الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولدان لا يصليان، فالكبير يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً والثاني سبعة عشر عاماً، ولقد أمرتهما بالصلاة ونصحتهما وأخبرتهما عن الصلاة وإثم تاركها، ولكن دون فائدة، مع العلم بأنها مريضة، وكلما رأتهما على ذلك تأثرت، فإذا رأياها كذلك توددا إليها فيصليان ويتركان، فماذا تفعل لهما؟ وهل عليها إثم إذا تركتهما؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن الإثم على الأولاد لأنهم بالغون، وترك الصلاة كفر مخرج عن الملة إذا تركها الإنسان ولم يصل، لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وقد حكى بعض أهل العلم إجماع الصحابة على ذلك، ولا شك أن الذي لا يصلي ليس في قلبه إيمان، لأن الإيمان مقتضٍ لفعل الطاعة، وأعظم الطاعات البدنية الصلاة، فإذا تركها فهو دليل أنه ليس في قلبه إيمان، وإن ادعى أنه مؤمن، فإن من كان مؤمناً فإنه بمقتضى هذا الإيمان يكون قائماً بهذه الصلاة العظيمة.
وأما أنت فعليك أن تتقي الله سبحانه وتعالى في نصحهم، وإرشادهم، وأمرهم بالصلاة، ونهيهم عن إضاعتها، وإيقاظهم من النوم، وزجرهم لأدائها، فإذا لم يفعلوا فإنما حسابهم على الله عز وجل، وأكثري أيتها الأخت لهم من الدعاء بالهداية والتوفيق، فلعل الله أن يستجيب لك فيكون بذلك سعادتك وسعادتهم إلى يوم القيامة.
* * *
31) وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل خطب من رجل ابنته، ولما سأل عنه إذا هو لا يصلي، وأجاب المسئول عنه بقوله: يهديه الله، فهل يزوج هذا
؟
فأجاب جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً بقوله: أما إذا كان الخاطب لا يصلي مع الجماعة فهذا فاسق عاص الله ورسوله مخالف لما أجمع المسلمون عليه من كون الصلاة جماعة من أفضل العبادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – ص222 ج 23 من مجموع الفتاوى:" اتفق العلماء على أنها – أي صلاة الجماعة – من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم شعائر الإسلام " اهـ كلامه رحمه الله تعالى، ولكن هذا الفسق لا يخرجه من الإسلام فيجوز أن يتزوج بمسلمة لكن غيره من ذوي الاستقامة على الدين والأخلاق أولى منه، وإن كانوا أقل مالاً وحسباً كما جاء في الحديث:" إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " قالوا يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " ثلاث مرات، أخرجه الترمذي (1) ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك "(2) . ففي هذين الحديثين دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام الدين والخلق من الرجل والمرأة، واللائق بالولي الذي يخاف الله تعالى ويرعى مسؤوليته أن يهتم ويعتني بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ
(1)(1) أخرجه الترمذي: كتاب النكاح / باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه 1085) وقال الترمذي: هذ حديث حسن غريب. وابن ماجة (1967) والحاكم 2/175.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب النكاح / باب الأكفاء في الدين، ومسلم: كتاب الرضاع / باب استحباب نكاح ذات الدين.
فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (1) .
وقال: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ* فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)(2) .أما إذا كان الخاطب لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهذا كافر خارج عن الإسلام، يجب أن يستتاب، فإن تاب وصلى تاب الله عليه إذا كانت توبته نصوحاً خالصةً لله، وإلا قتل كافراً مرتداً، ودفن في غير مقابر المسلمين من غير تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة عليه، والدليل على كفره نصوص من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:فمن الكتاب قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) . فقوله (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ)(3) . فقوله: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) دليل على أنه حين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات ليس بمؤمن. وقال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)(4) . فدل على أن الأخوة في الدين لا تكون إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، لكن السنة دلت على أن تارك الزكاة لا يكفر إذا كان مقراً بوجوبها لكن بخل بها، فبقيت إقامة الصلاة شرطاً في ثبوت الأخوة الإيمانية وليس فسقاً أو كفراً دون كفر، لأن الفسق والكفر دون الكفر لا يخرج الفاعل من دائرة الأخوة الإيمانية كما
(1) سورة القصص، الآية:65.
(2)
سورة الأعراف، الآيتان: 6، 7.
(3)
سورة مريم،الآيتان: 59، 60.
(4)
سورة التوبة، الآية:11.
قال الله تعالى في الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(1) .
فلم تخرج الطائفتان المقتتلتان من دائرة الأخوة الإيمانية مع أن قتال المؤمن من الكفر كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر "(2) .
وأما الأدلة من السنة على كفر تارك الصلاة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة "(3) . رواه مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بريدة بن الحصيب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "(4) . رواه الخمسة: الإمام أحمد وأصحاب السنن. وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا ينازعوا الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان (5) ، والمعنى أن لا ينازعوا
(1) سورة الحجرات، الآية:10.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الإيمان/ باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق.......".
(3)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان إطلاق الكفر على من ترك الصلاة.
(4)
أخرجه الإمام أحمد 5/346، والترمذي: كتاب الإيمان/ باب ما جاء في ترك الصلاة (2621)، والنسائي: كتاب الصلاة/ باب الحكم في تارك الصلاة. وابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة/ باب ما جاء فيمن ترك الصلاة (1079) . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(5)
أخرجه البخاري: كتاب الفتن/ باب ما جاء في قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، ومسلم: كتاب الإمارة/ باب وحوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية.
ولاة الأمور فيما ولاهم الله عليه إلا أن يروا كفراً صريحاً عندهم فيه دليل من الله تعالى، فإذا فهمت ذلك فانظر إلى ما رواه مسلم أيضاً من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء (وفي لفظ: فمن كره فقد بريء) ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع "، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: " لا، ما صلوا "(1) .
فعلم من هذا الحديث أنهم إذا لم يصلوا قوتلوا، وحديث عبادة قبله يدل على أنهم لا ينازعون، ومن باب أولى أن لا يقاتلوا إلا بكفر صريح فيه من الله برهان فمن هذين الحديثين يؤخذ أن ترك الصلاة كفر صريح فيه من الله برهان.
فهذه أدلة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً فمن تركها عامداً متعمداً مخرج من الملة "(2) .
وأما الآثار عن الصحابة – رضي الله عنهم – فقد قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – " لا إسلام لمن ترك الصلاة "(3) .
وقال عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من
(1) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة/ باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك.
(2)
أخرجه الهيثمي في " المجمع " 4/216، ونحوه عند الحاكم في " المستدرك " 4/44.
(3)
أخرجه بن أبي شيبة في " الإيمان "34.
الأعمال تركه كفر غير الصلاة (1) . رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما.
وإذا كان الدليل السمعي الأثري يدل على كفر تارك الصلاة فكذلك الدليل النظري، قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -:" كل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة "، وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتاب " الصلاة " له ص400 من مجموعة الحديث:" لا يصر على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تصغ إلى قول من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها " اهـ كلامه رحمه الله. ولقد صدق فيما قال، فإن من المستحيل أن يترك الصلاة مع يسرها وسهولتها وعظم ثوابها، وعقاب تركها وفي قلبه شيء من الإيمان.
وحيث تبين من نصوص الكتاب والسنة أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن ملة الإسلام فإنه لا يحل أن يزوج بمسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (َلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ
(1) أخرجه الترمذي: كتاب الإيمان/باب ما جاء في ترك الصلاة.
مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (1) . وقال تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُن ّ)(2) . وأجمع المسلمون على ما دلت عليه هاتان الآيتان من تحريم المسلمة على الكافر، وعلى هذا فإذا زوج الرجل من له ولاية عليها بنته أو غيرها رجلاً لا يصلي لم يصح تزويجه، ولم تحل له المرأة بهذا العقد، لأنه عقد ليس عليه أمر الله تعالى ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنه قال:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "(3) . أي مردود عليه.
وإذا كان النكاح ينفسخ إذا ترك الزوج الصلاة إلا أن يتوب ويعود إلى الإسلام بفعل الصلاة فما بالك بمن يقدم على تزويجه من جديد؟!
وخلاصة الجواب: أن هذا الخاطب الذي لا يصلي إن كان لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق لا يكفر بذلك ويجوز تزويجه في هذه الحال لكن غير أن ذوي الدين والخلق أولى منه.
وإن كان لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام لا يجوز أن يزوج مسلمة بأي حال من الأحوال إلا أن يتوب توبة صادقة ويصلي ويستقيم على دين الإسلام.
وأما ما ذكره السائل من أن والد المخطوبة سأل عنه فقال المسؤول عنه: يهديه الله. فإن المستقبل علمه عند الله تعالى وتدبيره بيده، ولسنا مخاطبين إلا بما نعلمه في الحال الحاضرة، وحال
(1) سورة البقرة، الآية:221.
(2)
سورة الممتحنة، الآية:10.
(3)
تقدم تخريجه ص21.