الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعله بلغك قصة أصيرم بني عبد الأشهل، الذي خرج إلى أحد وقتل فوجده قومه في آخر رمق وقالوا: يا فلان ما الذي جاء بك أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنه لمن أهل الجنة "(1) . مع أن هذا الرجل ما سجد لله سجدة، لكنه من الله عليه بحسن الخاتمة، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.
-
44) سئل فضيلة الشيخ: استدل بعض العلماء على عدم كفر تارك الصلاة بحديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه البخاري ومسلم، وبحديث عبادة ابن الصامت: خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد...." فما قولكم حفظكم الله تعالى
؟
فأجاب بقوله: حديث الشفاعة الذي استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة عام مخصوص بمن قال لا إله إلا الله وأتى مكفراً مثل أن يقول لا إله إلا الله وهو ينكر تحريم الربا، أو فرضية الصلاة ونحو ذلك، لم يخرج من النار بشفاعة ولا غيرها، فكذلك من قال لا إله إلا الله وترك الصلاة، فإنه لا يخرج من النار بشفاعة ولا غيرها، لأنه كافر فأي فرق بين من كفر بجحد فرضية الصلاة مع نطقه بالشهادة ومن كفر بترك الصلاة مع نطقه بالشهادة؟!! فكما أن الأول لا يدخل في الحديث
(1) أخرجه الإمام أحمد في" المسند " 5/ 428، والهيثمي في " المجمع " 9/362 وقال:"رجاله ثقات ".
فكذلك الثاني.
وأيضاً فإن قوله: " لم يعمل خيراً قط " عام يدخل فيه من لم يصل، لأن الصلاة من الخير، ولكن هذا العموم خص بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة فيخرج تارك الصلاة من عمومه كما هو الشأن في العمومات المخصوصة.
وأما حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – فقد رواه مالك في الموطأ 1/254-255 عن عبادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ". رواه مالك عن يحي بن سعيد، عن محمد بن يحي بن حبان، عن ابن محيريز أن رجلاً من كنانة يدعى المخدجي، والمخدجي قال ابن عبد البر عنه: هو مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث. وقد رواه أبو داود 2/62 من طريق مالك بلفظه. وقد رواه النسائي 1/186 من طريق مالك بلفظه أيضاً. ورواه الإمام أحمد في المسند 5/315 موافقاً لمالك في يحي بن سعيد فمن فوقه بلفظ مالك إلا أنه قال: " إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ".ورواه أيضاً 5/319 موافقاً لمالك في يحي بن سعيد فمن فوقه بنحو لفظ مالك.ورواه أيضاً 5/322 موافقاً لمالك في محمد بن يحي بن حبان فمن فوقه بلفظ: " فمن لقيه بهن لم يضيع منهن شيئاً لقيه وله عنده عهد
يدخله به الجنة، ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لقيه ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ". ورواه أيضاً 5/317 قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن عبادة بن الصامت قال: أشهد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضؤهن، وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن، وسجودهن، وخشوعهن، كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد، إن شاء غفر، له وإن شاء عذبه " ورواه أبو داود 1/115 موافقاً لأحمد في محمد بن مطرف فمن فوقه بلفظ أحمد إلا أنه لم يذكر سجودهن.
ورواه ابن ماجه 1/448 موافقاً لمالك في محمد بن يحي بن حبان فمن فوقه بلفظ: " خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن فإن الله جاعل له يوم القيامة عهداً أن يدخله الجنة، ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ".
فأنت ترى هذا الحديث واضطراب الرواة في لفظه، وأن أحد رواته في الموطأ مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث كما قال بن عبد البر، وترى رواية المسند 5/317 وأبي داود 1/115 أسلم من حيث الإسناد وفيها أن تعليق المغفرة بالمشيئة فيمن لم يأت بهن على وجه الكمال، فلا يكون فيه دليل على أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً داخل
تحت المشيئة فلا يعارض النصوص الدالة على كفره.
وأما لفظ رواية مالك: " ومن لم يأت بهن " فيحمل على أن المراد لم يأت بهن غير مضيع منهن شيئاً ويؤيد ذلك لفظ رواية ابن ماجه، وعلى هذا فتكون رواية مالك موافقة لرواية أحمد 5/317.
والحاصل أن هذا الحديث لا يعارض النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة لصحتها وصراحتها، وعلى هذا تبقى أدلة الكفر قائمة سالمة من المعارض المقاوم، وحينئذ يجب العمل بمقتضاها، ويحكم بكفر من ترك الصلاة تركاً مطلقاً، سواء جحد وجوبها، أو أقر به ولكن تركها تهاوناً وكسلاً، ولا يصح أن تحمل هذه الأدلة على أن المراد بها كفر دون كفر، أو أن المراد من تركها جاحداً.
أما الأول: فلأننا لا يحل لنا أن نحمل أدلة الكفر على ذلك إلا حيث يقوم دليل صحيح على منع حملها على الكفر المطلق المخرج عن الملة، ولا دليل هنا. ولأنه قد قام الدليل على أن المراد به الكفر المطلق المخرج من الملة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "(1) . فذكر الكفر معرفاً بال فدل ذلك أنه الكفر المطلق، ولأنه صلى الله عليه وسلم جعل ذلك حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر، والمتحادان لا يجتمعان لانفصال بعضهما عن بعض.
وأيضاً فإن الله تعالى قال: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)(2) . فجعل ثبوت الاخوة في الدين مشروطاً
(1) تقدم تخريجه ص42.
(2)
سورة التوبة، الآية:11.