الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفطرات
في ضوء الطب الحديث
إعداد
الدكتور محمد هيثم الخياط
عضو مجامع اللغة العربية
بدمشق وبغداد وعمان والقاهرة وعليكرة
وأكاديمية نيويورك للعلوم
نائب المدير الإقليمي
لمنظمة الصحة العالمية للشرق المتوسط
بسم الله الرحمن الرحيم
- ذكر الله سبحانه في القرآن الكريم ما يفطر الصائم، وهو الأكل والشرب والجماع، فقال تعالى:{فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه عز وجل متحدثًا عن الصائم: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)) . (1)
- وقد وردت في كتب الفقه الإشارة إلى (الجوف) فاعتبر المفطر ما يصل إليه.
- ونحن لا نجد في القرآن الكريم أي إشارة إلى الجوف إلا في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] ، وهو جوف لا يمت إلى ذلك الجوف بصلة.
- كذلك وردت لفظة (الجوف) في الحديث الشريف، ولكن دونما صلة بالصيام أو الإفطار، بل قد وردت بما لا يتفق أصلًا مع مفهوم الجوف المشار إليه، ففي حديث ابن ماجه وأحمد عن ما يدخل النار قال:((الأجوفان الفم والفرج)) . وقل مثل ذلك في جوف الليل ، جوف رحله ، أجواف بيوتكم. ومثل ذلك:((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلى شعرًا)) و: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن)) و: ((مثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه)) و: ((إن الشيطان يضحك من جوفه)) و: ((طوبى لأجواف تحمل هذا)) و: ((لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) .
- ولا يعرف أطباء اليوم شيئًا يقال له (الجوف) هكذا معرفًا بالألف واللام، ولكنهم يعرفون (أجوافا) معرفة بالإضافة؛ كجوف الصدر (الذي يشتمل على الرئتين والقلب والعروق الكبار) ، وجوف البطن (الذي يشتمل على المعدة والأمعاء والكبد والطحال
…
) ، وجوف الأنف، وجوف الفم، وجوف المعدة، إلى غير ذلك من الأجواف.
(1) متفق عليه، من حديث أبي هريرة.
- كذلك لم يتحدث أطباء الأمس عن الجوف، اللهم إلا ما ورد في قانون ابن سينا عن الجوف الأعلى والجوف الأسفل، وهما جوف الصدر الذي يشتمل على القلب والرئتين، وجوف البطن الذي يشتمل على المعدة والأمعاء وسائر الأحشاء.
- ولو صح أن لمفهوم (الجوف) أصلًا في الكتاب أو السنة - وهو لا يصح -؛ فإن من المستحسن أن نعرف ما يقابله في عرف أطباء العصر، وهو ليس الجهاز الهضمي بيقين؛ لأن الجهاز الهضمي يبدأ بالفم وينتهي بالشرج، والمضمضة لا تفطر بنص الحديث، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح قال: هششت فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله ، صنعت اليوم أمرًا عظيمًا: قلت وأنا صائم. قال: ((أرأيت لو مضمت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به! قال: ((فَمَهْ)) )) . قلت: لا بأس به. قال: ((فمه)) .
- فلا يبقى إلا أن يكون الجوف اجتزاء عن (جوف المعدة) . وذلك أقرب الأقوال؛ لأن ما يؤكل ويشرب يصل إلى المعدة، فإذا هضم فيها ثم غادرها فهو كيموس ثم كيلوس، ولا يعود أكلًا ولا شربًا، فإن كان ذلك كذلك فلا مسوغ طبيا لمن يقول بتفطير ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل (لبوس أو شياف) أو منظار أو إصبع طبيب فاحص أو ما يدخل المهبل من فرازج أو بيوض دوائية مهبلية، أو منظار مهبلي أو إصبع طبيبة أو قابلة فاحصة، أو ما يدخل الإحليل - إحليل الذكر أو الأنثى - من قثطرة أو منظار أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء أو محلول لغسل المثانة، أو ما يدخل الأذن من قطرة أوغسول
…
فكل أولئك لا يبلغ جوف المعدة بيقين.
- ويظهر من النصوص أن ثمة قدرا مَعْفُوًّا عنه. فلا شك في أن من يمضمض يبقى في فمه شيء من الماء الذي مضمض به مختلطًا باللعاب، وهو لا شك مبتلعه، ولكنه لا يفطر بنص الحديث، حديث عمر الذي سبقت الإشارة إليه.
- ولو مضمض المرء بماء موسوم بمادة مشعة، لاكتشفنا المادة المشعة في المعدة بعد قليل، مما يؤكد وجود قدر يسير معفو عنه. وهو يسير يزيد - يقينًا - عما يمكن أن يتسرب إلى المريء من بخاخ الربو - أن تسرب -، أو من بخاخ الأنف أو قطرة الأنف - أن تسربا -، أو من القرص الذي يوضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية - أن تسرب -، أو من قطرة الأذن التي انثقب غشاء طبلتها - أن تسرب - فلا مسوغ طبًّا وشرعًا للقول بتفطير هذه الأشياء، لكون ما يصل منها إلى جوف المعدة - إن وصل - أقل بكثير من القدر اليسير المعفو عنه أن شاء الله.
- وقل مثل ذلك في ما يصل إلى المعدة من الأنف إذا بالغ المرء في الاستنشاق، مما يدل على أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة - في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح - ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا)) ، أنه عفو عن الأمر بالمبالغة في الاستنشاق، لا نهي عن هذه المبالغة، ولا نص على أنها تفطر، لا سيما وهو نهي بعد أمر، فإذا صح ذلك - وهو صحيح أن شاء الله - فإن ما قيس على هذا الحديث من مفطرات يغدو غير ذي موضوع.
- كذلك لا يرى كثير من الفقهاء حرجًا في أن يذوق المرء الطعام ولا في أن يمضغ العلك، اعتمادًا على أقوال بعض الصحابة والتابعين، مع أن ذوق الطعام ومضغ العلك يوصل إلى المعدة قدرًا يسيرًا معفوًّا عنه - أن شاء الله - من الطعام أو الشراب.
- وفي كتب الفقه كذلك كلام عن الكحل ووصوله إلى الحلق، وتفطيره إذا ابتلع بكيفية معينة، وهو كلام غير ذي موضوع، للحديث الذي رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت:((اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم)) . وحتى لو صح أن الكحل يصل إلى المعدة، فما يصل منه - إن وصل - أقل بكثير مما يصل من المضمضة أو الطعام المذوق أو العلك.
- وقولهم: ((وجد طعمه في حلقه)) كلام لا معنى له في طب العصر. فالحلق ليس محلًا للذوق وإنما أقصى حليمات الذوق في آخر اللسان، واللسان جزء من الفم، لا يفطر ما أحس به؛ لأن ماء المضمضة يغمر اللسان كله.
- والأصل أن ما يتحصل في الفم جراء حفر السن أو قلع الضرس لا يُبتلع، بل إن طبيب الأسنان يضع في الفم أداة لشفط ما في الفم كله، بما فيه من لعاب، فإن ذرعه منه شيء فهو غير مفطر - والله أعلم - لأنه لم يتعمد ابتلاعه، والله سبحانه يقول:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]
- ولا مسوغ - والله أعلم - لاعتبار منظار المعدة مفطرًا، لأنه لا يخطر ببال عاقل أن يقول: إن الصائم يأكل المنظار، فهذا مما لا ينطبق عليه لفظ الأكل أو الشرب في لسان العرب ، وحتى ما قد يوضع عليه من مزلقات فإنه يخرج معه، ولو بقي فهذا ليس مما تعمده الصائم، وعملية المنظار هذه تستغرق - دخولًا وتنظرًا وخروجًا - دقائق معدودات.
- ولا مجال - والله أعلم - للحديث عن المأمومة والجائفة، فالمصاب بهما مشرف على الموت أو يكاد، ومن لغو القول الحديث عن صيام أو إفطار في امرئ من هذا القبيل ، هذا مع أن دخول أي شيء إلى جوف الجمجمة أو جوف الدماغ لا ينطبق عليه اسم الأكل أو الشرب.
- وقل مثل ذلك في إعطاء التغذية عن طريق الوريد ، فهذه الحقن
لا تعطى عادة إلا لمن بلغ منه المرض كل مبلغ ، والغالب بل العادة أن لا يكون صائمًا أصلا، فلا محل للبحث فيه.
- أما الحقن الأخرى التي تعطى بالعضل أو تحت الجلد أو بالوريد، ويحقن فيها دواء أو محلول علاجي أو دم (نقل الدم) ، فليست أكلًا ولا شربًا ، وإنما تدخل البدن عن طريق غير معتاد ولا طبيعي، وقد أطبق فقهاء العصر على أنها لا تفطر.
- ومما يستنشق ولا يؤكل أو يشرب غاز الأوكسجين وغازات التخدير، فلا مسوغ للتفكير بكونها مفطرة. وحتى عمليات التخدير العام التي تجرى على من بيت الصيام من الليل، فلا مسوغ لاعتبار غياب الوعي فيها مفطرًا، والله أعلم.
- ومن الأدوية ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد، كالدهونات والمروخات واللصقات الجلدية التي تعطى لمرضى الذبحة الصدرية وغير ذلك، فهذه أيضًا ليست بأكل ولا شرب، وقد أجمعوا على أنها لا تفطر.
ومما يلحق بالحقن ما يعالج به مرضى الفشل الكلوي من حقن بعض السوائل التي تنظف البدن مما فيه من سموم ، ويتم ذلك إما بحقن السائل في صفاق البطن (الباريطون) من خلال فتحة في جدار البطن، ثم استخراجه بعد مدة ، وإما بسحب الدم إلى جهاز الغسل الكلوي الذي قد يقال له الكلية الاصطناعية، ثم إعادته إلى الوريد بعد تصفيته. والظاهر - والله أعلم - أن لا أثر لهذه الحقن في تفطير الصائم.
- ولا حرج - إن شاء الله - في أخذ عينة من الدم للفحص المختبري، ولا في التبرع بالدم، فهذا من باب الفصادة التي لم يقل أحد بتفطيرها ، ويحب بعض متفقهة عصرنا أن يلحقها بالحجامة وبينهما فرق، والحجامة لم يعد أحدًا يتعاطاها في هذا العصر، وجمهور الفقهاء على أنها لا تفطر لحديث ابن عباس الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم. والظاهر - والله أعلم - أن النهي كان استبقاء للقوة، كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه. والحديث الذي رواه الدارقطني بإسناد رجاله كلهم ثقات عن أبي سعيد الخدري: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم. وقد روى الدارقطني أيضًا عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم بعدما قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) .
- ولا حرج - إن شاء الله كذلك - في إدخال قثطار في الشرايين لتصوير أوعية القلب أو غيره من الأعضاء، ولا في إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها، فكل أولئك لا ينطبق عليه وصف الأكل أو الشرب، ولا يدخل البدن من منفذ معتاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
د. محمد هيثم الخياط
المفطرات
العرض- التعقيب- المناقشة
العرض
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم:
نبدأ، مستعينين بالله تعالى جلسة العمل الأولى في الدورة العاشرة، ونسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى ما اختُلِف فيه من الحق، وألا يجعله ملتبسًا علينا فنزلت، وأن يوفقنا لصالح الأعمال دائمًا وأبدًا.
موضوع هذه الجلسة الصباحية هو (المفطرات) ، ونستمع الآن إلى بحث سماحة الشيخ محمد المختار السلامي عنها فليتفضل.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
السيد الرئيس
حضرات الإخوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا البحث الذي شرفني المجمع بالكتابة فيه هو يتناول المفطرات، والمفطرات، أَفْطَر وفَطُرَ بمعنى واحد، وإن كان التخطيط الذي ضبط به الموضوع ربطه بالتداوي، فإن الإفطار لا يختلف سواء أكان الذي أفطر في نهار رمضان مريضًا أم صحيحًا إلا في ناحية واحدة وهي ناحية التأثيم وعدم التأثيم ، فكل مفطر للصحيح هو مفطر للمريض ، وبناء على هذا فالموضوع الذي نريد أن نتناوله هو: من هو المريض الذي يجوز له أن يفطر في رمضان؟ ثم ما يعتبر مفطرًا وما لا يعتبر مفطرًا.
ومن يصدق عليه وصف المرض ينقسم إلى سبعة أقسام:
1 -
شخص لا يقدر على الصوم أصلًا، غلبه المرض، فهو لا يستطيع أن يصوم أصلًا، ولا أن يستمر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس صائمًا.
2 -
من يقدر على الصوم، ولكن الصوم يُلحق به جهدًا ومشقة.
3 -
من يقدر عليه من غير جهد ولا مشقة، ولكنه يتوقع أن يضاعف الصوم ألمه وعلته.
4 -
المريض الذي يشعر بألم في جزء من أجزاء بدنه ولكن الصوم لا يؤثر عليه، فسواءً أفطر أم صام فالمرض لا يتأثر بالصيام.
5 -
هو الصحيح الذي يخشى المرض.
6 -
المريض الذي يكون الصيام أعون على شفائه، وهو عكس الآخر الذي يخشى من أن يضاعف الصيام مرضه.
7 -
المرضع الصحيحة التي لا علة بها ولكن العلة في رضيعها، فهي تعلم أنها أن تناولت الدواء أثرت على الرضيع، وأنها أن امتنعت من الدواء وصامت فإن الرضيع يتضرر.
وأما حكم كل مرتبة من هذه المراتب:
فأولًا: من لا يقدر على الصوم أصلًا؛ فما جعل الله في الدين من حرج، وهو غير مطالب بالصوم ولا إثم عليه.
وكذلك الثاني الذي يقدر على الصوم ولكن بجهد ومشقة، فهذا وإن كانت عبارات الفقهاء عبرت عن ذلك بالجواز، فإن الجواز نفهمه على أنه جواز الإقدام كيف كان ، وجواز الإقدام كيف كان هو قدر مشترك بين الواجب وبين المندوب وبين المباح، فيكون ههنا يفهم الجواز في من لا يقدر على الصوم إلا بجهد ومشقة، على أن الفطر أفضل له.
ثالثًا: من يقدر عليه من غير جهد ولا مشقة ولكنه يتوقع أن يضاعف الصيام مرضه ، فيقول ابن رشد في هذا: أن الفطر له جائز. وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في العتبية. وقيل: إن ذلك لا يجوز له؛ لأن الصوم عليه واجب لقدرته عليه، وما يخشى من زيادة مرضه أمر لا يستيقنه ، فلا يترك فريضة بشك، والأول أصح.
رابعًا: المريض الذي يشعر بالألم ولكن فطره لا يعجل برأه ولا يؤخره ، فمن أخذ بظاهر الآية أجاز له الفطر، روي عن طريف بن تمام العطاردي أنه دخل على محمد بن سرين وهو يأكل في رمضان فلم يسأله. فلما فرغ قال له: إنه وجعت إصبعي هذه. وحجته أنه متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر، قياسًا على المسافر لعلة السفر، وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة.
ويكاد ابن سيرين ينفرد بهذا الرأي، فالقواعد الشرعية لا تساعده، وتسويته بين السفر والمرض تسوية بين المظنة والعلة، فإن السفر مظنة المشقة، ولما كانت المشقة غير منضبطة أقام الشارع المظنة مقام العلة ، أما المرض فهو نفس العلة، فما دام المرض لم يبلغ الدرجة المقتضية للتخفيف يلغى من الاعتبار.
خامسًا: الصحيح الذي يخشى المرض.
جاء في الفتاوى الهندية أن الصحيح الذي يخشى المرض هو كالمريض، وهكذا المذهب المالكي في الصحيح الذي يخشى المرض ، يقول الزرقاني في شرح قول خليل:(وجاز الفطر بمرض) أي موجود. ثم صرح بمفهوم هذا الوصف فقال: ومفهوم قوله (بمرض) : خوف أصل المرض بصومه ، ليس حكمه كذلك. وهو كذلك على أحد قولين، إذ لعله لا ينزل به، والآخر يجوز. والشافعية سووا بين الترخص بالتيمم والترخص بالفطر. وهم في التيمم الأصح الجواز. وعليه فإن حكم حدوث المرض هو كحدوثه فعلًا عند الشافعية.
ومذهب أحمد أصرح المذاهب في اعتبار الترخص بخوف حدوث المرض ، جاء في المغني: والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر؛ لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفًا مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله، فالخوف من تجدد المرض في معناه.
وصرح البهوتي بأن الفطر مع خوف المرض سنة، وأن الصوم مكروه.
سادسًا: المريض الذي يكون الصوم أعون على شفائه، لم أجد من صرح بحكم هذا النوع. ولكن القواعد تقتضي أنه يجب عليه الصوم ويحرم عليه الفطر ، وأن مذهب ابن سيرين لا ينسحب على هذا النوع.
سابعًا: المرضع التي تتناول الدواء ليصل أثره إلى رضيعها المريض.
فقد ذكر في الظهيرية رضيع مبطون تخشى عليه الموت من هذا الداء ، وزعم الأطباء أن الظئر إذا شربت دواء كذا برئ الصغير وتماثل ، وتحتاج الظئر إلى أن تشرب ذلك نهارًا في رمضان، قيل لها ذلك إذا قال الأطباء الحذاق. وهو محمول على الطبيب المسلم دون الكافر، قياسًا على من شرع في الصلاة بتيمم فوعد له كافر إعطاء الماء فإنه لا يقطع الصلاة.
أما المرضع في ذاتها فلا يعتبر قيامها بالإرضاع مرضًا مبيحًا للفطر، بخلاف الحامل إذا خافت على حملها.
جاء في المدونة: قلت: ما الفرق بين الحامل والمرضع؟ فقال: لأن الحامل هي مريضة ، والمرضع ليست بمريضة.
هل تعتبر المرضع في تناولها الدواء لإبلاغ أثره إلى رضيعها مترخصة؟
أن التحقيق الذي ضبط به أبو إسحاق الشاطبي الرخصة ينفي أن تكون المرضع في هذه الحالة داخلة تحت قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} .
يقول الشاطبي: من لا يقدر على القيام رخص له أن يصلي جالسًا. فهذه رخصة محققة ، فإن كان المترخص إمامًا، فقد جاء في الحديث:((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ثم قال: ((وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون)) . فصلاتهم جلوسًا وقعت لعذر، إلا أن العذر في حقهم ليس المشقة، بل لطلب الموافقة للإمام وعدم المخالفة عليه، فلا يسمى مثل هذا رخصة.
فإقدام المرضع على تناول الدواء في نهار رمضان ليصل عبر لبنها إلى جسم الرضيع المريض، إقدامها ليس من قبيل الرخصة، وإنما سبيله حفظ الحياة للرضيع المسؤولة عن احترامه. ويفهم هذا على أنه تعينت تلك الطريقة لإنقاذ حياة الرضيع.
والذي أريد أن أؤكد عليه هو أن الرخصة شخصية، أنه لا يوجد ضابط يحدد الرخصة بطريقة تنطبق بها على جميع المكلفين، ذلك أنها تستند إلى المشقة، والمشاق تختلف قوة وضعفًا في ذاتها، وتبعًا للظروف التي يقع فيها العمل، وحسب الأحوال والزمان والمكان، وحسب قدرة التحمل عند الأفراد بعوامل قوة البدن وضعفه والسن، ومضاء العزيمة أو وهنها.
وإذا كان كذلك فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد فيه جميع الناس.
ولذا أقام الشارع في جملة منها السبب مقام العلة، يعني أقام المظنة مقام العلة، فإذن ليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصلي، ولا ضابط مأخوذ باليد، بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه ، فمن كان من المضطرين معتادًا للصبر على الجوع فلا تختل حاله بسببه - كما كانت العرب - فليست إباحة الميتة له على وزان من كان بخلاف ذلك.
اختلاف الفقهاء في حكم الترخص:
بناء على ما قدمناه فإن اختلاف الفقهاء في حكم الترخص بالفطر ليس اختلافًا حقيقيًّا وإنما هو اختلاف في حال؛ لأن حكم الترخص بالفطر شخصي ، فقد يكون أخوان مرضهما واحد وفطر أحدهما واجب، والآخر راجح ، وهذا ما أغناني عن تتبع الأقوال لارتباطها بهذا الضابط الذي أراه هو الحق الذي لا محيد عنه.
الباب الثاني - ما يعتبر مفطرًا للصائم من العلاج:
ينقسم العلاج أولًا إلى قسمين:
أ - البحث عن المرض للتأكد من وصف الاختلال الذي طرأ على الجسم.
ب - الدواء الذي يداوي به المريض داءه بعد التعرف على المرض.
وينقسم ثانيًا:
أ - إلى التداوي بمباشرة الدواء للجسم.
ب - إلى التداوي بفصل شيء عن الجسم.
وتحت هذين التقسيمين الكبيرين أنواع عديدة.
وينقسم ثالثًا:
أ - إلى التداوي النافذ إلى باطن الجسم من منافذه.
ب - إلى التداوي الظاهر الذي لا يتجاوز السطح الخارجي لجسم المريض.
وتحت هذه الأقسام أنواع كثيرة.
التداوي من المنافذ إلى الباطن:
المنفذ الأول - الفم: وهو المنفذ الطبيعي والأهم.
أولًا: دواء الفم
تحديد الفم:
الفم هو ما بين باطن الشفتين، والحلق، هذا هو الظاهر. والحلق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أعلى الحلق وهو مخرج الغين والخاء المعجمة، ووسط الحلق، وهو ومخرج الحاء والعين المهملتين، وأقصى الحلق من الباطن وهو مخرج الهمز والهاء.
جاء في كلام الحنفية ما يفيد أن الفطر لا يتحقق إلا بمجاوزة الدواء الحلق بأقسامه الثلاثة. يقول في الدر عادًّا لما يفطر: أو خرج الدم من بين أسنانه ودخل حلقه. يعني ولم يصل إلى جوفه.
وعند المالكية قولان؛ أن الحلق كله من الداخل الذي يفطر الصائم بوصول مائع أو متحلل إليه. يقول الزرقاني: ووصول المائع إلى الحلق يوجب الفطر، ولو رده على المشهور ، فالقول بأن الواصل من الأعلى يشترط فيه أن يجاوز الحلق قول ضعيف في المذهب. والمذهب أن الفطر يتحقق بوصوله إلى الحلق وإن لم يجاوزه.
ومذهب الشافعي أن مخرج الخاء والغين المعجمتين من الظاهر، ومخرج الهمز والهاء من الباطن، والاختلاف في مخرج الحاء والعين المهملتين.
وما يترتب على هذا في باب التداوي:
1) تناول الأدوية التي يغرغر بها المريض ، فهي واصلة قطعًا إلى أعلى الحلق ، فهي مفطرة على الراجح عند المالكية، غير مفطرة عند الحنفية والشافعية ، ولكن ينبغي أن يبصق بعد المج. يقول ابن عابدين: لاختلاط الماء بالبصاق فلا يخرج بمجرد المج ، نعم لا يشترط المبالغة في البصق؛ لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحرز منه.
2) مضغ دواء لا يتحلل منه شيء إلى المعدة؛ ففي التتارخنية: أو إذا مضغ الإهليلج. ولم يدخل منه شيء إلى المعدة إلا أن الريق المتأثر بالمضغ قطعًا وصل إلى معدته: أنه لا يفطر.
وعند المالكية أن من يمضغ العلك الذي لا يتحلل منه شيء ثم يمجه لا يضره ، وقيده أبو الحسن الصغير في تعليقه على المدونة أن محل ذلك إذا مضغه مرة واحدة ليداوي به شيئًا ، وأما إذا كان يمضغه مرارًا ويبتلع ريقه فلا شك أنه يفطر، لأنه يبتلع بعض أجزائه مع ريقه.
وفي مذهب أحمد قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: الصائم يمضغ العلك؟ قال: لا. وقال أصحابه: ما يتحلل من العلك لا يجوز مضغه إلا أن لا يبلع ريقه، فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شيء أفطر به. وأما ما لا يتحلل منه شيء فهو كالحصاة مضغها في فيه. إلا أنه أن مضغه فوجد طعمه في حلقه دون أجزاء منه فوجهان.
مداواة حفر الأسنان:
يقول خليل: وكره مداواة حفر، زمنه إلا لخوف ضرر.
فمداواة حفر الأسنان في نهار رمضان له أحوال.
أن يخشى الضرر من تأخير الدواء إلى الليل أو إلى ما بعد رمضان.
وهنا أن بلغ خوف هلاك وجب، وإن خشي حدوث مرض أو زيادته أو شدة ألم جاز له الإقدام على المداواة ، فإن سلم ولم يبتلع منه شيئًا صح صومه ، وإن ابتلع منه غلبة قضى ، وإن تعمد الابتلاع فهو كمن أكل في نهار رمضان متعمدًا.
والذي يظهر لي أن المالكية قد اعتمدوا في فتاواهم الأصل الذي توسعوا في تطبيقه والقول بمقتضاه، وهو سد الذرائع؛ وإلا فإنه إذا لم ينزل شيء إلى المعدة مما دخل الفم فهو لا يختلف عن الذي تمضمض بالماء ثم مخه. ومما يوضح ذلك ما علل به الرهوني: أن المتحلل إذا رجع من الحلق لا يسلم غالبًا من أن يبقى في المحل منه ما يصل إلى الجوف مع الريق بخلاف غير المتحلل. وما علل به أيضًا ابن الماجشون بأنه ليست العبرة بالغذاء، وإنما لأن حلق الصائم حمى فلا يجاوزه شيء.
الجامد إذا وصل الحلق ولم ينفذ إلى الداخل:
يقول الرهوني: إذا وصل الجامد إلى الحلق ولفظه، فلغو باتفاق، خلافًا لما فهمه البناني ومصطفى.
ثانيًا: الدواء المتجاوز للحلقوم عبر الفم:
الدواء المتجاوز للحلقوم عبر الفم أنواع:
1) مائع، ومثله المتحلل الواصل إلى المعدة.
2) جامد واصل إلى المعدة.
3) المتخلخل النافذ من الفم إلى الداخل.
المائع والمتحلل من الأدوية المجاوز للحلق:
فكل مائع أو قابل للتحلل تجاوز الحلق وبلغ المعدة حالًا أو توقف في المريء عند ازدراده هو مفطر بإجماع.
الجامد المجاوز للحلق:
الجامد غير القابل للتحلل قد يكون جهازًا للكشف ينفذ إلى ما وراء الحلقوم من المريء أو المعدة.
وقد يكون جهازًا مشعًا يؤثر في المرض.
واستقرار الجامد فيما وراء الحلقوم قد اختلف فيه الفقهاء.
الحنفية:
فقد جاء في بدائع الصنائع: لو أكل حصاة أو نواة أو خشبًا أو حشيشًا أو نحو ذلك مما لا يؤكل عادة ولا يحصل به قوام البدن، يفسد صومه لوجود الأكل صورة.
ولكن الحنفية اشترطوا لتحقق الفطر الاستقرار ، ويقصدون بالاستقرار الانفصال الكامل من الخارج وحوز ما بعد الحلق له بتمامه. يقول ابن عابدين: أن ما دخل الجوف أن غاب فيه فسد الصوم، وهو المراد بالاستقرار ، وإن لم يغب بل بقي طرف منه في الخارج أو كان متصلًا بشيء خارج لا يفسد لعدم الاستقرار.
وبناء على هذا الشرط فإن المسبار النافذ من المريء إلى المعدة والذي بقي طرفه الأعلى خارج الفم لا يؤثر في الصوم ، ولا يترتب عليه الفطر، إلا إذا كان إدخاله إلى المريء يتم بطلاء ظاهره بمرهم ميسر لدخوله، فإن الفطر بالطلاء لا بالمسبار ذاته.
أما المالكية:
فقد اختلف قولهم في تأثير وصول ما لا يتحلل إلى ما وراء الحلق.
مذهب مالك وابن القاسم أن تعمُّد إدخال جامد لا يتحلل إلى المعدة مقتض فساد الصوم موجب للقضاء. ونقل ابن شاس عن بعض المتأخرين أن الصوم لا يفسد بذلك.
أما الشافعية:
فقد قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: إذا ابتلع الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة أو حشيشًا أو حديدًا أو خيطًا أو غير ذلك أفطر بلا خلاف في مذهبه. وحكي عن أبي طلحة الأنصاري رحمه الله والحسن بن صالح، أنه لا يفطر بذلك. وحكوا عن أبي طلحة أنه كان يتناول البرد وهو صائم ويبتلعه ويقول: ليس هو بطعام ولا شراب. وسند الشافعية ما رواه البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل. وإنما الفطر مما دخل وليس مما خرج.
أما الحنابلة:
فقد سووا بين المتحلل وغيره. يقول البهوتي عادًّا لما يترتب عليه الفطر: (أو أدخل إلى جوفه شيئا) من كل محل ينفذ إلى معدته (مطلقا) أي سواء كان ينماع ويغذي أو لا ، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوها، ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فسد صومه.
المتخلخل النافذ إلى ما وراء الحلقوم:
نعني بالمتخلخل النافذ إلى ما وراء الحلقوم ما يشمل:
1) الدخان.
2) الغبار.
3) البخار.
1) الدخان:
الدخان هو تحول كيميائي يحصل في المادة عند الاحتراق، يدخل الدخان من الفم وينفذ إلى ما وراء الحلقوم، وكما يقول الدكتور محمد علي البار وهو يتحدث عن دخان السجائر أو الشيشة: إنه يمر من الفم والبلعوم الفمي ثم ينزل جزء منه إلى البلعوم الحنجري ومنه إلى الرغامي فالرئتين، وينزل الجزء الآخر إلى المريء فالمعدة.
ولا شك أن الدخان يحتوي على مواد عالقة تختزن في الممرات التي تعبرها وتحدث تأثيرها.
الحنفية: يفصل الحنفية بين دخول الدخان بدون قصد وبين إدخاله.
يقول في الدر المختار: " لو أدخل حلقه الدخان أفطر أي دخان كان، ولو عودًا أو عنبرًا ، لو ذاكرًا لإمكان التحرز عنه، فلينتبه ". كما ذكره الشرنبلالي، ويعلق ابن عابدين:" ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله ".
وبهذا يكون الدواء الذي يقذف به في النار ليجذبه المريض من فمه إلى الداخل مفطرا عند الحنفية.
أما المالكية: فيقول خليل فيما على الصائم تركه: (وبَخور) ويعلق عليه عبد الباقي الزرقاني: أي وبترك إيصال بخور. وبهذا يتفق المالكية مع الحنفية أن الإيصال هو المفطر. وهو ما صرح به العدوي: فلو وصل بغير اختياره لم يفطر.
حكم التداوي بالدخان: كل دواء يؤثر بواسطة إدخال دخانه إلى الباطن مفطر، لأنه يترسب من مادته ما يؤثر في الصائم، فهو والأكل في الحقيقة سواء.
2) البخار:
نص الزرقاني أن إيصال بخار القدر يحصل به غذاء للجوف لأن ريح الطعام يقوي الدماغ. ونقل الحطاب عن الشيخ ابن أبي زيد: واستنشاق قدر الطعام بمثابة البخور؛ لأن ريح الطعام له جسم ويتقوى به الدماغ، فيحصل به ما يحصل بالأكل.
ولما كان البخار تحول في تماسك جزئيات الماء، إذ يتخلخل الماء بالحرارة ثم يتجمع عندما يعود إلى ما كان عليه. وإن كنت لم أجد فيما وصلته يدي من كتب الحنفية والشافعية نصًّا إلا أنه لا شك في إجرائه على حكم الدخان.
حكم التداوي بالبخار: كل دواء محلول مائع ينقلب إلى بخار ويدخله المريض إلى باطنه من منفذ الفم الظاهر: أنه مفطر، سواء كان تحوله إلى بخار بواسطة الحرارة أو بواسطة الأجهزة المخلخلة.
3) الغبار:
أما المذهب الحنفي: فظاهر كلام الحنفية أنه لا فارق بين الدخان والغبار ، فإذا دخل بنفسه بدون قصد فإنه لا يؤثر، وأن دخل بقصد أثر في الصيام ، وصرح بهذا ابن نجيم لمّا قال: وغبار الطاحونة كالدخان.
أما المذهب المالكي: فيقول خليل بأنه لا قضاء في غبار طريق وفى دقيق أو كيل أو جبس لصانعه.
يفهم من كلام شراحه: أن ما دخل غلبة مما لا يمكن التحرز منه، إما لعمومه كغبار الطريق، أو للحاجة كصناعة الطحانين والكيالين وحراس الأندر وصناع الجبس، أنهم لا يفطرون بما نفذ من الفم إلى داخلهم.
وأفتى الشيخ أحمد هريدي لما سئل هل يفطر مريض الربو باستعماله الجهاز المعروف بجهاز البخاخة، أفتى: إذا كان الدواء الذي يستعمله بواسطة البخاخة يصل إلى جوفه عن طريق الفم أو الأنف فإن صومه يفسد ، وإذا كان لا يصل منه شيء إلى الجوف فلا يفسد. وليس الأمر في الواقع على الاحتمال فإنه من المؤكد أن جذب الدواء بواسطة البخاخ ينفذ إلى ما وراء الحلق.
وحينئذ يكون حكم التداوي بالغبار ومنه البخاخ: القصد إلى التداوي بمادة مسحوقة سحقًا ناعمًا ينفذ إلى ما وراء الحلق بجذبها بالفم والنفس أو بآلة؛ مفطر وموجب للقضاء إذا كان المرض غير ملازم.
المنفذ الثاني - الأنف:
الأنف منفذ إلى الحلق وما وراءه قطعًا، يدرك ذلك حتى غير أهل الاختصاص، فكثير من العمليات الجراحية يدخل الفريق الطبي أنبوبًا طرفه بالمعدة وطرفه بجهاز استقبال يتجمع فيه إفرازات المعدة.
وبالرجوع إلى نظريات الفقهاء نجد:
الحنفية يقولون: أن المتحلل المار من الأنف مفطر إذا بلغ ما وراء الحلق، وهو السعوط.
ويقول ابن عابدين تعليقًا على قول المتن: (أو اسْتَعَطَ) والسعوط الدواء الذي صب في الأنف وأسعطه إياه، موجب للإفطار والقضاء ، ويعلل ذلك بأن الإفطار بالسعوط إفطار معنى لا صورة؛ لأن السعوط يقع بدون ابتلاع الذي هو الصورة. ويترجح ما ذهب إليه ابن عابدين خلافًا لمن ذهب إلى أن ذلك يصل إلى الدماغ؛ لأن الدماغ لا مدخل له في السعوط ، وأنه مبني على ما يتوهم أن الاستنشاق لما كان تصعيدًا ظن أنه يمر إلى الدماغ، مع أن قنواته تنزل إلى الحلق.
أما المالكية: فيرون أن مرور المائع من الحلق عبر الأنف موجب للفطر.
قال اللخمي: يمنع الاستعاط لأنه منفذ متسع ، ولا ينفك المستعط من وصول ذلك إلى حلقه ، ولم يختلف في وقوع الفطر.
ولم أجد تفصيلًا في كتب المالكية ولا اختلافًا إلا في اعتبار منفذ الأنف أهو واسع كما نص اللخمي وابن عبد السلام، أو هو ضيق وهو ما تفرد به الخرشي.
أما الحنابلة فيرون أن السعوط مفطر لأنه يصل إلى الدماغ: يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في بدنه كدماغه وحلقه.
فالاتفاق بين المذاهب الأربعة أن السعوط إذا تجاوز الأنف مفطر، إلا أن الحنفية عللوا الفطر بنفاذه إلى المريء، والشافعية والحنابلة بصعوده إلى الدماغ ، والعلم التجريبي يؤيد وجهة النظر الأولى ، وأن القوة المودعة في جسم الإنسان التي تحيل الداخل ليست في الدماغ قطعًا.
إدخال الدواء عبر الأنف سواء أكان مائعًا أم غبارًا أم دخانًا أم بخارا هو في الظاهر عندي مفطر.
وأما إدخال أنبوب لإخراج المحرازات المعدة، فغير مفطر إلا على رأي الشافعية.
المنفذ الثالث - العين:
يرى الحنفية أن الكحل نهارًا لا يفطر، ولا يكره عمله، وفي الدر المختار: أو اكتحل وإن وجد طعمه في حلقه. وفي رد المحتار: وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح. وعلل ذلك بأن الموجود في حلقه داخل من المسام. الذي هو خلل البدن، والمفطر هو الداخل من المنافذ، للاتفاق على أن من اغتسل فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر.
فعلى هذا التعليل لا يعتبر الحنفية على الراجح عندهم العين منفذًا ، وبهذا يستوي الكحل مع المائع.
ويرى المالكية أن العين منفذ ظاهر كالفم والأنف ، فإذا لم يجاوز العين إلى الحلق فلا فطر ، وإن تداوى بدواء وجد طعمه أو لونه في حلقه أفطر. يقول الزرقاني: فمن اكتحل نهارًا، فإن تحقق عدم الوصول للحلق فلا قضاء عليه ، ومحل وجوب القضاء فيما يصل إذا فعله نهارًا، فإن فعله ليلًا فلا شيءعليه أن وجد طعمه بالنهار.
والحنابلة يرون: أن ما بلغ الحلق من العين كالكحل مفطر. يقول ابن قدامة: فأما الكحل فما وجد طعمه في حلقه، أو علم وصوله إليه فطره، وإلا لم يفطره. نص عليه أحمد.
ورأي المالكية والحنابلة أرجح؛ لأن علماء التشريح يثبتون أن الله خلق العين مشتملة على قناة تصلها بالأنف ثم بالبلعوم ، فما بنوا عليه رأيهم في عدم الفطر أنه لا صلة بين العين والحلق إلا من طريق المسام أكد العلم خلافه. فتقطير الدواء في العين في نهار الصيام مفسد للصوم ، موجب للقضاء.
المنفذ الرابع - الأذن:
مذهب الحنفية: أطلق في الكنز القول بأن التقطير في الأذن مفطر، وتعقبه ابن نجيم قائلًا: المائع الواصل إلى باطن الأذن أن كان دهنًا فكما قال، وأما الماء: فالذي اختاره صاحب الهداية أنه لا يفطر سواء أدخل بنفسه أو أدخله. وبه صرح الولوالجي معللًا بأنه لم يوجد الفطر لا صورة ولا معنى. ونقل عن قاضي خان في فتاواه أنه إن خاض الماء فدخل أذنه لا يفطر، وإن أدخل الماء إلى أذنه أفطر. ورجح هذا التفصيل في فتح القدير.
وحصل ابن عابدين مذهب أبي حنيفة فقال: والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن، وعلى عدمه بدخول الماء. واختلاف التصحيح في إدخاله.
مذهب المالكية: سوى المالكية بين منفذ الأنف والعين والأذن.
يقول خليل: أو وصل المتحلل فقط إلى حلق من أنف وأذن وعين. وذكر ابن عبد السلام في شرحه على مختصر ابن الحاجب أن المائع إذا دخل من المنفذ الضيق من الأعالي أو من الأسافل حتى وصل ذلك إلى المعدة: فاختلف فيه على ثلاثة أقوال؛ أحدها وجوب القضاء، والثاني سقوطه، والثالث التفصيل بين العين ونحوها فيجب، وبين الأسافل فلا يجب؛ لأنه ليس ببعيد نزول الغذاء من الأعالي، بخلاف العكس.
مذهب الشافعية: للشافعية وجهان؛ الأول أنه لو قطر ماء أو دهنًا في أذنه فإنه يفطر، وهو الأصح وبه قطع الشيرازي في المهذب. والثاني لايفطر.
ومذهب الحنابلة: أن ما يدخل من الأذن من المائعات ويصل إلى الدماغ فهو مفطر. يقول البهوتي: أو قطر في أذنيه شيئًا وصل إلى دماغه فسد صومه، لأنه واصل إلى جوفه باختياره، أشبه الأكل.
والذي أثبته علماء التشريح بالاعتماد على المشاهدة والتجربة أن الأذن ليس بينها وبين الجوف ولا الدماغ قناة ينفذ منها المائعات إلا إذا تخرمت طبلة الأذن.
المنفذ الخامس - الرأس السالم:
إذا دهن رأسه في نهار رمضان بدواء فهل يؤثر في صومه؟
ظاهر قول ابن الحاجب أنه وقع خلاف ، فذهب بعضهم إلى أنه يفطر بذلك، وذهب آخرون إلى التفصيل؛ فإن وجد طعمه في حلقه أفطر، وإن لم يجد لم يؤثر ذلك في صحة صيامه، وفرق بعضهم بين النفل فلا يؤثر وبين الفرض فيفطر به.
والذي أكده العلم التجريبي أنه لا منفذ يجمع بين ظاهر البدن والحلق وما وراءه على الخصوص ، ولذا لا وجه للقول بأن الإحساس بطعم الدهن موجب للفطر. وللصائم أن يطلي ظاهر جسده بما هو في حاجة إليه من الأدوية وهو صائم دون أن يؤثر ذلك في صومه.
المنفذ السادس - الدبر:
كما يصل الدواء المؤثر من المنافذ العالية: الفم والأنف والعين، فكذلك يصف الأطباء الأدوية من منفذ الشرج ، والاعتماد على هذا المنفذ في الطب يشمل:
1 -
إدخال جهاز غير متحلل يساعد على أخذ صورة لبعض أجهزة الجسم الواقعة في ذلك المحيط والتي لا تتأتى إلا منه.
2 -
الكشف بواسطة إدخال الطبيب أصابعه، لمعرفة إمكان وجود ورم ونحوه في بعض الأجزاء من الجسم.
3 -
إدخال سوائل مساعدة على الكشف.
4 -
إدخال سوائل محتوية على محلول أدوية أو مساعدة على التغوط.
5 -
إدخال فتائل تذوب بحرارة الجسم، ثم تبلغ أعالي المصير وتؤثر في العلاج.
6 -
دهن الشرج بمراهم.
إدخال غير متحلل:
يشمل هذا الأجهزة والكشف بالجس بواسطة الأصابع.
الذي عليه الحنفية أن إدخال ما لا يستقر من الشرج غير مفطر ،
أما المذهب المالكي: فجاء في المدونة ما ظاهره يفيد أن إدخال غير المتحلل لا يفطر، ولا قضاء. وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة قال: أرى ذلك خفيفًا ولا أرى عليه فيه شيئًا. ثم نقل عن ابن وهب قال ابن وهب: قال مالك فيمن يحتقن أو يستدخل شيئًا من وجع قال: أما الحقنة فإني أكرهها للصائم ، وأما السبور فإني أرجو أن لا يكون به بأسًا. قال ابن وهب: والسبور: الفتيلة.
وأكد هذا الحطاب وقوله: في الحقنة بالفتائل لا شيء عليه؛ دل على أن كلامه في الفطر إنما هو في الحقنة المائعة، وهي التي فيها الخلاف كما قال اللخمي. ودقق الزرقاني فقال: أن الجامد لا يفطر إذا وصل إلى المعدة إلا أن يتحلل قبل الوصول، والفتائل لا تفطر ولو كان عليها دهن.
المذهب الشافعي: قال النووي: لو أدخل الرجل أصبعه أو غيره دبره أو أدخلت المرأة أصبعها أو غيره دبرها أو قبلها وبقي البعض خارجًا بطل الصوم.
المذهب الحنبلي: يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده.
حكم الكشف بإدخال غير المتحلل:
هو عند الشافعية والحنابلة مفطر ، وعند الحنفية كذلك؛ لأنه يستعان
على إدخالها بطلاء الجهاز أو الأصابع بمراهم.
وعند المالكية غيرمفطرة ولا قضاء لذلك.
إدخال السوائل داخل الشرج:
إذا دخلت السوائل من الشرج سواء أكانت محتوية على مواد بقصد الكشف أو للمداواة ولتيسير البراز فإن الحكم لا يختلف؛ هي مفطرة عند الحنفية والشافعية والحنابلة وعلى الأرجح من مذهب مالك. واختار اللخمي عدم الفطر بالحقنة قال: واختلف في الاحتقان بالمائعات هل يقع به فطر أو لا يقع؟ وألا يقع به أحسن؛ لأن ذلك مما لا يصل إلى المعدة ، ولا إلى موضع يتصرف منه ما يغذي الجسم.
دهن داخل الشرج بمرهم:
دهن داخل الشرج مفطر عند الحنفية والشافعية والحنابلة، غير مفطر عند المالكية. كما يعلم مما قدمناه.
المنفذ السابع - إحليل الرجل وفرج المرأة:
المذهب الحنفي: إذا أدخل إحليله مائعًا أو دهنًا ، فنقل عن محمد بن الحسن وأبي حنيفة أنه لا يفطر، والمنقول عن أبي يوسف أنه يفطر.
ووجه قول كل منهما، يقول في البحر: هو مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ أو لا؟ وهو ليس باختلاف فيه على التحقيق.
وأما قبل المرأة فإذا قطرت فيه مائعًا فهو مفسد لصومها قيل: إجماعا عند الحنفية، وقيل: على الراجح. والأصح أنه مجمع عليه.
أما المذهب المالكي: فقد جاء في المدونة: قلت: أرأيت من قطر في إحليله دهنًا وهو صائم أيكون عليه القضاء في قول مالك؟ قال: لم اسمع من مالك فيه شيئًا، وهو عندي أخف من الحقنة، ولا أرى فيه شيئًا. فابن القاسم لا يرى قضاء على من تعمد إدخال مائع في إحليله فضلًا عن الذي لا يتحلل. ونص خليل: ولا قضاء في حقنة إحليل.
المذهب الشافعي: يقول النووي: وإذا قطر في إحليله شيئًا ولم يصل إلى المثانة أو زرق فيه ميلًا ففيه ثلاثة أوجه؛ أصحها يفطر وبه قطع الأكثرون لأنه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه ، فتعلق بالواصل إليه كالفم ، والثاني لا يوجب الفطر، والثالث أن جاوز الحشفة أفطر وإلا فلا.
أما المذهب الحنبلي: فيقول ابن قدامة: وإذا قطر في إحليله دهنًا لم يفطر به سواء وصل إلى المثانة أم لم يصل؛ لأنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ.
وبناء على ما تقدم:
فإن إدخال أنبوب إلى المثانة لتيسير خروج البول إذا احتقن في المثانة وانسد سبيل خروجه فتعسر البول أو تعذر، غير مفطر على ما يراه الحنفية والمالكية والحنابلة وهو وجه عند الشافعية ، ويستوي في هذا الرجل والمرأة؛ لأن التشريح كشف أن جهاز البول غير مرتبط بقناة إلى المعدة.
المنافذ غير الخِلقية:
قد تنفتح منافذ إلى داخل الجسم، إما لتعرض الجسم لحادث أو بتدخل الفريق الطبي لعلاج المريض، ونحن نتابع هذه المنافذ تبعًا لما جاء في كتب الفقه.
ما يصيب الصائم من جراح، وهي إما أن تكون في رأسه ووصلت إلى أم الدماغ، أو في بطنه أو في بقية جسده ، فما يصيب رأسه هو المأمومة، وما يصيب بطنه هي الجائفة، وما سوى ذلك جراح قد تكون سطحية وقد تكون عميقة تصل إلى مخ العظام. ولا غنى للصائم عن العناية بجراحه ومداواتها.
المذهب الحنفي:
قال في البحر: التحقيق أن بين الدماغ والجوف منفذ. فما وصل إلى الدماغ يصل إلى الجوف ، ولذا فإنه إذا داوى الآمة أو الجائفة ووصل الدواء إلى دماغه أو جوفه أفطر وقضى.
ثم أن الدواء إما أن يكون يابسًا أو مائعًا ، فإذا تحقق وصوله إلى دماغه أو جوفه أفطر، وإن لم يتحقق فإن كان الدواء يابسًا فإنه لا يفطر، وإذا كان مائعًا فهو مفطر عند أبي حنيفة ، لأن العادة وصول المائع، وغير مفطر عند محمد وأبي يوسف؛ لأن الوصول مشكوك فيه ولا يحصل الفطر بالشك. وأما المذهب المالكي؛ فقد جاء في المدونة: قلت: أرأيت أن كانت به جائفة فداواها بدواء مائع أو غير مائع ما قول مالك في ذلك؟ قال: لم أسمع منه في ذلك شيئًا ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة. قال: لأن ذلك لا يصل إلى مدخل الطعام والشراب، ولو وصل ذلك إلى مدخل الطعام والشراب لمات من ساعته. وهو نص ابن شاس في عقد الجواهر الثمينة.
وقد تقدم وجهة نظر المالكية في دواء الرأس، وأن الدماغ وخريطته لا يوجب وصول مائع أو يابس لهما أو لواحد منهما الفطر.
أما المذهب الشافعي:
فقد جاء في المجموع وشرحه ما يفيد أنه أن وصل الدواء من المأمومة أو الجائفة إلى خريطة دماغه أو إلى بطنه أفطر.
وأرى أن البحث في هذه القضية يجب أن ينظر إليه في واقع الأمر حسب سنن الله في الخلق ، فإذا كانت المأمومة يصل أثر دوائها إلى الأجهزة القابلة ثم المحيلة فهي مفطرة ، وإذا كانت تتشربها المسام الظاهرة فلا وجه للقول بتأثيرها في الفطر. وقد أكد الدكتور البار في بحثه أنه لا صلة بين الدماغ والجوف ما دام الحاوي سليمًا. وأنه إذا انكسر فالوضع أخطر من الصيام والفطر؛ لأن المصاب يكون في وضع يستدعي العلاج المكثف ، وإجراء عمليات دقيقة وبقاءه مدة في المراقبة المستمرة ، وفي بيت الإنعاش أن كتبت له الحياة، وقلما يقع إذا ما انهدم بناء الجمجمة، فالصورة كلها افتراضية.
وأما الجائفة فإنه قد يمكن أن تبلغ الطعنة إلى جزء من أجزاء المعدة أو ما اتصل بها من فوق أو من أسفل ، وهي حالات تستدعي علاجًا سريعًا ومكثفًا ، وإذا تمت مداواة داخل ذلك بدواء فلا شك أنه محقق للفطر إذا نفذ يقينًا إلى الجهاز الذي خلقه الله في الإنسان لهضم ما يرد إليه وتحويله إلى أجزاء الجسم حسب التقدير الدقيق في الخلق.
أما إدخال المنظار مع الأجهزة التي تقوم بكشف ما في الداخل للفريق الطبي لاستئصال المرارة أو غيرها أو أخذ عينة فهي لا تعتبر مفطرة عند الحنفية لعدم الاستقرار، والانفصال عن الخارج؛ إذ هذه الأجهزة طرفها في داخل الجسم وطرفها الآخر بيد الفريق الطبي.
وكذلك أخذ عينة لتحليلها من الكبد أو الطحال أو أي جزء من الباطن ، وكذلك هي غير مفطرة عند المالكية لعدم وصولها إلى المعدة ، وكذلك عند ابن تيمية. وهي مفطرة عند الشافعية والحنابلة. والرأي الأول أولى بالأخذ؛ لليقين بأن من أدخلت في بطنه هذه الأجهزة لم يأكل ولم يشرب ولم يتغذ، ولم يصل شيء إلى الجهاز الهضمي الذي يقوم عليه الصيام.
وأما التغذية من ثقب بالمعدة فلم أجد من تعرض لها من الفقهاء إلا الرهوني ، أنهى كلامه على الحقنة بوضع سؤال فقال: وانظر هل مثله (أي الإيصال بحقنة) ما يصل للمعدة من ثقبة تحتها أو فوقها أو كالحقنة بالدبر أو يجري على ما تقدم في الوضوء؟
وما تقدم له في الوضوء: أنه لا يخلو الحال من خروج الخارج من الثقب، أن يكون الثقب في المعدة أو فوق المعدة أو تحت المعدة. والإشكال السابق الذي أورده في باب الصيام، وفرض فيه أن يجري على ما تقدم في الوضوء لا يظهر وجهه، ذلك أن الخارج من الثقب في المعدة يمكن أن يجري فيه القولان ، أما في الصيام فلا، لأنه لا رابطة بين التأثير على الصائم وبين انسداد المخرجين.
والذي يظهر لي والله أعلم، أنه إذا كان الثقب في المعدة ذاتها فوصول شيء منه مفطر يقينًا ، وإذا كان الثقب فوق المعدة في القناة الرابطة بين المعدة والحلقوم فمفطر قطعًا ، وإذا كان الثقب تحت المعدة في المسلك الخارج منها فهو جار مجرى الحقنة ، وإن كان الثقب فوق المعدة أو تحتها غير نافذ إلى المسلك الفوقي أو التحتي فلا أثر له في الفطر.
التداوي بالإخراج:
كما يتم التداوي بإدخال دواء من منفذ من المنافذ التي تحدثنا عنها فإنه يمكن علاج المريض بالتدخل لإخراج:
أ- الدم بالفصد. 2- الدم بالحجامة. 3- القيء.
إخراج الدم بالفصد والحجامة:
أما الفصد فالاتفاق على أنه غير مفطر ، وأما الحجامة فقد انتهى أمرها.
القيء:
وأما الاستقاء فالحنفية قالوا: يتصور باثنتي عشرة صورة ، لأنه إما أن يكون ما أخرجه ملء الفم فأكثر أو دون ذلك. وفي كليهما إما أن لا يعود شيء، أو يعيده هو بإرادته بعضه، أو يعود شيء من قيئه غلبة، وفي كل إما أن يكون ذاكرًا لصومه أو ناسيًا له.
وتحصيل المذهب أنه أن كان ناسيًا فلا يفطر، وإن كان ذاكرًا أفطر إذا بلغ الخارج ملء الفم ابتلع منه شيئًا أو لم يبتلع ، وإن كان أقل من ملء الفم فإن لم يعد شيء منه إلى حلقه لا غلبة ولا بقصد لم يفطرعند أبي يوسف، وهو الصحيح في المذهب، وأفطر عند محمد.
وأما المالكية فقالوا: إن من استقاء فقد أفطر، رجع إلى حلقه أو لم يرجع، كان ذلك ملء الفم أو أقل.
والشافعية: يرون أن من استقاء فقد أفطر.
والحنابلة: يرون أن من استقاء فقد أفطر، وعليه القضاء بغير تفصيل.
ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض ".
وبناء على ما قدمناه يتقرر:
أولًا: أخذ قدر من دم المريض لتحليله لا يفطر قطعًا؛ لأنه كالفصد.
ثانيًا: أنه إذا رأى الطبيب أن من مصلحة المريض أن يفرغ ما في معدته بالاستقاء فليفعل ، وأن من استقاء عليه القضاء؛ لأن حالات التسمم ونحوها تستدعي إفراغ كل ما تحويه المعدة. فلا يظهر أثر لتفصيل أبي يوسف. التخدير:
التخدير يتم بطرق منها استنشاق غازات تؤثر في الشعور بالإحساس، أو بواسطة حقنة عبر الأوردة الدموية أو بهما أو بغير ذلك ، وينقسم إلى قسمين:
أ) تخدير جزئي يقتصر مفعوله على جزء من البدن ، ويبقى الوعي وإدراك المعالج لما يجري حوله طبيعيًا، وهذا لا يؤثر في الصيام.
2) تخدير كامل للبدن ، بحيث يفقد المعالج معه الوعي بما حوله مع الحرص على أن يستمر على هذه الحالة حسب ما يقرره الفريق الطبي ، وهي حالة أقرب ما تكون إلى الإغماء، فيقرر لها من الأحكام ما قرر في الإغماء.
المذهب الحنفي:
أن المغمى عليه إذا نوى الصيام في الليل فصومه صحيح ولا قضاء عليه ، يقول ابن نجيم: ويقضي بإغماء سوى يوم حدث في ليلته، لأنه نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجى.
المذهب المالكي:
جاء في المدونة: أنه أن أغمي عليه كل النهار أو جله وجب عليه القضاء ، وإن أغمي بعد أن أصبح صائمًا وقد مضى جل النهار وهو صائم لا قضاء عليه ، وكذلك إذا نوى الصيام وأصبح معافى ثم أغمي عليه نصف النهار لا قضاء عليه. فإن انقطع صيامه في الشهر ثم أفاق بعد طلوع الفجر عليه القضاء؛ لأنه لم يبيت الصيام من الليل. ويرى ابن القاسم أنه كلما كان وقت الفجر مغمى عليه فعليه قضاء ذلك اليوم.
فالمالكية حسب قول ابن القاسم يربطون القضاء:
أولًا: بدخوله في الفجر وهو مغمى عليه ، طال زمن الإغماء بعد ذلك أو قصر.
ثانيًا: بإغمائه أكثر من نصف النهار كان وقت الفجر مغمى عليه أو لا.
المذهب الشافعي:
إذا انسحب الإغماء على كامل اليوم بعد أن نوى الصيام في الليل فعليه القضاء، وذهب المزني إلى أنه لا قضاء عليه.
المذهب الحنبلي:
أن المغمى عليه إذا استغرق الإغماء كامل اليوم عليه القضاء ، وإن أفاق في جزء منه أيا كان فصومه صحيح ولا قضاء عليه.
وبناء على ذلك فإن التخدير لا يوجب قضاء اليوم الذي خدر فيه المريض، سواء استغرق كامل اليوم أو لم يستغرق ، ما دام قد بيت الصيام من الليل لذلك اليوم أو للشهر ما لم ينقطع الصيام لعذر.
التداوي بالحقن:
من وسائل معالجة المريض الحقن، وهو أنواع:
أ) حقن تحت الجلد. 2) حقن في العضلة.
3) حقن عبر الأوردة الدموية. 4) حقن عبر مفاصل العظام.
الحقن تحت الجلد والحقن في العضلة:
يقوم الجسم الحي بامتصاص ما يرد عليه من الأدوية بواسطة الحقن تحت الجلد أو في العضلة ليوزعه على الجسد ، فهو تشرب يضاهي تشرب مسام الجلد للمراهم وغيرها.
ولذا فإن الذي يترجح عندي، والله أعلم، أن هذا النوع لا يؤثر في الصيام ، ومثل ذلك الحقن بين المفاصل لتغذية المفصل.
الحقن عبر الأوردة الدموية:
الحقن عبر الأوردة الدموية إما أن يكون دواء لا ينتفع منه المريض إلا في التغلب على أسقامه أو تخفيف أوجاعه ، وإما أن يكون غذاء يعطي للجسم السعرات الحرارية التي كان يحصل عليها بواسطة الغذاء ، وتروي الجسم بما هو بحاجة إليه من الماء.
أما القسم الثاني فإذا اعتمدنا رأي من يرى أن الصيام عبادة غير معقولة المعنى تعبدية خالصة ، فإنه يقتصر على ما وصل إلى الجسم عبر القنوات المعتادة ، ومن ربط وريده بمحلول (الغلوكوز) - السكريات - لا يقال له إنه أكل أو شرب ، والآية نص في منع الأكل والشرب والشهوة الجنسية {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} . ولذا فإن الصائم لا يتأثر صومه بذلك ولا قضاء عليه.
ومن رأى أن الصيام معقول المعنى، وأنه تحكيم للإرادة في مغالبة شهوتي البطن والفرج، وأن الصيام يضعف غلمة الإنسان وقوته الغضبية، وهما مجاري الشيطان ، فلما كان هذا النوع من الحقن يعطي للجسم كل وحداته الحرارية ويحدث فيه التوازن لمتطلباته من الماء، حتى أن الإنسان إذا التهب كبده ظمأ فحقن بهذه المحلولات ذهب عطشه وروي. من رأى أن الصيام معقول المعنى حصل له ظن قوي بالإفطار، وإن كان هذا الإفطار لا يبلغ في صورته مبلغ التغذي من الفم إلا أنه يقاربه ، ولذلك كان العامد الصحيح يجب عليه القضاء فيه مع حرمة إقدامه على ما أقدم عليه.
أما التغذي من المنافذ المعتادة ففيه مع ذلك الكفارة.
ولذا فالقضاء واجب على من ربط وريده بهذه المحلولات.
أما السابور الذي يبعثه الفريق الطبي عبر الوريد الدموي من أحد أمكنة الجسم المناسبة لفتح انسداد في معابر الدم من القلب أو الأوردة فإنه غير مؤثر في الصوم.
ويجري مجرى إدخال السابور تفريغ دم المريض عبر الأجهزة لتصفيته عند وجود قصور في الكليتين للقيام بوظائفهما.
هذا ما حصلته والله أعلم وأحكم، وهو حسبي ونعم الوكيل، نعم المكول ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *
التعقيب
الدكتور حسان شمسي باشا:
بسم الله الرحمن الرحيم
الصوم شرعًا - كما نعلم جميعًا - هو الامتناع الفعلي عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية.
المشكلة في الواقع بالنسبة للصيام هي تحديد معنى الجوف ، هل المقصود الجوف هو الجهاز الهضمي، وهو موضع الطعام والشراب، أم أنه غير ذلك؟
هناك بعض الالتباسات التي وردت في بعض كتب الفقه القديمة، بلا شك الفقهاء القدامى معذورون، فلم يكن هناك علم تشريح واضح بمعنى الوضوح مثل الآن ، أود أن أطرح أو أن أعرض هذه الالتباسات التي وردت، منها: أن البلغم أو ما يسمى النخامة هي إفرازات تنزل من الجيوب الأنفية ، أو تصعد من القصبات الرئوية وليست من الدماغ، هذه حقيقة علمية واضحة.
هنا مقطع يبين الجيوب الأنفية، هذه الجيوب تصب على الأنف من خلال فوهات في الجيب، وهي التي تخرج منها هذه السوائل أو ربما خرج البلغم أو صعد من القصبات الرئوية إلى الأنف ومن ثَم إلى الخارج.
أود أن أشير إلى نقطة هامة وهي أن الدماغ ليست له أي علاقة بالجوف الهضمي لا من قريب أو من بعيد وليس فيه أي اتصال، وهناك في الواقع سائل دماغي شوكي يحيط بالدماغ من كل جانب كما يحيط بالنخاع الشوكي الذي ينزل إلى أسفل الظهر ، هذا السائل الدماغي الشوكي يمكن - كما ذكر سابقًا - أن ينزل إلى جوف الأنف فقط في حالة واحدة وهي الكسر في قاعدة الدماغ. لو كسر هذا العظم هنا أو كسر العظم في أسفل، أي من الخلف، أيضًا يمكن أن ينزل هذا السائل إلى الأنف أو ربما خرج إلى الأذن.
فالآمة أو المأمومة، الجرح الذي وصل إلى خريطة الدماغ، وهي ما يسمى في الطب الحديث (الأم الجافية) هذه الأم الجافية التي تحيط بالدماغ من كل جانب، فدخول أي طعنة إلى الدماغ ليست واصلة إلى الجهاز الهضمي لا من قريب ولا من بعيد.
النقطة الأخرى هي الجائفة: وهي الطعنة التي تدخل في جوف البرتوان، هذا هو الغشاء البرتواني أو ما يسمى بـ (البرتوان) الذي يغلف الأمعاء الدقيقة، فدخول أي طعنة إلى هذا الجوف إذا لم تصل إلى المعدة أو إلى الأمعاء الدقيقة فلا تعتبر من الناحية الطبية منفذًا إلى الجوف.
أنتقل الآن إلى الإحليل والمثانة ، والمثانة - كما تعلمون - جوف كيسي ، هذه هي البروستات تنزل عقب الإحليل إلى القضيب، جوف المثانة لا علاقة له - كما تعلمون - بجهاز الهضم. هذا هو القولون النازل ويتصل بفتحة الشرج، فدخول أي شيء عن طريق الإحليل وحتى لو وصل إلى المثانة ليست له أي علاقة بالجهاز الهضمي. فما يدخل إلى الجهاز البولي من دواء أو قثطرة أو منظار أو سائل في الإحليل في الذكر أو الأنثى وإيصاله إلى المثانة لا علاقة له بالجهاز الهضمي.
الأمر نفسه ينطبق على الرحم ، هذا مقطع في الرحم وهذا هو المهبل، فدخول أي شيء إلى المهبل أو حتى دخول أي مسبار أو منظار أو أي شيء إلى الرحم لا علاقة له بالجهاز الهضمي. هذا يبين لنا القولون النازل وفتحة الشرج. فإذن ليس هناك أي ارتباط بين المهبل أو جوف الرحم والجهاز الهضمي. فما يدخل عن طريق الجهاز التناسلي للمرأة من تحاميل (لبوسات مهبلية) أو غسيل مهبل أو إدخال منظار أو لولب، كلها من الناحية الطبية، أقول: غير مفطرة، والأمر بالطبع متروك للسادة الفقهاء، فهم الذين يقررون ما هو الصواب.
نأتي الآن إلى الجلد ، في داخل الجلد هناك أوعية دموية، فما يوضع على الجلد - سطح الجلد - من مروخات أو أدهان أو لصاقة تمتص عن طريق الشعيرات الدموية إلى الدم، ولكن امتصاصها بطيء جدًّا ومع ذلك فهي تدخل إلى الدورة الدموية ، وما يصل إلى الجسم عبر الجلد من طلاءات أو لصاقات توضع على الجلد؛ التي توضع على المرضى المصابين بالذبحة الصدرية أو غير ذلك، يتم امتصاصها عبر الجلد، والحقن أيضًا التي تحقن في الجلد أو تحت الجلد، كما في حقن الأنسولين مثلًا أيضًا تدخل عن طريق الدم، لكن ليس لها أية علاقة بالجهاز الهضمي. أما الحقن تحت الجلد التي تحدث القيء مثل حقن (أبومورفين) التي تستعمل في علاج المرضى الذين أدخلوا لتسمم دوائي فهذه الحقن تحت الجلد حكمها في ذلك حكم التقيؤ عمدًا. أما ما يصل إلى الجسم عبر الأوردة والشرايين كالحقن الوريدية للتداوي أو التشخيص، أو إدخال قثطرة أنبوب دقيق عبر الأوردة أو الشرايين للوصول إلى القلب أو لتصوير شرايين القلب أو حجره، فهذه أيضًا لا تدخل في ضمن المفطرات، وينطبق على ذلك أيضًا نقل الدم ومشتقاته عبر الأوردة.
نتكلم الآن عن موضوع الغسيل الكلوي الدموي ، فإذا تم الغسيل الكلوي الدموي كما في هذه الحالة دون إعطاء المريض أية سوائل مغذية فليس هناك مدعاة للإفطار، لكن في كثير من الحالات أثناء إجراء الغسيل الكلوي يمكن إعطاء المريض بعض السوائل المغذية من سينومات سكرية.
أما غسيل الكلى البرتواني عن طريق الغشاء البرتواني فتحدث فتحة في داخل البطن، ويدخل عن طريقها لتران من السوائل، ثم تبقى فترة ثم تسحب مرة أخرى وتكرر هذه العملية. هذه العملية يتم عبرها تبادل المواد الموجودة في الدم، وقد يمتص بعض السوائل الداخلة من هذه الفتحة أو من جوف البرتوان إلى الدورة الدموية.
نعود إلى موضوع الجهاز الهضمي، فهل الجهاز الهضمي هو كل ما يلي الحلق حتى الشرج، أم أنه مقتصر فقط على البلعوم والمريء والمعدة؟ لا بد هنا من تفصيل أو إيضاح ما نقصده بالبلعوم ، فالبلعوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: البلعوم الأنفي وهو ما يلي الأنف، ثم البلعوم الفموي وهو الذي خلف اللسان مباشرة، ثم البلعوم الحنجري الذي يلي لسان المزمار.
أود أن أنبه إلى نقطة مهمة وهي أن ما نتذوقه من طعام عادة يشعر به عبر الحليمات الذوقية على اللسان ، فالطعام الحلو يذاق في مقدمة اللسان والمالح على جانبه ، أما الطعام المر أو ذو الطعم المر فيذاق في مؤخرة اللسان.
نعود إلى البلعوم الأنفي - كما ذكرنا - وهو الذي تصل إليه إفرازات الأنف والجيوب الأنفية وما يوضع في الأنف من دواء أو بخاخ، كما يصل إليه عن طريق الأنف إفرازات الدموع والأدوية التي توضع في العين. أما البلعوم الفموي وهو خلف الفم مباشرة وعن طريقه يتم ازدراد الغذاء والشراب والدواء وكل ما يدخل الفم ويتم بلعه.
البلعوم الحنجري يلي لسان المزمار الذي يقف أثناء التنفس فلا يدع الطعام يدخل إلى الجهاز التنفسي.
ما يدخل الجسم عبر الفم والحلق، كالغرغرة وبخاخ تقطير الفم تشبه في حكمها المضمضة.
خلع السن في رمضان: يتم خلع السن في رمضان - كما نعلم - بالتخدير بواسطة حقنة موضعية أو يتم التخدير بواسطة بخاخ في الفم، فإذا لم يبلع الدم أو الإفرازات التي تتجمع في الفم، فيبدو أن ذلك لا يسبب الإفطار، وكما نعلم فإن هناك عادة يقف مساعد إلى جانب طبيب الأسنان يسحب هذه السوائل من جوف الفم حتى لا تمتص إلى الداخل.
ننتقل الآن إلى الأذن، فكما تعلمون، فإن الأذن ترتبط عن طريق قناة أستاشيوس أو قناة أستاش بالبلعوم، لكن هناك غشاء الطبل، هذا الغشاء الذي يقف حاجزًا أمام دخول أية سوائل عبر الأذن إلى البلعوم ، إذا كان غشاء الطبل غير مثقوب فلا يدخل أي شيء من الأذن إلى البلعوم أو إلى الجهاز الهضمي ، فوضع عود في الأذن أو قطرة دواء في الأذن أو نقطة ما لا تصل الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى البلعوم إلا إذا كانت طبلة الأذن مثقوبة، وحتى ما يصل البلعوم منها فهو ضئيل جدًّا، وربما كان أقل مما يصل إلى البلعوم بعد المضمضة بدون مبالغة.
نأتي الآن إلى موضوع قطرة العين ، هذه هي الغدد الدمعية التي تصب الدمع في داخل جوف العين ، والعين - كما تعلمون - متصلة بقنوات صغيرة تصب في داخل الأنف ، فإذا ما يوضع في العين يمكن أن يصل إلى الأنف ويمكن أن يصل إلى البلعوم، ولكن هناك نقطة أساسية فنحن نعلم أن جوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة، وأطباء العين يصفون عادة قطرة توضع في جوف العين، لأنهم يعلمون أنه لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة، هذه القطرة لو تخيلنا حجمها فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع إلى 5 سم3 من السوائل، وكل سم3 يمثل خمس عشرة قطرة، فإذن القطرة الواحدة تمثل جزءًا من خمسة وسبعين جزءًا مما يوجد في الملعقة الصغيرة.
ننتقل الآن إلى موضوع آخر وهو ما يدخل من الشرج إلى الجهاز الهضمي، فكما نعلم فإن الجهاز الهضمي من أسفله أيضًا يمكن دخول السوائل ويمكن امتصاصها عبر القولون، ولكن لا يبتدأ عادة عن طريق الشرج إلا في حالات نادرة كما في بعض الحالات عند الأطفال، أما في المعتاد عند الكبار فلا يستخدم المستقيم أو الشرج لتغذية الإنسان في الوقت الحاضر.
ما يدخل إلى الدبر إذن من الحقن الشرجية سوائل يمكن أن تمتص من القولون، أما التحاميل الشرجية فهي تحتوي على مادة دوائية وليس فيها سوائل. المنظار الشرجي أو إصبع الطبيب أيضًا حكمها حكم دخول اللبوسات الشرجية.
وأود أن أطرح فكرة أساسية، وهي أن اللبوسات الشرجية تستعمل في كثير من الحالات في علاج صداع الشقيقة، والتي تصيب حوالي 10 % من الناس، مسكنات آلام المفاصل (أمراض المفاصل الروماتيزمية) وغيرها، الربو القصبي، واستعمال تحاميل (أمينوف) والتي هي مسكنات المغص البطني، خافضات الحرارة
…
إلى آخره.
هناك حوالي أربعمائة مليون مسلم يصومون كل عام، فإذا أخذنا فقط الشقيقة فإنها تصيب حوالي 10 % من المسلمين، أي حوالي أربعين مليونًا مسلمًا صائمًا، هذا إذا قلنا 10 % حتى إذا قلنا إنها ربع هؤلاء يبقى حوالي عشرة ملايين مسلم يمكن أن يصابوا بنوبة شقيقة في أحد أيام رمضان، وقد تحتاج إلى تحميلة شرجية.
التهاب المفاصل التنكسي أيضًا شائع جدًّا عند النساء فوق 65 سنة، 68 % منهن مصابات بالتهاب المفاصل التنكسي.
نأتي الآن إلى موضوع مناظير الجهاز الهضمي، فكما نعلم أن مناظير الجهاز الهضمي إما منظار يدخل عن طريق المعدة أو لتنظير المستقيم، وكلها تدخل إلى الجوف ولكنها ليست بالغذاء.
فمنظار المعدة، يدخل عبر الفم إلى البلعوم ثم إلى المريء ثم المعدة، وهناك إما أن يتم سحب قطعة صغيرة أو ينظر ويعلم ما في المعدة من قرحة أو ما إلى ذلك ، هناك أيضًا المناظير التي تدخل البطن، وهذا المنظار الذي يستخدم الآن في إجراء عمليات المرارة والفتق
…
إلخ ، من عمليات جراحية يتم إجراؤها عن طريق تنظير البطن، هذه أيضا لا علاقة لها بالجوف ولا تصل إلى موضع الطعام والشراب ما لم تدخل إلى المعدة أو إلى الأمعاء الدقيقة.
كذلك الأمر نفسه ينطبق على سحب سوائل من الجوف الذي بين الرئة والعضلات (عضلات الظهر) ، حيث إنه قد يتجمع سائل في الرئة ويضطر الطبيب إلى سحب عينة من هذا السائل من هذه المنطقة أيضًا، هذه ليست لها أية علاقة بالجهاز الهضمي.
فأخذ عينات أو خزعات من الأعضاء كالكبد والرئة والكلى أو أخذ شيء من السائل المحيط بالرئة، أو سائل البطن أو السائل الموجود حول الجنين كلها لا علاقة لها بالجهاز الهضمي.
بالنسبة لسحب الدم فسحب كمية قليلة من الدم لفحصه لا يؤثر على الجسم ولا يضعفه.
أما الأوكسجين فهو جهاز ليست فيه أية مواد تدخل إلى الجهاز التنفسي، ولكن في حالة التخدير فإن هناك مواد - كما تعلمون - كالهلوثين وغيره يمكن أن تدخل عن طريق هذا الجهاز إلى الرئتين.
في اعتقادي أنه ينبغي استبعاد موضوع التدخين من موضوع المفطرات كلية لأن التدخين داء وليس بدواء، وليس فيه شيء إطلاقًا من مظاهر التداوي.
في موضوع التخدير الكلي هناك غازات مستنشقة كـ (الإيليثي) و (الهلوثين) ويبدأ التخدير بإعطاء حقنة في الوريد من مادة منومة، ثم يدخل أنبوب إلى القصبة الهوائية وبالتالي تستمر عملية التخدير.
هناك أمران في التخدير الكلي وهما:
- مسألة فقدان الوعي.
- مسألة إعطاء السوائل المغذية بالوريد أثناء العملية الجراحية.
أما موضوع بخاخ الربو فالمريض الصائم قد يصاب فجأة بنوبة ربوية ويحتاج إلى بخة أو بختين من هذا البخاخ، فيأخذ هاتين البختين ثم يعود إلى ممارسة نشاطه العادي. فأود أن أضع بعض الملاحظات هنا:
هذه العبوة هنا تحتوي على 10 سم3 من السائل، ومصممة على إعطاء مئتي بخة عن طريق الفم، فالبخة الواحدة إذن تحتوي على جزء واحد من عشرين جزءًا من السم3، فإذن تحتوي على أقل من قطرة واحدة التي ذكرنا أنها تمثل جزءًا واحدًا من خمسة وسبعين جزءًا مما في ملعقة الشاي، وربما كان أقل مما يتخلف في الفم من المضمضة أو الاستنشاق. والكمية في الواقع بالرغم من أن هذا الرذاذ يدخل إلى الفم أو الأنف ومنها إلى البلعوم الفمي ثم إلى البلعوم الحنجري ومنه إلى الرغامي فالشعب الهوائية، إلا أن جزءًا قليلًا منه قد يتوضع على البلعوم ويدخل إلى المريء، فالكمية الداخلة إلى الجهاز الهضمي كمية قليلة جدًّا جدًّا.
وأود أن أشير إلى أن حدوث الربو القصبي يصيب حوالي 4 - 5 % من الناس أي أن هناك ستة عشر إلى عشرين مليون مسلم يمكن أن يحتاجوا إلى بخاخ الربو في رمضان.
والواقع أود أن أشير إلى نقطة وهي أن السواك في رمضان معلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستاك في رمضان، وهذا ثابت في السنة النبوية الشريفة، والسواك يحتوي على الأقل على ثمان مواد كيماوية، هذه المواد تتحلل في اللعاب وتؤثر على اللثة، أو تؤثر على الأسنان وعلى جوف الفم، فهذه المواد الكيماوية هي في الواقع علاج للأسنان واللثة، وهي مسموح بها - لا شك - في رمضان ، فمعظم المرضى في الواقع يصرون على الصيام، والمريض قادر على الصيام إذا ما أخذ الدواء ويعود إلى حياته العادية وإنتاجه، فهل نحرم هؤلاء المرضى من روحانية رمضان؟
لو سمح لي السيد الرئيس في دقيقتين أو ثلاث أشير إلى البحث الآخر الذي وضعته وهو الدليل الطبي للمريض في شهر الصيام، فكما ذكرت فإن كثيرًا من المرضى يستطيع الصيام دون أي تأثير يذكر على حالته الصحية إذا ما تناول علاجه بانتظام، وقد دلت الأبحاث الحديثة على أن عددًا من الأمراض لا يزيدها الصيام سوءًا، بل ربما تتحسن الحالة المرضية بالصيام، وهنا يواجه الطبيب موقفًا حرجًا عندما يسأله المريض فيما إذا كان يستطيع الصيام أم لا؟ هل يقول له: لا تصم فأنت مريض وقد أباح الله لك الإفطار؟ والطبيب في الوقت ذاته يعلم علم اليقين أن ذلك المريض يستطيع الصيام إذا ما تناول بخة في الأنف أو قطرة في العين أو تحميلة في الشرج.
مسؤولية كبيرة يشعر بها الطبيب المسلم حينما يأمر مريضه بعدم الصيام ويحرمه لذة الصوم في رمضان. ولو استعرضنا معًا الحالات المرضية التي ينبغي فيها الإفطار لوجدناها محدودة بالتأكيد، فكثير من مرضى الجهاز الهضمي ومنها القرحة يستطيع الصيام مثلًا ما لم تكن هناك أعراض حادة تمنعه من الصيام، أما المصابون بعسر الهضم فالصيام لهم علاج، ولو انتقلنا إلى أمراض القلب لوجدنا أن أكثر المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكنهم صيام رمضان، بل أن الصيام يمكن أن يخفف من وزنهم ويخفض ضغط الدم عندهم.
وفي فشل القلب إذا كانت حالة المريض مستقرة أمكنه الصيام، وكذلك الأمر بالنسبة للمصابين بالذبحة الصدرية إذا لم تكن لدى المريض أية أعراض ، وهناك حالات معينة من مرض القلب ينصح فيها بالإفطار كالمصابين بجلطة القلب (احتشاء العضلة القلبية) أو الذبحة الصدرية غير المستقرة أو فشل القلب غير المستقر، وهكذا. وحتى المصابين بأمراض الكلى يمكن للكثير منهم الصيام، شريطة متابعة العلاج والتأكد من قبل طبيب الكلى من إمكانية صومهم، وقد أثبتت دراسة حديثة أن مرضى السكر الذين يتناولون الأقراص الخافضة للسكر يمكنهم صيام رمضان مع إجراء بعض التعديلات في علاجهم.
وكذلك الأمر بالنسبة للمصابين بأمراض الغدة الدرقية والكظرية والأمراض العصبية كالصرع وغيره، إذا كانت حالة المريض مستقرة وتناول علاجه الذي وصفه له الطبيب.
أما الحامل فإن كانت سليمة البدن وكانت لا تشكو من أية أعراض وكان سير حملها طبيعيًا أمكنها الصيام أيضًا إذا رأى الطبيب ذلك. وكذلك تستطيع كثير من المرضعات الصيام إذا كانت حالاتهن مستقرة وكانت تغذية الرضيع جيدة.
ولهذا نجد الكثير من المرضى يصر - كما ذكرت - على الصيام ويطلب من طبيبه السماح له بذلك، وهذا يقودنا إلى الموضوع الأساسي وهو المفطرات، فكثير من المرضى يستطيع الصيام إذا ما تناول علاجه بانتظام، فقد يحتاج مريض الربو إلى بخة أو بختين من بخاخ الربو، أو مريض الذبحة الصدرية إلى حبة يضعها تحت اللسان، أو مريض الشقيقة أو المصاب بروماتيزم إلى تحميلة شرجية، أو المصاب بالتهاب العين إلى قطرة في العين وهكذا ، فهل نطلب من هؤلاء ألا يصوموا كي يتناولوا تلك القطرة أو التحميلة أو البخاخ؟
هذا ما رأيته في هذه العجالة، فإن أصبت فلله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمن نفسي، وأستغفر الله العظيم ، والأمر متروك أولًا وأخيرًا لسادتنا الفقهاء يقررون ما هو الصواب. والحمد لله رب العالمين.
الرئيس:
شكرًا، أستاذ حسان، أحسنتم كل الإحسان حينما ركزتم على مفهوم الجوف؛ لأن أكثر هذه القضايا الطبية ركزتموها على مفهوم الجوف على أنه موضع الجهاز الهضمي، وإلا فإنه يمسح كثيرًا من الأحكام الفقهية. هذا أولًا.
ثانيًا: أحب أن أسأل سؤالًا في قضية النخامة، هل بالإجماع الطبي أنها لا تكون من الرأس؟
الدكتور حسان:
نعم بالإجماع الطبي لا شك في ذلك، وهي مفرزات تأتي من الجيوب أو تأتي من الرئتين ، لا يخرج من الدماغ أو يدخل من الدماغ إلى الأنف أي شيء إن كان سائلًا.
الرئيس:
لأن الفقهاء فرقوا بين أن تكون النخامة من الدماغ أو أن تكون من الجوف.
الدكتور حسان:
ليس هناك أي اتصال بين الدماغ والأنف ما لم يكن ثقب.
الرئيس:
قضية إذا كان في الأذن ثقب وقطر فيها ودخل كأنكم قررتم بأنه يفطر، كيف تكون إفطارا وهي لا علاقة لها بالجهاز الهضمي؟
الدكتور حسان:
هي تدخل إلى البلعوم بلا شك.
الرئيس:
يدخل الطعم أو قوة النفوذ. جزاكم الله خيرًا.
الدكتور محمد علي البار:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أصحاب الفضيلة والسماحة ،
لقد كفاني أخي وزميلي الدكتور حسان شمسي باشا معاودة تعريف بعض النقاط المتصلة بالجوف، لأنه هو محك الاختلاف في تفسير ما يصل إلى الجوف أو ما لا يصل إلى الجوف، وهذه المشكلات كلها تثير بعض المشاكل للعامة خاصة؛ لأن الفتاوى التي تأتيهم من أصحاب الفضيلة تكون غالبًا مختلفة تمام الاختلاف من فقيه إلى آخر، وقد أحسن المجمع الفقهي صنعًا بإدراج هذه القضية للبحث في هذه الدورة.
تعريف الجوف لغة:
يطلق الجوف في اللغة على كل شيء مجوف، وجوف الإنسان بطنه. والأجوفان: البطن والفرج. والجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف. وفي الحديث الشريف: " في الجائفة ثلث الدية ". أجافه الطعنة وبها: أصاب بها جوفه. والجوف من كل شيء باطنه الذي يقبل الشغل والفراغ.
وتحدث الفقهاء عن الجوف كثيرًا ووسعوا دائرة الجوف، ومنهم من وسعها كثيرًا، ومنهم من ضيقها نسبيًا.
عند الأحناف: الجائفة هي التي بلغت الجوف أو نفذته. ولا تكون الجائفة في العنق والحلق والفخذ والرجل، وهي تختص بجوف البطن أو جوف الرأس.
وعند الشافعية: الجائفة جرح ينفذ لجوف باطن محيل للغذاء أو الدواء (أي الجهاز الهضمي) أو طريق للمحيل.
حقيقة أن كلام الفقهاء في موضوع الجوف فيه اختلاف وفيه عدم دقة.
لأنهم اعتبروا ناحية اللغة، واللغة واسعة فيه، كل شيء مجوف في الإنسان يمكن أن يطلق عليه جوف.
فالجوف في جسم الإنسان تجاويف عدة، فهي لا تقتصر على التجويف البطني الذي يطلق عليه في العادة لفظ الجوف، فهناك التجويف الصدري وهو مغطى بالغشاء البلوري ويحوي الرئتين، وفي القلب ذاته أربعة تجاويف.
وفي عظام الوجه تجاويف عدة تعرف بالجيوب الأنفية، وهي ترخم الصوت وتخفف من وزن الرأس، ولها إفرازات هي التي تصل إلى البلعوم الأنفي. وهو نفس الكلام الذي قاله أخي الدكتور حسان شمسي باشا، هذا الكلام القديم أنه ينزل من الدماغ كان قال به الرازي وابن سينا، ولكنه لا يصح من الناحية الطبية اليوم. وهذه الإفرازات التي يظنونها تأتي من الدماغ هي تأتي من الجيوب الأنفية ، وتحدثوا عن الإفرازات التي تأتي من الجهاز التنفسي من الرئتين وغيرهما وهو صواب.
وتحدث الفقهاء بناء على ما ذكره لهم الأطباء في ذلك الزمان، تحدثوا عن النخامة واعتقدوا أنها من الدماغ، فبنوا على ذلك الأحكام، وهذه الأحكام غير صحيحة.
وفي الجمجمة تجويف يشغله الدماغ - وقد رأيتم صورته - وسائل المخ - شوكي الذي يدور حوله - قد شرحت هذا السائل - ولا يصل شيء لا من الدماغ ولا من السائل إلى الجهاز الهضمي على الإطلاق إلا إذا انكسر قاع الجمجمة نفسها مثل ما وضح أخي الدكتور حسان، وهي شيء خطير جدًّا يحدث في بعض الحوادث الشديدة، فقد يصل شيء من هذا السائل إلى الأنف وبالتالي يصل إلى البلعوم، ومنه يمكن أن يصل إلى الجهاز الهضمي، وهذه في حد ذاتها حالة خطيرة جدًّا.
أما تجاويف الفرج والقبل وغيرها وتجاويف المثانة فليس لها أي علاقة على الإطلاق بالجهاز الهضمي.
فإذًا نقص الكلام على تجويف البطن ، البطن كلها تعتبر جوفًا. وتجويف البطن هو الجزء الذي ينحصر بين عضلة الحجاب الحاجز من أعلى، وبين الحاجب الحوضي من أسفل.
وينقسم تجويف البطن إلى جزئين رئيسيين هما: تجويف البطن الحقيقي ، وهو الجزء الأكبر ، ويقع أعلى الجزء السفلي المعروف بتجويف الحوض، والثاني هو تجويف الحوض ، ويحتوي التجويف البطني على أعضاء مختلفة من الجهاز الهضمي والجهاز البولي وأوعية دموية وغدد صماء وغير صماء، وأعصاب وغدد لمفاوية وطحال ، وتعتبر الكبد والبنكرياس من امتدادات الجهاز الهضمي، حيث تنمو من الأنبوب الهضمي في الجنين ، يحتوي تجويف الحوض على أجزاء من الجهاز البولي بالنسبة للرجل والمرأة وهو الجهاز التناسلي أيضًا بالنسبة للمرأة بصورة خاصة ، وهناك صور توضح هذا.
والجهاز الهضمي من أوله إلى آخره أنبوب مجوف إلا أنه يضيق في مواضع مثل المريء ويتسع في مواضع مثل المعدة، وهو على الحقيقة الجوف المقصود في الصيام، إذ هو موضع الطعام والشراب، وعليه كل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزًا الفم والبلعوم يكون سببًا للإفطار ومفسدًا للصيام وذلك في نهار رمضان (أو نهار الصيام إذا كان من غير رمضان) ولا بد أن يكون الشخص عامدًا، فالناسي ليس مفطرًا ، وإنما أطعمه الله وسقاه كما جاء في الحديث الشريف. ولا يشترط أن يكون ما دخل الجوف طعامًا أو شرابًا فقط وإنما يدخل في ذلك الدواء بل والدخان.
وهناك خلاف بين الفقهاء حول الدخان (المقصود أي دخان) ولا بد من إدخاله عمدًا وتجاوزه الفم إلى البلعوم (الحلق) وقد يصل إلى الحلق (أي البلعوم) عن طريق الأنف بواسطة صلة البلعوم الأنفي بالبلعوم، فكل ما دخل إلى الأنف من السوائل وغيرها ووصل إلى الحلق (البلعوم) وابتلعه الإنسان يعتبر مفسدًا للصيام عند جمهور الفقهاء. ومن المعلوم أن هناك قناة ما بين العين والأنف، فإذا وضع الإنسان قطرة في عينيه فإنها تصل إلى الأنف، ومن الأنف قد تصل إلى البلعوم، ولذا اعتبرها كثير من الفقهاء مسببة للإفطار ومفسدة للصيام.
طبعًا الكمية التي تصل هي كمية ضئيلة كما ذكر الدكتور حسان، ولكن قد يواصل الإنسان وضع القطرات فتتجمع هذه القطرات على مدى اليوم إذا سمحنا له بذلك، وهناك فتحة في الأذن الوسطى وتتصل بقناة إستاكيوس التي تصل إلى البلعوم، وتعرف بالقناة البلعومية السمعية، ولكن الأذن الخارجية (وتشمل الصيوان وقناة السمع الخارجية) تفصلها عن الأذن الوسطى الطبلة وهي غشاء جلدي ، ولهذا فإن إفرازات الأذن الخارجية أو وضع قطرات من الدواء ، أو الماء أو أي سائل في الأذن الخارجية لا تصل إلى الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى القناة السمعية البلعومية إلا إذا كانت طبلة الأذن مخروقة.
وفي الحالات العادية فإن وضع عود في الأذن أو وضع قطرة دواء في الأذن أو نقطة من ماء فإنها لا تصل إلى الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى البلعوم إلا عن طريق المسام الموجودة في الطبلة، وبما أن الطبلة تشبه الجلد فتأخذ حكمه.
البلعوم: هو جزء القناة الهضمية الذي يلي تجويف الفم وهو عبارة عن قناة عضلية (تجويف) غشائية مخاطية، يبلغ طولها 14 سنتمترًا، تمتد أمام الفقرات العنقية الست العليا، وتنشأ أكثرعضلاتها من قاعدة الجمجمة.
وينقسم تجويف البلعوم إلى ثلاثة أجزاء:
(الأول) الجزء العلوي: خلف تجويف الأنف، ويعرف بالبلعوم الأنفي وهو الذي تصل إليه إفرازات الأنف والجيوب الأنفية، وما يوضع في الأنف من دواء أو بخاخ أو دخان، كما يصل إليه عن طريق الأنف إفرازات الدموع من العين والأدوية التي توضع في العين ، وتقع فيه فتحتا الأنف الخلفيتين وفتحتا القناة البلعومية.
(الثاني) الجزء المتوسط: وهو خلف الفم مباشرة، ويعرف بالبلعوم الفمي، وعن طريقه يتم ازدراد الغذاء والشراب والدواء وكل ما يدخل الفم ويتم بلعه ، وفي هذا الجزء تقع اللهاة واللوزتان الحنكيتان، وتتوسط اللهاة بين البلعوم الأنفي والبلعوم الفمي.
(الثالث) الجزء السفلي: ويعرف باسم البلعوم الحنجري، ويقع خلف الحنجرة وفيه تقع فتحتها، والحبال الصوتية الحقيقية والكاذبة. ويغطيه لسان المزمار عند البلع؛ حتى لا ينساب الطعام والشراب إلى الحنجرة فيحدث الشرق والغصة.
وهناك تفصيل للبلع والازدراد وكيف يمر الطعام، وفيه الصور واضحة كما ترونها في البحث حتى لا نأخذ الوقت ، فإذا ازدرد الإنسان الطعام أو بلع شيئًا وصل إلى البلعوم الفمي ومنه يصل إلى المريء.
أما المثانة فهي عبارة عن عضو عضلي أجوف، وهي كيس لخزن البول الذي تفرزه الكليتان ، وينزل منها عبر الحالبين، وتقع المثانة في الحوض الحقيقي، ولاعلاقة لها بالجهاز الهضمي على الإطلاق.
والأوعية الدموية واللمفاوية: كلها مجوفة ويجري فيها الدم أو اللمف. واختلف الفقهاء في الحجامة والفصد، فقال بعضهم أنها مفسدة للصيام لقوله صلى الله عليه وسلم:((أفطر الحاجم والمحجوم)) ، ومال آخرون إلى أن الحجامة ليست سببًا للإفطار وإفساد الصيام، لأنه احتجم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صائم.
وأما إدخال الدواء إلى الأوعية الدموية فقد أفتى معظم العلماء في العصر الحديث بأنه ليس سببًا للإفطار وإفساد الصيام، ومن باب أولى الزرق (الحقن) في العضل وتحت الجلد.
وأما إدخال المحاليل والسوائل (مثل محلول الملح ومحلول الغلوكوز وهو نوع من السكر والمغذيات الأخرى) فقد كرهها الفقهاء المعاصرون، ورأى كثير منهم أنها تفسد الصيام.
فإذا ناقشنا هذه النقاط الأساسية لا داعي للدخولى في محاولاتي أنا؛ في محاولة فهم أقوال الفقهاء لأنها طبعًا مذكورة للعامة وليس للفقهاء، فالفقهاء يعرفون أكثر من ذلك.
مناقشة المفطرات في مجال التداوي:
ضابط المفطرات مما يصل إلى الجوف
بما أن الصيام إنما هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع، فإنه يتبين من ذلك أن المقصود هو الامتناع عن شهوتي البطن والفرج، وعليه فإن الجوف لا يعدو الجهاز الهضمي متى تجاوز الفم ووصل إلى البلعوم (يسميه الفقهاء الحلق) وبالتالي فإن وصول الطعام والشراب عمدًا إلى البلعوم ومنه إلى المريء فالمعدة سبب مجمع عليه في إفساد الصيام وتسبب الفطر، إذا كان ذلك في النهار من الفجر إلى غروب الشمس، ويتفق الفقهاء على أن تعاطي الدواء أو أي شيء آخر عن طريق الفم متى وصل إلى البلعوم ومن ثم إلى المريء فالمعدة عمدًا في نهار الصيام يؤدي إلى إفطار الصائم وإفساد صومه.
ويمكننا أن نقسم قائمة المفطر ات في مجال التداوي إلى الأقسام التالية:
1 -
ما يدخل الجسم عن طريق الجهاز التنفسي: مثل البخاخ للربو وما يستنشق من الأدوية، وتدخين بعض المواد ويؤخذ بخارها مثل صبغة الجاوي وغيرها، توضع في ماء مغلي فيختلط بخار الماء مع الدواء ويستنشقه الإنسان، أو غيره من الأدوية، وتدخين السجائر والشيشة والنشوق (السعوط) ، وهذه كلها إما سوائل وفيها مواد عالقة وتدخل إلى الفم أو الأنف وتستنشق، ومنها إلى البلعوم (الفمي أو الأنفي) ومن البلعوم إلى المريء فالمعدة. كما يذهب جزء آخر من البلعوم الفموي إلى البلعوم الحنجري، ومنه إلى الرغامي فالشعب الهوائية فالرئتين ، وقد أسلفنا القول في أن هذه المواد تدخل إلى الجوف الذي حددناه بالجهاز الهضمي.
ولا شك أن من تعقد إدخال هذه المواد إلى فمه أو أنفه ومنها إلى بلعومه ومعدته يكون مفسدًا لصومه متى فعل ذلك في نهار الصيام.
وإن كنت أتفق مع أخي الدكتور حسان شمسي باشا في أن الكمية التي يستخدمها مريض الربو تكون كمية ضئيلة، لكنها لا شك أنها تصل، وهناك وسائل أخرى قد تكون أيضًا سوائل توضع في قربة صغيرة ليستنشق منها المريض يعني أنها أكثر من البخاخ، وتكون فيها كمية من السوائل وكمية من الدواء أكثر مما هو في البخاخ لوحده. تحديد الكمية لا أدري إن كان له دور في هذا، أو أن العمدة في ذلك أنه يصل إلى الجوف.
وأما الأوكسجين الذي يعطى لبعض المرضى فهو هواء، وليس فيه مواد عالقة لا مغذية ولا غيرها، ويذهب أغلبه إلى الجهاز التنفسي، وتنفس الهواء كما هو معلوم ضروري لحياة الإنسان، ولم يقل أحد قط أن استنشاق الهواء مفطر للصيام.
وأما التخدير الكلي فإنه غازات مستنشقة مثل الأثير وغيره، وعادة ما يبدأ التخدير الكلي بحقنة في الوريد من عقار الباربيتورات السريع المفعول جدًّا، فينام الإنسان في ثوان معدودة، ثم يتم إدخال أنبوب مباشر إلى القصبة الهوائية عبر الأنف ويتم إجراء التنفس بواسطة الآلة، وبواسطتها أيضًا يتم إدخال الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي فقدانًا تامًا ، وهذه كلها لا علاقة لها بالجهاز الهضمي وبالتالي ليست مفسدة للصيام ، ويبقى في الموضوع مدة الإغماء وفقدان الوعي، وهي في ذاتها قد تكون مسببة للإفطار، ثم يبقى بعدها موضوع إعطاء المريض السوائل (المغذية) بواسطة الزرق في الوريد ، وهي كما يرى كثير من الفقهاء مسببة للإفطار.
2 -
ما يدخل الجسم عبر الفم والحلق: ومن ذلك الغرغرة وبخاخ تعطير الفم، وهذه تشبه المضمضة فإن بالغ الشخص أو زاد عن الثلاث ووصل الماء إلى الجوف فإنها لا شك تسبب الإفطار.
وكذلك السؤال عن قلع السن في نهار رمضان، ويستخدم الطبيب البنج (التخدير) الموضعي، فإن كان التخدير بحقنة (إبرة) موضعية فلا بأس، وإن كان بواسطة بخاخ عاد الحكم إلى ما سبق أن ذكرناه من وصول مواده إلى الحلق والبلعوم والمريء والمعدة. ثم إن الدم أو الإفرازات التي تتجمع في الفم في عملية قلع السن أو أي عملية أخرى في الفم إن ابتلعها المريض عامدًا أفطر، وإن انسابت دون إرادته فلا شيء عليه، لما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم:((من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه)) وفي رواية الدارقطني: ((إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه)) .
3 -
ما يدخل إلى الدبر: وهو الحقنة الشرجية ومنظار الشرج وإصبع الطبيب والفرزجات (اللبوس) ، والدبر متصل بالمستقيم، والمستقيم متصل بالقولون وهو المعي الغليظ، يبدأ بالقولون السيني ثم القولون النازل ثم القولون المعترض ثم القولون الصاعد ثم الأعور، ومنه إلى الأمعاء الدقيقة ، ويمكن امتصاص الدواء أو السوائل منها، وهي جزء من تعريفنا للجوف وهو الجهاز الهضمي، وعليه فيبدو - والله أعلم - أنها سبب لإفساد الصيام وإفطار المريض.
4-
ما يدخل عن طريق الجهاز التناسلي للمرأة: وفيه المهبل وهو الذي يطلق عليه الفرج والقبل، وقد أسلفنا القول أنه ليس بالتجويف على الحقيقة بل الجداران الأمامي والخلفي ملتصقان، ولكنهما مرنان فيسمحان بدخول الذكر أو نزول الجنين أو الدم، أو إدخال منظار أو إصبع أو فرزجة، ويمكن امتصاص الدواء من المهبل، وتستخدم بعض الأدوية لهذا الغرض بواسطة الفرزجات (اللبوس، التحاميل) أو بواسطة ما يسمى دوش مهبلي (غسيل المهبل)
…
إلخ. ولولا أن المهبل هو مكان الجماع، وإدخال الحشفة فيه مسبب للإفطار بالجماع (إذا كان ذلك عمدًا في نهار الصيام) ، فإنه من اليسير القول بأن المهبل ليس الجوف المراد في موضوع الصيام ولا علاقة له بالجهاز الهضمي.
5 -
وكذلك ما يدخل إلى الجهاز البولي، وهو بعيد كل البعد عن الجهاز الهضمي.
6 -
وما يصل عبر الأذن إذا كانت الأذن ليست مخرومة الطبلة فإنه لا يصل إلى الجوف.
7 -
تنظير البطن: من الجدار الخارجي للبطن عبر جهاز التنظير، ويتم ذلك لإجراء التشخيص للأمراض وإجراء العمليات الجراحية، ولسحب البييضات في عملية التلقيح الصناعي (طفل الأنبوب) ، وغيرها من الأغراض. وهذه كلها لا تعتبر الجوف الذي حددناه بالجهاز الهضمي.
أما المناظير المختصة بالجهاز الهضمي سواء كانت من أعلى (أي الفم وتصل إلى المعدة) أو من أسفل (أي من الدبر وتصل إلى الأمعاء) فإنها كلها مواد تدخل إلى الجوف، وإن كانت لا علاقة لها بالغذاء. طبعًا تغطى بمادة دهنية ويلصق منها جزء في الجهاز الهضمي ، وفي معظم الأحوال تقتصرعلى التشخيص فقط، ونادرًا ما يتم عبرها حقن دواء للدوالي وغيرها.
وعليه فإن حكمها سيأخذ حكم ما تم إدخاله عبر الفم أو عبر الشرج (الدبر) وفي ظني أنها سبب للإفطار، والله أعلم.
8 -
أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء: الباطنة مثل الكبد أو الرئة أو الكلى أو أخذ شيء من السائل الموجود في الغشاء البلوري المحيط بالرئة، أو الغشاء البريتوني المحيط بأحشاء البطن في حالة الاستسقاء، أو السائل الموجود حول الجنين وهو السائل الأمنوسي (الرهل) فكلها كما يبدو لا علاقة لها بالجهاز الهضمي الذي قلنا إنه المقصود بالجوف في حالة الصيام.
9 -
إجراء غسيل الكلى البريتوني: وفي هذه الحالة يتم إدخال لترات من السوائل إلى الغشاء البريتوني وإبقاؤها فترة ثم سحبها مرة أخرى، ثم إعادة العملية ذاتها مرات عديدة ، وفي هذه الحالة يتم تبادل المواد الموجودة في الدم عبر البريتون، ويبدو لي (والله أعلم) أن هذا كله لا علاقة له بالجهاز الهضمي، ولكن يتم بها امتصاص بعض المواد الموجودة في الغلوكوز وغيره.
10 -
ما قد يصل إلى الجسم عبر الجلد: مثل الأدهان والمروخات والطلاءات، ويتم امتصاصها عبر الجلد، كما انتشر في الآونة الأخيرة وضع الدواء على لصقة توضع على الجلد ويتشربها الجلد وتمتص منه. وكذلك الحقن (الزرق) في الجلد وتحت الجلد وفي العضلات.
وسواء كانت للعلاج أو التشخيص أو الوقاية مثل التطعيم ضد الأمراض المعدية أو التخدير الموضعي فإنها كلها ليست سببًا للإفطار وإفساد الصيام لأنها لا علاقة لها بالجهاز الهضمي.
وأما إعطاء الإبر (الزرق، الحقن) تحت الجلد بمادة تعرف باسم الأبومورفين أو غيرها لإحداث القيء (في حالات التسمم) فإنها ربما دخلت في موضوع القيء عمدًا (الاستقاء) وهو كما مر معنا سبب للإفطار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من ذرعه القيء وهو صائم فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض)) .
11 -
ما قد يصل إلى الجسم عبر الأوعية الدموية، مثل الأوردة والشرايين: ومثالها الزرق (الحقن) الوريدية وسواء كانت عقاقير للتداوي أو للتشخيص بمواد ملونة كما يمكن إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) عبر الأوردة أو عبر الشرايين وتصل إلى القلب مباشرة لتصوير شرايين القلب أو مداواتها. ويمكن نقل الدم أو مشتقاته عبر الأوردة، كما يمكن سحبه منها، ويمكن إجراء الغسيل الكلوي الدموي (الإنفاذ الدموي) عبر أوردة متصلة بالشرايين.
ويمكن كذلك إعطاء سوائل مغذية بواسطة الحقن (الزرق) بالوريد حيث تسرب هذه المحاليل.
وكل هذه الوسائل يبدو أن لا علاقة لها بالجهاز الهضمي، وأفتى كثير من أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء بعدم كونها سببًا للإفطار ما عدا المغذيات التي أفتى أغلبهم بأنها سبب للإفطار.
وهذه الأوردة والشرايين رغم أنها مجوفة إلا أنها لا تدخل في تعريف الجوف المخصوص والمقصود بالصيام وهو الجهاز الهضمي.
12 -
سحب الدم والحجامة والفصد: لا يزال طبعًا يتم سحب الدم وهو شبيه بالفصد ، ذكر أكثر العلماء القدماء والمحدثين بأن ذلك كله لا يسبب الإفطار، وأن في الحجامة كلام مختلف فيه بناء على قوله صلى الله عليه وسلم:((أفطر الحاجم والمحجوم)) ، وهل هذا الحديث منسوخ أو ناسخ لحديث أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم
…
وقد كره العلماء الحجامة والفصد في نهار رمضان لأنها تضعف الجسم ، أما سحب كمية قليلة من الدم لفحصه فلا يؤثر على ذلك.
أرجو أن أكون قد استوفيت الرد على النقاط المذكورة في رسالة الأمانة العامة للمجمع الفقهي الموقر حول المفطرات في مجال التداوي من الناحية الطبية، مع بعض الإشارات من الناحية الفقهية المتعلقة بها، فإن أصبت فبفضل من الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه من خطأ عمد أو سهو. {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرئيس:
شكرًا، كم كان بودي يا أستاذ محمد لو أعرف هل هناك مفارقات بين ما قررتموه وقرره الأستاذ حسان؟
الدكتور محمد علي البار: لا يوجد اختلاف حقيقي.
الرئيس:
أنا بودي لو تفضلتم حتى إذا كان نسخة مما قبله - يعني ملتقية - فالحمد لله، يعني إلى الآن بالنسبة لي لم أدرك اختلافات نحتاج إلى تتبعها نقطة نقطة. فلو سجلت المفارقات حتى تحرر طبيًّا.
الدكتور محمد علي البار:
الخلاف بسيط ، أولًا: البخاخ أو ما يستخدم من الأنف، نحن متفقون على أن هناك فتحة موجودة من الأنف، ومن البلعوم الأنفي تصل إلى ما بعد ذلك إلى البلعوم الفموي ثم يصل جزء منها إلى المريء، وهو متصل بالجهاز الهضمي، لكننا نختلف في أن هذه الكمية ضئيلة وهي مما يعفى عنه مثل المضمضة؛ لأن المضمضة يتمضمض الإنسان ويبتلع ما بقي منها، أو السواك لأنه يبقى في السواك مواد عالقة موجودة، أو استخدام العلك يبقى مهما كان مواد متحللة موجودة ، فهل إذا بلع هذه المواد هل هو من المعفو عنه؟ أخي الدكتور حسان يقول: إنها لا شك أن هذا البخاخ معفو عنه لأن الكمية ضئيلة جدًّا، أما أنا فأتركها للسادة الفقهاء وأقرر الحقيقة الطبية التي نحن متفقون عليها وهي أن هناك فتحة موجودة، قد تكون الكمية في هذا البخاخ ضئيلة، وقد تكون في جهاز آخر تكون الكمية أكبر، قد تتكرر أثناء النهار.
الرئيس:
المهم المنفذ موجود.
الدكتور محمد علي البار:
المنفذ موجود ومتفقون عليه. فيه نقاط، إذا أردتم النقاط التي نختلف فيها.
الرئيس:
حفظكم الله، النقاط التي تختلفون فيها أنها تكتب وتوزع.
الدكتور البار:
الاتفاق من الناحية العلمية واحد، وهي ثلاث أو أربع نقاط.
نحن أيضًا متفقون على الأذن، أن ما فيها فتحة مباشرة إذا كانت الطبلة موجودة أما إذا كانت الطبلة قد انخرمت ففيه فتحة من داخل الأذن الوسطى وقد تصل قطرات ضئيلة جدًّا.
وأخي الدكتور حسان يقول: إنها ضئيلة جدًّا لا يمكن أن تؤثر ولعلها من المعفو عنها.
ثالثًا: نقطة الشرج وهي عندي نقطة مهمة جدًّا؛ لأن الشرج متصل بالجهاز الهضمي ، الذي نتحدث عنه ويتم منه الامتصاص، يمكن عن طريقه يتم امتصاص الدواء والسوائل، وحتى تغذية الأطفال يمكن أن تتم عن طريقه ، فما دام هو الجهاز الهضمي وهو الامتصاص منه، فهذه نقطة في رأيي تدخل في الجهاز الهضمي ولا يمكن فصلها عن الجهاز الهضمي ، أخي الدكتور حسان يرى أن الفرزجات وغيرها مسألتها بسيطة جدًّا والدواء الذي يتم امتصاصه كمية ضئيلة، وبالتالي لعله يكون من المعفو عنه.
هذه هي نقاط الاختلاف فقط ، وكذلك قطرة العين.
الرئيس:
ولهذا أنا اقول لو كتبت يكون أفضل.
الشيخ محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
طبعًا مسألة التعقيب هذا العام شيء يبدو أنه جديد، فلا أعلم ماذا تقصدون بالتعقيب؟ هل المراد مجرد تعليقات بسيطة أم أن المراد إعطاء تصور ولكنه مختصر؟ وأرجو أن توضحوا ذلك لي حتى يفهم الآخرون أيضًا ذلك فيتبعوه.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لآية الله الحق فيما قدم، وإنما أريد أن أوضح الوضع؛ في هذه السنة وفي المستقبل بإذن الله سنستمر على هذه الطريقة الجديدة ، ما هي هذه الطريقة؟ هي أن نستكتب أشخاصًا بأعيانهم، علماء بأعيانهم في الموضوعات المطروحة، ولا نزيد عن اثنين أو ثلاثة بالنسبة لكل موضوع، ثم نختار معقبين على تلك البحوث بعد أن يطلعوا على ما كتب من طرف المستكتبين، فيأتي العمل متناسقًا، والذي حملنا على هذا:
أولًا: أن كثيرًا من المؤسسات والمنظمات العلمية تجري على هذا النسق، فلا داعي إلى مخالفتهم.
ثانيًا: لأننا حين كنا نطلب من الإخوان أن يكتبوا فيما يرون من الموضوعات كانت تأتينا أحيانًا بالنسبة للموضوع دراسة واحدة أو لا تأتي أصلًا، وبالنسبة لبقية الموضوعات يأتي عدد كبير من الدراسات لا نستطيع الوفاء به ، ولذلك اخترنا أن يكون هناك عارض وهناك معقب.
الوضع الآن؛ بما أن فضيلتكم قد كتبتم في الموضوع ولم تستكتبوا فيه فأنتم استمعتم إلى ما أعد، ولكم المعلومات التي جمعتموها بالنسبة لموضوعكم، فيتأتي لكم بغاية السهولة أن تعقبوا على ما سبق، وأن تضيفوا إليه ما شئتم من آراء ، وشكرًا.
الشيخ محمد علي التسخيري:
شكرًا لسيادة الأمين العام.
أعتقد أننا نستطيع من خلال ما استمعنا له من بحوث قيمة ومن خلال مطالعاتنا لآراء الفقهاء أن نركز على ضوابط ثلاثة، هذه الضوابط تنفعنا في معرفة أحكام الجزئيات بشكل منسجم.
الضابط الأول: أن المعيار في المفطرات أو المفطرات التي نحن بصددها هو مسألة صدق مفهوم الأكل والشرب أو صدق مفهوم الطعام والشراب، باعتباره ما تنتجه هذه العملية أو كما يقول البعض: صدق عملية التغذية.
المراجعة اللغوية لأقوال اللغويين ربما لا تحقق الكثير من الجديد. مراجعة أقوال الفقهاء أيضًا تنفعنا في الوصول إلى نتيجة، والتي أركز على أن هذه النتيجة هي نتيجة عرفية. يعني العرف - كما تحدثنا عنه في بحثنا عن العرف - يشخص لنا مصاديق المفاهيم ، المفهوم تعطى والعرف يحقق لنا تحقق هذا المصداق.
المعيار إذن هو تحقق الأكل والشرب أو تحقق عنصر دخول الطعام والشراب إلى الجوف ، والجوف كما رأينا يركز على الجهاز الهضمي.
أعتقد أنا لو أخذنا عنصر التغذية في البين لَأمكننا أن نتوسع منه إلى الأوردة باعتبار أن الجهاز الهضمي هو الذي يغذي هذه الشرايين بالطعام، فهي نتيجة طعام أو شراب أو نتيجة أكل أو شرب وهذا يؤثر أيضًا، يعني نحن عندما نستطيع أن نزرق غذاء أو نصل مغذي للدم فقد حققنا نفس ما يحققه الطعام والغذاء، وحققنا نفس التركيز في هذا المعنى.
ما أشار إليه الدكتور البار من أن مسألة الشرج أيضًا عندما يدخل إلى القولون ، القولون يستطيع أيضًا أن يجذب بعض هذه المواد فيحقق نفس ما تحققه المعدة والأمعاء الدقيق في هذا المعنى.
إذا ركزنا على هذا كضابطة الأكل والشرب أو الطعام والشراب، يبدو أننا نستطيع أن نمشي مع الفروع فرعًا فرعًا، فندخل في الفرع هل يشمل الطعام متعارف الأكل فقط، يعني يقتصر على متعارف الأكل أو يشمل غير متعارف؟ يمكن الحديث على أنه إطلاق مسألة الطعام والشراب تشمل غير المتعارف أيضًا. هو أكل لغير المتعارف.
هل نقتصر على ما يصل إلى المعدة من الفم؟ الظاهر لا يشترط ذلك كما هو الواضح في أقوال الفقهاء: أي شيء يدخل إلى المعدة عن طريق البلعوم، سواء كان من الأنف أو الفم يعتبر تغذية وطعامًا أو شرابًا.
لو وصل إلى الجوف شيء يقوم بمهمة الطعام، يعني كما قلنا: دخل إلى الشرايين وغذى الدم، فهل يتم الإفطار؟ الظاهر أن هذا يتبع كيفية استفادتنا من الطعام والشراب، هل المراد به عنصر التغذية؟ وأنا أرى أن الاحتياط الوجوبي يقتضي ذلك، يعني إذا غذينا الشرايين بالمصل المغذي فمعنى ذلك قمنا بنفس العملية.
مسألة تنظيف الرحم والتحاميل والاحتقان بالجامد الذي لا يتجزأ، يعني يجب أن نشترط بأنه جامد لا دليل على مفطريتها، أما الاحتقان بالمائع فهذا أمر له نصوصه الخاصة لا يدخل في عنصر الطعام والشراب.
مسألة البخاخ أيضًا تتركز على ما يحمله هذا البخاخ من طعام أو شراب حتى ولو كان قليلًا. يعني نحن نعلم أن إدخال قطرة من الماء إلى المعدة تفطر. المناظير التي تمتد ويكون لها ما يصحبها بعد ذلك هذه لا تدخل في هذا المعنى.
هذه الضابطة الأولى، أنا أركز على أنه نحتاج إلى أن نعين ضابطة، هذه الضابطة نمشي معها إلى فروعنا، ومشى معها الفقهاء، المهم أن نركز على هذه الضابطة.
الضابطة الثانية: التي أشير إليها هي ضابطة أصولية.
على أي حال نحن في مقام الشك، ما هو الموقف عند الشك؟ بشكل مختصر جدًّا، الشك تارة يكون في المفهوم، يعني لا نفهما أن مفهوم الطعام والشراب مثلًا هل يقتصر على خصوص أكل المعتاد أو يشمل غير المعتاد؟ هذه شبهة المفهومية الأصل فيها كما يقول الأصوليون: البراءة من التكليف الإضافي. كل تكليف إضافي الأصل فيه مشكوك والأصل فيه البراءة.
هناك شبهة موضوعية. أعرف الطعام والشراب جيدًا وأشك في أنه نفذ أم لا ، شك في تحقق الموضوع، أيضًا الأصل البراءة. هناك أيضًا أصل في أنه الصوم أعلم أنه كان صحيحًا، حدث مني عمل أشك في أنه أبطل الصوم أم لا؟ أستصحب بقاء الصوم على ما هو عليه ، هذه ضابطة أصولية الأصل فيها عمومًا في كل شقوقها متى ما شككنا في التحقق الأصل هنا هو البراءة وعدم الإفطار.
الضابط الثالث والذي أركز عليه وهو ختام حديثي هو عنصر المرض، معياره الضرر والحرج. الضرر والمشقة التي يعرفها العرف بأنها حرج وما يعبر عنه القرآن الكريم (يطيقونه) حرج يمكن أن يتحمله الإنسان ولكنه شديد. هذا الضرر أو الحرج أقول أن كان يسيرًا يتحمل عادة فقد لا يعده العرف ضررًا أصلًا كضعف البدن، أحيانًا الصوم يوجد الضعف، هذا لا يبيح الإفطار مطلقًا وإن كان شاقًّا لكن يمكن تحمله، هنا الإفطار له رخصة، وإن كان ضررًا عرفيًّا واضحًا كحصول مرض أو إدامة مرض وما إلى ذلك فهنا يصبح هذا العمل عملًا محرمًا. ويتوقف الأمر على المسألة الأصولية أن النهي عن العبادة هل يفسدها أو يبقى نهيا تكليفيًّا؟ والأصح أن النهي عن العبادة هو نهي تكليفي يعبر عن بطلان وضعه.
الضابط في تشخيص الضرر العرف أيضًا. العرف هنا يشخص كما قررنا، العرف تارة يتيقن فهذا واضح، وأخرى يظن، هذا أيضًا يدخل في الضرر، لكن ماذا لو احتمل العرف الضرر؟ أعتقد أن لسان النصوص أيضًا يركز على عنصر احتمال الضرر أو خوف الضرر ، الخوف يقرب من الاحتمال، والظن هو شيء فوق الخوف. إذا كان إذن يخاف الضرر فلا ريب في أنه ينطبق عليه الأمر. وأركز هنا على أن النظر شخصي ، صحيح الطبيب هو الذي له الرأي، ولكن إذا استطاع أن يؤثر في إيجاد هذا الخوف في شخص المريض حينئذ يفطر، وإلا فلا يباح له هذا الإفطار ، المعيار في خوف الضرر هو العامل الشخصي.
هذا هو خلاصة ما أريد أن أتحدث به، وأركز على أن علينا أن نلاحظ القوانين في هذه المجموعة، فالقوانين هي ليست في الواقع السر في ما ذهب إليه هذا الفقيه أو ذاك في هذا المجال، وأوكد على أن الشرايين الدموية هي في الواقع نتيجة وامتداد للجهاز الهضمي الذي تمده المعدة بالقوة، فإذا غذيت هذه الشرايين بما يغذيها بقوة، شرابًا أو طعامًا، ففي الواقع لها حكمها، أو على الأقل هناك الاحتياط الوجوبي، يعني الاحتياط اللازم في تحقيق آثار الإفطار. وشكرًا جزيلًا.
الشيخ محمد جبر الألفي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
بناء على هذا التوضيح الذي أوضحه سماحة الأستاذ الشيخ ابن الخوجة فأنا لم أستكتب، ولكنني أعقب على ما سمعت الآن.
فعندنا أولًا بحث الشيخ محمد المختار السلامي، وقد تعرض فيه لآراء الفقهاء، واختار الرأي الراجح في كثير من المسائل وهو الرأي الذي يتفق عليه أكثر فقهاء العصر.
أستاذنا الشيخ محمد المختار السلامي عرض لاختلاف الفقهاء، وقد رأينا أيضًا اختلافًا بين الأطباء في هذا الموضوع، رأينا على الأقل في البحثين اللذين عرضا أمامنا اليوم اختلافًا في أربع نقاط بين الأخ الدكتور حسان شمسي باشا والأخ الدكتور محمد علي البار.
في الواقع أنني أحاول التعقيب على هذه المسائل في ثلاث نقاط:
1 -
حكم ما يدخل البدن عن طريق المنافذ المعتادة.
2 -
حكم ما يدخل البدن عن طريق غير معتاد.
3 -
حكم ما يستخرج من البدن.
أولًا: أحاول أن أبين أنني فهمت من كلمة الدماغ عند الفقهاء في غير مسألة المأمومة: حتى لو كان في داخل الفم ولكنه في أعلى الفم مما يتصل بالدماغ، فليس المقصود أبدًا هو الجمجمة، وإذا كان هناك فاصل طبيعي بين هذه الجمجمة وبين الفم فإن الفقهاء لا يقصدون أبدًا أن السعوط أو الدخان الذي يدخل عن طريق الفم أو يستنشق إنما يذهب إلى المخ، وإنما يعلمون أنه يتصل بهذه المناطق المفتوحة، وغالبها يدخل عن طريق البلعوم الفمي أو البلعوم الأنفي كما يقول الأطباء.
ثانيًا: أضع في اعتباري دائمًا أن الصوم ركن من أركان الإسلام: ((بني الإسلام على خمس)) ، فإذا كان هناك أركان فإنه ينبغي الاحتياط في العبادة. ينبغي الاحتياط، والتيسير مطلوب ولكن إذا كان هناك شك فالاحتياط أفضل في هذه الأمور كلها.
وبناء على ذلك فأنا ضايقني كثيرًا أن كثيرًا من الكاتبين في مسائل الصيام يستشهدون بآراء ابن حزم في هذه المسألة، على الرغم من أنهم يرفضون آراءه جملة وتفصيلًا في كثير من المسائل ، إذا أردنا أن نأخذ ابن حزم فلنأخذه جملة وتفصيلًا. فإذا كان ابن حزم يعلم تماما كما نعلم جميعًا أن الله - تعالى - كتب علينا الصيام، والعلة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فكيف نقبل أن يكون الاستمناء غير مفسد للصيام؟ يعني أن الإنسان ينظر إلى صور فاضحة ويستمني وصيامه صحيح يعني أن الإنسان يستطيع أن يباشر فيما دون الفرج بالنسبة لامرأته أو أمته وينزل ولو عمدًا ثم يكون ذلك غير مفسد للصيام!! هذه ليس من السهل أن يقبل العوام قبل الفقهاء مثل هذه الآراء. هذه ناحية.
ثالثًا: فيما يتعلق بما يدخل البدن عن طريق المنافذ وأهمها مسألة البخاخ، سواء كان بخاخ الربو أو كان بخاخًا لأسباب أخرى. وقد اتصلت بعدد كبير من الأطباء وأكدوا لي أن - وهذا ما قاله زميلنا الدكتور محمد علي البار - البخاخ مهما كان نوعه لا يمكن أن يؤثر إلا إذا وصل إلى الأنف، وكثيرًا ما يصل إلى الحلقوم. وبناء على ذلك فهذه المسألة ينبغي النظر إليها باحتياط أكبر.
رابعًا: الناحية الأخرى وقد عرضت قبل أسبوعين في الدار البيضاء، وهي ما أثاره أحد زملائنا وقد يكون الدكتور هيثم الخياط فيما أذكر من أن هناك أنواعًا من الأوكسجين تخلط بأنواع أخرى من الأدوية، إما من الأدوية وإما من المخدرات - الأمور التي تخدر الجسم - فإذا كان الأمر كذلك فينبغي أيضًا الاحتياط في مثل هذه المسائل، وخاصة أن كثيرًا من الشباب يستعمل الآن هذه الوسائل للتخدير في البلاد التي تمنع إدخال المخدرات.
خامسًا: فيما يتعلق بمسألة التدخين ، كان الحكم الفقهي في هذه المسألة ينظر إلى الدخان الطبيعي: الدخان الذي يخرج عن طريق الشواء، الدخان الذي يتصاعد عن طريق الاحتراق
…
إلخ. احتراق البخور أو غيره. الآن مسألة التدخين لا شك أننا جميعًا نرى أن مسألة التدخين عن طريق السيجارة أو الشيشة أو غير ذلك فإنه يفسد الصوم.
أنا في هذه الحالة وجدت أن هناك خلافا بين عدد من المفتين في العصر الراهن، البعض يعتبر أنه طعام أو شراب ويقول: ولذلك يستعملون كلمة شرب الدخان، فلان يشرب الدخان. الواقع أنني أرى أن هناك إضافة إلى شهوة البطن وشهوة الفرج أرى أن هناك شهوة أخرى ثالثة وهي شهوة الكيف أو المزاج، وقد وجدت مثل هذا الكلام عند الشيخ الدردير في الشرح الصغير، فإنه يتكلم عن شهوة المزاج أو شهوة الكيف. وبناء على ذلك فإن كل أنواع التدخين يجب أن تكون ممنوعة منعًا قاطعًا، وعدم تردد المفتين في هذا العصر في هذا الأمر.
سادسًا: الناحية الأخرى وهي أن هناك من التدخين ما يسمونه الآن التدخين السلبي. والتدخين السلبي قد منع في كثير من الدول في الطائرات والأماكن الضيقة وأماكن العمل، ومنع في وسائل المواصلات الأخرى، وبناء على ذلك فقد وجدت أن عددًا من المدمنين على التدخين يذهبون في نهار رمضان وهم صائمون إلى أماكن التدخين، ويجلسون فيها ويستنشقون هذا الدخان ويعتدل مزاجهم. وبناء على ذلك فإننا نرى أيضًا أن التدخين السلبي في هذه المسألة يجب أن يكون ممنوعًا وأن يكون مفسدًا للصوم.
والواقع أن الدخان بجميع أنواعه: لفائف التبغ والسجائر والسيجار وما يحرق في الأنبوب المسمى بـ (البايب) وما يدخل في النارجيل، كل هذه مواد عضوية تحتوي على القطران وتحتوي على النيكوتين، ولها جرم يظهر في الفلتر وعلى الرئتين وتصبغ الطبقة المخاطية التي تغطي جدار البلعوم بلون داكن، وبناء على ذلك فإننا نرى أن هذا التدخين بجميع أنواعه يجب أن يمنع.
سابعًا: فيما يتعلق بمسألة الأنف ، نعود مرة أخرى إلى ما قاله ابن حزم:" وما علمنا طعامًا أو شرابًا يكون على أنف أو دبر ". نحن نعلم الآن أنه يوجد الطعام والشراب عن طريق الأنف وعن طريق الدبر أيضًا فيما يتعلق بالحقنة الشرجية أو المواد التي يمكن أن تغذي عن طريق الشرج. وبناء على ذلك فإن مثل هذه المسائل يجب أن تؤخذ بعين الاحتياط.
ثامنًا: فيما يتعلق بالعين ، يعني قد أخذت في هذه المسألة وقتا طويلًا في البحث عن مسألة الأنبوب الذي يصل بين العين والأنف ، نحن لا نفرق بين القليل والكثير ففقهاؤنا قالوا فيما سبق:" وإن قل كسمسمة ". وبناء على ذلك فأنا أقول في مسألة العين: إن الصائم إذا وضع في عينه دهنًا أو دواء أو قطر فيها وأحس بأثر ذلك في أنفه فتمخط فإن صيامه يكون صحيحًا، أما إذا أحس بأثر ذلك وعينه في مخاطه فاقتلعه بنفسه وابتعله فإن صيامه يفسد، والله أعلم.
تاسعًا: فيما يتعلق بالأذن، لا خلاف في هذه المسألة بعد أن أخذت رأي عدد كبير من الأطباء في هذا الأمر فإن الأذن إذا كانت الطبلة سليمة فلا ينفذ منها شيء إلى داخل البلعوم الأنفي أو الفموي وبناء على ذلك فهي المسألة فقط التي تختص بمن نزع غشاء الطبلة منه.
عاشرًا: فيما يتعلق بمسألة القبل بالنسبة للمرأة ، فقد رأينا كثيرًا من الفقهاء يفتون بأن ما دخل عن طريق القبل يعتبر مفطرًا ، في هذه المسألة وجدنا أن هناك ثلاثة منافذ:
المنفذ الأول: هو مخرج البول وهذا يقاس على الإحليل، وبناء على ذلك فالمثانة - كما سبق لإخواننا الأطباء - تعتبر عضوًا طاردًا وليس مستقبلًا، ولذلك فإن ما يدخل عن طريق مخرج البول فإنه لا يفطر.
المنفذ الثاني: عن طريق المهبل ، فإننا نفرق بين البكر والثيب، أما البكر فهناك غشاء البكارة الذي يسد هذا المهبل ولا فرق عندي بينه وبين طبلة الأذن، فلا ينفذ عن طريقه شيء إلى الداخل، وبناء على ذلك يأخذ نفس الحكم والصيام معه صحيح ، أما مهبل الثيب فإنه عبارة عن قناة عضلية ولها فتحة خارجة تمتد نحو عنق الرحم، ما يصب فيه يمكن أن يصل إلى أعلى الرحم. الأدوات والأجهزة الطبية التي تدخل فيه اختلف الفقهاء فيها، بعضهم يقول إنها تفسد الصوم والبعض الآخر يقول إنها لا تفسد الصوم، ويبدو لي - والله أعلم - أنه يفسد الصوم لأنه يؤدي إلى نزول الدم، وقد يؤدي إلى أمر آخر وهو تلذذ المرأة في هذه الحالة؛ لأن هذا هو المدخل الطبيعي لمسائل الجماع، ولذلك فنوصي بعدم الفتوى بصحة الصيام مع ذلك.
ما يدخل من طريق غير معتاد أهم شيء فيه ما يتعلق بمسألة الإبر.
أولًا نحن نفرق بين ما يدخل عن طريق العضل أو عن طريق مسام الجلد، وهذه مسائل نقول أن الاتفاق قد تم على أنها لا تفسد الصوم. أما فيما يتعلق بالإبرة فهو أمر جديد لم يكن موجودًا من قبل. هي إبرة مجوفة يدخل عن طريقها الغذاء والدواء والمخدرات وتركيز المسكرات، فالمدمن يتناول عن طريق الدم الحقن التي يكون فيها السوائل مركزة تعدل مزاجه، كذلك بالنسبة لمدمن المخدرات وهذا شائع وكثير ومتوافر الآن، وقد سألت عنه أولًا بعض الأطباء، وثانيًا سألت عنه أعضاء جهاز المباحث الذين يقبضون على هؤلاء وهم متلبسون في سياراتهم يضعون المخدر عن طريق الدم، سألت في هذه المسائل كلها ويبدو لي - والله أعلم - بعد ما رأيته لو أن شخصًا الآن ذهب في حالة خطيرة إلى مريض وكان يحتاج إلى نوع من الغذاء أو الدواء العاجل، الطبيب لا يعطيه شيئًا عن طريق الفم حتى يستطيع أن يدخل ثم يتحلل ثم يخرج، وإنما يبادر بإعطائه حقنة، الإبر بهذه الطريقة، ولذلك فإنني أسميه منفذ غير معتاد، ولكنني أسميه منفذ عرفي أصبح الآن شبه طبيعي، لأنه هو الذي يتناول عن طريقه الدواء ويتناول عن طريقه الغذاء ويتناول عن طريقه وسائل تسكين الإدمان، وبناء على ذلك فلا فرق عندي بين ما يدخل عن هذا الطريق غير المعتاد، ولكنه يعتبر منفذًا طبيًّا، ليس عندي فرق بين ما يدخل إليه أن كان مغذيًا أو كان على هيئة دواء أو غير ذلك، والله أعلم.
بقي بعد ذلك الحبة التي توضع تحت اللسان وقد دققت كثيرًا في هذه المسألة فوجدت أن كل الأطباء الذين التقيت بهم يقولون أن الحبة التي توضع تحت اللسان لا يدخل منها شيء مع الريق إلى الحلق، وبناء على ذلك فإنه يتحلل مثل العلك وغيره، مثل الجلد بالضبط لأن هناك أنواعًا من التغذية تكون عن طريق الجلد أيضًا فهذه كلها لا تفسد الصوم. المهم في هذه المسألة أن نتأكد من أنه ليس هناك شيء وصل مع الريق إلى الحلقوم. هذا ما أردت أن أقوله في هذه المسألة، فإن أصبت فمن الله، وإن كان غير ذلك فإني أستغفر الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
الرئيس:
وبهذا ترفع الجلسة ونعود في الخامسة عصرًا بإذن الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المناقشة
الشيخ عكرمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
الدكتور البار حكم بأن المواد من الدم وغيره إذا انسابت داخل الجوف دون إرادة المريض فلا شيء عليه، يعتبر هذا الكلام حكمًا شرعيًّا ، وأرى أن الحكم الشرعي منوط بالعلماء الفقهاء وليس منوطًا بالطبيب. فالطبيب مهمته أن يصف لنا الواقع، لا أن يعطي حكمًا. مثلًا حول طفل الأنابيب. نعم أن موضوع طفل الأنابيب لا علاقة له بالجهاز الهضمي، هذا أمر مسلم به، ولكن له علاقة في موضوع الناحية الجنسية وفي موضوع الجماع، وعليه فإن هذا أمر أيضًا بحاجة إلى الإخوة الأفاضل العلماء ليبحثوا بأن سحب المواد المنوية - الحيوانات المنوية أو البييضات - هل هذا يفسد الصوم أو لا يفسد من خلال موضوع الناحية الجنسية؟ أي له ارتباط في موضوع الجماع ، وحبذا لو كان الدكتور البار موجودًا، ولكن البركة في الإخوة الأطباء الآخرين ليجيبوا على استفسار مني هو: ما علاقة الأوردة الدموية بالتجويف؟ هل - كما قالوا - أن التجويف - حسب شرحهم - يمتد من الفم إلى المعدة، فهل الأوردة الدموية مرتبطة بالتجويف أم غير مرتبطة؟ وعلى ضوء الإجابة نستطيع القول هل الإبر الوريدية تفطر أم لا تفطر؟ فأنتظر إجابة من أحد الإخوان الأطباء الموجودين. وشكرًا لكم.
الشيخ محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن موضوع (المفطرات) موضوع ذو شجون، وهو يتعلق بالنظر الفقهي كما أنه يتعلق بالنظر الطبي.
الواقع أنه ينبغي أن نفرق بين الناحيتين، فهناك نواح في هذه المسألة مبنية على النظر الفقهي البحت، ولا مدخل فيها للاكتشافات الجديدة في موضوع الطب ، وهناك نواح مبنية على النظر الطبي فيمكن أن يتغير فيها الحكم بتغير التحقيقات الطبية.
الذي تنبني عليه مسائل الإفطار هو وصول الشيء إلى الجوف، والجوف وإن كان يطلق في اللغة على كل شيء مجوف ولكن الفقهاء اختلفوا في تعيين معنى الجوف الذي يؤثر في إفطار الصوم ، وقد تتبعت كتب المذاهب في هذا الموضوع فوجدت أن الحنفية والمالكية متفقون على أن المراد بالجوف هو الحلق والمعدة والأمعاء فقط. ويظهر من كتب الشافعية أنهم يعتبرون كل جوف في باطن جسم الإنسان جوفًا معتبرًا يؤثر في إفطار الصوم. وأما الحنابلة فقد وجدت في كتبهم عبارات مختلفة ولم أبت بالنظر في هذه الروايات ولم يتمخض لي المذهب المفتى به والمأخوذ به عندهم ، فالروايات تدل على أنهم ينحون منحى الحنفية والمالكية في أن الجوف المعتبر هو الحلق والمعدة والأمعاء فقط، وتدل بعض العبارات على أنهم ينحون منحى الشافعية في اعتبار كل باطن الجسم من الجوف المعتبر.
فهذا موضوع فقهي بحت وليس فيه مدخل للرأي الطبي ، ثم هناك ناحية أخرى وهي قضية نفوذ الشيء إلى الجوف، فهذه قضية طبية ولها علاقة بالتحقيق الطبي ، فبنى كثير من الفقهاء بعض المسائل على اعتبار أن هناك منفذًا للجوف فلذلك أفتوا بالإفطار، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه ليس هناك منفذ إلى الجوف فذهبوا إلى عدم الإفطار، وهذا في مسألة الأذن - مثلًا - وفي مسألة الدماغ، وفي مسألة القبل ، ففي مسألة الدماغ - مثلًا - ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه إذا داوى آمة في الرأس فإنه يفسد به الصوم، لأنه رأى أن هناك منفذًا من الدماغ إلى الجوف، يعني إلى المعدة وإلى البطن. وهذا موضوع يتعلق بالطب، فإذا ظهر هناك تحقيق جديد أو اكتشاف جديد في علم الطب بأنه ليس هناك منفذ واتفق الأطباء على أنه ليس هناك منفذ فيما بين الدماغ والبطن فحينئذ القول بفساد الصوم بمداواة آمة الرأس هذا القول ينبغي أن يرجع عنه، ويؤخذ بهذا الرأي الطبي الحديث، لأنه مبني على واقع قد تحقق خلافه.
وكذلك مسألة الأذن، فمن قال بإفساد الصوم بإدخال الدواء في الأذن فإنه قال ذلك اعتمادا على أن هناك منفذًا فيما بين الأذن والحلق، وإذا تحقق طبيًّا وثبت طبيًّا باتفاق أهل الطب بأنه ليس هناك منفذ فينبغي أن يتغير هذا الرأي؛ لأن هذا ليس مسألة فقهية وإنما هي مسألة واقعية وطبية.
وعلى هذا الأساس الموضوعات التي تهمنا في هذه الجلسة هي موضوع (الأذن) وموضوع (الرأس والآمة) وموضوع (القبل) ، وكذلك القبل قد تحقق أنه ليس هناك منفذ فيما بين القبل والبطن. فلذلك ينبغي أن نقول بعدم فساد الصوم إذا أدخل شيء من القبل.
وقضية (البخاخة) فهذه البخاخة إنما تدخل هواء من الفم إلى الحلق، فهذا يدخل الجوف، ولكن حكم هذه المسألة ينبني على أنه هل يكون في ذلك الهواء شيء من الدواء الجوهري أو لا يكون؟ فما سمعته من السادة الأطباء الموجودين هنا أنه يشتمل على نسبة ضئيلة من الدواء ويصل إلى الجوف، وبما أن الفقهاء لم يفرقوا بين القليل والكثير ما دام الشيء يدخل إلى الجوف، فلو كان قليلًا فإنه يفسد الصوم ومثلوا لذلك بالسمسمة.
فهذا ما أراه أن تبحث هذه المسائل من هذا المنظور الفقهي والطبي، فلا ينبغي أن نقول: أن جميع المسائل الواردة في هذا الموضوع كلها تتعلق بالطب بل فيها أنواع فقهية بحتة.
وشيء آخر وهو موضوع يتعلق بالعين، وإن كان قد ثبت طبيًّا أن هناك منفذًا بين العين والحلقوم فقد ورد في ذلك نص: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم. وقد تأيد هذا الحديث بآثار عدة من الصحابة والتابعين فهذا أيضًا شيء منصوص، وقد ذكر الفقهاء أن هذا المنفذ ليس منفذًا في الواقع وإنما ألحق بالمسام، والمسام لا تعتبر منفذًا معتبرًا لإفساد الصوم. فالقول الذي أذهب إليه هو أن إقطار الدواء في العين لا يفسد به الصوم، أما الإقطار في الأذن فينبغي أن نقول بعدم فساد الصوم لأنه لا منفذ بين الأذن والحلق كما تحقق طبيًّا.
هذا ما أراه، والله سبحانه وتعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم.
الشيخ عبد الله بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
وبعد:
قبل شروعي في تعليقي في هذه المناقشة الكريمة - إن شاء الله تعالى - أحب أن أشيد بالبحث القيم الذي قدمه سماحة الشيخ محمد المختار السلامي، وبالتصوير الجيد الذي جاءنا من الدكتورين الكريمين، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهما خيرًا وأن يجعل الجميع مباركين أين ما كانوا.
في الواقع أننا بتوسعنا في التعرف على المداخل إلى الجهاز الهضمي من المواد التي يمكن القول بتفطيرها والقول بعدم تفطيرها قد لا نسلم من المداخل والتجاوزات، ولو أننا أخذنا بضوابط في القول بالتفطير وعدمه لكان لنا المزيد من السلامة من الأخطاء وأرى أن من الضوابط ما يلي:
أولًا: النظر فيما يصل إلى الجوف من أي منفذ من منافذ الجسد (الفم، الأنف، العين، الأذن، القبلان) وغير ذلك مما يمكن أن يكون منفذًا كالمأمومة والجائفة، سواء أكان الواصل إلى الجوف جامدًا أم سائلًا، وسواء أكان ذلك علاجًا كالإبر العلاجية أم كان غذاء كالإبر الغذائية ، هل يعتبر ذلك مفطرًا أو لا يعتبر ذلك مفطرًا؟ هذا ضابط.
ثانيًا: النظر فيما يصل إلى الجوف عن طريق الاضطرار أو النسيان كالغبار والدخان والأبخرة، وماذا يمكن التحرز منه كالحشرات، وما كان عن طريق المضمضة أو الاستنشاق في الوضوء، وكالأكل والشرب على سبيل النسيان، فهل ذلك مما يعفى عنه ويصح معه الصوم أو لا؟ هذا كذلك ينبغي أن يكون من الضوابط.
ثالثًا: ما خرج من الجسد على سبيل الاختيار كالتقيؤ والاستمناء والدم (الحجامة، الفصد، التحليل) هل هو من المفطرات أو لا؟ أو ما يخرج من الجسد على سبيل الاضطرار كالقيء والاحتلام والرعاف، هل لهذا أثر على صحة الصوم؟
رابعًا: من حكم الصوم تضييق مجاري الدم بالجوع لإضعاف وازع الشيطان، فهل يستفيد الصائم من تعاطيه في جسده دخولًا أو خروجًا قوة ونشاطًا؟ فهو في محل نظر في إفساده الصوم سواء أكان محله الجهاز الهضمي أم كان خارجًا عنه إلا أن له أثرًا في القوة والنشاط. فهذا مما يجب النظر إليه في الاعتبار وإصدار القرار في ضوئه.
أرجو أن يكون النظر فيما يفطر وما لا يفطر في ضوء الضوابط التي من شأنها أن تهدينا إلى الطريق المستقيم وإلى الصواب في القول.
وقبل أن أنتهي من تعليقي أحب من سماحة الشيخ السلامي أن يقيد ما أجمله في بحثه من أن من مبررات الفطر خشية المرض، فهذا القول المطلق يمكن أن يأخذ به كل من يريد الإفطار في نهار رمضان من غير عذر ويلتمس مثل هذا العذر ، فهذا في الواقع مدخل صعب يجب إعادة النظر فيه ، وتقييده بنصح الأطباء الموثوقين بأن مثل هذا المرض، أو بأن الصوم يؤثر على هذا المريض فيمكن أن يؤخذ بهذا الاتجاه ، ثم القول بأن الحجامة قد انتهى أمر المص فيها، قول غير صحيح، فالحجامة موجودة ومعالجتها بالطريقة التقليدية موجودة أيضًا في بعض المجتمعات، وإن كانت في الطريق إلى التلاشي، وما دام لدينا نص نبوي كريم:" أفطر الحاجم والمحجوم " فهذا النص قائم لا يقضي عليه ما عليه أكثر الناس من البعد عن مزاولته فهو حكم باقي، فإذا وجد حاجم يحجم بالمص قلنا بفطره، وقلنا بفطر المحجوم الممصوص دمه، فليس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصوص يقال بانتهاء وقتها إلا أن يكون ذلك على سبيل النسخ في زمن تنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا ما أحببت ذكره، حفظكم الله، والسلام عليكم.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة سوف أقصر حديثي على بعض الملاحظات في موضوع نقط العين ، فكما ذكر زملائي من قبل: الدكتور حسان والدكتور محمد علي البار، يوجد قناة دمعية توصل فعلًا إلى البلعوم وهي متصلة، ويستطيع لو تم حقن كمية كبيرة من السوائل أن تصل فعلًا إلى الجهاز الهضمي، لكن قطرة العين الكمية المأخوذ هي نقطة واحدة وحجمها (0.06) من السم3 أي أنها أقل بكثير جدًّا من محتوى أي شيء يمكن أن يتعرض إليه الإنسان. هذه نقطة.
النقطة الثانية: في أثناء مرورها عندما تدخل إلى القناة الدمعية تمتص جميعًا ولا تصل إطلاقًا إلى البلعوم، وهذه نقطة هامة، سوف يطرح البعض سؤالًا على أن طعم هذه القطرة يظهر في الفم. هذا حقيقي، هو يظهر في الفم ليس لمرور هذه القطرة داخل البلعوم، ولكن لأنها تمتص والمكان الوحيد للتذوق هو اللسان، ولا يوجد أي مكان آخر يمكن التذوق به سوى اللسان، يوجد على اللسان مناطق مختلفة لتذوق طعم الحلو وطعم المر، وهكذا ، ففورًا أول ما تمتص تذهب إلى هذا المكان وتصبح طعمًا ويشعر بها المريض الذي يتعاطاها ، وبالتالي فإنها لا تصل إلى هذا المكان.
النقطة الثالثة: إذا أخذنا بموضوع التدخين السلبي فهناك شيء خطير إذا كان إنسان منا
…
هو الدكتور جبر الألفي قال: أن هناك المزاج. نفترض أن شخصًا آخر لا يدخن وذهب إلى أحد المكاتب وبها من يدخنون هل هنا هذا الدخان الذي سوف يتنفسه هل هو سيفسد هذا الصوم أم لا؟ إذا كان هذا الموضوع سيفسد الصوم فمن باب أولى أن تكون المسقاة التي تستخدم الآن لعلاج إدمان التدخين تؤدي إلى إفساد الصيام، وقد قيل في هذه الجلسة أن كل شيء يدخل عن طريق الجلد لا يسبب إفسادًا للصوم ولا إفطارًا. لذلك يجب أن يفرق تمامًا بين هذه المواضيع الحساسة البسيطة.
النقطة الرابعة: فضيلة الشيخ تقي العثماني أشار إلى نقطة الأذن.
الأذن هي فعلًا لا يوجد لها مخرج إلا إذا كانت الطبلة مثقوبة وهذا الثقب لا بد وأن يسد فورًا وإلا فإن الدواء سيصل إلى البلعوم.
النقطة الخامسة: فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري أشار إلى موضوع الأوردة والأوعية الدموية بأنها تتصل بالجوف، وأنها تأخذ مأخذ هذه العملية، تغذي وتكون مخرجًا في هذه العملية. لكن ما هو الموقف إذا كان هناك مريض أصيب في يوم من أيام رمضان بمغص كلوي ويحتاج إلى مسكن قدره 1سم3 ويأخذه في الوريد وليس في العضل؟ هل هذا يؤدي إلى إفطاره أم لا؟ وشكرًا.
الشيخ ساتريا أفندي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
السيد رئيس الجلسة
أصحاب الفضيلة العلماء والأساتذة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أستأذن السيد الرئيس أن أقول بعض الكلمات حول الموضوع الذي نتحدث عنه.
بعد أن قرأت هذه البحوث وبعض الكتب الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع والاستماع إلى كلام الباحثين في هذا الموضوع أجد أن خلاف العلماء في المفطرات بين توسيعها وتضييقها يرجع إلى ما قال له العلامة ابن رشد في كتابه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) ، بعد أن نقل إجماع العلماء على أنه يجب على الصائم الإمساك عن الجماع والطعام والشراب في نهار رمضان، وقال:
" اختلفوا من ذلك في مسائل منها مسكوت عنها ومنها منطوق بها، وأما المسكوت عنها إحداها فيما يرد الجوف مما ليس بمنفذ، وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف مثل أن يرد الدماغ ولا يرد المعدة. وسبب اختلافهم في هذا هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي. فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنه عبادة غير معقول وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عن ما يرد الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي ". هذا ما قاله ابن رشد لذلك يكون أمامنا مذهبان في ذلك، مذهب التوسيع في مفطرات الصوم ومذهب التضييق، وموقفنا أمام هذين المذهبين أن نختار أحد المسلكين.
المسلك الأول: مراعاة المذاهب التي تمسك بها أهالي البلدان الإسلامية المختلفة. كل بلد أهله يتمذهب بمذهب فقهي معين. وإذا اخترنا هذا المسلك فوظيفتنا هنا ليست للترجيح بل لتوضيح المفطرات عند كل المذاهب.
المسلك الثاني: هو مسلك الترجيح لأحد هذه الأقوال. فهذا يحتاج إلى الدقة لعمقه، ويحتاج إلى معرفة أدلة كل مذهب من المذاهب ووجه الاستدلال منها.
وجدير بالذكر أن بعض السلف من الفقهاء - على حسب ظني - لم يقع في الخطأ ولم يسئ فهم الجوف عندما قال بأن إدخال عود أو وضع قطرة من الدواء في الأذن والطبلة غير مخروقة مفسد للصيام. بل إنني أرى أن التمسك بهذا الرأي يدل على الاحتياط في باب العبادة، وليس بسبب فهم العلماء الأذن أو الجوف بشكل عام.
ثم أستأذن السيد الرئيس أن أقذم أمام حضراتكم سؤالًا واحدًا هامًّا- على حسب ظني - يتعلق بمفطرات الصوم التي تخص وضع المرأة في أداء هذا الركن من أركان الإسلام، وهو تناول المرأة حبوب منع الحيض في رمضان؛ ومن المعلوم أن من موانع الصوم ومفسداته خروج دم حيض المرأة فإذا نوت المرأة الصوم من الليل ثم حاضت في النهار ينتقض صومها، ولكن بتطور التكنولوجيا الطبية الحديثة تستطيع المرأة حبس دم حيضها بتناول حبوب منع الحيض ليلًا حتى تتمكن من إكمال الصوم شهرًا كاملًا مثل الرجل.
السؤال هنا هل تناول حبوب منع الحيض له أثر في صحة الصوم؟ وكيف يكون إذا أحست المرأة بالسحور بانتقال دم الحيض من رحمها وتهيئته للخروج بسبب مجيء دورته المعتادة فتناولت حبوب منع الحيض وتحبس الدم وظنت أن الدم قد رجع إلى رحمها مرة أخرى. فهل له أثر في صحة الصوم؟ وإذا كان له أثر في ذلك فما هو حكمه الشرعي؟ وهل هذا يؤدي إلى المرض؟ فإذا كان استخدام أدوية يتسبب في مرض المرأة ، فهل يعتبر تناول حبوب منع الحيض أمرًا محظورًا أو مباحا؟
والرد على مثل هذه التساؤلات هام جدًّا، لماذا؟ لأن بعض النساء في بعض الدول الإسلامية لا سيما في بلدي أندونيسيا قد اعتدن أن يتناولن حبوب منع الحيض في شهر رمضان المبارك، كما جرت العادة في موسم الحج. وشكرًا.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أننا استمتعنا في صبيحة هذا اليوم بالبحوث الثلاثة المعمقة، أولها البحث الفقهي من فضيلة مفتي تونس الشيخ محمد السلامي، والبحثان الآخران من الطبيبين الكريمين، وكل منهما بحسب تخصصه قد أفاد وأجاد. فبحث فضيلة الشيخ السلامي تميز بالتصور الشامل للموضوع والدقة والبيان الكلي البليغ كشأنه دائمًا، والبيان الفقهي والأصولي بضوابطه الفقهية.
وقبل أن أتحدث عن وجهة نظري في تأييد أو مخالفة كل من الأساتذة الثلاثة أقول: ينبغي أن نتخذ هذه القواعد التي ارتأيتها وهي: الحفاظ على نظرية المنافذ المفتوحة التي قررها الفقهاء، والتي يكون إدخال شيء منها مفطرا للصوم ما عدا الأذن، أخذًا بمذهب المالكية الذين لا يقولون بإفطار إدخال شيء من الأذن، فهذا التصور يتفق مع الطب الحديث ويكون في قرارنا شيء من الحكمة إلا إذا كانت الطبلة مثقوبة. وكذلك ما عدا إدخال شيء إلى الجسد يقصد به التغذية أو الاستمتاع بشهوة المزاج، فإذا كان القصد من إعطاء الحقن أو الإبر التغذية فينبغي أن يكون الشيء مفطرًا، وكذلك إذا كان قضية المخدرات وغيرها قصد به مراعاة هذا الشخص أيضًا يكون مفطرًا، وينبغي أن نفرق بين القصد وعدم القصد ، فما أثاره الدكتور رجائي فيمن يشم الغبار أو الدخان أو البخور ، فإذا تعمد الإنسان شم هذه الأشياء فالقصد والنية معتبرة ((إنما الأعمال بالنيات)) ، إذا تعمد شمها أو فتح فاه ليستقبل الغبار فينبغي أن يكون الشيء مفطرًا، أما إذا وجد في مكان لا قصد له فشم الروائح وشم الدخان أو الغبار فهذا لا يكون مفطرًا، والفقهاء راعوا قاعدة أخرى غير قاعدة المفطرات وهي أن (المشقة تجلب التيسير) وأن كل ما يشق الاحتراز عنه ينبغي أن يكون معفوا عنه، فالقضية في المفطرات ليست مجرد إدخال شيء إلى الجوف أو عدم إدخاله.
كذلك قياس شيء على المضمضة والاستنشاق، حكما لا بد أن يرشح شيء أثناء المضمضة والاستنشاق إلى الجوف، ولكن الفقهاء لم يحكموا بالفطر لأنهم إذا حكموا بذلك أفسدنا التكليف الشرعي، وهو كون المضمضة والاستنشاق سنة في أغلب المذاهب، وواجبة في المذهب الحنبلي، فحينئذ أيضًا ينبغي أن نراعي معنى التكليف، وبالتالي لا يصح أن نقيس على المضمضة والاستنشاق بعض ما يدخل إلى الجوف حتى ولو كان قليلًا سواء كان مغذيًا أو غير مغذ، ولو كان كالسمسمة والبحصة وما شاكل ذلك.
هذا هو المبدأ الأول في موضوع الحفاظ على نظرية المنافذ المفتوحة التي قررها ما عدا الاستثنائين، الاستثناء الذي ذكرته.
وأما ما يرشح إلى جوف العين فهنا نجد أن المذهب المالكي يعتبر القطرة في العين مفطرة، وهذا غير منفذ، ليس منفذًا مفتوحًا، وبقية الفقهاء قرروا أن القطرة في العين حتى لو وجد طعمها في الجوف لا يفطر. فإذن مرة نوافق المالكية في هذا الموضوع ومرة نخالفهم؛ لأن العين - أخذًا بنظرية المنافذ المفتوحة - ينبغي ألا يكون الداخل إليها بالكحل أو القطرة مفطرًا.
أما بقية المنافذ المفتوحة وهي الداخل إلى القبل والدبر والإحليل والمهبل فهذه ينبغي أن تكون مفطرة، وسأذكر أن بعض الإخوة الأطباء قالوا: مفطرة ، وبعضهم قالوا: غير مفطرة. وفضيلة الشيخ السلامي اعتبر أنها مفطر. كذلك أنا أخالف الأطباء في قضية إدخال شيء إلى الجسد مثل القثطرة التي هي الأنبوب الدقيق وما في حكمها، لأخذ خزعة من الكلية أو من الكبد أو تنظير المعدة بالوسائل الحديثة، أو إدخال الطبيب أو القابلة أصابعه بالقفازات إلى مهبل المرأة أو عند الولادة، وسألني كثير من الناس أن الأطباء المولِّدين يدخلون أصابعهم أثناء الولادة لإخراج الولد فهل يمكن أن نقول أن هذه الأشياء لا تفطر؟ فالواقع هنا خرق لمعنى الإمساك الذي يتنافى لغة مع الصيام. القضية ليست قضية الجوف وأنه مغذي أو غير مغذي، وهل يصل إلى الجهاز الهضمي أو لا يصل؟ الواقع هنا خرق لدائرة الإمساك التي ينبغي أن تصان عنها نفس الصائم في حالة الصيام. فينبغي القول بأن هذه الأشياء مفطرة حينما ندخل هذه الأجهزة إلى المهبل والإحليل والدبر ومن المريء إلى المعدة (التنظير الشعاعي) ، كل هذه ينبغي أن تكون مفطرة.
كذلك موضوع انفرد به الشافعية وهو قضية قياس الخطأ على النسيان. الحنفية فرقوا بينهما قالوا: النسيان لا يفطر لأنه مغلوب عليه وأما الخطأ فيمكن تفاديه. أما الشافعية فقاسوا الخطأ على النسيان، وعملوا بظاهر الحديث ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان)) .
وبالمناسبة ما أثير حول حديث الإفطار بالحجامة، نص صاحب كتاب (سبل السلام) أن حديث ((أفطر الحاجم والمحجوم)) منسوخ، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. بهذا النص في (سبل السلام) وأن الحديث لم يعد له وجود لأنه منسوخ. ولذلك أرجو أن يقتلع هذا من أذهان الفقهاء والأطباء أن هذا الحديث له وجود ، هو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم.
بعد هذه الملاحظات المختلفة ما أشار إليه فضيلة الشيخ السلامي أن مضغ العلك الذي لا يتحلل منه شيء غير مفطر مطلقًا، هذا في الواقع ليس مذهب الحنفية أو المالكية إنما هو أيضًا مذهب الشافعية والحنابلة على الراجح أنه غير مفطر مضغ العلك اللبان الطبيعي وليس العلك الحالي المشوب بالحلويات فهذا مفطر بالاتفاق، أما اللبان الطبيعى، هذا ما قالوا: إنه غير مفطر.
أيضًا قلت أن الأجهزة الداخلة إلى المعدة كالمسبار الكاشف لصورة المعدة، في الواقع هي مفطرة، وهو رأي الجمهور غير الحنفية ولو لم يكن عليها دواء، سواء كان وجد دواء، مجرد خرق حاجز الإمساك يعد مفطرًا. كذلك قطرة العين قلت إنها لا تفطر خلافا للمالكية، لا عند الحنابلة فقط، فإنها لا تفطر، لكن الحنابلة ومعهم الجمهور لا تفطر قطرة العين.
قول الشيخ السلامي: " إن الحق ما قاله الغزالي والسبكي والقاضي حسين أنه لا منفذ بين الأذن والباطن "، هذا في الحقيقة وافق الطب، لكن مذهب الشافعية على خلاف هذا التقرير، لأنهم اعتبروا - وهذا تشدد - نبش الأذن بالعود مفطرًا وكذلك صب الدهن وغيره، وهو الراجح عندهم. فإذن قوله:(الحق) الحق يظهر من ترجيح فضيلة الشيخ السلامي.
كذلك إدخال شيء في الدبر مفطر، هذا هو مذهب الجمهور، وهو الرأي الراجح، وبالتالي قياسًا على هذا يشمل إدخال الطبيب أصابعه في المنافذ المفتوحة مثل المهبل وغيره، فينبغي أن يؤخذ القول بالإفطار.
وبناء على ذلك أخالف فضيلة الشيخ السلامي بأن الفحص النسائي للقابلة يكون من المهبل وغيره غير مفطر، وأؤكد أن هذا ينبغي أن يكون مفطرًا.
كذلك أخالفه في أن التخدير الكلي الشامل كل اليوم يفسد الصيام لأنه كالإغماء، لأنه ذهب العقل بالإغماء، كذلك التخدير حكمه حكم الإغماء ينبغي أن يكون مفطرًا. فهنا أيضا لا أوافقه في ذلك.
طبعًا أؤيده في أن جميع الحقن في العضل والوريد لا تفطر إلا إذا قصد بها التغذية. وأؤيد ما قاله فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع في عبارته: " إن الخوف من المرض عند الشافعية والحنابلة يعد عذرًا مبيحًا للإفطار ". الواقع هذا ينبغي ضبطه وهو ما عبر عنه فضيلة الشيخ ابن منيع (خشية المرض) ، الواقع هذا عند غلبة الظن وليس مجرد احتمالات أو مجرد الأوهام (الخوف من المرض) هذا لا يكون عذرًا إطلاقًا.
هذه ملاحظات حول بحث فضيلة المفتي.
ما يتعلق بالملاحظات حول بحث الدكتور البار؛ أنا أؤيده في أن ما يدخل الجسم عن طريق الجهاز التنفسي كالدخان والبخاخ وبخاخ الربو هذا يفسد الصوم، وأن التخدير الموضعي في علاج الأسنان لا يفطر، لأنه لا يؤدي إلى غياب العقل أو الذهن وإنما هو لا يدخل منه شيء إلى الجوف، وبالتالي كل علاجات الأسنان بشرط ألا يصل من آثار هذا العلاج إلى الحلق - فإنه لا يكون مفطرًا.
أما ما يدخل الجسم عبر الفم والحلق متعمدًا يعني عنصر القصد ينبغي أن نراعيه ، وكذلك ما يدخل الدبر وما يدخل المهبل وما يدخل إلى الإحليل، كل هذه مفطرات عملًا بمذهب الشافعية خلافًا لما قاله الدكتور البار.
أيضًا ما يدخل عبر الأذن، الأطباء أشاروا إلى أنه لا يوجد منفذ مفتوح إلى الأذن، وهذه قضية خلافية أنا قلت لا مانع من أن نأخذ بمذهب المالكية في الموضع، وبالتالي نلتقي مع الطب الحديث في هذه القضية. أخالف الدكتور البار في أن أخذ الخزعة من الكبد أو غيره أو غسيل الكلية لا يفطر، هذا في الحقيقة أمر ليس من السهل تقريره أو الاقتناع به.
كذلك الأدهان عبر الجلد هذا أؤيده فيما قال إنها لا تفطر، ونقل الدم وسحبه من الأوردة لا يفطر هذا سليم، وكذلك سحب الدم والحجامة والفصد لا يفطر، هذا كله أؤيده فيه وهو فهم يلتقي فيه الطب مع الفقه.
أما ما يتعلق ببحث الدكتور حسان شمسي باشا؛ في الواقع استرسل الدكتور حسان - حفظه الله - في الاعتبارات الطبية، وبالتالي قرر، أو أنه كان يتجه إلى أن العبرة بالتغذية وعدم التغذية، وهذا منفذ مفتوح أو غير مفتوح، وبالتالي كأنه اعتبر أن أغلب هذه الأشياء لا تفطر، فاعتبر التحاميل واللبوسات والحقنة الشرجية والتنظير الطبي لا تفطر ، في الواقع هي تفطر حتى لو لم يكن عليها مرهم، أما هو يعتبر أنها إذا كان وجد مرهم عندئذ تفطر فقط.
أؤيده في الواقع في بعض الأمور أن نبش الأذن لا يفطر، وأن قطرة العين لا تفطر، ولكن أخالفه في أن البخاخ والتخدير العام وغسيل الكلى، كل هذا لا يفطر، الواقع هو من المفطرات.
كذلك أؤيده في أن كل أنواع الحقن حتى ولو أخذت في الوريد هي في الواقع لا تفطر إلا إذا قصد بها التغذية كالسيروم، هذا صار غذاء في حالة العمليات الجراحية يقصد به التغذي كبديل مؤكد، بدل الفم أو الأنف يعطى من طريق السيروم. وكثير من الناس يأخذ مقويات عن طريق هذه الإبر الوريدية، هل من المعقول نقول إنه لا يفطر؟! ويقصد بذلك الغذاء.
فإذن خلاصة كلامي أن هناك عدة قواعد واعتبارات شرعية ينبغي ملاحظتها في هذا الموضوع وليست مقصورة على مجرد الكلام من بعض الزوايا دون البعض الآخر. وشكرًا.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أحاول بعون الله في تدخلي هذا أن أقدم ضابطًا عامًّا لما يفطر، أخذته مما قرأته من بحوث وتعقيبات مفصلة وجيدة، معتمدًا فيه على ما ورد من النصوص القرآنية والسنة.
أولًا النصوص التي وردت في القرآن بشأن هذا الموضوع هي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ، وقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} . فالآية الأولى يؤخذ منها: أن كل ما يصدق عليه الرفث لغة أو عرفًا فهو محرم في نهار رمضان ومفسد للصوم ، وعلى هذا فالجماع ومقدماته مفسدة للصوم مع استثناء القبلة - لحديث عمر - " إذا لم تؤد إلى غيرها ". ولولا الحديث ما استثنيتها. والآية الثانية، يؤخذ منها أن كل ما يصدق عليه الأكل والشرب لغة أو عرفًا أو حكمًا فهو ممنوع في نهار رمضان ومفسد للصوم. وأعني بـ (حكمًا) تناول المغذيات التي تؤدي وظيفة الأكل أو الشرب. ويستثنى من هذا الضابط أيضًا تعمد القيء لورود الحديث بأنه مفسد للصوم، ولولا ورود الحديث ما استثنيته، لأنه ليس أكلًا ولا شربًا وإنما هو إخراج للأكل. والحجامة إذا صح ما يقوله الشيخ عبد الله بن منيع، ولم يثبت النسخ ولا التأويل الذي ذكره الذي تحدث من قبل فالمسألة مسألة خلافية، لكن الثابت هو موضوع القيء، فهو مستثنى يقينًا.
وجاء الحديث في السنة الصحيحة بما يؤكد هذا ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي)) وفي بعض الروايات ((يدع طعامه من أجلي ويدع شرابه من أجلي ويدع شهوته من أجلي ويدع زوجته من أجلي)) .
وقد أورد الشيخ محمد مختار السلامي في ملخص بحثه ضابطًا للمفطر أو المفطر كما يرى هو، في كل مذهب من المذاهب الأربعة، يصعب فهم أي واحد منها مع ما أخذته من القرآن والسنة. قد يقترب ضابطي هذا من بعضها ويبتعد من البعض الآخر.
وذكر الدكتور حسان ضابطًا لما يفسد الصوم، هو كل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزًا الفم والبلعوم يكون سببًا للإفطار ومفسدًا للصيام، هذه هي عبارته التي وردت في بحثه.
ووافقه الدكتور محمد علي البار على هذا الضابط، وأضاف أن يكون الشخص عامدًا، ولا يشترط أن يكون ما دخل الجوف ووضع بين قوسين:(المقصود الجهاز الهضمي) طعامًا أو شرابًا، وإنما يدخل في ذلك الدواء والدخان. ولا أوافقهما على جعلهما فساد الصوم معلقًا أو مرتبطًا أو منوطًا بما يدخل في الجوف وهو الجهاز الهضمي؛ لأن هذا لا دليل عليه من قرآن ولا سنة. السنة لم تذكر إلا الأكل والشرب، والقرآن لم يذكر إلا هذا. فدخول حصاة إلى الجوف لا تفسد الصوم والدخان لا يفسده والدواء لا يفسده إلا إذا كان طعامًا أو شرابًا فيصدق عليه أنه شراب، يقال: شربت الدواء، فهذا يفسد. أو أدى الدواء، ولو لم يكن طعامًا ولا شرابًا أدى إلى وظيفة الطعام والشراب لأنه يكون في حكمهما. ولا أوافق الدكتورين أيضًا على أن منظار المعدة مفطر لأنه ليس طعامًا ولا شرابًا لا لغة ولا عرفًا، ولا سيما أن الدكتور البار قرر أنه لا علاقة له بالغذاء ، لو كان هذا المنظار مغذ لكان هناك وجه في القول بأنه مفطر.
وكذلك لا أوافق الدكتور البار على أن ما يدخل إلى الدبر (الحقنة الشرجية) وما يصل عبر الأذن مفسدًا للصوم إلا إذا كان ما وصل إلى الجوف مغذيًا فإنه يفسد الصوم.
وقال متحدث قبلي: أن موضوع التغذية هذا لا محل له ولا دليل عليه.
هذا هو الأصل في الطعام والشراب في أنه مغذ، ولذلك أخذنا هذه العلة، فكل ما غذى فهو كالطعام والشراب. وهذا دليل قوي، وقد أورد هذا أحد الإخوة، ذكر وقرأ لكم عبارة ابن رشد وورد فيها التفرقة بين المغذي وغير المغذي. فهذه معروفة منذ القدم عرفها الفقهاء. وأخيرًا قد أورد الشيخ محمد المختار السلامي في ملخص بحثه أربعًا وثلاثين مسألة أوافقه في كل ما رجح فيه صحة الصوم وهي ثماني عشرة مسألة، لأنها متفقة مع الضابط الذي ذكرته. وأخالفه في كل ما رجح فيه فساد الصوم وهي تسع مسائل ما عدا مسألتين أوافقه فيهما، وهما: تعمد القيء والحقن المغذية، ولكم الشكر.
الشيخ عمر بن عبد العزيز:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
معالي رئيس مجمع الفقه الإسلامي
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
أيها الأساتذة الفضلاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في بداية الكلام أشكر سماحة الشيخ محمد المختار السلامي على إتحافه إيانا بهذا البحث العلمي القيم الدقيق، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يوفقه وإيانا لما فيه رضاه.
تعليقي على هذا البحث بين أن ابن سيرين - رحمه الله تعالى - قاس المرض على السفر، أو أنه عبر بأنه سوى بين المرض والسفر، وهذا مفاده قياس المرض على السفر في إباحة الفطر في رمضان، والذي يظهر لي أن ابن سيرين - رحمه الله تعالى - دليله هو النص وهو قوله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، والذي يدل على ذلك أنه عندما سئل قال: وجعت إصبعي. فالإجابة هو بيان لعلة الحكم، وأن العلة هو المرض. فإذا كان قد استدل بالنص بغض النظر عن قياسه هذا، وأما إذا كان قد استدل بالقياس بغض النظر عن النص الدال على الحكم في موضوعه فإن قياسه يرد عليه.
أتفق مع سماحة الشيخ السلامي في أن هذا القياس مردود، ولكن الذي يظهر لي أو الذي قد أختلف معه في رد هذا القياس: ما الذي يرد هذا القياس؟ هل يرده أن القياس مع الفارق، وأن هناك فرقًا بين المرض والسفر، أم أن الذي يرده هو أن القياس في مقابلة النص؟ فالذي يظهر لي- والله أعلم - أن الرد ينبغي أن يكون من منطلق كون هذا القياس قياسًا في مقابلة النص إن كان قد قاس. وأما إذا غض النظر عن النص الدال على حكم إفطاره بسبب ألم إصبعه فإن القياس - الذي يظهر لي والله أعلم - أن القياس قياس الأولى، لأنه أن كان قد قاس المرض على السفر، والسفر اعتبر مبيحًا للفطر نظرًا إلى أنه مظنة وجود العلة وهي المشقة فيه. وأما المرض - كما ذكر سماحة الشيخ السلامي - فهو العلة نفسها. ولا شك أن إفضاء العلة الحقيقية إلى الحكم أولى من إفضاء مظنتها إلى ذلك الحكم.
التعليق الثاني يتعلق بما ذكره سماحة الشيخ في أن الصوم عندما يكون أعون على شفاء المريض فهو لا يبيح الفطر بل يجب على المريض الصوم. وقد أحسن وبين أنه لم ير لأحد قولًا في هذا، ولكن القواعد تقتضي وجوب الصوم عليه ، وهذا صحيح دقيق وسليم، إن شاء الله، ولكنه بين أن هذا لا ينسحب على مذهب ابن سيرين الذي جعل مجرد وجع الأصبع مبيحًا للفطر.
والذي أريد أن أقوله: أن الانسحاب على المذهب يستلزم دخول المذهب في هذا الذي ذكره. أي أن توهم انسحاب كون المرض الذي يكون أعون على شفاء المريض إلى وجوب الإفطار لا ينسحب على مذهب ابن سيرين ، فيما إذا اعتقدنا أن مذهب ابن سيرين يدخل في هذا، ولكن مذهب ابن سيرين لا يدخل أو لا علاقة له بالمرض الذي يكون أعون على شفاء المريض؛ لأن جوابه بأن (ألمًا في أصبعه) هو الذي أدى إلى إفطاره يدل على أنه يرى المرض المؤلم هو المبيح للإفطار وليس كل مرض، بل وليس المرض الذي يكون فيه الصوم أعون على شفاء المريض. ولذلك لا خوف على انسحاب هذا الذي تفضل بذكره سماحة الشيخ على مذهب ابن سيرين؛ لأن مذهب ابن سيرين لا علاقة له بهذا نظرًا لجوابه.
النقطة الثالثة تتعلق بتعريف الشاطبي - رحمه الله تعالى - الرخصة، فهو قد عرف الرخصة وقال: لعذر شاق. وانتقد الشاطبي - رحمه الله تعالى - الأصوليين أو العلماء بأنهم عرفوا وبينوا وقالوا: هو ما أبيح لعذر. واكتفوا بكلمة (عذر) ، ولذلك جعل الشاطبي - رحمه الله تعالى - هذا التعريف غير مانع لدخول المساقاة والقرض والسلم، رغم أن هذه العقود لا تسمى رخصة. والذي أريد أن أقوله: هو أن تعريف الشاطبي - رحمه الله تعالى - قد تناول كلمة (شاق) ووصف العذر بأنه شاق، وهو نفسه - رحمه الله تعالى - قد بين أن المشقة مضطربة، وكما ذكر أيضًا سماحة الشيخ السلامي أن المشقة مضطربة، ولذلك لما كانت المشقة مضطربة أقام الشارع السفر مقامها. والتعريف ينبغي أن يخلو من المضطربات نظرًا لأن التعريف الغرض منه الوصول إلى المعرف وتمييز المعرف عن غيره، والتمييز لا يتأتى إلا بالمحدد. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نقده لتعريف العلماء إنما عرفوه: (هو ما أبيح لعذر) فقط، وما وصفوا العذر بالشاق. بين أن التعريف غير مانع نظرًا لعدم وجود قيد (الشاق) فيه. والذي أريد أن أقوله: هو أن كلمة (عذر) في هذا التعريف مطلقة، والمطلق - كما هو القاعدة الأصولية - ينصرف إلى الفرد الكامل، وبما أن الشارع شرع الرخص للتخفيف، وإزالة المشقة فالمقام يقتضي أدن يكون الفرد الكامل، فإن العذر يكون موصوفًا بالشاق وإن لم يذكر، بل كلمة (العذر) في هذا المقام تغني عن ذكر (الشاق) .
فإذا كان الذي روعي هو مطلق العذر فدخول المساقاة والقرض وما إلى ذلك، نعم يدخل ولكن إذا قيدنا العذر بالشاق فإن هذه العقود لا تدخل. ولكن هل ينظر إلى العذر بالنسبة لفرد خاص أم أنه ينظر إليه بالنسبة للكل (للأمة) ، يعني المشقة بالنسبة للأمة؟ وأعتقد أنه من المعروف أن هذه العقود لو لم تكن شرعت للحق الضيق والحرج الأمة باعتبارها مجتمعًا متكاملًا، وعندئذ ينبغي إذن أن تدخل هذه العقود في تعريف الرخصة إذا نظر إلى المجتمع باعتباره كلًّا، وإذا كان ينظر إلى الفرد فإن العذر نظرًا إلى انصرافه إلى الفرد الكامل فإنه لا يدخل.
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، وأن يلهمنا الصواب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عجيل جاسم النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا الهادي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
تعليقي على قضية جزئية أعتقد أنها تستحق النظر لأنها خلافية. بالنسبة للقليل من الأدوية التي تجاوز الحلق إلى الجوف مما ليس للغذاء كقطرة الأذن مخروقة الطبلة، وقطرة العين؟ وقطرة الأنف، وبخاخ الأنف، وبخاخ الربو كما ذكره الأطباء. أعتقد أن هذه غير مفطرة فإن القليل من هذه القطرات أو أثر البخاخ ليس له اعتبار في إفساد الصوم، نظيرًا بالمعنى الدقيق للقليل المتحلل من السواك، ولا يفطر قطعا للنص وهو قول ربيعة رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائما ما لا أحصي ولا أعد. فالسواك لا يفطر والأطباء ذكروا أن في السواك ثماني مواد كما سمعنا من العرض، ونظير القليل من هذه الأدوية ما يتسرب إلى الجوف من أثر المضمضة والاستنشاق وهو معفو عنه أيضًا. فما كان يسيرًا من هذه الأدوية لا بأس به ولا يفطر من جانبين؛ لأنه ليس أكلًا أو شربًا، ونظائره شواهد من مثل آثار السواك والمضمضة والاستنشاق أما ما كان أكلًا أو شربًا فيفطر قليله وكثيره لورود النص قطعًا في الأكل والشرب وهو نص مطلق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ إبراهيم السلقيني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث هدى ورحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه.
أولًا: أشكر الإخوة الأفاضل الباحثين الذين أجادوا وأفادوا بما بذلوا من جهد، ولكن لا بد أن نقف عند بعض النشاط التي يجدر بنا أن نذكر ما يدور حولها من ملاحظات.
سماحة الشيخ محمد المختار السلامي - حفظه الله- فيما يتعلق بالمرض يبدو لي - والله أعلم - أن العلة هي المرض كما أن العلة السفر، وذكر المشقة في كل ذلك إنما هو حكمة وليس علة. لأن الحكمة غير منضبطة، والعلة - كما يعلم الجميع - هي الوصف الظاهر المنضبط. ولكن أي مرض؟ هل مجرد الألم في الإصبع علة مؤثرة في إباحة الفطر، أم أن المقصود من المرض هو المرض الذي يتفاعل مع الصوم تأثيرًا ووجودًا وعدمًا، أي المرض الذي يحدث بسبب الصوم أو المرض الذي يزداد، أو المرض المراد به تأخر الشفاء ، وليس أي مرض يعتبر مؤثرًا في وجوب الفطر أو في إباحة الفطر. في وجوب الفطر عند تحقق الهلاك، وفي إباحة الفطر عند غلبة الظن بوجود الضرر.
أما فيما يتعلق ببحث الأخ الدكتور البار، فلم يذكر لنا في مجال المناقشة للمفطرات ما يتعلق بقطرة العين، لم يبين لنا رأيه الطبي فيما يتعلق بقطرة العين. أما ما يتعلق بقطرة الأذن فأحب أن أضيف - والرأي في هذا للأطباء - أنني سألت عددًا من الأطباء المختصين في أمراض الأذن ، فقالوا لي: أن نسبة لابأس بها من الناس مصابون بثقب في غشاء الطبل وهم لا يشعرون، يعني لو يشعر فهناك انضباط، لما يكون مثلًا هناك مرض في ثقب فأقول: أفطر، وعندما لا يكون هناك ثقب لا أفطر. إذن المهم في الأمر أن المريض لا يعلم ولا يشعر بأنه قد ثقب غشاء الطبلة. بمعنى أنه قد يكون هناك التهاب يؤثر في ثقب الغشاء ثم المرض يزول والغشاء يبقى مثقوبًا. فأعتقد هنا إذا كان الأمر كذلك ، وأمر العبادة يبنى على الأحوط لا على الأيسر خلافًا للمعاملات فيكون الرأي - والله أعلم - بالفطر بقطرة الأذن فيما يبدو لي.
أيضًا أوكد ما ذكره أخي فضيلة الشيخ عكرمة وقد سبقني في ذلك بأن ما ذكره الأخ الدكتور البار من أن ما يدخل الجسم عبر الفم والحلق أنزله منزلة النسيان، سواء كان بسبب قلع الضرس أو عملية جراحية في الفم، فهذا في غير موضعه ولا ينسجم أبدًا مع النسيان فيما يبدو لي؛ لأن إجراء القلع أو العملية من الممكن أن تؤخر إلى المساء أو إلى ما بعد الإفطار إلا إذا وجدت ضرورة وحينئذ الضرورة لها حكمها.
فيما يتعلق بالتفريق بين حقن الوريد وحقن الجلد والعضل ، فيما يبدو والله أعلم، أن حقن الوريد تختلف اختلافًا كليًّا عن حقن العضل، فحقن العضل مقيسة على امتصاص الجلد، وهو بالإجماع لا يفطر. أما الحقن الوريدية فهي مفطرة لأنها تستعمل لإيصال الغذاء والدواء وبشكل أسرع بكثير مما لو أخذ الغذاء أو الدواء عن طريق الفم. وهنا أخالف من تفضل وذكر بأن الأكل والشرب فقط. نعم الأكل والشرب شكلًا وأيضًا الأكل والشرب موضوعًا وحقيقة، فحينما أخذ حقنة للتغذية فهي في معنى الأكل والشرب حكمًا وحقيقة، وان لم يكن أكلًا ولا شربًا في الصورة. ومن هنا فأقول بأن حقنة الوريد إما أن تؤخر إلى وقت الإفطار، وإن كان هناك ضرورة فتؤخذ وعليه القضاء.
فيما يتعلق بما أثاره الأخ الفاضل حول حبوب تأخير الحيض، فأقول: هذا مبني على قول الأطباء ، إن كان ليس هناك ضرر للمرأة - كما هو في أمر الحج سواء بسواء - فيجوز لها أن تأخذها. وموضوع حبس الدم وعدم حبس الدم في الحقيقة أنا ما أتصور مثل هذا، يعني إما أن يكون عامل تأخير أو لا يكون عامل تأخير. فإن لم يكن عامل تأخير فهي تفطر والوضع طبيعي، وإن كان عامل تأخير فالأمر يعود إلى ضرر الدواء أو عدم ضرره، فإن لم يكن هناك ضرر، وأنا كنت سألت عددًا من الأطباء المختصين بأمراض النساء، قال أن لم يكن مداومة أو إكثار من هذا لمرة أو لمرتين فلا يضر. فالأمر علاقته بالطب، والحكم الشرعي مبني على الحكم الطبي. والله أعلم.
الشيخ خليفة أبا بكر:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الإخوة المحاضرين الذين غطوا موضوع المفطرات، سواء كان ذلك على الصعيد الفقهي، أو كان على الصعيد الطبيّ. وأقف هنا لأذكر أن المصطلحات الفقهية والطبية قد لا تتفق في كل الأحوال. فما ذكره الفقهاء من مصطلحات وعبارات هي مصطلحات وعبارات تقريبية. فمرادهم بـ (الدماغ) ما يقابل فعلًا المعدة بمعنى أنه الجزء الأعلى، وهذا أمر يتفق مع السياق الذي جاء فيه حديثهم عن هذا المصطلح.
فيما وراء ذلك أعجبني في البحوث أنها اتجهت إلى التأصيل ومحاولة وضع المعايير والضوابط، وهذا هو الذي يحتاجه الناس في يومنا هذا للفتوى، لأننا نحتاج إلى استخلاص ضوابط ومعايير سواء كانت هذه الضوابط والمعايير ابتداء بالطبيعة من القرآن والسنة، وهما الأصل، ثم بعد ذلك يأتي الاستئناس بالفقه الإسلامي في مذاهبه المختلفة في أن نفصل هذه الضوابط والمذاهب بالنسبة لكل مذهب من المذاهب حتى نستطيع وعلى هديها أن نطرق الأحكام فيما يستجد من حوادث.
ولعله واضح من خلال العروض التي قدمت لنا أن هناك نقصًا كبيرًا فيما يتصل بهذا الجانب وهو جانب العلة في هذه الآراء وهذه الأحكام، وتعليل الاختلاف الذي وقع بين الفقهاء. هل العلة في الإفطار هي الغذاء أم العلة الشهوة، أم العلة هي مجرد دخول شيء إلى البطن
…
إلخ؟ هذه المسائل فعلًا وضح من خلال الحديث الذي دار، سواء كان ذلك في البحوث أو كان ذلك في المناقشات دل ذلك على أن هذا الجانب كان يحتاج إلى كشف، وهذا ما يدعو إليه الناس بضرورة الحديث عن المقاصد الخاصة بكل علم من العلوم أو مبحث من المباحث، يعني يسبقه حديث عن المقاصد المتصلة بهذا الجانب، لو تم ذلك لسهل علينا كثيرًا، ولكنا اليوم نتجه مباشرة إلى أن نعطي آراء في المسائل المعروضة علينا، ذلك أن هنالك جانبا كبيرا يكون قد غطي ، وانطلاقًا منه يمكننا أن نعطي آراء في المسائل التي عرضت علينا.
على كل حال هذه البداية تعتبر - في نظري - بداية جميلة، لكنني أرى أن المسائل التي نص عليها الفقهاء على اختلاف مذاهبهم ينبغي ألا نتناقش فيها لأن الاختلاف رحمة، وهنالك السعة في المذاهب المختلفة، وأن ندع الناس يأخذون بما يشاؤون بحسب ما يحق مصالحهم، ولأن هذه المسائل خاصة بالعبادات وهي مسائل ذات حساسية خاصة، ليست كالمعاملات التي يتبع فيها وجه المصلحة، ولهذا يترك في المسائل التي تحدث عنها الفقهاء من المسائل السابقة تترك كما هي. فقط نأخذ من آراء الفقهاء هذه الموجهات - كما ذكرنا - والضوابط والمعايير والهوادي كي ننظر في المسائل الحديثة. هذا هو الذي ينبغي أن نتجه إليه.
بعد ذلك أحب أن أعلق بأن كلام الإمام الشاطبي عن الترخيص في العقود لا يعتبر أنه من باب الرخصة بناء على التعريف الذي أورده الأصوليون للرخصة. حقيقة الأصوليون يذكرون أن كذا داخل في باب المستثنيات (العقود، العرايا، المزارعة، المساقاة) استثناؤها من الأصل العام يعتبر من باب المستثنيات للتخفيف، وهي داخلة حقيقة في باب الرخصة. المشقة دائمًا يأتي التعبير بها في باب العبادات، ولا ترتبط هذه الأشياء بالحديث عن المشقة؛ لأن المشقة غالبًا تأتي في باب العبادات، لكن هذه العقود مربوطة بالرخصة من حيث هي رخصة، وتأتي في باب الحديث عن الرخص كقسم من الأقسام التي جاء فيها الترخيص في الشريعة الإسلامية، وبني الاستثناء على أسباب استدعت ذلك.
بعد ذلك أيضًا أحب أن أنبه أو أناقش فضيلة الشيخ محمد مختار السلامي في بحثه القيم في أنه ذكر أن الرخصة شخصية ، أنا في نظري الرخصة في الشريعة ليست شخصية، الرخصة في الشريعة موضوعية، معيارها موضوعي، ذلك أن الشريعة لم تربط الرخصة بالحكمة وهي المشقة، وقد عدل الفقهاء عن ذلك كما ذكروا؛ لأن الحكمة غير منضبطة، فما يكون مشقة في زمن هو ليس مشقة في زمن آخر، وما يكون مشقة عند شخص ليس هو مشقة عند شخص آخر وهكذا ، لهذا السبب عدلوا عن ربط الأحكام بالحكم، وربطوها بالعفة وهي الوصف الظاهر المنضبط، والعلة هي السفر والمرض {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} والمرض موضوعي، هذا مريض فهو مريض أيا كان المرض، السفر أيا كان بطائرة أو بقطار أو براحلة هو سفر. على كل حال المعيار العام صار معيارًا موضوعيًّا. الحديث عن أن الرخصة شخصية هذا يتأتى في إطار الحديث عن الحكمة. صحيح أن الحكمة هي العلة الأساسية وهي الباعث على الأحكام، لكن الفقهاء جعلوا بيننا وبينها حاجزًا، ذلك الحاجز هو الوصف الظاهر المنضبط وهو العلة.
بعد ذلك الحديث عن حالات إجراء الغسيل - مثلًا - بالنسبة للكلى وكونه لا يفسد الصوم أو لا يبطل الصوم، أظن أن هذا لا محل له؛ لأن من هو مصاب بمرض الكلى أساسًا، يباح له أن يفطر، فكيف نبحث عن أنه يصوم؟ هذه المسائل أعتقد أنها ربما تكون إيغالًا في الترف؛ لأن هذا الشخص أساسًا التركيبة والحالة التي هو عليها لا تبيح الصوم له ، فلا يصوم أساسًا وهو معفو عنه، فليس هنالك داع لأن نجث ما يترتب عن ذلك من نقل الدم له، وأن نقله لا يترتب عليه إفسادًا للصوم.
هذا ما أردت قوله. وشكرًا.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
شكرًا لكل من تحدث قبلي وللأخوة الثلاثة الباحثين ولإدارة المجمع، وأحب أن أوجه شكري لإدارة المجمع للمنهج الجديد الذي سلكته في البحث والتعقيب ، وأرجو أيضًا في الأبحاث القادمة أن يضاف شيء آخر وهو مراعاة التخصص للبحوث المشتركة، فهنا الفقيه تعرض للجانب الطبي، والطبيب تعرض للجانب الفقهي، فلو أننا نظرنا في البحوث القادمة - أن شاء الله - أن يكون هناك اشتراك في البحث الواحد، فنكلف الفقيه والمتخصص ببحث واحد لعل هذا يكون فيه النفع أن شاء الله. نحن هنا أمام عبادة، والعبادة يجب فيها الاحتياط، ولكن أيضًا يجب فيها رفع الحرج. وهنا بالنسبة للأكل والشرب صورة ومعنى والجهاز الهضمي والتغذية أرى أن هذا يجب أن يراعى ما هو في معنى الأكل والشرب، وأن يراعى أيضًا الجهاز الهضمي.
ما ذكره الأطباء حول الجهاز الهضمي كلام علمي دقيق يتصل بالأكل والشرب ، ولذلك ما لا يدخل إلى الجهاز الهضمي وليس فيه معنى الأكل والشرب ولا يتنافى مع مقصود الصيام والهدف من الصيام والغاية من الصيام ربما كان هذا لا يفسد الصيام، فمثلًا أخذ شيء من الكلية - عينة من الكلية - هذا لا يتنافى مع الهدف من الصيام، وفي الوقت نفسه ليس فيه معنى الأكل والشرب لا صورة ولا معنى. كذلك بالنسبة للجامد الذي يدخل إلى الجسم، الحنفية هنا لهم كلام لعله يفيدنا وهو اشتراط الاستقرار حتى يكون الجامد مفطرًا يستقر في داخل الجسم. الأخذ بكلام الحنفية هنا يفيدنا في المناظير وغيرها من الأشياء التي لا تستقر في الجسم، فهي ليست في معنى الأكل والشرب، وفي الوقت نفسه المريض في حاجة إلى هذه الأشياء، ثم أن هذا أيضًا له ما يؤيده من سادتنا الفقهاء.
بالنسبة لحديث (الحاجم والمحجوم) في القول بالنسخ نعم ورد في أقوال كثيرين والتأويل أيضًا، التأويل بأن الحاجم يمكن أن يفطر لأن الدم يمكن أن يدخل في جوفه ، وأن المحجوم يمكن أن يفطر لأن الحجامة تضعفه فيضطر إلى الفطر، هذا بالتفصيل موجود في كثير من الكتب.
أما موضوع القليل والكثير ، مع ضم الضرورة والحاجة فلو أنه ثبت فعلا أن قطرة العين - كما تحدث الأطباء - لا يصل منها إلى الجسم إلا هذا القدر الذي يمتص ولا يدخل إلى البلعوم؛ إذن معنى هذا أنه لايؤثر على الصوم. بالنسبة لمرضى الربو، العدد الذي ذكره الإخوة الأطباء والحاجة إلى هذا، أنا أقول هنا ليس إفتاء فلست مفتيًا وإنما أقول من باب التساؤل فقط للبحث، الأفضل هنا النظر إلى أن هذا المريض ما يدخل في جوفه بعد أن يدخل في الجهاز التنفسي والجزء المتبقي الذي لا يكاد أن يرى هل هنا مقاصد الصوم تدفعنا إلى القول بأن هذا يفطر، وأن نقول له أيضًا أفطر وأعد؟ وكيف يعيد وهو مريض؟ هذا مرض مزمن، أم أن مثل هذا يمكن أن يكون معفوا عنه لأنه لم يتعمد الإفطار، لم يتغذ، لم يجترئ على شهر الصيام. هنا علاج والشيء هنا قليل إلى هذا الحد هو أقل من السمسمة كما وصف الأطباء. التخدير، إذا ثبت أن التخدير لا يصل منه شيء إلى الجهاز الهضمي كما قال الأطباء، فإذن هو ليس طعامًا لا صورة ولا معنى، ولم يصل إلى الجهاز الهضمي.
غسيل الكلية، إذا ثبت، أيضًا أن غسيل الكلية لا يؤدي إلى شيء يدخل إلى الجهاز الهضمي.
هذه أشياء يجب أن نتحقق منها طبيًّا أولًا، هل يدخل منها شيء إلى الجهاز الهضمي أم لا يدخل؟
بالنسبة للحديث عن وظيفة المجمع، أعتقد أن وظيفة المجمع ليست
فقط بيان المذاهب، فالمذاهب مبينة في كتبها، وهذه وظيفة تكون ميسرة لا تحتاج إلى هذا المجمع، إنما أعتقد أن وظيفة المجمع الأساسية أو الرئيسية الاجتهاد في ضوء الكتاب والسنة، وهذا هو الاجتهاد الجماعي الذي نحتاج إليه في عصرنا.
أكرر شكري وتقديري والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا وسول الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عمر بن عبد العزيز:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا ذكرت بالنسبة لقياس ابن سيرين رحمه الله أنه قياس في مقابلة النص فيرد ، والقياس في مقابلة النص هو أن يفضي القياس إلى حكم مخالف للحكم الذي أدى إليه النص ، أي أن يدل القياس على خلاف ما دل عليه النص، وقياس ابن سيرين ليس من هذا القبيل، وكان قصدي أن أقول: أن النص موجود وهو يقيس. وكان منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى أنهم يرجعون إلى الكتاب ثم السنة ثم إلى القياس ، أما عمل ابن سيرين فهو أيد النص بالقياس ، ولم يقس في مقابلة النص.
أحببت أن أوضح هذا لأن إطلاق القياس في مقابلة النص على هذا ليس صحيحًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع هذه وقفات سريعة مع السادة الذين تحدثوا.
هناك وقفة مع الدكتور الألفي حفظه الله عندما طرح لنا مسألة جديدة وهي مسألة المزاج ، شيء بالإضافة إلى الغذاء ومسألة اللذة الجنسية.
أنا في الواقع لم أجد ما يدل على ذلك، وأنا أطلب منه أن يتفضل بذكر الدليل ، وإلا لكان هذا الأمر لأبطلنا كل شيء يؤثر في اعتدال المزاج للصائم ، فلو فرضنا: يجلس في ماء بارد مثلًا أو يمر في حديقة غناء، هذه أشياء تؤثر في المزاج. المزاج لا أرى ما يدل على لزوم تضييق مزاج هذا الإنسان الصائم المسكين.
الشيء الآخر، ذكر أن إدخال الناظور إلى الرحم قد يلذذ هذه المرأة. أنا لا أعتقد أن ذلك يحدث أولًا، لا أعلم كيف يلذذ وهو يقتلها بهذا الأسلوب؟ وإذا كان هناك تلذذ من هذا القبيل أنا لا أؤيد سماحة الشيخ الضرير في أن الرفث يفسر بالجماع ومقدماته. لا أدري هل هناك من أفتى بتحريم كل مقدمات الجماع على الصائم معناه أنه ليس له أن يقبل؟ ويقال أن القبلة هي أهم المقدمات ، ولا أعلم أيضًا ليس له أن ينظر إلى زوجته المتزينة، ليس له أن يلمسها!! هذه كلها مقدمات للجماع ، أنا لا أفهم من الرفث إلا أنه تعبير قرآني مهذب عن مسألة الإدخال ومسألة الإنزال، وليس مسائل أخرى وهي التي كادت تراود أذهان البعض.
ثم مسألة إدخال الدواء إلى الشريان، قال: إنه يفطر. أيضًا لا دليل عليه ، يعني إدخال الدواء أو المسكن - كما سأل الأخ - إلى الوريد لا دليل على أنه يفطر، لأنه ليس فيه لا ملاك التغذية وليس فيه أي ملاك آخر أو أي عنوان آخر يصدق عليه. ومن هنا أجيب الدكتور الذي سأل من مسألة المسكن: لا مانع مطلقًا من دخول الدواء ودخول المسكن إلى الأوردة، ولا يشمله أي دليل مانع.
سماحة الشيخ عكرمة سأل وأشار إلى علاقة الأوردة بالجوف ، أنا أوافق أن الجوف لم يرد فيه نص، وإنما هو ما نفهمه عرفًا من عنصري الأكل والشرب، هذا الذي نفهمه، وإذا لم يكن ورد بلفظه فنحن لا نتقيد بلفظ الجوف ، وإنما نلتزم بحقيقة الطعام والشراب. ولذلك أنا أخالف سماحة الشيخ في أنه التغذية غير المنظورة ، التغذية هي روح الطعام، وهي حضور الطعام والشراب في البدن، هي كل شيء في الطعام والشراب ، وحينئذ فأعتقد أن الأوردة أن كان هناك من يقول بأن الأوردة تدخل في إطار استمرار الجوف وتأثير الجوف في البدن، وبالتالي فتغذيتها مضرة، هذا الأمر أنا قلت أنا أحتاط فيه وجوبًا فأنا لا أستغرب من يقول ذلك ، وأنا شخصيًا أحتاط بذلك. سماحة الشيخ ابن منيع اعترض على الشيخ السلامي بأن هذا الحديث موجود ((أفطر الحاجم والمحجوم)) . الشيخ السلامي لم يرد أن ينفي هذا الحديث. هو يقول: إن موضوع هذا الحديث قد انتفى.
وانتفاء الموضوع لا يعني اعتراضه على أصل الحكم، لنفرض أن الخمر انتفت كلها من الأرض يبقى حكم الخمر على ما هو عليه قائمًا ، الموضوع إذا انتفى لا يؤثر على نفي الحكم.
ومن هنا أشير إلى ما قاله الأستاذ ساتريا من أن المرأة هل لها أن تشرب دواء يؤخر حيضها؟ ما المانع في ذلك؟ إذا شربت فقد انتفى موضوع الإفطار بذهاب الحيض ، أقول حتى ولو كان ذلك مضرًّا، فإن العمل نفسه إذا كان مضرًّا فهو محرم، ولكن إذا ارتكبت هذا المحرم على فرض أنه يضر فقد انتفى الموضوع ولا أثر لذلك على صومها في الأيام التي كانت تحيض فيها في الأشهر الأخرى ، إذن الموضوع هنا انتفى.
مسألة القطرة في العين والقطرة في الأذن والإصرار على أنهما مفطرتان، رأينا أن الطبيبين الفاضلين أشارا إلى أنه قد يصل جزء منهما إلى الجوف. ما دام قد يصل إذا نحن نشك في الوصول حتى ولو احسسنا بطعم في الفم. ما دام شككنا في الوصول إلى الجوف مسألة الإفطار غير متحققة. يعني بمجرد أن نشك قلنا: أن الأصل هو البراءة في هذا المعنى.
الشيخ وهبة أشار إلى أن إدخال شيء في القبل أو الدبر مثل الأصبع مفطر لا من باب الطعام والشراب بل من أنه خرق لمبدأ الإمساك. الإمساك ليس مطلقًا يا سماحة الشيخ، الإمساك له متعلق، الإمساك عن ماذا؟ عندما نقول: الإمساك عن الطعام والشراب سوف لن يشمل مثل هذا المورد كإدخال أصبع مثلًا في القبل، هذا لا يخرق مبدأ الإمساك. الإمساك هنا له متعلق، ومتعلقه الطعام والشراب والشهوة الجنسية بمعناها الأصيل، خلافًا لسماحة الشيخ الضرير، يعني الإمساك عن مسألة إدخال الحشفة أو الإنزال أو هما معًا، هذا هو الذي يتعلق بالإمساك. مسألة الرفث إذن أنا أؤكد أنها لا تعني مقدمات الجماع، وإنما العلماء كلهم فهموا الجماع فقط. ليس هناك من يفتي بأن مقدمات الجماع كلها مرفوضة، والرفث هو تعبير قرآني - كما قلت - مهذب عن مسألة الجماع.
مسألة دخول الحصاة إلى الجوف ، سماحة الشيخ قال إنها لا تضر لأنها ليست أكلًا. لا، هي أكل لكنه أكل غير متعارف ، لو أكل ترابًا، لو أكل رمادًا، هذا أكل لكنه أكل غير متعارف فقد دخل شيء خارجي واستقر في معدته، وما أكثر ما يأكل الإنسان مع الطعام الجيد بعض الذرات المحرمة، هو داخل جزء من أكله. ولذلك أعتقد أنها مفطرة.
سماحة الشيخ عجيل قاس القليل من الدواء على ما يبقى من المضمضة والسواك ، أعتقد أن القياس ربما في غير محله ، ما دمنا نحتمل أن مسألة المضمضة والسواك لهما عنوان معين لأن الشارع يركز عليهما ، فلعله جعلها استثناء من هذه المسألة، ولعله تصور أنها تنحل لعابًا فتصبح لعابًا، وبلع اللعاب بعد ذلك، بعد استحالة اللعاب لا مانع منه.
لا يمكن قياس القليل من الأدوية على هذه الأمور، لذلك يجب الاحتياط، ولا أقول بل يجب الفتوى، لأنه يدخل في باب شرب الدواء وإن كان قليلًا.
بقيت كلمة واحدة من سماحة الشيخ السالوس فهو يعتبر من الضرورة، والحاجة ربما تبيح لنا التسامح في مثل هذا الشيء القليل، وهو يقول: كيف يقضي بعد ذلك والمرض مزمن؟ أقول: إذا كانت هناك حاجة، وإذا كانت هناك ضرورة فحينئذ يفطر؛ لأن الحاجة تبيح له الإفطار ما دام هذا شربًا، أما أن نخرجها من عملية الشرب، أما إذا كانت شربًا قليلًا فالحاجة تبيح له أن يفطر، وليس علينا أن نطالبه بالقضاء، ما دام مريضًا فلا قضاء عليه ، والشرع - والحمد لله - رحب وواسع. وشكرًا.
الشيخ هيثم الخياط:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
لدي عدد من الملاحظات التي تتصل بتحرير الجانب الطبي لعلها تساعد على تحقيق مناط الشرعيين، إن شاء الله.
ملاحظة تتعلق بتحديد المناط بالجوف ، فهذه اللفظة لا نرى تعريفًا لها في الكتاب والسنة ، بل لقد استعملت فيهما لغير ما تستعمل له في كتب الفقه {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} مثلًا، ولا نجد لها تعريفًا محددًا في كتب اللغة، ولا يعرف أطباء الأمس ولا أطباء اليوم شيئًا يقال له الجوف هكذا معرفًا بالألف واللام، ولكنهم يعرفون أجوافًا معرفة بالإضافة كجوف الصدر الذي يشتمل على الرئتين والقلب والعروق الكبار، وجوف البطن الذي يشتمل على المعدة والأمعاء والكبد والطحال، وجوف الأنف، وجوف الفم، وجوف المعدة، إلى غير ذلك من الأجواف. فكان على أطباء اليوم أن يجتهدوا في معرفة المراد من الجوف.
والظاهر- والله أعلم - أن فقهاءنا أرادوا بالجوف ما نسميه اليوم جوف المعدة فقط، وأنا أخالف من يرى من الأطباء أن المراد بالجوف الجهاز الهضمي، فالجهاز الهضمي له تعريف محدد عند أطباء اليوم يبدأ بالفم وينتهي بالشرج. والمضمضة لا تفطر بيقين النص، فصح أن الجوف والجهاز الهضمي غير متطابقين. وإذ الأمر كذلك فقد وجب أن نبحث عن الجوف الذي يطلق على دخول الطعام والشراب إليه اسم الأكل والشرب في لسان العرب الذي نزل به القرآن الكريم، وهذا لا ينطبق إلا على جوف المعدة، وما يدخل من السوائل والجوامد في الدبر لا يصل إلى جوف المعدة بحال، يستحيل أن يصل إلى جوف المعدة أصلًا.
النقطة الثانية تتعلق بالامتصاص والمذاق ، الامتصاص لا يعني الأكل والشرب ، أطباء العصر يعرفون أن الماء والأدهان وكثيرًا من الأدوية تمتص من داخل الجلد ومن باطن الفم، ولم يرد نص بتفصيلها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو صائم، وأمر بالإدهان دون تمييز بين صائم ومفطر، وعد المضمضة غير مفطرة ، فما يمتص من سائر الأماكن - سائر الأعضاء - ينبغي في رأيي أن ينظر إليه بالنظرة نفسها.
موضوع الذوق ، الحلق ليس محلًّا للذوق، وإنما محل الذوق الحليمات الذوقية التي توجد على أواخر اللسان أو على جوانب اللسان. فقولهم:(وجد طعمه في حلقه) غير مفهوم بالنسبة لطب اليوم، وإنما الذوق في هذه الحليمات. لكن هناك قضية بسيطة تتعلق بالامتصاص ، الدواء الذي يمتص قد يكون له طعم قوي جدًّا، هذا يمتص إلى الدورة الدموية فيدور ويصل بعد ذلك إلى اللسان فيحس المرء بطعمه، هذا ليس معناه أنه قد وصل إلى الجوف بالمعنى الذي ذكرناه، ولكن معناه أنه قد دار في الدورة الدموية ووصل إلى حليمات الذوق التي هي في اللسان ، هذا أمر أعتقد أننا لو أبقيناه في ذكرنا لساهم في تحرير المناط.
ما يمتص من جوف الفم شيء مهم ، كان الناس يظنون قديمًا أنه لا يمتص شيء، وأن كل شيء ينبغي أن يصل إلى جوف المعدة حتى يمتص ، الحقيقة أن كثيرًا من المواد تمتص في جوف الفم، وهذا ينطبق - والله أعلم - على كل هذه القطرات الصغار التي تحدثنا عنها أنها توجد بمقادير صغيرة جدًّا كالذي يأتي من قطرة العين ومن قطرة الأنف ومن قطرة الأذن ومن البخاخ وما شابه ذلك، هذه كلها إن وصل منها شيء إلى جوف الفم فإنها تمتص من باطن غشاء الفم ولا يصل منها إلى المعدة شيء ، هذا شيء نستطيع أن نتحقق منه بالتجارب التي نَسِمُ بها بعض هذه المواد بمواد مشعة فما يصل إلى المعدة من المضمضة لو وسمنا ماء المضمضة بمادة مشعة ثم بحثنا عن هذه المادة المشعة في المعدة لوجدنا منها شيئًا أكبر بكثير مما يمكن أن يوجد من مادة وسمناها وقطرناها في العين أو الأنف أو الأذن، وما نقطره في الأذن لا يصل بحال إلى جوف الأنف أو جوف الفم.
النقطة الأخيرة هي دخول الدخان أو البخار أو أي غازات من الغازات إلى المريء فالمعدة، فهذا لا يكون، فقد منع الخالق الخبير - جل وعلا - أي اختلاط بين ما يدخل إلى المريء وما يدخل إلى قصبة الهواء، وذلك بفضل غضيريف يسد الحنجرة ويقال له: لسان المزمار. فإما أن ينفتح لسان المزمار فيدخل الغاز إلى الحنجرة فالقصبة الهوائية استنشاقًا ولا يدخل إلى المريء، وإما أن ينغلق لسان المزمار فيدخل الجامد أو المائع إلى المريء ابتلاعًا، ولو حدث كلاهما في وقت واحد لشرق الإنسان وأصابه كرب عظيم، وربما هلك. فلا مجال للقول طبًّا إذا باستنشاق الدخان أو البخار أو أي غاز إلى جوف المعدة، وأنا لم أقل كما ذكر أخي الدكتور الألفي: أن المرء يخلط الأوكسجين بالمخدرات، ولكني تحدثت قبل أسبوعين في الدار البيضاء عما يستنشق ولا يؤكل أو يشرب فذكرت غاز الأوكسجين وغازات التخدير، أي غازات البنج لا المخدرات.
الدم لا ينحبس إذا أعطيت حبوب منع الحمل، فهو ليس دمًّا كان ينبغي أن يخرج ولم يخرج وإنما الدم الذي يخرج إنما هو ذلك الغشاء الرحمي - غشاء باطن الرحم - الذي أعد لاستقبال البييضة المخصبة، فإذا لم تصل البييضة المخصبة فإن بطانة الرحم أجمع تنسلخ وينزف معها شيء من الدم لأنها انسلخت. هذا هو الدم الذي يحدث حينما يحدث الطمث، فمن أجل ذلك لا يوجد دم ينحبس. وقد أحببت أن أبين هذه النقطة التي ذكرت في مناقشة أحد الأخوة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم.
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر للمجمع على التصدي لهذا
الموضوع، وبخاصة في القضايا الحادثة نظرًا لما نعلمه من اضطراب للفتوى في هذا المجال على صعيد العالم الإسلامي، حيث يسأل كثير من الناس، والناس متشتتون بين من يقول: إن هذا الأمر يفطر أو لا يفطر.
حقيقة المنهج الذي اعتمده المجمع في هذه الدورة في موضوع التعقيب يستوجب الشكر والتقدير مع رجائي أن يكون التعقيب في المستقبل - إن شاء الله - تعقيبًا مكتوبًا بحيث ترسل الأبحاث إلى المعقبين مسبقًا، إذا أذن لي معالي الأمين العام لي رجاء، وهو صاحب الفضل في هذا التطوير لآلية العمل في المجمع، بحيث يتصدى المعقب لكل القضايا المطروحة في البحث بهدف إثراء العملية وبهدف الوصول لصياغة لمشروع القرار، الذي نتوجه جميعًا في نهاية بحثنا وحوارنا ونقاشنا حول أي موضوع مطروح، للوصول إليه. القول في هذا الموضوع كمدخل أساسي للبحث وكمحور هام من محاوره، هو محاولة الوصول الى ضابط واضح يستهدي بالنصوص الشرعية، ولا يغفل ما وصل إليه البحث الطبي القطعي في هذا المجال ، لاحظت أن عددًا كبيرا من الحوارات التي دارت بين الإخوة العلماء دارت حول هذا الموضوع، ولكنني كنت أتمنى أن ننطلق مما وضعه الفقهاء من ضوابط في هذا المجال لنرى دقة هذه الضوابط واطرادها على ضوء ما قرروا من فهم للنصوص الشرعية، وعلى ضوء ما وصل إليه البحث الطبي.
لدينا مجموعة الضوابط التي اختصرها أستاذنا السلامي في بحثه القيم حول هذا الموضوع معزوة للمذاهب الأربعة. إذا دققنا النظر فيها فإننا نجد مدارها على موضوع النصوص، ولكن نتيجة أن المعرفة الطبية لم تكن مستكملة في بعض الجوانب حدث هذا الاختلاف بين مجموع المذاهب وبين أئمة كل مذهب أو فقهاء كل مذهب على حدة. نحن أمام عبادة، والعبادة مع التأكيد أنها قائمة على الاحتياط والتحري والفهم، لكن يجب أيضًا ألا يغيب عن بالنا أن العبادات الأصل الالتزام فيها بالنص الشرعي، فالعبادات لا تعلل، وبالتالي الدخول في قضايا القياس، وهل هنا العلة قائمة أو ليست قائمة. ما دام أننا أمام نص جاء في الكتاب الكريم وفي السنة النبوية الشريفة فلا بد في الواقع من أن نقف عنده ولا نذهب بعيدًا، إلا في إطار فهم هذا النص وتحديد مشتملاته بدقة، وإلا أصبحنا نجتهد في قضايا العبادات وهذا لم يقل به الفقهاء لا من قريب ولا من بعيد.
أشار بعض الإخوة الكرام إلى موضوع أن العملية منوطة بالأكل والشرب، وطرح بعضهم أن الأكل والشرب لا بد أن يكون له منافذ، ولكن انشغلنا في بعض الأبحاث الفقهية وفي بعض الأقوال الفقهية. هذا الأصل إلى البدائل التي اقترحت كترجمة إلى هذا المعنى مثل - كما تفضل بعض إخوتنا - ما سمي بطريقة أو بنظرية المنافذ المفتوحة الموصلة إلى الجسم. الواقع أنه لما بحث الفقهاء هذه القضايا كان مدارهم على بحث تحقق ما أرادته النصوص من حيث معنى الأكل والشرب، وهذا فيما يتعلق بالطعام والشراب، وفيما يتعلق بقضايا العلاقة بين الرجل والمرأة كان مدار العملية على محددات واضحة، مدارها موضوع ما هو مستقر فقهًا في هذا المجال من أمور لا بد أن تكون في الواقع واضحة في الذهن، هنا أحب أن أشير إلى أنه إذا كان مدار الأكل والشرب موضوع التغذية وتقوية الجسم فإننا سنذهب مذهبًا بعيدًا ونقول: إن كل ما يصل إلى الدم، وأنتم تعلمون، وأظن السادة الأطباء يمكن أن يوضحوا هذه القضية أكثر، أن مدار عملية التغذية هي فيما يحمله الدم من عناصر يوصلها إلى خلايا الجسم فتنمو هذه الخلايا وتتكون، فهل نقصد من ذلك كل ما يصل إلى الدم؟
إذا كنا نقصد من ذلك كل ما يصل إلى الدم فإننا في الواقع سنضيف منافذ جديدة سنقف حتى عند قضية الامتصاص بالنسبة للجلد، لأنه من المعلوم أن بعض الأدوية المتقدمة باتت تلاحظ عملية الامتصاص هذه وتوصل إلى الدم عن طريق الامتصاص في الجلد استفادة من هذه الخاصية كثير من أنواع العلاج، وبالتالي لا أظن أن المدار فقط على موضوع الوصول إلى الدم. لذلك عنصر التغذية في الواقع بذاته يجب ألا يسيطر على البحث. يجب أن يسيطر على البحث موضوع تحقق الأكل والشرب بمعناه العرفي المستقر. ومن هنا عندما قال أئمة الحنافية: إن الفطر يتحقق بالأكل والشرب سواء أكان صورة أم معنى، أم معنى فقط، أم صورة فقط، حقيقة يقدم لنا ضابطًا يمكن في الواقع أن نطور في تطبيقات هذا الضابط على ضوء التقدم العلمي في كشف أين يكون تحقق الأكل والشرب بالمعنى المعروف.
هذا يدفعنا إلى إثارة نقطة تتعلق بموضوع الإبر في الأوردة واستثناء موضوع التغذية إذا كانت بمصل مغذ عند بعض الفقهاء، وقالوا بأنها لا تفطر إلا إذا كانت للتغذية. الواقع الأكل والشرب ليس قضية التغذية فقط، فيه قضية الإحساس بانقطاع الطعام والشراب بل هو مكتوب أو مقرر الامتناع عن الأكل والشرب. أنا عندما أتغذى عن طريق الوريد يظل إحساسي بالامتناع عن الأكل والشرب قائمًا، ولذلك نرى هؤلاء الذين يعالجون ويعطون الأمصال يتمنى أن توضع في فمه شربة ماء لأن إحساسه بالجوع والعطش مازال موجودًا، وخاصة أن الأحاديث النبوية قد أشارت إلى ذلك:((كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)) . فإذن واضح أن هذا يجب أن ندخله في فهمنا، وليس قصرًا للموضوع على جانب معين بالإضافة إلى موضوع القصد والنية.
والآن اسمحوا لي في موضع الشهوة، والنقاش الذي دار قبل قليل. الحديث النبوي أشار إلى ((يدع شهوته)) . فقضية الشهوة قد تتحقق بأكثر من معنى مما يتطلب وقفة حتى عند بعض الصيغ التي قد نتحفظ عليها لأول وهلة، لأننا يجب أن ننتبه إلى ما يحدث في الواقع الاجتماعي من ممارسات في هذا المجال دون دخول في التفاصيل.
على ضوء هذا الكلام أرجو في الواقع أن تنصب لجنة الصياغة على محاولة وضع هذا الضابط ضمن هذه المعايير، لأنه عندما نسمع من بعض الفقهاء عندما يقولون مثلًا:(العين أو الأذن)، تجدهم يقولون في معرض الاختلاف الفقهي القائم:(إنها ليست منفذًا إلى الجوف) ، ويأتي البحث الطبي ليثبت أنها منفذ أو ليست منفذًا. إذن في الواقع واضح أن المعرفة بناها الفقيه على ضوء معرفته للمعطيات العلمية التي بين يديه عن تركيبة الجسم البشري، فإذا جاء قطع طبي يمنع أن يكون منفذًا إذن لا بد أن يرتفع الخلاف؛ لأن أصل الخلاف، قام على تصور أنها هل هي منفذ أو ليست منفذًا. وبالتالي الخلاف يرتفع إذا تم التوضيح بأنها ليست منفذًا.
لا أريد أن أطيل لكن حقيقة يتطلب الأمر التركيز على الضابط لنقدم لمجتمعنا إجابة شافية عن هذه الموضوعات الملحة والتي تتطلب موقفًا واضحًا بينًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ صالح بن حميد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فلا شك أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تبحث وبخاصة فيما تجلى من بحوث مقدمة ومن مداخلات مفيدة ومن تعليقات كذلك أيضًا من المعلقين وفقهم الله. وحاولت أن أسجل بعض النقاط التي- لعلها - تعين أو تفيد في إعطاء تصور موحد.
منها مثلًا اتفق الطب فيما سمعنا على أن تجاويف الدماغ والمثانة والرحم لا تتصل بالجهاز الهضمي. كذلك أيضًا اتفقوا على أن الأدوية التي يتعرض لها الجسم بجميع أنواع مداخلها سواء أكان عن طريق ظاهر الجلد أم تحت الجلد أم الوريد، كلها تصل إلى المراد عن طريق الدم لشعيراته وأوردته. كذلك أيضًا قالوا: إن الجهاز الهضمي قسمان: قسم أعلى وهو قسم إدخال، وقسم أسفل وهو قسم إخراج. فهل حكمهما في الإفطار واحد؟
كذلك أيضًا هل المؤثر في الإفطار هو الإدخال وحده من الأكل والشرب والدواء، أو الإخراج أيضًا من القيء وسحب السوائل بأنواعها؟ كذلك أيضًا ربط الإفطار بالجوف، ما مستنده؟
وكذلك أيضًا قبل أن آتي إلى بعض القضايا هل يفترق الحال بين الغذاء والدواء في تحقيق مناط الفطر؟
كذلك أيضًا من باب زيادة التصوير، الجماع مثلًا له جانبان، جانب طبيعته الخاصة وقد ورد الشرع - بلا شك - بالنص بأنه من المفطرات، لكن هناك أيضًا أمور في قضية الجماع من حيث إدخال وإخراج وإفرازات وأشياء أخرى، وهذه كلها هل لها أثر في تلمس التعليل في المفطرات؟ ومن هنا أحب أن يتركز النظر إذا أردنا أن نتوصل الى شيء مشترك، إلى ما يسميه العلماء بتحقيق المناط وتنقيح المناط حقيقة في هذه القضايا.
فتحقيق المناط مثلًا لا شك أن النص جاء بالأكل والشرب والجماع، فما الذي يسمى أكلًا؟ وما الذي يسمى شربًا؟ وبم يصدق الجماع؟ وهل الرفث يعني الجماع فقط كما يقال: العملية الجنسية، أو غير ذلك؟ ولا شك أن هذا يستدعينا إلى نظر واسع. فمثلًا موارد لفظة الجماع والنكاح والمس والملامسة في الشرع، كل هذه قضايا قبل أن نتعجل لنقول شيئا يحتاج إلى أن ننظر في موارد الشرع، فالمس مثلًا يأتي بمعنى الجماع قطعًا أو حتى اللمس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} قطعًا هو مراده الجماع، وفي قوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} هل هو الجماع أم غيره؟ خلاف ظاهر. النكاح يأتي بمعنى العقد ويأتي بمعنى الوطء، في قوله تعالى {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} والمقطوع به أن المقصود به الوطء. كذلك الرفث مثلًا هل هو متحتم أم متعين أن المراد به ذات الجماع وحده، أم أن المراد أيضًا أمور أخرى؟ فهذا ما يسمى بتحقيق المناط بمعنى أنه ورد الشرع بالأكل والشرب والجماع فما المراد بذلك؟
تنقيح المناط وهو هل غير الأكل والشرب داخل؟ وهنا نأتي إلى ما قاله الدكتور عبد السلام: غاية التعليل في هذا الباب هل يدخله التعليل؟ ولا شك أن الملحوظ في مسارب فقهائنا رحمهم الله أنهم أجروا التعليل والأمر في هذا ظاهر. فإذا جئنا للإمساك، قضية الصيام هل هو إمساك؟ كل الفقهاء لم يقولوا الإمساك عن الأكل والشرب وإنما قالوا الإمساك عن أشياء مخصوصة، فكأنهم لم يريدوا أن يقصروه على الأكل والشرب، وإنما قالوا أشياء مخصوصة في وقت مخصوص.
قضية الجوف، حقيقة هل هي في الوقت الحاضر وفي البحوث المعاصرة وفي التقدم العلمي الجلي هل من الممكن أن نتمسك بها، وإن كانت من حيث اللغة ومن حيث موارد الشرع كقوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} ، فما يقع فيه القلب سماه جوفًا، والفقهاء قالوا: جوف. فهل مرادهم الجوف القناة الهضمية فقط أم أنهم يعون ما يقولون، ويريدون ما كان أوسع من ذلك؟ فاللغة تخدمهم وبعض موارد الشرع تخدمهم في ذلك.
قضية الإدخال والإخراج، من أي جزء كان الإدخال ومن أي جزء كان الإخراج. الأدوية بجميع أنواعها لا شك أنها إدخال، وإن سميناها أكلًا أو شربًا من حيث إذا قلنا: إن الأكل كل ما دخل الجوف من القناة الهضمية أمر يحتاج إلى تحقيق.
الإخراج، الدكتور الضرير قال:" إن حديث القيء استثناء ". معلوم قطعًا أن النصوص الشرعية ليست هي الاستثناء ولا يمكن النص الشرعي أن يسمى استثناء. النص الشرعي أصل بذاته، ولهذا القيء يمكن أن يكون مستندا لمن قالوا بأن الإخراج هو من المفطرات؛ لأن القيء والحديث فيه صحيح كما هو معلوم، فإذا حديث القيء أصل في إثبات أن ما كان إخراجًا أنه يكون مفطرًا أو من المفطرات. أنا طبعًا لا أقول شيئًا باتًا إنما أثير قضايا أمام هذا المجمع الكريم. طبعًا قضية القصد وعدم القصد ودخول القياس وعدم دخوله هذه من الأشياء التي يبدو لي أنها تستحق النظر.
قضية النظر في التقوية والتغذية وأن مراد القوة هو الغذاء، بعض الزملاء والإخوة الحاضرين أثاروا شيئًا من هذا، فقوله عليه الصلاة والسلام مثلًا:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) دل على أن ما كان مقويًا قد يفهم منه أن ما كان له أثر في القوة أنه قد يؤثر في الإفطار في قضايا الأدوية وغيرها وكل ما كان من هذا الباب.
فالمقصود هو النظر في هذه القضايا وفي هذه الضوابط من حيث تحقيق المناط ومن حيث تنقيحه، ومن حيث مفهوم الصيام هل هو إمساك عن أشياء مخصوصة؟ وما هي هذه الأشياء؟ يبدو أن الفقهاء رحمهم الله يرون أنها أوسع من قضية الأكل والشرب، أو أن نحدد مفهوم الأكل والشرب سواء بالعرف أو باللغة. وكذلك الجوف أيضًا هل نسلم به أو لا نسلم؟ والأكل والشرب والتغذية أيضًا، والتداوي وهل نفرق بين التداوي وبين التغذية؟ أنا لاحظت أن بعضًا وبخاصة فيما قدمه المجمع مشكورًا وأراد البحث فيه كأنه يريد أن يفرق بين ما كان دواء وبين ما كان غذاء. هذا أمر يحتاج إلى نظر كبير، ولا أظن في مثل هذه الوقفات أن نستطيع أن نتخذ رأيًا جازمًا إلا بعد مزيد من الفحص علميًا ولغويًا وعرفًا، وقبل ذلك وبعده النظر في نصوص الشرع. وشكرًا.
الشيخ ناجي عجم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين.
أرى أن المفطرات في الصيام ينبغي أن تكون معقولة المعنى ولا تكون تعبدية فقط، وأما إذا كانت تعبدية فقط فكان يقتصر على تفسير النصوص المفطرة. ونحن اجتمعنا هنا لنبحث في الوسائل والأساليب والمتناولات المستجدة، والسلف - رحمهم الله تعالى - فرعوا وقاسوا على النصوص المفطرة بالمتناولات التي وجدت في عهدهم كالسعوط والدخان، فلا بد من وضع ضابط - كما تفضل بعض الأخوة - للمفطرات. فأرى أن هذا الضابط - الذي تفضل بعض الأخوة به - المقوي والمغذي والمتلذذ به، هذا ينبغي أن يكون هو ضابط المفطرات.
وكلمة (الجوف) ما أرى إلا أن الجهاز الهضمي هو الجوف، فكل ما يؤخذ ليتناول بالقصد في إدخاله إلى الجهاز الهضمي سواء كان من منفذ طبيعي أو غير طبيعي كالحقن تحت الجلد إذا كان يقوي أو يغذي فهذا هو من المفطرات، وكذلك كل ما يتلذذ به، فهذه المخدرات كثيرًا من الناس يتلذذون بها فلا بد أنها تكون من المفطرات.
أما موضوع القطرة في العين فقد سألت طبيب العيون أن هذه القطرة تصل إلى الحلق؟ قال: هي تمتص في مجراها وأثرها وطعمها يصل إلى الحلق. وأما ذاتها فقال: لا تصل إلى الحلق وإنما هي تمتص. فما أرى أن القطرة هي من المفطرات. وكذلك في منفذ الأذن الأصل فيه الانسداد، وأما ما تفضل به بعض الأخوة أنه قد يكون بعض الناس مخروقة عندهم طبلة الأذن فهذا احتمال، فما أرى أن قطرة الأذن مفطرة، فلا تعتبر الأذن من المنافذ الطبيعية، ما دام الأصل في الإنسان السليم هو الانسداد في طبلة الأذن.
هناك أمور أخرى ، كذلك قضية البخاخ، هذا لا يقصد به لا التلذذ ولا التقوي ولا التغذي وما يدخل شيء منه إلى الجوف أي ما يصل إلى الجوف، والشرع جاء بالتخفيف والتيسير ومراعاة الحاجة، فما أرى أن هذا البخاخ من المفطرات التي ينبغي أن ينص عليها.
وأما موضوع المنافذ التي لا تصل إلى الجوف كالإحليل والمهبل فما أرى أن ما يؤخذ عن طريق الإحليل أو عن طريق المهبل من المفطرات، اللهم إلا إذا كان شيء يقصد به التلذذ. التلذذ.. الشرع جاء لتضييق مجاري الشيطان وفطم النفس من الشهوات ، " يدع طعامه وشرابه وشهوته.. ". فكل ما يؤخذ بقصد التشهي والتلذذ من أي منفذ طبيعي أو غير طبيعي، كما هو الحقن تحت الجلد في الآخذين للمخدرات فهذا يكون من المفطرات.
أما قي الإخراج من البدن فأرى أن يقتصر على النصوص: الاستقاء، الاستمناء، وأما الحجامة أو الفصد أو أخذ عينة للدم فهذه لا يكون فيها تقوٍ ولا تغذٍ ولا تلذذٍ. أخذ الدم هو عكس ضابط المفطرات، وخاصة أنه هناك أقوال كثيرة للثقات بأن الإفطار بالحجامة منسوخ، فما أرى أن يبحث هذا الموضوع.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ محمد سليمان الأشقر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أتكلم في نقطتين بسيطتين ، إن شاء الله.
المسألة الأولى: أنه يلاحظ في هذا الموضوع الفقهي وفي كثير من المواضيع في الشريعة أن العلماء في الغالب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام - الاتجاهات في الغالب ثلاثة -:
الاتجاه الأول: الأخذ بحرفية النص، وهذه طريقة الظاهرية ومن سار مسيرهم، ولا يخرجرن عن حدود النص.
الاتجاهان الثاني والثالث: وهما طريقتان يرجعان إلى طريقة واحدة وهي طريقة الموسعين الذين يأخذون بالقياس بمعنى هذا الشيء الذي ورد فيه النص، فهؤلاء أهل القياس، وهي على طريقتين فتتم الطرق ثلاثة.
القياس القريب الذي بمعنى الأصل هذا يأخذ به عامة العلماء غير الظاهرية ومن سلك مسلكهم، وهو في مجال بحثنا، مثلًا إدخال شيء إلى المعدة من غير الفم، بمعنى إنسان أصيب في حلقه برصاصة أو بقطع أو بأي شيء آخر، يفتح له إلى معدته ويدخل فيها أنبوب وتدخل منه الحليب أو الغذاء حتى يتغذى، وأنا رأيت حالات حصل فيها هذا الشيء ويعيش الإنسان بذلك ، لا شك أن هذا في معنى الأكل وإن لم يدخل من الفم أي من مجراه الأصلي. هذا هو القياس الجلي والذي هو بالمعنى القريب من الأصل.
القياسات الخفية في الغالب تكون مجال خلاف طويل وعريض، وهي في نفس الوقت تضيق على الناس؛ لأنها تدخل في معنى النص ما هو بعيد. مثلًا الدهن على الجلد وإن كان يمتصه الجلد هذا قياس بعيد عن الطعام والشراب ، مثل ما سمعنا اليوم المزاج وغير ذلك هذا أيضًا بعيد عن النص. أرى الاقتصار بقدر الإمكان - فيمن سيضعون التوصيات، إن شاء الله - على الأقيسة الجلية والقريبة من الأصل، وأما الأشياء البعيدة فهذه تبين كما تبين من كلام الإخوة الأطباء الكثير منها بعيدًا عن أن يكون طعامًا وشرابًا، وأنا اقتنعت بما قاله الإخوة الأطباء وإن كنت قد عارضت في الأول، وذلك بالنسبة للقطرة والبخاخ وفي غير ذلك، هذه هي الحقيقة أعتقد أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون شبيهة بالطعام والشراب.
النقطة الثانية لغوية وهي كان المفروض أن نفتتح بها، وهي ما افتتح بها جلسات اليوم الأخ فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، وهي كلمة (أفطر) و (فطَّر) . فطَّر: لا شك أنها متعذية، تقول: فطرت الصائم، وورد في الحديث عن النبي في أنه قال:((من فطر صائمًا فله مثل أجره)) ، أما (أفطر) فهي في الأصل فعل لازم هذا هو المشروع والذي نعرفه، فأنا منذ خمس وأربعين سنة وأنا في العلم الشرعي لم أسمع (أفطر) متعديًا. (أفطر) لازم، يعني أصبح مُفْطِرًا أكل أو شرب فهو أصبح مفطرًا. أما أن أقول: أَفْطَرْتُ فلانًا، بمعنى جعلته يفطر، فهذا لم أره في حديث نبوي ولا في كلام الفقهاء ولا في كلام الناس إلا في كلمة فضيلة الشيخ السلامي، وإن كان هو عندي ثقة وحجة في اللغة أيضًا، لكن يحق لي أن أتشكك، خمسة وأربعون سنة وأنا في العلم لم أسمع مثل هذا فيحق لي أن أطالبه بكلمة من أهل اللغة، من قاموس، من معجم، من استعمال فقيه من الفقهاء، إن ورد ذلك فنحن نسلم، وإلا فيحق لنا أن نتشكك وهو عندنا محل ثقة. على كل حال المرجع كتب اللغة وكلام اللغويين.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرًا فضيلة الرئيس. يحق لي أن أتساءل بعد هذه المناقشة الطيبة والأبحاث الكريمة عن قضية الضوابط ، ترى هل نستطيع أن نوحد هذه الضوابط كلها التي أسسها الفقهاء في ضابط واحد؟ وهل نحن حينئذ نربح في ذلك؟ الذي أراه أن هذا الضابط الذي تكلم عنه إخوتنا وأحباؤنا العلماء وزملاؤنا ليس ضابطًا ، وإنما هو قاسم مشترك أعظم، فلكل مذهب ضابطه، والذي ينبغي أن يصار إليه - والله أعلم - أن تترك هذه الضوابط في المذاهب إلى ما كانت عليه دون أن نوحدها في ضابط واحد فيصير في الناس حرج، والأمر متروك إلى السعة ، ولعلكم تعلمون جميعًا قول سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: والله ما أحب أن تتفق كلمة علماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على حكم في واقعة فيصير في الناس حرج. فلو أخذ كلٌّ بقولٍ كان سنةً، فلذلك لا مانع من أن تبقى الضوابط ، وهنالك النصوص يرجع إليها في كل ما ليس فيه ضابط.
ثم ذهب إخوتنا الزملاء إلى قضية العبادات هل الأصل فيها أنها تخضع لتفسير النصوص والاجتهاد أم التعبد؟ طبعًا اتفقت كلمة العلماء على أن الأصل في العبادات التعبد، ولكن هناك قدر مادي من العبادات وهو قضية الإفطار أو التفطير -على كل من الروايتين- فهذا قدر مادي، وهذا يمكن أن يخضع لكل من تفسير النصوص أو للاجتهاد معًا إذا رأى علماء المجمع ذلك وهو ما يمكن أن يصار إليه.
هناك قضية المرض، المرض المتلف للنفس أو المتلف للعضو أو الذي يجعل هنالك مشقة، ما هو ضابطه؟ الخوف من المرض أي غلبة الظن، وذلك إما أن نكون بتجربة سابقة أو بقول طبيب مسلم حاذق. وهذا الموضوع ينبغي أن يكون على ذكر منه أنه ينبغي أن نصير إلى الأطباء في قضية الخبرات، وأن نأخذ معاييرهم الطبية في هذا الموضوع بالذات دون أن نحكم معاييرهم - مع احترامنا لها واحترامنا لأشخاصهم الكريمة - الطبية في معاييرنا الشرعية.
فالتصور الشرعي للتفطير غير التصور الطبي، ومعايير الفقهاء غير معايير الأطباء، ونحن نحترم طبعًا معايير الأطباء ونحترم آراءهم واجتهاداتهم، ولكن لا يجوز أن نحكمها في معاييرنا، بل نصير إليها عند الأخذ بالخبرة، بقضية الخبرة، فمثلًا؛ هل هذا الرجل يستطيع أن يصوم أو لا يستطيع؟ فإذا قال الطبيب المسلم الحاذق أنه يستطيع أن يصوم يجب عليه أن يصوم، وإذا أفتى بأنه لا يصوم فإنه لا يصوم، بل ربما إذا صام أثم لأنه خالف الطبيب في قضية الخبرة. هذا هو مجال قضية الأطباء في قضية الخبرات كما هو الشأن في كل مسائل الفقه الإسلامي في قضية الخبرة والمهارة، فنصير إلى أصحاب الخبرات عند اللزوم دون أن نحكم معاييرهم المادية في معاييرنا الشرعية.
فالتصور الشرعي والتصور المادي الحرفي أو المهني بما فيه الطب شيء آخر، يستعان بهذا في ذاك، ولكن لا يحكم هذا على ذاك. يمكن أن نحكم المعايير الشرعية في المعايير الطبية أما أن نحكم المعايير الطبية في المعايير الشرعية فيمكن أن يكون ذلك مخالفًا لروح الشريعة الإسلامية. مع كل تقديرنا واحترامنا وحبنا وتعظيمنا لإخوتنا الأطباء الأجلاء الذين أفدنا من علمهم وخبرتهم الكثير وجزاهم الله عنا خير الجزاء، وجزاء الخير كفاء ما قاموا به، ونحن محتاجون إليهم في كل شيء في أمور ديننا ودنيانا ولا نستغني عنهم ولا عن خبراتهم.
أما ما تفضل به بعض الإخوة من قضية الاستئناس بالفقه الإسلامي فأرجو أن تشطب هذه الكلمة من محاضر الجلسات؛ لأن الفقه الإسلامي لا يستأنس به وإنما يحكم {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ثم قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
أشكر لكم حسن إصغائكم وأن أَتَحْتُمُ الفرصة لي للكلام، والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع ونحن نشرف على انتهاء الجلسة لا أريد أن أطيل، وأقصر كلامي على جملة أمور باختصار شديد.
أولًا: الملاحظ في الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالإفطار أو المفطرات أن هناك اتجاهات ثلاثة أساسية قد يمكن تقسيمها إلى أربعة اتجاهات باعتبار المذاهب، فإذا نظرنا إلى فقه الشافعية نجد أنهم وضعوا هذا بعد الاتفاق على أن الطعام والشراب والجماع مفطر، هذا لا محل للنزاع فيه وليس محل خلاف، ولا نتكلم فيه لأن هذا أمر مجمع عليه ومفروغ منه. ويبقى شيء في العلاج بالنسبة للمفطرات والتداوي لأمر العلاج. هناك ثلاثة اتجاهات أساسية في الفقه الإسلامي، بالنسبة لفقه الشافعية يظهر من تعريفهم بأن المفطر: هو ما وصل من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم. هذا هو التعريف العام، ولكن بعضهم يميد هذا التعريف بأن " الجوف يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من دواء أو غذاء "، وهنا نجد فقهاء الشافعية فيما بينهم يختلفون فيما يعد مفطرا وما لا يعد مفطرا من هذه الزاوية، ولهذا نجدهم اختلفوا في الحقنة، واختلفوا في السعوط، وفي بعض المسائل الطبية التي حصلت في زمنهم. بينما نجد الحنفية يذكرون في هذا المجال الواصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر، ويفرقون بين الواصل من غير هذه المخارق كالجائفة والآمة وما إلى ذلك. فإذن الخلاف بين الحنفية وبين أئمة الحنفية يدور أيضًا من مراعاة هذه الزاوية.
هنالك اتجاه ثالث وهو الاتجاه الأرحب والأوسع، وعندي هو الأحسن، وهو الذي أخذ به طائفة من أئمتنا المعاصرين، وهو ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية. فالإمام ابن تيمية يقول في كلمات موجزة:" فالصائم نهي عن الأكل والشرب لأن ذلك سبب التقوِّي، فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير ويجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء، لا عن حقنة ولا كحل ولا ما يقطر في الذكر ولا ما يداوي به المأمومة أو الجائفة ". وهذا أصل ينسحب على كل ما استجد من أنواع العلاجات الآن، ولهذا نجد بعض فقهائنا المعاصرين أخذوا بهذا الاتجاه الواسع، وأذكر منهم على سبيل المثال الشيخ محمود شلتوت رحمه الله ، والشيخ سيد سابق في كتابه (فقه السنة) ، والشيخ عبد العزيز بن باز قرأت له فتوى بهذا المعنى حديثا في بعض صحفنا في الكويت فهذا هو الاتجاه الأرحب والأوسع، والذي يسع الأمة وعدم التضييق عليها في أمور أصبحت ملحة؛ لأن الذي يرى الحوادث التي تقع الآن أو الأمراض التي استجدت في زمننا هذا، لم تكن موجودة في الزمن الماضي، ولهذا تطور العلاج أيضًا، ولا بد أن نأخذ الموقف الذي فيه سعة والذي يحقق الطمأنينة في النفوس، ولا تتضارب الفتاوى بعضها مع بعض، ولا يخرج المجمع بما لا يألفه الناس ، وأكتفي بهذا القدر وشكرًا.
االشيخ علي محي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الشكر للمجمع الكريم إدارة وأمانة على إتاحة الفرصة لنا لنستفيد ونلتقي بهذه الوجوه المباركة إن شاء الله ، والشكر موصول للسادة الباحثين من الأساتذة الكرام على بحوثهم القيمة وعروضهم الشيقة، فجزاهم الله عنا خيرًا، حيث استفدنا من هذه البحوث الفقهية والطبية الكثير والكثير.
بعد هذه المناقشات الطيبة والمداخلات أعتقد أن هناك عدة معايير وموازين مختلف فيها بين الفقهاء تحتاج إلى تحرير محل النزاع - وكما تفضل الشيخ صالح - وتحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه. على سبيل المثال الخلاف لا يزال يدور حول معيار الجوف أو المجوف، هل هو المعدة أو الجهاز الهضمي أو كل ما هو مجوف داخل الجسم؟ فجمهور الفقهاء لم يعقلوا الإفطار بدخول الشيء في المعدة، هذا حسب علمي، وإنما هو بالجوف، والجوف مختلف فيه كما رأينا وكما دلت البحوث. فالشافعية عمموا الجوف ليشمل المعدة وخريطة الدماغ والمثانة وعن طريق أي منفذ من المنافذ، وكذلك المالكية والآراء موجودة عند حضراتكم، حتى الأطباء في الأخير رأيناهم قد اختلفوا في معنى الجوف، هل هو المعدة أم الجهاز الهضمي؟ وبالتأكيد فالمعيار أو العِلِّية لو اعتبرناه الجوف فهو محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين والقدامى وحتى نوعًا ما بين الأطباء. هذا من جانب.
والجانب الآخر أن الصوم كما قال الإخوة الكرام يدخل في باب العبادات، وباب العبادات مبناه على التوقف، وهل نجعل باب الصوم أيضًا مثل العادات التي يكون مبناها على المعقولية والعلية، وحينئذ يكون لنا مجال في مسائل الصيام، أم أننا لا نتعامل مع الصوم معاملة العبادات أو العادات في الاعتماد على العلية والقياس؟ ومن جانب آخر أن النص الشرعي حقيقة في القرآن الكريم لم يحدد بصورة قاطعة أن المراد بالمحل الذي يحل فيه الداخل، فالقرآن الكريم يأمر بالأكل والشرب والمباشرة في الليل، فقال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، ولكن عندما يتحدث القرآن الكريم عن بيان الصوم لا يقول: لا تأكلوا ولا تشربوا ، وإنما يقول:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} ، فهذا التغيير في الأسلوب في القرآن الكريم لا أعتقد يأتي دون فائدة أو حكمة، فلو كان المقصود - والله أعلم - أي عبارة يريدها الله سبحانه وتعالى، لكن قال {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} . وكذلك بالنسبة للفظ الصيام الذي ورد في الآية الكريمة محلى بـ (ال) ، وهو كما يعرفه الأصوليون إما للعموم أو هو مطلق أو للعهد، وحينئذ إذا قلنا للعهد يعني الإمساك عما ذكر، وهذا ربما - والله أعلم - يكون بعيدًا، وغالبًا أما للعموم وإما للإطلاق.
والصيام لغة هو الإمساك مطلقًا، فهل المقصود به الإمساك عن الأكل والشرب فقط، أو عن أشياء مذكورة كما ذكر بعض الإخوة، أو عن كل شيء؟ المسألة أيضًا تحتاج إلى تحرير ، وكل ذلك في اعتقادي يحتاج إلى تحرير من خلال النصوص الشرعية. لذلك كنت أتصور على الرغم من إعجابي الكبير للبحوث الفقهية في هذا الموضوع كنت أتوقع وكنت أتمنى أن تهتم هذه البحوث بالنصوص الشرعية، وبالأخص في مجال السنة النبوية.
فلو استعرضت النصوص الشرعية وبالأخص الأحاديث النبوية كنا وصلنا إلى جانب، لأنه حتى لو قلنا بأن الصيام غير معقول المعنى كان حينئذ يصل من خلال مجموع هذه النصوص إلى تصور شامل عن الصوم، لأنه لا يمكن أن يكون الصيام الركن الرابع من أركان الإسلام ويكون مجهولًا بهذه الطريقة. فكان بودي أن تبحث كل الأحاديث الواردة في هذا المجال، ثم يؤخذ منها هذه النتيجة. ولكن مع الأسف الشديد أن البحوث اقتصرت على ذكر آراء الفقهاء ونحن ماذا نفعل الآن؟ لا نستطيع أن نغير آراءهم؛ لأن الآراء مملوكة لأصحابها ولهذه المذاهب، وإنما كان بودنا أن نرجع إلى المعين الذي لا ينضب وهو الكتاب والسنة، مع احترامنا الكبير واعتمادنا الكبير طبعًا على الآراء الفقهية ، وإذا وصلنا إلى الاعتماد على الميزان من خلال النصوص الشرعية حينئذ يكون الأمر علينا سهلًا. هل العبرة بالصيام يكون الميزان فيه الدخول إلى الجهاز الهضمي أو المعدة؟ لو قررنا ذلك انتهت المسألة، ولو عممنا حينئذ تكون المسألة تحتاج إلى بحث.
فإذن ولذلك؛ أنا أقول نحتاج من الآن أن نعرف اتجاه المجمع أو الأكثرية حول هذه الاتجاهات، أو هل يريد الإخوة الكرام والأساتذة الفضلاء يريدون أن يكون الاتجاه نحو التوسع أو التضييق أو التوسط؟ لذلك أنا اعتقد أن يجمع كما قال فضيلة الدكتور الفرفور، قال: ولا أعتقد أن تجمع الضوابط المذهبية في ضابط واحد، ولازم المذهب ليس بمذهب، وإنما نحن الآن نتحدث في المجمع عن ضابط عام لقرار للمجمع، فلو أخذنا على سبيل المثال بضابط التوسع وهو أن كل ما يدخل في المعدة عن طريق الفم فهو مفطر يكون يترتب على ذلك نقيس ونستفيد من كلام الأطباء، وإذا أريد التضييق يكون بشكل آخر. فحقيقة أنا أعتقد أنه رغم وضوح هذه البحوث والمداخلات لكن لا تزال المسألة تحتاج إلى تحرير وتنقيح. وشكرًا لحضراتكم وجزاكم الله خيرًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أولا - سأبدأ بالعنوان. كنت أود أن يكون العنوان موجبات الإفطار، لأننا في مجمع فقه ويجب أن نحترم اللغة.
الحقيقة أن المُفْطِرات والمُفَطِّرات كلها لا تؤدي هذا المعنى، حتى الحديث الذي يقول:((من فطَّر صائمًا)) أي أعطاه ما يفطر به. فاللفظ المعروف عند الفقهاء موجبات الإفطار، وكان ينبغي أن يكون عنوانه. هذه هي الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية: هي ان الأمر واسع؛ لأن أي قول نعتمده سنجد أنه قد قيل به ، فإن الافتراضات التي افترضها الفقهاء كثيرة، ولأجل ذلك حيث ما أذهب ألقى سعدًا كما يقول المثل، حيث ما نذهب نجد قولًا لفقيه.
الملاحظة الثالثة: أن هذا الأمر ليس من باب الضرورات لأن المريض يستطيع أن يترك الصوم ليفطر، هذا يجوز له، ليس مضطرًا لأن يأخذ العلاج ويبقى صائمًا، بل له خيار آخر وهو أن يفطر - وأفطر لازم طبعًا - أن يفطر وبالتالي لا يضطر إلى ذلك.
الملاحظة الرابعة: أقول إني متفق في الجملة مع فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي في أكثر ما قاله، بل أكاد أقول في جميع ملاحظاته والضوابط التي وصل إليها.
الملاحظة الخامسة: وهي ملاحظة على بعض الأقوال التي وردت من الإخوة فيما يتعلق بمقدمات الجماع ، أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى توضيح ، الرفث هنا هو كناية عن الجماع، وهذا كلام ابن عباس رضي الله عنه لما قال وهو محرم: إن تصدق الطير
…
إلخ، هذا قاله ابن عباس، قالوا له: الرفث؟ قال: هذا ليس برفث، إنما الرفث هو الجماع. وهو كناية عن الجماع هنا أو الإنزال، ولا أقول أحد المقدمات الأخرى التي ليست إنزالًا ولا جماعًا: إنها تؤدي إلى الإفطار، هو موجب للإفطار.
الملاحظة السادسة: الرخصة ، أعتقد أن الرخصة معرفة هي حكم غير إلى سهولة لعذر مع قيام العلة الأصلية. هذا التعريف ذكره ابن السبكي وغيره من علماء الأصول، وهو التعريف المانع الجامع للرخصة - حكم مغير إلى سهولة لعذر مع قيام العلة الأصلية -، وهي وردت في الحديث في صحيح مسلم ((ورخص في العرايا)) ، معناه يدل على أنها استثناء وأنها ترخيص. إذن الرخصة وردت في الشرع وفسرها العلماء وعرفوها.
الملاحظة السابعة: المرض الذي توقف عنده بعض الإخوان، المرض جاء مطلقًا في القرآن الكريم، فالأمر راجع إلى قاعدة هي: هل نأخذ بأقل ما يدل عليه الاسم؟ - وهذا ما يعرف بالأخذ بأول الأسماء أو بآخرها - أو نأخذ بآخر الأسماء، والأمر راجع إلى قاعدة معروفة بمعنى أن أي مرض كما يكون أي سفر يعتبر موجبًا للإفطار كذلك المرض هنا.
الملاحظة الثامنة: تحدث الإخوان عن القياس هل يؤخذ به أم لا يؤخذ به؟ المشهور عند العلماء أن القياس يؤخذ به في الكفارات التي هي مرجع الإفطار في الصوم، والحد والكفارة تقديره جوازه فيها هو المشهور. هو أصح أقوال علماء الأصول كما يقول في (مراقي السعود) .
هناك مجالان أو هناك معياران يجب أن نعتمد عليهما في رأيي: كل ما يصل إلى الجوف موجب للإفطار ما لم يكن جامدا غير مستقر، أما الجامد المستقر فإنه يؤدي إلى الإفطار وفاقًا لأبي حنيفة. هنا نرجع إلى الأطباء لنعرف منهم الذي يصل إلى الجوف، وهذا ما يسمى بتحقيق المناط، هو تطبيق القاعدة على جزئياتها، وتحقيق المناط هنا وارد يمكننا أن نخالف المالكية في القول بأن قطرة الأذن أنها مؤدية إلى الإفطار، وبعض الإخوان قال: إن المالكية قالوا: إن قطرة الأذن لا تؤدي إلى الإفطار، وهذا أصل خليل، المالكية الأذن عندهم تؤدي الى الإفطار، إذا قال الأطباء: الأذن لا يصل منها شيء نوافقهم، وهذا هو تحقيق المناط. ووقع للمالكية؛ كان التين في الحجاز عند المالكية ليس ربويًا، فلما ذهبوا إلى الأندلس وجدوا أنه مقتات مدخر فأعلنوا ربويته وفاقًا لقاعدة المذهب. فتحقيق المناط هنا وارد.
الضابط الثاني: كل ما يقوي، أي يؤدي الى تقوية الجسم أي إلى تغذية فإنه موجب للإفطار. وهنا يجب أن نتفق مع الأطباء مرة أخرى، هنا نعمل بتنقيح المناط من باب إلغاء الفارق بمعنى أننا نلغي الفارق بين الأكل والشرب وبين ما يؤدي إلى التغذية، لننيط الحكم بأصل عام كما ألغى المالكية الفارق بين الجماع وبين الأكل والشرب في كون كل منهما يؤدي إلى انتهاك حرمة رمضان، وهو الذي يؤدي إلى الكفارة، هذا ما يسمى بتنقيح المناط من باب إلغاء الفارق. إذا اتفقنا على هذه المنطلقات يمكن أن نصوغ بسهولة القرارات التي يتوصل اليها المجمع انطلاقًا من التقارير التي وردت والتي هي تقارير جيدة، وبخاصة تقرير فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي.
حديث ((أفطر الحاجم والمحجوم)) كما قال الإخوة هو حديث مؤول بمعنى فعل ما يؤدي إلى الإفطار، وهو ورد بصيغة الخبر ولم يرد بصيغة الأمر، فأفطر بصيغة الخبر، ولأجل ذلك قالوا: إنه مؤول، والتأويل أولى من النسخ؛ لأن القول أولى بالاعتماد من الفعل كما نص عليه علماء الأصول: إذا تعارض القول والفعل فإن القول يقدم لأن له صيغة، ولأن صيغته هي صيغة واضحة.
هذا ما يحضرني الآن، أو ما لاحظته الآن على هذه الأقوال.
خلاصة القول: إننا بحاجة إلى تقرير المعايير على ضوء ما ذكرنا أن نضع قائمة من العمليات موصوفة من الطبيب ومحكومًا عليها من الفقيه، فإذا وجدت العلة أو ظهر انتفاؤها أمكن أن نحقق المناط، مثلًا أن نقول: إن الأذن لا توصل أو أن الوريد يوصل، الطبيب هو الذي يصف ذلك ويقرره، والفقيه هو الذي يحكم على ذلك من الناحية الشرعية، وبذلك نكون قد انتهينا من الموضوع وشكرًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد الحاج الناصر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
بعض ما كنت أحب أن أقول قيل بالأمس أوزاعًا من هذا وذاك من الإخوة الأعزاء، لكنه لم يُقَلْ كما كنت أزور في نفسي أن أقول، وأحسب أني أيضًا قد نسيت شيئًا مما كنت زورت في نفسي من قبل. مهما يكن فإني أستأذن أستاذنا الجليل صاحب السماحة الشيخ محمد المختار السلامي في أن أبدي له وللإخوة الأعزاء ما عن لي أنه ينبغي تحريره، ولسماحته الفضل الأكبر في أن يبين لي ما إذا كنت مصيبًا أو مخطئًا.
أشار إلى الأثر المنقول عن ابن سيرين رحمه الله من إفطاره لوجع في أصبعه، ومزج هذه الإشارة بذكر قياس لم يقله ابن سيرين. فابن سيرين لم يكن من أهل القياس، إنه من أتباع التابعين أو من الطبقات الأخيرة من التابعين ربما السادسة أو السابعة الذين لم يكونوا يعتمدون شيئًا اسمه القياس، وانما كانوا يعتمدون الفهم لنصوص القرآن والسنة. كان أصل عمله القرآن والسنة لم يحكموا القياس في دين الله، إفطار ابن سيرين رحمه الله من وجع أصبعه لا يمكن أن نأخذه على أنه ترخص مبالغ فيه، فقد يكون ابن سيرين يشرب شيئًا من الأدوية للتخفيف من وجع أصبعه، وقد يكون له سبب ما غير مجرد الترخص بالإفطار لمرض بسيط، فهو رحمه الله أجل من ذلك وأعلى. على أنه إن فعل فما خرج من مضمون قوله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} .
وهنا نصير إلى نقطة أخرى مما أحب أن أقف عنده. فالتنكير في (مريضًا) وتغيير الصياغة بين (مريضًا) أو (على سفر) بين حكم السفر الذي هو على سفر وبين المريض، ليس عبثًا وليس عملًا فنيًا، فالعمل الفني ليس في القرآن أساسًا، أنه كلام الله القديم. هذا التنكير له معناه، معنى العموم لكل مرض ما لم يخصص ببيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قياس ولا من اجتهاد فقيه أو متفقه، فلا اجتهاد مع وجود النص، ولو قد اعتبرنا هذا واعتبرنا أن كلمة (مريضًا) وردت في القرآن بهذه الصيغة في الحج {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، ووردت في الصوم مرتين {كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . لو أننا تدبرنا هذا وتدبرنا قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ، وردت مرتين مرة في سورة النساء ومرة في سورة المائدة، لتبينا أشياء تغنينا عن التهويم مع تهاويم المتفقهة والفقهاء حول المرض المبيح للإفطار، والمرض غير المبيح، والعلاج للمريض الصائم.
لو تدبرنا كل هذا لتبينا أن المريض الذي يحتاج إلى العلاج أبيح له الإفطار، وأن المريض الذي يستطيع الصيام ولكنه يحتاج إلى العلاج يدخل في قوله سبحانه وتعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} لا كما يزعم جمهرة المفسرين من أن (لا) النافية حذفت، وما لهم من قرينة ولا دليل. فمادة (أطاق) في اللغة العربية تعني: استطاع مع مشقة، تماما كما حدد معنى الرخصة الشاطبي رحمه الله وهو مَنْ هو في فهم حقائق القرآن. لو تدبرنا كل ذلك لأغنانا عن هذا التهويم في البحث عن ما يفطر وما لا يفطر من الحقن والبخاخات وما إلى ذلك
فالله سبحانه وتعالى أرحم بعباده وأرأف من أن يحرجهم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (مِنْ) التبعيضية. فنحن لسنا بمحرجين، لنا أن نفطر كلما اضطرنا مرض ما أيًّا كان إلى هذا الإفطار، ومنه الضعف الذي يخشى من الصيام معه ازدياد المرض وهو نوع من المرض، لا كما وهم بعض الناس من أن الضعف شيء غير المرض، فهو لا يمكن أن ينتج إلا عن مرض، ووجوده مرض لأن المرض معناه انعدام حالة الاعتدال الطبيعي في الإنسان، فكلما وجد هذا الانعدام كان المرض، ولذلك قال تعالى:{مَرِيضًا} ولم يحدد مرضًا معينًا، أطلقه بالتنكير. ولا أعلم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانًا يخصص هذا المرض.
وشيء آخر أود أن أعرض له قبل أن أختم هذه الكلمة التي أخشى أن يكون الرئيس العزيز يوشك أن ينبهني إلى ضرورة ختامها وهو التدخين. التدخين بصرف النظر عما إذا كان مغذيًا أو غير مغذٍّ، ينسرب إلى الجوف أو لا ينسرب، التدخين حرام واقترافه في رمضان مفطر ناقض للصيام؛ لأنه إسراف وتبذير وإضرار بالجسم وخبيث، وإنما أحل الله للمسلمين الطيبات وحرم عليهم الخبائث. فلسنا بحاجة إلى البحث عما إذا كان هذا التدخين ينسرب إلى الجوف أم لا ينسرب، يغذي أم لا يغذي، كل ذلك لا معنى له. فالتدخين اقتراف لمحرم ناقض للصيام؛ لأن الكبيرة تنقض الصيام في حقيقة الأمر، وإن خالف بعض الناس. والله الموفق.
الشيخ أحمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد كنت حريصًا على أن أستمع لا أن أتكلم في هذه المداخلات التي حصلت، ولكن المداخلات نفسها هي التي فتحت آفاقًا جعلتني أتحدث بعض الشيء.
أولًا: أرى بأن بحث قضايا وقع الاتفاق عليها أو ما يشبه الاتفاق على أحكامها أمر لا داعي إليه في هذا المجمع، فإن المجمع إنما يبحث قضايا مستجدة ويعطي فيها فتوى جديدة. ولئن كان هنالك أيضًا خلاف بين علماء المسلمين لم يتوصل فيه عند الجمهور إلى الترجيح في بعض القضايا التي سبق بحثها من قبل يعطي أيضًا المجمع الرأي الراجح فيها. أما القضايا التي استقر فيها عمل الناس على شيء وقبله علماؤهم وعامتهم فلا داعي إلى البحث فيها. فالتدخين لا داعي للبحث فيه، هل هو ناقض أو غير ناقض؟ لأننا لو جئنا إلى المدخنين أنفسهم لا نكاد نجد أحدًا منهم من الذين يصومون يجرؤ على التدخين في نهار رمضان، ولا نكاد نجد أحدًا حتى من عوام الناس الذين لا نصيب لهما في الفقه والمعرفة يقر التدخين في نهار رمضان. فجميع العلماء وجميع العامة استقر عملهم على هذا وإن وجد خلاف، فإنما هو خلاف في بطون الكتب، ولكنه لم ينتقل إلى عمل الناس.
وكذلك قضية الاستمناء. هل الاستمناء ناقض للصوم أو غير ناقض بعدما استقر عمل الناس على رأي معين وقبله خاصتهم وعامتهم؟ لا أرى داعيًا لبحث هذه القضية، فالقضية قد أميتت بحثًا من قبل، ومعظم المسلمين بل لو قلنا بأنه استقر الإجماع العملي على أن الاستمناء ناقض لما أخطأنا، فإننا لم نعرف في المتقدمين من خالف في ذلك إلا ابن حزم.
والمجمع له هيبته وله مكانته، ولو صدر من هذا المجمع بيان يعطي فتوى بخلاف ما استقر عليه العمل في القضايا السابقة فإن مكانته تتزعزع وهيبته تتلاشى. أما التوسيع والتضييق في مجال المفطرات فهما أمران ينبغي النظر فيهما؛ لأن الإسلام يدعونا إلى الاعتدال (لا إفراط ولا تفريط) فلا نستطيع أن نوسع أحكام المفطرات؛ لأن هذه التوسعة تؤدي بنا إلى الكثير الكثير مما قد نحذر، فلو قلنا بأن إدخال الطبيب أصبعه في فرج امرأة مثلًا لأجل ضرورة لا محيص عنها مؤدٍ إلى النقض فما الفارق بين ذلك وبين إدخال الصائم أصبعه في فيه؟ فهل إدخال الصائم أصبعه في فيه يختلف عن هذا الإدخال؟ نعم يختلف من حيث الجواز وعدمه، ولكن الجواز جاء هنا بسبب الضرورة، ولم يقصد بذلك تلذذ من أحد الجانبين.
كذلك التضييق في المفطرات واعتبار بأن ما يصل إلى الجوف أو ما يمكن أن يكون غير متغذًّى به عند الناس في عرفهم غير ناقض، أو ما استعمل للدواء غير ناقض، هذا أمر أيضًا يفتح الكثير الكثير من أبواب المشكلات.
موضوع شهوة المزاج أيضًا لي فيه نظر، لأننا لو قلنا بأن المزاج عندما يرضي الإنسان أو يشبع رغبته بوجه من الوجوه المباحة يؤدي ذلك إلى نقض الصيام، لربما أدى ذلك إلى القول بأن من استمع إلى القرآن وكان سماعه للقرآن بصوت شجيٍّ يرضي مزاجه يؤدي ذلك إلى انتقاض الصوم أيضًا فضلًا عن بقية الأشياء.
أما موضوع الحيض ومنع دورته باستعمال الحبوب المانعة، فلا ريب أن حكم الفطر مترتب على خروج الدم، وعندما يكون الدم غير خارج لا يترتب على ذلك حكم الفطر ولو حضرت الدورة، أي حضر ميقاتها، ولكن هل هذا التصرف لا تترتب عليه آثار سلبية من الناحية الصحية أو من الناحية الدينية؟ حسب ما علمت هناك آثار سلبية من الناحية الدينية فضلًا عن الناحية الصحية، وكثير من النساء اللاتي استعملن هذه الموانع اتصلن بي يسألن عن حكم ما يرينه من الدم بعدما اختفت الدورة الدموية عن مدارها المعتاد. فالدورة الدموية تصبح غير منتظمة، ولا تعرف المرأة بسبب استعمالها لهذه الحبوب أو هذه الموانع التفرقة بين دم الحيض ودم الاستحاضة، يختلط عليها الحابل بالنابل، أما كون ذلك ضارًّا بالجسم أو غير ضار فأمر لا نتدخل فيه، وإنما نتركه للأطباء أنفسهم. فالأطباء هم الذين يقررون الضرر أو عدم الضرر.
وقد يتسامح في الحج بسبب أن بقاء المرأة متخلفة عن رفقتها في الحج فترة طويلة وحتى لو كانت فترة قصيرة، تخلف المرأة عن رفقتها أمر فيه ضرر بها. على أن الحج لا يتكرر كما يتكرر الصيام، فلا مانع إن تسومح في الحج، أما التسامح في الصيام فلا داعي إليه؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل لها مخرجًا وهو القضاء، فعليها أن تقضي بعدما تفطر امتثالًا لأمر الله، ولا داعي إلى استعمال ما يؤدي إلى الضرر بالجسم، أو ما يؤدي إلى الضرر بالدين من حيث إن المرأة تختل عندها الدورة الشهرية، ولا تستطيع أن تفرق بين الحيض وبين الاستحاضة.
وأعود إلى موضوع النواقض فأقول بأن الكلمات تأتي في اللغة العربية مشتركة لها أكثر من معنى، فكلمة الرفث قد تستعمل أحيانًا بمعنى رفث اللسان، وتستعمل بمعنى الوقاع، ومن مجيء الرفث بمعنى رفث القول قول الشاعر:
ورب أسراب حجيج كُظَّمٌ عن اللغى ورفث التكلم
المقصود بالرفث هنا القول الذي يصدر من اللسان.
ويأتي الرفث بمعنى الوقاع نفسه بدليل قول الشاعر أيضًا:
ويرين من أنس الحديث زوانيا وبهن عن رفث الرجال نفار
فالمراد بالرفث هنا هو الوقاع.
ولا ريب أن الرفث الذي خرم في الصوم ليس هو كل ما يتعلق بالجماع حتى النظر من الرجل إلى امرأته النظرة بشهوة إلى غير ذلك؛ لأن هذا مما لم نعرفه من قبل ولو أطلقنا ذلك لترتب على ذلك ضرر كبير، والله تبارك وتعالى ما جعل علينا في الدين من حرج.
ونقطة أخيرة ليست هي متعلقة بالجانب الفقهي، وإنما هي تتعلق بجانب النظام تدور حول ما قدمه أخونا الدكتور العبادي من اقتراح بأن تكون التعقيبات مدونة وأن تكون متناولة لكل ما في البحوث التي تتعقب. لي بعض الملاحظة على ذلك، أما تدوينها فذلك أمر لا مانع منه لأجل الضبط لأنه يضبط بالكتابة ما لا يضبط بالقول، وأما كون على كل معقب أن يتعقب البحث من أوله وآخره، فذلك يفضي إلى أن تكون وراء البحوث بحوث متسلسلة وهذا أمر قد يكون فيه شيء من الحرج، بل ربما الإنسان لا يريد أن يتحدث في مواضع من البحث لأنه اقتنع بما في البحث، وكما يقال:(السعيد من اكتفى بغيره) فلا داعي إلى إثارتها. فالأولى أن يكون لكل أحد التعقيب بحسب ما يريد من التعقيب على الموضوعات المطروحة من غير أن يتناول البحث من أوله إلى آخره، وأسأل الله التوفيق للجميع، وشكرًا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم،
في الحقيقة نحن نريد أن ننعش الذاكرة بما انتهى إليه الخليلي وبدأ به الخليل، أمران عجيبان، الرفث ذكر في مقامين في حرمين، مع حرمة الصوم وإحرام النسكين. وهذا فيه إشارة الى أننا ما دمنا في إحرام فحرمة الكلمة أيضًا ربما تؤثر في هذا الإحرام. هذا هو فقط للإشارة. إذن {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} ، {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، وهذا توجيه إليه ينبغي أن يتوقف أمامه.
أمر آخر، أثيرت - في الحقيقة - قضية رائعة في هذا المجلس الكريم في جلسة البارحة وهي شهوة المزاج. نعم يا قوم هنالك شهوة مزاج ، هو اصطلاح جديد ولكنه معنى قديم ، أذكر إخواننا ، أظن والشافعية على ما أذكر بالذات ما حكم شم الروائح العطرة للصائم واستعمال العطورات للصائم؟ هل يرون فيها كراهة؟ نعم. إذن من شهوة المزاج ننتقل إلى مزاج آخر، ألم يقل بعض الفقهاء - وهذا شيء معروف - بمزاج الغيبة ومزاج النميمة قولًا أو سماعًا للصائم؟ بلى، تكلموا في هذا. هو ليس أكلًا ولا شربًا، ولكنه من قبيل المزاج.
أمر آخر، نحن والأطباء في الحقيقة كلنا يعرف أن هنالك اصطلاحًا قد يتفق المفهوم الطبي مع الاصطلاح الشرعي وقد يفترقان ، مثلًا تعرفون جميعًا الفم هو عضو خارج بالنسبة للمضمضة وعضو داخل بالنسبة لابتلاع الريق، له اعتباران، هنا الاعتبار الشرعي والاعتبار الطبي هو جوف، هو من الجوف، إذن ما دام له اعتباران ينبغي أن نأخذ بالحسبان هذين لاعتبارين.
قضية ما أشير إليه - وفعلًا - أخذ المرأة علاج منع الدورة الدموية، أذكر أليس هذا يصل بنا إلى صلاة الحاقن؟ الدم موجود وهي حبسته وكان من شأنه أن يخرج، أليس له نظير في الفقه، صلاة الحاقن وهو دافع أحد الأخبثين وعليه الإعادة في الوقت وإن كانت صلاته صحيحة؟ هذا أيضًا نثيره للمذاكرة.
أمر عجيب وهو غسيل الكلية نتمنى ألا يتعرض إليه لأن الذي يغسل الدم في الكلى هل هو قادر على الصوم أصلًا أم لا؟ بل إنه ممنوع رأسًا. أمر آخر نصل إليه وهو ذوق الطعام. على ما أذكر في كتب الأحناف عندهم نص أنه: " ويرخص للزوجة أن تذوق الطعام بطرف لسانها إذا كان الزوج سيئ الخلق "، هكذا قالوا مع الكراهة، صح صومها مع الكراهة. إذن من هذه العناوين نحن نأخذ شيئًا وهو أن هذا الذوق - سبحان الله - لم يعتبروه مفسدًا للصوم وهذا يصل بنا إلى القطرة في الأذن أو العين.
أمر آخر بالنسبة لأخينا الدكتور السلقيني عندما ذكر السفر والمرض ، نذكر أن العلة طبعًا المشقة وقال الفقهاء:" تناط الأحكام الشرعية بأسباب مادية " فالمرض مرض والسفر مظنة المشقة والمرض هو المشقة بذاتها".
أمر آخر، نحن في حل مع المرض، من قال: إن المريض يجب أن يفطر، وأن المسافر يجب أن يفطر؟!
وأمر آخر وهو آخر آية الصوم تردنا إلى أولها وهو قوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إذن ما دمنا نحن في حرم التقوى إذن لتكن كل نظراتنا ضمن هذا الإطار. وشكرًا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ علي الجفال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الحقيقة ما أريد أن أقوله سبقني الزملاء إليه، ولكن هناك تساؤلات هي التي أدت في اعتقادي إلى اختلاف الفقهاء في المسألة الواحدة، وأحيانًا نجد خلافًا في إطار المذهب الواحد، فلا بد من تحديد مفاهيم هذه المصطلحات، منها:
أولًا: الاتفاق على مفهوم الجوف، وربما يكون المعنى اللغوي الذي يدل على كل مجوف وهو كل باطن، هو المعنى الذي رجحه الفقهاء وبناء عليه اعتبروا كل ما وصل إلى الباطن مفسدًا للصوم سواء كان هذا الباطن موصلًا للجهاز الهضمي أو لم يكن كذلك. وإذا أريد بالجوف ما يؤدي إلى الجهاز الهضمي فإن من الطبيعي أن تكون جميع المواد التي لا تصل في نظر الطب إلى الجهاز الهضمي غير مفسدة للصوم. وبناء عليه فإن الأدوية التي تعالج خللًا في الأبدان، في الدماغ أو في الأعضاء المنفصلة عن الجهاز الهضمي، لا تعتبر مفسدة للصوم؛ لأنها لا تصل إلى الجهاز الهضمي، ولا تخل بقاعدة الإمساك التي تعتبر ركن الصيام.
ثانيًا: التفريق بين الغذاء والدواء ، فالغذاء يمكن الإمساك عنه، والصوم هو إمساك عن الطعام والشراب وفيه فائدة للبدن، أما الدواء فيختلف عن الغذاء وهو ضروري للبدن، لأنه أداة علاج، والإمساك عنه يؤدي إلى ضرر عاجل وآجل، وعلى الأقل فالامتناع عن تناول الدواء في مواعيده يؤدي إلى مضاعفة الألم. كما يشترط في الدواء الذي لا يؤدي إلى إفساد الصوم:
- أن لا يصل ذلك الدواء إلى الجهاز الهضمي.
- أن لا يكون في ذلك الدواء ما يفيد معنى التغذية.
- أن تكون الغاية من تناول ذلك الدواء العلاج.
ومع هذا فإن أمر المفطرات يحتاج إلى اجتهاد جماعي يقود إليه حوار علمي مبني على دراسة الأدلة الشرعية، تراعى فيه المقاصد الشرعية التي فُرض الصوم لتحقيقها.
وهذا اللقاء العلمي هو المكان الطبيعي المؤهل لدراسة هذا الموضوع الفقهي، ووضع المعايير الشرعية والضوابط السليمة التي توضح هذا الأمر. وشكرًا.
الشيخ عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، الشاهد البشير الداعي للحق بإذنه والسراج المنير، وعلى آله وصحبه وسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لفضيلة رئيس المجمع على إتاحته الفرصة لي للتدخل والتعليق على الموضوع الذي طرح للبحث. الموضوع الذي قدم لنا فيه الباحثون في جلسة صباح الأمس بحوثًا قيمة تناولت الموضوع المطروح بأسلوب عملي وعلمي جيد وطريقة مبسطة، جزاهم الله عنا أحسن الجزاء.
ومما ينبغي أن نحمد الله ونشكره عليه هو أن وجدنا في إطار هذا المجمع الفقهي الموقر مناخًا فكريًا وجوًا علميًّا، يجد فيه الفقهاء والأطباء معًا مجالًا واسعًا يستطيع كل منهم أن يعبر عن استنباطاته الفقهية واكتشافاته العلمية عن ركن من أركان ديننا الحنيف، وخاصة ما يتعلق بموضوع مفطرات الصيام أو مفطرات الصيام التي كثر فيها الكلام، واختلف حولها آراء الفقهاء من مذهب إلى مذهب. لعل المسلم العادي أن يستهدي فيه إلى رأي ترتاح إليه نفسه ويرضى به ضميره.
أريد أن أنتهز هذه الفرصة وأهنئ الأمين العام للمجمع على الأسلوب الجديد الذي تبناه في هذا الاجتماع في اختيار المواضيع والكتابة إلى أهل الاختصاص، وطريقة تقديم البحوث والتعقيب عليها، فجزاه الله عنا أحسن الجزاء.
فالذي اطلع بالأمس على هذه البحوث القيمة، واستمع إلى الشرح الواضح الوافي الذي تفضل به الباحثون وإمعان النظر إلى تعليقات المعقبين لهذه البحوث يدرك أهمية التعاون الفقهي والطبي على معالجة مثل هذه المسائل التي تهم المسلمين في حياتهم العادية. وعلى هذا أرجو الاستمرار في معالجة القضايا المطروحة أمام هذا المجلس بنفس الطريقة التي تمت فيها معالجة القضايا الفقهية المعاصرة بالأمس. فمن المعلوم أن هذا المجمع أنشئ من أجل النظر إلى القضايا المستجدة التي تواجه المسلم المعاصر، وهذا لا يكتمل إذا كان لا يوجد تعاون كامل وتنسيق بين المتخصصين في العلوم التطبيقية والفقهاء.
ومما يشرح الصدر وأعتقد أنكم كلكم تتفقون معي أن ما سمعناه بالأمس من الأطباء المتخصصين في العلوم التطبيقية في تحديد المداخل إلى الجوف بالاستنتاجات العلمية وواقعية جيدة وضعوها أمام الفقهاء لإصدار الحكم الشرعي على قضية تهم المسلم المعاصر. وعلى هذا أرجو أن يستمر هذا المنهج وهذا الأسلوب. ومن هنا أثني على ما جاء من بعض المعلقين بالأمس - وأعتقد أنه الدكتور السالوس - على أن يكون منهج استكتاب وكتابة الموضوع مستقبلًا مشتركًا بين الفقيه وبين المتخصص في العلوم التطبيقية، سواء كان هذا موضوعًا طبيًا أو موضوعًا اقتصاديًا أو موضوعًا يتعلق بحياة المسلم العادي.
وعلى هذا أريد أن أنهي هذا التدخل بشكر جزيل إلى رئيس مجلس المجمع وإلى كل من تدخل بكلمة أو تعليق خلال هذا الموضوع الهام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أريد أن أنتقل إلى التعقيب على المداخلات العلمية، فأريد أن أذكر أولًا أن الموضوع الذي كتبت فيه ليس ما يفطر في رمضان وما لا يفطر، ولم يكن الموضوع المعروض عليه للكتابة فيه أن أتحدث عن المفطرات في رمضان، ولكن المفطرات في مجال التداوي، وفرق كبير بينهما، إذ أنه لو كان البحث المفطرات في رمضان لكان بحثي ناقصًا منقوصًا لم أقم فيه بأمانة البحث إلى نهايته. فكثير من المداخلات انبنت على هذا التخليط بين مطلق الفطر وما يفطر وما لا يفطر. وبهذه المناسبة قبل أن أزيد فأقول: هل يقال مُفْطِرَات أو مُفَطِّرات؟ وأخونا الشيخ سليمان الأشقر - جزاه الله خيرًا - وهو من كبار العلماء وتقديرنا له هو تقدير أخوي لما يجمعنا به في باب العلم، والعلم رحم بين أهله، ولكن الحق أحق. أما (أفطر) و (مُفْطِرات) و (مُفْطِر) فهو المنقول لغة، ولم ينقل لغة استعمال (مُفَطِّر) على الشيء الذي يفطر، ولكن حين اعتمدنا المدرسة الكوفية في الاشتقاق من أن الاشتقاق كما يكون بالسماع يكون قياسًا فمُفَطِّر مقبول. وهذا ما يقوله صاحب القاموس. ومُفْطِر من مفاطير، وكصَبُورٍ: ما يُفْطَرُ عليه. ولم يأت به مُفَطِّر.
فإذن حصرت نظري وكلامي بالمفطرات المرتبطة بالتداوي والعلاج.
واليوم والذي دعا المجمع فيما أظن لبحث هذا الموضوع هو أنه قد جدت طرق ما عرفها الفقهاء من قبل؛ لأنها لم تكن في وقتهم. فهذه الطرق في العلاج هي التي دعت - جزى الله خيرًا من اقترح الموضوع للنظر فيه - المجمع لأن يعقد له هذه الجلسة للنظر في هذه المفطرات التي حدثت أو في هذه الأشياء التي تدخل على بدن الصائم فنبتغي أن نعرف لها حكمًا، هل هي تؤثر في صيامه أو لا تؤثر في صيامه؟
ولهذا ارتبط الموضوع ارتباطًا جذريًّا بإخواننا الأطباء - جزاهم الله خيرًا - ليساعدونا على التعرف على هذه الطرق الجديدة في التداوي، وكيف تسلك مسالكها في الجسم الإنساني؟ ولما كتبت موضوعي اتصلت بالسادة الأطباء من إخوان وأهل وعشيرة، وسهرت معهم الليالي أضبط معهم ضبطًا دقيقًا كل ما سألتهم عنه وأجابوني به، ثم بعد أن تحصل عندي الواقع والحالة التي يؤثر بها العلاج في المريض كتبت موضوعي لا استنادًا إلى اختياراتي الخاصة بالنظر المجرد فما طلب مني أن أبين وجهة نظري كفلان، ولكنه طلب مني أن أبين الحكم الشرعي ، ولذلك عدت إلى الثروة الفقهية، هذه الثروة التي ساعدتني على الوصول الى ما وصلت إليه، فأنا آتي بالنظائر الفقهية التي تحدث فيها الفقهاء في مواضيع تتصل بالموضوع الذي هو في المسألة الخاصة التي نظرت فيها، حتى آخذ من ذلك سندًا لما أرجحه في الموضوع الذي أبحث فيه في مجال التداوي.
ولذلك تجدون في بحثي أول ما أبحث آتي بنظر الفقهاء في الموضوع، ثم أعقب عليه تطبيقيًا لذلكم النظر على اختلاف وجهة نظر الفقهاء في الموضوع الخاص الذي هو موضوع التداوي.
ثم إن منطقة البحث كما تعتمد التأمل في النصوص التشريعية وهو اجتهاد، كذلك تعتمد التخريج على أقوال الأئمة وهو أيضًا رتبة من رتب الاجتهاد، التي وإن كانت هي الباقية وهي التي منتشرة إلا أن الفقهاء يخشون من تسلط عليهم فيقولون لسنا من ذلك، ولكن النظر في كتب الفقهاء يفيدنا يقينًا أنهم من أهل التخريج، وإن قراءة الفقه الإسلامي واستمراره وثراءه أحد أسبابه التخريج.
والإخوان تعقبوا على الموضوع الذي كتبت في جزئياته. فضيلة الشيخ علي ربط الإفطار بعنصر التنمية، وعنصر التنمية إن كان أحد العناصر فهو مقبول وإن كان هو الكل فلا، ذلك أن ما يفطر الإنسان قد يكون مُنَمِّيًا وقد يكون مصلحًا ولا ينمي. فضبط ذلك بالتنمية فقط هو أمر لا يساعد عليه لا الفقه ولا النصوص. ثم جعل الارتباط بالعرف، والعرف في نظري أولًا لا بد أن أتساءل ما هو هذا العرف؟ أهو العرف في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم هو العرف حسب ما فهمته هو عرفنا نحن؟ فإذا كان معنى هذا العرف هو عرفنا نحن وهو متبدل، فإن القضية تنقلب إلى قضية كبرى وهو أنه يصبح لكل زمان تشريع. ولذلك لا أستطيع أن أربط قضية الصيام. هناك قضايا فعلًا في المعاملات المالية هي مرتبطة بالعرف، وفي الالتزامات كذلك هي مرتبطة بالعرف. وفي تفهم النصوص المكتوبة بين الناس في وثائقهم مرتبط ذلك بالعرف، وفي ألفاظ الطلاق وغيره مرتبط بالعرف، وكذلك في اليمين مرتبطة بالعرف، وفي غير ذلك من أبواب الفقه. أما أن يرتبط ذلك في الصيام في نصوص جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نصوص القرآن فهو مرتبط بالعرف، فيصبح ذلك في نظري لا يمكن قبوله.
كما أنني سمعت الاحتياط الوجوبي ، والاحتياط الوجوبي لم أفهم معناه ، ما معنى احتياط الوجوب؟ فالاحتياط هو كمبدأ في التشريع هو أمر مطلوب، ولكن هذا يقتضي التسوية بكل ما يرد على الجسم كما سمعت ما أظنه صحيح، لأننا نحتاط لكن لا نسوي؛ لأن الأشياء تختلف، والاحتياط ألا يقع التسوية بينها بل لا بد من النظر في المتفرقات وفيما بين الأشياء من تفريق.
ثم جاء في كلامه النهي ، يصبح به الفعلى محرمًا وهو أتون العبادة.
وهنا نأتي إلى قضية أصولية كبرى أثيرت وهي: هل إن النهي يقضي بالفساد دائما؟ ثم إنه وإن ورد النهي عن الصيام بالنسبة للمريض، ما جاءت الآية بالنهي، ولمَّا لم يُردِ النهي فلا أدري من أين يأخذ هذا الكلام من أن النهي يصبح الفعل محرمًا وهو أتون العبادة.
ثم ننتقل إلى معالي الدكتور الألفي فهو أَوَّلَ - وشكرًا له - أن الدماغ مقصود به عند الفقهاء حد البلعوم. وأنا حسب علمي وحسب تتبعي للفقه الإسلامي ما وجدت أن الفقهاء يطلقون الدماغ على كامل الرأس، ولكنهم يقولون: دماغ، وهو الجمجمة وما حولها، ويطلقون الرأس على العنق فما فوق. فهما أمران مختلفان فلذلك ما وجدت بتتبعي وفيما علمته إطلاق الدماغ على الرأس كله. ثم أتى بأن الاستشهاد بكلام ابن حزم، وقال: إما أن نأخذ بكل ما قال أو نترك كل ما قال. هذه قاعدة لا أستطيع قبولها لأن الالتزام أو الأخذ برأي مجتهد في قضية لا يقتضي ذلك الأخذ بكل ما قال، لكن ابن حزم إذا كان بنى آراءه على قاعدة أساسية نحن لا نؤمن بها فلا يصح لنا أن نأخذ بأي قول من أقواله، ذلك أن ابن حزم عندما بنى أقواله على نفي القياس ونحن نقول بالقياس فمعنى ذلك أننا نوافقه تفريعًا ونخالفه تأصيلًا، وهذا كمنهج علمي غير مقبول، فنحن فيما اعتمد فيه ابن حزم النظر في النص وما أخذه من النص نأخذ منه ونرد، وأما ما اعتمد فيه في نفي القياس وأجراه على الإباحة الأصلية فهذا ما نخالفه فيه تأصيلًا فنخالفه فيه تفريعًا.
ثم قضية التدخين السلبي ومعنى التدخين السلبي أي هو وجوده في مكان فيه تدخين، هذا ما أظن أن الفقهاء كلهم قد اتفقوا على أن الداخل من هذا النوع سواء كان غبارًا أو دخانًا أو غيره هو لا يضر الصائم.
فضيلة الشيخ تقي العثماني - جزاه الله خيرًا - قسم الموضوع إلى قسمين، إلى أن هناك نزاع لا يدخل ولا أثر للنظر الطبي فيها، وهناك نواح للنظر الطبي أثر فيها. وكلامه حسب ما ينبغي أن أفهمه منه لمكانته العلمية هو أنه ما كان من تحقيق بيان الحرمة وبيان الحل هذا ليس هو مجال الأطباء إلا إذا كان بعضهم من الفقهاء، وعندنا بحمد الله في تاريخ الفقه الإسلامي من جمع بين الفقه والطب وما يزال يوجد إلى الآن، والحمد لله، ولا يضيق على أحد أنه يقال إنه ليس من أهل هذا الفن ، كما أننا نحن ننظر في الطب ولكن ليس لنا قول فيه ، فإذا كقاعدة أنه لا أثر للنظر الطبي إن كان من حيث الحكم الشرعي، وبيان الحكم الشرعي بالاستنباط، فالاستنباط إنما هو لأهله ، وأما إذا كان لبيان الواقع - وهو ما أفهمه من كلامه - فإنه لا شك أن بيان الواقع هو للأطباء وعلى كلام الأطباء ، وبناء على نصوص الشارع نأخذ ونحكم.
ورجح فضيلته أن ما يدخل العين أو هو يتسرب من المسام - الفتحات الصغيرة - ولا يصل. في الحقيقة هذا هو من باب تحقيق المناط، هل فعلًا أنه لا يصل؟ أظن أنه بإجماع الأطباء أن الذوق خلق الله له مكانًا خاصًّا في اللسان إذا لم يصل إليه فلا يتذوق الإنسان. فدعوى أن قطرة العين لا تصل إلى الحلق كلام غير صحيح بناء على كلام الأطباء، لأنهم قالوا: إنه نجد فعلًا أن الإنسان يقطر في عينه فيجد طعم القطرة في لسانه، وهو طرف اللسان من الداخل، وما يمنعها من الدخول فيما بعد؟ فلذلك كون تتشربها المسام من باب تحقيق المناط فهو غير صحيح.
فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع - جزاه الله خيرًا - وهو يتحوط، وللإنسان أن يتحوط، وقال: إن قضية الخشية من المرض يجب ألا نقول بها، وأن هذا يفتح بابًا يحسن سده. أنا في عرضي للمذاهب عادة أتابع فيها التاريخ الزمني فأبدأ بأبي حنيفة وهو أقدمهم ثم مالك ثم الشافعي ثم أحمد بن حنبل، لكن سأخالف هنا في هذا الموضوع فأقول:
ومذهب أحمد - وهذا ما كتبته - أصرح المذاهب في اعتبار الترخص بخوف حدوث المرض، جاء في المغني:" والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر؛ لأن المريضى إنما أبيح له الفطر خوفًا مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله، فالخوف من تجدد المرض في معناه ". وصرح البهوتي بأن الفطر مع خوف المرض سنة، وأن الصوم مكروه.
أما في بقية المذاهب فقد جاء في الفتاوى الهندية أن الصحيح الذي يخشى المرض هو كالمريض. وجاء في المذهب المالكي فقال العدوي في حاشيته على الخرشي: " واعلم أن الصحيح إذا خاف بصومه الهلاك أو شدة الأذى يجب عليه الفطر، ويرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، والجهد يبيح الفطر ولو للصحيح كما هو ظاهر الخطاب ". والشافعية سووا بين الترخص بالتيمم والترخص بالفطر، وجاء في الترخص بالتيمم جاء في المجموع:" إذا خاف حدوث مرض يخاف منه تلف النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو، أنه يجوز له التيمم بلا خلاف بين أهل المذهب، إلا صاحب الحاوي فإنه حكى في خوف الشلل طريقين ". وعليه فإن حكم خوف حدوث المرض هو كحدوثه فعلًا. هذه هي المذاهب الأربعة، فإذا كانوا هم لم يتحوطوا لدينهم، وإذا كانوا قصروا فما أظن أني أكون أحرص منهم. وإذا كان الشيخ أحرص منهم فله ذلك.
الحجامة، تحدث فضيلته عن الحجامة. الحجامة تحدثت عنها كوسيلة من وسائل الدواء وقلت: إنها انتهت كوسيلة من وسائل الدواء والعلاج اليوم. واليوم في كافة أقطار العالم الإسلامي لا يسمح لأحد أن يذهب إلى شخص ليتطبب عنده إلا إذا كان طبيبًا مأذونًا له، والسادة الأطباء أمامي فأسألهم هل عندهم الحجامة بشرط خلف العنق وامتصاص الدم بالفم؟ هل بقي هذا عندهم في الطب، أو توجد مدرسة طبية في العالم تقول بأن الحجامة اليوم وسيلة من وسائل العلاج؟ فأنا لا أتحدث ولم أتحدث أصلًا عن الحجامة إلا كأَخْذِ آخذٍ منها قضية، ثم بينت ولا أستطيع في بحثي هذا أن أتعرض إلى كل موضوع بالتفصيل، لأنني أخاطب علماء، فقد بينت الأحاديث التي وردت في الحجامة وأشرت إليها وإلى مراجعها وأنها كلها مضطربة.
ورد موضوع من أخينا ممثل أندونيسيا - جزاه الله خيرًا - وهو حكم تناول المرأة الحبوب لتأخير أمد الحيض. هذه قضية ذكرها الفقهاء قديمًا وتحدثوا فيها؛ أولًا تحدثوا فيها هل هي بالجواز أو بالمنع؟ وأنه إذا كانت لا تضر بالمرأة فهي جائزة.. وكونها تضر أو لا تضر ليس لنا نحن الفقهاء ولكنه للأطباء. ثم تحدثوا عما تجده المرأة إذا جاء وقت طمثها فأحسست بأشياء دون أن يخرج منها الدم، فذهب بعضهم - وهم قلة - إلى أنها في تلك المدة تعتبر طامثًا. والصحيح الذي ذكره غير واحد من فقهاء المالكية في هذه القضية أن الأحكام هي مرتبطة بخروج الدم فعلًا لا بالإحساس به. والقضية إذن بحثت منذ قرون وبت فيها.
فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي - جزاه الله خيرًا - ربط الفطر بالقصد إلى التغذية ، والقصد إلى التغذية الفطر يتحقق سواء قصد أو لم يقصد، بقي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الحديث الذي عفا فيه عما أخذه الإنسان ناسيًا، وفي تأويل هذا الحديث معروف اختلاف الفقهاء، فالفطر تحقق إلا أنه عفي عنه؛ لأن الفطر هو أمر مادي ومن ثم ينبني على هذا الأمر حكم شرعي، ففرق بينهما ، فالفطر هو وصول شيء من الإنسان إلى معدته، قاصده أو لم يقصده ، بقي هل يترتب على هذا حكم الفطر والقضاء أم لا؟ هو أمر آخر شرعي.
والفقهاء لم يروا أن المضمضة مفطرة؛ لأنها سنة ، هذا فعلًا تخريج ولكن التخريج الذي أرتضيه والذي بنيت عليه لأني لم أتحدث عن هذا لقصده، وإنما بنيت عليه أمرًا جديدًا وهو الغرغرة، وما يؤخذ تحت اللسان من الحبوب التي تذوب في اللسان، هذا الذي من أجله أتيت ببحث المضمضة أو غيرها. فالمضمضة أقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أحكام ربه بطريقتين، الطريقة الأولى وهي إبلاغ الوحي. الطريقة الثانية وهي المشاهدة لقيامه صلى الله عليه وسلم بما أمر به على النحو الذي أمره الله به، وهي طريقة جيدة وهي التي اعتمدها مالك، والتي لم يفهمها كثير من الناس من الأخذ بقول أهل المدينة. فهو لا يعني بقول أهل المدينة أنه قولهم في الاجتهادات، ولكنهم أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريقة التطبيقية العملية للتشريع الإلهي ونقلوها جيلًا عن جيل ، فقال مالك إنها تلك الطريقة المقصودة بالنص. وذكر أنه سئل من أطراف الأطباء: هل إدخال الأصابع لإخراج الولد مفطر أم لا؟ المرأة هي في حالة الولادة، هي أفطرت فعلًا، أدخل أصابعه أو يده أو آلاته.
مضغ العلك ذكر فضيلته أنه غير مفطر مطلقًا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة لا الحنفية. أنا في بحثي لم أتحدث عن العلك إلا بما يتصل به، وقد جاء في بحثي: أن الحنفية يقولون: إنه إذا مص الإهليلج ولم يصل إلى حلقه فإنه غير مفطر. فأخذت هذا النص فقط من الحنفية، وأخذت مضغ العلك من الحنابلة ومن الشافعية ومن المالكية، وبينت آراءهم لأرتب على ذلك ما يمتصه أو ما يدخل في الفم ولا يصل إلى الداخل من الأدوية التي يصفها الأطباء. فالقضية كلها مرتبطة لا بالعلك ولا أريد أن أبحث في العلك لذاته ولا في المفطرات لذاتها ولكن لارتباطها بالدواء.
أما التخدير فبينت أن حكمه حكم الإغماء، باعتبار أنه زوال للإحساس بما حول الإنسان إحساسًا نميز به العاقل. وهذا الإحساس عند الحنفية رأي وهو مرتبط بتبييت النية من الليل. ففي اليوم الذي وقع فيه التخدير إذا بيت النية من الليل فإنه لا يقضي ذلك اليوم، وإذا لم يبيت النية بأن وقعت له العملية الجراحية قبل طلوع الفجر فصيامه غير معتبر، لارتباطه بالنية لا الإغماء. هذا في المذهب الحنفي. أما في بقية المذاهب الأخرى فهم يفصلون بين أن يكون الإغماء منسحبًا على كامل اليوم أو منسحبًا على بعضه أو منسحبًا على شطره، وبينت هذا. وبذلك تتخرج هذه القضية بالنظر إلى اختلاف الفقهاء في هذا، ونأخذ قولًا ونرجحه ونسير عليه إن شاء الله.
فضيلة الشيخ الضرير وهو الفقيه النابه جعل الفطر مبنيًا على ضابط واحد استخرجه من القرآن أولًا مع مراعاة السنة، وأنه مراعاة الاستثناءات التي استثنتها السنة النبوية الشريفة وأن هذا هو المرجع. قبل أن أناقشه أقول قاعدة عندنا من الحرية ومن التكريم لرأي الغير في الفقه الإسلامي، هذه القاعدة التي أخذ بها جميع الفقهاء وهي: أن ما أقوله صح وحق وصواب يحتمل الخطأ، وما يقوله غيري - ولو الشيخ الضرير - هو خطأ يحتمل الصواب. فهذه قاعدة معروفة. وعلى هذه القاعدة أسير. فبناء على هذا جعل الجماع مفطرًا وكذلك مقدماته اعتمادًا على الرفث. ورأيت لحذاق المفسرين - فيما أذكر - أنهم قالوا: إن الآية هنا عديت بـ (إلى) ، وتعديتها بـ (إلى) للدلالة على أنه الإبضاع، لم يقل رفث نسائكم، ولكن {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ولم ينه عن مطلق الرفث، وكل حرف في القرآن الكريم هو يدل على معنى، فلا يكون الرفث موجبًا للفطر إلا إذا بلغ النهاية وهو الجماع، وأما ما عدا ذلك فينسحب على القبلة ، وإنما الكل سواء.
ثم في هذا البحث أنه سوى بين المقدمات والجماع ، شأن الشريعة أنها تفرق بين المختلفات. وإذا نظرنا إلى موارد الشريعة في هذا فإننا نجد أن الشريعة فرقت بين الجماع وبين مقدماته، فأوجبت على الجماع الحد بينما على مقدمات الجماع، إذا لم تكن في الوجه الشرعي جعل صلى الله عليه وسلم من أخبره من صحابته فقال له:" هل صليت معنا ". فجعل ذلك مكفِّرًا لقوله: نلت منها ما عدا الجماع. هذا في الكبيرة. ثمّ إن الجماع كبيرة وإن المقدمات صغيرة، ثم إن المرأة تتحلل بالطلاق الثلاثي بالجماع، ولا تتحلل بمقدمة الجماع، ثم يجب على الإنسان الغسل بالجماع، ولا يجب عليه بمقدمة الجماع. فهما طريقان مختلفان تمام الاختلاف.
ذكر أنه نظر في ملخص بحثي فوجد ضابطًا لكل مذهب. كان مستعصِيًا عن الفهم لم يحلِّل. أعتقد قد أكون لم أوفق عندما كتبت التلخيص ولكن التلخيص مرتبط بالأصل، ولو يتكرم سيادته بعد مجلسنا هذا أن ينظر في البحث بتمامه وأن يجد من الوقت ما يسعه للنظر في بحثي لرأى توضيحًا لكل ما استعصى فهمه. أما ضابطه الذي ذكره فأنا لم أره في أي كتابة من كتاباته، ولو رأيته قد أكون أنظر فيه وأبين ما له وما عليه.
بعد هذا، قياس المرض على السفر عند ابن سيرين، وأن ابن سيرين إنما قال بالنص. مرد هذا أن كلمة قياس لم تفهم ، من نظر في كتب الفقهاء قديمهم وحديثهم يقولون هذا: ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس. وخصص ابن قيم الجوزية رضي الله تعالى عنه في كتابه ما جاء في الشريعة على خلاف القياس، وبين أنه لا يوجد في الشريعة شيء على خلاف القياس. فعندما قلت: قياسًا، فأنا أقصد هذا المعنى: أن الشريعة تسير على نمط واحد، فابن سيرين جعل السفر وجعل الفطر لوجع الأصبع هما نمط واحد، فبينت له الخلاف بينهما، وأن النمطية الواحدة تقتضي ألا يكون وجع الأصبع كالسفر، وبينت أن السفر ربط بأصل السفر وجدت مشقة أو لا، لأنه هو الأمر الذي جعله الشارع مناطًا، أما بالنسبة للمرض فإنما هي المشقة التي دعت إلى ذلك.
هو لم يرض فيما ذهب إليه الشاطبي في تحديد الرخصة، وذكر أن التعاريف يجب أن تكون محددة. أنا ذكرت في بحثي أن أحد كبار العلماء وأحد أذكيائهم ومعروف بذكائه ونباهته وإدراكه لتفاريع الشريعة ثم ضبطها الضبط المحكم هو الإمام القرافي، ولا يوجد فيما أظن فقيه لا يعود إليه سواء أكان تابعًا لمذهبه أم غير تابع، والرجل - كما تعلمون - هو رجل جمع إلى ذكائه العلمي إتقانه البعيد في علوم الحيل وفي إخراج أشياء عجيبة جدًّا ذكرها في شرحه على المحصول، ولولا الإطالة لدخلت في ذلك. فالإمام القرافي قال:" إنني عجزت عن إعطاء حد للرخصة جامع مانع، وبحثت فلم أجد في كل كلام من تقدمني أنه وفق لذلك ". وأن الشاطبي باعتماده مقاصد الشريعة حاول هذه المحاولة وأتيت بكلامه وأنا أرتضيه. ثم أذكر بأمر وهو أن التعاريف عند الفقهاء وعند الأصوليين هناك حد وهناك رسم، ومعظم ماجاء في كلام الفقهاء وما جاء في كلام الأصوليين إنما هي رسوم لاحدود، ويكتفون بذلك باعتبار أنها مقربة.
ثم جاء في كلامه أن المطلق يجب أن ينصرف إلى الفرد الكامل. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، فإذا أراد الله تعالى بالأضاحي فعلينا أن نأخذ شاة يتحقق فيها معنى بلوغ السنة، ولم يطلب منا أن نأخذ أكبر من ذلك، وحاول بنو إسرائيل أن يأخذوا بهذا المعنى - أي بالفرد الكامل - فوقعوا في الجهد والمشقة، وقال صلى الله عليه وسلم:((لو ذبحوا أية بقرة لأجزأتهم بل طلبوا الكمال)) . فالمطلق لا ينصرف إلى الأكمل وإلى الفرد الكامل، وإنما ينصرف إلى ما تنطبق عليه الحقيقة.
عارضني الشيخ خليل في أن الرخصة ليست شخصية. يا سيدي أنا أؤمن بأن الرخصة تشريع لكل فرد حسب وضعه، وربطت ذلك بالزمان والمكان، وقد يكون الشخص ذاته في نفس حدود هو مرخص له في وقت غير مرخص له في وقت آخر؛ لأن وضعه البدني أو الجسمي أو إلى آخره هو يختلف. فالرخصة شخصية وليست تشريعًا لكل فرد من المسلمين في وقت واحد، وإنما هي تنسحب على الشخص وتطبق عليه في ظروف خاصة، وهذا ما فهمته بعد تتبعي لكلام الفقهاء ولمناط الرخصة ولمواضع الرخصة في الفقه الإسلامي.
فضيلة الشيخ علي السالوس جعل أن المهم هو اشتراط الاستقرار، وهذا رأي الحنفية، ونحن نقدر باقي المذاهب ولكن ليس معنى أن صاحب المذهب هو الحق، فإن الاستقرار في نظرنا لا يؤثر، فلو أخذ قطعة من اللحم وازدردها وربطها بخيط وجعل الخيط خارج فمه، فهذا لا يفطر عند الحنفية باعتبار أنه غير مستقر لأنه خارج منه جزء. فقوله: الاستقرار هو المهم. قلت: إن هذه وجهة نظر الحنفية واطلعت عليها ورأيتها، وإذا كنت لم أرتضها فليس معنى ذلك أن معي الحق، قد أكون على خطأ وقد يكون من قال بالاستقرار على خطأ. لكن أرى أنه بناء على هذا أنه إذا اتصل بشيء بالخارج فهو غير مفطر ولو كان طعامًا.
صاحب المعالي الدكتور عبد السلام العبادي تحدث سيادته عن المعرفة الطبية وهي غير مكتملة، ولكن نأخذ بالوضع الذي نحن فيه. نحن لا نطالب بأشياء لم يصل بعد إليها العلم، لذلك يجب العودة دائمًا وأبدًا إلى ما نصل إليه، فقد نصل اليوم إلى شيء اعتمادًا على التقدم العلمي وما وصل إليه، ثم إذا أتى العلم بخلاف ذلك رجعنا، وهو ما قاله عمر رضي الله تعالى عنه:" تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي ". وهي قاعدة شرعية أخذها عمر رضي الله عنه من أدب التشريع الذي أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
البحث عن الضابط الذي نرجع إليه ويكون هو المرجع النهائي.
ما أظن أننا وصلنا إلا في أمور قليلة جدًّا التي هي من ضروريات التشريع، فإذا خرجنا عن ذلك فالمقام مقام اجتهاد، وهذا مما انبنت الشريعة الإسلامية عليه.
فلا يمكن أن نجد ضابطًا يجعلنا نتفق جميعًا على حكم في قضية من القضايا، هذه الجزئية المتجددة، فهي ما جلى الأنظار، والإنسان عندما ينظر إلى الفقهاء وكيف خرجوا نجده تارة مترددًا، وأنا كثيرًا ما أقول لما كنت في بواكير شبابي كنت لا أرغب في رأي الواقفية، وأقول: إنهم جماعة لا يفهمون، فلما تقدمت فهمت أن الواقفية لهم حق بمعنى أنهم نظروا في كثير ووجدوا لكل شخص وجهة نظر، واستوت عندهم الأمور فتوقفوا. ولذلك لما قرأنا الأصول في أول الأمر: وقال الواقفية. بعض شيوخنا رحمة الله عليهم لم يبينوا لنا ما هو رأي الواقفية ، ولماذا كانوا واقفية، ولكن الواقفية لهم رأي ولهم وجهة نظر، بمعنى أنهم نظروا في الأدلة ونظروا في المرجحات ووجدوها قد تساوت، وهكذا شأن التشريع الإسلامي. إن استمعت إلى مالكي واستمعت إلى وجهة نظره قلت: والله معه حق، وإن استمعت إلى الحنفي كذلك، وإن استمعت إلى الشافعي، وإن استمعت إلى الحنبلي، فكلهم لهم وجهة نظر بنوها على أساس معقول ومن الشريعة.
فضيلة الشيخ محمد سليمان الأشقر يقول: " القياس الذي - طبعًا بمعنى النص - يأخذ به الفقهاء إلا الظاهرية ". هذا تدقيق علمي معه وهو من كبار العلماء ودقيق جدًّا في علمه. عندنا الظاهرية هم اتباع داود الظاهري وهو يقول بالقياس الجلي ، عندنا بعده ابن حزم تجاوز شيخه، ورأى أن القياس الجلي لا يؤخذ به ، فتدقيقًا للعلم فقط هو أن الظاهرية تقول بالقياس الجلي الذي مع النص. ثم إن القياسات الخفية تضييق على الناس، يا سيدي القياسات الخفية تارة تكون فيها التوسعة وتارة يكون فيها التضييق، فليست قاعدة أن كل قياس خفي هو تضييق على الناس، ولكنه بحث عن الحق سواء يترتب على الحق تضييق أو ترتب عليه توسعة.
الشيخ عبد الله محمد قال: " ويجب أن نأخذ بالسعة، لأنها قضايا جديدة ". أنا ما أعرف في قواعد التشريع أن القضايا الجديدة من قواعدها أنه يؤخذ فيها بالسعة، بل هي قواعد النظر تنسحب على ما مضى وعلى ما جد وعلى ما سيأتي، وعليها الأمر.
أخونا فضيلة الشيخ الحاج الناصر بكل أسف لم أستمع إلا إلى نهاية كلامه لما تحدث عن التدخين بأنه حرام ولذا فهو مفطر ، التدخين حرام هذا رأي، والتدخين مكروه رأي، ولا صلة بين الحرمة وبين الإفطار؛ لأن الإفطار في الحقيقة هو أمر مادي، والحرمة أمر يتعلق بالتكليف، وقد يكون الشيء حلالًا ويفطر كما يفطر المريض، وقد يكون الشيء حرامًا ولا يفطر كقتل النفس وقبلة الأجنبية وغيره، هذا كله حرام.
فضيلة الشيخ خليل الميس تحدث عن المزاج وتأثيره، وهذا أمر جديد دخل في هذا البحث، أعتقد أن القضية ليست قضية مزاج، والتدخين دخل في هذا؛ لأن التدخين مرتبط بشيء آخر وهو الإدمان. فليست القضية مرتبطة لما قيل: إن التدخين حرام، ليس لأنه يؤثر على المزاج، لكن هو عبودية للإنسان لأمر يفسد عليه بدنه ويفسد عليه ماله ، فهذا الإدمان هو القضية التي أوجبت خلاف النظر في حرمته وفي حله، ونحن لا نبحث في الإفطار ، ولكن قلت: إن بعض الأدوية، وفعلًا ابني كان مريضًا بالربو ووصف له علاج هو عبارة عن أوراق اشتريتها من إسبانيا وهي تبخر ويستنشقها، فهو دواء يؤخذ بالبخور أي بالحرق وبذلك التحول الذي يحدث في المادة، فأنا نظرت في الموضوع من هذه الناحية، وليس التبغ لأن التبغ ليس دواء بل هو داء، ولكن نظرت فيما يأخذه المريض من الأدوية بواسطة الدخان يستنشقه أيفطر أم لا يفطر؟ فبحثنا في الفطر في الدخان وغيره هو أمر خارج عن الموضوع.
أظن أنني تحدثت عن بعض ما جاء في التعاليق فمعذرة إن قصرت، وشكرًا لكم، وأستغفر الله العظيم فيما قلته من خطأ، وأشكره إذا أعانني على قول الصواب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما يتعلق بالمُفْطِّرات أو المُفْطِرات هو النظر في المستجدات والنوازل والقضايا الفقهية، وهي نحو خمس وعشرين نقطة، وهذه المسائل أو النقاط منها ما أشبع بحثًا ومناقشة ويكاد يتفق المجمع عليها، ومنها ما هو محل بحث ونظر واختلاف في الآراء ووجهات النظر فيه.
وهناك نوع ثالث وهو أن البحوث التي قدمت في هذا الموضوع لم يتعرض له إلا بحث الشيخ السلامي مختصرًا في موضوع الفطر بالحجامة وما يتخرج عليها من نقل الدم. وتعلمون أن هذا الموضوع اختلفت فيه وجهات نظر العلماء السابقين بين كون الحجامة مفطرة أو غير مفطرة. وبناء على هذا يكون نقل الدم وتحليله هل يكون مفطرًا أو غير مفطر؟ وليس أمامنا دراسة حديثية لما ورد في الباب من الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فقد ورد عن النبي ((أفطر الحاجم والمحجوم)) عن تسعة عشر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحاديث تكلم العلماء على أسانيدها، وهي مروية في السنن الأربع وفي مسند الإمام أحمد وفي غيرها ، والطرف الثاني وهو القول بنسخ الحجامة هو حديث أنس رضي الله تعالى عنه الذي انفرد بروايته الدارقطني، وصححه جمع من العلماء، ومن العجيب أن القصة التي وردت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جعفر بن أبي طالب وفي لفظ " في البقيع " وهو يحتجم، ثم جاء في آخر الحديث ((ثم لم ينه بعد)) . المهم في موضوع الحجامة أنه لم يرد ذكر لمعرفة ما عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الفتوى والعمل وأقوالهم في ذلك. والمأثور عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم له دخل كبير في الترجيح ومعرفة الراجح من الأقوال.
ولهذا فقد ترون مناسبًا أن تتألف لجنة لإعداد قرار فيما توصل إليه المجمع، وإرجاء ما لم يتوصل إليه وإعداد بحوث مستقبلية فيه، وترون مناسبًا أن تكون اللجنة من أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد المختار السلامي، الشيخ صالح بن حميد، الشيخ تقي العثماني، الشيخ سعود الثبيتي، الشيخ وهبة الزحيلي، الشيخ محمد جبر الألفي، والأطباء أحمد رجائي، محمد علي البار، حسان شمسي باشا، محمد هيثم. موافقون. وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
االقرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 99/ 1/ د 10
بشأن
المفطرات في مجال التداوي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة من23 إلى 28 صفر 1418 هـ (الموافق 28 يونيو -3 يوليو 1997 م) .
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، في الفترة من 9 إلى 12 صفر 1418هـ (الموافق 14 - 17 يونيو 1997 م) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء.
قرر ما يلي:
أولاً: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات:
1 -
قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
2 -
الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
3 -
ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.
4 -
إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.
5 -
ما يدخل الإحليل - أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى - من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
6 -
حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
7 -
المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
8 -
الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية.
9 -
غاز الأوكسجين.
10 -
غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية.
11 -
ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد؛ كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.
12 -
إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.
13 -
إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.
14 -
أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء، ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
15 -
منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.
16 -
دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.
17 -
القيء غير المتعمد، بخلاف المتعمد (الاستقاءة) .
ثانياً: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.
ثالثا: تأجيل إصدار قرار في الصور التالية، للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في أثرها على الصوم، مع التركيز على ما ورد في حكمها من أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة:
أ- بخاخ الربو، واستنشاق أبخرة المواد.
ب - الفصد، والحجامة.
ج - أخذ عينة من الدم المخبري للفحص، أو نقل دم من المتبرع به، أو تلقي الدم المنقول.
د - الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقناً في الصفاق (البريتون) أو في الكلية الاصطناعية.
هـ - ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل البوس) أو منظار أو إصبع للفحص الطبي.
و العمليات الجراحية بالتخدير العام إذا كان المريض قد بيت الصيام من الليل، ولم يعط شيئا من السوائل (المحاليل) المغذية.
والله أعلم
* * *