الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعذور بعد الوقت كالأداء في أجره وثوابه.
وعلى هذا فلا يلزمك أيها الأخ قضاء ما تركته من واجبات مدة السنوات الثلاث التي ذكرتها
-
69) وسئل فضيلته: هناك اهتمام خاص عند كثير من الناس بالصلاة خاصة في رمضان دون غيره، فبماذا تنصحهم
؟
فأجاب بقوله: أنصحهم بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في جميع أوقاتهم في رمضان وغيره؛ لأن الإنسان مأمور بعبادة الله إلى الموت. قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ 99)(1) .
-
70) وسئل فضيلته: كثير من الآباء لا يهتمون بتربية أولادهم وخاصة من الناحية الدينية، فيقصرون بحجة التعب بعد عناء العمل، وما رأيكم فيمن يدعون الإسلام وهم قلما صاموا رمضان أو تذكروا الصلاة
؟
فأجاب قائلاً: الواجب على المؤمن أن يهتم بتربية أولاده اهتماماً بالغاً ليكون ممتثلاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يؤْمَرُونَ)(2) . وليقم بالمسئولية التي حملها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " الرجل راع في أهله، ومسئول عن رعيته "(3) .
(1) سورة الحجر، الآية:99.
(2)
سورة التحريم، الآية:6.
(3)
أخرجه البخاري: كتاب النكاح / باب المرأة راعية في بيت زوجها، ومسلم: كتاب =
ولا يحل له أن يهملهم بل عليه أن يؤدبهم بحسب أحوالهم وبحسب جرائمهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر "(1) . وليعلم أن هذه الأمانة التي حملها سوف يسأل عنها يوم القيامة، فليعد الجواب الصواب حتى يتخلص من هذه المسئولية، وسيجني ثمار ما عمل: إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وربما يعاقب به في الدنيا فيبتلى بأولاد يسيئون إليه ويعقونه ولا يقومون بحقه.
وأما رأينا فيمن يدعون الإسلام وهم قلما صاموا رمضان أو تذكروا الصلاة: فإن كان هؤلاء الذين لا يصومون رمضان يعتقدون أن الصيام ليس بواجب وأنه إنما هو رياضة بدنية إن شاء الإنسان صامه وإن شاء أفطره فهؤلاء كفار؛ لأنهم جحدوا فريضة من فرائض الإسلام وهم غير معذورين بجهلها لكونهم يعيشون في بيئة إسلامية.
وإما إن كانوا لا يصومون رمضان مع اعتقادهم أنه فريضة وواجب وأنهم بذلك عصاة، فإنهم لا يكفرون على القول الراجح من أقوال أهل العلم.
وأما الصلاة فإن كانوا لا يصلون أبداً فهم كفار، سواء أقروا بوجوبها أو أنكروا وجوبها، والدليل على كفرهم أدلة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم وقد سبق شيء من ذلك.
(1) أخرجه الإمام أحمد 2/187، وأبو داود: كتاب الصلاة / باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ((495 و496) ، وهو في صحيح الجامع رقم (5868)
ولم يرد في الكتاب ولا في السنة أن تارك الصلاة ليس بكافر، أو أنه مؤمن، أو أنه يدخل الجنة، أو أنه لا يدخل النار ونحو ذلك، وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثواب ذلك، وهي إما مقيدة بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة، وإما واردة في أحوال معينة يعذر فيها الإنسان بترك الصلاة، وإما عامة فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة؛ لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة، والخاص مقدم على العام كما هو معروف في أصول الفقه ومصطلح الحديث.
فإن قال قائل: ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحداً لوجوبها؟
قلنا: لا يجوز ذلك؛ لأن فيه محذورين:
المحذور الأول: إلغاء وصف اعتبره الشارع وعلق الحكم به، فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود، ورتب الأخوة في الدين على إقامة الصلاة دون الإقرار بوجوبها. ولم يقل الله تعالى (فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة) ، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة، فمن جحد وجوبها فقد كفر)، ولو كان هذا مراد الله تعالى ورسوله لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن. قال تعالى:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(1) . وقال تعالى مخاطباً نبيه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(2) .
(1) سورة النحل، الآية:89.
(2)
سورة النحل، الآية:44.
المحذور الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم، فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك، فلو صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل شروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه كان كافراً مع أنه لم يتركها.
فتبين بذلك أن حمل النصوص على من تركها جاحداً لوجوبها غير صحيح، وأن الحق أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه بن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة "(1) . وأيضاً فإننا لو حملناه على ترك الجحود لم يكن لتخصيص الصلاة في النصوص فائدة، لأن هذا الحكم عام في الصلاة والزكاة والحج مما علم وجوبه بالضرورة من الدين، فمن ترك منها واحداً جحداً لوجوبه كفر إن كان غير معذور بجهل.
وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري، فهو مقتضى الدليل العقلي النظري، فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين، وجاء من الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها؟! وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها، فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقي إيماناً مع التارك.
(1) تقدم تخريجه ص43.
وجمهور الصحابة – رضي الله عنهم – حكى غير واحد إجماعهم على كفر تارك الصلاة، قال عبد الله بن شقيق:" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة "(1) . رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما، وقال الإمام اسحاق بن راهويه الإمام المعروف:" صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر "
وذكر بن حزم أنه قد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين -،قال:"ولا نعلم لهؤلاء مخالفاً من الصحابة ". نقله عنه المنذري في الترغيب والترهيب، وزاد من الصحابة عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبا الدرداء – رضي الله عنهم – قال: ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم، قلت: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو أحد قولي الشافعي كما ذكره بن كثير في تفسيره لقوله تعالى:(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ)(2) . وذكر بن القيم في كتابه الصلاة أنه أحد الوجهين في المذهب الشافعي وأن الطحاوي نقله عن الشافعي نفسه.
فإن قيل: ما الجواب عما استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة؟
قلنا: الجواب عن ذلك أن ما استدل به هؤلاء فإما أن لا يكون فيه
(1) تقدم تخريجه ص44.
(2)
سورة مريم، الآية:59.