ويجب أن نضع في الحسبان تلك الحالات التي سنواجهها شئنا أم أبينا.

ص: 1367

الثالث: قد نجد بعض الافتراضات نتاجًا للخيال القصصي المجنح مما يؤثر سلبيًّا على سلامة الدراسة، كما أن بعض الافتراضات تحذر من أنماط الاستغلال السيئ، الأمر الذي يدفع الفقهاء والقانونيين للتحريم المطلق سدًا للذرائع، وقد مررنا من قبل بموضوع التلقيح الصناعي والافتراضات التي طرحت حوله، ثم استسلم هؤلاء للأمر الواقع وأخذوا يدرسون كل حالة على حدة بمنأى عن الضجيج والافتراضات، ومازال البحث فيه غير ناضج كما نعتقد.

الرابع: أن المنهج الصحيح هو دراسة نفس الحالة أولًا، ومدى انطباق العناوين المحللة أو المحرمة عليها، ثم محاولة معرفة النتائج المتوقعة والعوارض الناتجة لمعرفتها من خلال أحكامها المعروفة، وقد تتشابك النتائج الحسنة والسيئة منها، مما يدعو إلى التأمل وملاحظة الأغلبية الساحقة في البين.

الخامس: يجب أن نعترف بأن الأخصائيين الطبيعيين لهم الحق وحدهم في تقرير الآثار العلمية المخربة أو الإيجابية لهذا الأسلوب ولا نستطيع نحن أن نقر شيئًا إلا بعد انتهائهم من بحوثهم، نعم إذا انتهى هؤلاء إلى نتائج - ولو كانت شبه قطعية - أمكننا أن نلاحظ مدى انسجام هذه الآثار مع معتقداتنا ومع قيمنا ومع مبادئنا الإسلامية ونظريتنا السياسية والاجتماعية وتخطيطنا للحياة، ومن هنا فلا ينبغي التسرع في الحكم ما دامت النتائج العملية غير قطعية.

بعد هذا لا بد من أن نلقي نظرة سريعة على آراء المؤيدين والمخالفين ثم نحاول الترجيح بما لا يخرج هذا البحث عن كونه مجرد إلقاء نظرة على الموضوع.

آراء المؤيدين:

يركز المؤيدون على نقطتين أساسيتين هما:

أولًا: عدم توفر ما يمنع من القيام بهذه العملية من الأدلة الشرعية.

ثانيًا: الآثار الإيجابية الكبرى التي يتوقع حصولها والآفاق العلمية التي ستنفتح أمام الإنسان، وهم بهذا الصدد يذكرون أمورًا كثيرة، منها:

أ- المعلومات الضخمة التي سيكسبها العلماء في مجال تمايز الخلايا، ومعرفة جذور أمراض السرطان، والآثار السلبية الوراثية، وعوامل المناعة، وأسباب الإجهاض، ووسائل منع الحمل، وأمثال ذلك.

ب - الآثار التي سيتركها هذا الموضوع في مجال منح الأطفال للأزواج المبتلين بالعقم.

جـ- أنه سيساعد بشكل كبير في التحكيم بسلامة الجيل الآتي وتحسين حياته.

د - أنه سيساهم في مسألة الاستفادة من الخصائص المتميزة للأفراد

وتكثيرها.

هـ - أنه سيساعد في إنجاح الدراسات بعد إجرائها على أناس متطابقين، وذلك للتأكد من سلامة النتائج.

ص: 1368

ويضيف هؤلاء المؤيدون أن الاستنساخ عملية طبيعية قد يحدث بشكل طبيعي عند بعض الحيوانات، كما يؤكدون أن العلم ملك للجميع، ولا يمكن إيقاف بحوثه وحرمان البشرية من نتائجه.

هنا نجد الإغراق أحيانًا في الخيال بتصور مجتمع خال من الأمراض متحكم في عناصره، يحوي سلالات معرفية واسعة وما إلى ذلك.

آراء المعارضين:

وهؤلاء أيضًا يستفيدون من الخيال لبيان الأضرار المتوقعة من هذه العملية، بل يفوقون المؤيدين في هذا المجال، ومن الأمور المطروحة لديهم ما يلي:

أ - يستلزم اختلاط الأنساب.

ب - يعني تغيير خلق الله.

جى - يعني التقاء المياه الأجنبية.

د - إنه التدخل في خلق الله.

هـ - إنه يؤدي إلى الاستغناء عن الزواج.

و إنه يستلزم إماتة اللقائح وهي مشروعات إنسانية جاهزة.

ز - أنه يعمل على تهديم المجتمعات وتجريد الإنسان من إنسانيته.

ح - إن استمرار البشرية يعتمد على التنوع الجنيني، وهذا التنوع يخنع من خلال هذا الأسلوب.

ط - إنه يشجع عمليات الإجهاض.

ي - إنه يحول الرغبة الطبيعية في الأولاد إلى الرغبة في الصفات المعينة.

ك - إنه يؤدي إلى ألا يعرف التوأم الصغير مستقبله من خلال حياة

التوأم الكبير.

ل - مشكلات الإرث هنا معقدة وأسئلتها محرجة، وقد ورد النهي عن فساد المواريث.

م - مشكلات حمل العذراء وخصوصًا من إحدى خلاياها.

ن - احتمال استفادة المجرمين المحترفين من هذا الأسلوب، إلى جانب ما هناك من أضرار يتصورها المعارض.

التقويم الأَوَّلِي لهذه الاتهامات:

وإذا تم تقويم هذه الاتهامات فإن الأمر سيتضح بالنسبة لآراء المؤيدين، وإذا ألقينا نظرة سريعة على هذه الاتهامات، رأينا أنها قد لا تصمد للنقد، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر من جديد فيها وعدم تكوين موقف سلبي قاطع منها.

ص: 1369

مسألة اختلاط الأنساب مسألة تشير لها بعض الروايات وتحذر منها، بل إننا نجد أن البناء الاجتماعي في التصور الإسلامي يبتني على هذه المسألة، وعلى ضوء هذه الأنساب تبتنى أنظمة اجتماعية مهمة كالنظام العائلي ونظام الإرث وبعض النظم الاجتماعية الأخرى.

هناك رواية عن الإمام الرضا فيما كتب إليه من جواب مسائله، وحرم الله الزنا لما فيه من الفساد من قتل النفس وذهاب الأنساب، ورواية أخرى عن الصادق عندما سئل لم حرم الله الزنا؟ قال: لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا من حبلها ولا المولود يعلم من أبوه.

إلا أن الذي يمكن أن يطرحه المؤيدون يمكن تلخيصه في أمور:

الأول: أن النسب يمكن ضمانه هنا إذا كانت النواة الضيفة مأخوذة من جلد الزوج مثلًا والبييضة مأخوذة من الزوجة، فلا ريب في أن المولود ولد لهذين، ومن الواضح أن الكثير من النتائج الإيجابية يمكن أن يتم الحصول عليها مع توفر هذه الشروط.

الثاني: أن هذه الحالة لا يمكن أن تشكل ظاهرة اجتماعية واسعة، بل هي حالات قليلة (على الأقل في الإمكان الحاضر) ولا مانع حينئذ من وجود أفراد لا يعلم نسبهم أو ينتسبون إلى الأم فقط، كما ينتسب ولد الشبهة إلى أمه فلا يلزم منه اختلاط الأنساب، كما يقال.

الثالث: أن احتمال إساءة الاستفادة موجود بنفس النسبة في موضوع آخر كالتلقيح الصناعي وقد أجازه الفقهاء.

ولا نريد أن نؤيد هذه الإشكالات بقدر تأكيدنا على لزوم التأكد من المحذور.

أما موضوع تغيير خلق الله تعالى: فقد ذكر أن الآية الشريفة التي تتحدث عن الشيطان وأوامره اللعينة {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . هنا ومن الواضح أن الشيطان الرجيم يهدد بالتركيز على مجموعة من عباد الله ليسخرهم لأعماله الشيطانية ومنها تبتيك آذان الأنعام وتغيير خلق الله ، وهي أمور مبغوضة للمولى جل وعلا بلا ريب ، ولذا يعدها سبحانه من الخسران المبين.

فهل هذا العمل الذي نحن بصدده من مصاديق تغيير خلق الله المنهي عنه؟ وهنا يقال بأن التبتيك والتغيير لا يمكن أن يكون المراد بهما مطلق المفهوم اللغوي لهما، حتى ولو كان ذلك بدواع مشروعة عقلانية لا شيطانية، وإلا لكان كل تغيير يحدث في البدن كحلق الشعر أو الختان أوتعليم آذان الإبل أو التجميل من المحرمات، بل إن التعميم يعني كل تغيير في خلق الله، وهذا يشمل أي تغيير في الطبيعة، فهل نمنع ذلك؟ ليس المراد هو العموم وإنما المراد - وكما يقول بعض العلماء: - عمليات شيطانية خرافية تقوم على أساس من تصورات شيطانية جاهلية يتم بموجبها إهدار للثروات الطبيعية، من قبيل ما جاء في قوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} حيث تبتك آذان البحائر وتترك.

ص: 1370

يقول العلامة الطباطبائي في الميزان: " إن عرب الجاهلية تشق آذان البحائر والسوائب لتحريم لحومها ". كما يؤكد أنه ليس من البعيد أن يكون المراد بتغيير خلق الله الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف، مستشهدًا بقوله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ، ولعل سياق الآيات يساعد على ذلك، وقد أيدته رواية جاءت في مجمع البيان عن الإمام الصادق، وحينئذ لا يمكن أن يستند لهذه الآية الشريفة في رد أي تغيير طبيعي، ومنه موردنا هذا، إذ المراد هو قسم خاص يتم بتسويل الشيطان وتسويفه.

على أنه في الواقع استفادة من قوانين طبيعية - كما تفضل الشيخ السلامي - فرضها الله في الطبيعة، ولا يمكن أن يعد تدخلًا في خلق الله - كما جاء في اتهامات المعارضين - أو يعد تحديًا لله تعالى في خلقه - كما ربما يأتي على ألسنة بعض المخالفين للاستنساخ - وإلا كان علينا أن نسد باب أي إبداع علمي في علم الوراثة في جميع حقول الخلق.

أما حكاية التقاء المياه الأجنبية هنا فقد قلت إنها مرفوضة كبرى وصغرى، أما الكبرى فلن أطرحها لأنها تخالف قرار من قرارات المجمع، وأما الصغرى فشمولها للمورد غير صحيح فليس هنا التقاء مياه ولا انعقاد نطفة - كما هو واضح - إلا أن يقال إن المورد هو بحكم انعقاد النطفة فيقاس عليه.

أما موضوع الاستغناء عن الزواج فإذا افترضنا أن الأمر فيه تيسير إلى هذا الحد - وهو بعيد - فإن دواعي الزواج لا تقتصر على الاستيلاد أولًا، على أن الاستيلاد من طريق الزواج هو المطلوب للإنسان قبل كل شيء، ولا يلجأ لمثل هذه الطرق إلا استثناء.

أما مسألة اللقائح المتعددة وإعدامها فالذي يتصور في البين أو يقال إن هذه اللقائح لا ينطبق عليها أنها أناس، وأن إعدامها غير مشمول لأدلة حرمة القتل، أو أدلة دية الجنين، وأمثال ذلك.

وأما مسألة احتمال تهديد المجتمعات أو تجريد الإنسان من إنسانيته فإنها مسألة لا دليل عليها، بل إن عملية إنقاذ بعض المجتمعات أو بعض العوائل من أمراضها الوراثية وتقوية الصفات الجيدة مطروحة هنا، وكذلك مسألة التنوع الجنيني فإنه أولًا لم يثبت التطابق التام إلى حد ينتفي معه أي تنوع، على أن اختلاف البيئات والعوامل الخارجية لا بد أن تؤدي إلى نوع من الاختلاف.

ص: 1371

ونحن نتصور أن عمليات الإجهاض إنما يتحكم فيها القانون والشريعة، تمامًا كما هي الحال في وضعنا الحالي، ومسألة الرغبة الطبيعية في الأولاد سوف تبقى، لأنها نابعة من عمق الفطرة الإنسانية، ولسنا نتصور الإنسانية آلة صماء لا تحكم إلا ما خطط لها من قبل، دونما رحمة أو عواطف أو دواع فطرية.

أما احتمال أن يعرف التوأم الصغير مستقبله من خلال حياة التوأم الكبير، فهي قد تكون مشجعة على تلافي الوقوع في المرض من خلال الرصد المبكر لها.

وتبقى المسائل الشرعية للإرث والنظر والعلاقات الاجتماعية أمورًا يجب أن يسعى الفقه الإسلامي لبيان موقفه فيها بدلًا من التخلص من التبعية عبر إغلاق الباب من الأساس وحرمان العلم الإنساني من النتائج الباهرة لهذه البحوث.

وأخيرًا تبقى مسألة التطبيق السيئ لهذا الكشف والاستغلال السيئ له، فهذا أمر بيد الإنسان يستطيع أن يتجنبه ويتحاشاه عبر بقاء الخلق الاجتماعي الرصين، والروح الإنسانية النزيهة، ولا يمكننا أن نغلق بابًا للخير لأن هناك من يستفيد منه للشر.

وهنا نعود لما ساقه المؤيدون من أدلة، فنراها أدلة ينبغي التأمل فيها ودراستها، وخصوصًا ما ذكروه من أن العلم للجميع، ولا يمكن حرمان البشرية من نتائجه.

نعم ، يجب أن تخلو الأساليب المتبعة مما يخالف الشريعة من الملابسات التي تقترن بشكل طبيعي.

وأخيرًا: فلسنا نريد أن نصدر حكمًا قاطعًا بهذا الشأن بقدر ما نريد أن نؤكد على ضرورة عدم التسرع في الحكم ونقله من صفحات الجرائد إلى معاهد البحث العلمي، وتخليصه من الأجواء الحماسية والعاطفية ونقله إلى حيث البحث الموضوعي المجرد.

والله تعالى هو العالم بالصواب وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 1372

* * *

التعقيب

التعقيب

الشيخ نزيه حماد

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد اتضح من البحوث والدراسات المقدمة من العلماء الأجلاء في موضوع الاستنساخ أن معناه والمراد به تكوين مخلوقَيْن أو أكثر كل منهما نسخة إرثية من الآخر، وأنه نوعان أحدهما ما يسمى بالاستنساخ الجديد أو الاستتئام أو شق البييضة، ويبدأ بييضة مخصبة أي بييضة دخلها حيوان منوي تنقسم إلى خليتين، فتحفز كل منهما إلى البدء من جديد وكأنهما الخلية الأم، وتصير كل منهما جنينًا مستقلًا وإن كان متماثلين في صدورهما عن بييضة واحدة، وعلى ذلك فإذا أودع الجنينان الرحم فإن السيدة تضع توأمين متطابقين لأنهما نتاج بييضة واحدة.

وقد ذكر بعض الباحثين أن طريقة الاستتئام هذه يمكن أن تسهم في علاج حالات العقم التي تحتاج إلى تقنية أطفال الأنابيب، وأنها تتيح الفرصة لتطبيق الوسائل التشخيصية على أحد الجنينين أو خلايا منه، فإن بانت سلامته سمح أن يودع الحمل الرحم، ومع أن هذه الطريقة من حيث المبدأ يتحقق فيها التلقيح كما هو الحال في أطفال الأنابيب فإن آثارها ونتائجها وما تجلبه من مصالح راجحة أو مفاسد راجحة لا تزال حتى الآن مجهولة، ومن أجل ذلك يتعسر البت حاليًا في حكمها الشرعي لتوقف صحة النظر الفقهي على استكمال أمور خفية أو غامضة متعلقة بها، وهذا كله إذا وقعت في إطار عقد الزواج الشرعي بين بييضة الزوجة ومني الرجل، أما إذا وقعت خارجه فهي محظورة من حيث المبدأ والأساس.

أما النوع الثاني من الاستنساخ العادي الذي لا يعتمد على الخلايا الجنسية وإنما يكون بوضع نواة خلية جسدية داخل غلاف بييضة منزوعة النواة ثم تتكاثر الخلية الناتجة إلى جنين هو نسخة إرثية تكاد تكون طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية، وهذا النوع من الاستنساخ كما تبين من البحوث المقدمة تكتنفه مخاطر ومحاذير كثيرة ورهيبة إن دخل حيز التطبيق والممارسة، ومن أبرزها العدوان على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه بين طائفة من أشباهه، وكذا خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر والعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام، والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني والتي أقرتها الشريعة الإسلامية وسائر الأديان الربانية، واعتمدتها أساسًا للصلات بين الأفراد والأسر والعلاقات في المجتمع كله، بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات والزواج والمواريث وكثير من التشريعات المدنية والجنائية وغيرها.

ص: 1373

ونظرًا لما قد يترتب على هذا النوع من الاستنساخ من مفاسد خالصة أو راجحة لا تزال مطوية في عالم الغيب ولا يمكن أن تعرف أو تقدر على التحقيق إلا بعد مرور زمن طويل على تطبيقاته وممارساته، فإنه لا يعبأ بما ذكر أو افترض من منافعه ومصالحه المظنونة أو المحتملة الموهومة فيما إذا كان الزوجان مصابين بالعقم ولا يصلح لهما طفل الأنبوب، أو ما إذا كان الزوجان مصابين بالعقم وقد يفيدهما طفل الأنبوب لكنهما يفضلان عدم المجازفة فيه ويرغبان استنساخ إنسان يرونه أو يعرفون عنه مقدما، وكما إذا أصيب طفل بمرض خطير أو توفي وليس لأبويه طفل غيره وسنهما لا يسمح بالإنجاب بعد ذلك ويطلبون استنساخًا من طفلهم، إلى آخر ما قيل في ذلك، فإنه يلزم الاحتياط بعدم الإفتاء بتجويز شيء من صوره وحالاته الآن، فإن ظهر في المستقبل حالات تستدعي حكمًا استثنائيًّا فعندئذ ينظر في شأنها وحكمها الشرعي، هذا ما يتعلق بالاستنساخ البشري.

أما الاستنساخ في عالم الحيوان فالذي يبدو - والله أعلم - أنه سائغ شرعًا حيث لا يترتب عليه محظور أو مفسدة غالبة أو راجحة، وقد ثبتت له مزايا كثيرة ومن أهمها:

أولًا: إمكان استنساخ أعداد هائلة من الخراف والبقر لتوفير الغذاء للعباد.

ثانيًا: إمكان استنساخ أبقار تنتج حليبًا يعادل حليب الأم، وفي ذلك فائدة عظيمة للأطفال المصابين بنزلات معوية أو حساسية نتيجة رضاع الطفل لحليب البقر.

ثالثًا: إمكان استنساخ بعض الحيوانات التي لها قلوب وأكباد يمكن نقلها جراحيًّا إلى الإنسان دون أن يرفضها جسم الآدمي.

رابعًا: إمكان استنساخ حيوانات كل مجموعة منها لها صفات وراثية واحدة مما يسهل أبحاث مرض السرطان وقضايا المناعة، ونحو ذلك من البحوث الطبية الهامة.

خامسًا: إمكان استنساخ بعض فصائل الحيوانات المهددة بالانقراض، إلى غير ذلك من الاستخدمات التي تجلب مصالح حقيقية راجحة للإنسان فيما يبدو إلى الآن.

وما ظهر من جواز الاستنساخ في عالم الحيوان فإنه يقال أيضًا بالنسبة للاستنساخ في النباتات، حيث تم بواسطته إنتاج كثيرٍ من الأنواع النباتية المتميزة التي تختص بمقاومة الحشرات والفيروسات ومبيدات الأعشاب، أو نباتات تنتج ثمارًا مقاومة للتلف، أو نباتات لها قيمة غذائية محسنة عالية.

وكذلك الحكم أيضًا في استخدام الاستنساخ في مجال الصيدلة والدواء، حيث تمكن العلماء من إنتاج أصعب الأدوية وأندرها، مثل: الأنسولين المنظم لسكر الدم، والسوماستاتين المنظم لأعمال بعض الغدد الصماء في الجسم، والإنترفرونات التي تستخدم في علاج السرطان ومنع الإصابة بالفيروسات، ونحو ذلك.

هذه خلاصة ما أردت بيانه في هذا التعقيب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 1374

المناقشة

المناقشة

الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

ألا إنها الأيام قد سرن كلها عجائب حتى ليس فيها عجائب

إن هذا الأمر ينقسم بالنسبة لنظرنا الشرعي إلى قسمين:

الأول: من حيث العقيدة.

الثاني: يتعلق بحكم الشرع في الإقدام على هذا العمل.

من حيث العقيدة؛ إن هذا الأمر لا ينافي في شيء قدرة البارئ جل وعلا وقدره، فهو سبحانه وتعالى سواء استطاعوا أن يفعلوا ذلك أو لم يفعلوه فإنما يفعلونه بقدرته وقدره، وقد نبه البارئ جل وعلا على ذلك في سورة الواقعة، فقال تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} ، طالعت المفسرين عند هذه الآية فتوقفوا كثيرا عند (ما) ، {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} هذه النكرة العامة، فقالوا: في أي شكل من الأشكال أو في أي حال من الأحوال، والشيخ ابن عاشور في (التحرير والتنوير) توقف عندها طويلًا وزاد على القرطبي وعلى الوجيز وقال:" إنها أحوال وأشكال لا نعلمها ويعلمها الله سبحانه وتعالى. . ".

نلاحظ في هذه الآية ثلاثة أنواع من التخلق:

أولًا: التخلق العادي {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} فالله سبحانه وتعالى يخلق في المني الذي نسب إلى الإنسان.

ثانيًا: ثم ذكر نشأة أخرى لا نعلمها.

ثالثًا: ثم ذكر النشأة الأولى وهي نشأة آدم عليه السلام من طين.

من هذه الآية ندرك أن هذه الأفعال كلها سائرة في طريق قدرة الله- سبحانه وتعالى وقدره، وهنا وافق الجزء الأول من التحليل الذي اعتقد به الإخوان.

ص: 1375

نحن نؤمن بأننا في آخر الزمان بالنصوص الواردة في ذلك ولا نستغرب بين يدي الساعة أن تظهر غرائب وعجائب، إلا أنه يجب ألا تجرفنا هذه العجائب والغرائب فنستعجل ونحاول مسايرة الذين لا يعقلون بالإباحة تارة وبالموافقة تارة أخرى، وهنا نصل إلى الحكم الشرعي لمحاولة التعرف على أي حكم شرعي كما في كريم علمكم فإن هذا الأمر جديد ولا بد أن يخضع لثلاثة معايير:

المعيار الأول: هو البحث في النصوص، وحيث لا يوجد نص ينص على هذا لأنها مسألة جديدة فالبحث حينئذ في هذه النصوص للقياس عليها سواء كان قياسًا جليًّا أوخفيًّا.

المعيار الثاني: هو معيار المقاصد الشرعية المفهومة من استقراء نصوص الشريعة.

المعيار الثالث: هو المصالح والمفاسد المجردة المترتبة على الفعل أو على تركه.

سأتحدث باختصار عن المعيارين الأولين، حيث إن المعيار الثالث قد تحدث عنه الباحثون وذكروا جملة من المفاسد والمصالح، ولهذا فينبغي أن نبحث في المعيارين الأولين، النصوص للقياس عليها، والمقاصد. أولًا: النصوص، قال تعالى في سورة النساء عن إبليس:{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} ، تغيير خلق الله عام لا يمكن أن نقول إنه الفطرة فقط بمعنى التوحيد أو ما يتعلق به، ولكنه عام في تغيير الخلق كله، وليس كلمة الخلق تعني تغيير الخلق أي المخلوقات أو الأشياء التي تخلق، فهذا كلام ذكره الله سبحانه وتعالى عن الشيطان أنه سيأمر أتباعه بأن يفعلوا ذلك، وهذا يدل على أنهم يستطيعون أن يفعلوه فعلًا، لكن ذلك لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوشم والنمص والوشر والتفليج لكونها من تغيير خلق الله، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التماثيل والتصاوير مع وعيد شديد، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إنزاء الخيل عن الحمير، كل هذه تدخلات في الفطرة، شريعة تنهى عن ذلك سأستغرب أن تبيح للإنسان أن يتدخل في خلق إنسان آخر، أما المقاصد فكرامة الإنسان وحضانته وحياضته وعلاقاته كل ذلك لا يبيح هذه المسألة.

هذا باختصار شديد في هذه المسألة وأرجو أن تراجع على ضوء ما ذكرته خصوصًا النصوص، لم أر أحدًا تعرض لها ويقيس عليها.

وشكرًا. . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1376

الشيخ محمد تقي العثماني:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد؛

فالواقع أنني أشكر جميع الأخوة الباحثين الذين قدموا بحوثًا قيمة في هذا الموضوع الشائك الذي شغل أذهان الكثير من الناس في وقتنا الحاضر، وكان لا بد لعلماء الشريعة أن ينتبهوا في هذا الموضوع ويدرسوا أبعاده الإيجابية والسلبية، وقد حصل هذا المقصود بقدر ما نستطيع - والحمد لله- بهذه الأبحاث التي قدمت سواء كانت من الأطباء أو من الفقهاء فجزاهم الله خيرًا وأجزل أجرهم.

أما أن نحاول أن نصل في هذه الجلسة إلى قرار حاسم في الأحكام الشرعية الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع فإنه يبدو لي أنه سيكون إقدامًا على شيء قبل أوانه، فإن هذا الموضوع لم ينضج بعد، وواضح لكل أحد أن الاستنساخ البشري حتى الآن ليس إلا نظرية وخيالًا ولم يأتِ إلى حيز الوجود، وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يقولون: لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله. وخاصة في حين أن النتائج الحسنة أو السيئة للاستنساخ البشري لم تظهر لنا بعد، هذه التجربة إنما أقيمت على بعض الحيوانات ولم تقم هناك تجربة على إنسان، ولا يبعد أن تأتينا معلومات جديدة حينما تجرى هذه التجربة على إنسان، فما لم تأتنا تلك المعلومات، وما لم يتضح لنا الصورة الحقيقية لهذه العملية ونتائجها، فإنه لا يجدر بهذا المجمع أن يتخذ قرارًا حاسمًا في الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع، فالذي أراه ألا نستعجل في اتخاذ فتوى أو قرار في هذا الموضوع.

وهذا ما أراه والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 1377

الشيخ وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد:

لقد هز موضوع الاستنساخ جوانب الحياة العلمية العالمية والإسلامية الموضعية في كل بلد وفي كل مكان، وكثرت الندوات والمحاضرات والتعقيبات وظهرت بعض المؤلفات، وكان منها ما أسهمت به في سورية، حيث طبع كتاب يجمع بين جميع النواحي المتعلقة بالاستنساخ من الناحية النفسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية والإسلامية، وعقدت ندوات ومحاضرات في رحاب الجامعة عندنا في دمشق وكان حصيلة هذه المحاضرات والندوات ما يلي:

أولًا: الاستنساخ ليس هو خلقًا جديدًا، وإنما هو بترجمته الدقيقة (إعادة للخلق) ، فهو كما أشار الأخوة فعلًا ليس مما يتنافى مع تفرد الله بالخلق والإبداع والابتكار لأن الاستنساخ يعتمد على أخذ خلية من خلق الله ثم إجراء تعديلات عليها بتسليط عوامل فيزيائية وكيميائية بحيث تبطل مفعول بعض مدلولات الخلية وتنمي البعض الآخر حتى تظهر بشكل معين.

ثانيًا: الاستنساخ في الحقيقة ينبغي أن نفرق بينه وبين الهندسة الوراثية، فالهندسة الوراثية في عالم النبات وتهجين النباتات، وكذلك تهجين الحيوان، هذا في الواقع أمر ربما يكون مقبولًا بشرط عدم تحقق الضرر منه، وأما الخطر فهو في الإنسان، فالاستنساخ الذي هو الهندسة الوراثية في النبات والحيوان وتلافي آثاره الضارة وإيجاد بدائل جيدة تكون في خير الإنسان.

ومنه أضرار كثير من الأمراض التي تهدد حياة الإنسان والتي بإمكان الهندسة الوراثية أن توجد نوعيات متفوقة وكثيرة، ففي الواقع الهندسة الوراثية في عالم النبات والحيوان أمر جائز، بشرط ألا يكون هناك شيء من المردود السلبي أو الإضرار الذي يلحق بالإنسان إذا أخلص العلماء في بيان هذه السلبيات، ومن هنا يمكن أن نكون مع هؤلاء الذين يتحدثون عن الاستنساخ، وأنه إذا لم يتحقق منه الضرر بصحة الإنسان وكان في خير الإنسان بحسب ضوابط الشريعة التي جاءت لتحقيق الخير والنفع والمصلحة ومدافعة كل ألوان الفساد والضرر والإساءة بالإنسان.

في ضوء هذا المعيار حينئذ يمكن أن نقول إلى حد ما بأن الهندسة الوراثية لا مانع منها شرعًا.

وبناء على ذلك فلا يصح، نحن نتكلم في حدود ما عرضه العلماء وفي حدود ما قرروه، نحن لسنا ضد العلم إطلاقًا، ونحن دائمًا مع العلم، ولسنا كما يزعم بعض الصحفيين أن المفتين الإسلاميين يتسرعون في الفتوى، ولسنا أيضًا مع فضيلة الأخ الشيخ تقي أنه يجب أن نكون من فريق الواقفية أو الحياد لننتظر النتائج المرتقبة، لأن العالم يريد أن يكون لنا رأي في الموضوع وخصوصًا أن الأفكار اهتزت من الناحية الدينية حول هذا الموضوع، فلم لا يكون لنا كلمة تطمئن الناس وأن ذلك في الحقيقة لا يتنافى مع العقيدة الإسلامية؟ فإذن في مجال الهندسة الوراثية الاستنساخ أمر مقبول بشرط عدم الضرر وتحقيق النفع للإنسان.

ص: 1378

أما فيما يتعلق بالإنسان وكما ذكرت في بحثي الذي طبع في دمشق بينت أن الاستنساخ في الحقيقة يتنافى مع مبدأين أساسيين في الخلق الإلهي خلافًا لما كرره وذكره الصحفيون أن هذا تغيير وتبديل لخلق الله، واستشهدوا جميعًا بالآية التي هي من تحريض الشيطان لتغيير خلق الله، هذا كله في الحقيقة لا يمس حقيقة الاستنساخ وإنما الذي يتصادم مع مبدأ الخلق الإلهي أمران نص عليهما القرآن الكريم:

الأمر الأول: قضية التوازن بين الأشياء {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:1 - 7] ، فالأشياء كلها تخضع لميزان إلهي ونسبية دقيقة، الله جل جلاله أراد من تلك الأمور النسبية تحقيق مصلحة البشرية ودوامها وتحقيق الخلود والبقاء والاستمرار لها بحسب علم الله وتقديره.

فالاستنساخ الذي يعني إحداث صور متشابهة والتطور العلمي، يقولون بأنه يمكن أن يتحول الاستنساخ إلى آلة طابعة يطبع بشرًا بعد التحكم في قضايا الخلايا، وحينئذ لا يحتاج لا إلى الرحم ولا يحتاج لشيء مما سمعناه من السادة الأساتذة الذين تحدثوا في الموضوع، وإنما القضية أخطر من هذا بكثير، ولذلك نجد هناك اهتمامًا دوليًّا، فبعض الدول منعت فعلًا التورط في مسألة الاستنساخ البشري، فلسنا نحن أقل من هذه الدول أن نحكم على ما هو موجود، أما أن ننتظر النتائج ونتفرج على الأحداث فهذا في الحقيقة يثير فتنة دينية لدى الوسط الإسلامي.

هذا المبدأ - مبدأ التوازن بين الأشياء - يتنافى مع حقيقة الاستنساخ ومخاطره وأوضاعه التي تؤثر في صميم جميع النسب الإنسانية والاجتماعية في الخلق الإلهي.

الأمر الثاني: الذي يتنافى مع الاستنساخ هو القضية الكبرى وهي أن الاستنساخ في الواقع ما هو إلا عبث بالأشياء، وأن إحداث التشابه بين الموجودات فيه خطر على الإنسان نفسه، والله سبحانه وتعالى يقول {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} .

هذا هو سر الحياة في أن نعرف الجمال مع القبيح والأسمر والأبيض والطويل والقصير، والقضايا في هذا العالم لنتمكن من أن نسهم في الحياة الاجتماعية، وإلا كما قلت في بعض التعقيبات على بعض المحاضرات لو أننا أوجدنا سبعين رجلًا بصورة متشابهة وامرأة تزوجت واحدًا من هؤلاء، كيف تفعل بعلاقتها مع هذا الرجل؟ أيهم زوجها؟ والعكس أيضًا إذا تزوج رجل امرأة من سبعين امرأة متشابهات كيف يفعل؟ كيف تتم العلاقة الاجتماعية؟ كيف يمكن ضبط الجرائم؟ كيف يمكن ضبط قضايا المصنع والمعمل والمتجر والوظيفة إذا حدث هذا التشابه؟ فإن الاستنساخ يتصادم مع أصالة القرآن في اختلاف الألسنة والألوان وهذه من آيات الإبداع الإلهي. فإذن وجود التشابه هو في الحقيقة فكرة راودت هتلر ليوجد نوعيات من الجنود المتفوقين في الحرب العالمية الثانية ومن أجل أن يقوموا بإحداث أعمال الشغب ولا يمكن أن يعرف شخص من شخص آخر، فإذن تهتز كل عوالم الحياة وكل أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والحياة الزوجية والأسرية.

ص: 1379

فإذن ينبغي أن يكون لنا موقف حازم ودقيق وصريح وجريء حول هذا الموضوع الذي سبقتنا إليه عدة جهات، فالبابا أعلن تحريمه، وقريبًا أمريكا حرمت الاستنساخ البشري، دول نصرانية كثيرة، فهل ننتظر نحن الدول المسيحية التي تحرم وتمنع ونخاف أن نبدي رأينا في الموضوع؟! الواقع الاستنساخ البشري خطر على الحياة الإنسانية ويهز كيان المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي، ويعطل كيفية التعامل مع الأشياء المختلفة كلها، فجدير بنا أن يكون لنا موقف حازم ورأي صريح بالقول بمنع الاستنساخ في دائرة البشر، وأما الهندسة الوراثية في عالم النبات والحيوان فأمر لا مانع منه.

وأخيرًا أريد أن أطمئنكم بأن (دولي) التي يتحدث عنها الناس الآن تخضع لأجهزة الإنعاش فهي في خطر لأن الخلية التي أخذت منها غير الخلية الطبيعية بحيث يزيد سنها ثمان سنوات عن الحقيقية الأصلية، فهي إذن في خطر وفي حال ترقب الموت، فلذلك لنطمئن جميعًا أن العملية فاشلة، وشكرًا.

الشيخ الشمري:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في الحقيقة إن هذا الموضوع الخطير الذي تناوله الناس بمختلف فئاتهم حتى وضعت المجتمعات في جو مرعب يخافه الكثير من هذا الموضوع، وإن موضوع الاستنساخ موضوع خطير، وهو موضوع جديد في طرحه وفي موضوعه، ولذلك فلا بد من تأصيل المسألة تأصيلًا شرعيًّا وعلميًّا دقيقًا، وحَسَنٌ فَعَلَ المجمع أنه طرح هذا الموضوع للبحث والمناقشة، وأن يدرس دراسة تجلي كثيرًا من غوامضه، وتعطي صورة واضحة عن واقعه الحاضر، وما قد يترتب على تلك الدراسة من فتاوى شرعية وقرارات يتخذها المجمع سواء كان في دورته هذه أو في دورات أخرى.

الأمر الذي أراه من وجهة نظري وأضم رأيي إلى رأي فضيلة الشيخ تقي العثماني أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة متأنية في ضوء الأحكام الشرعية والنصوص الفقهية، وأن تكون تلك الدراسة مبنية على هذه النصوص ومبنية على ما يقدمه المختصون في الطب والعلم التطبيقي وما يتوصلون إليه، فإن هذا الجو الذي قد نوضع فيه بأنه فيه خطر على المجتمعات وعلى الأنساب وعلى كذا وكذا، هذا الأمر ما زال لم يطبق ما زال مطروحًا، فإن التلقيح الصناعي عندما طرح طرح أيضًا في هذا الجو الذي اختلف فيه كثير من العلماء.

ص: 1380

ولذلك فإن موضوع الاستنساخ قد يشابه إلى حد كبير في بعض موضوعاته موضوع التلقيح الصناعي، فقد يجوز لنا أن نقول: إن ما يجوز في التلقيح الصناعي أو ما أجيز في التلقيح الصناعي قد يجاز في الاستنساخ، وما منع هناك قد يمنع أيضًا هنا، هذه مسألة أيضًا ينبغي أن تطرح للبحث والمناقشة والدراسة، وحتى يخلص الباحثون والفقهاء والأطباء إلى قرار سديد سليم في هذه المسألة.

الأمر الآخر في هذا الموضوع هو أن موضوع البحث في هذا ما زال من وجهة نظري قاصرًا يحتاج إلى المزيد وإلى التأني والبحث، وليس مطلوبًا منا أن يكون عندنا قرارات سريعة في مواجهة مثل هذا الموضوع بحجة أن البابا قد فعل وأن كلينتون قد فعل، نحن ننطلق من منطلقات لا ينطلقون منها، فينبغي أن تكون منطلقاتنا مؤصلة ومبنية على نصوص شرعية وفقهية وبحث علمي أصيل دقيق، فنجيز ما كان جائزًا، ونمنع ما كان ممنوعًا؛ لأن في شريعتنا وديننا كما تعلمون أنها ليست ضد العلم، وإنما ضد العبث وضد الشيء الذي يضاد هذه العلوم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ مصطفى التارزي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

حضرات السادة العلماء:

لقد استمعت في هذا الصباح بكل اهتمام إلى بحثي الطبيبين العالمين الدكتور أحمد رجائي، والدكتور صالح الكريم، حول قضية الاستنساخ من الناحية الطبية والبيولوجية، وكنت مبتهجًا بحسن العرض ووضوح البيان، فشكرًا لهما.

وقد استوقفني تعرض الدكتور أحمد رجائي حفظه الله إلى كلمة المؤيدين لقضية الاستنساخ، وبالأصح في قضية التكاثر الخلوي أو التكاثر الجيني، وإلى المعارضين لقضية الاستنساخ، مع أني أعتقد أن كل المتشبعين بالمبادئ الإسلامية يرون أن الموقف المتبصر يرى أن هناك خطوطًا حمراء يجب ألا يتجاوزها العلم درءًا لأخطارها الجسيمة التي يمكن أن تترتب على نتائج هذه الأبحاث العلمية وخاصة في مجال بيولوجية الإنسان، وصلة ذلك بحكمة الخالق في خلق الكائن البشري، لأن كل سلبيات الاستنساخ في ميدان الزراعة وميدان الماشية هي أقل خطورة من سلبيات الاستنساخ البشري، ونتيجة لنجاح العملية التي أنجبت نعجة بطريقة التكاثر الجيني قالوا: إن هذا يمكن أن ينطبق على الإنسان نفسه كما يمكن أن يخلق من هذا الشخص آلاف الأشخاص، ولا يستبعد علميًّا أن يتوصل العلم إلى الاستنساخ البشري، ومعناه أن تجرى كل التجارب الممكنة مهما كلف هذا العمل من مال وجهد وتشريح وتلقيح وتركيب وإخفاق، وبذلك يفقد الإنسان كرامته التي منحه الله إياها في قوله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} .

ص: 1381

وإن هذا الاستنساخ وهو إخراج صور عديدة من أصل واحد إذا قدر له النجاح سيفقد ضوابط الأسرة والبنوة والأخوة، ويهدد الحقوق الإنسانية بأكملها والواجبات الإنسانية في المجتمع، ويفتح باب جرائم التزوير وانتحال شخصيات الآخرين، مع أننا نعلم أن العلم في الإسلام له حدود وهو مقيد بأن يسخر لسعادة الإنسان، ومن أجل أن يبقى النوع الإنساني ويستمر ينبغي أن يكون العلم حارسًا ومهيِّئًا لظروف أفضل للإنسان، أما إذا انحرف العلم عن ذلك فيكون وسيلة لتدمير الإنسان وهذا أمر حرام.

وإذن فليست القضية في نظر الشريعة الإسلامية قضية مؤيدين ومعارضين في نظري، إذ قامت الشريعة الإسلامية على اعتبار الإنسان خليفة الله في الأرض بنص القرآن في آيات كثيرة منها قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} .

أما الحيوان لو كان من فصيلة الثدييات كالإنسان فقد خلق للإنسان لتكتمل به إنسانيته ويتقوى به على القيام بأعباء الخلافة ويقدمه قربانًا إلى الله ، والله تعالى يقول:{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} .

هذا والله سبحانه وتعالى قد عظم الإنسان وتباهى بخلقه عندما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] ، فهل ننتقل بالإنسان من هذه العناية الإلهية وهذا الإبداع في الخلق وهذا التركيب المحكم المتسلسل من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى نشأة خلق الإنسان، هذا الإنسان الذي اختاره الله لأن يتولى خلافته في الأرض؟ لا يمكن أن يغير إلى خلق جديد لمجرد نجاح جزئي جاء صدفة في تجارب خلية جينية للأغنام وخلية أخرى من الغدة الثديية لأغنام أخرى، مع اعتراف الباحث أن التجارب التي أجراها لم تنجح في أغلبها وأن معظم الأجنة التي حصل عليها المعهد ماتت أثناء فترة الحمل ولم ينجح سوى واحد فقط، ومع العلم أن هذا المعهد لم يتخصص في الاستنساخ الحيواني أو البشري وإنما كان يعمل لفائدة شركة المستحضرات الطبية والتكنولوجيا الحيوية بهدف الوصول إلى إيجاد أدوية لعلاج بعض الأمراض الوراثية التي توجد بكثرة لدى الأطفال، كما تسعى عديد من الشركات الأخرى المنتجة للخنازير وعبر تقنيات الهندسة الوراثية أن تستعين بهذا الأسلوب في عملية زرع الأعضاء البشرية.

ص: 1382

وتخوفت الأوساط العلمية في أن هذه الخطوة الأخيرة وهي تجربة استنساخ النعجة (دولي) قد تفتح الباب أمام قضايا بيولوجية وأخلاقية ودينية شائكة، ولهذا صدرت ردود فعل دينية وعلمية وسياسية واسعة النطاق على المستوى العالمي، واتخذت إجراءات للحد من هذه التجارب إذا حاولت تجربة الاستنساخ على البشر، وقدمت مشروعات بقوانين لمنع هذا الأمر وتحريمه في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي لها مراكز أبحاث متخصصة في علم البيولوجيا وعلم الوراثة، مع أننا كلنا نعلم أن الإسلام يشجع البحث العلمي ولا يقف حجر عثرة أمام التقدم العلمي، ونعلم أن تجربة استنساخ النعجة (دولي) قد أثارت ردود فعل دينية وعلمية، وإذا تعالت صيحات الفزع من جهات متعددة للحد من هذه التجارب إنما كان ذلك لما اتجه إليه تفكير الباحثين لمحاولة تجريب الاستنساخ على البشر، خوفًا من عواقبه الوخيمة، ولا يعتبر هذا موقفًا ضد العلم أو ضد التقدم العلمي، لأن الإسلام يبارك العلم، والله تعالى يقول:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، ولا يمكن أن يقف الإسلام ضد العلم ما دام مسخرًا في الخير وفي خدمة الإنسان والمجتمعات البشرية ووسيلة اكتشاف قوانين الله في هذا الكون، فالإسلام يحث على كل تقدم علمي نافع مفيد، والله تعالى يقول:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} .

وكثيرًا ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه قائلًا: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وأعوذ بك من علم لا ينفع)) ، وقد منح الله تبارك وتعالى العقول لخلقه لكي يتفكروا وينظروا إلى الكون وما فيه من دلائل عظيمة على قدرته، قال تعالى:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وبهذا يمكن القول بأن الاستنساخ إذا كان في النبات والحيوان أو مما يوفر وسائل طبية علاجية فيما كان قبل مستعصيًا على الإنسانية، فلا معارضة فيه لأنه ثمرة التقدم الطبي المخبري الذي ما تزال تصرف من أجله أموال ضخمة لاستئصال بعض الأمراض المستعصية ولتتمة الطب الوقائي في العلم، كما أن هذه التجربة ستكون فائدتها عظيمة في الميدان الفلاحي كتوفير الماشية وتحسين الزراعة والتطور في مجال الهندسة الجينية، والمعرفة الدقيقة لخصائص المورثات الصبغية ستجنب الكثيرين أمراضًا كالصلع وتساقط الشعر، كما يساعد على إصلاح علوم الجينات الوراثية ، وفي هذا الميدان يقف الإسلام جنبًا إلى جنب مع التقدم العلمي ما دام لتوفير إنتاج ينفع الناس والبشرية، والإسلام يفرق بين الخلق والتخليق، فالخلق لله عز وجل، والتخليق أو التكوين أو الاختراع يستطيعه الإنسان بواسطة ما خلق الله، فالإنسان لم يخلق المادة الحية ولم يخلق الخلية، ولم يخلق البييضة، ولكنه استطاع أن يستخدم هذه المواد حسب طرق معينة موصلة إلى هذه النتائج، والإسلام يفتح باب ذراعيه للعلم.

حكم الاستنساخ البشري: إن جملة ما تقدم ذكره في هذه الدراسة يبين بكل وضوح أن عملية الاستنساخ البشري هي مخالفة للمبادئ الأساسية التي قام عليها التشريع الإسلامي في تكوين المجتمع الإنساني، ودفعت علماء الشريعة إلى رفع أصواتهم بتحريم الاستنساخ البشري لاعتبارات متعددة.

ص: 1383

أولًا: لأن عملية الاستنساخ البشري ستؤدي بالإنسانية إلى أضرار فادحة ومتنوعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:((لا ضرر ولا ضرار)) ، فكل ما أدخل ضررًا على حياة المجتمع فهو حرام، وللقاعدة الشرعية (الضرر يزال) ، (وما أدى إلى الحرام فهو حرام) ، فالاستنساخ حرام.

ثانيًا: الاستنساخ البشري يخالف التوازن الحياتي القائم على اختلاف الجنس وتباينه لقوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} ، إذ بالتمييز جعل الله لكل إنسان شخصيته ودوره.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. هيثم الخياط:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

أود أن أدعو أولًا إلى تحرير المصطلحات قبل كل شيء تمهيدًا لإصدار الحكم الشرعي، فلفظة (الاستنساخ) لفظة فرضتها علينا وسائل الإعلام وهي لفظة غير دقيقة ولكنها فرضت علينا، وهي في مقابلتها الأجنبية مظلة تغطّي عددًا من المفاهيم، عددها في الوقت الحاضر أربعة:

أولها: أخذ الحقيبة الوراثية الكاملة على شكل نواة من خلية من خلايا الأب وإيلاجها في خلية بويضية من الأم مسلوبة النواة، فتتألف بذلك خلية تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وهي في الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر إن اكتملت حقيبتها الوراثية، فإذا غرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقًا مكتملًا بإذن الله، وهذا هو الذي يقصد بالاستنساخ إذا أطلقت هذه اللفظة بلا تحديد، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن المخلوق الجديد لا يمكن أن يشبه أباه 100 % لأن بييضة الأم المسلوبة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة التي سلبت، ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الأبوية؛ هذا هو المفهوم الأول.

المفهوم الثاني: ازدواج حقيبة وراثية نصفية من منوي الأب مع حقيبة وراثية نصفية من بويضة الأم بحيث أصبحتا معًا خلية تشتمل على حقيبة وراثية كاملة وتمتلك طاقة التكاثر، فإذا أخذت بالتكاثر إلى خلايا متماثلة شطرنا بعض هذه الخلايا عن بعض في مراحلها الأولى السابقة لمرحلة التمايز، فكانت كل منها قادرة على تكوين مخلوق مكتمل - بإذن الله - يشبه تمام الشبه شقائقها الأخرى، وهذا الذي يطلق عليه البعض اسم الاستتئام أو الاستيئام.

المفهوم الثالث: أخذ سلالة من خلايا الكائن الحي وتكثيرها بشكل مناسب في وسط مناسب وذلك للاستفادة من هذه النسيلة الأحادية في التشخيص أو المعالجة.

ص: 1384

المفهوم الرابع: تناوش جين من الجينات- أي مورثة من المورثات - وهي تلك الحبيبات الصغار التي تؤلف سلسلتها ما يعرف بالصبغي أو الكروموزوم، أقول: تناوش هذا الجين إذا كان يحمل خلية مرضية لإصلاح هذا الخلل بإذن الله.

هذا كله في البشر وهو فيما يخيل إليّ موضوع بحثنا، لم يحدث النوعان الأولان فيه بعد فيما نعلم، لا الاستنساخ بالمفهوم الشائع ولا الاستيئام، النوع الثالث بدأ بنجاح منذ سنين، والنوع الرابع يتم العمل عليه في الوقت الحاضر، أما ما يتم من تجارب الهندسة الوراثية على النبات والحيوان فليست محل بحثنا وهو أمر فيما بدا لي لا يلقى نكيرًا من أحد. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الشيخ عكرمة:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله.

وبعد:

ما من شك أن كل قضية جديدة لا بد وأن تحاط بقواعد عامة وأدلة شرعية لمعرفة مدى مطابقتها وعدم مطابقتها، فقبل أن نصدر حكمًا عن الاستنساخ لا بد وأن نراعي عددًا من القواعد العامة التي دعا إليها ديننا الحنيف، منها: بأن التناسل والتكاثر في الشريعة الإسلامية يكون عن طريق الزواج المعروف: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وقاعدة أخرى معروفة في الشريعة الإسلامية هي التي فيها أب وأم ونسل وإنجاب، والله سبحانه وتعالى يقول:{ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} ويقول أيضًا {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} ، وقاعدة أخرى أن المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية تقع على الشخص نفسه وهو الذي يتحمل عاقبة أثره، فحين تتشابه النسخ البشرية قد يتعذر حينئذ تحديد المسؤولية ومعرفة صاحب العلاقة، والله سبحانه وتعالى يقول:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ويقول أيضًا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، ومن القواعد التي يجب أن تراعى في هذا المجال بأن الله سبحانه وتعالى قد كرم الإنسان وخلقه في أحسن صورة بقوله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} ويقول أيضًا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} .

فالاستنساخ حسب تصوري يؤدي إلى امتهان الإنسان وإلى تشويه خلقه وصورته.

ص: 1385

أيضًا، من القواعد الشرعية أن الشرع يهدف إلى حفظ الكليات الخمس وهي: النفس والعقل والدين والمال والنسل، وهذه الكليات لا يستطيع أي مجتمع العيش بدونها، وإذا حدث إخلال بواحدة منها فسدت الحياة، وعليه، فإن قضية الاستنساخ كما يبدو فيها اعتداء على بعض هذه الكليات الأساسية في المجتمع.

هذه بعض القواعد الكلية المدعومة بالنصوص الشرعية لا بد من مراعاتها حينما نحكم على مشروعية الاستنساخ وعدم مشروعيته، مع التأكيد على أننا لسنا ضد العلم، والدليل على ذلك أننا قد أجزنا من الناحية الشرعية أطفال الأنابيب بقيود حينما يكون الحيوان المنوي من الزوج والبويضة من زوجته فقط.

بالنسبة للحيوانات والنباتات أتصور أنه هو جائز ولكن ضمن حدود أيضًا، ضمن حدود المصلحة الشرعية للإنسان وضمن التوازن البيئي الذي وضعه الله للبشرية، فإن قلنا إن الحيوانات يجوز الاستنساخ فيها مطلقًا فكيف باستنساخ الخنازير على سبيل المثال؟ فلا بد أيضًا في استنساخ الحيوانات أن يكون ذلك ضمن المصلحة الشرعية للإنسان، وكذلك بالنسبة للنباتات فهناك نباتات محرمة كنبتة الحشيس وغير ذلك من النباتات المحرمة لا يجوز أيضًا أن نجيز في استنساخها من الناحية العلمية، فالحيوانات والنباتات من حيث المبدأ جائزة الاستنساخ ولكن ضمن المصلحة الشرعية للإنسان وضمن التوازن البيئي الذي وضعه الله للبشرية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ الطيب سلامة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قضية الاستنساخ هذه التي هي حديث العالم أو حادث القرن إن شئنا، هي قضية في أصلها مفتعلة لأن هذا الاستنساخ ليس وليد اليوم ولا وليد أسبوع ولا شهر ولا سنة، عمليات الاستنساخ والتجارب فيه بدأت في مطلع هذا القرن، وأخذت نشاطًا زائدًا قبل الحرب العالمية الثانية، ثم خمدت زمن الحرب وتواصل العمل فيها إلى يوم الناس هذا، الجدير بالملاحظة أن حسناء الأغنام (دولي) هذه التي أثارت الدنيا وأقعدتها ليست هي الأولى من نوعها بل قبلها بسنة ولدت أخت لها بنفس العملية تقريبًا وتختلف عنها في الاسم اسمها (مراق) وهي حية إلى اليوم، ولكن لم تتكلم فيها الصحافة ولم يثر الحدث انتباه أي إنسان، هذا يدل على أن وسائل الإعلام العالمية مُسَيَّرة وهي تسير لا حسب قواعد معلومة، وإنما حسب سُلَطٍ تُسَيِّرُهَا في العالم، ونحن في هذا العالم نعيش مع سلطة أخرى جديدة هي هذه الشركات العظمى التي ارتفعت بمستواها وقدراتها وصورتها فوق الدول حتى الدول العظمى والغنية في نطاق ما يسمى بـ (العولمة) .

ص: 1386

ونحن نعرف أن هذه النعجة المستنسخة هي عملية اختراع، بحيث أخذت الإجراءات لإجراء عملية طبيعية كما يقع في المصانع من اختراع الآلات الجديدة، لأنها ولدت في 5/ 7/ 1996 م وتم الإعلان عنها في 27/ 2/ 1997 م، أي بعد ثمانية شهور تقريبًا، وبعد أن تم تسجيل براءتها حتى تبقى الشركة التي أنتجتها هي المالكة لهذا المخترع وحتى توهم الناس أيضًا أنه حقيقة مخترع علمي له بال، في حين أن المعلومات الأخيرة دلت على أن إعادة هذه التجربة محل شك ومحل توقف، لأن العملية وقعت على صورتها التي ذكرت، ولكن إعادتها كما هي ليس فيها نجاح مضمون. وجميع الشركات المهتمة بهذا الأمر وجميع المخابر العلمية تحاول أن تعيد هذه التجربة ولكن مع نسبة كبيرة من اليأس في أنها تنجح، ونفس الباحثين اللذين ولدت على يديهما (دولي) يعترفان بأنها ضربة حظ، بدليل أنهما استعملا قبل نجاحهما في هذه النعيجة 277 خلية ولم تنجح، ونجحا في الخلية 278، حينئذ لعل فيه خير، لعل من الأسباب التي نحمد الأقدار عليها لأنها تحفزنا إلى أن ننظر إلى المستقبل وأن نحتاط، ولأن نرى ما يجري في عالم الأبحاث العلمية وفي ميدان التقدم العلمي ، وإن كان يؤسفنا أن يأخذ هذا الحجم، في حين أن العالم يعيش أشياء مريعة وفظيعة إلى أبعد الحدود ولا تتكلم عنها صحافة ولا وسائل إعلام.

وأذكر من هذه الأمور التي تمر بالعالم ولا يلتفت لها لا العالم المتحضر ولا العالم المتخلف ولا العالم المتوسط، من ذلك أننا نعيش في هذا الوقت الذي نتحدث فيه هناك أسواق يباع فيها الأطفال وليست في آسيا أو إفريقيا وإنما هي في أمريكا الجنوبية، أطفال يباعون ويقع الاتجار فيهم، والنسب محفوظة بنسبة 300 أو 500 طفل كل شهر، يعني 42000 طفل في السنة، وهو عدد سكان مدينة متوسطة، يباعون في هذه البلدان ويقبض أهلهم الذين يبيعونهم أثمانهم؟ يقول قائل: لماذا يباع هذا الطفل؟ وماذا يفعل به؟ هو مستعمل في أحد أمور ثلاثة: إما في الأشغال الشاقة - والأطفال هؤلاء سنهم من سنة إلى 15 سنة بين ذكور وإناث - ويربون على ذلك ويتم تدريبهم على هذه الأعمال، ولكن الأشد قسوة والمنكر هو أن هؤلاء الأطفال يستعملون في البغاء وفي اللواط، ثالثًا يستعملون في أخذ أعضائهم لبيعها للأثرياء والكبراء، والأسعار محددة ومعروفة، الكلية من 9000 دولار إلى 20000 دولار بحسب العرض والطلب، طبعًا الكلية تؤخذ من ذلك الطفل وتعطى لذلك الغني وهكذا.

ص: 1387

المنكرات التي تمر بها البشرية اليوم كأننا نعيش في عصر ندعي فيه الرقي والحضارة ولكننا نفقد فيه كل ضمير، حتى السوق المالية التي تعيش من جراء هؤلاء الأطفال قدروها بما يقارب من خمسة مليارات دولار، المنظمات هذه موجودة ومعروفة، هناك منظمة مشهورة وهي عتيدة ومتمكنة وسمتها بعض الجرائد لأنها ذكرت هذا الخبر في زاوية خفية، هي المافيا العالمية كما قالت والعهدة عليهم.

الاستنساخ بأنواعه في النباتات، وقد بدأ في النباتات ودعت الحاجة إليه وإلى تكثير النبات وإلى حماية النباتات من الأمراض والحشرات الطفيلية التي تفتك بها، ثم الاستنساخ الحيواني، والآن نحن في محل أخذ ورد حول الاستنساخ البشري؛ حتى الاستنساخ النباتي الآن محل توقف بحيث لا يقدر الإنسان أن يقول ولا يقدر المسلم أو العالم أو الفقيه أن يقول إن الاستنساخ النباتي مسلم وهو جائز ومعمول به، هو معمول به في التطبيق ولكن ما زالت نتائجه الحقيقية غير مسلمة وغير معروفة، بدليل أنه توجد منظمات في أوروبا نفسها التي يجري فيها هذا الاستنساخ منظمات متعددة وهي المنظمات التي يجمعها عنوان حماية الطبيعة.

من هذه المنظمات منظمة معروفة ومشهورة وهي جماعة السلام الأخضري، المنظمة هذه تعارض بكل شدة أن يقبل الناس على استهلاك هذا المنتوج المحور جينيًّا، لأنهم يقولون لا ندري، بعد التجارب لا بد أن تكون تجارب سنوات حتى نعلم انعكاس هذه المنتوجات على جسم البشر، ونحن نعرف التجارب كما يقولون، تجارب الأدوية التي تجرب في إطار خاص، والأطباء يعرفون هذا، ثم تجرب في نطاق واسع، ثم تجرب إكلينيكيًّا، لا نكتشف أضرار هذه الأدوية ولا نسحبها من الأسواق إلا بعد مضي عشرات السنوات ونتفطن إلى ما تحدثه هذه الأدوية من أضرار على المرضى، كذلك يقولون يجب أن نحفظ حقوق المستهلك في أننا نميز بين المنتوج المحور جينيًّا وبين المنتوج الطبيعي، ولكن الشركات التي تنتج هذه المنتوجات المحورة جينيًّا تأبى أن تميز وتمتنع عن ذلك، وفي طليعة هذه الشركات: الشركات الأمريكية التي تورد حبوبها إلى أوروبا، بحيث التجار في أوروبا يطالبون بالتمييز بين الحبوب الطبيعية وغير الطبيعية ويأبى الباعة هذا التمييز.

ص: 1388

وقد أصدر البرلمان الأوروبي توصية إلى الحكومات بأن تعمل على إصدار قرارات وقوانين توجب في المتاجر التمييز، يعني في أماكن العرض، أو بوضع العلامات والملصقات، التمييز بين الإنتاج الطبيعي وغير الطبيعي، إذا كان هذا الإنتاج النباتي الذي مر عليه عقود كثيرة من التجربة، ومازال محل توقف من أهله فكيف نستطيع نحن أن نسارع بأن نصدر الحكم بأنه حلال أو طيب، ثم نجد أنفسنا متناقضين مع الواقع بعد سنة أو أكثر، فأعتقد أن الانتظار أولى.

استنساخ الحيوان جرى ووقع، ولكن أيضًا هو محل توقف، وقضية البقر المجنون لمجرد تغيير طبيعته في أنه أصبح يتناول من دقيق اللحم فجنت الأبقار فجنت وراءها البشرية لأنها أكلت لحومها، حينئذ حدثت أخطاء كبيرة زيادة على ما هو واقع، ومما لاحظه العديد من الأطباء في أن هذه المحورات جينيًّا تثير عند كثير من الناس أنواعًا من الحساسية، إذا أتينا إلى الاستنساخ البشري فهو عملية ليست سهلة، إذا نحن في (دولي) الآن الذي نعتقده أنه أمر مسلم، هي ما زالت محل توقف، المخابر في البحث العلمي تتمنى لو أنها تستطيع أن تعيد تجربة (دولي) ، نفس العالمين يتمنيان أن يقدرا على إعادة تجربة (دولي) ، هي في حيز العدم تقريبًا وهي شبه حلم عاشته البشرية، ثم إنه هل يستمر أم ينطفئ؟

حينئذ بالنسبة للإنسان الاستنساخ ليس سهلًا، أولًا لأن العقلاء من العلماء والباحثين يقولون: أي غرض يتعلق باستنساخ الإنسان؟ وأي فائدة تأتي من استنساخ الإنسان؟ وضربوا مثلًا لذلك حين استشهدوا بأينشتاين أو هتلر الذي يحكي عنه التاريخ من الشدة والحزم، قالوا: لو نستنسخ ونظفر بخلية من خلايا هتلر ونستنسخه فلن يكون على التحقيق هو هتلر نفسه الذي عاش، بل قد يكون إنسان شبه مخبول أو لعابه سائل وهو يمشي في الأسواق، ولعل إسرائيل تشتريه.

ص: 1389

حينئذ استنساخ الإنسان، كلمة الاستنساخ معناها أخذ النسخة لا تدل على المطابقة، وهو أمر مجزوم به، فنحن عندما نستنسخ ورقة على ماكينة التصوير نجد أنها ملوثة، زيادة على أن ما يقوله العلماء - والعهدة عليهم - أن الفارق الزمني في تنشيط الخلية، الخلية التي ننطلق منها في تكوين الحيوان والخلية التي ننطلق منها في تكوين الإنسان إن حدث أننا سنستنسخ الإنسان، أقول إن الفارق الزمني هو كثير لأننا عندما نلقح البييضة، فإن القيادة في تسيير حياة الخلية الملقحة تكون للحامض النووي وللسيتوبلازم، هذه القيادة تستمر إلى الانقسام الرابع أو الخامس، يعني إلى أن تصبح الخلية الواحدة عددها 32 خلية تقريبًا، بالنسبة للإنسان هذا غير موجود، وقد أجريت تجارب على خلايا إنسانية، ففي الانقسام الثاني بعدما تصبح الخلية 4 يتخلى الحامض النووي والسيتوبلازم ويطلبا من النواة أن تأخذ القيادة، فلا تستطيع النواة وهي لم تتهيأ بعد لأخذ قيادة الخلية، ولذلك تموت الخلية، من هنا أحد الباحثين في مداخلة له خجل من أن يقول: إن الأمر مستحيل بالنسبة للاستنساخ البشري وقال: صعب، ثم تردد كثيرًا، وفي الآخر نطق بها وقال: العهدة علي أن أتحمل هذا، أنا أعتقد أن الاستنساخ البشري أمر مستحيل، وهذا من تكريم الله تعالى لبني آدم وهو من نعم الله تعالى علينا.

الحكم بالنسبة للاستنساخ ينبغي ألا نستعجل فيه، وبعض الإخوان يرى أننا نتبع ما جرى في أمريكا وأوروبا من الإسراع في تحريم الاستنساخ، يا أخي أمريكا وأوروبا عندهم سابقة حيث إن المسيحية كانت تقاوم العلم وفي الإسلام عكس ذلك، ولكن نسارع ونحرم ربما يكون موقفنا مغاير للإسلام، لأن الإسلام يحرم الفساد والإفساد في الأرض، أما المجال العلمي فهو مفتوح، وقضية الاكتشاف العلمي لا يتحمل جرم تصرف الإنسان، نحن نعرف مثلًا أن آلة الكشف بالصدى موضوعة للكشف عن باطن الإنسان بصورة أوضح من أشعة x ولكنها اليوم أصبحت مستعملة في بعض البلدان للقضاء على الجنين إذا كان بنتًا، يعني بهذه الآلة يطلعون على الجنين وإذا علموا أنه بنت يقع الإجهاض لأنهم لا يريدون البنات، هذا ليس ذنب الآلة أو ذنب العلم وإنما ذنب البشر. وشكرًا لكم.

ص: 1390

الشيخ خليل الميس:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أريد كلمة خطابية بل أريد أن أسأل رجال البحث العلمي عندنا حتى نبحث عن هذا الحكم أو ذاك، إننا نتوجه بهذه المناسبة إلى إخواننا في البحث العلمي، إلى الأطباء والبيولوجيين، نريد أن نرى نظرية علمية على أيديهم تولد لنحييهم، ثم نقول إن الله رفع أيديهم عن الإنسان، نعم لن تصل أيديهم إلى الإنسان لأننا كما سمعنا وتعرفون وستعرفون: لن يصلوا إلى (دولي) في الإنسان، ولكن نقول يا ترى - نسأل الأطباء - كم وكم تسرب من هذه التي تسمى لجان البحث أو المختبرات، كم وكم تسلل من مصائب إلى البشرية لم نعرفها؟ هم يعرفونها ونحن لا نعرفها، إذن أمام هذا البحث العلمي نحن نتساءل كيف وقد ورد في أول آية من آيات القرآن {اقْرَأْ} ؟ وفيها علم الإنسان ما لم يعلم، إذن نحن لا نخاف من البحث العلمي ولكن نقول لهم: ارفعوا أيديكم عن الإنسان، والله قد رفع أيديهم عن الإنسان. وشكرا لكم. . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ حمداتي شبيهنا ماء العينين:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين.

إن الاستنساخ نتيجة مدهشة من نتائج تطور البحث العلمي والتي وضعنا الأساتذة الأطباء جزاهم الله خيرًا في صورة عامة عنها مما يتيح لنا إبداء الرأي في شكل الموضوع لا في جوهره، بناء على نظرة عجلاء لفحص بعض النصوص التي تحمل دلالات عامة يمكن استنباط الحكم منها، ولكن يبقى التساؤل عن النتائج النهائية في جولة العلم في هذا المجال، تحاشيًا للتطويل في تكرار التفاصيل العلمية التي تعرض لها الأساتذة الكرام، وبالأخص التصوير القيم الذي قدمه الدكتور رجائي والدكتور صالح صباح هذا اليوم، يمكن القول: إن لدينا ثوابت يتجه المجاهرة بحكم الله فيها وهي أن استنساخ الإنسان على الشكل الذي تم في النعجة المشؤومة (دولي) حرام، ولا يجوز السكوت عنه إن وقعت الإساءة، ولكن أيضًا لا بد من الإشارة إلى أن العلم سجل إمكانية كذا التغيير في الخلق مبكرًا وخصوصًا عند علماء المسلمين، فالقرطبي عند قول الله عز وجل {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} قال: ولذلك حرم بعض العلماء تعاطي بعض صنوف الكيمياء حتى لا يجر ذلك إلى تغيير خلق الله، وحديث لعن الواصلة والمستوصلة ورد في أحد الروايات بالجمع، وفي آخره:(المغيرات لخلق الله) .

ص: 1391

وعلى هذا، فإنني أرى ما دامت أداة البحث خارجة عن دائرة نفوذ الحكم في الدول الإسلامية وجهات التمويل ليست إسلامية، ومراكز البحث والأطباء العاملون بها مع الأسف ليسوا أيضًا من المسلمين، فإن دائرة حكم الدول الإسلامية لا تستطيع التحكم في النتائج التي يمكن أن يصلوا إليها خشية انتشار هذه الصفة ونصبح أمامها لا نستطيع رد ما توصلت إليه، فإنني أرى أنه يجب إصدار قرار تحريم استنساخ الإنسان، ولكن أيضًا أقترح القيام بإجراءات هامة ما دام البحث متقدم في هذه القضية، وما دامت جهات التشريع في الدول العلمانية ومرافق الكنيسة تحرم هذا الموضوع الآن، فإنني أقترح أن المجمع الفقهي بتنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي يسعيان إلى حوار بين رجال الديانات السماوية لاستصدار قرار بحرمة هذا الموضوع بينما حرموه هم الآن.

وكذلك الدول العلمانية جهات التشريع فيها تعالت منها صيحات بتحريمه، ففي هذا الوقت الذي تتأجج فيه العواطف بتحريم هذا الموضوع يسعى المجمع الفقهي بتنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي وأمينها العام باستصدار قرار يمكن أن يطرح حتى على مجلس الأمن حتى يكون بأيدينا تحريمه من العالم ولا نصيح غدًا بعد الرجوع عن قراراتهم، نحن الذين نصطدم بالعلم كما يدعون ويعبرون هم عن رأيهم ونبقى نحن وحدنا في الميدان بتحريمه.

وشكرًا لكم. . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد الله بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

أتمنى أن يكون الشيخ علي التسخيري موجودًا لأني سأبدأ بالتعليق على بحثه وعلى ما ذكر أنه مسخر للدفاع عن هذه المسألة وإن كان لا يعتقد أمرها، فعلى كل حال ذكر لنا أن هذا وضع أو عمل قائم في بلادهم في المحاكم، وهذا شيء ممكن أن نذكر مثيلًا له وهو من سيرة الملك عبد العزيز رحمه الله ، فالملك عبد العزيز حينما يعرض له مسألة من المسائل أو من المشاكل سواء كانت مشكلة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية فهو يجمع لها مستشاريه وإخوانه ويفرض على أخيه محمد بن عبد الرحمن أن يكون معارضًا ولو لم يكن معتقدًا المعارضة، وأن يأتي بما يبرر هذه المعارضة حتى تتضح الصور وتتضح المداخل ويمكن أن يكون هناك علاج لها.

ص: 1392

في الواقع أن الشيخ علي أعطانا بحثًا فيه بيان وهو بيان يشبه السحر نرجو الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من سحره، فهذا الموضوع موضوع خطير وموضوع في الواقع يعتبر عبثًا بالإنسانية وعبثًا بالمجتمع الإنساني على وجه العموم، فلا بد أن يكون لنا موقف يناهض هذا العبث الذي من شأنه أن يقضي على الإنسانية ويعتبرها ميدان تجارب على ما يريد.

ذكر بأن تغيير خلق الله الذي آلى الشيطان على ربه أن يأخذ به أنه عبارة عن توهمات وإيحاءات شيطانية ولكننا نقال: لا ليس الأمر كذلك، بل هو في الواقع من الشيطان هي إيحاءات للقيام بأعمال مادية، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النمص، ونهى عن الفلج، ونهى عن الوشم، وقال صلى الله عليه وسلم: بأن هذا من تغيير خلق الله، والله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه مما يريد الشيطان أن يفعله {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ} ، فهذا كذلك تصرف مادي ليس إيحاءًا ولا توهمًا.

في الواقع كم أتمنى أن تشتمل بحوثنا المقدمة في هذا المجمع على ما يتعلق بالآثار السلبية على العقيدة، هل هذا تدخل في خلق الله وفي تغيير الأسس الربانية للخلق؟ أقصد هل في ذلك فتح لأبواب الإلحاد من قبل الإيحاء إلى ضعاف الإيمان بأن الحياة طبيعية ودهرية وجاءت عن طريق الصدفة؟ أتمنى أن يكون هناك رد على إنكار هذا التصور، وإن كان هذا التصور من ضعاف الإيمان، وأتمنى أن يكون من الرد على ذلك أن العناصر الأساسية للاستنساخ هي من الله تعالى، وهي خلق من خلق الله تعالى، وأن القائمين بهذه البحوث لا يستطيع أي واحد منهم أن يوجد عناصر مستقلة لإيجاد خلق آخر، فمهما تقدمت بحوثهم ونتائجهم في هذه المسألة فهي لا تتجاوز القول بأن ذلك خلق الله، يكون في الاعتبار أن معظم القائمين بهذه البحوث علماء طبيعيون، دهريون، ليس لهم ولا عندهم ضوابط دينية تجعلهم يقفون دون مسالكهم.

وهناك مؤسسات مالية لها قدرة على تمويل هذه البحوث وقفت الحكومات من ذلك مواقف سالبة موفقة إلا أن هذه المؤسسات المالية الخاصة لها غرض من الجانب الاقتصادي، أي من جانب الكسب المادي، فهي تمول هذه المعاهد المختصة بهذه البحوث لا لغرضٍ إلا الاستزادة من التكثر في المال، هذا يوجب علينا أن نكذب الردود على هذا العبث الإنساني المفضي إلى الكفر بالله من ضعاف النفوس - وما أكثرهم - نظرًا إلى أن مسائل الاستنساخ ليست مما تحتاجه الإنسانية في مجالات حياتها من حيث الاجتماع والاقتصاد والصحة، وهو في الواقع تدخل في الخصائص الربانية، وآثاره السلبية أضعاف أضعاف ما يمكن أن يقال بوجود جوانب إيجابية.

ص: 1393

لذلك أرى أن على مجمع الفقه أن يسارع في إبداء الحكم الشرعي نحوه، فهو مجمع يمثل أكثر المسلمين في أنحاء المعمورة، وهو - أعني الاستنساخ - عبث ممن لا أخلاق لهم ولا أهداف غير التعاون والتعاضد مع الشيطان في تحقيقه ما آل به على ربه من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى، فنظرًا إلى ما في ذلك من الآثار السلبية الخطيرة على العقيدة بصفة خاصة، وعلى أسس المجتمع الإنساني وتماسكه، وحيث إن المقامات العالية في الإنسانية عالميًّا قاومت هذا العبث واستنكرته، والمسلمون أولى بالمقاومة؛ فأرى ضرورة الإسراع في استنكار ذلك وذكر مسوغات ذلك الاستنكار وإصدار قرار من المجمع بذلك.

أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

الدكتور محمد علي البار:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين.

عندي بعض النقاط البسيطة التي أحب أن أشير إليها، وهي أن المسلمين بصورة عامة في هذا الميدان، ميدان العلوم البشرية وغير البشرية، متخلفون جدًّا بصورة عامة، وخاصة في موضوع الهندسة الوراثية وغيرها، وهذه الأبواب يحتاج إليها البشر، وسنوضح ذلك، ونحن الآن لا في العير ولا في النفير في معظم الأبحاث العلمية، ونحن نتلقى ما يأتي من الغرب ثم نحاول نرى تطبيقات حوله، وهذا الموقف، وموقف كل علم نافع والعلوم النافعة كثيرة جدًّا، سواء كانت في مجال الطب أو البيولوجيا أو الفيزياء أو الطيران أو غيرها، نحن أحق بها وهي من فروض الكفاية التي أشار إليها العلماء منذ زمن طويل جدًّا، لأنه لا بد أن يكون للمسلمين علم أفضل مما هو لدى الكفار، وأقل ذلك أن يكون مماثلًا له، ونحن في الأبحاث العلمية المختلفة جميع الدول الإسلامية بصورة عامة متخلفة في هذا الميدان وتنفق ربما في كرة القدم أو في مباريات أخرى، وغيرها أضعاف أضعاف ما تنفقه في مشاريع الأبحاث العلمية، فهذه نظرة عامة مهمة للتنويه بهذا الجانب.

إن الجوانب العلمية والعلماء المختصون في هذا الميدان يشتكون كثيرًا في الجامعات وفي غيرها من نقص الموارد وعدم الاهتمام بالأبحاث العلمية بصورة عامة، كم نحن محتاجون إلى أن نركز مواضيعنا في الأبحاث العلمية بصورة عامة، دول العالم الثالث بصورة عامة لا تخصص للأبحاث العلمية إلا أقل القليل، بينما نرى اليابان والغرب وغيره يخصصون مبالغ طائلة حتى من الدخل القومي، جزء كبير من الدخل القومي يفرد للأبحاث العلمية بصورة عامة، هذه نقطة أساسية ويبدو لي أن المجمع يستطيع أن يشير في توصياته إلى الاهتمام بالتطبيقات العلمية الحديثة، ليس في ميدان الاستنساخ والهندسة الوراثية فقط ولكن في الميادين كلها.

ص: 1394

النقطة الثانية وهي قد تنبهت لها ندوة الدار البيضاء في المغرب وفي توصياتهم جاءت: أن ما يُمنع، قد تمنعه الدول الغربية من الناحية القانونية في إجراء بعض الأبحاث حول الاستنساخ البشري، في بعضها وليست كلها سوف تكون ممنوعة، لكن بعض الأنواع ربما تكون ممنوعة هناك وتستصدر قوانين بمنعها منعًا باتًّا، هذه الشركات لها سوابق سواء كانت شركات الأدوية أو شركات الأبحاث العلمية، تأتي هذه إلى دول العالم الثالث الفقير وتقوم بمشاريع مموهة على أنها مشاريع علمية لتنفع هذا البلد الفقير المحتاج، وفي نفس الوقت يقومون بأبحاث علمية ممنوعة عندهم.

وعلى سبيل المثال حتى حبوب منع الحمل عندما بدأت كانت تعطى في ورتيريكو - وهي جزيرة قريبة من الولايات المتحدة - يمكن حوالي مائة ضعف الكمية التي تعطى بها الآن، وتعطى لهؤلاء الناس، وكانت ممنوعة في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وبعد أن جربت في هؤلاء البشر، يعني من المفروض أولًا أن يجربوها في الحيوانات، (الحيوانات الدنيا والحيوانات التي أكبر منها إلى الفئران) ثم تطلع بعد ذلك إلى حيوانات أخرى ثم بعد ذلك تجرب في البشر، وغالبًا يكون التجريب في البشر من العالم الثالث، ثم ينتقل بعد ذلك إلى البشر في العالم الأول عندهم، فهذه نقطة جديرة بالاهتمام وخاصة في التوصيات بألا ينتقل إلى عالم المسلمين ما هو ممنوع عندهم هناك لإجراء التجارب علينا باسم مموه صورة من صور الأبحاث العلمية أو مركز علمي يقام، ولا تزال هذه المراكز الموجودة في بعض الدول الإسلامية ممولة من شركات غربية ومن دول غربية تقوم بما هو ممنوع عندهم هناك أصلًا، هذه نقطة تحتاج إلى الاهتمام بها.

موضوع الاستنساخ يبدو أن فيه سوء فهم إلى الآن وهو ليس غريبًا أن يساء فهمه لأنه موضوع جديد وإن كان له طبعًا سوابق قديمة جدًّا، حتى الاستنساخ البشري، يعني الآن في خلايا جسم أي شخص جعل الله سبحانه وتعالى خلايا الجلد تموت ويخلق مثلها بالضبط وتستنسخ منها مئات الملايين من الخلايا، يمكن في خلال الجلسة هذه المسائية تم استنساخ مئات الملايين من خلايا الجلد، ومئات الملايين من خلايا الدم، ومئات الملايين من خلايا الأمعاء، في جسم أي واحد موجود فينا، فالاستنساخ الطبيعي موجود ولا جدال فيه، حتى الاستنساخ البشري.

ص: 1395

النقطة الثانية التقسيمات التي جاءت في موضوع الاستنساخ وأنواعه تحتاج إلى إعادة نظر في تبسيطها للناس، من ذلك يمكن أن تقسم إلى استنساخ للأجنة (الجنيني) ، والاستنساخ الجيني للجينات والحقائب الوراثية، والاستنساخ العادي الذي يدخل في الخلايا الجسدية (استنساخ زرع النواة) ، وكل واحد من هؤلاء له تطبيقات تختلف عن الأخرى.

بالنسبة لاستخدامات استنساخ الجينات تحدث عنها الدكتور صالح وبحثه واضح فيها ربما يحتاج إلى إعادة القراءة وهو بحث قيم جدًّا في هذا الميدان، وكذلك الدكتور أحمد رجائي الجندي أوضح هذه النقاط، الجينات، هذا البحث حول الهندسة الوراثية وإيجاد الجينات موجود في النبات والحيوان وموجود أيضًا في الإنسان، وحتى في النبات والحيوان رغم فوائده العديدة يحتاج إلى إعادة نظر حتى لا تكون بعض الأضرار، لكن هذا لا يمنع أبدًا مثل أضرار الأدوية لا بد من المراقبة والمتابعة وإلا لأوقفنا باب استخدام الأدوية كلها، يعني بعض الأدوية لها أضرار وقد يكون حتى في المدى البعيد يمكن بعد عشر سنوات تكتشف لها أضرار.

وأنا أؤيد ما ذكره الشيخ الطيب سلامة وغيره من المتحدثين قالوا: إن هناك بعض الأضرار تظهر بعد عدة سنوات وهذا حق ولكن هذا لا يقفل باب استخدام الأدوية، إلا أن استخدام الأدوية المفيدة والمتابعة لذلك يحتاج إلى زمن لظهور بعض الأضرار، فإذا ظهرت لنا هذه الأضرار أوقفناه، لكن أننا نوقف جميع الأدوية والعقاقير لأن لها أضرارًا، هذا لا جدال أن لها بعض الأضرار وكل دواء في الدنيا يستخدم، حتى الأكل يعني بعض الناس عندهم حساسية له، وقد يضره فلا تمنع من أجل حالات محدودة ثبت ضررها، إذا ثبت النفع للأغلبية من الملايين من البشر وثبت الضرر لخمسة أو عشرة أو مائة لا يعني ذلك أننا نوقف هذا الدواء، ولكننا نتعرف على هذه الأضرار، وهذا أمر معروف وطبيعي ويدرسه كل طالب في كلية الطب أو الصيدلة.

هذا بالنسبة للجنين أو الجينات، الجينات أيضًا تستخدم في الهندسة الوراثية هذه لمداواة كثير من الأمراض ولإيجاد كثير من الأدوية والعقاقير، وأشار إليها الباحثون مثل بعض الهرمونات، (الأنترفيرون، الأنسولين) أو إدخال جينات بعد معرفة التشوهات الجينية الموجودة في الأجنة، وهذا البحث جاري، وقد بدأ بالفعل في بعض المراكز المتقدمة محاولة إصلاح هذا الخلل، يعني طفل سيولد بمرض وراثي هل من الممكن إصلاح هذا العطب، هذا الخطأ الموجود فيه؟ يعني هذا الطفل يعاني من مرض قد يكون مرضًا خطيرًا جدًّا.

كانت الفتاوى حتى من المجامع الفقهية بأنه قبل مائة وعشرين يومًا إذا ثبت لدينا الضرر البالغ الخطير في هذا الجنين أنه يباح - إذا ثبت ذلك بلجنة طبية مكونة من ثلاثة أطباء ثقات مسلمين - يباح الإجهاض، هذا كان رأي الأغلبية في مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي وأصدروا فتوى بذلك قبل بضع سنوات، طيب إذا أمكن الآن تجنب حتى الإجهاض هذا وأمكن المعالجة أأرفض المعالجة، لأن فيها تدخل جيني؟ هذا تدخل جيني ممكن أن يتم في مراحل مبكرة، أيضًا يمكن أن يتم في مرحلة تكوين النطفة الأمشاج أو البييضة الملقحة عندما تبدأ تنقسم.

ص: 1396

الآن أصبح ممكنًا عمليًّا - في كثير من المراكز المتقدمة - أن تأخذ خلية واحدة من الخلايا وتدرسها، فإما أنك تحاول الإصلاح وهذا في المستقبل القريب، بإذن الله تعالى، لمداواة كثير من الأمراض بالتغييرات الجينية، أو على الأقل أن هذه البييضة الملقحة التي لم تدخل بعد إلى الرحم ولم تستقر فيه تترك إذا ثبت أنها مريضة، ما المانع من تركها؟ هذا هو الموجود حاليًا وينفذ حتى في جدة هنا، إمكان دراسته وإيجاد الخلايا وأن هذه البييضة الملقحة فيها مرض وراثي خطير لماذا أتركه؟ لا بد أن يدخل إلى الرحم ثم بعد ذلك أجهضه لا أحد يقول بعملية الإجهاض لجنين قد تكامل أو بدأ في التكامل قبل مائة وعشرين يومًا.

لكن إذا أمكن الآن - وقد أمكن بالفعل لبعض المراكز المتقدمة - أن نأخذ خلية من هذه الخلايا التي بدأت بالانشطار وصارت أربعة خلايا وثماني خلايا، ولمعرفة أن فيها مرضًا وراثيًّا - هذه مرحلة - وعدم إدخالها، المرحلة الثانية إذا أمكن بعد ذلك إصلاحها، يعني عرفنا أن فيها مرضًا وراثيًّا نستطيع إصلاحها، بإذن الله تعالى، ومداواتها، بإذن الله سبحانه وتعالى، لماذا نقول هذا محرم وممنوع مداواتها؟ لا بد أن يأتينا مجموعة كبيرة من المشوهين حتى يكون ذلك من قدر الله!! كله من قدر الله، كما قال عمر رضي الله عنه: إن رعيتها في الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيتها في الجدبة رعيتها بقدر الله، قال ذلك لأبي عبيدة عندما استقبله في صرف عندما انتشر الطاعون في ذلك الوقت.

فالأمر واضح الدلالة أن هناك مجالات للاستخدام، هذا الآن في الجينات، واستخدامها في الجينات واسعة جدًّا، وللأسف نحن متخلفون جدًّا، يعني الدكتور صالح كريم يمكن هو الوحيد عندنا في جدة الذي يختص بهذا البحث الجيني أي، ولكن إمكانياتهم ضئيلة ومحدودة جدًّا، وحتى في الرياض الذين هم أفضل قليلًا في بعض الأماكن عندهم إمكانيات ضئيلة جدًّا، وكذلك العالم العربي يعاني بأكمله من هذه المشكلة، وكذلك العالم الإسلامي؛ متخلفون جدًّا في مشروع دراسة الهندسة الوراثية. والدول الغربية واليابان تنفق آلاف الملايين لأن فيها تقدمًا رهيبًا في عالم مداواة الأمراض وفي الأدوية في مجالات واسعة جدًّا جدًّا، معرفة الجينوم البشري والتركيب الجينومي البشري سارية بدون توقف ولا أحد يمنعها، وهي سائرة في كل مكان في العالم ويوجد تعاون وثيق بين الدول الغربية لأن التكاليف ستكون باهظة إذا قامت بها كل دولة لوحدها، فصارت هناك جمعيات تضم أوروبا والولايات المتحدة واليابان لدراسة الجينوم البشري أو الحقيبة الوراثية البشرية، وهم سائرون في ذلك بخطى حثيثة جدًّا ولا ينبغي أن نتخفف عن هذا، يعني الحقيقة ينبغي أن يكون هناك حث شديد بأن تهتم الحكومات الإسلامية بجميع أنواع الأبحاث العلمية بما فيها هذا الجانب وهو الهندسة الوراثية، وإعطائها حقها من الدراسة، وفتح الإمكانيات العلمية الكاملة.

ص: 1397

الجانب الآخر من الاستنساخ الذي ذكر وهو الاستنساخ الجنيني أو ما يسمى الاستنساخ الجنيني، بمعنى تؤخذ بييضة ملقحة من أب وأم، تلقيح عادي مثل ما يحدث في أي زواج عادي ومثل ما يحدث في مشاريع أطفال الأنابيب والذي أقرته المجامع العلمية الفقهية الكثيرة أنه ينبغي أن يكون من الزوج والزوجة حال قيام الزوجية إلى آخر ذلك من الشروط التي وضعتموها، ثم تتكون هذه اللقائح الموجودة. تكونت لقيحة موجودة مكونة من زوج وزوجة، في بعض الحالات المرأة هذه ليس لديها إلا بييضة واحدة فقط وهي حالة نادرة جدًّا، لإنجاح مشروع أطفال الأنابيب ينبغي إعادة ثلاثة أو أربعة من البييضات وتكون ثلاثة في الغالب، فعملية أنها تجعلها تنشطر وهذا الآن ممكن، هي مثل التوائم الطبيعية التي تحدث والتي هي التوائم المتشابهة المتماثلة ومتطابقة تمامًا، هي عبارة عن لقيحة واحدة، بييضة ملقحة بدأت الانقسام ثم انشطرت وصارت كل خلية منها إلى لقيحة جديدة، وبدأت تنمو حتى يظهر لنا طفلان متشابهان تمام التشابه ومتماثلان تمام التماثل من الناحية الجينية ومن ناحية الشكل، ولكن هنا اختلافات طفيفة جدًّا مهما كانت حتى لو كانا متشابهين تمامًا، لكن لا تزال هناك اختلافات دقيقة ويمكن التمييز بينهما ولو بصعوبة في أول الأمر.

فهذا الاتجاه وهو محاولة تقليب ما يحدث طبيعيًّا في الطبيعة - بإذن الله سبحانه وتعالى وتنقسم الخلية إلى اثنين فصارت خليتين، حسنًا، هاتان الخليتان تفيدانني في أشياء كثيرة جدًّا.

أولًا: قد تكون المرأة تعاني من عقم شديد ولم يستطع الأطباء إلا إخراج بييضة واحدة منها فقط، وهذه البييضة تحتاج إلى اثنين أو ثلاثة أو أربعة إلى إعادتها إلى الرحم.

ثانيًا: قد تؤخذ أيضًا من هذه النسخة الموجودة لدراستها من ناحية الإصابة بالأمراض الوراثية وإذا عرفنا أن هذه مصابة بمرض وراثي تركنا هذه المصابة والمجموعة المصابة الأخرى، وإذا عرفنا أنها سليمة استطعنا أن نعيدها.

فلها بعض الفوائد المحدودة، وإن كنت أقول إنها محدودة في حالات قليلة جدًّا لا يمكن أن تكون عامة ولا يمكن أن تكون متوسعة في هذا الميدان.

ص: 1398

موضوع تنشيط البييضة الذي ذكره أخي الكريم الدكتور صالح كريم هذا حدث طبعًا بالنسبة للولادة من غير أب أو التوالد البكري أو العذري، هذه حدثت في الحيوانات الدنيا في الضفادع والفئران وغيرها ممكن أن تحدث، نظريًّا هل يمكن أن تحدث بالنسبة للإنسان؟ الله أعلم، وهذه طبعًا التي طلعت منها أجنة مشوهة أي أنها ناقصة في حقيبتها الوراثية حتى بالنسبة للفئران أو غيرها وعقيمة أيضًا، فهذه بابها يبدو بالنسبة للإنسان لا مجال فيه على الإطلاق، تنشيط البييضة لوحدها على الأقل في هذه المرحلة.

موضوع زرع النواة وهو الذي تحدث عن موضوع (دولي) ، هذا زرع النواة وبمعنى أخذ النواة ووضعها في بييضة أخرى فيها سيتوبلازم، وكما ذكر بعض المعلقين أن الحقيبة الوراثية ليست كلها في النواة هي 97 % منها في النواة، وفي السيتوبلازم المحيط بها فيها مادة تسمى المايتوكوندرايف فيها حوالي 3 % أو أقل من المادة الوراثية، فهي أيضًا يعني إذا نقلنا لن تكون متطابقة 0 0 1 %، لكن ربما تكون متطابقة 97 % أو 98 %؛ حتى أنها أقل من التوائم المتطابقة، وحتى التوائم المتطابقة أو المتشابهة - التي نراها - أيضًا بينها خلاف نتيجة البيئة الموجودة في الرحم، وبعد ذلك طبعًا التنشئة لها دور آخر؛ هذا في مجال دراسة الحيوانات أو ما سيحدث منه من فوائد، هذا مجال يدرس إذا ثبتت فيه الفوائد واتضحت بالنسبة للحيوان والاستفادة منها بالنسبة للإنسان، كما هو في المشاريع المقررة والتي تسعى إليها هذه الشركات. . فما المانع؟ بشرط أن تثبت الفائدة، والضرر يكون بعيدًا أو احتماله بعيد جدًّا وضئيل جدًّا في مقابل النفع الكبير.

بالنسبة للإنسان أضم صوتي إلى أصوات المعارضين لاستخدام هذه التقنية للإنسان، استخدام هذه التقنية لإيجاد بشر بأخذ خلية من الجلد أو خلية من غيرها، هذه ستوجد مشاكل كبيرة جدًّا ومشاكلها واضحة جدًّا، حتى إن الدول الغربية، وطبعًا هم ليسوا قدوة لنا وإن حرمتها الكنيسة فليس معنى ذلك أننا نحرمها لكن بسبب أنها واضحة الضرر والمشاكل التي ستظهر منها ، فالاتجاه - والله أعلم - أن البشرية تتجه إلى تحريمها ، أو منعها بهذه الصورة في إنتاج البشر.

أما الصور الأخرى كلها - الاستنساخ في عالم الحيوان والنبات - إذا كانت المنافع غالبة وظاهرة والأضرار المحتملة قليلة جدًّا ومحدودة حيث إنه لا يمكن أن يكون شيء بدون أضرار على الإطلاق، هذا مستبعد جدًّا؛ لكن إذا كانت الأضرار القليلة منغمرة تمامًا في جانب الفوائد العديدة والواضحة والجليلة فلا يبدو هناك أي منطق لرفضها ومنعها، حتى ولو ظهرت في المستقبل بعض الأضرار المحدودة القليلة، وإلا لمنعنا التداوي بأشياء كثيرة أخرى.

شكرًا لكم. . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1399

الشيخ فيصل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الحقيقة أشكر الدكتور البار على هذا الإيضاح الجيد، ولكنه جزاه الله خيرًا على الخاتمة الجيدة التي أحببت أن أنطلق منها.

الاستنساخ إذا كان بدأ بالنبات ثم بالحيوان، والآن يريدون أن يطبقونه على الإنسان، السؤال: هل الإنسان ينطبق عليه ما ينطبق على الكائنات الحية الأخرى؟ القياس كما ذكر الدكتور ناجي أن القياس مردود بقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} فالذي نستنتجه من هذه الآية؛ بم فضل الله الإنسان؟ فضله بالعقل، ولذلك كلف بالعبادة والواجبات، وإذا أخذ الله ما وهب أسقط ما وجب.

قد لا أشك أن في استطاعة علماء الهندسة الوراثية وغيرهم أن يصلوا إلى استنساخ بشر مماثل باتباع القوانين الإلهية التي هداهم الله إليها، وليس في ذلك خلق، ولكني أتوقف في أنهم يستطيعون أن يكون هذا المستنسخ إنسان كامل العقل، لأنهم بنوا نظريتهم على نجح في النبات والحيوان، ولكن الإنسان يختلف عنهما، فلا نستطيع أن نقول ما نجح في النبات والحيوان يمكن أن ينطبق على الإنسان، فالقياس مردود، فضل الله الإنسان بالعقل على جميع الكائنات الحية.

ومما أثر عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما سئل عن عدم شربه للخمر، فقال:" ما رأيت شيئًا يذهب كله ويعود كله ". فعلمت بعد ذلك أن استخدام الخمر والمخدرات يقتل بعض الخلايا في المخ فلا تعود هذه الخلايا.

فقبل أن نتكلم في موضوع استنساخ إنسان كامل هل يستطيع الأطباء أن يعيدوا للمخ خلاياه التي ماتت؟ ولذلك يموت المخ، فيقول الأطباء هذا مات أو توفي دماغيًّا وهو لا زال حيًّا ينبض قلبه، فأنا أخشى أن الاستنساخ لأجسام بدون عقول فلا يكون فائدة منها، ولا يمكن ظهور ذلك في النبات والحيوان لأن الإنسان فضله الله بالعقل دون غيره، وما قيمة إنسان مخلوق بدون عقل؟ ولقد ظهر في جنون البقر وكذلك في نقل الأعضاء، عندما ينقل القلب الآن والعين والكبد والبنكرياس ولكن لم نسمع أن عقلًا نقل إلى عقل إنسان آخر أو مكان عقل آخر، فأنا هذا الذي يستوقفني وأتحفظ أنه لا يمكن، قد يكون هناك استنساخ لأجسام وأجرام ولكن لا يكون استنساخًا لعقول بشرية، لأنهم عجزوا الآن في هذا الوقت مع التقدم التقني والتكنولوجي والطبي أن يعيدوا بعض خلايا المخ أو ما يحصل لأمراض المخ.

وشكرًا لكم. . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1400

الشيخ عبد السلام العبادي:

بسم الله الرحمن الرحيم

يعني الناظر فيما قدم من بحوث وما سمعنا من تعلقيات يستنتج في إطار الحديث الواسع الذي تم في هذا الموضوع في خلال السنتين الأخيرتين أن هنالك تهويلًا كبيرًا أحاط هذا الموضوع، وبحيث أعطينا مجالًا واسعًا أو أطلقنا العنان لهذا الخيال أن يفترض افتراضات واسعة خرجت من إطار البحث العلمي، لذلك رأينا أن كثيرًا من البحوث والتعليقات قد انصبت على افتراض حدوث الاستنساخ بالمعنى الواسع من أن هنالك نسخًا بشرية سيجري إنتاجها وستنشغل المصانع باستحداث هذه النسخ البشرية، وبالتالي ذهب خيالنا يتصور ما هي الأحكام الشرعية التي ستضبط هذا الأمر؟ وهل نقول بالتحريم أو التحليل أو بغير ذلك؟

إخوتي الكرام، الواقع حتى البحوث الطبية التي أمامنا مع احترامي للجهد الكبير الذي بذل فيها ما زالت الصورة أمام الفقهاء ليست واضحة، أين وصلنا في هذا المجال في إطار البحث العلمي؟ بمعنى لا بد في الواقع من تقويم هذه البدايات التي وصلنا إليها في إطار البحث العلمي على طريق ما تخيله خيالنا وما تصورته عقولنا، الذي لاحظ أجهزة الإعلام في الفترة الأخيرة، لاحظ كيف أن صدور بعض الصفحات قد ملئت بصورة مكررة مثل هتلر أو مثل الممثل الفلاني وبات العامة يتوقعون أنه بين لحظة وأخرى سنرى إنتاجًا بشريًّا بهذا الخصوص.

إخواننا الأطباء أشاروا في بعض مداخلاتهم في موضوع البحث العلمي وما يتحقق من نفع في هذا المجال، وهذا شيء يشكر لهم ويقدر، لكن في القضايا الفقهية لا بد من تصور دقيق للأمر، ثم السؤال عن حكمه في أي جزئية من الجزيئات التي طرحت، حتى في موضوع البحوث الطبية الآن في مقاومة بعض الأمراض مثل مرض السرطان أو في إنتاج بعض الأدوية أو في نوافع بعض البحوث في الهندسة الوراثية أو في الآثار التي تحدث نتيجة اختلال في الإنجاب لضعف في البنية عند الزوج أو الزوجة، أو في موضوع عوامل المناعة، لا بد من أن نسأل سؤالًا محددًا، لا أن نضع عنوانًا كبيرًا ثم بعد ذلك يقال لنا إن بعضه في طريقه للإنجاز وبعضه لا يتحقق.

ص: 1401

أنا أذكر التقيت بعدد من المتابعين لهذا الموضوع، وأحد كبار الأطباء كان يقول: هذا شبه مستحيل. إذن لماذا نحن ننشغل في قضية بعض مختصيها يقولون بأن هذا الأمر شبه مستحيل؟ ونحن ما زلنا في البدايات، حتى أخانا الدكتور حسان هنا في بحثه يقول بأنه ستمر فترة طويلة في إطار التجريب في الحيوان وللوصول إلى بعض القناعات، ثم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة التجريب في إطار الخلايا الإنسانية، ولا ندري ما هي الحواجز التي سيصطدم بها هؤلاء الأطباء، وبالتالي كيف يكون المستقبل؛ لذلك إذا أردنا أن نرسم دورًا لمجمعنا في هذا المجال يعني يمكن أن يركز في هذه المرحلة على التحذير من مغبة الدخول في هذه الأبحاث التي ليس لها ضوابط خلقية وقد يحركها الربح أو الإثارة أو نوع من الرغبة في تحطيم المجتمع الإنساني، لأنه نعلم أن هنالك قوى كثيرة في هذا المجتمع تحرص لسبب أو لآخر على إفساده.

فالتركيز في هذه المرحلة على ضوابط البحث العلمي في مجالات الهندسة الوراثية وعمليات الاستنساخ المحدودة سواء كانت في النبات أو في الحيوان عملية مهمة ليكون هنالك نوع من التوضيح لأخطار التلاعب في ما خلق الله - جل وعلا - وبالتالي حاولت إخراجها عن الغاية التي من أجلها خلقت، والذي أشار إليه القرآن كما تعلمون أن دور الشيطان دور باستمرار يدعو إلى تغيير خلق الله جل وعلا وتغيير خلق الله صوره متعددة ومتنوعة، وإذا نجحت بعض الصور التي شرحت واضح الأخطار التي ستمس المجتمع الإنساني.

لكن بعض القوى الآن تروج لمثل هذه الأبحاث محاولة الوصول إلى موضوع التشكيك العقدي، هنا لا بد أن نكون واضحين في أن نبين أن هذه القضايا كلها مهما تقدمت هي في إطار ما خلق الله جلا وعلا، ومحاولتها لاستخدام ما خلق الله جل وعلا من قوانين، إما استخدامًا حسنًا أو استخدامًا قبيحًا، لكن ليست خلقًا آخر غير خلق الله جل وعلا، وبالتالي قضية العقيدة لا تمس وقضية الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لا تمس، وإنما كلها محاولات تغيير لخلق الله جل وعلا في إطارها السيئ، وفي إطارها الحسن محاولة للاستفادة مما خلق الله جل وعلا ومما أودع من قوانين لوقف بعض ما يتهدد الإنسان من أمراضٍ أو من مشكلات أو محاولات التحسين أو غير ذلك.

ص: 1402

لكن رجائي إذا أردنا أن يظل هذا الموضوع على جدول أعمال المجمع أن نأتي في المرة القادمة ونحن أمام توصيف لبعض البدايات في هذا الأمر لنقول إن هذا البحث العلمي في إطاره الذي وصف لنا وفي أهدافه التي شرحت لنا يمكن قبوله من الناحية الشرعية، أو أنه فيه مخالفة للأمر الشرعي الفلاني أو غير ذلك، أما أن نضع موضوع الاستنساخ ونحاول أن نلقي الكلام فيه في كل مجالاته سواء كان واردًا في البدايات أو غير وارد، وبعض العلماء ينبهون إلى أنه أقرب إلى المستحيل.

وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام

على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لعل الكثير منا لم يستمع إلى علماء أطباء في هذا الموضوع إلا حينما

أخذت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المبادرة بهذا في المغرب ثم أعادت الكَرّة في هذا المكان، وما بعد هذا أو قبل هذا ما هي إلا انطباعات وإشارات من الصحافة والتلفزيون ووسائل الإعلام، وهؤلاء يهمهم أن يشغلوا الرأي العام بمثل هذه الأشياء، وتتحدث المجتمعات وتستهلك الأوقات في مثل هذا.

بالنسبة لي لأول مرة أسمع كلامًا علميًّا في هذا، ولعل الكثيرين من الحاضرين لأول مرة يسمعون هذا بعد ندوة الدار البيضاء لمن حضرها، لا أعتقد أنه في هذه الفترة البسيطة وهذا الوقت المحدد يمكن أن يتم التصور كاملًا لقضية كبيرة جدًّا ليست على المستوى المحلي ولا الإسلامي ولكن كل العالم، ولنا في هذا صوت، العالم الإسلامي سيسمع له العالم الآخر، لا أريد أن أطيل في هذا، وإنما أقف معقبًّا على كلمة لربما لم تعط الاهتمام الكامل في تعليق الدكتور محمد هيثم الخياط عندما قال: أدعو إلى تحرير المصطلحات قبل كل شيء، أولًا: تصحيح العنوان، ما هو العنوان في لغته الأجنبية؟ ثم تحديد هذا المصطلح.

ص: 1403

إذن عندي ترجمة العنوان وتحديد المصطلح وهو الذي غاب عنا، وكثيرًا ما تكون مثل هذه الأمور المستجدة تبنى فيها الآراء على الترجمة الخاطئة أو الترجمة غير الدقيقة، وكثيرًا ما تعثرت أحكامنا بسبب هذه الترجمات، على سبيل المثال: كلمة: (تبشير) ، كلمة تبشير شيء جميل جدًّا ، بينما هي ارتداد وكفر أو تكفير، فاستعمال هذه العبارات أنا أعتقد وجود علماء من الأطباء ومن الفقهاء بيننا يمكن أن يجتمعوا لتحديد المصطلح ولتحرير العنوان أو تصحيح العنوان وتحديد المصطلح، وستأتي بعض الأمثلة لنا أن الفقهاء خاضوا كثيرًا في بعض الأمور المستجدة والحقيقة غائبة عنهم، وكان العنوان مضللًا أو مثل ما يقول الإنجليز Misslaiding ولا يدل على حقيقة ذلك الشيء.

ولذلك أنا أضم صوتي ويجب ألا تمر هذه العبارة أو الجملة التي علق عليها الدكتور محمد هيثم الخياط عندما قال: لا بد، أنا أقول: لا بد من تصحيح العنوان ومعرفته في لغته الأصلية، ثم بعد ذلك تحديد هذا المصطلح وتصور الموضوع، عندئذ يمكن أن يكون الحكم، وأعتقد أن المجمع من مهماته تصحيح العناوين وتصحيح المصطلحات بدلًا أن يقودنا إلى هذه المتاهات صحفيون لا يجيدون اللغة ولا يجيدون الترجمات.

وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ محمد سليمان الأشقر:

بسم الله الرحمن الرحيم

ننادي بالتمهل في اتخاذ قرار هذه الجلسة، التوقف يكون لأمور مختلفة، إما أن الصورة لم تتضح للقائل أو المفتي ، وهنا نحن قد رأينا وسمعنا ودرسنا واطلع كثير ما على ما وقع، ونتيجة العمل ذكرت لنا أن أخذ خلية من إنسان وإيداعها في بييضة منزوعة النواة وإيداعها في رحم إلى أن تتكامل وتخرج إنسانًا؛ أو قسم خلية مخصبة بعد أن تنقسم إلى أكثر من خلية، اثنتان أو أربعة، وقسمها إلى أكثر من خلية حتى يتكون من كل خلية جنين آخر، والنتيجة أن يخرج توائم، هذا التصور في حد ذاته - في نظري - كافٍ وإن كانت جوانب الأمور من الناحية الاجتماعية وغيرها هذه أمور أخرى، لكن نتيجة العملية قد عرفت من حيث الجملة وهذا يكفي الفقيه في نظري.

ص: 1404

الناحية الثانية: أن تكون المسألة لم تقع، حينئذ قد يتوقف الفقيه إذا

كان الأمر غير جلي عنده، إذا كان لا يوجد في المسألة آية صريحة أو حديث صريح فله أن يتوقف.

الحالة الثالثة: أن تتعارض الأدلة ولا يمكن الترجيح بينها ويضيع

الفقيه بين أن يرجح هذا الوجه أو ذاك الوجه. هل المسألة التي نحن بصددها غير واضحة والأدلة فيها متعارضة أو متعادلة حتى نتوقف فيها؟

أنا في الحقيقة أرى أن النظر إلى الآن لم يدخل إلى الجزئيات، نحن إذا دخلنا إلى جزئيات المسألة واحدة واحدة فلا شك أن شرعنا يدلنا بصراحة ووضوح كامل مثل الشمس على بعض الصور على الأقل، فنصدر القرار في هذه الصور التي قد لا تخفى، وأنا أطرح تصوري لهذه الجزئية، كون المسألة لم تقع يعني أنا أشك في هذا، هو في ناحية الحيوانات لا شك أنه قد وقع ، والأخبار تكاد تكون متواترة عن هذه الناحية، بالنسبة للبشر المسألة على وشك الوقوع، نحن على عتبة وقوع الاستنساخ في عالم البشر في المختبرات الأجنبية ، وأنا رأيت بنفسي في كثير من المجلات العلمية الرصينة أنهم يقدرون أن هذا الأمر بالنسبة للبشر سيقع في حدود عشر سنوات، وبعضهم قال في حدود سبع سنوات.

وأنا لا أستبعد أن يكون العمل جاريًا في بعض المحلات، لأنني

رأيت في بعض المجلات الأجنبية الرصينة وحصلت على نسخ منها أنه عندما خرجت (دولي) إلى الوجود هناك عشرة مختبرات في ذلك الوقت كان بإمكانها أن تقوم بالعملية بالنسبة للحيوانات ، ولكن كان كثير منهم متوقف لكن كان بإمكانهم، ولا تستبعد الآن أن هناك من 27/ 2/ 97 إلى الآن ربما زادت هذه المراكز إلى المئات وربما إلى الألوف، وحتى في الأردن سمعنا - ولا أدري يمكن الدكتور عبد السلام اطلع على هذا أكثر مني - أنه قال بعض القائلين إنه يمكننا نحن إذا لم يكن هناك مانع فإنا نستطيع أن نجري هذا، فإذن نحن لا بد لنا من اتخاذ قرار في الأمور الواضحة ونترك الأمور الخفية.

فالآن المسألة في نظري تنقسم إلى أمور، أنا في نظري أن بعض الجزئيات واضحة، والحكم واضح جدًّا عندي، فمثلًا استنساخ النبات هل يشك في جوازه؟ لا أعتقد بأن أحدًا يشك في جوازه، وكثيرًا من المزارعين عندنا في البلاد وفي جميع بلاد العالم وفي المخابر الحديثة بطرق مختلفة تأخذ غصن التين أو غصن الزيتون أو غصن العنب وتدفنه في الأرض وينمو ويصير شجرة، في النبات أعتقد ممكن ذكر هذا في القرار، بالنسبة للحيوانات أيضًا أعتقد أن الجميع أو الأكثر يرون جوازه مع وضع القيود تمنع الدخول في شيء يكون ضرره أكثر من نفعه، لكن إذا كان النفع أغلب فيمكن أيضًا أن ندخل هذا في القرار، ولا أعتقد أن أحدًا من الحاضرين - إن شاء الله - يمنع هذا.

ص: 1405

لاحظوا يا إخواني أنا لا أتكلم في الاستنساخ وفي كل ما قيل إنه استنساخ، أتكلم في نوعين فقط بالنسبة للحيوان والنبات، الاستنساخ الذي يدخل في الهندسة الوراثية لا أريد أن أتكلم فيه فهذا أمر أولا تكلم فيه الجمعية الإسلامية للعلوم الطبية، تكلمت في سنة 1983، والأمر بالنسبة لي خفي وهذا يمنعني الكلام فيه، لكن أنا أقصر كلامي على المسألتين وهما الأخذ من خلية مخصبة مجموعة أجنة توائم أو من نواة خلية جسدية.

الصورة الثالثة: في استنساخ البشر، استنساخ البشر فيه صور حكمها لا يخفى في نظري وأنتم تقدرون هذا.

الحالة الأولى: استنساخ خارج نطاق الزوجية، يعني جارة ما عندها ولد تقول لجارها: أعطني نواة من جسدك أو حيوان منوي، وأخذه إلى المختبر وإدخاله في بييضة منها أو من غيرها، هذه صورة، أو طلب خلية جسدية أو طلب رحم مستأجر أو رحم متبرعات، الدولة مثلًا تريد تكوين جيش من الرجل الفلاني يقول أعطونا ألف امرأة متبرعة أو ألفين كل واحدة منهن تعطينا بييضة، وكل واحدة نودع في رحمها من جسد فلان ذلك وخارج نطاق الزوجية، هل في هذا توقف؟ سيخرج هؤلاء وليس لهم أب معروف ولا أقارب معروفين، ولا أسر تحتضنهم، إنما هم أناس يكادون كالحيوانات وهذا يكثر ظاهرة اليتم في المجتمع، اليتم ظاهرة هائلة المردود على نفسية الأطفال وعلى الدولة في تكاليف الرعاية الاجتماعية، ومفاسدها لا تخفى على أحد من الحاضرين - في تصوري – بتاتًا ولا أحد من أهل العلم.

فإذن نحن لو اتخذنا هذا القرار فقط يكفينا ويحطم كل ما يتطلع إليه الأوروبيون الدين لا يبالون بالعلاقات الأسرية، هذا أمر معروف وهذا أمر عندهم سهل وهين، نحن عندنا أمر عظيم أن يوجد إنسان بلا أب، إذا مات أبوه فهذا من قدر الله ويعطف عليه الآخرون، لكن أن يوجد إنسان ليس له أب وليس له أسرة ولا رابطة أسرية تحميه وتحفظه وتنشئه حتى ينشأ بشرًا سويًّا، هل أحد من الحاضرين يقبل هذا؟ أنا أستبعد أن يكون هناك أحد من الأخوة الحاضرين يقبل أن يوجد استنساخ خارج نطاق الزوجية، فهذا أيضًا متروك للإخوان إذا أمكن أن يتخذ فيه قرار، لو اتخذنا هذا القرار وحده لكفى.

ص: 1406

بقي في داخل نطاق الزوجية، الآن استخدام نواة من غير الزوج، أيصلح؟ لا أعتقد، نقول الزوج لا ينجب نذهب ونأتي بنواة من غير الزوج أو حيوان منوي من غير الزوج، هذا لا يصلح في نظري، استنساخ أيضًا داخل نطاق الزوجية باستخدام بييضة من غير الزوجة، يمكن اتخاذ قرار فيه، وقد سبق القرار المشابه لهذا في مسألة أطفال الأنابيب، استخدام رحم مستأجر، أعتقد أن هذا مستأجر أو غريب أو متطوع ولو في نطاق يعني الزوج والزوجة يطلبان من امرأة أجنبية أن تحمل لهما فهذا أيضًا أعتقد يمكن اتخاذ قرار فيه.

بقي الصورة التي يمكن التوقف فيها فيما بين الزوجين، فيما بين الزوجين هناك حالتان: الاستنساخ من نواة ملقحة بأن تقسم إلى توائم ويحتفظ ببعض الأجنة للمستقبل، وحتى المرآة في بعض الحالات المرضية لا تحتاج إلى أن يعمل لها تشريط التبييض، فيحتفظ بهذا لوقت اللزوم أو يُعمل في الحال إذا كان هناك موانع في مسالك الولادة والحمل.

هذه الصورة أعتقد أنها ليست بعيدة من طفل الأنابيب بقيوده كما هي، لا أعتقد أن هناك فرقا لأن هذه الخلية مأخوذة من المرأة ومخصبة بماء زوجها وأخذ منها توائم أجنة، ممكن استخدامها، لا أعتقد أن هناك فرقًا بينها وبين طفل الأنابيب الذي سبق أن قرار المجمع في دورات سابقة الموافقة عليه وعدم منعه، طبعًا بالضوابط المعروفة وشروط وقيود مذكورة في القرار وواضحة تمامًا.

الصورة الوحيدة التي يمكن أن يختلف فيها الرأي هي صورة واحدة

فقط وهي ما كان بين الزوجين لكن باستخدام نواة - وليست خلية مخصبة - من جسد الزوج في بييضة المرأة في رحم نفس المرأة (الزوجة نفسها) ، هذه قد يرى ويقال إننا نتوقف فيها إلى أن يظهر لنا.

في الحقيقة هذه المسألة هي نادرة وليست على مستوى العالم أو على مستوى جميع البشر ولا إمكانيات اتخاذ جيوش من البشر أو كما يقال وسمعناه كثيرًا في الصباح ، ولا شك أنها دراسة علمية موفقة والحمد لله، والذي سمعناه من الناحية الطبية ومن الناحية الشرعية والآثار الاجتماعية أمر كله ينصب في الحقيقة على ما هو خارج الزواج، أما داخل الزواج فلا يبقى إلا قضية أخذ نواة من الزوج وإيداعها في بييضة المرأة نفسها ووضعها في رحم الزوجة نفسها، أنا أقول يمكن التوقف وللتوقف وجه كبير، وأنا في الحقيقة أول ما طلب مني الأخ الدكتور أحمد رجائي أن أكتب ملخصًا للبحث - كما فعل الإخوان الذين كتبوا الأبحاث - طلب أن أكتب ملخصًا قبل أن أكتب البحث، فأنا قلت هذه الصورة يمكن أن يتجه رأي المجمع إليها لكن بعد الدراسة - وبحثي موجود بين أيديكم - أرى أن هذه الصورة يجب منعها، والرأي لكم.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 1407

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم،

الواقع أنه بعد أن حرر أخوتنا وزملاؤنا الأطباء المصطلحات، وشكر الله لهم ولكم، ينبغي تحرير محل الخلاف، فإن الفقهاء مكلفون أن يحرروا محل الخلاف، وقد تفضل أخي فضيلة الشيخ محمد سليمان الأشقر إلى شيء كثير من تحرير محل الخلاف، وإذا حررنا محل الخلاف ضيقنا دائرة القضية التي نحن بصددها، وربما كان ذلك أدعى إلى التوصل إلى الحل بإذن الله، فنحن أمام ثلاثة أمور: أمر يرى لدى الجمهور من أخوتنا العلماء في هذا المجمع الموقر، يرى أنه لا مانع من ذلك، وهو ما كان في حيز النبات والحيوان.

وأما بالنسبة للبشر فكذلك هنالك صور يرى أنها محرمة ممنوعة، وهو ما كان خارج دائرة الزوجية، وأما الخلاف الحقيقي فينبغي أن يحرر محله في قضية دائرة الزوجية بالذات، وفي الصورتين اللتين تكلم فيهما أخي الشيخ محمد الأشقر قضية النواة المخصبة أو قضية الخلية التي تزرع في بييضة المرأة، هذا هو محل الخلاف في الواقع، ثم هنالك ما تفضل به أخي الدكتور محمد علي البار الطبيب المعروف في قضية إصلاح الحيوان المنوي قبل تلقيحه في البييضة بأن نذهب منه بعض الأمراض الوراثية وهو الصورة الثالثة والرابعة من التقرير الذي قدمه في تحرير المصطلحات الدكتور الخياط، في هذا الموضوع لا شك أن الخلاف قائم ولا نستطيع أن نقول إن هذا مسموح به قطعًا أو ممنوع قطعًا، هذا مما ينبغي أن يبحث، وإذا بحثنا فيه فلا مانع أن نتوقف اليوم وأن نبحث فيه غدًا حتى تتكامل أدوات البحث.

وبالنسبة لقضية دائرة الزوجية بصورتيها، ففضيلة الشيخ الأشقر يرى المنع أو الحظر كما فهمته، والبعض يرى السماح ضمن دائرة الزوجية من الزوج لزوجته حصرًا، ولعل فضيلة الدكتور الشيخ وهبة - حفظه الله - يرى المنع بالكلية، والذي يذهب إليه الرأي ويطمئن إليه القلب بالنسبة لهذه الصور كلها: الحظر - حتى بالنسبة للدائرة الزوجية – سدًّا للذريعة، لأننا إذا فتحنا الباب قليلًا يخشى أن ينفتح الباب على مصراعيه، وإذا استطعنا أن نفتح الباب بضوابط وشروط يجتمع عليها الفقهاء والأطباء وواضحة جدًّا فلا مانع من ذلك، وإذا لم نستطع أن نتوصل إلى ذلك فلا مانع من الحظر الآن، أو أن نتوقف الآن ريثما تتضح لنا الضوابط المطلوبة لأن سد الذريعة مطلوب شرعًا، فقد يحرم ما يبدو لنا أنه مباح كي لا يتوصل بهذا المباح إلى كثير من الحرام؟ بمعنى أنه قد نترك كثيرًا من المباح كي لا نصل إلى المحرم قطعًا، وهذا الرأي لا أُلزم به وإنما يظهر لي.

والله تعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم. . وشكرًا لكم.

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم

على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من خلال هذه البحوث وما قرره الأطباء، ومن هذه المداولات بين الأطباء والفقهاء التي تفضلتم بها فإن الرأي العام يتجه في هذا المجمع إلى تحريم ومنع الاستنساخ البشري بمفهومه العام، وتقرير المناشدة بألا يتخذ المسلمون أو البلاد الإسلامية ميدانًا للممارسة في إنتاج الاستنساخ البشري، وقد ترون مناسبًا أن تكون اللجنة المؤلفة لصياغة القرار وإعداده من المشائخ: عبد الله بن بيه، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ علي السالوس، الشيخ نزيه حماد، الأطباء: صالح كريم، محمد علي البار، هيثم الخياط.

وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 1408

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه

قرار رقم: 100/ 2/ د 10

بشأن

الاستنساخ البشري

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر

بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418 هـ (الموافق 28 يونيو -3 يوليو 1997 م) .

بعد إطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع الاستنساخ البشري، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9 - 12 صفر 1418 هـ، الموافق 14 - 17 يونيو 1997 م.

واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، انتهى إلى ما يلي:

مقدمة:

لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه غاية التكريم، فقال

عز من قائل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] ، زينه بالعقل، وشرفه بالتكليف، وجعله خليفة في الأرض واستعمره فيها، وأكرمه بحمل رسالته التي تنسجم مع فطرته، بل هي الفطرة بعينها لقوله سبحانه:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] ، وقد حرص الإسلام على الحفاظ على فطرة الإنسان سوية من خلال المحافظة على المقاصد الكلية الخمسة (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) ، وصونها من كل تغيير يفسدها، سواء من حيث السبب أم النتيجة، يدل على ذلك الحديث القدسي الذي أورده القرطبي من رواية القاضي إسماعيل:((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم.. إلى قوله: وأمرتهم أن يغيروا خلقي)) .

ص: 1409

وقد علم الله الإنسان ما لم يكن يعلم، وأمره بالبحث والنظر والتفكير والتدبر مخاطبًا إياه في آيات عديدة:{أَفَلَا يَرَوْنَ} ؟ ، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ} ، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}

والإسلام لا يضع حجرًا ولا قيدًا على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه. ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحًا بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون علمًا نافعًا جالبًا لمصالح العباد ودارئًا لمفاسدهم.

ولا بد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله من أجلها، فلا يتخذ حقلًا للتجريب، ولا يعتدي على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه، ولا يؤدي إلى خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر، أو يعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني في ظلال شرع الله وعلى أساس وطيد من أحكامه.

وقد كان مما استجد للناس من علم في هذا العصر، ما ضجت به وسائل الإعلام في العالم كله باسم الاستنساخ. وكان لا بد من بيان حكم الشرع فيه، بعد عرض تفاصيله من قِبَل نخبة من خبراء المسلمين وعلمائهم في هذا المجال.

تعريف الاستنساخ:

من المعلوم أن سنة الله في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل نواة كل منهما على عدد من الصبغيات (الكروموزومات) يبلغ نصف عدد الصبغيات التي في الخلايا الجسدية للإنسان، فإذا اتحدت نطفة الأب (الزوج) التي تسمى الحيوان المنوي بنطفة الأم (الزوجة) التي تسمى البييضة، تحولتا معًا إلى نطفة أمشاج أو لقيحة، تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وتمتلك طاقة التكاثر. فإذا انغرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقًا مكتملًا بإذن الله، وهي في مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعًا فثمانيًا، ثم تواصل تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص.

فإذا انشطرت إحدى اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان متماثلان. وقد أمكن في الحيوان إجراء فصل اصطناعي لأمثال هذه اللقائح، فتولدت منها توائم متماثلة، ولم يبلغ بعد عن مثل ذلك في الإنسان، وقد عُدَّ ذلك نوعًا من الاستنساخ أو التنسيل، لأنه يولد نسخًا أو نسائل متماثلة، وأطلق عليه اسم الاستنساخ بالتشطير.

ص: 1410

وثمة طريقة أخرى لاستنساخ مخلوق كامل، تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية الكاملة على شكل نواة من خلية من الخلايا الجسدية، وإيداعها في خلية بييضية منزوعة النواة، فتتألف بذلك لقيحة تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وهي في الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر، فإذا غرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقًا مكتملًا بإذن الله. وهذا النمط من الاستنساخ الذي يعرف باسم (النقل النووي) أو (الإحلال النووي للخلية البييضية) هو الذي يفهم من كلمة الاستنساخ إذا أطلقت، وهو الذي حدث في النعجة (دولي) .

على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق الأصل، لأن بييضة

الأم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة، ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية، ولم يبلغ أيضًا عن حصول ذلك في الإنسان.

فالاستنساخ إذن هو: توليد كائن حي - أو أكثر - إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بييضة منزوعة النواة، وإما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء.

ولا يخفى أن هذه العمليات وأمثالها لا تمثل خلقًا أو بعض خلق،

قال الله عز وجل: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16]، وقال تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) } [الواقعة: 58 - 62] .

وقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } [المؤمنون: 12- 14]

وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي طرحت على مجلس المجمع:

قرر ما يلي:

أولًا: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري.

ثانيًا: إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أولًا) ؛ فإن

آثار تلك الحالات تعرض لبيان أحكامها الشرعية.

ص: 1411

ثالثًا: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحمًا أم بييضة أم حيوانًا منويًّا أم خلية جسدية للاستنساخ.

رابعًا: يجوز شرعًا الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.

خامسًا: مناشدة الدول الإسلامية إصدار القوانين والأنظمة اللازمة لغلق الأبواب المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو الأجنبية والمؤسسات البحثية والخبراء الأجانب للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإسلامية ميدانًا لتجارب الاستنساخ البشري والترويج لها.

سادسًا: المتابعة المشتركة من قبل كل من مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لموضوع الاستنساخ ومستجداته العلمية، وضبط مصطلحاته، وعقد الندوات واللقاءات اللازمة لبيان الأحكام الشرعية المتعلقة به.

سابعًا: الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم الأحياء (البيولوجيا) لاعتمادها في الدول الإسلامية.

ثامنًا: الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء البحوث في مجال علوم الأحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير مجال الاستنساخ البشري، وفق الضوابط الشرعية، حتى لا يظل العالم الإسلامي عالة على غيره، وتبعًا في هذا المجال.

تاسعًا: تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسلامية، ودعوة أجهزة الإعلام لاعتماد النظرة الإيمانية في التعامل مع هذه القضايا، وتجنب توظيفها بما يناقض الإسلام، وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي موقف، استجابة لقول الله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]

والله أعلم

ص: 1412

االقرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم: 99/ 1/ د 10

بشأن

المفطرات في مجال التداوي

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة من23 إلى 28 صفر 1418 هـ (الموافق 28 يونيو -3 يوليو 1997 م) .

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، في الفترة من 9 إلى 12 صفر 1418هـ (الموافق 14 - 17 يونيو 1997 م) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء.

قرر ما يلي:

أولاً: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات:

1 -

قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

2 -

الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

3 -

ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.

4 -

إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.

5 -

ما يدخل الإحليل - أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى - من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.

6 -

حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

7 -

المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

8 -

الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية.

9 -

غاز الأوكسجين.

10 -

غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية.

11 -

ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد؛ كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.

ص: 1413

12 -

إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.

13 -

إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.

14 -

أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء، ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.

15 -

منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.

16 -

دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.

17 -

القيء غير المتعمد، بخلاف المتعمد (الاستقاءة) .

ثانياً: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.

ثالثا: تأجيل إصدار قرار في الصور التالية، للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في أثرها على الصوم، مع التركيز على ما ورد في حكمها من أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة:

أ- بخاخ الربو، واستنشاق أبخرة المواد.

ب - الفصد، والحجامة.

ج - أخذ عينة من الدم المخبري للفحص، أو نقل دم من المتبرع به، أو تلقي الدم المنقول.

د - الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقناً في الصفاق (البريتون) أو في الكلية الاصطناعية.

هـ - ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل البوس) أو منظار أو إصبع للفحص الطبي.

و العمليات الجراحية بالتخدير العام إذا كان المريض قد بيت الصيام من الليل، ولم يعط شيئا من السوائل (المحاليل) المغذية.

والله أعلم

* * *

ص: 1414

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه

قرار رقم: 100/ 2/ د 10

بشأن

الاستنساخ البشري

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر

بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418 هـ (الموافق 28 يونيو -3 يوليو 1997 م) .

بعد إطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع الاستنساخ البشري، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9 - 12 صفر 1418 هـ، الموافق 14 - 17 يونيو 1997 م.

واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، انتهى إلى ما يلي:

مقدمة:

لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه غاية التكريم، فقال

عز من قائل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] ، زينه بالعقل، وشرفه بالتكليف، وجعله خليفة في الأرض واستعمره فيها، وأكرمه بحمل رسالته التي تنسجم مع فطرته، بل هي الفطرة بعينها لقوله سبحانه:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] ، وقد حرص الإسلام على الحفاظ على فطرة الإنسان سوية من خلال المحافظة على المقاصد الكلية الخمسة (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) ، وصونها من كل تغيير يفسدها، سواء من حيث السبب أم النتيجة، يدل على ذلك الحديث القدسي الذي أورده القرطبي من رواية القاضي إسماعيل:((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم.. إلى قوله: وأمرتهم أن يغيروا خلقي)) .

ص: 1415

وقد علم الله الإنسان ما لم يكن يعلم، وأمره بالبحث والنظر والتفكير والتدبر مخاطبًا إياه في آيات عديدة:{أَفَلَا يَرَوْنَ} ؟ ، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ} ، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}

والإسلام لا يضع حجرًا ولا قيدًا على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه. ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحًا بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون علمًا نافعًا جالبًا لمصالح العباد ودارئًا لمفاسدهم.

ولا بد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله من أجلها، فلا يتخذ حقلًا للتجريب، ولا يعتدي على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه، ولا يؤدي إلى خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر، أو يعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني في ظلال شرع الله وعلى أساس وطيد من أحكامه.

وقد كان مما استجد للناس من علم في هذا العصر، ما ضجت به وسائل الإعلام في العالم كله باسم الاستنساخ. وكان لا بد من بيان حكم الشرع فيه، بعد عرض تفاصيله من قِبَل نخبة من خبراء المسلمين وعلمائهم في هذا المجال.

تعريف الاستنساخ:

من المعلوم أن سنة الله في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل نواة كل منهما على عدد من الصبغيات (الكروموزومات) يبلغ نصف عدد الصبغيات التي في الخلايا الجسدية للإنسان، فإذا اتحدت نطفة الأب (الزوج) التي تسمى الحيوان المنوي بنطفة الأم (الزوجة) التي تسمى البييضة، تحولتا معًا إلى نطفة أمشاج أو لقيحة، تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وتمتلك طاقة التكاثر. فإذا انغرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقًا مكتملًا بإذن الله، وهي في مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعًا فثمانيًا، ثم تواصل تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص.

فإذا انشطرت إحدى اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان متماثلان. وقد أمكن في الحيوان إجراء فصل اصطناعي لأمثال هذه اللقائح، فتولدت منها توائم متماثلة، ولم يبلغ بعد عن مثل ذلك في الإنسان، وقد عُدَّ ذلك نوعًا من الاستنساخ أو التنسيل، لأنه يولد نسخًا أو نسائل متماثلة، وأطلق عليه اسم الاستنساخ بالتشطير.

ص: 1416

وثمة طريقة أخرى لاستنساخ مخلوق كامل، تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية الكاملة على شكل نواة من خلية من الخلايا الجسدية، وإيداعها في خلية بييضية منزوعة النواة، فتتألف بذلك لقيحة تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وهي في الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر، فإذا غرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقًا مكتملًا بإذن الله. وهذا النمط من الاستنساخ الذي يعرف باسم (النقل النووي) أو (الإحلال النووي للخلية البييضية) هو الذي يفهم من كلمة الاستنساخ إذا أطلقت، وهو الذي حدث في النعجة (دولي) .

على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق الأصل، لأن بييضة

الأم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة، ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية، ولم يبلغ أيضًا عن حصول ذلك في الإنسان.

فالاستنساخ إذن هو: توليد كائن حي - أو أكثر - إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بييضة منزوعة النواة، وإما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء.

ولا يخفى أن هذه العمليات وأمثالها لا تمثل خلقًا أو بعض خلق،

قال الله عز وجل: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16]، وقال تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) } [الواقعة: 58 - 62] .

وقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } [المؤمنون: 12- 14]

وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي طرحت على مجلس المجمع:

قرر ما يلي:

أولًا: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري.

ثانيًا: إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أولًا) ؛ فإن

آثار تلك الحالات تعرض لبيان أحكامها الشرعية.

ص: 1417

ثالثًا: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحمًا أم بييضة أم حيوانًا منويًّا أم خلية جسدية للاستنساخ.

رابعًا: يجوز شرعًا الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.

خامسًا: مناشدة الدول الإسلامية إصدار القوانين والأنظمة اللازمة لغلق الأبواب المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو الأجنبية والمؤسسات البحثية والخبراء الأجانب للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإسلامية ميدانًا لتجارب الاستنساخ البشري والترويج لها.

سادسًا: المتابعة المشتركة من قبل كل من مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لموضوع الاستنساخ ومستجداته العلمية، وضبط مصطلحاته، وعقد الندوات واللقاءات اللازمة لبيان الأحكام الشرعية المتعلقة به.

سابعًا: الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم الأحياء (البيولوجيا) لاعتمادها في الدول الإسلامية.

ثامنًا: الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء البحوث في مجال علوم الأحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير مجال الاستنساخ البشري، وفق الضوابط الشرعية، حتى لا يظل العالم الإسلامي عالة على غيره، وتبعًا في هذا المجال.

تاسعًا: تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسلامية، ودعوة أجهزة الإعلام لاعتماد النظرة الإيمانية في التعامل مع هذه القضايا، وتجنب توظيفها بما يناقض الإسلام، وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي موقف، استجابة لقول الله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]

والله أعلم

ص: 1418

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام

على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه

قرار رقم 101/ 3/ د10

بشأن

الذبائح

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418هـ (الموافق 28 يونيو-3 يوليو 1997 م) .

بعد إطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع الذبائح، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء وخبراء الأغذية، واستحضاره أن التذكية من الأمور التي تخضع لأحكام شرعية ثبتت بالكتاب والسنة، وفي مراعاة أحكامها التزام بشعائر الإسلام وعلاماته التي تميز المسلم من غيره، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) . قرر ما يلي:

أولا: التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:

1-

الذبح: ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين، وهي الطريقة المفضلة شرعا في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.

2-

النحر: ويتحقق بالطعن في اللبة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق، وهي الطريقة المفضلة شرعا في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.

3-

العقر: ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيده، والمتوحش من الحيوانات المستأنسة، فإن أدركه الصائد حيا وجب عليه ذبحه أو نحره.

ص: 1419

ثانيا: يشترط لصحة التذكية ما يلي:

ا- أن يكون المذكي بالغا أو مميزا، مسلما أو كتابيا (يهوديا أو نصرانيا) ، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين، واللادينيين، والملحدين، والمجوس، والمرتدين، وسائر الكفار من غير الكتابيين.

2-

أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتفري بحدها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السن والظفر.

فلا تحل (المنخنقة) بفعلها أو بفعل غيرها، ولا (الموقوذة) وهي التي أزهقت روحها بضربها بمثقل (حجر أو هراوة أو نحوهما) ، ولا (المتردية) وهي التي تموت بسقوطها من مكان عال أو بوقوعها في حفرة، ولا (النطيحة) وهي التي تموت بالنطح، ولا (ما أكل السبع) وهو ما افترسه شيء من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد.

على أنه إذا أدرك شيء مما سبق حيًّا حياة مستقرة فذكي جاز أكله.

3-

أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية، ولا يكتفى باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلا أن من ترك التسمية ناسيا فذبيحته حلال.

ثالثا: للتذكية آداب نبهت إليها الشريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه:

فلا تُحَدُّ آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يذكى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزء من أجزائها، ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار، ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.

ص: 1420

رابعا: ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خاليا من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغييرا يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب الصحي فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.

خامسا:

أ- الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان، لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحسانا لذبحته وتقليلا من معاناته، ويطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.

ب- مع مراعاة ما هو مبين في البند (أ) من هذه الفقرة، فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي:

1-

أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي- القذالي (القفوي) .

2-

أن يتراوح الفولطاج ما بين (100- 400 فولط) .

3-

أن تتراوح شدة التيار ما بين (0.75إلى 1.0 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.

4-

أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3 إلى6 ثوان) .

جـ- لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.

د- لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.

هـ- لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأوكسجين، أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.

ص: 1421

سادسا: على المسلمين المقيمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا بالطرق القانونية للحصول على الإذن لهم بالذبح على الطريقة الإسلامية بدون تدويخ.

سابعا: يجوز للمسلمين الزائرين لبلاد غير إسلامية أو المقيمين فيها، أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب مما هو مباح شرعا، بعد التأكد من خلوها مما يخالطها من المحرمات، إلا إذا ثبت لديهم أنها لم تذك تذكية شرعية.

ثامنا: الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية المذكورة في الفقرة (ثانيا) قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية.

تاسعاً:

أ- إذا كان استيراد اللحوم من بلاد غالبية سكانها من أهل الكتاب، وتذبح حيواناتها في المجازر الحديثة بمراعاة شروط التذكية الشرعية المبينة في الفقرة (ثانيا) فهي لحوم حلال لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .

ب- اللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب محرمة، لغلبة الظن بأن إزهاق روحها وقع ممن لا تحل تذكيته.

ج- اللحوم المستوردة من البلاد المشار إليها في البند (ب) إذا تمت تذكيتها تذكية شرعية تحت إشراف هيئة إسلامية معتمدة وكان المذكي مسلما أو كتابيا فهي حلال.

ويوصي المجمع بمايلي:

أولا: السعي على مستوى الحكومات الإسلامية لدى السلطات غير الإسلامية التي يعيش في بلادها مسلمون، لكي توفر لهم فرص الذبح بالطريقة الشرعية بدون تدويخ.

ثانيا: لتحقيق التخلص نهائيا من المشكلات الناجمة عن استيراد اللحوم من البلاد غير الإسلامية ينبغي مراعاة ما يلي:

أ- العمل على تنمية الثروة الحيوانية في البلاد الإسلامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

ب- الاقتصار ما أمكن على البلاد الإسلامية في استيراد اللحوم.

جـ- استيراد المواشي حية وذبحها في البلاد الإسلامية للتأكد من مراعاة شروط التذكية الشرعية.

د- الطلب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لاختيار جهة إسلامية موحدة تتولى إصلاح مهمة المراقبة للحوم المستوردة، بإيجاد مؤسسة تتولى العمل المباشر في هذا المجال، مع التفرغ التام لشؤونه، ووضع لوائح مفصلة عن كل من شروط التذكية الشرعية، وتنظيم المراقبة والإشراف على هذه المهمة؛ وذلك بالاستعانة بخبراء شرعيين وفنيين، وأن توضع على اللحوم المقبولة من الإدارة علامة تجارية مسجلة عالميا في سجل العلامات التجارية المحمية قانونيا.

هـ- العمل على حصر عملية المراقبة بالجهة المشار إليها في البند

(د) ، والسعي إلى اعتراف جميع الدول الإسلامية بحصر المراقبة فيها.

و إلى أن تتحقق التوصية المبينة في البند (د) من هذه الفقرة يطلب من مصدري اللحوم ومستورديها ضمان الالتزام بشروط التذكية الشرعية فيما يصدر إلى البلاد الإسلامية؛ حتى لا يوقعوا المسلمين في الحرام بالتساهل في استيراد اللحوم دون التثبت من شرعية تذكيتها.

والله أعلم

ص: 1422

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه قرار رقم: 102 /4/د10

بشأن

بطاقة الائتمان

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418 هـ (الموافق 28 يونيو- 3 يوليو 1997 م)

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع بطاقة الائتمان، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع من الفقهاء والاقتصاديين؛ قرر ما يلي:

أ- تكليف الأمانة العامة إجراء مسح ميداني لجميع نماذج الشروط والاتفاقيات للبطاقات التي تصدرها البنوك.

ب - تشكيل لجنة تقوم بدراسة صيغ البطاقات لتحديد خصائصها وفروقها وضبط التكييفات الشرعية لها، وذلك بعد توفير المصادر العربية والأجنبية عن أنواع البطاقات.

جـ- عقد حلقة بحث لمناقشة الموضوع في ضوء التحضيرات السابقة، وإعداد نتائج متكاملة عنه لعرضها على الدورة القادمة.

ويوصي بما يلي:

أ - ضرورة إعادة صياغة المصطلحات الاقتصادية ذات العلاقة والأبعاد الشرعية فيما يتعلق بالمعاملات الجائزة والمحرمة بما يناسب حقيقتها، ويكشف عن ماهيتها ، وإيثار ما له وجود في المصطلح الشرعي على غيره، بحيث يترسخ لفظه ومعناه، خصوصًا ما تكون له آثار حكمية شرعية، لتقويم صياغة المصطلحات الاقتصادية، وانسجامها مع المصطلحات الفقهية، واستخراجها من تراث الأمة ومفاهيمها الشرعية.

ب - مناشدة الجهات المعنية في البلاد الإسلامية منع البنوك من إصدار بطاقات الائتمان الربوية، صيانة للأمة من الوقوع في مستنقع الربا المحرم، وحفظًا للاقتصاد الوطني وأموال الأفراد.

جـ- إيجاد هيئة شرعية ومالية واقتصادية تكون مسؤوليتها حماية الأفراد من استغلال البنوك والمحافظة على حقوقهم، في حدود الأحكام الشرعية، والسياسة المالية لحماية الاقتصاد الوطني، ووضع لوائح محكمة لحماية المجتمع والأفراد من استغلال البنوك، لتفادي النتائج الوخيمة المترتبة على ذلك.

والله أعلم.

ص: 1423

قرار حول

دور المرأة المسلمة في التنمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه قرار رقم: 153/ 5/ د 15

بشأن

دور المرأة المسلمة في التنمية

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر

بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر1418 هـ (الموافق 28 يونيو -3 يوليو 1997 م) .

بعد إطلاعه على التوصيات المعدة بشأن دور المرآة المسلمة في التنمية، وبعد المداولة التي دارت حول الموضوع؛

قرر:

- تكليف لجنة للنظر في موضوع التوصيات المعدة بشأن دور المرأة المسلمة في التنمية، تشكلها الأمانة العامة للمجمع، وتعرض نتائج أعمالها في دورة لاحقة إن شاء الله تعالى.

والله أعلم

ص: 1424

البيان الختامي

الصادر عن

مجلس مجمع الفقه الإسلامي

في دورة مؤتمره العاشر المنعقد في جدة بالمملكة العربية السعودية

خلال الفترة من 23إلى 28 صفر 1418هـ

28 يونيو- 3 يوليو 1997م

البيان الختامي

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وصلى الله على عبده ورسوله إمام الأمة ونبي الرحمة، الداعي إلى الخير وإلى صراط مستقيم، وعلى آله وصحبه ومن تمسك بهديه وجرى على سنته إلى يوم الدين. وبعد:

فبتوفيق من الله وجميل رعايته، وتيسيره وكمال عنايته، انعقدت الدورة العاشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة على مدى ستة أيام من 23 إلى 28 من صفر الخير 1418 الموافق لـ28 من يونيو حتى 3 من يوليو 1997.

وشملنا التكريم الملكي من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك

فهد بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله وأمد في عمره، بإشرافه السامي على هذه الأيام الدراسية، وتوجيهه خطابه السني إلى أعضاء المؤتمر، ألقاه نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن نائب أمير مكة المكرمة.

وقد جاء في هذه الرسالة الملكية أن العالم اليوم يتطور تكنولوجيًّا بسرعة هائلة في شتى ألوان الحياة، بما يتمخض عنه من قضايا لم تواجه أسلافنا من أعلام الفقه الإسلامي، وبالتالي لا بد من الاجتهاد فيها استئناسًا بآراء فقهائنا المعاصرين لحل قضايا ومشاكل هذه الأمة. وقد حدد خادم الحرمين الشريفين في هذا الخطاب التحديات الحاقدة التي يواجهها المسلمون في عقيدتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم، مهيبًا بأعضاء المجمع إلى بذل الجهد لتحقيق الأهداف الإسلامية والإنسانية العامة، خدمة للإسلام والمسلمين، مؤكدًا مساندة حكومته الرشيدة، ومبينًا تأييدها ومناصرتها لكل ما فيه الخير والرفعة والعزة للإسلام والمسلمين.

ص: 1425

وقد تناولت الدراسات والعروض المقدمة لهذه الدورة المحاور الأربعة المحددة للبحث. فوقع النظر والتأمل في مسائل فقهية تتعلق بالمفطرات وفي قضايا علمية بيولوجية تتصل بالاستنساخ وموقف الشريعة منه، ودراسة موضوع الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة، والوقوف طويلًا عند العقود المستجدة في فقه المعاملات لبحث بطاقة المعاملات المالية (بطاقة الائتمان) ، وتحديد الرأي الفقهي فيها وما يتصل بها من أحكام.

وقد شارك الباحثين العارضين للدراسات عدد كبير من المعقبين، ودارت المناقشة في ذلك بين جمهرة من العلماء وأصحاب الاختصاصات المتنوعة من أعضاء مجلس المجمع وخبرائه. وكانت لجان الصياغة لإعداد القرارات والتوصيات المناسبة تعمل ليل نهار لتقديم نتائج أعمال الدورة المتمثلة في قرارات المجمع لحضراتكم تتويجًا لجهودكم، وتنويهًا باجتهاداتكم.

وإنه لعمل ضروري ومثمر هذا الذي يقوم به المجمع في كل دوراته معتمدًا على الصفوة الكريمة من العلماء والخبراء، مستجيبًا لحاجات الأمة من النظر فيها بما تدعو إليه ظروف الحياة الجديدة وتطوراتها، وقائمًا بما يمليه عليه الواجب الديني الذي دعاه إليه الله في قوله عز وجل {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَاّ قَلِيلًا} [النساء: 83] ، وباذلًا أقصى جهده في تجلية الشريعة، مبينًا أحكامها فيما يستجد من القضايا، وباحثًا عن الحلول المقبولة والمرعية لما يعرض للمجتمع الإسلامي وغيره من المشاكل المستعصية. وهو يعتمد في كل ذلك سبيل عباد الله المخلصين، وطريقة الأئمة المحققين من الرجوع أولًا وبالذات إلى المصدرين الأساسيين كتاب الله الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وثانيًا إلى المناهج العلمية الدقيقة الأصولية، وإلى القواعد العامة الشرعية، غير غافلين عن ملاحظة الحكمة الإلهية في تقرير الأحكام، والمقاصد الشرعية التي نيط بها الفقه الإسلامي.

ص: 1426

ويسعدني في نهاية أعمالنا أن نحمد الله على ما من به علينا من النظر

في قضايا المجتمع الإسلامي والإنساني معتمدين منهجه، وسائرين على هدي رسوله. وإنا لنجزل عظيم الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، ولولي عهده الأمين يرعاه الله، وللنائب الثاني، أدام الله توفيقه، ولجميع أجهزة الدولة المعنية، على ما لقيناه منها من إكرام وحفاوة، وما قدمته لنا من مساعدات وتسهيلات كان لها دور هام في نجاح أعمال هذه

الدورة.

ويقتضينا واجب الإنصاف أن نسجل شكرنا العميق لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن، لحضوره افتتاح هذه الدورة، ولمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور عز الدين العراقي، الذي بذل النصح ودعا إلى الجد من أجل النهوض برسالة المجمع على الوجه الأكمل.

ولا أنسى هنا المنظمات الدولية والمحلية التي شاركتنا جهودنا أعمالنا وأخص بالذكر منهم رجال الفكر والعلم بمختلف الجامعات ومراكز البحث العلمي، وأنوه في هذا المقام بحكمة ودراية سماحة الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع، وأحمد له دأبه وجده وحسن تصرفه في إدارة أعمالنا، وتلخيص الآراء المطروحة والتهيئة المنهجية والعلمية في اتخاذ القرار.

وإني لأخلص من هذه الكلمة إلى شكر وتقدير أعضاء المجمع، وخبرائه، والسادة العلماء الأكارم من أطباء واقتصاديين، الذين بذلوا ما في وسعهم لمواكبة البحوث الشرعية والإعانة على اتخاذ القرار.

وقبل ختام هذه الكلمة يطيب لي، أن أتوجه بأخلص مشاعر التقدير وأزكاها لكل من ساهم في إنجاح هذه الدورة، وأخص بالذكر منهم لجنة الصياغة، والمقرر العام، ومقرري الجلسات، كما أتقدم بمثل ذلك إلى القائمين على الطبع والسحب والتوزيع، وهيئات الاستقبال والسكرتارية العامة. وأجزل الشكر لأجهزة الإعلام والمشرفين عليها على ما قاموا به من جهودٍ خيرة لتغطية أعمال هذا المؤتمر المجمعي الفقهي العاشر طيلة انعقاده، مما مكن من نقل صورة مشرفة عن اهتمامات فقهاء العالم الإسلامي ومواكبتهم للواقع والعصر.

ص: 1427

ولا أنسى كريم الضيافة، وجميل الخدمات، التي قدمها لنا المسؤولون عن فندق الحارثي والعاملين به باحتضانهم لوفودنا ومساعدتهم.

وختامًا آمل أن تكون قرارات هذه الدورة إضافة جديدة إلى منجزات مجمعكم الموقر، وأن يتضاعف نشاطه عامًا بعد عام، ليواصل مسيرته ويقوم بواجبه من أجل خير الأمة الإسلامية، وإلى لقاءٍ خير جديد حافل بالجهود العلمية والدراسات الشرعية الفقهية، والقرارات المجمعية العلمية التي تخدم الإسلام والمسلمين في أنحاء المعمورة كافة.

وفي نهاية هذا الاجتماع وقبل التوديع يسعدني أن أحيط حضراتكم

علمًا بدعوة دولة البحرين لإقامة المؤتمر الحادي عشر على أرضها الطيبة السخية، بلغنا إياها أخونا العلامة الفقيه القاضي محمد عبد اللطيف آل سعد، عضو المجمع وممثل دولة البحرين فيه. فنشكر الله لسمو أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة كريم دعوته، وللعضو الكريم حسن رعايته وحرصه على انتظام دورات المجمع واستمراره على أداء مهمته.

والله أسأل أن يديم توفيقنا ويسدد خطانا على طريق الحق والحكمة والخير، وفي خدمة الإسلام والحفاظ على ملته. إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أنا الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 1428

توصيات

الندوة الفقهية الطبية التاسعة

" رؤية إسلامية لبعض المشاكل الطبية "

الدار البيضاء: 8- 11- صفر 1418هـ.

14-

17 يونيو 1997 م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فلقد آلت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية على نفسها أن تبادر إلى طرح ما يستجد من مشكلات طبية معاصرة تلتمس لها الحكم الشرعي، والرأي الفقهي عبر ندواتها التي دأبت على إقامتها في هذا المجال، والتي يساهم فيها جمع من كبار الفقهاء والأطباء والصيادلة، والمتخصصين في علوم إنسانية أخرى.

ولما كانت تسعى جاهدة إلى وحدة الرأي، وتوحيد الكلمة وفق تصور طبي صائب لتلك المستجدات تبني على أساسه الأحكام الفقهية التي يستنبطها فقهاؤنا الأجلاء؛ لذلك فقد حرصت المنظمة على أن تشاركها في تحمل هذه الأمانة هيئات علمية ومؤسسات ثقافية وصحية لها دور جليل فيما تقوم به، وفي مقدمتها مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والأزهر الشريف، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية " إيسيسكو ".

وكان من توفيق الله وفضله أن تقام الندوة الفقهية الطبية التاسعة، وموضوعها " رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة " في الفترة من 8 - 11 صفر 1418 هـ الموافق 14 - 17 يونيو 1997 م، في مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية، وتحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، وأن تكون بمشاركة مؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية عن رمضان، والإيسيسكو ومجمع الفقه الإسلامي والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية.

ص: 1429

باشرت الندوة أعمالها - في فندق سفير بالدار البيضاء - بحفل افتتاح استهل بتلاوة من القرآن الكريم، وأعقب ذلك كلمة الأستاذ (عبد الهادي بوطالب) الرئيس الشرفي لمؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية عن رمضان، فكلمة سماحة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة أمين عام مجمع الفقه الإسلامي، فكلمة الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، ثم كلمة الدكتور عبد العزيز التويجري المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، وأخيرًا كلمة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.

وقد اشتملت الندوة على الموضوعات التالية:

1 -

الاستحالة والمواد الإضافية في الغذاء والدواء.

2 -

الاستنساخ.

3 -

المفطرات.

ص: 1430

وعلى مدى أربعة أيام عرضت الجوانب الطبية والفقهية لكل موضوع من تلك الموضوعات، وتتم تدارس الآراء المختلفة، وجرى نقاش مسهب لكل من الجوانب الطبية والفقهية، وتداول المشاركون ما عرض من أفكار واقتراحات، ثم توصلت الندوة بحمد الله إلى ما يلي:

أولا

الاستحالة والمواد الإضافية في الغذاء والدواء

تؤكد الندوة على جميع التوصيات التي وردت في الندوة الثامنة في البند " ثانيًا " المتعلق بالمواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء.

واستكمالًا لما سبقت دراسته في الندوة السابقة فإن هذه الندوة ناقشت الجوانب الطبية والفقهية المتعلقة بهذا الموضوع، وخلصت إلى أن المواد الإضافية في الغذاء والدواء التي لها أصل نجس أو محرم تنقلب إلى مواد مباحة شرعًا بإحدى طريقتين:

الاستحالة:

تشير الندوة ابتداء إلى ما سبق اتخاذه من توصية في الفقرة (8) من البند " ثانيًا " المتخذة في الندوة الفقهية الثامنة بشأن الاستحالة.

ويقصد بالاستحالة في الاصطلاح الفقهي: " تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات ". ويعتر عنها في المصطلح العلمي الشائع بأنها كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر؛ كتحول الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون، وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة؛ كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة وغليسرين، وكما يحصل التفاعل الكيميائي بالقصد إليه بالوسائل العلمية الفنية يحصل أيضًا - بصورة غير منظورة - في الصور التي أوردها الفقهاء على سبيل المثال: كالتخلل والدباغة والإحراق، وبناء على ذلك تعتبر:

1-

المركبات الإضافية ذات المنشأ الحيواني المحرم أو النجس التي تتحقق فيها الاستحالة - كما سبقت الإشارة إليها - تعتبر طاهرة حلال التناول في الغذاء والدواء.

2 -

المركبات الكيميائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرمة كالدم المسفوح أو مياه المجاري والتي لم تتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح المشار إليه؛ لايجوز استخدامها في الغذاء والدواء، مثل:

الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح كالنقانق المحشوة بالدم، والعصائد المدماة (البودينغ الأسود) ، والهامبرجر المدمى، وأغذية الأطفال المحتوية على الدم، وعجائن الدم، والحساء بالدم ونحوها؛ تعتبر طعامًا نجسًا محرم الأكل لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق به الاستحالة.

أما بلازما الدم - التي تعتبر بديلًا رخيصًا لزلال البيض - وقد تستخدم في الفطائر، والحساء، والعصائد (بودينغ) ، والخبز، ومشتقات الألبان، وأدوية الأطفال وأغذيتهم، والتي قد تضاف إلى الدقيق.

فقد رأت الندوة أنها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات، فليس لها حكم الدم، وإن رأى بعض الحاضرين خلاف ذلك.

ص: 1431

الاستهلاك:

ويكون ذلك بامتزاج مادة محرمة أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبة، مما يذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعًا، إذا زالت صفات ذلك المخالط المغلوب من الطعم واللون والرائحة، حيث يصير المغلوب مستهلكًا بالغالب، ويكون الحكم للغالب، ومثال ذلك:

1-

المركبات الإضافية التي يستعمل من محلولها في الكحول كمية قليلة جدًا في الغذاء والدواء، كالملونات والحافظات والمستحلبات مضادات الزنخ.

2 -

الليستين والكوليسترول المستخرجان من أصول نجسة بدون استحالة، يجوز استخدامهما في الغذاء والدواء بمقادير قليلة جدًا مستهلكة في المخالط الغالب الحلال الطاهر.

3 -

الأنزيمات الخنزيرية المنشأ، كالببسين وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء والدواء الغالب.

وترى الندوة ما يلي:

1 -

إن المذيبات الصناعية، والمواد الحاملة والدافعة للمادة الفعالة في العبوات المضغوطة؛ إذا استخدمت وسيلة لغرض أو منفعة مشروعة جائزة شرعًا، أما استعمالها من أجل الحصول على تأثيرها المخدر أو المهلوس باستنشاقها فهو حرام شرعًا، اعتبارًا للمقاصد ومآلات الأفعال.

2 -

لا حرج شرعًا في استخدام الذهب في مجال الأشياء التعويضية السنية (مثل تلبيس الأضراس والأسنان وشد بعضها ببعض ونحو ذلك) لغرض المعالجة الطبية للرجال، أما إذا استعمل لغرض الزينة فقط، فإنه يأخذ حكم لبس الرجال للذهب للزينة، وهو محظور شرعًا.

3 -

الأصل الشرعي حرمة لبس الحرير الطبيعي على الرجال، ويستثنى من ذلك لبسه لغرض المعالجة الطبية كأمراض الحساسية والحكة وما شابه ذلك، فإنه سائغ شرعًا.

ص: 1432

ثانيًا المفطرات

المفطرات في كتاب الله عز وجل، وفي السنة الصحيحة ثلاثة: هي

الأكل والشرب والجماع، فكل ما جاوز الحلق وكان ينطبق عليه اسم الأكل أو الشرب، كمًّا وكيفًا، يعد مفطرًا. وبناء على ذلك اتفق المجتمعون على أن الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات:

1-

قطرة العين أو الأذن أو غسول الأذن.

2 -

قرص النيتروغلسيرين ونحوه الذي يوضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية.

3 -

ما يدخل المهبل من فراز، أو بيوض دوائية مهبلية، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع طبيب أو قابلة فاحصة.

4 -

ما يدخل الإحليل - إحليل الذكر والأنثى - أي مجرى البول الظاهر؛ من قثطرة، أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.

5 -

حفر السن أو قلع الضرس أو تنظيف الأسنان أو السواك وفرشاة الأسنان، على أن يتجنب الابتلاع.

6 -

الحقن الجلدية أو العضلية أو الوريدية باستثناء السوائل الوريدية المغذية.

7 -

التبرع بالدم وتلقي الدم المنقول.

8 -

غاز الأكسجين وغازات التخدير.

9 -

ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد، كالدهونات والمروخات واللصقات الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.

10 -

أخذ عينة من الدم للفحص المختبري.

11 -

إدخال قثطرة في الشرايين لتصوير أوعية القلب، أو غيره من الأعضاء.

12 -

إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء، أو إجراء عملية جراحية عليها.

13 -

المضمضة والغرغرة وبخاخ العلاج الموضعي للفم على أن يتجنب الابتلاع.

14 -

إدخال المنظار أو اللولب إلى الرحم.

15 -

أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء.

ص: 1433

ورأت أكثرية المجتمعين أن الأمور الآتية لا تعتبر مفطرة:

1 -

قطرة الأنف وبخاخ الأنف وبخاخ الربو.

2 -

ما يدخل الشرج من حقنة شرجية، أو تحاميل (لبوس) ، أو منظار، أو إصبع طبيب فاحص.

3 -

العمليات الجراحية بالتخدير العام، إذا كان المريض قد بيت الصيام من الليل.

4 -

الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقنًا في الصفاق (الباريتون) ، أو بالكلية الاصطناعية.

5 -

منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل أو مواد أخرى.

والندوة في ختام أعمالها لا يسعها إلا أن ترفع إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية، عظيم الشكر وجميل العرفان على رعايته لهذه الندوة المقامة على أرض المملكة المغربية، داعين لجلالته وولي عهده بالنصر والعزة ومزيد من الازدهار والتقدم لشعب المملكة المغربية، كما تتوجه الندوة بالشكر لحكومة صاحب الجلالة والمسؤولين على حسن الاستقبال وكرم الوفادة.

والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية تتقدم بخالص الشكر لجميع المؤسسات التي شاركت في أعمال هذه الندوة، وهي: مؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية عن رمضان، ومنظمة الإيسيسكو، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، كما تتقدم بجزيل الشكر والامتنان للسادة الفقهاء والأطباء والعلماء الذين ساهموا في إنجاح هذه الندوة، داعين سبحانه وتعالى أن يحتسب ذلك في ميزان أعمالهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* * *

ص: 1434

توصيات

ندوة الخبراء حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي إلى المؤتمر الإسلامي الثالث والعشرين لوزراء الخارجية

(معدلة من قبل لجنة الفتوى)

إن ندوة منظمة المؤتمر الإسلامي حول (دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي) التي عقدت بطهران، بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، في الفترة 17 -19 من ذي القعدة 1415هـ الموافق 17 -19 إبريل 1995 م، بموجب القرار رقم 10/ 7 - ث (ق0إ) الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي السابع.

وبعد أن ناقشت المسألة بعناية في ضوء تقرير أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي والمقترحات والأوراق التي قدمها الخبراء، والآراء التي أبدتها مختلف الوفود.

وإذ تؤكد مجددًا التزام الدول الأعضاء بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، وصيانة المكانة الرفيعة للمرأة وكرامتها ووضعها في المجتمعات الإسلامية.

واقتناعًا منها بأن الدين الإسلامي الحنيف يقدم حلولًا شاملة لكافة جوانب الحياة الإنسانية والاجتماعية ومراميها.

وإدراكًا للحاجة المتزايدة التي يشعر بها المسلمون في كافة أرجاء العالم لتعزيز انبعاث القيم والمبادئ الإسلامية، وإيجاد مجتمعات مرتكزة على المبادئ الإسلامية، في السلم والعدالة والتسامح والتقدم والإنصاف والمساواة في الحقوق لجميع البشر.

واقتناعًا منها بأنه لا يمكن بلوغ هذه الأهداف النبيلة إلا بمشاركة جميع المسلمين بما في ذلك المشاركة الكاملة والحثيثة والفاعلة للنساء المسلمات اللاتي يشكلن نصف الأمة الإسلامية.

وإذ تؤكد المبادئ الإلهية والتعاليم الإسلامية المتعلقة بتعزيز وحماية حقوق المرأة، ووضعها السامي في مختلف الأصعدة الشخصية والعائلية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

وتأكيدًا للدور الفاعل للمرأة في تنمية المجتمعات الإسلامية. وإذ تأكد مجددًا ضرورة التعاون والتنسيق فيما بين البلدان الإسلامية لتشجيع التنمية الشاملة والمنصفة لكافة قطاعات الأمة الإسلامية.

ص: 1435

والتزامًا بإبراز الصورة الصحيحة للدين الإسلامي الحنيف، ولدور ومكانة المرأة المسلمة ومكافحة جميع المحاولات الرامية لتشويه صورة التعاليم الإسلامية الخاصة بالمرأة.

1-

توصي المؤتمر الإسلامي الثالث والعشرين لوزراء الخارجية

باتخاذ التدابير التالية:

1 -

1 - الاعتراف بالدور البارز الذي تعطيه التعاليم الإسلامية للمرأة في المجتمع الإسلامي ، وتبني سياسات إيجابية تعطي المرأة حق المشاركة النشطة والفعالة والبناءة في مختلف المجالات؛ الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

1 -

2 - تقديم وتعزيز الصورة الإسلامية الصحيحة للمرأة ودورها الحقيقي وكرامتها ووضعها في المجتمع الإسلامي، وخاصة عبر أجهزة الإعلام والكتب المدرسية، وبذل جميع الجهود لإبراز الصورة الإيجابية للمرأة بما يتوافق مع الفكر الإسلامي الصحيح، بعيدًا عن الصور المشوهة والبدع الدخيلة على الفكر الإسلامي.

1 -

3 - التأكيد على أن للمرأة المسلمة الحق في التفقه في أمور دينها، والاجتهاد فيه إذا توافرت شروط الاجتهاد.

1 -

4 - إيجاد بيئة مواتية وظروف روحية وأخلاقية وثقافية وسياسية واجتماعية مناسبة، وفق التعاليم الإسلامية المؤدية لتقدم وتطور شخصية المرأة المسلمة، ورفض جميع صور الغزو الثقافي الذي يلحق الأذى بهوية وشخصية المجتمعات الإسلامية، وخاصة النساء المسلمات.

1 -

5 - بذل كافة الجهود لضمان احترام الحقوق الإنسانية الأساسية للأقليات والجماعات الإسلامية، وبخاصة الأقليات النسائية المسلمة، على أن يشمل ذلك حقهن في ممارسة شعائر دينهن.

1 -

6- القيام بالأبحاث والقضاء على كافة أشكال العنف واستغلال

النساء، بما في ذلك العنف المنزلي والاستغلال الجنسي والتصوير الإباحي والدعارة والتهريب والمضايقات الجنسية والممارسات التقليدية غير المشروعة، وكذلك القضاء على استخدام العنف ضد النساء نتيجة للصراعات المسلحة.

1 -

7 - تعزيز الوعي العام بين النساء والرجال المسلمين بالتعاليم

الإسلامية فيما يتعلق بدور ووضع المرأة وحقوقها ومسؤولياتها في الشريعة الإسلامية.

1 -

8 - نشر الوعي بين النساء والرجال بشأن حقوقهم الذاتية والعائلية والاجتماعية ومسؤولياتهم وواجباتهم بمقتضى الشريعة الإسلامية، وتوفير البيئة المناسبة من أجل التحقيق الكامل لممارسة حقوقهم ومسؤولياتهم، ومطالبة السلطات المختصة بإتاحة الظروف والإمكانات اللازمة للاستجابة بفعاليةٍ لحاجات المرأة وتشجيعها على المشاركة في الحياة العامة، وتمكينها بالتالي من التوفيق بين مسؤولياتها الأسرية من جهة، وبين حقوقها الاجتماعية والسياسية، والمساهمة في اتخاذ القرار من جهة أخرى.

ص: 1436

1 -

9 - نشر الوعي العام، واحترام الحقوق والمميزات الاقتصادية والمالية المعترف بها للمرأة بموجب الشريعة الإسلامية، وخاصة تلك المتعلقة بالملكية الخاصة والدخول والميراث.

1 -

10 - تشجيع التخطيط والاعتماد المناسب للموارد اللازمة في إطار برامج التنمية الوطينة والموازنات، بغية تحقيق تقدم المرأة، في جميع المجالات.

1 -

11 - إيجاد البيئة المناسبة والتسهيلات اللازمة من أجل التنمية الكاملة لجميع طاقات وقدرات المرأة، في مختلف المجالات، بما يتواءم مع الدور الأساسي للمرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية والعائلية.

1 -

12 - إنشاء ودعم مراكز محو الأمية، ومرافق التدريب المهني، وفرص العمل، وتطويرها بما يلائم الحياة العصرية، وبما يتوافق مع الشريعة الإسلامي.

1 -

13 - دعم الآليات القانونية والاجتماعية لتمكين النساء من أداء مهامهن كإجازات الوضع المدفوعة الأجر، وساعات عمل مرنة، وإنشاء مرافق للعناية بالأطفال.

1 -

14 - تعزيز وتشجيع جميع فرص العمل المنتج التي تدر دخلًا للمرأة في المجتمعات الإسلامية، والتي من شأنها أن تقوي دورها في التنمية والنمو الشامل للمجتمعات الإسلامية، وذلك من خلال التخطيط المناسب والمنصف لإيجاد توظيف منتج، وزيادة الأمن الاجتماعي والرفاهية للجميع.

1 -

15 - تقديم الدعم المالي والاجتماعي اللازمين، وحماية الأسر وسائر النساء اللائي يحتجن إلى عون اجتماعي ومساعدات.

1 -

16 - تشجيع التخطيط والتعاون الوطني والدولي من أجل القضاء على الفقر الذي يؤثر بصفة أساسية على النساء.

ص: 1437

1-

17 - التركيز الصحيح على الدور الهام للمرأة الريفية في الإنتاج والتنمية، وتسهيل حصولهن على الموارد الضرورية، ومن بينها الأرض والقروض والأسعار المؤمنة والتسويق، ودعم روابط وجماعات المرأة الريفية والحضرية باعتبارها آليات لتقدمهن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

1 -

18 - تسهيل وتدعيم حصول المرأة الكامل على الرعاية الصحية المناسبة والمتوفرة والجيدة، والخدمات والمرافق الأخرى المجانية ذات العلاقة، ومن بينها التخطيط العائلي والصحة الإنجابية والأمومة والطفولة بما يتفق مع المبادئ الإسلامية.

1-

19 - دعم وتشجيع مختلف الأنشطة الجماعية الاجتماعية،

والعلمية، والاقتصادية، والثقافية، والرياضية، والخيرية؛ التي تمارسها المرأة المسلمة.

1 -

20- القيام بمشاريع البحوث والدراسات المناسبة حول الجوانب النظرية والعملية المتعلقة بتحسين وضع المرأة في مختلف مجالات الحياة الشخصية والاجتماعية، والتعرف على العقبات الراهنة والإجراءات الكفيلة بتجاوزها.

1 -

21 - اتخاذ تدابير مشتركة، وتبادل الخبرات فيما بين البلدان الإسلامية، بغية تحسين أحوال المرأة وتطورها في مختلف الأصعدة والمجالات.

1 -

22 - تشجيع التعاون وتبادل الآراء والخبرات فيما بين النساء المسلمات في مختلف المجتمعات.

1 -

23 - إنشاء وتعزيز الآليات المناسبة من أجل التنسيق والتنفيذ الأفضل للبرامج والسياسات الرامية لتحسين أوضاع المرأة، ونشر المعلومات الموضوعية على نطاق العالم عن دورها في التعليم الإسلامي، وفي تنمية المجتمعات الإسلامية.

ومن بين أمور أخرى، استكمال المشاورات في أقرب وقت ممكن وعلى وجه التفضيل، قبل انعقاد المؤتمر الإسلامي الرابع والعشرين لوزراء الخارجية، حول موضوع إنشاء منظمة إسلامية دولية للمرأة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي وبما يتفق مع لوائحها.

1 -

24 - كل ما جاء في هذا التوصيات يجب أن يتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

2 -

يوصي بأن تواصل البلدان الإسلامية تنسيق مواقفها في المحافل والاجتماعات الدولية حول دور المرأة.

3 -

يطلب من الأمانة العامة للمنظمة تنظيم وتسهيل إجراء مشاورات منتظمة لتنسيق المواقف فيما بين الوفود الإسلامية المشاركة في المؤتمرات الدولية بشأن المرأة.

ص: 1438

بسم الله الرحمن الرحيم

مبادئ مقدمة من

ندوة منظمة المؤتمر الإسلامي الأولى حول

(دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي)

المنعقدة بطهران - الجمهورية الإسلامية الإيرانية

17 -

19 إبريل 1995م

للاسترشاد بها لدى حضور المؤتمرات الدولية حول المرأة نحن، ممثلي الدول الإسلامية، المشاركين في الندوة الأولى لمنظمة المؤتمر الإسلامي حول (دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي) ؛ إذ نؤكد مجددًا التزامنا بميثاق الأمم المتحدة، وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي.

وإذ نأخذ في الاعتبار أهداف المساواة والتنمية والسلام الواردة في استراتيجيات نيروبي الرائدة من أجل ترقية المرأة، ومداولات الدورة التاسعة والثلاثين للجنة وضعية المرأة.

وإذ نؤكد مجددًا ثقتنا في أن الأديان السماوية وبخاصة الإسلام يمكن أن تكون منطلقات لتطور وترقية المجتمعات الإنسانية، الرجال والنساء، على حد سواء.

وإذ نؤكد على ضرورة احترام التعاليم السماوية والقيم الإسلامية في قرارات المؤتمر العالمي الرابع في بكين، ونؤكد مجددًا عزمنا على العمل معًا في المؤتمر المذكور لضمان تحقيق هذا الهدف.

وإذ ندرك بأن الحقوق والمسؤوليات والفرص المتساوية والمنصفة، وكذلك الشراكة المنسجمة بين النساء والرجال تعتبر أمرًا حيويًّا لتطور وتقدم البشرية.

وإذ ندرك أيضًا أنه يجب اعتبار نموذج جديد للتنمية، متضمنًا التنمية المعنوية والروحية شرطًا مسبقًا لترقية المرأة.

1 -

نوصي بأن تسترشد الدول الأعضاء بالمبادئ والتدابير التالية - في مواقفها خلال المؤتمرات العالمية للمرأة -:

1 -

1 - حماية وتعزيز كرامة المرأة ومكانتها الإنسانية الراقية في جميع مجالات الحياة، والاعتراف بأن التنمية المستمرة تتطلب المشاركة المتكاملة للنساء والرجال باعتبارهم عوامل التنمية والمستفيدين منها.

1 -

2 - اتخاذ كافة التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التفريق غير المبررة شرعًا ضد الفتيات والنساء وإزالة كل العقبات أمام تقدمهن.

1 -

3 - اعتبار الأسرة بمثابة النواة للمجتمع، تقوم على أساس التعاون الكامل بين الرجل والمرأة. إن الدور الهام للمرأة وكذلك حقوقها في الأسرة أمور أساسية لاستقرار هذه المؤسسة، ويتعين اتخاذ تدابير لدعم وتعزيز الأسرة، ويجب الاعتراف بأن الاستقرار الأسري أحد المؤشرات الرئيسية للتنمية.

1 -

4 - إقامة آليات مساندة اجتماعية واقتصادية مناسبة لتكوين الأسر في سن مناسبة، مع استبعاد العلاقات الجنسية خارج نطاق الرابطة الزوجية.

1-

5 - الأخذ في الاعتبار دور الديانات السماوية في تعزيز القيم الإنسانية للعدالة والتسامح والإنصاف والتنمية، من أجل المجتمعات البشرية، وذلك في إطار ترقية المرأة والاعتراف بذلك الدور.

1 -

6 - احترام ومراعاة القيم الدينية والهوية الثقافية، وسيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومراعاة ذلك في جميع المحافل الدولية، وعدم فرض أي نموذج مجتمعي دخيل.

ص: 1439

1-

7 - القيام بدراسات وبحوث حول جميع أشكال المواقف التمييزية والممارسات والمحرمات التقليدية التي نسبت بغير حق للدين، وذلك من أجل إزالة آثارها السلبية، التي تحط من الكرامة التي ضمنها الإسلام للمرأة والرجل على حد سواء ونشر نتائجها.

1-

8 - اتخاذ التدابير المناسبة لمنع ومكافحة جميع أشكال العنف

ضد المرأة ومحاربتها، بما في ذلك استغلالها جنسيًّا والمتاجرة بها، والتصوير الإباحي، وعرضها على أنها بضاعة جنسية في أجهزة الإعلام، وذلك نظرًا إلى وضعها الرفيع في المجتمع.

1 -

9 - ضمان حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية منصفة للنساء في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع البلدان والمنظمات الدولية.

1 -

10 - ينبغي أن تولي سياسات مكافحة الفقر أهمية خاصة لاحتياجات المرأة ومتطلباتها.

1-

11 - إدراك أن منع العدوان والتطهير العرقي وردعهما والعمل

على حل النزاعات المسلحة وغيرها، كلها أمور ذات أهمية بالغة لحماية المرأة وصغيرات السن ولمنع استخدامهن كسلاح في الحرب.

1 -

12 - تبني إجراءات لتأمين الحماية الاجتماعية والاقتصادية والقانونية للمرأة اللاجئة والنازحة.

1-

13 - زيادة الاستفادة من الخدمات الصحية الفعالة والمتوازنة، خاصة بالنسبة للصحة الإنجابية والتنظيم الأسري والتربية والخدمات في إطار الأسرة، مع إدراك أن الإجهاض يجب أن لا يكون بأي حال من الأحوال أداة في التخطيط الأسري.

1 -

14 - اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الفرص التعليمية المتساوية للبنات والبنين، ومكافحة ظاهرة الانقطاع الباكر عن الدراسة، حتى يتمكن كل ناشئ من الاستعداد للحياة وصقل مواهبه؛ إذ في ذلك ما يساعد على القضاء على أمية الإناث.

ص: 1440

مشروع إعلان طهران

حول

دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي

نحن، ممثلي الدول الأعضاء لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المجتمعين بمدينة طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في الفترة 17 - 19 ذي الحجة 1415 هـ الموافق 17 - 19 إبريل 1995 م، في ندوة على مستوى الخبراء، حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي، تنفيذًا لقرارات مؤتمري القمة الإسلامية السادس والسابع المنعقدين في داكار (جمهورية السنغال) والدار البيضاء (المملكة المغربية) عامي (1411 هـ) و (1415 هـ) على التوالي

تأكيدًا للدور التاريخي للأمة الإسلامية التي أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة، ربطت الدنيا بالآخرة وجمعت بين العلم والإيمان، وبين المادة والروح ، وتأكيدًا أيضًا للدور الحضاري المنتظر من هذه الأمة اليوم لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتنافسة، وتقديم الحلول المناسبة لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.

نعلن ما يلي:

أولا: إن من أهداف الإسلام بناء مجتمع يكون فيه لكل من الرجل والمرأة دور متكامل في عملية البناء والتنمية، وإن الإسلام هو أول دين أعطى المرأة حقوقها كاملة على أساس ينسجم مع شخصيتها وكفايتها وتطلعاتها ودورها الرئيس في الحياة. وفي التصور الإسلامي يشكل المجتمع وحدة متكاملة، يتم فيها التعامل مع الرجل والمرأة بصورة شاملة، ويؤكد القرآن الكريم والسنة النبوية على وحدة الأمة الإسلامية بعناصرها الحيوية، فلكل من المرأة والرجل شخصيته ومكانته في المجتمع الإسلامي.

ثانيًا: يعتبر الإسلام الأسرة، بمفهومها المعترف به في الأديان السماوية، حجر الزاوية في البناء الاجتماعي السليم، ويرفض أية صورة مزعومة أخرى للأسرة، وأية علاقة جنسية بديلة خارج هذا الإطار، وللمرأة بمقتضى أمومتها وخصائصها الأخرى الدور الأساسي في استقرار ورفاه هذا البناء العائلي.

ثالثًا: إن الأمومة هي إحدى وظائف المرأة الطبيعية في حياتها، ولن تستطيع أداء هذه الرسالة النبيلة على أحسن وجه، وتكوين الأجيال القادمة؛ إلا إذا أتيحت الفرص الصحيحة لممارسة كافة حقوقها، والقيام بدورٍ نشط في باقي مجالات الحياة.

ص: 1441

رابعًا: المرأة والرجل يتساويان في الكرامة الإنسانية، كما أن للمرأة من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، وبينما يتمتع كل من الرجل والمرأة بصفات طبيعية متميزة، إلا أنهما مكملان تمامًا لبعضهما البعض في المسؤوليات الأسرية والاجتماعية، وللمرأة شخصيتها المدنية والحقوق والمسؤوليات المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

خامسًا: إن مشاركة المرأة - في وقتنا الحاضر - في الإسراع بنهضة وانبعاث الأمة الإسلامية أمر ضروري، ويجب توفير كافة الفرص المعنوية والمادية، لتمكينها من القيام بهذا الدور الهام المنوط بها في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

سادسًا: إن المرأة عنصر أساسي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ومستفيدة منها، مما يؤكد حقها في تقلد الوظائف المختلفة، والحصول على الموارد الضرورية، والمشاركة في عملية اتخاذ القرار، بما يحقق مبدأ الإنصاف والتوازن الاجتماعي، وذلك تمشيًا مع المبادئ الإسلامية.

سابعًا: يجب توفير الترتيبات التنظيمية للنساء المسلمات لكي يقررن تحديد المسائل والمهام المتعلقة بدورهن، ويتخذن الإجراءات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة، على أساس المبادئ والقيم الإسلامية لحفظ كرامة المرأة وشخصيتها، وللوصول إلى النتائج العملية لإبراز دورها في تنمية المجتمع الإسلامي.

ثامنًا: العمل على تشجيع الاتصال المستمر بين مختلف مؤسسات ومنظمات المرأة في الدول الإسلامية بهدف الاستفادة من خبرة بعضها البعض والسعي لتحقيق ذلك.

ص: 1442

تاسعًا: الدعوة إلى احترام المرأة في كافة المجالات ورفض العنف الممارس عليها، ومنه العنف المنزلي والاستغلال الجنسي والتصوير الإباحي، والدعارة والاتجار بالمرأة والمضايقات الجنسية، مما هو ملاحظ في بعض المجتمعات من ممارسات تمتهن المرأة وكرامتها وتتنكر لحقوقها الشرعية، وهي أمور دخيلة لا علاقة للإسلام بها.

عاشرًا: قيام الوسائل الإعلامية بتعزيز الدور الإيجابي للمرأة، ورفض جميع أشكال استغلال المرأة في وسائل الإعلام والدعاية المسيئة للقيم والفضائل بما يشكل تحقيرًا لشخصيتها وامتهانًا لكرامتها.

حادي عشر: ينبغي بذل جميع الجهود لتخفيف آلام النساء المجموعات الضعيفة، وبصفة خاصة النساء المسلمات اللائي ما زلن ضحايا النزاعات المسلحة والاحتلال الأجنبي والفقر، وضحايا الضغوط الاقتصادية الأجنبية وعمليات الحظر.

ثاني عشر: إن التنمية الشاملة المتواصلة لا يمكن تحقيقها إلا على أساس من القيم الدينية والأخلاقية، ولذلك فإننا نعلن رفضنا محاولات فرض مفاهيم ثقافية واجتماعية دخيلة، وإدانتنا للهجمات المتواصلة من بعض الجهات ضد المفاهيم والأحكام الإسلامية المتعلقة بالمرأة.

ثالث عشر: إن الشريعة الإسلامية في مصادرها الأساسية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذا الإعلان.

ص: 1443

* * *

قرار حول

دور المرأة المسلمة في التنمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه قرار رقم: 103/ 5/ د 10

بشأن

دور المرأة المسلمة في التنمية

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر

بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر1418 هـ (الموافق 28 يونيو -3 يوليو 1997 م) .

بعد إطلاعه على التوصيات المعدة بشأن دور المرآة المسلمة في التنمية، وبعد المداولة التي دارت حول الموضوع؛

قرر:

- تكليف لجنة للنظر في موضوع التوصيات المعدة بشأن دور المرأة المسلمة في التنمية، تشكلها الأمانة العامة للمجمع، وتعرض نتائج أعمالها في دورة لاحقة إن شاء الله تعالى.

والله أعلم

ص: 1444

البرنامج الخاص المشترك

بين منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي

للبحث والتطوير والتدريب على البحوث في مجال الإنجاب البشري

اجتماع مجموعة المراجعة العلمية والأخلاقية

حول قضية الاستنساخ

جنيف 25 نيسان / أبريل 1997

المخلص التنفيذي لتقدير الاجتماع

بسم الله الرحمن الرحيم

استهدف الاجتماع الذي استغرق يومًا واحدًا الأمور التالية:

1) دراسة القضايا التقنية والأخلاقية والسياسية العامة المتصلة بالاستنساخ البشري.

2) تحديد الموضوعات والمتحدثين وأوراق البحوث التي ستقدم في اجتماع لاحق تعقده منظمة الصحة العالمية.

3) إعداد تقرير يستخدم كخلفية معلومات لجمعية الصحة العالمية.

وقد شارك في هذا الاجتماع أعضاء مجموعة المراجعة العلمية والأخلاقية التابعة للبرنامج الخاص للبحوث والتنمية والتدريب على البحث في مجال الإنجاب البشري، ومتحدثون من خارج المجموعة دعوا لتقديم مطالعاتهم حول جوانب العلم والأخلاقيات والسياسة العامة في قضية الاستنساخ البشري؛ كما شارك في الاجتماع أعضاء الأمانة.

ولم يكن المقصود من هذا الاجتماع الذي استغرق يومًا واحدًا التوصل إلى نتائج قاطعة حول الجانب الأخلاقي من الاستنساخ البشري، وإنما كانت الغاية هي إجراء استقصاء أولي لأهم جوانب القلق التي تستحق دراسة وتحريًا أكثر استيفاء في المستقبل القريب.

إلا أنه على الرغم من ذلك فقد أجمع المشتركون في نهاية الاجتماع على أنه في ضوء العديد من التساؤلات التي لا تزال في حاجة إلى إجابات شافية، والعديد من القضايا التي ينبغي التحاور بشأنها ومناقشتها، ليس من الحكمة، بل من غير المجدي في هذا الوقت بالذات أن تتجه الآراء إلى فرض حظر دولي على جميع أنشطة الاستنساخ البشري. ففرض حظر على هذه الأنشطة أو تعليقها بصورة مؤقتة هو إجراء أبعد ما يكون عن الاحتياط؛ لأن الحظر المتسرع قد يؤدي إلى ضياع الكثير من الفوائد الماثلة والفوائد المحتملة.

ص: 1445

ولاحظ المشاركون أن أي محاولة لإبرام ميثاق أو معاهدة دولية في هذا الصدد، سوف تكون عين الخطأ. وليس من المهم أن تبادر بلدان أو أقاليم بمفردها إلى المسارعة باتخاذ موقف معين؛ وإنما المهم هو أن تتصرف منظمة الصحة العالمية بمزيد من العناية، وأن يتم ذلك بالتعاون مع جهات دولية أخرى كالهيئات المعنية بالملكية التجارية والملكية الفكرية.

وأكد المجتمعون أن ثمة حاجة أساسية لوضع تعريفات واضحة للمصطلحات المستخدمة في هذا المجال. وأبدوا أسفهم للأسلوب الذي انتهجته وسائل الإعلام في التركيز على روايات من قبيل الخيال العلمي حول الاستنساخ البشري، والتأكيد على تداعيات مبدأ اختيار (أسوأ الحالات) ، فقد أدى ذلك إلى نشر الخوف والجهل بين عامة الجمهور، وحدا بالمشرعين وراسمي السياسات إلى التصرف انطلاقًا من الهلع الأخلاقي دونما تروٍّ ولا تدبر.

ومن هنا نشأت الحاجة الماسة إلى عرض هذه القضايا بطريقة واضحة ومفهومة. غير أن هذا الجهد يتطلب انتهاج أسلوب تشارك فيه مختلف التخصصات، بما في ذلك علماء البيولوجيا والاجتماع، والمحامون وعلماء الأخلاق، والمحللون السياسيون وسواهم من أهل الدراية بالموضوع.

ومن عناصر التعريف الواسع للاستنساخ ما يطلق عليه تعبير التشطير الاصطناعي للبييضة المخصبة. فالانشطار الطبيعي للبييضة المخصبة في العملية المألوفة هو الذي تنجم عنه توائم وحيدة الزيجوت متماثلة وراثيًّا. ولقد تم إجراء تجارب على التشطير الاصطناعي للمضغة في الحيوانات، وأمكن من خلال ذلك التوصل إلى عدد أقصى مقداره أربعة أشقاء متماثلين، غير أن معدل النجاح في هذه العملية ضئيل جدًّا. ولم تبلغ حتى الآن في أي نشرة طبية عن استنساخ نسخ متعددة من الأجنة البشرية عن طريق تشطير البييضة المخصبة (أو ما يطلق عليه البعض اسم الاستتآم) .

وبالمقابل، أمكن من خلال التقنية المعروفة بعملية (النقل النووي) إنتاج العديد من الأفراد المتماثلين وراثيًّا، وكان هذا هو نمط الاستنساخ الذي أنتج النعجة (دولي) ، أول حيوان ثدي أمكن استنساخه بعد إجراء مائتين وسبع وسبعين محاولة. وفي هذه العملية التي يطلق عليها تعبير (الاستبدال النووي للبييضة) ، يتم أخذ نواة من خلية مانحة مضاعفة الصبغيات (ضعفانية) ، ثم تزرع في بييضة مستقبلة مسلوبة النواة، ويمكن الحصول على النواة من خلية مأخوذة من بييضة مخصبة مبكرة، أو من سلالة خلايا حيوانية مستزرعة، أو من كائن حي بالغ، على أنه يمكن إجراء الاستبدال النووي للبييضة لأسباب علاجية بحتة، كتوقي الأمراض الناجمة عن عيب في (دنا) المتقدرات (وهي مخازن الطاقة في السيتوبلازما التي تحيط بالنواة، وهي تحتوي على بعض من المادة النووية) .

ص: 1446

وبعد عرض الآراء والدراسات ومناقشة القضايا المتصلة بالعلم والأخلاقيات والسياسات بما في ذلك هموم السياسات الدولية، قام المشاركون بتحديد العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، والموضوعات التي تحتاج إلى مزيد من الاستكشاف والتحري الدقيق في اجتماع مقبل. وصنفت هذه الموضوعات في ثلاث فئات رئيسية هي:

أولًا - القضايا العلمية والأخلاقية:

1-

من الممكن التصدي لأمراض المتقدرات عن طريق نقل النواة إلى بييضة مانحة مسلوبة النواة ذات (دنا) متقدرية طبيعية، ولكن كيف تستطيع البحوث التي تجرى على أشخاص يعانون من أمراض المتقدرات، أن تعزز إدراكنا للفوائد والعواقب المترتبة على نقل النواة، باعتباره إجراء علاجيًّا؟

2 -

في حالة الإنجاب الطبيعي يتم نقل تجميعة المعلومات الوراثية من كلا الوالدين بصورة عمودية إلى الأطفال، غير أن هذا لا يمكن أن يتم بالنسبة للأفراد المستنسخين. ترى ما الذي يمكن أن نستفيده في هاتين الحالتين من معلومات حول تنظيم البروتينات داخل البييضة المخصبة وحول تطورها اللاحق؟

3 -

(كم تبلغ دولّي من العمر الآن؟) إن الإجابة عن هذا السؤال غير معروفة في الوقت الحاضر. فهل تراها تبلغ ست سنوات ونصف السنة من العمر (أي عمر النعجة التي أخذت منها النواة) ، أم هل تراها ما تزال (طفلة) صغيرة؟ وهل ترى الخلايا المأخوذة من حيوانات كبيرة في السن قد استجمعت من (الأخطاء) الوراثية ما يفوق الأخطاء المتجمعة في خلايا الحيوانات الأصغر سنًّا بفعل العامل الزمني؟ إن استخدام النواة المأخوذة من الخلايا الجذعية قد يؤدي إلى حدوث نمط للتشيخ يختلف عن النمط الذي تولده الخلايا الأكثر تطورًا. كما أن البحوث التي تجرى على الحيوانات في مجال الاستنساخ تستطيع أن تتصدى للعديد من الأسئلة التي لا تزال بدون إجابة حول بيولوجية التشيخ.

4 -

إن النسل الناتج من تطورٍ أحادي المجين (أي الذي تكون فيه الخلايا المانحة والخلايا المستقبلة مأخوذة من نفس المصدر) قد يأتي مختلفًا عن النسل المستولد من فردين مختلفين. ولا يعرف عن هذه الفروق أو الاختلافات إلا القليل.

ص: 1447

5 -

ترى هل يؤدي النقل الفردي للنواة المانحة إلى نتائج تختلف عن النتائج التي يؤدي إليها النقل على التسلسل، ناهيك عن مسألة كفاءة عملية النقل نفسها؟

6 -

هل تؤثر مرحلة تطور البييضة المخصبة في نتيجة الاستنساخ عن طريق تشطير البييضة المخصبة، وما هو الحد الأقصى للزمن اللازم للانشطار لضمان الحصول على أجنة قابلة للحياة؟

7 -

إذا استخدم الاستنساخ من أجل توليد المادة اللازمة لنقل عضو أو نسيج عضوي، ففي أي مراحل التطور يمكن استخدام هذه الأنسجة وتخزينها؟ وهنا نحتاج إلى توضيح ما نقصده حينما نشير إلى (المستنسخات كمصدر مانح للأعضاء) . فهل ترى هذا يعني تحديد الخلايا الجذعية مصدرًا لإنتاج الأعضاء؟ أم أن المقصود هو إنتاج الأجنة لكي نحصل منها على الأعضاء؟ أم أن المقصود هو إنتاج بشر عاديين ليكونوا مصادر (لقطع الغيار) ؟ من وجهة النظر الأخلاقية لا شك في أن الخيار الأخير سوف يقابل بالرفض القاطع، لأن الفرد المستنسخ سوف يكون إنسانًا له كل الحقوق التي للأشخاص الآخرين، ولكن هل ترى الخيارين الأولين يحظيان بالقبول؟ لا شك في أن الأمر يحتاج إلى مزيد من النقاش حول هذه النقطة.

8 -

ثمّت سؤال علمي أخير كانت الإجابة عنه واضحة لا لبس فيها؛ والسؤال هو: ترى هل سيتأثر التنوع الوراثي لأفراد النوع البشري بفعل الاستنساخ؟ لا يبدو هذا أمرًا محتملًا، لأن تنوع التجميعات الجينية لن يتأثر بالاستنساخ البشري، ما لم يشكل الأفراد المستنسخون أكثر من خمسين في المائة من مجموع بني البشر.

ص: 1448

القضايا الأخلاقية:

تثار قضية الاعتبارات الأخلاقية في المستويين: الجزئي في ما يتعلق بالأفراد وبحقوقهم ومصالحهم، وفي المستوى الكلي في ما يتعلق بالمجتمعات المحلية والمجتمعات الكبيرة، بل وبأنواع المخلوقات بصورة عامة. وقد تترتب على الاهتمامات الأخلاقية في كلا المستويين الجزئي والكلي مضاعفات تنعكس على السياسات العامة. وعلى الرغم من أنه لا تنتظر أن يتحقق الإجماع في نهاية الأمر على كافة القضايا الأخلاقية التالية، إلا أن المشاركين قد اتفقوا على أن كل هذه القضايا تستحق المزيد من الدراسة والتدبر:

1-

يبدو أن الاستنساخ البشري يمثل تحديًا لتصرونا الأساسي حول المقصود بكلمة (إنسان) ، ولقد تم اختبار ثلاثةٍ من جوانب الطبيعة الإنسانية على أقل تقدير.

أ- يتطلب الإنجاب البشري الطبيعي وجود سلفين أو والدين، بينما لا يتطلب استنساخ الخلية البالغة سوى سلف أو والد واحد، فما هو تأثير ذلك في الخصائص البشرية الأساسية في مجال الاعتماد المتبادل والترابط؟ ومن ناحية أخرى يمكن أن يقال عن الفرد المستنسخ إن له سلفين، إلا أنهما ينتميان إلى جيل سابق واحد. وتبعًا للتفسير الأخير فهنالك أيضًا سلفان، هما والدا الشخص الذي اشتق منه الفرد المستنسخ.

ب - إن الإنجاب البشري الطبيعي لا يمكن معرفة مولوده مسبقًا، بينما يتيح الاستنساخ الخلوي اختيار نوعية الإنسان الجديد من خلال معرفة طريقة توصيل المادة الوراثية المأخوذة من خلية بالغة إلى شخص حي ولكن هل نرى هذه الفكرة تنسف مفهومنا حول الإنسان الذي يخلق بإمكانيات وراثية لا يمكن تحديدها مسبقًا؟

ج - يفتح الاستنساخ الخلوي الباب لتخليق عدد لا نهائي من الأشخاص المتماثلين وراثيًّا، فهل ترى هذا الأمر يمثل انتهاكًا لمفهومنا حول الخصائص الفردية الأساسية لكل كائن بشري؟ هذا، مع أن من الممكن من ناحية أخرى أن تفرض قيود على عدد النسخ البشرية التي يمكن الحصول عليها من شخص واحد. وهذا أمر ممكن التحقيق عن طريق نظام للترخيص في مجال الاستنساخ البشري.

2 -

إن الاعتراض الشائع على الاستنساخ البشري هو أنه ينسف كرامة الإنسان. وعلى الرغم من أن الكرامة قيمة بالغة الأهمية إلا أن معناها يظل غامضًا، غير محدد. ترى ما هو المعنى المحدد لكلمة (كرامة) في مجال الاستنساخ البشري، وكيف يمكن الحفاظ على هذه الكرامة وتعزيزها إذا ما أصبح الاستنساخ حقيقة واقعة؟

ص: 1449

3 -

ترى هل ستنتهك أي حقوق أخلاقية من جزاء الاستنساخ البشري؟ وحتى لو لم تتعرض هذه الحقوق للتهديد، فهل للأفراد أو للمجتمع أو للنوع بأكمله مصالح قد يضر بها الاستنساخ البشري؟ وهل تستطيع المبادئ الأخلاقية الأساسية أن تعين على الإجابة عن هذين السؤالين؟

4 -

وبالمثل هل ترى يمكن أن تنتهك أي حق من الحقوق من جراء تحريم الاستنساخ البشري (كحق حرية الإنجاب على سبيل المثال) ؟ وما هي مسؤوليات الأفراد والمجتمع إزاء تطبيق الاستنساخ؟

5 -

لقد نشأ رد فعل جماهيري سلبي قوي تجاه فكرة الاستنساخ البشري، ترى ما هو الأساس الذي قام عليه رد الفعل هذا؟ هل تراه مجرد رد فعل لروايات الخيال العلمي التي صورتها وسائل الإعلام؟ أم هل تراها نابعة من بعض الانفعالات الأخلاقية العميقة الجذور؟ إن بحوث علم الاجتماع تستطيع أن تسهم في الإجابة عن هذا السؤال.

6 -

ينطوي الاستنساخ البشري على منافع علاجية، ولاسيما

فيما يتعلق بالعقم. غير أنه أمكن تحديد مجموعة كبيرة من المخاطر المحتملة في هذا السبيل. فكيف يتسنى لنا أن نوازن بين المنافع والأخطار، تمهيدًا لاتخاذ القرار حول ما إذا كنا سنقر مبدأ الاستنساخ البشري أو سننكره

7 -

إن القلق حول الجانب الأخلاقي في المستوى الكلي يتصل بمسألة العدالة. فهل الاستنساخ البشري سيؤثر تأثيرًا سلبيَّا تمييزيًّا على الجنس، أو الطبقة الاجتماعية، أو العرق، أو (الإثنية) ؟ وإن كان الأمر كذلك فكيف يتم هذا التأثير؟

قضايا تتصل بالسياسة الدولية

1-

الحظر الإلزامي:

فقد سبق أن اعتمدت سياسات مشابهة تتعلق بجرائم الحرب، والرق، والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية؛ فهذه كلها قيم غير مقبولة في أي بلد من بلدان العالم، ولذلك التزمت بحظرها كافة البلدان.

2 -

الحظر الرضائي (الدائم) أو وقف النشاط أو تعليقه:

وهو أضعف من الحظر الإلزامي.

ومن الأمثلة على ذلك إعلانات الحظر العديدة على التكنولوجيا النووية، والتي تكررت على مدى سنوات طويلة.

3 -

التقييد الرضائي:

ومثال ذلك تحريم العلاج بالسلالة النسلية، والذي قد لا يستمر إلى الأبد، غير أنه لا يزال ساري المفعول إلى أن يتاح المزيد من المعطيات العلمية حول هذا الموضوع.

4 -

التعاون الدولي:

إن كل إنسان يعمل في مجال البحث العلمي على سبيل المثال، يتقاسم المعلومات مع الآخرين ويراقب عملهم. ومن الخيارات النوعية لتحقيق هذه الغاية:

(أ) التصرف على أساس فردي، مع الالتزام بنموذج المعاهدات الدولية.

(ب) التصرف عن طريق وكالة دولية.

ص: 1450

وينبثق عن هذا الخيار خيارات أخرى كتعيين وكالة قائمة كمنظمة الصحة العالمية، أو إنشاء وكالة جديدة، كالوكالة التي أنشئت لرصد جهود التعاون الدولي، الرامية إلى تعيين خريطة ومتوالية المجين البشري (مجموعة الجينات البشرية) .

وثمت مجموعة من النقاط الأخرى التي تحتاج إلى التوضيح والمناقشة. وأول هذه النقاط مسألة تحديد كيفية التصرف حيال البحوث الخارجية، في الحالات التي ينتقل فيها الباحثون من بلد إلى بلد آخر، حينما يكون لون معين من البحوث محظورًا في بلادهم.

والنقطة الثانية هي مسألة البراءات الدولية والملكية الفكرية؛ ولهذه النقطة بالذات بعض المضاعفات على اتفاقيات التجارة، إذ ما هي النماذج الاقتصادية الملائمة في ظل الاقتصاد العالمي السائد في هذه الأيام؟

وثمت مجموعة ثالثة من التساؤلات التي تدور حول مصادر تمويل بحوث الاستنساخ البشري. فما هي المضاعفات المختلفة للتمويل من يتل القطاع العام مقابل التمويل من يتل القطاع الخاص؟ وهل ترى البحث الذي يموله القطاع الخاص يقبل الخضوع للإشراف والرصد بنفس الطريقة المطبقة في القطاع العام لهذه الغاية؟

ولقد انتهى الاجتماع إلى مجموعة من الأفكار حول احتمالات المستقبل. فقد أثبتت الخبرات المتحصلة على مدى الأعوام العشرين الماضية في مجال أطفال الأنابيب، وغير ذلك من الطرائق الأخرى المتبعة في الإنجاب المدعم؛ قد بينت أنه بعد انقضاء فترة أولى من الخوف والمعارضة، تلاشى الكثير من التحفظات الأخلاقية، بينما ظل ما تبقى منها موضع المراعاة والاحترام.

ولكن ترى أين يقع موضع التسليم في مجال تحريم الاستنساخ البشري أو السماح به؟ وهل تحريم الاستنساخ إلى أن يثبت أنه مأمون ومفيد يعكس اتجاه التسليم المعتاد في أمور السياسة العامة؟ وفي ضوء العديد من الأسئلة العلمية التي ما زالت تحتاج إلى الإجابة، وفي ضوء الآراء المتضاربة حول الجوانب الأخلاقية للاستنساخ البشري، اتفق المشاركون على أن تكون الخطوة التالية هي الاستكشاف الشامل والتحري الدقيق والمناقشة الوافية للأمور التي حددتها هذه المناقشة الأولية.

ولسوف يكون من الأهمية بمكان أن نضمن تحقيق أوسع تمثيل

جغرافي، وثقافي، وديني، وفلسفي في البرنامج، وأن يكون المشاركون في أي اجتماع تعقده المنظمة في المستقبل حول هذا الموضوع من الذين يمثلون أوسع القطاعات الممكنة، بغية إضفاء الصفة العالمية على هذا النوع من الاجتماعات.

ص: 1451

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة بجدة

حول محاولة انتهاك حرمة خاتم الأنبياء والمرسلين

محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن العظيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد: فلقد ذهل علماء المسلمين الذين التقوا في الدورة العاشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي بمدينة جدة، ممثلين لجميع دول العالم الإسلامي، وهز مشاعرهم نبأ الجريمة النكراء التي أقدم على اقترافها بعض المستوطنين اليهود الصهاينة في مدينة خليل الرحمن بفلسطين، والتي أساءت بالغ الإساءة إلى الإسلام الحنيف ونبيه الكريم وقرآنه العظيم، وذلك بتعليق ملصق أثيم عبر عن تلك الإساءة البالغة.

وإنهم ليستنكرون أشد الاستنكار هذا التحدي السافر والاستفزاز الشائن لمشاعر المسلمين في جميع بقاع الأرض، ويشجبون تلك الفعلة الأثيمة التي تنم عن حقد دفين على الإسلام والمسلمين.

ثم إن ممثلي الدول الإسلامية في مجمع الفقه الإسلامي بمناسبة اجتماعهم هذا إلى جوار البيت العتيق، وعلى مقربة من مسجد الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، في هذه الديار المقدسة التي ربط الله سبحانه وتعالى بينها وبين المسجد الأقصى الذي بارك حوله بمعجزة الإسراء والمعراج في قرآن يتلى على مر العصور والدهور؛ ليدعون المسلمين في كل مكان قادة وشعوبًا إلى العمل على وقف مثل هذه الممارسات والتحديات الآثمة، وبأن يعملوا بكل جد وإخلاص لتوحيد كلمتهم، ورص صفوفهم في وجه العدوان والظلم حتى يتم تحرير الأرض المغتصبة، واستعادة المقدسات السليبة.

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .

ص: 1452

توصيات

الندوة الفقهية الطبية التاسعة

رؤية إسلامية لبعض المشاكل الطبية

الدار البيضاء: 8- 11صفر 1418هـ

14-

17 يونيو 1997م

الاستنساخ البشري

أ- مقدمة:

سبق للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن عقدت ندوة عام 1983 م

عن (الإنجاب في ضوء الإسلام) عرضت فيها ورقتان لاحتمالات إنجاز الاستنساخ البشري بعد أن نجح الاستنساخ في النبات وفي الضفادع والبحريات الصغيرة. وكانت التوصية التي اتخذت في هذا الصدد تنص على الآتي: "عدم التسرع في إبداء الحكم الشرعي في قضايا الاستنساخ بالنسبة للإنسان (على نحو ما أدت إليه التجارب في مجال الحيوان) مع الدعوة إلى مواصلة دراسة هذه القضايا طبيًّا وشرعيًّا مع جواز تطبيق تكنولوجيا التكاثر على مستوى الكائنات الدقيقة باستخدام خصائص الحامض النووي المعاود للالتحام لإنتاج مواد علاجية وفيرة ".

والآن عاد الموضوع يطرح نفسه بشكل حاد وعاجل، منذ تم استنساخ جنين الإنسان بطريق الاستتئام عام 1993 م، ثم في الأشهر الأخيرة حين أعلن عن استنساخ النعجة التي سميت (دولّي) في اسكتلندا في فبراير 1997 م بعد تكتم عن الأمر قرابة ثمانية أشهر، وتلا ذلك الإعلان عن استنساخ قردين بطريقة أخرى في جامعة أوريجون. ولما كانت التقانة التي استعملها العلماء للوصول لهذا الإنجاز يفترض أنها وافية بإجراء نفس التجربة على الإنسان، فقد اكتسب الموضوع منحًى عاجلًا أثار ردود فعل قوية.

ورغم أنه لم يعلن عن ممارسته على الإنسان بعد، إلا أن الحاجة إلى استباقه بالتعرف على آثاره المتوقعة ووضع ضوابطه الشرعية والقانونية والأخلاقية ، حدت بكثير من الدول الغربية إلى منع التجارب البشرية أو تجميدها سنوات حتى تتم الدراسات المطلوبة.

* لذلك رأت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن تبادر ببحث الموضوع في هذه الندوة.

ب - تعريف الاستنساخ Cloning:

الاستنساخ هو تكوين مخلوقين أو أكثر كل منهما نسخة إرثية من الآخر، وهو نوعان:

الأول: الاستتآم أو شق البييضة، ويبدأ ببييضة مخصبة (بييضة دخلها منوي) ، تنقسم إلى خليتين فتحفز كل منهما إلى البدء من جديد وكأنها الخلية الأم، وتصير كل منهما جنينًا مستقلًا وإن كانا متماثلين لصدورهما عن بييضة واحدة.

الثاني: الاستنساخ العادي الذي لا يعتمد على الخلايا الجنسية وإنما يكون بوضع نواة خلية جسدية داخل غلاف بييضة منزوعة النواة. وتتكاثر الخلية الناتجة إلى جنين هو نسخة إرثية تكاد تكون طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية.

ص: 1453

ج - المناقشات:

ناقشت الندوة الجوانب الطبية لهذا الموضوع مناقشة مستفيضة استجلت من خلالها المرتكزات الرئيسة التي يقوم عليها الاستنساخ من حيث الآتي:

1-

استنساخ الجنين البشري عام 1993 م عن طريق (الاستتآم) وهو حفز البييضة المخصبة إلى سلوك النهج الذي تتبعه طبيعيًّا لتكوين التوائم المتماثلة؛ بحيث تتصرف كل من الخليتين الناجمتين عن أول انقسام للبييضة وكأنها بييضة جديدة من البداية، تأخذ في سلسلة التكاثر بالانقسام في اتجاه تكوين جنين مستقل، فإن أودع الجنينان الرحم، وضعت السيدة توأمين متطابقين لأنهما نتاج بييضة واحدة. ولم يستكمل البحث نظرًا لتورع العالِمَين المبتكِرَيْن عن زرعهما في الرحم، بل إنهما اختارا خلية معيبة لا تنهض أن تنقسم لتنمو إلا لدور مبكر، وذلك لأن التجارب على الجنين البشري أمر حساس وخطير. ولا بد من مرور وقت حتى توضع له الضوابط الأخلاقية والقانونية.

وترى الندوة أن الطريقة من حيث مبدأ التلقيح سليمة، لكن تقويمها

من ناحية النفع والضرر لا يزال في حوزة المستقبل. ومن منافعها القريبة المنال إمكان تطبيق الوسائل التشخيصية على أحد الجنينين أو خلايا منه، فإن بانت سلامته سمح أن يودع الحمل الرحم، وكذلك التغلب على بعض مشاكل العقم، وينطبق عليها كل الضوابط المتعلقة بطفل الأنابيب.

أما التقنية التي أفضت إلى إنتاج النعجة (دولي) بإيداع نواة خلية جسدية داخل بييضة منزوعة النواة لتشرع في الانقسام متجهة لتكوين جنين، فقد أولتها الندوة بحثًا مستفيضًا، وتوسمت بعض النتائج التي تنجم عن تكوين جنين (ثم وليد) جديد يكون نسخة إرثية (جينية) طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية، فلا يمنع من تمام التماثل إلا وجود عدد ضئيل من الجينات في سيتوبلازم البييضة المستقبِلة.

2 -

ظهر أن تلك القضية تكتنفها محاذير فادحة إن دخلت حيز التطبيق، من أبرزها العدوان على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه من بين طائفة من أشباهه (نسخه) ، وكذلك خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر، والعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني وكما اعتمدتها الشريعة وسائر الأديان أساسًا للعلائق بين الأفراد والعائلات والمجتمع كله، بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات والزواج والمواريث والقانون المدني والجنائي وغيرها، وسيقت في هذا الباب فرضيات واحتمالات كثيرة.

وقد استبعدت الندوة من البداية بحث كل ما يقحم على عقد الزواج الشرعي القائم طرفًا غريبًا عنه فإنه حرام بلا ريب.

وقد تطرق بعض السادة الفقهاء بالبحث إلى طائفة من الأحكام العقائدية والأخلاقية والعملية، تكليفية أو وضعية التي تتصل بموضوع الاستنساخ.

ص: 1454

3 -

وقد أخذ في الاعتبار أن الدول الغربية، ومنها التي تجري فيها أبحاث الاستنساخ، قد كان رد الفعل فيها قويًّا على الحذر الشديد، فمنها من منعت أبحاث الاستنساخ البشري، ومنها من حرمتها من معونة ميزانية الدولة، ومنها من جمدتها سنوات حتى تبحثها اللجان المختصة ثم ينظر في أمرها من جديد.

لهذا فإن الندوة تخشى أن يسعى رأس المال الخاص وشركات الأدوية إلى تخطي هذا الحظر بتهيئة الأموال واستمرار الأبحاث في دول العالم الثالث واستغلالها حقلًا للتجارب البشرية كما كان ديدنها في كثير من السوابق.

4 -

أكدت الندوة أن الإسلام لا يضع حَجْرًا ولا قيدًا على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه وهو من تكاليف الشريعة. ولكن الإسلام يقضي كذلك بألا يترك الباب مفتوحًا بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة، بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام. فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون خاليًا من الضرر وغير مخالف للشرع.

ولما كانت بعض المضار لا تظهر قبل مرور وقت طويل، فلابد من عدم التسرع قبل التثبت والتأكد قدر الاستطاعة.

5 -

وتأسيسًا على هذه الاعتبارات التي أجمع عليها الحاضرون، رأى البعض تحريم الاستنساخ البشري جملة وتفصيلًا. بينما رأى آخرون إبقاء فرصةٍ لاستثناءات حاضرة أو مقبلة، إن ثبتت لها فائدة واتسعت لها حدود الشريعة على أن تبحث كل حالة على حدة.

6 -

وفي كافة الأحوال فإن دخول الاستنساخ البشري إلى حيز التطبيق سابق لأوانه بزمن طويل؛ لأن تقدير المصالح والمضار الآنية قد يختلف عليه على المدى البعيد والزمن الطويل. وإن من التجاوز في الوقت الحاضر أن نقول إن تطبيقات الهندسة الوراثية في مجال النبات قد أثبتت سلامتها على الإنسان، رغم ما مر من سنوات. في حين لم تكد تدخل التطبيقات الحيوانية من العتبة بعد. ولعل المجهول هو أكبر الهموم في هذا الباب ، ولا ينبغي أن تنسى الإنسانية درسها الكبير بالأمس القريب في مجال انشطار الذرة، إذ ظهر له بعد حين من الأضرار الجسيمة ما لم يكن معلومًا ولا متوقعًا، ولابد أن يستمر رصد نتائج التجارب النباتية والحيوانية لزمن طويل.

7 -

حتى لا يعيش عالمنا الإسلامي عالة وتبعًا للعالم الغربي في ملاحقته لهذه العلوم الحياتية الحديثة؛ أكدت الندوة على أن تكون لدينا المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بذلك وفق الضوابط الشرعية.

8 -

لم تر الندوة حرجًا في الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالي النبات والحيوان في حدود الضوابط المعتبرة.

ص: 1455

د - التوصيات:

توصي الندوة بما يلي:

أولًا: تجريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحمًا أم بييضة أم حيوانًا أم خلية جسدية للاستنساخ.

ثانيًا: منع الاستنساخ البشري العادي، فإن ظهرت مستقبلًا حالات استثنائية عرضت لبيان حكمها الشرعي من جهة الجواز أو المنع.

ثالثًا: مناشدة الدول شن التشريعات القانونية اللازمة لغلق الأبواب المباشرة، وغير المباشرة، أمام الجهات الأجنبية، والمؤسسات البحثية والخبراء الأجانب؛ للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإسلامية ميدانًا لتجارب الاستنساخ البشري والترويج لها.

رابعًا: متابعة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وغيرها لموضوع الاستنساخ ومستجداته العلمية، وضبط مصطلحاته، وعقد الندوات واللقاءات اللازمة لبيان الأحكام الشرعية المتعلقة به.

خامسًا: الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة في مجال الأخلاقيات الحياتية لاعتماد بروتوكولات الأبحاث في الدول الإسلامية، وإعداد وثيقة عن حقوق الجنين.

ص: 1456