الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفطرات
إعداد
الشيخ محمد المختار السلامي
مفتي الجمهورية التونسية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
إن التخطيط الذي ضبط به الموضوع قد قسمه إلى شعبتين:
- المفطرات في مجال التداوي.
- المفطرات في مجال الحالات المرضية.
وإنه بعد تتبعي وجدت أن الفطر لا يختلف تحققه سواء أكان صاحبه مريضًا أم صحيحًا معافى، فما يعتبر مُفَطِّرًا للمريض يعتبر مفطرًا للصحيح، وإنما يفترق المريض عن الصحيح في حكم الإقدام على تناول المفطر.
يقول الكاساني: (انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمر ضروري، وذلك بالأكل والشرب والجماع، سواء كان صورة ومعنى، أو صورة لا معنى، أو معنى لا صورة، وسواء كان بعذر أو بغير عذر ". (1)
(1) بدائع الصنائع، ص 1006 - 1007
الباب الأول
المرض وعلاقته بالصيام
الصيام عزيمة وحكم عام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
رخص الله للمريض أن يفطر، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]
إن ظاهر الآية يقتضي أن كل من صدق عليه الوصف " مريض " يجوز له أن يفطر، ويكون داخلًا ضمن إطار المرخص لهم.
ومن يصدق عليه الوصف مراتب:
1) من لا يقدر على الصوم.
2) من يقدر عليه بجهد ومشقة.
3) من يقدر عليه من غير جهد ومشقة، ولكن يتوقع أن يضاعف الصيام مرضه.
4) المريض الذي يشعر بألم في جزء من بدنه ، ولكن تأثير الصيام والفطر على مصدر الألم لا يختلف.
5) الصحيح الذي يخشى المرض.
6) المريض الذي يكون الصيام أعون على شفائه.
7) المرضِع الصحيحة التي تتناول الدواء لتعالج به رضيعها.
حكم كل مرتبة:
أولا: من لا يقدر على الصوم.
الصيام تكليف، وما لا يطاق مجمعٌ على عدم وقوع التكليف به في الشريعة الإسلامية (1)
ثانيا: من يقدر على الصوم بجهد ومشقة.
يقول ابن رشد: "والمريض الذي يصح له الفطر هو الذي لا يقدر على الصيام أو يقدر عليه بجهد ومشقة من أجل مرضه "(2) .
ظاهر كلام ابن رشد أن الفطر جائز، والجواز ينبغي أن يفهم على أنه جواز الإقدام، فيشمل الوجوب، يقول خليل:" ووجب أن خاف هلاكا أو شديد أذى ".
يقول في البحر: " الفطر رخصة والصوم عزيمة، فكان أفضل إلا إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب ". هكذا في البدائع (3)
وأجرى الشافعية فطر المريض على تيممه، وحكم ما إذا كان المريض يخاف تلف نفس أو عضو أو فوات منفعة عضو أنه يجوز له التيمم فيجوز له الفطر (4) .
ثالثا: من يقدر عليه من غير جهل ومشقة، ولكنه يتوقع أن يضاعف الصيام مرضه.
يقول ابن رشد:" قيل أن الفطر له جائز. وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في العتبية، وقيل أن ذلك لا يجوز له؛ لأن الصوم عليه واجب لقدرته عليه، وما يخشى من زيادة مرضه أمر لا يستيقنه، فلا يترك فريضة بشك، والأول أصح ". (5)
وذكر القرطبي: "قال جمهور العلماء إذا كان به مرض يؤلمه أو يؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر ". قال ابن عطية: وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون، ورجح القرطبي أن الفطر مستحب ولا يصوم إلا جاهل (6) .
وفي البحر: "أن شرعية الفطر لدفع الحرج، وتحقق الحرج منوط بزيادة المرض أو إبطاء البرء أو إفساد عضو ". (7)
وذكر النووي أنه أن خاف إبطال البرء أو زيادة المرض - وهي كثرة الألم، وإن لم تطل مدته - أو شدة الضنى - وهو الداء الذي يخامر صاحبه، وكلما ظن أنه برئ نكس، وقيل: هو النحافة والضعف - أو خاف حصول شين فاحش على عضو ظاهر؛ ففي هذه الصور وقع الخلاف، والأصح جواز التيمم، أي وكذلك الفطر (8) .
(1) الموافقات: 1/ 150
(2)
المقدمات: 1/ 247
(3)
البحر: /303
(4)
المجموع: 2/ 285، 6 / 258
(5)
المقدمات: 1/ 247
(6)
أحكام القرآن، للقرطبي: 2/ 276
(7)
البحر الرائق: 2/ 303
(8)
المجموع: 285/2
رابعا: المريض الذي يشعر بالألم ولكن فطره لا يعجل برءه ولا يؤخره، فمن أخذ بظاهر الآية أجاز له الفطر، روي عن طريف بن تمام العطاردي أنه دخل على محمد بن سيرين وهو يأكل في رمضان فلم يسأله؛ فلما فرغ قال له: إنه وجعت أصبعي هذه. (1) وحجته أنه متى حصل الإنسان في حالي يستحق بها اسم المرض صح الفطر قياسا على المسافر لعلة السفر، وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة (2) .
ويكاد ابن سيرين ينفرد بهذا الرأي، والقواعد الشرعية لا تساعده، وتسويته بين السفر والمرض تسوية بين المظنة والعلة، فإن السفر مظنة المشقة، ولما كانت المشقة غير منضبطة أقام الشارع المظنة مقام العلة، أما المرض فهو نفس العلة، فما دام المرض لم يبلغ الدرجة المقتضية للتخفيف يلغى من الاعتبار، وسنزيد هذا توضيحا عند ضبط مفهوم الرخصة.
خامسا: الصحيح الذي يخشى المرض.
جاء في الفتاوى الهندية أن الصحيح الذي يخشى المرض هو كالمريض، هكذا في التبيين (3) .
وفي البحر نقلا عن التبيين أيضا: لو برأ من المرض ولكن الضعف باقٍ وخاف أن يمرض بالصوم فهو كالمريض قال: " ومراده بالخشية غلبة الظن ". ونقل في فتح القدير أنه سأل عنه القاضي الإمام فقال: " الخوف ليس بشيء ". (4)
المذهب المالكي في الصحيح الذي يخشى المرض:
يقول الزرقاني في شرح قول خليل: " وجاز الفطر بمرض موجود ". ثم صرح بمفهوم هذا الوصف فقال: " ومفهوم قوله (بمرض) أن خوف أصل المرض بصومه ليس حكمه كذلك، وهو كذلك على أحد قولين إذ لعله لا ينزل به، والآخر يجوز ". (5)
(1) المقدمات: 1/ 247
(2)
أحكام القران، للقرطبي: 2/ 276
(3)
الفتاوى الهندية: 1/ 207
(4)
البحر: 303/2
(5)
الزرقاني: 2/ 214
وفي حاشية العدوي: " واعلم أن الصحيح إذا خاف بصومه الهلاك أو شدة الأذى يجب عليه الفطر، ويرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، والجهد يبيح الفطر ولو للصحيح كما هو ظاهر الخطاب، وصرح به بعض الشراح، لكن ما في المجموعة وذكره اللخمي أنه إنما يبيح ذلك للمريض ". (1) فالمذهبان الحنفي والمالكي أثر عنهما الاختلاف في حكم الصحيح الذي يخاف المرض إذا هو صام.
والشافعية سووا بين الترخص بالتيمم والترخص بالفطر ، وفي التيمم جاء في المجموع:" إذا خاف حدوث مرض يخاف منه تلف النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو، أنه يجوز له التيمم بلا خلاف بين أهل المذهب إلا صاحب الحاوي، فإنه حكى في خوف الشلل طريقين، كما في خوف زيادة المرض، وأصحهما القطع بالجواز ". (2)
وعليه فإن حكم خوف حدوث المرض هو كحدوثه فعلا عند الشافعية. ومذهب أحمد أصرح المذاهب في اعتبار الترخص بخوف حدوث المرض، جاء في المغني:" والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر؛ لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفا مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله، فالخوف من تجدد المرض في معناه ". (3)
وصرح البهوتي بأن الفطر مع خوف المرض سنة، وأن الصوم مكروه. (4)
(1) حاشية العدوي على شرح الخرشي: 2/ 261
(2)
المجموع: 2/285
(3)
المغني: 404/4 -405
(4)
شرح منتهى الإرادات: 1/ 443
سادسا: المريض الذي يكون الصوم أعون على شفائه.
لم أجد من صرح بحكم هذا النوع، ولكن القواعد تقتضي أنه يجب
عليه الصوم ويحرم عليه الفطر، وأن مذهب ابن سيرين لا ينسحب على هذا النوع.
سابعا: المرضع التي تتناول الدواء ليصل أثره إلى رضيعها المريض.
في الظهيرية: " رضيع مبطون يخاف موته من هذا الداء، وزعم الأطباء أن الظئر إذا شربت دواء كذا برئ الصغير وتماثل، وتحتاج الظئر إلى أن تشرب ذلك نهارا في رمضان، قيل: لها ذلك إذا قال الأطباء الحذاق، وهو محمول على الطبيب المسلم دون الكافر، قياسا على من شرع في الصلاة بتيمم، فوعد له كافر إعطاء الماء فإنه لا يقطع الصلاة.
أما المرضع في ذاتها فلا يعتبر قيامها بالإرضاع مرضا مبيحا للفطر، بخلاف الحامل إذا خافت على حملها.
جاء في المدونة: " قلت: ما الفرق بين الحامل والمرضع؟ فقال: لأن الحامل هي مريضة، والمرضع ليست بمريضة ". (1)
هل تعتبر المرضع في تناولها الدواء لإبلاغ أثره إلى رضيعها مترخصة؟
إن التحقيق الذي ضبط به أبو إسحاق الشاطبي الرخصة ينفي أن تكون المرضع في هذه الحالة داخلة تحت قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى. . . .}
يقول الشاطبي: " من لا يقدر على القيام رخص له أن يصلي جالسا، فهذه رخصة محققة، فإن كان المترخص إماما فقد جاء في الحديث: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ثم قال: ((وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون)) (2) فصلاتهم جلوسا وقعت لعذر إلا أن العذر في حقهم ليس المشقة، بل لطلب الموافقة للإمام وعدم المخالفة عليه، فلا يسمى مثل هذا رخصة ". (3) فإقدام المرضع على تناول الدواء في نهار رمضان، ليصل عبر لبنها إلى جسم الرضيع المريض، إقدامها ليس من قبيل الرخصة، وإنما سبيله حفظ الحياة للرضيع المسؤولة عن احترامه، ويفهم هذا على أنه تعينت تلك الطريقة لإنقاذ حياة الرضيع.
(1) المدونة: 1/ 186
(2)
فتح الباري: 2/ 321 - 322؛ ومسلم إكمال الإكمال: 2/ 169
(3)
الموافقات: 1/ 302
تأصيل ما قدمناه:
ارتبط التخفيف بحصول المشقة التي تفتح للصائم باب الترخص، لذا يكون ضبط المشقة وضبط الرخص يعطي لما قدمناه وضوحًا وتدقيقا.
المشقة: عقد القرافي في الفروق (الفصل الرابع عشر للفرق بين المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها) أورد فيه سؤالا مهماً وهو: ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها؟ يقول: فإذا سألنا الفقهاء يقولون: يرجع إلى العرف، فيحيلون على غيرهم، ولا نجد ذلك، ولم يبق بعد الفقهاء إلا العوام، وهم لا يصح تقليدهم في الدين، ثم أن الفقهاء من جملة أهل العرف، فلو كان في العرف شيء لوجدوه معلومًا لهم أو معروفًا.
ويجيب عنه، بأن هذا السؤال ينبغي أن يكون الجواب عنه أن ما لم يرد فيه الشرع، بتحديد يتعين تقريبه بقواعد الشرع؛ لأن التقريب خير من التعطيل فيما اعتبره الشرع، فنقول: يجب على الفقيه أن يبحث عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو بإجماع أو استدلال، ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مسقطًا، وإن كان أدنى منها لم يجعله مسقطًا، مثاله التأذي بالقمل في الحج جعله مبيحًا للحلق في حديث كعب بن عجرة، فأي أمر كان مثله أو أعلى منه أباح وإلا فلا، والسفر مبيح للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق ". (1)
فالقرافي أراد أن يحرر الترخص بضبط المعيار الذي توزن به المشاق فجعله في المقدار الذي له دليل شرعي على اعتباره، ثم مقارنة ما يعرض على الفقيه بذلك المستوى، وفي باب الصيام اعتبر المعيار المنصوص عليه هو السفر، والسفر حسب طبيعته ليس علة ولكنه مظنة العلة، وذلك لعدم انضباطه، فليس السفر راجلًا كالسفر راكبًا، والركوب على الدابة غير الركوب على الدراجة والسيارة والطائرة، ومشقة السفر زمن الحَرِّ الشديد أو البرد المجمد غيرها زمن اعتدال الهواء والحرارة، ولعل وجعَ الأصبع الذي رفض قبوله الفقهاء أشق من السفر بالطائرة من جدة إلى المدينة في فصل الربيع، ولذا فإن ضبط المشقة برجوعنا إلى التأصيل تبعا للقواعد والتعمق في أسرار التشريع أعون على إدراك المرض المسقط للوجوب.
ولما كان الانتقال من تحتم الصيام إلى الإذن في الفطر رخصة؛ يكون ضبط الرخصة وتحديدها مساعدًا في هذا المقام على تبين حكم الإفطار بعذر المرض.
(1) الفروق: 1/ 120
مفهوم الرخصة:
حاول شهاب الدين القرافي تعريف الرخصة، فانتقد أولًا تعريف الإمام فخر الدين في المحصول، ثم حصل من تقليب وجوه النظر تعريفا ارتضاه، ثم انتقد تعريفه هذا الذي ظنه في بادئ الأمر كاشفًا عن مفهوم الرخصة، يقول إثر ذلك:" فبقيت بعد ذلك أستصعب تحديدها، فمن انضبط له ذلك فليفعله ". (1)
واستمر الإشكال معه، فقد ذكر في شرح التنقيح:" والذي تقرر عليه حالي في شرح المحصول وههنا أني عاجز عن ضبط الرخصة بحدٍ جامعٍ مانع ". (2)
ونظر أبو إسحاق الشاطبي نظره الذي يتجاوز الجزئيات ليؤلف عنها المفهوم الشرعي، فحالفه التوفيق في تعريف الرخصة لما قال:" الرخصة ما شرع لعذر شاقٍّ، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه ".
يعلق على تعريفه: " أن علماء الأصول قبله قصروا التعريف على الخاصة (ما شرع لعذر) ، وهو لهذا غير مانع، إذ يدخل فيه القراض والمساقاة والسلم ونحوها من العقود المستثناة، مع أنها لا تسمى رخصة لبقاء حكمها حتى مع عدم وجود العذر، فالقادر على استثمار المال يجوز له أن يعطي المال قراضا، وذلك لأن هذا ونحوه راجع إلى أصل اعتبار الحاجي من كليات الشريعة، وكذلك ما كان راجعا إلى مكمل فمن لا يقدر على القيام في الصلاة اعتبرت المشقة مخففة، وأداؤه للصلاة من جلوس رخصة، أما مساواة المأمومين لإمامهم إذا كان لا يقدر على القيام؛ فليس برخصة لأن العذر في حقهم ليس المشقة وإنما طلب موافقة الإمام". (3)
(1) نفائس الأصول: 1/ 336
(2)
منهج التحقيق والتوضيح لحل غوامض التنقيح: 1/ 312
(3)
الموافقات: 1/ 302
حكم الرخصة: يرى الشاطبي أن حكم الرخصة من حيث إنها رخصة هو الجواز مطلقا، وذلك لدلالة نصوصها على رفع الحرج، ولأن أصل الرخصة هو السهولة واليسر، وفي الالتزام والحث ما ينافي السهولة، ولأن الرخص لو كانت مأمورًا بها لانقلبت عزائم، وينهي بحثه بقوله:" فإذا كان ذلك كذلك ثبت أن الجمع بين الأمر والرخصة جمع بين متنافيين، وذلك يبين أن الرخصة لا يكون مأموراً بها ". (1)
لكن إذا ورد الإلزام فليس ذلك تبعًا للرخصة، وإنما هو لقيام دليل آخر يفيد الندب أو الوجوب.
فالمؤمن إذا شق عليه الصيام رخص له في الإفطار ودفع عنه الحرج، ثم إن حكم إفطاره قد يكون محتَّمًا أو راجحًا تبعًا للدليل الدال على تناول المشروب أو المأكول في نهار رمضان، فإذا بلغ به الأمر إلى الخوف على حياته وجب الفطر، وإن لم يصل إلى ذلك ولكن مشقة الصوم تضعفه عن القيام بالعبادات الأخرى أو بمهامه الحياتية فإن الفطر راجح غير واجب.
(1) المرجع السابق: 1/ 306 -308
الرخصة شخصية:
إنه لا يوجد ضابط يحدد الرخصة بطريقة تطبق بها على جميع المكلفين، ذلك أنها تستند إلى المشقة، والمشاق تختلف قوة وضعفًا في ذاتها، وتبعًا للظروف التي يقع فيها العمل، وحسب الأحوال والزمان والمكان، وحسب قدرة التحمل عند الأفراد بعوامل قوة البدن وضعفه والسن ومضاء العزيمة أو وهنها.
يقول الشاطبي في السفر: " فرُبَّ رَجُلٍ جَلد ضَرَيٍّ على قطع المَهَامِهِ حتى صار ذلك عادة له لا يحرج بها ، ولا يتألم بسببها ، يقوى على عباداته وعلى أدائها على كمالها وفي أوقاتها، ورب رجل بخلاف ذلك، وكذلك في الصبر على الجوع والعطش. . . وإذا كان كذلك فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص، ولا حد محدود يطرد في جميع الناس.
ولذا أقام الشارع في جملة منها السبب مقام العلة - يعني أقام المظنة مقام العلة - فإذن ليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصلي ولا ضابط مأخوذ باليد، بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه، فمن كان من المضطرين معتادًا للصبر على الجوع، لا تختل حاله بسببه كما كانت العرب، فليست إباحة الميتة له على وزان من كان بخلاف ذلك ". (1)
اختلاف الفقهاء في حكم الترخص:
بناءً على ما قدمناه فإن اختلاف الفقهاء في حكم الترخص بالفطر ليس اختلافًا حقيقيًّا، وإنما هو اختلاف في حال؛ لأن حكم الترخص بالفطر شخصي، فقد يكون أخوان مرضهما واحد وفطر أحدهما واجب والآخر راجح، وهذا ما أغناني عن تتبع الأقوال، لارتباطها بهذا الضابط الذي أراه هو الحق الذي لا محيد عنه.
(1) الموافقات: 1/ 313 - 314
الباب الثاني
ما يعتبر مُفَطِّرًا للصائم من العلاج
ينقسم العلاج أولًا إلى قسمين:
أ - البحث عن المرض، للتأكد من وصف الاختلال لذي طرأ على الجسم.
ب - الدواء الذي يداوي به المريض داءه.
وينقسم ثانيا:
أ - إلى التداوي بمباشرة الدواء للجسم.
ب - إلى التداوي بفصل شيء عن الجسم.
*وتحت هذين التقسيمين الكبيرين أنواع عديدة.
وينقسم ثالثا:
أ - إلى التداوي النافذ إلى باطن الجسم من منافذه.
ب - إلى التداوي الظاهر الذي لا يتجاوز السطح الخارجي لجسم المريض.
* وتحت هذه الأقسام أنواع كثيرة.
الفصل الأول
التداوي من المنافذ إلى الباطن
المنفذ الأول: الفم (1)
أولا - دواء الفم
تحديد الفم:
الفم هو ما بين باطن الشفتين والحلق.
ينقسم إلى ثلاثة أقسام، أعلى الحلق: وهو مخرج الغين والخاء المعجمة، ووسط الحلق: وهو مخرج الحاء والعين المهملتين، وأقصى الحلق من الباطن: وهو مخرج الهمز والهاء.
جاء في كلام الحنفية ما يفيد أن الفطر لا يتحقق إلا بمجاوزة الدواء الحلق بأقسامه الثلاثة، يقول في الدر عادًّا لما لا يفطر:" أو خرج الدم بين أسنانه ودخل حلقه، يعني ولم يصل إلى جوفه ". (2)
وجاء في البحر نقلا عن الفتاوى الظهيرية ما يفيد الاختلاف في التأثير:
" ولو أن رجلًا رمى إلى رجل حبة عنب فدخلت حلقه وهو ذاكر لصومه يفسد صومه، وما عن نصير الدين بن يحيى فيمن اغتسل ودخل الصاء في حلقه لم يفسد ". (3) ، علق ابن نجيم على القول الثاني أنه خلاف المذهب.
(1) والمنفذ الطبيعي والأهم.
(2)
الدر المختار: 2/ 98
(3)
الدر المختار: 2/ 292
وقد يكون وجه الاختلاف أن المتعرض لحبة العنب، وهو ذاكر لصومه متجاوز بذلك، بينما المغتسل غير متجاوز باغتساله.
وعند المالكية قولان، أن الحلق كله من الداخل الذي يفطر الصائم بوصول مائع أو متحلل إليه، يقول الزرقاني:" وصول المائع إلى الحلق يوجب الفطر، ولو رده على المشهور، فالقول بأن الواصل من الأعلى يشترط فيه أن يجاوز الحلق قول ضعيف في المذهب، والمذهب أن الفطر يتحقق بوصوله إلى الحلق، وإن لم يجاوزه ". (1)
ثم عقد تنبيها جاء فيه: " ظاهر قول خليل (حلق) شموله لمخارجه الثلاثة، ونص الشيخ علي الأجهوري أنه لم ير نصا لشيوخ المالكية يفصل ما بين أعلى الحلق وأسفله ". ووجه الرهوني القول بأن كل ما وصل إلى الحلق مفطر بأن المتحلل إذا رجع من الحلق لا يسلم غالبا من أن يبقى في الحلق منه ما يصل إلى الجوف مع الريق، بخلاف غير المتحلل. (2)
ومذهب الشافعية أن مضغ العلك مكروه، ولا يفطر بمجرد المضغ ولا بنزول الريق منه إلى جوفه، فإن تفتت فوصل شيء إلى جوفه عمدًا أفطر، وإن شك لم يفطر، ولو نزل طعمه في جوفه أو ريحه دون جرمه لم يفطر؛ لأن ذلك الطعم بمجاورة الريق له، هذا هو المذهب. وحكى الدارمي وجهًا عن ابن القطان أنه أن ابتلع الريق وفيه طعمه أفطر، وليس لهذا القول وجه. (3) ومذهب الشافعي أن مخرج الخاء والغين المعجمتين من الظاهر،
ومخرج الهمز والهاء من الباطن، والاختلاف في مخرج الحاء والعين المهملتين. (4)
(1) شرح الزرقاني: 2/ 204
(2)
حاشية الرهوني: 2/ 361
(3)
المجموع: 6/ 354
(4)
المجموع: 6/ 319
وما يترتب على هذا في باب التداوي:
1) تناول الأدوية التي يغرغر بها المريض، فهي واصلة قطعا إلى أعلى الحلق، فهي مفطرة على الراجح عند المالكية، غير مفطرة عند الحنفية والشافعية، ولكن ينبغي أن يبصق بعد المج. يقول ابن عابدين:" لاختلاط الماء بالبصاق فلا يخرج بمجرد المج، نعم لا يشترط المبالغة في البصق؛ لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحرز منه ". (1)
2) مضغ دواء لا يتحلل منه شيء إلى المعدة، ففي التتارخانية أنه إذا مضغ الإهليلج، ولم يدخل منه شيء إلى المعدة إلا أن الريق المتأثر بالمضغ قطعًا وصل إلى معدته، أنه لا يفطر. (2)
وعند المالكية أنه من يمضغ العلك الذي لا يتحلل منه شيء ثم يمجه لا يضره، وقيده أبو الحسن الصغير في تعليقه على المدونة أن محل ذلك إذا مضغه مرة واحدة ليداوي به شيئا، وأما إذا كان يمضغه مرارا ويبتلع ريقه فلا شك أنه يفطر؛ لأنه يبتلع بعض أجزائه مع ريقه. (3)
وفي مذهب أحمد قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: الصائم يمضغ العلك؟ قال: لا. وقال أصحابه: ما يتحلل من العلك لا يجوز مضغه إلا أن لا يبلع ريقه، فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شيء أفطر به، وأما ما لا يتحلل منه شيء فهو كالحصاة مضغها في فيه، إلا أنه إن مضغه فوجد طعمه في حلقه دون أجزاء منه فوجهان. (4)
(1) رد المحتار، ابن عابدين: 2/ 98؛ البحر: 2/ 294 - 301
(2)
رد المحتار، ابن عابدين: 2/ 98؛ البحر: 2/ 294 - 301
(3)
شرح الزرقاني: 2/ 199؛ ومواهب الجليل: 2/ 355
(4)
المغني: 358/4
مداواة حفر الأسنان:
يقول خليل: وكره مداواة حفر زمنه إلا لخوف ضرر.
فمداواة حفر الأسنان في نهار رمضان له أحوال:
أ - أن يخشى الضرر من تأخير الدواء إلى الليل أو إلى ما بعد رمضان، وهنا إن بلغ خوفَ هلاكٍ وجب، وإن خشي حدوث مرض أو زيادته أو شدة ألم جاز له الإقدام على المداواة، فإن سلم ولم يبتلع منه شيئًا صح صومه، وإن ابتلع منه غلبة قضى، وإن تعمد الابتلاع فهو كمن أكل في نهار رمضان متعمدًا.
ب - أن لا يخشى الضرر ولا شدة الألم، ولكنه في حاجة إلى مداواة حفر أسنانه، فيكره له ذلك في نهار رمضان.
جـ - المداواة ليلًا، فإن لم ينزل منه شيء إلى باطنه في النهار فلا حرج في ذلك، وإن نزل منه إلى حلقه فيمكن إلحاقه بالكحل، فلا حرج فيه ، ويمكن التفريق بينه وبين الكحل بأن الكحل نفذ من الداخل إلى الحلق، والفم ليس من الداخلِ. (1)
وجاء في نوازل ابن رشد في الذي يقلع ضرسه من وجع فلا يفتر إلا بدواء يضعه عليه كيف يفعل؟
وسئل عن الرجل يقلع ضرسه من وجع به فلا يفتر الوجع من الموضع إلا بدواء يضعه عليه، كيف يفعل في رمضان؟
فأجاب: " إذا كانت حاله على ما وصفت، فله سعة في أن يضع اللبان في موضع الضرس في رمضان ، ويقضي اليوم الذي اضطر فيه إلى ذلك، والله تعالى ولي التوفيق لا شريك له ". (2)
الذي يظهر لي أن المالكية قد اعتمدوا في فتاواهم الأصل الذي توسعوا في تطبيقه والقول بمقتضاه، وهو سد الذرائع، وإلا فإنه إذا لم ينزل شيء إلى المعدة مما دخل الفم، فهو لا يختلف عن الذي تمضمض بالماء ثم مجه، ومما يوضح ذلك ما علل به الرهوني:" أن المتحلل إذا رجع من الحلق لا يسلم غالبا من أن يبقى في المحل منه ما يصل إلى الجوف مع الريق بخلاف غير المتحلل ". (3) وما علل به أيضا ابن الماجشون بأنه ليست العبرة بالغذاء، وإنما لأن حلق الصائم حمى فلا يجاوزه شيء. (4)
الجامد إذا وصل الحلق ولم ينفذ إلى الداخل:
يقول الرهوني: " إذا وصل الجامد إلى الحلق ولَفَظَه، فلغو باتفاق، خلافا لما فهمه البناني ومصطفى احتجاجا بكلام التلقين ". (5)
ولا يظن أن كلام البناني ومصطفى يدل على وجود قولين في المذهب؛ لأن مستواهما لا يعدو ضبط الأقوال وحسن فهمها وإسنادها إلى قائليها، فيعترض عليهما وعلى من كان في مرتبتهما بعدم التوفق في فهم أقوال من سبقهم فقط.
(1) الزرقاني: 2/ 199
(2)
الفتاوى: 2/ 912؛ حاشية كنون: 2/ 355
(3)
حاشية الرهوني: 2/ 361
(4)
حاشية الرهوني: 2/ 359
(5)
الرهوني: 2/ 361
ثانيا - الدواء المتجاوز للحلقوم عبر الفم
الدواء المتجاوز للحلقوم عبر الفم أنواع:
1 -
مائع ومثله المتحلل الواصل إلى المعدة.
2 -
جامد واصل إلى المعدة.
3 -
المتخلخل النافذ من الفم إلى الداخل.
المائع والمتحلل من الأدوية المجاوز للحلق:
كل مائع أو قابل للتحلل تجاوز الحلق وبلغ المعدة حالا أو توقف في المريء عند ازدراده هو مفطر بإجماع.
الجامد المجاوز للحلق:
الجامد غير القابل للتحلل قد يكون جهاز الكشف ينفذ إلى ما وراء الحلقوم من المريء أو المعدة.
وقد يكون جهازًا مشعا يؤثر في المرض.
واستقرار الجامد فيما وراء الحلقوم قد اختلف فيه الفقهاء.
الحنفية: جاء في بدائع الصنائع: " لو أكل حصاة أو نواة أو خشبا أو حشيشا أو نحو ذلك مما لا يؤكل عادة ولا يحصل به قوام البدن؛ يفسد صومه لوجود الأكل صورة ". (1)
وجاء في البحر: " إذا ابتلع ما لا يتغذى به ولا يتداوى به كالحصاة
والحديد؛ فالقضاء لوجود صورة الفطر ". ثم واصل التمثيل لما لا يؤكل عادة وأنه مفسد للصوم موجب للقضاء. (2)
ولكن الحنفية اشترطوا لتحقق الفطر: الاستقرار، ويقصدون بالاستقرار: الانفصال الكامل عن الخارج وحوز ما بعد الحلق له بتمامه. يقول ابن عابدين: " أن ما دخل الجوف إن غاب فيه فسد الصوم، وهو المراد بالاستقرار، وإن لم يغب بل بقي طرف منه في الخارج أو كان متصلًا بشيء خارج لا يفسد لعدم الاستقرار ". (3)
وبناء على هذا الشرط، فإن المسبار النافذ من المريء إلى المعدة والذي بقي طرفه الأعلى خارج الفم لا يؤثر في الصوم، ولا يترتب عليه الفطر، إلا إذا كان إدخاله إلى المريء يتم بطلاء ظاهره بمرهم ميسر لدخوله، فإن الفطر بالطلاء لا بالمسبار ذاته.
(1) بدائع الصنائع، ص 1015
(2)
البحر: 2/ 296
(3)
البحر: 2/ 99
المالكية: اختلف قول المالكية في تأثير وصول ما لا يتحلل إلى ما وراء الحلق.
مذهب مالك وابن القاسم أن تعمد إدخال جامد لا يتحلل إلى المعدة مقتضٍ فساد الصوم موجب للقضاء، ونقل ابن شاس عن بعض المتأخرين أن الصوم لا يفسد بذلك.
وقد حقق الرهوني ذلك بما ذكرته بعد أن بين اضطراب كلام المؤلفين وأطال. (1)
الشافعية: قال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله تعالى -: إذا ابتلع
الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة أو حشيشا أو حديدا أو خيطا أو غير ذلك؛ أفطر بلا خلاف في مذهبه.
وحكي عن أبي طلحة الأنصاري رحمه الله والحسن بن صالح أنه لا يفطر بذلك، وحكوا عن أبي طلحة الأنصاري أنه كان يتناول البرد وهو صائم ويبتلعه ويقول: ليس هو بطعام ولا شراب. وسند الشافعية ما رواه البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما دخل وليس مما خرج. (2) الحنابلة: سوى الحنابلة بين المتحلل وغيره، يقول البهوتي عادًّا لما يترتب عليه الفطر:"أو أدخل إلى جوفه شيئا من كل محل ينفذ إلى معدته مطلقا ، أي سواء كان ينماع ويغذي أو لا، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوها، ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فسد صومه ". (3)
(1) الرهوني: 2/ 359 - 361
(2)
المجموع: 6/317
(3)
شرح منتهى الإرادات: 1/ 448
ثالثا - المتخلخل النافذ إلى ما وراء الحلقوم
المتخلخل النافذ إلى ما وراء الحلقوم يشمل:
1) الدخان 2) الغبار 3) البخار.
1) الدخان:
الدخان هو تحول كيميائي يحصل في المادة عند الاحتراق، يدخل الدخان من الفم وينفذ إلى ما وراء الحلقوم، وكما يقول الدكتور محمد علي البار، وهو يتحدث عن دخان السجائر أو الشيشة:" إنه يمر من الفم والبلعوم الفمي، ثم ينزل جزء منه إلى البلعوم الحنجري ومنه إلى الرغامى فالرئتين وينزل الجزء الآخر إلى المريء فالمعدة ". (1)
ولا شك أن الدخان يحتوي على مواد عالقة تختزن في الممرات التي تعبرها وتحدث تأثيرها.
الحنفية: يفصل الحنفية بين دخول الدخان بدون قصد وبين إدخاله، يقول في الدر المختار:" لو أدخل حلقه الدخان أفطر - أي دخان كان ولو عودا أو عنبرا لو ذاكرا - لإمكان التحرز عنه فلينتبه كما ذكره الشرنبلالي ". يعلق ابن عابدين: " ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله ". (2)
وبهذا يكون الدواء الذي يقذف به في النار ليجذبه المريض من فمه إلى الداخل مفطرا عند الحنفية.
المالكية: يقول خليل فيما على الصائم تركه: (وبَخُور) ويعلق عليه عبد الباقي الزرقاني: " ويترك إيصال بخور ".
وبهذا يتفق المالكية مع الحنفية أن الإيصال هو المفطر، وهو ما صرح به العدوي:" فلو وصل بغير اختياره لم يفطر ".
وما ذكره خليل هو أحد قولين ذكرهما ابن عرفة بدون ترجيح، ونص السليمانية:" من تبخر بالدواء فوجد طعم الدخان في حلقه قضى صومه، والقول بأنه لا يؤثر في الصوم منقول عن ابن لبابة قائلا: إنه يكره ولا يفطر، وحمله بعضهم على الخلاف كما هو عند ابن عرفة وفهم الزرقاني، وحمله بعضهم على الوفاق على معنى أن قصد إدخال الدخان مكروه، ولا يفطر أن لم يجد طعمه، ويفطر أن وجد طعمه". (3)
حكم التداوي بالدخان: كل دواء يؤثر بواسطة إدخال دخانه إلى الباطن مفطر، لأنه يترسب من مادته ما يؤثر في الصائم، فهو والأكل في الحقيقة سواء.
(1) المفطرات في مجال التداوي، ص 36
(2)
المختار: 2/ 97
(3)
الزرقاني: 2/ 254؛ وحاشية العدوي شرح الخرشي: 2/ 249
2) البخار:
نص الزرقاني أن إيصال بخار القدر يحصل به غذاء للجوف؛ لأن ريح الطعام يقوي الدماغ. ونقل الحطاب عن الشيخ ابن أبي زيد: واستنشاق قدر الطعام بمثابة البخور؛ لأن ريح الطعام له جسم ويتقوى به الدماغ، فيحصل به ما يحصل بالأكل. (1)
ولما كان البخار تحول في تماسك جزيئات الماء؛ إذ يتخلخل الماء بالحرارة، ثم يتجمع عندما يعود إلى ما كان عليه. وإن كنت لم أجد فيما وصلته يدي من كتب الحنفية والشافعية نصًّا إلا أنه لا شك في إجرائه على حكم الدخان.
حكم التداوي بالبخار: كل دواء محلول مائع ينقلب إلى بخار، ويدخله المريض إلى باطنه من منفذ الفم مفطر، سواء كان تحوله إلى بخار بواسطة الحرارة أو بواسطة الأجهزة المخلخلة.
(1) الزرقاني: 2/ 254؛ ومواهب الجليل: 2/ 426
3) الغبار:
المذهب الحنفي: ظاهر كلام الحنفية أنه لا فارق بين الدخان والغبار، فإذا دخل بنفسه بدون قصد فإنه لا يؤثر، وإن دخل بقصد أثر في الصيام، وصرح بهذا ابن نجيم لما قال:" وغبار الطاحونة كالدخان "(1)
المذهب المالكي: يقول خليل بأنه لا قضاء في غبار طريق ودقيق أو كيل أو جبس لصانعه.
يفهم من كلام شراحه: أن ما دخل غلبة مما لا يمكن التحرز منه، إما لعمومه كغبار الطريق، أو للحاجة كصناعة الطحانين والكيالين وحراس الأندر وصناع الجبس؛ أنهم لا يفطرون بما نفذ من الفم إلى داخلهم. وصرح الزرقاني بأنه إذا لم يعم كغبار غير الطريق إذا دخل الفم ونفذ منه إلى ما بعده أفطر وعليه القضاء.
وفي اشتراط إمكان التحرز منه صرح بمفهوم الشرط فقال: " وانظر إذا كثر غبار الطريق وأمكن التحرز منه بوضع حائل على فيه، هل يلزم بوضعه أم لا؟ وهو ظاهر كلام غير واحد ". (2) فهو يرجح أنه إذا أمكن التوقي من وصول الغبار العام ولم يفعل أنه بتقصيره لم يشمله التخفيف ويجب عليه القضاء. وأفتى الشيخ أحمد هريدي لما سئل: هل يفطر مريض الربو باستعماله الجهاز المعروف بجهاز البخاخة؟ ، أفتى:" إذا كان الدواء الذي يستعمله بواسطة البخاخة يصل إلى جوفه عن طريق الفم أو الأنف؛ فإن صومه يفسد، وإذا كان لا يصل منه شيء إلى الجوف فلا يفسد ". (3) ، وليس الأمر في الواقع على الاحتمال، فإنه من المؤكد أن جذب الدواء بواسطة البخاخ ينفذ إلى ما وراء الحلق. (4)
حكم التداوي بالغبار: القصد إلى التداوي بمادة مسحوقة سحقا ناعما ينفذ إلى ما وراء الحلق بجذبها بالفم أو بآلة؛ مفطر موجب للقضاء إذا كان المرض غير ملازم.
(1) ابن نجيم: 294/2
(2)
الزرقاني: 2/ 212
(3)
الفتاوى الإسلامية: 5/ 1757
(4)
انظر: المفطرات في مجال التد اوي للدكتور البار المقدم للدورة التاسعة، ص 35 - 37
المنفذ الثاني: الأنف
الأنف منفذ إلى الحلق وما وراءه - قطعا يدرك ذلك حتى غير أهل الاختصاص - فكثير من العمليات الجراحية يدخل الفريق الطبى أنبوبًا طرفه بالمعدة وطرفه بجهاز استقبال يتجمع فيه إفرازات المعدة (1)
وبالرجوع إلى نظريات الفقهاء نجد:
الحنفية: أن المتحلل المار من الأنف مفطر إذا بلغ ما وراء الحلق - وهو السُّعُوط -، ونقل عن الولوالجي أن السعوط غير مفطر، دخل بنفسه أو أدخله، لأنه لم يوجد الفطر صورة ولا معنى، لأنه مما لا يتعلق به صلاح البدن بوصوله إلى الدماغ، وصحح هذا القول في المحيط وفي فتاوى قاضي خان (2)
ويقول ابن عابدين تعليقا على قول المتن (أو اسْتَعَطَ) : " والسعوط الدواء الذي صب في الأنف وأسعطه إياه، موجب للإفطار والقضاء، ويعلل ذلك بأن الإفطار بالسعوط إفطار معنى لا صورة؛ لأن السعوط يقع بدون ابتلاع الذي هو الصورة ". (3)
ويترجح ما ذهب إليه ابن عابدين خلافا للولوالجي والمحيط وقاضي خان؛ لأن الدماغ لا مدخل له في السعوط، وأنه مبني على ما يتوهم أن الاستنشاق لما كان تصعيدا ظن أنه يمر إلى الدماغ مع أن قنواته تنزل إلى الحلق.
المالكية: يرون أن مرور المائع من الحلق عبر الأنف موجب للفطر.
قال اللخمي: يمنع الاستعاط لأنه منفذ متسع، ولا ينفك المستعط من وصول ذلك إلى حلقه، ولم يختلف في وقوع الفطر. (4)
ولم أجد تفصيلا في كتب المالكية ولا اختلافا إلا في اعتبار منفذ الأنف أهو واسع كما نص اللخمي وابن عبد السلام، أو هو ضيق وهو ما تفرد به الخرشي. (5)
وأما لو دهن داخل أنفه بدواء لا ينفذ إلى الحلق، فهو كمن لا يتجاوز الماء فمه؛ لأن تعليلهم للفطر بالسُّعوط ظاهر في الذي ينفذ إلى الداخل.
الشافعية: يرون أن السعوط أن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف، قال في المجموع:" قال أصحابنا: ما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وحصل به الفطر، فداخل الأنف إلى الخيشوم له حكم الظاهر ". (6)
وذكر الشيخ الشربيني: أن الاستعاط مفطرٌ سواء اشترطنا أن يصل إلى الجوف الذي فيه قوة تحيل الدواء أو لم نشترط ذلك؛ لأن الاستعاط يصل إلى باطن الدماغ الذي فيه قوة (7)
الحنابلة: يرون أن السعوط مفطر، لأنه يصل إلى الدماغ:" يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في بدنه، كدماغه وحلقه، إذا وصل باختياره وأمكن التحرز منه، وصل من الفم أو غيره كالسعوط، والدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره كالواصل إلى الحلق ". (8)
الاتفاق بين المذاهب الأربعة أن السعوط إذا تجاوز الأنف مفطر، إلا أن الحنفية عللوا الفطر بنفاذه إلى المريء، والشافعية والحنابلة بصعوده إلى الدماغ، والعلم التجريبي يؤيد وجهة النظر الأولى، وأن القوة المودعة في جسم الإنسان التي تحيل الداخل ليست في الدماغ قطعا.
إدخال الدواء عبر الأنف سواء أكان مائعًا أم غبارًا أم دخانًا أم بخارًا؛ مفطر، وأما إدخال أنبوب لإخراج إفرازات المعدة؛ فغير مفطر إلا على رأي الشافعية.
(1) انظر: المفطرات في مجال التداوي، ص 13
(2)
البحر: 2/ 299 -350
(3)
حاشية ابن عابدين: 2/ 102
(4)
مواهب الجليل: 2/ 425
(5)
شرح الخرشي: 2/ 249؛ وشرح ابن عبد السلام: 1/ 323؛ مخطوطة بتركيا
(6)
المجموع: 6/ 313
(7)
مغني المحتاج: 1/ 428
(8)
المغني: 4/ 352 -353
المنفذ الثالث: العين
يرى الحنفية أن الكحل نهارا لا يفطر، ولا يكره عمله، وفي الدر:" أو اكتحل وإن وجد طعمه في حلقه ". وفي رد المحتار: " وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح، وعلل ذلك بأن الموجود في حلقه داخل من المسام، الذي هو خلل البدن، والمفطر هو الداخل من المنافذ، للاتفاق على أن من اغتسل فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر ". (1)
فعلى هذا التعليل لا يعتبر الحنفية على الراجح عندهم العين منفذا، وبهذا يستوي الكحل مع المائع.
يرى المالكية أن العين منفذ ظاهر كالفم والأنف، فإذا لم يجاوز العين إلى الحلق فلا فطر، وإن تداوى بدواء وجد طعمه أو لونه في حلقه أفطر. يقول الزرقاني:" فمن اكتحل نهارا، فإن تحقق عدم الوصول للحلق فلا قضاء عليه، ومحل وجوب القضاء فيما يصل إذا فعله نهارا، فإن فعله ليلًا فلا شيء عليه أن وجد طعمه بالنهار ". (2)
ونقل القرافي أن مُطَرِّفًا أباح الكحل، وأن ابن الماجشون أباح الإثمِد (3)
الشافعية يرون أن العين ليست منفذا. قال أبو علي السنجي والفوراني وصححه الغزالي: أن الاكتحال لا يفطر في نهار رمضان، وأنه لا منفذ بين العين والدماغ، وإنما يصله من المسام (4)
وذكر الشربيني أيضا أنه لا يضر الاكتحال، ولو وجد طعم الكحل بحلقه؛ لأن الواصل إليه هو من المسام، ولا يكره الاكتحال لما رواه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل وهو صائم (5) عن بقية، ثنا الزبيدي، والزبيدي سعيد بن أبي سعيد الزبيدي كما صرح به البيهقي، قال في التنقيح: وهو مجمع على ضعفه، كما أخرج البيهقي حديثا آخر عن محمد بن مالك أنه كان يكتحل وهو صائم، قال في التنقيح: إسناد مقارب (6) ونقل ابن التركماني أن ابن حبان وثقه (7)
الحنابلة: أن ما بلغ الحلق من العين كالكحل مفطر. يقول ابن قدامة: " فأما الكحل فما وجد طعمه في حلقه، أو علم وصوله إليه فطره، وإلا لم يفطره. نص عليه أحمد، وقال ابن أبي موسى: ما يجد طعمه كالذرور والصبر والقطور أفطر، وإن اكتحل باليسير من الإثمد غير المطيب كالمِيل ونحوه لم يفطر نص عليه أحمد، وقال ابن عقيل: أن كان الكحل حاد فطره وإلا فلا ". (8)
ورأي المالكية والحنابلة أرجح؛ لأن علماء التشريح يثبتون أن الله خلق العين مشتملة على قناة تصلها بالأنف ثم بالبلعوم (9) ، فما بنوا عليه رأيهم في عدم الفطر أنه لا صلة بين العين والحلق ألا من طريق المسام أكد العلم صلاحه.
تقطير الدواء في العين في نهار الصيام مفسد للصوم، موجب للقضاء.
(1) حاشية ابن عابدين: 2/ 98
(2)
شرح الزرقاني: 2/ 204
(3)
الذخيرة: 2/ 506
(4)
المجموع: 315/6
(5)
مغني المحتاج: 1/ 429
(6)
نصب الراية: 2/ 456 - 457
(7)
الجوهر النقي: 4/ 262
(8)
لمغني: 4/ 353 -354
(9)
لمفطرات في مجال التداوي، للدكتور البار، ص 13
المنفذ الرابع: الأذن
مذهب الحنفية: أطلق في الكنز القول بأن التقطير في الأذن مفطر، وتعقبه ابن نجيم قائلا:" المائع الواصل إلى باطن الأذن أن كان دهنا فكما قال، وأما الماء فالذي اختاره صاحب الهداية أنه لا يفطر، سواء دخل بنفسه أو أدخله، وبه صرح الولوالجي معللا بأنه لم يوجد الفطر لا صورة ولا معنى، ونقل عن قاضي خان في فتاواه أنه أن خاض الماء فدخل أذنه لا يفطر، وإن أدخل الماء إلى أذنه أفطر، ورجح هذا التفصيل في فتح القدير ". (1)
وحصل ابن عابدين مذهب أبي حنيفة فقال: " والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن، وعلى عدمه بدخول الماء، واختلاف التصحيح في إدخاله ". (2)
مذهب المالكية: سوى المالكية بين منفذ الأنف والعين والأذن، يقول خليل (أو وصل المتحلل فقط إلى) حلق من أنف وأذن وعين، وذكر ابن عبد السلام في شرحه على مختصر ابن الحاجب أن المائع إذا دخل من المنفذ الضيق من الأعالي أو من الأسافل حتى وصل ذلك إلى المعدة فاختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: وجوب القضاء، والثاني: سقوطه، والثالث: التفصيل بين العين ونحوها، فيجب، وبين الأسافل فلا يجب، لأنه ليس ببعيد نزول الغذاء من الأعالي بخلاف العكس. (3)
مذهب الشافعية: الشافعية وجهان؛ الأول أنه لو قطر ماء أو دهنا في أذنه فإنه يفطر وهو الأصح، وبه قطع الشيرازي في المهذب، والثاني لا يفطر، قاله أبو علي السنجي والقاضي حسين والفوراني وصححه الغزالي، لأنه لا منفذ بين الأذن والدماغ، وإنما يصله من المسام. (4)
ومذهب الحنابلة: أن ما يدخل من الأذن من المائعات ويصل إلى الدماغ فهو مفطر، يقول البهوتي:" أو قطر في أذنيه شيئًا وصل إلى دماغه فسد صومه، لأنه واصل إلى جوفه باختياره، أَشْبَهَ الأكلَ ". (5)
والذي أثبته علماء التشريح بالاعتماد على المشاهدة والتجربة أن الأذن ليس بينها وبين الجوف ولا الدماغ قناة ينفذ منها المائعات إلا إذا تخرمت طبلة الأذن (6)
(1) لبحر: 2/ 300
(2)
رد المحتار: 2/ 98
(3)
شرح ابن عبد السلام: 1/ 324، مخطوط السليمانية
(4)
المجموع: 6/ 315؛ وشرح الرا فعي: 6/ 367 - 369
(5)
شرح منتهى الإرادات: 1/ 448؛ والمغني: 6/ 353
(6)
المفطرات في مجال التداوي، للدكتور البار، ص 14، 36، 43
المنفذ الخامس: الرأس السالم
إذا دهن رأسه في نهار رمضان بدواء فهل يؤثر في صومه؟
ظاهر قول ابن الحاجب أنه وقع خلاف؛ فذهب بعضهم إلى أنه يفطر بذلك، وذهب آخرون إلى التفصيل، فإن وجد طعمه في حلقه أفطر، وإن لم يجد لم يؤثر ذلك في صحة صيامه. وفرق بعضهم بين النفل فلا يؤثر وبين الفرض فيفطر به.
وأرجع الحطاب الخلاف إلى أن منفذ الرأس منفذ ضيق والوصول منه إلى الحلق نادر، فتجري إذن على الخلاف في الطوارئ البعيدة الوقوع النادرة أتعتبر مطلقا أو تلغى مطلقا، أو ينظر أن تحقق الوقوع ترتب الحكم وإلا لا؟ (1)
وهذه الطريقة التي خرج عليها الخلاف غير ما ذهب إليه ابن عبد السلام في شرحه على مختصر ابن الحاجب، إذ جعله خلافًا في حال يعني أنه إذا لم يصل إلى الحلق شيء فلا يمكن أن يقال إنه مفطر، وأنه إذا وصل منه شيء إلى الحلق فلا وجه للقول بعدم الإفطار، ووصول الدواء إلى الدماغ غير مفطر، ولا يفطر إلا بما وصل إلى حلقه.
وذهب الحنفية إلى أن الادِّهَان لا يترتب عليه الفطر، قال ابن نجيم:
" لأن الادهان غير منافي للصوم لعدم وجود الفطر صورة ومعنى، والداخل من المسام لا من المسالك فلا ينافيه، كما لو اغتسل بالماء فوجد برده في كبده ". (2) .
ولم أجد للشافعية نصا ولا للحنابلة.
والذي أكده العلم التجريبي أنه لا منفذ يجمع بين ظاهر البدن والحلق وما وراءه على الخصوص، ولذا لا وجه للقول بأن الإحساس بطعم الدهن موجب للفطر، وللصائم أن يطلي ظاهر جسده بما هو في حاجة إليه من الأدوية وهو صائم دون أن يؤثر ذلك في صومه.
(1) مواهب الجليل: 2/ 425؛ والجواهر الثمينة: 1/ 358
(2)
البحر الرائق: 2/ 293.
المنفذ السادس: الدُبُر
كما يصل الدواء المؤثر من المنافذ العالية: الفم والأنف والعين، فكذلك يصف الأطباء الأدوية من منفذ الشرج.
والاعتماد على هذا المنفذ في الطب يشمل:
ا - إدخال جهاز غير متحلل يساعد على أخذ صورة لبعض أجهزة الجسم الواقعة في ذلك المحيط، والتي لا تتأتى إلا منه.
2 -
الكشف بواسطة إدخال الطبيب أصابعه لمعرفة إمكان وجود ورم ونحوه في بعض الأجزاء من الجسم.
3 -
إدخال سوائل مساعدة على الكشف.
4 -
إدخال سوائل محتوية على محلول أدوية أو مساعدة على التغوط.
5 -
إدخال فتائل تذوب بحرارة الجسم ثم تبلغ أعالي المصير، وتؤثر في العلاج.
6 -
دهن الشرج بمراهم.
إدخالُ غيرِ متحلل:
يشمل هذا الأجهزة، والكشف بالجس بواسطة الأصابع.
المذهب الحنفي: الذي عليه الحنفية أن إدخال ما لا يستقر من الشرج غير مفطر، ففي الظهيرية:" لو أدخل خشبة أو نحوها وطرف منها بيده لم يفسد صومه، وكذلك لو أدخل أصبعه في استه، إلا إذا كانت الأصبع مبتلة بالماء أو الدهن، فحينئذ يفسد لوصول الماء أو الدهن ". (1)
المذهب المالكي: جاء في المدونة ما ظاهره يفيد أن إدخال غير المتحلل لا يفطر، ولا قضاء، وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة، قال: أرى ذلك خفيفا، ولا أرى عليه فيه شيئا. ثم نقل عن ابن وهب ، قال ابن وهب: قال مالك فيمن يحتقن أو يستدخل شيئا من وجع، قال:" أما الحقنة فإني أكرهها للصائم، وأما السبور فإني أرجو أن لا يكون به بأسا " قال ابن وهب: والسبور: الفتيلة. (2)
وأكد هذا الحطاب: " وقوله في الحقنة بالفتائل: لا شيء عليه؛ دل على أن كلامه في الفطر إنما هو في الحقنة المائعة، وهي التي فيها الخلاف كما قال اللخمي "(3)، ودقق الزرقاني فقال:" إن الجامد لا يفطر إذا وصل إلى المعدة إلا أن يتحلل قبل الوصول والفتائل لا تفطر ولوكان عليها دهن ". (4)
المذهب الشافعي: قال النووي: " (فرع) لو أدخل الرجل أصبعه أو غيره دبره أو أدخلت المرأة أصبعها أو غيره في دبرها أو قبلها وبقي البعض خارجا بطل الصوم ". (5)
المذهب الحنبلي: يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده (6)
حكم الكشف بإدخال غير المتحلل:
هي عند الشافعية والحنابلة مفطرة، وعند الحنفية كذلك؛ لأنه يستعان على إدخالها بطلاء الجهاز أو الأصابع بمراهم.
وعند المالكية غير مفطرة ولا قضاء لذلك.
(1) البحر: 2/ 300، ومثله في رد المحتار: 2/ 99
(2)
المدونة: 1/ 177
(3)
مواهب الجليل: 2/ 424
(4)
شرح الزرقاني: 2/ 204
(5)
المجموع: 6/ 114
(6)
المغني: 4/352
إدخال السوائل داخل الشرج:
إذا دخلت السوائل من الشرج سواء أكانت محتوية على مواد بقصد الكشف أو للمداواة، أو لتيسير البراز فإن الحكم لا يختلف.
هي مفطرة عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وعلى الأرجح من مذهب مالك، واختار اللخمي عدم الفطر بالحقنة قال:" واختلف في الاحتقان بالمائعات هل يقع به فطر أو لا يقع، وألا يقع به أحسن؛ لأن ذلك مما لا يصل إلى المعدة ولا إلى موضع يتصرف منه ما يغذي الجسم بحال ". (1)
دهن داخل الشرج بمرهم:
دهن داخل الشرج مفطر عند الحنفية والشافعية والحنابلة ، غير مفطر عند المالكية كما نعلم مما قدمناه.
(1) مواهب الجليل: 2/ 424
المنفذ السابع: إحليل الرجل وفرج المرأة
المذهب الحنفي: إذا أدخل إحليلَه مائعًا أو دهنا، فنقل عن محمد بن الحسن وأبي حنيفة أنه لا يفطر. والمنقول عن أبي يوسف أنه يفطر.
ووجه قول كل منهما؛ يقول في البحر هو مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ أو لا؟ وهو ليس باختلاف فيه على التحقيق.
فالقول الأول يرى أن وصول البول إلى المثانة بالترشح، وما يخرج بالترشح لا يعود رشحًا، وقاسوا هذا على الجرة التي ترشح فإنه يخرج منها الماء ولا يعود إليها.
تحقيق نفيس: قال في الهداية: " ليس هذا من باب الفقه، لأنه متعلق بالطب، وإذا قطر في إحليله ولم يصل إلى المثانة فقد اختلف النقل في تأثيره في الصوم، هذا إذا أدخل مائعًا، أما إذا أدخل غير مائع، فإن القياس ينبغي أن يجري فيه من النقل في ذلك أنه لو حشا ذكره بقطنة حتى غابت أنه يفطر". (1) وذكر ابن عابدين أن قصبة الذكر منطبقة لا تنفتح إلا عند خروج البول، فلذلك لا يعطى لقصبة الذكر حكم الداخل من الشرج إذا غاب.
وأما قُبُل المرأة فإذا قطرت فيه مائعا فهو مفسد لصومها ، قيل إجماعا عند الحنفية، وقيل على الراجح، والأصح أنه مجمع عليه. (2)
المذهب المالكي: جاء في المدونة: " قلت: أرأيتَ من قطَّر في إحليله دهنًا وهو صائم ، أيكون عليه القضاء في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وهو عندي أخف من الحقنة، ولا أرى فيه شيئا "(3) فابن القاسم لا يرى قضاء على من تعمد إدخال مائع في إحليله فضلًا عن الذي لا يتحلل ، ونص خليل:(ولا قضاء في حقنة إحليل) . الزرقاني على قول خليل: " وهو بكسر الهمزة ثقب الذكر، وأما فرج المرأة فيجب عليها القضاء لحقنها منه أن وصل للمعدة، وتفرقته بين إحليل الرجل وفرج المرأة لم يؤيدها بنص لمن تقدمه من أهل الاجتهاد أو الترجيح ".
ولذا ناقشه أبو علي من جهة المعنى بأن فرج المرأة ليس متصلًا بالجوف، فلا يصل إليه منه شيء. كما أن لفظ الإحليل قد اختلف في معناه، فهو عند عياض والقاموس والصحاح: ثقب الذكر ، ومن حيث يخرج البول، وفي النهاية يطلق على ذكر الرجل وفرج المرأة. (4) وعند ابن منظور: الإحليل يقع على ذكر الرجل وفرج المرأة (5) ، وبناء على هذا يكون جواب ابن القاسم في المدونة نصًا في التسوية بين الرجل والمرأة في عدم الإفطار بالتقطير في القبل.
المذهب الشافعي: يقول النووي: " وإذا قطر في إحليله شيئا ولم يصل إلى المثانة أو زرف فيه ميلًا ففيه ثلاثة أوجه، أصحها يفطر، وبه قطع الأكثرون، لأنه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه، فتعلق بالواصل إليه كالفم. والثاني لا يوجب الفطر. والثالث أن جاوز الحشفة أفطر وإلا فلا ". (6)
المذهب الحنبلي: يقول ابن قدامة: " وإذا قطر في إحليله دهنًا لم يفطر به، سواء وصل إلى المثانة أم لم يصل، لأنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ ". (7)
ويقول البهوتي عادًّا لما لا يؤثر في صحة الصوم: " ولا أن دخل في قبل كإحليل، ولو كان القبل لأنثى غير ذكر أصلي؛ لأن مسلك الذكر من فرجها في حكم الظاهر كالفم ". ثم قال: " وأبلغ من هذا أنه لو قطر في إحليله أو غيب فيه شيئا فوصل إلى المثانة لم يبطل صومه نصًّا ". (8)
وبناء على ما تقدم:
فإن إدخال أنبوب إلى المثانة لتيسير خروج البول إذا احتقن في المثانة وانسد سبيل خروجه فتعسر البول أو تعذر؛ غير مفطر على ما يراه الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو وجه عند الشافعية، ويستوي في هذا الرجل والمرأة؛ لأن التشريح كشف أن جهاز البول غير مرتبط بقناة إلى المعدة.
(1) البحر: 2/ 301
(2)
رد المحتار: 2/ 101
(3)
لمدونة: 1/ 177
(4)
مواهب الجليل: 2/ 422
(5)
سان العرب: 1/ 706
(6)
المجموع: 6/ 314
(7)
المغني: 4/ 360
(8)
شرح منتهى الإرادات: 1/ 489
المنافذ غير الخلقية
قد تنفتح منافذ إلى داخل الجسم، إما لتعرض الجسم لحادث أو يتدخل الفريق الطبي لعلاج المريض، ونحن نتابع هذه المنافذ تبعًا لما جاء في كتب الفقه.
1 -
ما يصيب الصائم من جراح، وهي إما أن تكون في رأسه ووصلت إلى أم الدماغ، أو في بطنه ، أو في بقية جسده، فما يصيب رأسه هو المأمومة، وما يصيب بطنه هي الجائفة، وما سوى ذلك جراح قد تكون سطحية وقد تكون عميقة تصل إلى مخ العظام، ولا غنى للصائم عن العناية بجراحه ومداواتها.
كما أن التطور الطبي وصل إلى إجراء عمليات جراحية لاستئصال المرارة مثلا أو أخذ عينة من الكبد أو الطحال أو من أجزاء أخرى من أجهزة البطن، كما يمكن غسل الأمعاء بصفة مسترسلة ودقيقة لإزالة التلوث الذي يحصل إثر تمزق المصران وانسياب محتواه في البطن دون أن يدخل السائل إلى المعدة، كما يمكن إدخال وريد إلى المعدة يحمل إليها الغذاء والري، فلنتابع أولاً ما أثر عند الفقهاء.
المذهب الحنفي: قال في البحر: " التحقيق أن بين الدماغ والجوف منفذ، فما وصل إلى الدماغ يصل إلى الجوف، ولذا فإنه إذا داوى الآمة أو الجائفة ووصل الدواء إلى دماغه أو جوفه أفطر وقضى.
ثم أن الدواء إما أن يكون يابسا أو مائعا، فإذا تحقق وصوله إلى دماغه أو جوفه أفطر، وإن لم يتحقق فإن كان الدواء يابسا فإنه لا يفطر، وإذا كان مائعا فهو مفطر عند أبي حنيفة؛ لأن العادة وصول المائع، وغير مفطر عند محمد وأبي يوسف؛ لأن الوصول مشكوك فيه ولا يحصل الفطر بالشك ". (1)
المذهب المالكي: جاء في المدونة: قلت: أرأيت أن كانت به جائفة فداواها بدواء مائع أو غير مائع، ما قول مالك في ذلك؟ قال: لم أسمع منه في ذلك شيئا، ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة، قال: لأن ذلك لا يصل إلى مدخل الطعام والشراب، ولو وصل ذلك إلى مدخل الطعام والشراب لمات من ساعته ". (2) ، وهو نص ابن شاس في عقد الجواهر (3)
، وقد تقدم وجهة نظر المالكية في دواء الرأس، وأن الدماغ وخريطته لا يوجب وصول مائع أو يابس لهما أو لواحد منهما الفطر.
(1) البحر الرائق: 2/ 300
(2)
المدونة: 1/ 177 - 178
(3)
عقد الجواهر: 1/ 358
المذهب الشافعي: جاء في المجموع وشرحه ما يفيد أنه أن وصل الدواء من المأمومة أو الجائفة إلى خريطة دماغه أو إلى بطنه أفطر ، وإن لم يصل إلى ما تحت الخريطة وباطن الأمعاء: يقول النووي: " حتى لو كانت برأسه مأمومة وهو الآمة، فوضع عليها دواء فوصل جوفه أو خريطة دماغه أفطر، وإن لم يصل باطن الأمعاء وباطن الخريطة، وسواء كان الدواء رطبا أو يابسا ". (1)
ودقق الخطيب الشربيني مؤكدا أن الوصول إلى ظاهر خريطة الدماغ أو ظاهر الأمعاء مفطر، وإن لم يصل إلى باطن الأمعاء التي يتم فيها إحالة الدواء إلى ما يفيد الجسم. (2)
المذهب الحنبلي: عدد ابن قدامة المفطرات التي توجب القضاء، فقال:" أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه أو من مداواة المأمومة إلى دماغه، فهذا كله يفطره؛ لأنه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل ". (3) ويذهب ابن تيمية إلى أن مداواة الجائفة والمأمومة لا يؤثر في الصوم، وحجته أن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها؛ لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة، وأطال بقوة عارضته وحسن بيانه. (4)
(1) المجموع: 6/ 313
(2)
مغني المحتاج: 1/ 428
(3)
المغني: 4/ 353
(4)
الفتاوى، لابن تيمية: 26/ 233 وما بعدها
وجل ما يقوم عليه نفيه للإفطار أن هذا من دين الله يجب على النبي صلى الله عليه وسلم بيانه ، وأنه مما تعم به البلوى فتتوفر الدواعي على نقله، وأنه لم ينقل فلذلك لا يقبل القول به.
وهذا البناء وإن محكما قويا في ظاهره إلَّا أن التأمل فيه يكشف ثغرات فيه، ذلك أن عوارض التشريع الأصلي مما أوكله الله لمن أوتي فهما في القرآن وفي السنة، وأنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعرض لكل جزئية يمكن أن تحدث بالبيان، وليست المأمومة ولا الجائفة مما تعم به البلوى، فمن أين له أن المجروحين في عهد النبوة بجائفة أو مأمومة كانوا من الكثرة حتى أن البلوى عفت، والمتتبع للفقه وقضايا الطهارة والصلاة، يجد عددا كثيرا من المسائل وكثارا من القضايا التي وصل إليها الفقهاء بالاستنباط من النصوص الواردة، إما فهما نافذا وإما قياسا.
ولذا فإن الطريقة التي اتبعها وحملته على الإمام أحمد والشافعي وإن كان لم يسمهما مما لا يقنع.
وأرى أن البحث في هذه القضية يجب أن ينظر إليه في واقع الأمر حسب سنن الله في الخلق، فإذا كانت المأمومة يصل أثر دوائها إلى الأجهزة القابلة ثم المحيلة فهي مفطرة، وإذا كانت تتشربها المسام الظاهرة فلا وجه للقول بتأثيرها في الفطر، وقد أكد الدكتور البار في بحثه أنه لا صلة بين الدماغ والجوف مادام الحاوي سليما، وأنه إذا انكسر فالوضع أخطر من الصيام والفطر؛ لأن المصاب يكون في وضع يستدعي العلاج المكثف، وإجراء عمليات دقيقة وبقاءه مدة في المراقبة المستمرة، وفي بيت الإنعاش إن كتبت له الحياة، وقلما يقع إذا ما انهدم بناء الجمجمة، فالصورة كلها افتراضية.
وأما الجائفة فإنه قد يمكن أن تبلغ الطعنة إلى جزء من أجزاء المعدة أو ما اتصل بها من فوق أو من أسفل، وهي حالات تستدعي علاجا سريعا ومكثفًا، وإذا تمت مداواة داخل ذلك بدواء فلا شك أنه محقق للفطر، إذا نفذ يقينا إلى الجهاز الذي خلقه الله في الإنسان لهضم ما يرد إليه وتحويله إلى أجزاء الجسم حسب التقدير الدقيق في الخلق. (1)
أما إدخال المنظار مع الأجهزة التي تقوم بكشف ما في الداخل للفريق الطبي لاستئصال المرارة أو غيرها أو أخذ عينة فهي لا تعتبر مفطرة عند الحنفية لعدم الاستقرار والانفصال عن الخارج، إذ هذه الأجهزة طرفها في داخل الجسم وطرفها الآخر بيد الفريق الطبي.
وكذلك أخذ عينة لتحليلها من الكبد أو الطحال أو أي جزء من الباطن، وكذلك هي غير مفطرة عند المالكية لعدم وصولها إلى المعدة، وكذلك عند ابن تيمية، وهي مفطرة عند الشافعية والحنابلة، والرأي الأول أولى بالأخذ؛ لليقين بأن من أدخلت في بطنه هذه الأجهزة لم يأكل ولم يشرب ولم يتغذ، ولم يصل شيء إلى الجهاز الهضمي الذي يقوم عليه الصيام.
وأما التغذية من ثقب بالمعدة، فلم أجد من تعرض لها من الفقهاء إلا الرهوني، أنهى كلامه على الحقنة بوضع سؤال، فقال: وانظر هل مثله - أي الإيصال بحقنة - ما يصل للمعدة من ثقبة تحتها أو فوقها أو كالحقنة بالدبر أو يجري على ما تقدم في الوضوء؟
ما تقدم له في الوضوء: أنه لا يخلو الحال من خروج الخارج من الثقب:
ا - أن يكون الثقب في المعدة، فوق المعدة، تحت المعدة؛ وفي كل إما أن يكون المخرجان قد انسدا، أو انفتحا، أو انفتح أحدهما وانسد الآخر.
فإذا كان الثقب تحت المعدة وانسد المخرجان نقض، وإن كان فوقها في الصور الثلاث أو تحتها وانفتحا أو انفتح أحدهما فقولان، الراجح عدم النقض عند سند، وعرض الإشكال إذا كان الثقب في المعدة، ولم يجد له نصا ". (2)
والإشكال السابق الذي أورده في باب الصيام وفرض فيه أن يجري على ما تقدم في الوضوء لا يظهر وجهه، ذلك أن الخارج من الثقب في المعدة يمكن أن يجري فيه القولان، أما في الصيام فلا؛ لأنه لا رابطة بين التأثير على الصائم وبين انسداد المخرجين.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أنه إذا كان الثقب في المعدة ذاتها، فوصول شيء منه مفطر يقينا، وإذا كان الثقب فوق المعدة في القناة الرابطة بين المعدة والحلقوم فمفطر قطعا، وإذا كان الثقب تحت المعدة في المسلك الخارج منها فهو جار مجرى الحقنة، وإن كان الثقب فوق المعدة أو تحتها غير نافذ إلى المسلك الفوقي أو التحتي فلا أثر له في الفطر.
(1) المفطرات في مجال التداوي، للدكتور البار، ص 13، 37، 39، 40
(2)
شرخ الزرقاني: 1/ 86
الفصل الثاني
التداوي بالإخراج
كما يتم التداوي بإدخال دواء من منفذ من المنافذ التي تحدثنا عنها فإنه يمكن علاج المريض بالتدخل لإخراج:
1-
الدم، بالفصد والحجامة.
2 -
القيء.
1) إخراج الدم بالفصد والحجامة
أما الفصد فالاتفاق على أنه غير مفطر، وأما الحجامة فقد اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة مذاهب:
ذهب أبو حنيفة إلى أن الحجامة لا تؤثر في الصيام ولا كراهة فيها للصائم.
وذهب مالك والشافعي وأبو ثور إلى أن الحجامة مكروهة، ولكن لا تؤثر في الصيام.
وذهب أحمد وداود والأوزاعي وإسحاق بن راهويه إلى أن الحجامة في نهار رمضان حرام وتفطر الصائم. (1)
وترجع الأقوال إلى قولين في بحثنا هذا؛ لأن الفرض أن الحجامة وصفت كطريقة للتداوي فارتفعت الكراهة والإثم وبقي التأثير في الفطر.
وسبب الخلاف تعارض الآثار المروية في ذلك؛ فقد روي في مجمع الزوائد ثلاثة عشر حديثا تثبت أن الحجامة تفطر، وروي ثلاثة عشر حديثا أنها لا تفطر، وروي ثلاثة أحاديث تثبت الكراهة، ومعظم الأسانيد فيها مقال ، ومع اختلاف الأحاديث، فأحمد ومن معه اعتمدوا الأحاديث الموجبة للفطر، لأنها مثبتة لحكم، وإذا ثبت الحكم فلا يرتفع إلا بما يفيد العلم برفعه، وأحاديث عدم التأثير يحتمل أن تكون ناسخة وأن تكون منسوخة، فلا تقوى على رفع ما يثبت، ومن رأى عدم التأثير رجح الأحاديث النافية للفطر لأن القياس يؤيدها، وذلك أن هذا دم خارج فلا يؤثر، كدم الفصد وخروج الدم من مكان الحجامة، ولأنه دم لا يجب منه الغسل فلم يوجب الفطر.
والقول بأن العلم لا ينتفي ما يوجبه إلا بما يفيد العلم غير مسلَّم، إذ العلم هو اليقين، فإذا دخل عليه الاحتمال في ذاته نفاه، وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم يؤيده القياس، قال الشافعي بعد أن ساق حديث الفطر بالحجامة وحديث عدم الفطر: أن حديث ابن عباس أمثلها إسنادًا، فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلي احتياطاً، والقياس مع حديث ابن عباس، والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة. (2)
(1) الهداية شرح البداية: 5/ 146
(2)
تفصيل الحجامة وسندها؛ انظر الإشراف على مسائل الخلاف: 1/ 206؛ وفتح الباري: 5/ 76 - 81؛ والمجموع: 6/ 349 - 353
وذكر القاضي ابن العربي أنه كان يستشكل الأمر، فحديث الإفطار صحيح ، إلى أن روى حديث الدارقطني عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على جعفر بن أبي طالب وهو يحتجم فقال:" أفطر هذا "، ثم رخص صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الحجامة. فهذا نص فيه ثلاثة فوائد: تسمية المحتجم، ثبوت حظر الحجامة للصائم، وثالثها ثبوت الرخصة بعد الحظر. (1)
قد يحتاج المعالج لإفراغ ما في معدة المريض، فإن كان ذلك بدون إدخال مادة إلى حلق المريض، ولكن بإثارة أعصاب الجهاز الهضمي، وهو المعبر عنه بالاستقاء، فقد اختلف فيه نظر الفقهاء.
1 -
الحنفية: قالوا: الاستقاء يتصور باثنتى عشرة صورة؛ لأنه إما أن يكون ما أخرجه ملء الفم فأكثر، أو دون ذلك، وفي كليهما إما أن لا يعود شيء، أو يعيد هو بإرادته بعضه، أو يعود شيء من قيئه غلبة، وفي كل إما أن يكون ذاكرا لصومه أو ناسيًا له.
وتحصيل المذهب أنه أن كان ناسيا فلا يفطر؟ وإن كان ذاكرا أفطر، إذا بلغ الخارج ملء الفم، ابتلع منه شيئا أو لم يبتلع، وإن كان أقل من ملء الفم، فإن لم يعد شيء منه إلى حلقه، لا غلبة ولا بقصد لم يفطر عند أبي يوسف، وهو الصحيح في المذهب، وأفطر عند محمد - ومذهب محمد هو ظاهر الرواية- وإن عاد منه شيء غلبة لا يفطر عند أبي يوسف، وإن عاد شيء منه بقصده ففيه روايتان عن أبي يوسف. (2)
2 -
المالكية: إن من استقاء فقد أفطر، رجع إلى حلقه أو لم يرجع ملء الفم أو أقل. (3)
3 -
الشافعية: من استقاء فقد أفطر، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تقيأ عمدًا أفطر. (4)
(1) العارضة: 3/ 245 - 246
(2)
البحر: 2/ 295؛ رد المحتار: 2/ 110 - 111
(3)
المدونة: 1/ 179؛ الزر قا ني: 2/ 203
(4)
المجموع: 6/ 320
4 -
الحنابلة: من استقاء فقد أفطر وعليه القضاء بغير تفصيل، قال الخطابي: لا أعلم في هذا خلافا. وحكى ابن قدامة أنه قد حكي عن ابن عباس وابن مسعود وطاوس أن القيء لا يفطر لما رواه الترمذي والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام)) (1) . ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض)) . (2)
وبناء على ما قدمناه يتقرر:
أولا - أخذ قدر من دم المريض لتحليله لا يفطر قطعا؛ لأنه كالفصد.
وأما الحجامة فقد ذكرناها تبعًا للفقهاء، وإلا فإن امتصاص الدم بعد شرط الرقية أمر تجاوزه الزمن، وانتهى من يحذق الحجامة بالامتصاص.
ثانيا - أنه إذا رأى الطبيب أن من مصلحة المريض أن يفرغ ما في معدته بالاستقاء فليفعل، وأن من استقاء عليه القضاء؛ لأن حالات التسمم ونحوها تستدعي إفراغ كل ما تحويه المعدة، فلا يظهر أثر لتفصيل أبي يوسف.
***
(1) المغني: 4/ 368؛ عارضة الأحوذي: 3/ 243
(2)
رواه أبو داود في السنن والترمذي؛ عارضة الأحوذي: 3/ 244
الفصل الثالث
التخدير والحقن
أولا – التخدير:
التخدير يتم بطرق منها: استنشاق غازات تؤثر في الشعور بالإحساس أو بواسطة حقنة عبر الأوردة الدموية أو بهما أو بغير ذلك، وينقسم إلى قسمين:
1 -
تخدير جزئي يقتصر مفعوله على جزء من البدن، ويبقى الوعي وإدراك المعالج لما يجري حوله طبيعيا، وهذا لا يؤثر في الصيام.
2 -
تخدير كامل للبدن، بحيث يفقد المعالج معه الوعي بما حوله، مع الحرص على أن يستمر على هذه الحالة حسب ما يقرره الفريق الطبي، وهي حالة أقرب ما تكون إلى الإغماء ، فيقرر لها من الأحكام ما قرر في الإغماء.
المذهب الحنفي: بأن المغمى عليه إذا نوى الصيام في الليل فصومه صحيح ولا قضاء عليه، يقول ابن نجيم:" ويقضي بإغماء سوى يوم حدث في ليلته، لأنه نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجى، وإنما لا يقضي اليوم الأول لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية ". (1)
المذهب المالكي: جاء في المدونة: " أنه أن أغمي عليه كل النهار أو جله وجب عليه القضاء، وإن أغمي بعد أن أصبح صائما وقد مضى جل النهار وهو صائم؛ لا قضاء عليه، وكذلك إذا نوى الصيام وأصبح معافى ثم أغمي عليه نصف النهار؛ لا قضاء عليه، فإن انقطع صيامه في الشهر ثم أفاق بعد طلوع الفجر عليه القضاء؛ لأنه لم يبيت الصيام من الليل ".
ويرى ابن القاسم أنه كلما كان وقت الفجر مغمى عليه فعليه قضاء ذلك اليوم.
ويرى من كان وقت الفجر معافى ناويًا للصوم ثم أغمي عليه معظم النهار أن قضاء ذلك اليوم هو احتياط واستحسان، قال: ولو لم يقضي ما عنف، ورجوت أن ذلك له أن شاء الله. (2)
(1) البحر الرائق: 2/ 2 - 3
(2)
المدونة (بتصرف) : 1/ 184 - 185
فالمالكية حسب قول ابن القاسم يربطون القضاء:
أولا: بدخوله في الفجر وهو مغمى عليه، طال زمن الإغماء بعد ذلك أو قصر.
ثانيا: بإغمائه أكثر من نصف النهار، كان وقت الفجر مغمى عليه أولًا.
وأنهى الزرقاني بحثه في شرح خليل بإثارة قضية وهي: السكر الحلال، هل يجري مجرى الإغماء، وهذه قريبة جداً من مسألتنا، وقاس ذلك على النوم، فكما أن النائم لو استغرق نومه كامل اليوم ما طولب بالقضاء، فكذلك السكر بالحلال إذا بيت الصيام من الليل، وناقشه البناني بأن النائم مكلف ولو أوقظ استيقظ، بخلاف المغمى عليه، ولما كان المخدر يمكن للطبيب المختص بالتخدير أن يوقظه متى أراد، فالظاهر تبعا لذلك الأخذ بما قاله الزرقاني في التخدير لكامل الجسم. (1)
المذهب الشافعي: إذا انسحب الإغماء على كامل اليوم بعد أن نوى الصيام في الليل فعليه القضاء، وذهب المزني إلى أنه لا قضاء عليه.
إذا نوى الصيام من الليل ولم يستغرق الإغماء كامل اليوم ففيه خلاف؛ قيل: إنه ينظر إلى أول النهار، فإن كان غير مغمى عليه صح صومه، وقيل: إنه إذا لم يستغرق الإغماء كامل النهار صح صومه، وقيل: أن كان مفيقا طرفي النهار صح صومه وإلا قضى، وقيل ببطلان الصوم والقضاء، والذي رجحه في المجموع أن أي جزء من النهار حصلت فيه الإفاقة، فذلك مصحح للصوم نافي للقضاء. (2)
وجاء في المنهاج مع شرحه المغني، والأظهر أن الإغماء لا يضر إذا أفاق لحظة من نهاره، وإن شرب مسكرا ليلا فإن أفاق في بعض نهاره فهو كالإغماء في بعض النهار، قال الأسنوي:" ويعلم منه الصحة في شرب الدواء، أي إذا أفاق في بعض النهار بطريق الأولى ". (3)
فكلام الأسنوي نص على أن الإغماء الحاصل بالدواء إذا لم يستغرق كامل اليوم فالصوم صحيح ولا قضاء، وهو ما نص عليه أيضا الكرد علي: أن من شرب الدواء لحاجة، هو كالإغماء إن استغرق النهار؛ بطل صومه ولزمه القضاء ولا إثم.
المذهب الحنبلي: أن المغمى عليه إذا استغرق الإغماء كامل اليوم عليه القضاء، وإن أفاق في جزء منه أيا كان، فصومه صحيح ولا قضاء عليه. (4)
وبناء على ذلك فإن التخدير لا يوجب قضاء اليوم الذي خدر فيه المريض، سواء استغرق كامل اليوم أو لم يستغرق، ما دام قد بيت الصيام من الليل لذلك اليوم أو للشهر ما لم ينقطع الصيام لعذر.
(1) حاشية البناني: 2/ 203
(2)
المجموع: 6/ 345 -346
(3)
المغني: 1/ 432 -433
(4)
المغني:: 4/ 343 - 344
ثانيا - التداوي بالحقن
من وسائل معالجة المريض: الحقن، وهو أنواع:
1 -
حقن تحت الجلد.
2 -
حقن في العضلة.
3 -
حقن عبر الأوردة الدموية.
4 -
حقن عبر مفاصل العظام.
الحقن تحت الجلد والحقن في العضلة:
يقوم الجلد الحي بامتصاص ما يرد عليه بواسطة الحقن تحت الجلد أو في العضلة ليوزعه على الجسد، فهو تشرب يضاهي تشرب مسام الجلد للمراهم وغيرها.
ولذا فإن الذي يترجح عندي - والله أعلم - أن هذا النوع لا يؤثر في الصيام.
ومثل ذلك الحقن بين المفاصل لتغذية المفصل الذي جفت المادة المساعدة على الحركة، أو لغير ذلك من العلاج للأسقام.
الحقن عبر الأوردة الدموية:
الحقن عبر الأوردة الدموية إما أن يكون دواء لا ينتفع منه المريض إلا في التغلب على اسقامه، أو تخفيف أوجاعه، وإما أن يكون غذاء يعطي للجسم السعرات الحرارية التي كان يحصل عليها بواسطة الغذاء، وتروي الجسم بما هو بحاجة إليه من الماء.
أما القسم الثاني: فإذا اعتمدنا رأي من يرى أن الصيام عبادة غير معقولة المعنى تعبدية خالصة، فإنه يقتصر على ما وصل إلى الجسم عبر القنوات المعتادة، ومن ربط وريده بمحلول (الغلوكوز) - السكريات - لا يقال له إنه أكل أو شرب، والآية نص في منع الأكل والشرب والشهوة الجنسية:{فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] ، ولذا فإن الصائم لا يتأثر صومه بذلك ولا قضاء عليه.
ومن رأى أن الصيام معقول المعنى وأنه تحكيم للإرادة في مغالبة شهوتي البطن والفرج، وأن الصيام يضعف غلمة الإنسان وقوته الغضبية، وهما مجاري الشيطان، فلما كان هذا النوع من الحقن يعطي للجسم كل وحداته الحرارية ويحدث فيه التوازن لمتطلباته من الماء، حتى إن الإنسان إذا التهب كبده ظمأ فحقن بهذه المحلولات ذهب عطشه وروي. من رأى أن الصيام معقول المعنى حصل له ظن قوي بالإفطار، وإن كان هذا الإفطار لا يبلغ في صورته مبلغ التغذي من الفم إلا أنه يقاربه، ولذلك كان العامد الصحيح يجب عليه القضاء فيه، مع حرمة إقدامه على ما أقدم عليه.
أما التغذي من المنافذ المعتادة ففيه مع ذلك الكفارة.
ولذا فالقضاء واجب على من ربط وريده بهذه المحلولات.
أما السابور الذي يبعثه الفريق الطبي عبر الوليد الدموي من أحد أمكنة الجسم المناسبة لفتح انسداد في معابر الدم من القلب أو الأوردة فإنه غير مؤثر في الصوم.
والله أعلم وأحكم، وهو حسبي ونعم الوكيل.
نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *
خلاصة البحث:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
إن المذاهب الأربعة بنت تحديدها لما يوجب القضاء لمن أفطر في شهر رمضان بعلة المرض على قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] ، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة 187] ولتحقيق مناط هذه النصوص اليقينية؛ ذهب كل مذهب في طريقٍ خاص.
الحنفية: رأوا أن الفطر يتحقق بالأكل والشرب من كل غير غالب سواء أكان صورة ومعنى، أو معنى فقط، أو صورة فقط، فإن انتفيا فلا فطر، والأكل صورة ومعنى مرور ما يغذي البدن أو يصلحه من الفم إلى المعدة، وصورة فقط في بلوغ ما لا يغذي من الفم إلى المعدة، واستقراره بها، ومعنى لا صورة في بلوغ ما يغذي أو يصلح إلى المعدة عبر غير طريق الحلق.
المالكية: كل عين يمكن الاحتراز منه غالبا وصل من الظاهر إلى المعدة أو الحلق من منفذ واسع كالفم والأنف والأذن.
الشافعية: كل عين بلغت الجوف بقصد، وهو كل مجوف كالمعدة والمثانة وخريطة الدماغ، وداخل البطن، من منفذ لا من مسام، والعين ليست منفذا، بخلاف الإحليل.
الحنابلة: كل عين بلغت عن قصد جوفه مرت من أي طريق؛ من فم أو عين أو أنف أو أذن، أو من جرح في الرأس أو البطن أو من الشرج، والإحليل ليس منفذا.
حكم الفطر للمريض
الفطر رخصة للمريض، وذلك للمشقة التي جعلها الشارع مسقطة للإلزام.
والمشقة ليس لها معيار ذاتي، فهي تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال.
وكذلك حكم الفطر لأجل المرض يكون واجبا أو مندوبا أو جائزا، تبعا لحالة المريض وما يؤثر الصوم على صحته أو حياته.
أما الفطر لأجل الغير كشرب المرضعة الدواء لإنقاذ رضيعها فليس رخصة، وإنما هو من قبيل الترجيح بين المصالح عند التعارض.
أولا: منفذ الفم
الدواء من مسلك الفم الذي لم يتجاوز الحلقوم.
الفم من الظاهر الذي لا يتأثر الصيام بدخول أي شيء فيه إذا لم يتجاوز حده، وحد الفم قد اختلف فيه؛ هل هو أعلى الحلق من جهة الفم وهو مخرج الخاء، أو هو أسفله وهو مخرج الهمز والهاء.
1 -
الغرغرة:
إذا غرغر المريض بمحلول يحتوي على دواء في نهار رمضان وهو متجاوز لأعلى الحلق، فهو غير مفطر عند الشافعية والحنفية، وعليه أن يصحب المج ببصق ما علق بفمه منه دون مبالغة، وهو مفطر عند المالكية، ولعل الأخذ بالمذهب الأول أولى، لأنه لم يتحقق وصول أي غذاء أو ما يصلح إلى المعدة، وأنه قد طرح.
2 -
مضغ علك لا يتحلل منه ما يدخل إلى المعدة:
هو عند الحنفية غير مفطر، وعند المالكية إذا لم يتكرر المضغ، وعند أحمد أن مضغه ولم يجد طعمه في حلقه فهو غير مفطر، وإن وجد طعمه ففيه وجهان.
ويترجح عدم الفطر لعدم وصول ما يصلح البدن ويغذيه.
3 -
مداواة حفر الأسنان:
مداواة حفر الأسنان إذا كان لا ينفذ من ذلك شيء إلى المعدة غير مفطر على الصحيح.
الدواء المتجاوز للحلقوم
4 -
الدواء المائع والقابل للتحلل إذا تجاوز الحلقوم مفطر، قل أو كثر.
5 -
الأجهزة التي لا يتحلل منها شيء وتصل إلى المعدة، كالمسبار الكاشف لصورة المعدة، أن دخل بطلاء ميسر لمروره من البلعوم أفطر، وإن أدخل بدون طلاء فهو غير مفطر عند الحنفية، لأنه متصل بالخارج غير مستقر، وهو مفطر عند الشافعية والحنابلة، والصحيح من مذهب مالك.
الدواء المتحلل إلى ما وراء الحلقوم
6 -
الدواء الذي يحرق فيمتص المريض دخانه ليداوي به مرضه مفطر عند الحنفية وعند المالكية أن وجد طعمه، والراجح أنه مفطر أحسن بطعمه أو لا.
7 -
البخار:
كل دواء مائع محلول ينقلب بخارًا ويدخله المريض إلى باطنه من منفذ الفم: مفطر، وسواء أكان تحوله بواسطة الحرارة أم الأجهزة المخلخلة.
8 -
الغبار:
أن القصد إلى ابتلاع الغبار للتداوي مفطر.
9 -
الجهاز الذي يستعمله المرضى بالربو مفطر؛ لأنه يصل إلى الداخل عبر الفم.
ثانيا: منفذ الأنف:
10 -
الدواء المتحلل إذا مر من الأنف إلى ما وراءه؛ مفطر عند المذاهب الأربعة.
11 -
القنوات التي تمر عبر الأنف إلى المعدة لتخرج منها إفرازاتها تجري مجرى الاستقاء.
12 -
دهن منفذ الأنف بمرهم من المراهم لا يفطر، وإن وجد رائحته وأحس بها في حلقه - لأنه من خداع الإحساس - إذ حاسة الشم ليست في الحلقوم.
ثالثا: منفذ العين:
13 -
اختلف الفقهاء في العين؛ أيمر منها ما وضع فيها إلى الحلق كمنفذ أو كتشرب من المسام، ويرى الحنفية والشافعية أنه لا صلة، ويرى المالكية والحنابلة أن القناة بين العين والمعدة واصلة، ولذا فمن قطر في عينيه أو في أحداهما في نهار رمضان أفطر وعليه القضاء.
رابعا: منفذ الأذن
14 -
اختلف الفقهاء في صب الدواء في فتحة الأذن، فذهب الحنفية في الأصح عندهم، والمالكية والحنابلة إلى أن بين الأذن والباطن منفذًا ولذلك فهو مؤثر في الصوم موجب للقضاء، واختلف قول الشافعية، والحق ما قاله الغزالي والسنجي والقاضي حسين أنه لا منفذ بين الأذن والباطن، فصب الدواء غير مفطر إلا إذا ثقبت الطبلة.
خامسًا: جلدة الرأس
15 -
دهن الرأس بدواء في نهار رمضان غير مفطر؛ لأنه لا منفذ بين جلدة الرأس والباطن إلا المسام، والمسام لا يفطر ما مر عبرها.
سادسا: الدبر:
16 -
إدخال جهاز صلب عبر الشرج لتسجيل صورة للمحيط الشرجي من أجهزة الجسم غير مفطر إذا كان غير مطلي بمرهم عند المالكية والحنفية، وهو مفطر عند الشافعية والحنابلة.
17 -
إذا كان مطليًا بمرهم هو غير مفطر عند المالكية، مفطر عند المذاهب الثلاثة الأخرى.
18 -
إدخال الطبيب أصابعه للتحقق من وجود الورم أو عدم وجوده، ولا يكون إلا مع طلاء الأصابع، ولذا فحكمه كسابقه.
19 -
إدخال سوائل في الشرج مساعدة على الكشف بالأشعة أو سوائل لتيسير البراز؛ مفطرة عند المذاهب الثلاثة، مختلف فيها في مذهب مالك.
20 -
دهن الشرج بمراهم أو إدخال فتائل تذوب بالحرارة؛ غير مفطرة في مذهب مالك، مفطرة عند المذاهب الأخرى.
سابعاً: منفذ القبل
21 -
القبل يشمل إحليل الرجل وفرج المرأة، وإدخال أنبوب إلى المثانة لتيسير خروج البول؛ غير مفطر.
22 -
إدخال جهاز للكشف عن رحم المرأة أو المهبل غير مفطر، وإن طلي بمرهم.
ثامنا: المنافذ غير الخلقية
23 -
جراح الرأس وهي المأمومة إذا داواها بيابس غير متحلل أو بمرهم لا يفطر؛ لأنه ليس بين الدماغ والمعدة منفذ.
24 -
جراح البطن إذا لم تخترق المعدة، دواؤها لا يوجب الفطر؛ لأن داخل الجوف لا صلة له بالتغذية.
25 -
إدخال منظار لإجراء جراحة باطنية لا يفطر.
26 -
إدخال أجهزة لأخذ عينات مما يحويه البطن كالكبد والطحال ومحيط البطن الداخلي؛ غير مفطر.
تاسعا: التداوي بالإخراج
يشمل التداوي بالإخراج: الفصد - الحجامة - الاستقاء.
27 -
الفصد غير مفطر إجماعا، ومثله أخذ عينة من الدم لتحليلها من أي مكان.
28 -
الاستقاء يترتب عليه وجوب القضاء.
عاشرًا: التخدير
29 -
التخدير الجزئي غير مؤثر في الصيام.
30 -
التخدير الكلي لا يبطل الصوم، ولا قضاء فيه إذا بيت الصيام من الليل.
حادي عشر: التداوي بالحقن
الحقن أنواع: حقن تحت الجلد، حقن عبر العضلة، حقن عبر الأوردة الدموية، حقن عبر مفاصل العظام.
31 -
الحقن تحت الجلد أو عبر العضلة أو عبر مفاصل العظام غير مفطر؛ لأنه أقرب ما يكون لما يتشربه الجسم من المسام، وهو غير مفطر.
32 -
الحقن عبر الأوردة الدموية بما لا يغذي الجسم؛ الراجح أنه لا يؤثر في الصيام.
33 -
الحقن عبر الأوردة الدموية بما يغذي الجسم من المحلولات؛ لا نصن فيه، وإذا اعتمدنا أن الصيام عبادة معقولة المعنى فإنه يترجح أنه من غذى جسمه بهذه الحقن عليه قضاء اليوم الذي تم فيه ذلك.
34 -
إدخال سابور يسري وسط العرق ليصل إلى القلب ليفتح ما انسد من معابر الدم؛ لا يؤثر في الصيام، ولا يوجب القضاء.
والله أعلم
محمد المختار السلامي