الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
وجوب فعل الصلاة في وقتها وحكم تقديمها في أوله
أو تأخيرها عنه
يجب فعل الصلاة جميعها في وقتها المحدد لها لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(:103)(1) .أي فرضاً ذا وقت. ولقوله تعالي " (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(78) . (2) . والأمر للوجوب.
وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم ذكر يوماً فقال " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة،وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف "(3) . قال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد.
فلا يجوز للمسلم أن يقدم الصلاة كلها أو بعضها قبل دخول وقتها، لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى والاستهزاء بآياته.
فإن فعل ذلك معذوراً بجهل أو نسيان أو غفلة فلا إثم عليه، وله أجر ما عمل، وتجب عليه الصلاة إذا دخل وقتها، لأن دخول الوقت هو وقت الأمر فإذا أتى بها قبله لم تقبل منه ولن تبرأ بها ذمته لقول النبي
(1) سورة النساء، الآية: 103
(2)
سورة النساء، الآية:78.
(3)
تقدم تحريجه ص 50.
صلي الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "(1) . أي: مردود. رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، ولا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة وقتها، لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالي والاستهزاء بآياته، فإن فعل ذلك بدون عذر فهو آثم وصلاته مردودة غير مقبولة ولا مبرئه لذمته، لحديث عائشة السابق، وعليه أن يتوب إلي الله تعالى ويصلح عمله فيما استقبل من حياته.
وأن أخر الصلاة عن وقتها لعذر من نوم أو نسيان، أوشغل ظن أن يبيح له تأخيرها عن وقتها فإنه يصليها متى زال ذلك العذر لحديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "(2) . وفي رواية: " من نسي صلاة أو نام عنها ".متفق عليه.
وإذا تعددت الصلوات التي فاتته بعذر فإنه يصليها مرتبة من حين زوال عذره ولا يؤخرها إلي نظيرها من الأيام التالية لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة الخندق توضأ بعدما غربت الشمس فصلى العصر ثم صلى بعدها المغرب (3) . متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: حسبنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل قال: فدعا رسول الله صلي الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها
(1) تقدم تخريجه ص 21.
(2)
تقد تخريجه ص 16.
(3)
تقدم تخريجه ص 21.
ثم أمره فأقام الصلاة للمغرب فصلاها كذلك. (1) . رواه أحمد.
وفي هذا الحديث دليل على أن الفائتة تصلى كما تصلى في الوقت ويؤيده حديث أبي قتادة – رضي الله عنه – في قصة نومهم مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس قال: ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم (2) .الحديث رواه مسلم. وعلى هذا فإذا صلى بالنهار صلاة فائتة من صلاة الليل جهر فيها بالقراءة، وإذا صلى في الليل فائتة من صلاة النهار أسر فيها بالقراءة كما يدل على الأول حديث أبي قتادة، وعلى الثاني حديث أبي سعيد.
وإذا صلى الفوائت غير مرتبة لعذر فلا حرج عليه، فإذا جهل أن عليه صلاة فائتة فصلى ما بعدها ثم علم بالفائتة صلاها ولن يعد التي بعدها، وإذا نسي الصلاة الفائتة فصلى ما بعدها ثم ذكر الفائتة صلاها ولم يعد التي بعدها لقوله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(3) .
قال أهل العلم: وإذا كان عليه فائتة فذكرها أوعلم بها عند خروج وقت الحاضرة صلى الحاضرة أولاً، ثم صلى الفائتة لئلا يخرج وقت الحاضرة قبل أن يصليها فتكون الصلاتين كلتهما فائتتين.
والأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها، لأن هذا هو فعل النبي صلي الله عليه وسلم وهو أسبق إلي الخير، وأسرع في إبراء الذمة.
(1) أخرجه الإمام أحمد 3/25.
(2)
أخرجه مسلم: كتاب المساجد /باب قضاء الصلاة الفائتة
…
(3)
سورة البقرة، الآية:286.
ففي صحيح البخاري عن أبي برزة الأسلمي- رضي الله عنه – أنه سئل كيف كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلى المكتوبة؟ قال: كان يصلى الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس. وفي رواية: إذا زالت الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلي رحله في أقصى المدينة والشمس حية.
ونسيت ما قال في المغرب – لكن روى مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب (1)، ومن حديث رافع بن خديج: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وأنه ليبصر مواقع نبله (2) . وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلي المئة (3) .
وله من حديث أنس: كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلي العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه. زفي رواية: كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلي قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة (4)
(1) أخرجه البخاري:كتاب مواقيت الصلاة / باب وقت العصر، ومسلم: كتاب المساجد /باب استحباب التبكير بالعصر.
(2)
أخرجه مسلم: كتاب المساجد/باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس.
(3)
أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة /باب وقت المغرب، ومسلم: كتاب المساجد / باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس.
(4)
أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة / باب وقت العصر.
ولهما من حديث جابر- رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم يصلي صلاة العشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كانوا أو كان النبي صلي الله عليه وسلم يصليها بغلس (1) .
وفي صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلي بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس (2) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلي الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فذكر الحديث وفيه: " ولولا أن يثقل على أنتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلي "(3) .
وفي صحيح البخاري عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلي الله عليه وسلم " أبرد " ثم أراد أن يؤذن فقال له " أبرد " حتى رأينا فيء التلول ". وفي رواية حتى ساوى الظل التلول. فقال النبي صلي الله عليه وسلم " إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة " (4) .
(1) تقدم تخريجه ص 190.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة / باب وقت الفجر.
(3)
أخرجه مسلم: كتاب المساجد /باب وقت العشاء وتأخيرها.
(4)
تقدم تخريجه ص 205.
ففي هذه الأحاديث دليل على أن السنة المبادرة بالصلاة في أول وقتها سوى صلاتين:
الأولى: صلاة الظهر في شدة الحر فتؤخر حتى يبرد الوقت وتمتد الأفياء.
الثانية: صلاة العشاء الآخرة فتؤخر إلي ما بعد ثلث الليل إلا أن يحصل في ذلك مشقة فيراعى حال المأمومين إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر.