الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان في الإنسان غازات ولا يتمكن من حبسها بمعنى أنه منطلق وتخرج بغير اختياره،فإذا كانت مستمرة معه فإن حكمة حكم من به سلس البول يتوضأ بعد دخول وقتها، ويتحفظ ويصلي، وإذا خرج منه شيء أثناء الصلاة فإن الصلاة لا تبطل.
* * *
365 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للإنسان أن يصلي الفريضة خلف من يصلي نافلة
؟
فأجاب بقوله: الصحيح أنه لا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم، وأنه يجوز للإنسان المفترض أن يصلي خلف الإنسان المتنفل، كما كان معاذ بن جبل يفعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (1) ، وهي له نافلة، ولهم فريضة، فإذا دخل إنسان المسجد وأنت تصلي فريضة، أو نافلة وقام معك لتصليا جماعة فلا حرج، وصلاتكما صحيحة فيدخل معك ويصلي ما يدركه معك، وبعد انتهاء صلاتك تقوم فيقضي ما بقي عليه إن كان فاته شيء سواء كنت تصلي نافلة أو فريضة.
* * *
(1) تقدم تخريجه ص 443.
فصل
قال فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى: ومن شروط الصلاة: النية:
فالصلاة لا تصح إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) الحديث (1) .
وقد دلت الآيات الكريمة على اعتبار النية في العبادات مثل قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)(2) . وقال تعالى (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّه)(3) وقال تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ً)(4) . والآيات في هذا كثيرة. فالنية شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها.
وهي في الحقيقة ليست بالأمر الصعب فكل إنسان عاقل مختار بفعل فعلاً فإنه قد نواه، فلا تحتاج إلى تعب ولا إلى نطق فمحلها القلب ((إنما الأعمال بالنيات)) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية، ولا أمر أمته بالنطق بها، ولا فعلها أحد من أصحابه فأقره على ذلك، فالنطق بالنية بدعة، هذا هو القول الراجح.
وما أظرف قصة ذكرها لي بعض الناس عليه رحمه الله قال لي: إن شخصاً في المسجد الحرام قديماً أراد أن يصلي فأقيمت الصلاة فقال: اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله تعالى، خلف
(1) تقدم تخريجه ص 153.
(2)
سورة الفتح، الآية:29.
(3)
سورة البقرة، الآية:272.
(4)
سورة النساء، الآية:100.
إمام المسجد الحرام.
فلما أراد أن يكبر قال له: أصبر بقي عليك، قال: ما الباقي؟ قال له: قل في اليوم الفلاني، وفي التاريخ الفلاني،ومن الشهر والسنة حتى لا تضيع، هذه وثيقة، فتعجب الرجل، والحقيقة أنها محل التعجب هل أنت تعلم الله عز وجل بما تريد؟ الله يعلم ما توسوس به نفسك.
هل تعلم الله بعدد الركعات والأوقات؟ لا داعي له، هو يعلم هذا، فالنية محلها القلب.
والصلوات تنقسم إلى أقسام نفل مطلق، ونفل معين، وفريضة.
الفرائض الخمس: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء فإذا جاء الإنسان إلى المسجد في وقت الفجر فإن من المعلوم أنه يريد الفجر.
وهناك مسألة: إذا جئت وكبرت وغاب عن ذهنك أي صلاة هي، وهذا يقع كثيراً إذا جاء بسرعة يخشى أن تفوته الركعة، فهنا وقوع الصلاة في وقتها دليل على أنه إنما أراد هذه الصلاة، ولهذا لو سألك أي واحد هل أردت الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء، لقلت أبداً ما أردت إلا الفجر فيكون تعيينها بالوقت.
إذاً الفرائض يكون تعيينها على وجهين.
الوجه الأول: أن يعينها بعينها فينوي بقلبه أنها الظهر وهذا واضح.
الوجه الثاني: الوقت فما دمت تصلي الصلاة في هذا الوقت فهي هي الصلاة.
هذا الوجه الثاني إنما يكون في الصلاة المؤداة في وقتها، أما لو فرض أن على إنسان صلوات مقضية كما لو نام يوماً كاملاً عن الظهر
والعصر والمغرب. فهنا إذا أراد أن يقضي لابد أن يعين بعينها لأنه لا يوقت لها.
ومن النوافل المعينة الوتر، وركعتي الضحى، والرواتب فهذه لابد أن تعينها بالاسم، لكن بالقلب لا باللسان، فإذا أردت أن تصلي مثلاً وكبرت، ولكن ما نويت الوتر، وفي أثناء الصلاة نويتها الوتر فهاذ لا يصح، لأن الوتر نفل معين، والنوافل المعينة لابد أن تعين بعينها.
وهنا مسألة: إذا أراد الإنسان أن ينتفل في الصلاة من نية إلى نية فهل هذا ممكن؟
فالجواب أن الانتفال أنواع:
النوع الأول: من مطلق إلى معين فلا يصح، ومثاله: إنسان قام يصلي صلاة نافلة مطلقة وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل راتبه الفجر فنواها لراتبة الفجر.
نقول لا تصح لراتبة الفجر، لأنه انتفل من مطلق إلى معين، والمعين لابد أن تنويه من أوله فراتبه الفجر من التكبير إلى التسليم.
النوع الثاني: من معين إلى معين فلا يصح، ومثاله رجل قام يصلي العصر وفي أثناء صلاته ذكر أنه لم يصل الظهر أو أنه صلاها بغير وضوء، فقال: الآن نويتها للظهر.
هنا لا تصح للظهر لأنه من معين إلى معين، ولا تصح أيضاً صلاة العصر التي ابتدأها لأنه قطعها بانتفاله إلى الظهر.
النوع الثالث: من معين إلى مطلق فإنه لا يصح مثل: إنسان شرع
في صلاة راتبة الفجر، ثم ذكر أنه صلاها فنواها نفلاً مطلقاً فيصح.
فصارت الحالات ثلاث:
الحال الأولى: من مطلق إلى معين لا يصح المعين ويبقى المطلق.
الحال الثانية: من معين إلى معين يبطل الأول ولا ينعقد الثاني.
الحال الثالثة: من معين إلى مطلق.
* نية الإمامة والائتمام:
الجماعة تحتاج إلى إمام ومأموم، وأقلها اثنان إمام ومأموم، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله.
ولابد من نية المأموم الائتمام وهذا شئ متفق عليه، يعني دخلت في جماعة فلابد أن تنوي الائتمام بإمامك الذي دخلت عليه.
ولكن النية لا تحتاج إلى كبير عمل لأن من أتي إلى المسجد فإنه نوى أن يأتم، ومن قال لشخص صلي بي فإنه قد نوى أن يأتم.
أما الإمام فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يجب أن تنوي أن يكون إماماً أو لا يجب؟
فقال بعض أهل العلم: لابد أن ينوي أنه الإمام.
وقال بعضهم: لا يشترط، وعلى هذا فلو جاء رجلان ووجدا رجلاً يصلي ونويا أن يكون الرجل إماماً لهما فصفا خلفه وهو لا يدري بهما، فمن قال إنه لابد للإمام أن ينوي الإمامة، قال: إن صلاة الرجلين لا تصح، وذلك لأن الإمام يم ينو الإمامة.
ومن قال: إنه لا يشترط، قال إن صلاة هذين الرجلين صحيحة لأنهما ائتما به.
فالأول هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، والثاني هو مذهب الإمام مالك (1) واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في رمضان وحده فدخل أناس المسجد فصلواخلفه (2) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أول من دخل الصلاة لم ينو أن يكون إماماً، واستدلوا كذلك بأن ابن عباس رضى الله عنها بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، قام يصلي وحده، فقام ابن عباس فتوضأ ودخل معه الصلاة (3) .
ولكن لا شك أن هذا الثاني ليس فيه دلالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة، ولكن نواها في أثناء الصلاة ولا بأس أن ينويها في أثناء الصلاة.
وعلى كل حال الاحتياط في هذه المسألة أن نقول: إنه إذا جاء رجلان إلى شخص يصلي فلينبهاه على أنه إمام لهما، فإن سكت فقد أقرهما، وإن رفض وأشار بيده أن لا تصليا خلفي، فلا يصليا خلفه، هذا هو الأحوط والأولى ،
* ثانياً: هل يشترط أن تتساوى صلاة الإمام مع صلاة المأموم في جنس المشروعة؟
بمعنى هل يصح أن يصلي الفريضة خلف من يصلي النافلة، أو أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة؟
أما الإنسان الذي يصلي نافلة خلف من يصلي فريضة فلا بأس بهذا، لأن السنة قد دلت على ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم انفلت من صلاة الفجر ذات يوم في مسجد الخيف بمنى فوجد رجلين لم يصليا فقال: ((
(1) قال الشيخ في شرح زاد المستقنع ج 2 ص 300 وهو أصح.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الجمعة / باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد ومسلم: كتاب صلاة المسافرين / باب الترغيب في قيام رمضان.
(3)
تقدم تخريجه ص 446.
ما منعكما أن تصليا في القوم؟)) قالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا – يحتمل أنهما صليا في رحالهما لظنهما أنهما لا يدركان صلاة الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب – فقال: ((إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا فإنها لكما نافلة)) (1) . أي الثانية، والأولى حصلت بها الفريضة وانتهت وبرئت الذمة.
أما إذا كان الإمام يصلي النافلة والمأموم يصلي الفريضة، وأقرب مثال لذلك في أيام رمضان إذا دخل الإنسان وقد فاتته صلاة العشاء ووجد الناس يصلون التراويح فهل يدخل معهم بنية العشاء، أو يصلي الفريضة وحده ثم يصلي التراويح؟
هذا محل خلاف بين العلماء:
فمنهم من قال: لا يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة، لأن الفريضة أعلى، ولا يمكن أن تكون صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام.
ومنهم من قال: بل يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة، لأن السنة وردت بذلك وهي أن معاذ بن جبل رضى الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (2) ، فهي له نافلة ولهم فريضة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم؟
فالجواب عن ذلك أن نقول: إن كان قد علم فقد تم الاستدلال.
(1) أخرجه الإمام أحمد 4/160، وأبو داود: كتاب الصلاة / باب في الجمع في المسجد مرتين، والنسائي: كتاب الإمامة / باب إعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده، والترمذي: كتاب الصلاة / باب: ما جاء في الرجل يصلي ثم يدرك الجماعة.
(2)
تقدم تخريجه ص 343.
لأن معاذ بن جبل رضى الله عنه قد شكي إلى الرسول في كونه يطول صلاة العشاء، فالظاهر أن الرسول اخبر بكل القضية وبكل القصة.
وإذا قدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن معاذاً يصلي معه ثم يذهب إلى قومه ويصلي بهم، فإن رب الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم، والله جل وعلا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا كان الله قد علم ولم ينزل على نبيه صلى الله عليه وسلم إنكاراً لهذا العمل دل ذلك على جوازه، لأن الله لا يقر عباده على شئ غير مشروع لهم إطلاقاً، فتم الاستدلال حينئذ على كل تقدير.
إذاً فالصحيح أنه يجوز أن يصلي الإنسان صلاة الفريضة خلف من يصلي النافلة، والقياس الذي ذكر استدلالاً على المنع قياس في مقابلة نص فيكون مطروحاً فاسداً لا يعتبر.
إذا ً فإذا أتيت في أيام رمضان والناس يصلون صلاة التراويح ولم تصل العشاء فادخل معهم بنية صلاة العشاء، ثم إن كنت قد خلت في أول ركعة فإذا سلم الإمام فصل ركعتين لتتم الأربع ركعات، وإن كنت دخلت في الثانية فصل إذا سلم الإمام ثلاث ركعات لأنك صليت مع الأمام ركعة.
وهذا هو منصوص الإمام أحمد مع أن مذهبة خلاف ذلكم، ولكن منصوصه الذي نص عليه شخصياً أن هذا جائز.
إذاً تخلص الآن:
1 -
من صلى فريضة خلف فريضة فجائز.
2 -
فريضة خلف نافلة فيها خلاف.
3 -
نافلة خلف فريضة جائزة قلولاً واحداً.
المسألة الثالثة: في جنس الصلاة هل يشترط أن تتفق صلاة
الإمام والمأموم في نوع الصلاة أي ظهر مع ظهر، وعصر مع عصر أو لا؟
الجواب: هذه المسألة محل خلاف:
فمن العلماء من قال: يجب أن تتفق الصلاتان فيصلي الظهر خلف من يصلي الظهر، ويصلي العصر خلف من يصلي العصر، ويصلي المغرب خلف من يصلي المغرب، وهكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إنما جعلت الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) (1) .
ومن العلماء من قال: لا يشترط فيجوز أن تصلي العصر خلف من يصلي الظهر، أو الظهر خلف من يصلي العصر، أو العصر خلف من يصلي العشاء، لأن الإتمام في هذا الحال لا يتأثر، وإذا جاز أن يصلي الفريضة خلف النافلة مع اختلاف الحكم، فكذلك اختلاف الاسم لا يضر وهذا القول أصح.
فإن قال قائل: كيف يصلي الظهر خلف من يصلي العشاء؟
فنقول: يتصور ذلك بأن يحضر لصلاة العشاء بعد أن أذن ولما أقيمت الصلاة تذكر أنه صلى الظهر بغير وضوء.
فنقول له: أدخل مع الإمام أنت نيتك الظهر، والإمام نيته العشاء ولا يضر، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (2) . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم:((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) . فليس معناه فلا تختلفوا عليه في النية لأنه فصل وبين فقال ((فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر)) . أي تابعوه ولا تسبقوه وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر
(1) تقدم تخريجه ص 450.
(2)
تقدم تخريجه ص 153.
بعضه بعضاً.
هذا البحث يتفرع عليه بحث آخر إذا اتفقت الصلاتان في العدد والهيئة فلا إشكال في هذا مثل ظهر خلف عصر فالعدد واحد، والهيئة واحدة، هذا لا إشكال فيه.
لكن إذا اختلفت الصلاتان بأن كانت صلاة المأموم ركعتين والإمام أربع أو العكس، أو المأموم ثلاث، والإمام أربع، أو بالعكس.
فنقول:
أولاً: إن كانت صلاة المأموم أكثر فلا إشكال، مثل لو صلى العصر خلف من يصلي المغرب مثل رجل دخل المسجد يصلي المغرب ولما أقيمت الصلاة تذكر أنه صلى العصر بلا وضوء فهنا صار عليه صلاة العصر.
نقول: ادخل مع الإمام بنية صلاة العصر، وإذا سلم الإمام فإنك تأتي بواحدة لتتم لك الأربع، هذا لا إشكال فيه.
ثانياً: إذا كانت صلاة الإمام أكثر من صلاة المأموم، فهنا نقول: إن دخل المأموم في الركعة الثانية فما بعدها فلا إشكال، وإن دخل في الركعة الأولى فحينئذ يأتي الإشكال، ولنمثل: إذا جئت والإمام يصلي العشاء وهذا يقع كثيراً في أيام الجمع، يأتي الإنسان من البيت، والمسجد جمع للمطر وما أشبه فإذا جاء وجدهم يصلون العشاء جمع تقديم، لكن وجدهم يصلون في الركعتين الأخيرتين نقول: أدخل معهم بنية المغرب، صلي الركعتين، وإذا سلم الإمام تأتي بركعة ولا إشكال.
وإذا جئت ووجدتهم يصلون العشاء الآخر لكنهم في الركعة الثانية نقول: ادخل معهم بنية المغرب وسلم مع الإمام ولا يضر لأنك ما
زدت ولا نقصت هذا أيضاً لا إشكال فيه.
وعند البعض فيه إشكال ويقول: إذا دخلت معه في الركعة الثانية ثم جلست في الركعة التي هي للإمام الثانية وهي لك الأولى فتكون جلست في الأولى للتشهد.
نقول هذا لا يضر، ألست إذا دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فالإمام سوف يجلس للتشهد وهي لك الأولى فهذا مثله ولا إشكال.
الإشكال إذا جئت إلى المسجد ووجدتهم يصلون العشاء وهم في الركعة الأولى، ودخلت معهم فيها حينئذ ستصلي ثلاثاً مع الإمام والإمام سيقوم للرابعة فماذا تصنع؟
نقول: اجلس وإذا كنت تريد أن تجمع فانو المفارقة وأقرأ التحيات وسلم، ثم ادخل من الإمام فيما بقي من صلاة العشاء لأنك يمكن أن تدركه.
أما إذا كنت لا تنوي الجمع، أو ممن لا يحق له الجمع فإنك في هذه الحال تخير إن شئت فأجلس للتشهد وانتظر الإمام حتى يكمل الركعة ويتشهد وتسلم معه، وإن شئت فانو الانفراد وسلم.
وهذا الذي ذكرناه هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله.
ونية الانفراد هنا للضرورة، لأن الإنسان لا يمكن أن يزيد في صلاة المغرب على ثلاث فالجلوس لضرورة شرعية ولا بأس.
* * *
357
…
سئل فضيلة الشيخ: عن شروط الصلاة بعامة وبيان ما يترتب عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله أصحابه أجمعين. أما بعد:
شروط الصلاة ما يتوقف عليه صحة الصلاة من أمور خارجة عن ماهيتها، لأن الشرط في اللغة العلامة كما قال الله تعالى:(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ)(1) أي علاماتها، والشرط في الشرع في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.
وأهم شروط الصلاة الوقت، كما قال الله تعالى:(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً 103)(2) ولهذا تسقط كثير من الواجبات مراعاة للوقت، وينبغي بل يجب على الإنسان أن يحافظ على أن تكون الصلاة في وقتها.
وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة في سنته، أما في الكتاب العزيز فقد قال الله تعالى:(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(3) . فقوله تعالى: (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي زوالها. وقوله: (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي انتصاف الليل، لأن أقوى غسق في الليل نصفه، وهذا
(1) سورة محمد، الآية:18.
(2)
سورة النساء، الآية:103.
(3)
سورة الإسراء، الآية:78.
الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء وهذه الأوقات كلها متتالية ليس بينها فاصل، فوقت الظهر: من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء كطوله، ووقت العصر: من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس الوقت الاختياري، وإلى غروب الشمس الوقت الاضطراري، ووقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وهو الحمرة التي تكون في الأفق بعد غروب الشمس، ووقت العشاء: من هذا الوقت إلى منتصف الليل هذه هي الأوقات الأربعة المتصلة بعضها ببعض، وأما من نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة فريضة، ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولهذا فضله الله تعالى عما قبله فقال:(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) . ثم قال (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً 78)(1) . والسنة جاءت مبينة لهذا على ما وصفته أنفاً.
هذه الأوقات التي فرضها الله تعالى على عباده، فلا يجوز للإنسان أن يقدم الصلاة عن وقتها، ولا يجوز أن يؤخرها عن وقتها فإن قدمها عن وقتها ولو بقدر تكبيرة الإحرام لم تصح، لأنه يجب أن تكون الصلاة في نفس الوقت، لأن الوقت ظرف فلابد أن يكون المظروف داخله، ومن أخر الصلاة عن وقتها فإن كان لعذر من نوم، أو نسيان أو نحوه فإنه يصليها إذا زال العذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) (2) . ثم تلا.
(1) سورة الإسراء، الآية:78.
(2)
تقدم تخريجه ص 16.
قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 14) وإن لم يكن له عذر فإن صلاته لا تصح ولو صلى ألف مرة، فإذا ترك الإنسان الصلاة فلم يصلها في وقتها فإنها لا تنفعه، ولا تبرأ به ذمته إذا كان تركه إياها لغير عذر ولو صلاها آلاف المرات ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (1) . ومن ترك الصلاة حتى خرج وقتها لغير عذر فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله فتكون مردودة عليه، لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن وسع لهم فيما إّا كان لهم عذر يشق عليهم أن يصلوا الصلاة في وقتها، رخص لهم في الجمع بين الظهر والعصر، أن بين المغرب والعشاء، فإذا شق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها من الصلاتين المجموعتين فإنه يجوز أن يجمع بينهما إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير على حسب ما يتيسر له لقوله الله تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(2)
وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، وسئل ابن عباس لماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قال:((أراد أن لا يحرج أمته)) (3) . ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا لحقه مشقة بترك الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء فإنه يجوز له أن يجمع بينهما.
ومن شروط الصلاة أيضاً: ستر العورة لقوله تعالى: (يَا بَنِي
(1) تقدم تخريجه ص 21.
(2)
سورة البقرة، الآية:185..
(3)
تقدم تخريجه ص 34.
آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (1) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله في الثوب ((إن كان ضيقاً فاتزر به وإن كان واسعاً فالتحف به)) (2) . وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة – رضى الله عنه -: ((لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ)) (3) .وهذا يدل على أنه يجب الإنسان أن يكون متستراً في حال الصلاة، وقد نقل ابن عبد البر – رحمه الله – إجماع العلماء على ذلك، وأن من صلى عرياناً مع قدرته على السترة فإن صلاته لا تصح. وفي هذا المجال قسم العلماء العورة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مغلظة.
القسم الثاني: مخففة.
القسم الثالث: متوسطة.
فالمغلظة: عورة المرأة الحرة البالغة قالوا: إن جميع بدنها عورة في الصلاة إلا وجهها واختلفوا في الكفين والقدمين.
والمخففة: عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين، فإن عورته الفرجان، القبل والدبر، فلا يجب عليه أن يستر فخذه لأنه صغير.
والمتوسطة: ما عدا ذلك قالوا: فالواجب فيها ستر ما بين السرة والركبة فيدخل في ذلك الرجل البالغ عشراً فما فوق، ويدخل في ذلك المرأة التي لم تبلغ، ويدخل في ذلك الأمة والمملوكة، ومع هذا فإننا نقول للمشروع في حق كل إنسان أن يأخذ زينته عند كل مسجد، وأن
(1) سورة الأعراف، الآية:31.
(2)
تقدم تخريجه ص 263.
(3)
تقدم تخريجه ص 266.
يلبس اللباس الكامل، لكن لو فرض أنه كان هناك خرق في ثوبه على ما يكون داخلاً ضمن العورة فإنه حينئذ يناقش فيه هل تصح صلاته أو لا تصح؟ إذ أنه يفرق بين اليسير والكثير، ويفرق بين ما كان على حذاء العورة المغلظة كالفرجين، وما كان متطرفاً، كالذي يكون في طرف الفخذ وما أشبه ذلك، أن يكون في الظهر من فوق الآليتين، أو في البطن من دون السرة وفوق السوأة، المهم أن كل مكان له حظه من تغليظ العورة.
ثم إن المرأة إذا كان حولها رجال غير محارم فإنه يجب عليها أن تستر وجهها ولو في الصلاة، لأن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها عند غير محارمها.
ومن المناسب التنبيه على مسألة يفعلها بعض الناس في أيام الصيف: يلبس سراويل بصيرة، ثم يلبس فوقها ثوباً شفافاً يصف البشرة ويصلي، فهذا لا تصح صلاته، لأن السراويل القصيرة التي لا تستر ما بين السرة والركبة إذا لبس فوقها ثوباً خفيفاً يصف البشرة فإنه لم يكن ساتراً لعورته التي يجب عليه أن يسترها في الصلاة، ومعنا قولنا:((يصف البشرة)) أي يبين من وراءه لون الجلد هل هو أحمر، أو أسود، أو بين ذلك.
ومن شروط الصلاة: الطهارة وهي نوعان: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس. والحدث نوعان: حدث أكبر وهو ما يوجب الغسل، وحدث أصغر: وهو ما يوجب الوضوء.
ومن المهم هنا أن نبين أن الطهارة من الحدث شرط، وهو من باب الأوامر التي يطلب فعلها، لا التي يطلب اجتنابها والقاعدة المعروفة عند أهل العلم ((أن ترك المأمور لا يعذر فيه بالنسيان والجهل)) . وبناء على ذلك لو أن أحداً من الناس صلى بغير وضوء ناسياً فإنه يجب عليه أن يعيد صلاته بعد أن يتوضاً، لأنه أخل بشرط إيجابي مأمور بفعله، وصلاته بغير وضوء ناسياً ليس فهيا إثم لقوله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(1) لكنها صلاة غير صحيحة فلا تبرأ بها الذمة، فيكون مطالباً بها، ولا فرق في هذا بين أن يكون الإنسان منفرداً، أو مأموماً، أو إماماً فكل من صلى بغير وضوء، أو بغير غسل من حدث أكبر ناسياً فإنه يجب عليه إعادة الصلاة بعد الطهارة متى ذكر، حتى وإن كان إماماً، إلا أنه إذا كان إماماً وذكر في أثناء الصلاة فإنه ينصرف ويأمر من خلفه أن يتموا الصلاة، فيقول لأحدهم: تقدم أتم الصلاة بهم، فإن لم يفعل أي لم يعين من يتم الصلاة بهم، قدموا واحداً منهم يتم بهم، فإن لم يفعلوا أتم كل واحد لنفسه، ولا يلزمهم أن يستأنفوا الصلاة من جديد، ولا أن يعيدوا الصلاة لو لم يعلموا إلا بعد ذلك، لأنهم معذورون، حيث إنهم لا يعلمون حال إمامهم، وكذلك لو صلى بغير وضوء جاهلاً فلو قدم إليه طعام فيه لحم إبل، وأكل من لحم الإبل وهو لا يدري أنه لحم إبل، ثم قام فصلى ثم علم بعد ذلك أنه لحم إبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد صلاته، ولا إثم عليه حين صلى وقد انتفض وضوءه وهو لا يدري بانتقاضه لقوله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(2) .
ولا يخفى أيضاً أننا إذا قلنا أنه صلى بغير وضوء، أو بغير غسل من
(1) سورة البقرة، الآية:286.
(2)
سورة البقرة، الآية:286.
الجنابة أنه كان معذوراً لا يتمكن من استعمال الماء فإنه يتيمم بدلاً عنه، فالتيمم عند تعذر استعمال الماء يقوم مقام الماء، فإذا قدر أن هذا الرجل لم يجد الماء وتيمم وصلى فصلاته صحيحة ولو بقي أشهراً لي عنده ماء، أن بقي أشهراً مريضاً لا يستطيع أن يستعمل الماء فإن صلاته بالتيمم صحيحة، فالتيمم يقوم مقام الماء عند تعذر استعماله، وإذا قلنا: إنه يقوم مقامه عند تعذر استعماله، فإنه إذا تطهر بالتيمم بقي على طهارته حتى تنتقض الطهارة، حتى لو خرج الوقت وهو على تيممه فإنه لا يلزمه إعادة التيمم للصلاة الثانية، لأن التيمم مطهر كما قال الله تعالى في سورة المائدة لما ذكر التيمم قال:(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ)(1) .وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) (2) .
أما النوع الثاني من الطهارة: فهو الطهارة من النجاسة ومواضعها ثلاثة: البدن، والثوب، والبقعة. فلابد أن يتنزه الإنسان عن النجاسة في بدنه، وثوبه، وبقعته، ودليل ذلك في البدن: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير ن إما أحدهما فكان لا يستتر من البول)) (3) . وأما الثوب فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض إذا أصاب الحيض ثوبها أن تغسله ثم تصلي فيه، ففيه دليل على وجوب تطهير الثوب من النجاسة، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أتى بصبي لم يأكل الطعام فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه (4) ،
وأما البقعة
(1) سورة المائدة، الآية:6.
(2)
تقدم تخريجه ص 95.
(3)
تقدم تخريجه ص 80.
(4)
أخرجه البخاري: كتاب الوضوء / باب بول الصبيان، ومسلم: كتاب الطهارة / باب حكم بول الطفل الرضيع..
ففي حديث أنس – رضى الله عنه - قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه (1) .
إذن لابد أن يتجنب الإنسان النجاسة في بدنه، وثوبه، وبقعته التي يصلى عليها، فإن صلى وبدنه نجس أي قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه نجس، أن بقعته نجسه فصلاته غير صحيحة عند جمهور العلماء لكن لو لم يعلم بهذه النجاسة، أن علم بها ثم نسي أن يغسلها حتى تمت صلاته فإن صلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذاب يوم فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال:((إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً)) (2) . ولو كانت الصلاة تبطل باستصحاب النجاسة حال الجهل لا ستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.
إذن اجتناب النجاسة في البدن، والثوب، والبقعة شرط لصحة الصلاة، لكن إذا لم يتجنب الإنسان النجاسة جاهلاً، أو ناسياً فإن صلاته صحيحه سواء علم بها قبل الصلاة ثم نسي أن يغلسها، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسياً أن جاهلاً، حيث أمرنا من صلى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً بالإعادة، ولم
(1) تقدم تخريجه ص 404.
(2)
تقدم تخريجه ص 303.
نأمر الذي صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً بالإعادة؟
قلنا: الفرق بينهما أن الوضوء أو الغسل من باب فعل المأمور، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور، وترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل والنسيان بخلاف فعل المحظور.
ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة لقوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(1) فاستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ن ومن صلى إلى غير القبلة فصلاته باطلة غير صحيحة، ولا مبرئة لذمته إلا في أحوال أربع:
الحال الأولى: إذا كان عاجزاً عن استقبال القبلة، مثل أن يكون مريضاً ووجهه إلى غير القبلة، ولا يتمكن من الانصراف إلى القبلة فإن صلاته تصح على أي جهة كان لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(2) . وهذا الرجل لا يستطيع أن يتحول إلى القبلة لا بنفسه ولا بغيره.
الحال الثانية: إذا كان خائفاً من عدو وكان هارباً واتجاهه إلى غير القبلة ففي هذه الحال يسقط عنه استقبال القبلة لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً)(3) . ومعلوم أن الخائف قد يكون اتجاهه إلى القبلة، وقد يكون اتجاهه إلى غير القبلة فإذا رخص الله له في الصلاة راجلاً أو راكباً فمقتضى ذلك أن يرخص له في الاتجاه إلى غير القبلة إذا
(1) سورة البقرة، الآية:144.
(2)
سورة التغابن، الآية:16.
(3)
سورة البقرة، الآية:239.
يخاف على نفسه إذا أتجه للقبلة.
الحال الثالثة: إذا كان في سفر أراد أن يصل النافلة فإنه يصلي حيث كانت جهة سفره، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في السفر على راحلته حيث كان وجهه، إلا أنه لا يصلي عليها المكتوبة، ففي النافلة يصلي المسافر حيث كان وجهه بخلاف الفريضة، فإن الفريضة يجب عليه أن يستقبل القبلة فيها في السفر كما يجب عليه ذلك في الحضر.
الحال الرابعة: إذا كان قد اشتبهت عليه القبلة فلا يدري أي الجهات تكون القبلة، ففي هذه الحال يتحرى بقدر ما يستطيع ويتجه حيث غلب على ظنه أن تلك الجهة هـ القبلة ولا إعادة عليه لو تبين له فيما بعد أنه مصل إلى غير القبلة.
وقد يقول قائل: إن هذه الحال لا وجه لاستثنائها لأننا نلزمه أن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها القبلة ولا يضره إذا لم يوافق القبلة، لأن هذا منتهى قدرته واستطاعته وقد قال الله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(1) . وقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم)(2) .
وعلى كل حال فإننا سواء جعلناها مما يستثنى، أن مما لا يستثنى فإن الإنسان فيها يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع وأن يتحرى الصواب ويعمل به.
ولكن هاهنا مسألة وهي: إنه يجب أن نعرف أن استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة، وإما إلى جهتها، فإن كان الإنسان
(1) سورة البقرة، الآية:286.
(2)
سورة التغابن، الآية:16.
قريباً من الكعبة يمكنه مشاهدتها ففرضه أن يستقبل عن الكعبة لأنها هي الأصل، وأما إذا كان بعيداً لا يمكنه مشاهدة الكعبة، فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة وكلما بعد الإنسان عن مكة كانت الجهة في حقه أوسع، لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل المدينة:((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) (1) . وذكر أهل العلم أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر، والجهات معروف أنها أربع: الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقاً أو غرباً كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، وإذا كان عن الكعبة شمالاً أو جنوباً صارت القبلة في حقه ما بين الشرق والغرب، لأن الواجب استقبال الجهة، فلو فرض أن الإنسان كان شرقاً من مكة واستقبل الشمال فإن ذلك لا يصح، لأنه جعل القبلة عن يمينه، وكذلك لو كان من أهل الشمال واستقبل الغرب فإن صلاته لا تصح، لنه جعل القبلة عن يساره، ولو استقبل الشرق فإن ذلك لا يصح، لأنه جعل القبلة عن يمينه.
وقد يسر الله لعباده في هذا الوقت وسائل تبين القبلة بدقه ومجربة فينبغي للإنسان أن يصطحب هذه الوسائل معه في السفر لأنها تدله على القبلة إذا كان في حال لا يتمكن فيها من معرفة القبلة، وكذلك ينبغي لمن أراد إنشاء مسجد أن يتبع ما تقتضيه هذه الوسائل المجرية والتي عرف صوابها.
ومن شروط الصلاة: النية، والنية محلها القلب، واشتراط النية
(1) تقدم تخريجه ص 414.
إنما يذكر من أجل التعيين والتخصيص، أما من حيث الإطلاق فإنه لا يمكن لأحد عاقل مختار أن يقوم فيتوضأ ثم يذهب ويصلي لا يمكن أن يفعل ذلك إلا وقد نوى الصلاة، لكن الكلام على التعيين، فالتعيين لابد منه في النية، فينوي الظهر ظهراً، والعصر عصراً، والمغرب مغرباً، والعشاء عشاءً، والفجر فجراً، ولا تكفي نية الصلاة المطلقة، لأن نية الصلاة المطلقة أعم من نية الصلاة المعينة، فمن نوى الأعم لم يكن ناوياً للأخص، ومن نوى الأخص كان ناوياً الأعم لدخوله فيه ولهذا نقول: إذا انتقل الإنسان من مطلق إلى معين، أو من معين إلى معين بقيت نية الإطلاق، وإن كان من معين إلى معين بطل الأول ولم ينعقد الثاني، وإن انتقل من معين إلى مطلق بطل المعين وصح المطلق، لأن المعين متضمن للإطلاق فإذا ألغي التعيين بقي الإطلاق، ونوضح ذلك بالأمثلة:
رجل يصلي ناوياً نفلاً مطلقاً، ثم أراد أن يقلب النية في أثناء الصلاة إلى نفل معين، أراد أن يجعل هذا النفل المطلق راتبة فهنا نقول: لا تصح الراتبة، لأن الراتبة لابد أن تكون منية من قبل تكبيرة الإحرام وإلا لم تكن راتبة، لأن الجزء الأول الذي خلا من نية الراتبة وقع بغير نية الراتبة.
لكن لو كان يصلي راتبة ثم نواها نفلاً مطلقاً وألغى نية التعيين صح ذلك، وذلك لأن الصلاة المعينة تتضمن نية التعيين، ونية الإطلاق فإذا ألغى نية التعيين بقيت نية الإطلاق.
مثال آخر: رجل دخل بنية العصر ثم ذكر أثناء الصلاة
أنه لم يصل فيحول نيته من العصر إلى الظهر فهنا لا تصح لا صلاة الظهر، ولا صلاة العصر، أما صلاة العصر فلا تصح لأنه قطعها، وأما صلاة الظهر فلا تصح لأنه لم ينوها من أولها، لكن إذا كان جاهلاً صارت هذه الصلاة في حقه نفلاً، لأنه لما ألغى التعيين بقي الإطلاق.
مثال ثالث: صلى بنية الراتبة ثم بدا له في أثنائها أن يجعلها نفلاً مطلقاً صح، لأن نية الراتبة تتضمن الإطلاق والتعيين، فإذا ألغى التعيين بقي الإطلاق.
والخلاصة: أنني أقول إن النية المطلقة في العبادات لا أظن أحداً لا ينويها أبداً، وإذ ما من شخص يقوم فيفعل إلا وقد نوى، لكن الذي لا بد منه هو نية التعيين والتخصيص.
ومن المسائل التي تدخل في النية: نية الإمامة بعد أن كان منفرداً أو الائتمام بعد أن كان منفرداً وهذا فيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا بأس به، فنية الإمام بعد أن كان منفرداً مثل أن يشرع الإنسان في الصلاة وهو منفرد ثم يأتي رجل آخر يدخل معه ليصيرا جماعة فلا بأس بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي من الليل وكان ابن عباس – رضى الله عنهما – نائماً ثم قام ابن عباس فتوضأ ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم (1) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم. والأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، لو شرع الإنسان يصلي وحده ثم جاء آخر فدخل معه ليجعله إماماً له فلا بأس، فيكون الأول إماماً والثاني مأموماً، وكذلك بالعكس لو أن أحداً شرع في الصلاة منفرداً ثم جاء جماعة فصلوا جماعة فانضم إليهم فقد انتقل من
(1) تقدم تخريجه ص 446.
انفراد إلى ائتمام وهذا أيضاً لا بأس به، لأن الانتقال هنا ليس إبطالاً للنية الأولى ولكنه انتقال من وصف إلى وصف فلا حرج فيه.
فهذه الشروط التي ذكرناها أهم الشروط التي ينبغي الكلام عليها وإلا فهناك شروط أخرى كالإسلام والتمييز والعقل لكن هذه شروط في كل عبادة.
* * *
فصل (1)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي واسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
الصلاة: تلك العبادة العظيمة، التي استهان بها كثير من الناس اليوم حتى حق عليهم قول الله تعالى:(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً 59)(2) .
وإنه ليحدث للإنسان العجب الذي لا ينقضي أن تجد بعض الناس يحرصون غاية الحرص على الصيام، ولكنهم لا يحرصون على الصلاة، حتى إنه قيل لي إن بعض الناس يصوم ولا يصلي.
وإنني أشهد الله أن هذا الذي يصوم ولا يصلي أن صومه باطل غير مقبول منه بما أعلمه من دلالة الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والنظر الصحيح من أن تارك الصلاة كافراً مخرجاً من الملة، وإذا كان كافراً كفراً مخرجاً من الملة، لم ينفعه صومه، ولا صدقته، ولا حجه، ولا أي عمل صالح، يقول الله تبارك وتعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً 23)(3) . ويقول تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)(4) . النفقات التي نفعها متعد، لا تقبل إذا صدرت من كافر مع أن نفعها متعد،فكيف بالعبادات القاصرة كالصوم؟ فإنه لا يقبل من باب أولى.
(1) من دروس المسجد الحرام.
(2)
سورة مريم، الآية:59.
(3)
سورة الفرقان، الآية:23.
(4)
سورة التوبة، الآية:54.
هذه الصلاة التي هي أعمال يسيرة، وذات آثار حميدة لو أننا أحصينا المدة التي يكون فيها أداء الصلاة بشرائطها وفروضها فكم تكون نسبة وقتها إلى أوقاتنا؟
تكون على أقصى تقدير 6.25% من اليوم، فهذا جزء بسيط في عمل عظيم جليل له آثار حميدة على الإنسان في حياته، وفي قبره، وفي حشرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة نور)) (1) . أي نور على القلب، وإذا استنار القبل استنار الوجه وانشرح الصدر، ولهذا قال الله تعالى:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(2) .
وإذا حزب الإنسان أمر وضاق عليه فإنه يفزع إلى الصلاة،وذلك لأن القلب يستنير بالصلاة، فيستنير الوجه وينشرح الصدر، ويجد الإنسان الدنيا أمامه سعة ولا نهاية لها.
والصلاة نور في القبر، والقبر ظلمة لا يرى الإنسان شمساً ولا قمراً ن فإذن كان الإنسان من المصلين كان قبره نوراً، وكذلك هي نور في الحشر، قال تعالى:(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)(3)
وكانت الصلاة نوراً، لأن الإنسان يتصل بها بالله – عز وجل – فالإنسان عندما يقف ليصلي، فإنه يناجي ربه عز وجل، وهو على عرشه يسمعه ويجيبه، كما قال عز وجل في الحديث القدسي " ((قسمت
(1) أخرجه مسلم: كتاب الطهارة / باب فضل الوضوء.
(2)
سورة البقرة، الآية:45.
(3)
سورة الحديد، الآية:12.
الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل، أثني علي عبدي. فإذا قال مالك يوم الدين، قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل (1) .
والله إن أثر هذه المناجاة عظيم لا يعدله شيء، ولكن نشكو إلى الله – عز وجل – ما نجده في قلوبنا من الغفلة واللهو، ولا سيما إذا وقفنا بين يديه في الصلاة لا نجد الوساوس والهواجس التي تعتبر لغواً من التفكيرات، إلا إذا دخلنا الصلاة، لأن الشيطان في تلك الحال يحرص غاية الحرص على أن يصدنا عن الله – عز وجل، وعن الصلة به، من أجل هذه الصلة كانت الصلاة نوراً يكتسب بها الإنسان نوراً في قلبه، ويبدو ذلكم على وجهه، ثم في قبره وحشرة.
إقام الصلاة
وهو أن يأتي بها الإنسان مستقيمة على الوجه الذي جاءت به الشريعة ويدخل في ذلك أمور:
أولاً: الصلاة على وقتها:
وأوقات الصلاة خمسة: أشار إليها الله في القرآن إجمالاً، وجاءت بها السنة تفصيلاً فقال تعالى:(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ)(2) ، لدلوك الشمس أي لزوالها، ((إلى غسق
(1) تقدم تخريجه ص 150.
(2)
سورة الإسراء، الآية:78.
الليل)) أي إلى نصف الليل، لأن تمام الغسق – وهو الظلمة – يكون في وسط الليل، فهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل لا تخلو لحظة من وقت الصلاة.
وتفصيل ذلك جاءت به السنة، فوقت الظهر: من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر: من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس اختيارياً، وإلى الغروب اضطراراً، ووقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وهو الحمرة التي تعقب غروب الشمس، ووقت العشاء: من مغيب الشفق إلى نصف الليل.
وهذه الأوقات الأربعة المتصل بعضها ببعض قد دل عليها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الثابت في حديث مسلم، أما الوقت الخامس فقال الله تعالى:(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) لكن الله – عز وجل – عبر عن الفجر بقرآنه، لأن القراءة تطول في صلاة الفجر.
وبهذا نعرف أن ما بين الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة، فلو أن امرأة طهرت من الحيض بعد منتصف الليل فلا تلزمها صلاة العشاء، لأنها طهرت بعد الوقت، كما أنها لو طهرت بعد طلوع الشمس لم تلزمها صلاة الفجر، لأنها طهرت بعد الوقت. هذه الأوقات الخمسة، لو صلى الإنسان الصلاة قبل وقتها بقدر
تكبيرة الإحرام، فلا تصح صلاته، لأنه ابتدأها قبل دخول الوقت، ولو أن أحداً أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي، فلا تصح صلاته، كما لو تعمد رجل أن لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس وصلى الفجر، فإن الصلاة لا تقبل منه ولا يشرع له قضاؤها، لأنه لا فائدة له من القضاء، وعليه التوبة إلى الله، عز وجل – فإن التوبة تجب ما قبلها وهذا الكلام مبني على قاعدة مؤسسة على دليل وهي:((كل عبادة مؤقتة إذا فعلها الإنسان في غير وقتها سواء قبله أو بعده فإنها لا تصح ولا تقبل منه)) ، لأن الله أمر بجعلها في هذا الوقت – ما بين الوقتين أول الوقت وآخره، فإذا أخرتها عن الوقت أو قدمتها على الوقت، فإنك حينئذ لم تكن قد فعلت ما أمرت به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (1) . وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن الإنسان إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها لم تقبل منه، وإن صلاها ألف مرة.
بخلاف من أخرها عن وقتها لعذر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) (2) . ولهذا لما نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح في أحد أسفاره، فلم يستيقظ إلا بعد ارتفاع الشمس، أمر بلال فأذن ثم صليت النافلة، ثم صليت الفريضة، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم جماعة (3) ، لأنه إنما يقضي شيئاً فائتاً فيقضيه على صفته.
(1) تقدم تخريجه ص 21.
(2)
تقدم تخريجه ص 16.
(3)
تقدم تخريجه ص 27.
ثانياً الطهارة لها:
ومن إقامة الصلاة أن يقوم الإنسان بما يجب لها من الطهارة، ويدل لذلك الكتاب، والسنة، والإجماع.
فمن الكتاب قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 6)(1) .
ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) (3) .
وقد بين الله تعالى في الآية الكرمية أن الطهارة نوعان: أصل، وبدل، فالأصل طهارة الماء، والبدل طهارة التيمم، وبين الله – عز وجل – أن طهارة الماء تنقسم إلى قسمين: كبرى، وصغرى، أما طهارة التيمم فهي على صفة واحدة في الكبرى والصغرى.
الطهارة الصغرى بالماء تطهير أربعة أعضاء فقط هي:
أولاً: الوجه وحده طولاً من منحنى الجبهة، إلى أسفل اللحية، وعرضاً من الأذن إلى الأذن.
(1) سورة المائدة، الآية:6.
(2)
تقدم تخريجه ص 371.
(3)
تقدم تخريجه ص 400.
ثانياً: اليد وقد حددها الله – عز وجل – فقال: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)(1) و (إلى) هنا بمعنى (مع) مثل قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)(2) أي مع أموالكم،ولا شك أن المرفق داخل في الغسل كما بينت ذلك السنة فإن أبا هريرة – رضى الله عنه – توضأً فغسل يديه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هكذا (3) .
وهنا أقف لأنبه على مسألة يفعلها بعض الناس، إذا جاء يغسل يده لا يغسل إلا الذراع، خصوصاً إذا جعلها تحت البزبوز – أي صنبور الماء – تجده يغسل الذراع ويدع الكف وهذا خطأ عظيم، لأنه إذا غسل الذراع فقط دون الكف، فإنه لا يصدق عليه أنه غسل يده، لأنه سبحانه وتعالى قال (وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) .
ثالثاً: (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) ، ومسح الرأس يعم جميع الرأس، ولا يمسح بعضه إلا إذا كان عليه عمامة، فإنه يمسح العمامة وما خرج من الرأس، وحينئذ يكون مسح على بعض الرأس مع مسح العمامة.
رابعاً: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) والكعبان هما العظمان النائتان أسف الساق، ويدخل الكعبان في الغسل مع الأرجل، وفي الآية الكريمة (وَأَرْجُلَكُمْ) قراءتان الأولى بالكسر (وَأَرْجُلَكُمْ) والثانية بالنصب (وَأَرْجُلَكُمْ) وعلى هذه القراءة تكون الأرجل معطوفة على (
(1) سورة المائدة، الآية:6.
(2)
سورة النساء، الآية:2.
(3)
أخرجه مسلم: كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة.
وُجُوهَكُمْ) ولا إشكال.
أما على القراءة الأولى وهي الكسر (وَأَرْجُلَكُمْ) فإنها تكون معطوفة على الرأس (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) .
كيف يتطهر الجنب؟
قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يبين شيئاً أكثر من قوله (فَاطَّهَّرُوا) .
إذن فالجنب يغسل جميع جسمه، ولو كان غير مرتب.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في اغتساله يبدأ فيتوضأ، ثم يحثو على رأيه الماء ثلاثاً، ثم يغسل بقية بدنه، أفلا يمكن أن يقال: إن الآية مجملة والسنة قد فصلت ذلك، فيحمل المجمل على الفصل.
فيجاب على ذلك: بأنه قد ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن الحصين في قصة نقص الماء عليهم، حتى وجدوا الماء مع امرأة مشركة، وجئ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة، فاستقوا وسقوا الإبل، وكان في الصحابة رجل، رآه انبي صلى الله عليه وسلم معتزلاً لم يصل مع القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما منعك أن تصلي معنا؟ فقال يا رسول الله: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد، فإنه يكفيك)) ولما جاء الماء وبقي منه بقية قال صلى الله عليه وسلم للرجل: ((خذ هذا فإفرغه على نفسك)) (1) .
ولم يقل له أفعل كذا وكذا في اغتسالك، فدل هذا على أن الجنب لا يلزمه الترتيب في الغسل.
(1) تقدم تخريجه ص 403.
كيف يتيمم مع عدم الماء؟
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(1) .
فإذا لم يجد الإنسان الماء فإنه يتيمم.
وكيفيته: أن يضرب التراب بيديه، أو الأرض، وإن لم يكن تراباً ويمسح وجهه كاملاً ويديه الكفين فقط، لأن اليد إذا أطلقت يراد بها الكف فقط، قال تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)(2) .
ومعلوم أن السارق إنما يقطع من مفصل الكف.
ولا يختلف كيفية التيمم سواء بالنسبة للحدث الأصغر أو الأكبر، ولهذا قال عز وجل:(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) . بعد ذكر الطهارتين الصغرى والكبرى.
وفي قوله تعالى: (مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) دليل على أن التيمم مطهر وليس مبيحاً كما ذهب إليه بعض العلماء، والفرق بين القولين أن الذين قالوا إنه مبيح يقولون: إنه مقيد بالزمن والنوع، أي إذا تيمم الإنسان للصلاة وخرج الوقت بطل
(1) سورة المائدة، الآية:6.
(2)
سورة المائدة، الآية:38.
التيمم، وإذا تيمم الإنسان للنافلة، فلا يصلي الفريضة، لأن نوع الفرائض أعلى من نوع النوافل، ولكن الصحيح أن التيمم مطهر، وعلى هذا إذا تيممت للنافلة فصل به الفريضة، وإذا تيممت للصلاة وخرج وقتها ولم يحدث، فإن التيمم لا يبطل، لهذا يمكن للإنسان أن يصلي بالتيمم الواحد جميع الصلوات الخمس إذا لم يحدث.
لكن هذا التطهير مخصوص بما إذا لم يجد الماء فإذا وجد الماء فإنه لابد أن يستعمله، فإن كان تيممه عن جنابة، ثم وجد الماء وجب عليه أن يغتسل، والدليل على ذلك حديث عمران بن الحصين الذي ذكرناه آنفاً فإن هذا الرجل قد تيمم عن الجنابة، ومع ذلك أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغتسل لما وجد الماء، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة:((الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجب فليتق الله ولمسه بشرته)) (1) .
فعلى هذا نقول: إذا وجد الماء،أو برئ من المرض، وجب عليه إعادة الطهارة، لو أن مريضاً صار عليه الجنابة، وقال له الأطباء بأن الغسل يضرك، فإنه يتيمم، فإذا شفاه الله – عز وجل – من المرض، وجب عليه أن يغتسل، لأن هذه الطهارة مؤقتة.
فإذا قدر أن رجلاً لم يجد ماء ولا تراباً ن مثل أن يكون محبوساً، أو مأسوراً على سرير وما أشبه ذلك، فإننا نقول له صلى الله عليه وسلم على حسب حالك، لأن الوقت من أهم شروط الصلاة.
وهنا مسألة يجب التنبيه لها، ولاسيما بالنسبة للمرضى حيث إن
(1) تقدم تخريجه ص 260.
كثيراً من المرضى لا يستطيعون الوضوء، وليس عندهم تراب، ولا يستطيعون التيمم، وربما على ثيابهم نجاسة، فنجد الواحد منهم يقول: أصبر حتى يعافيني الله – عز وجل – وأتوضأ وأغسل ثيابي وما أشبه ذلك.
نقول لهذا: إن تأخير الصلاة حرام عليك، وما يدريك فلعلك تموت من هذا المرض قبل أن تصلي؟ فالواجب أن تصلي على حسب حالك، ولو كان عليك نجاسة لا تستطيع إزالتها، ولو لم يكن عندك ماء تتوضأ به، ولا يمكن أن تتيمم.
المحافظة على ستر العورة في الصلاة:
الواجب على الإنسان عند الصلاة أن يلبس ثيابه لقوله تعالى (: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(1) .
وذكر ابن عبد البر – رحمه الله – أن العلماء أجمعوا على فساد من صلى عرياناً وهو قادر على ستر عورته، وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، وكذلك الأنثى غير البالغة، أما المرأة الحرة البالغة فكلها عورة في الصلاة إلا وجهها، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه – إلا إذا كان حولها رجال أجانب، فلا يحل لها كشف الوجه ووجب عليها أن تغطيه.
وعورة الصبي من سبع سنين إلى عشر سنين الفرجان فقط، وتصح إمامته الصبيان مثله، وكذلك تصح إمامته لرجال بالغين، ففي صحيح البخاري أن عمر بن سلمة الجرمي أم قومه وهو ابن ست، أو
(1) سورة الأعراف، الآية:31.
ابن سبع سنين (1) ، لأنه كان أقرأهم. وتسمى هذه العورة بالعورة المخففة.
ويجب أن تستر العورة بثوب طاهر مباح، لا يصف البشرة، فإذا كان الثوب نجساً، فلا يجوز أن تستر به العورة، ولو صلى به الإنسان فصلاته باطلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم وكان عليه الصلاة والسلام يلبس نعليه في الصلاة، فجاءه جبريل فأخبره أن في نعليه أذى، فخلعهما، وخلع الصحابة نعالهم، فلما انصرف من صلاته قال:((ما شأنكم)) ؟ قالوا: رأيناك خلعت نعالك فخلعنا نعالنا، فقال:((إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيها أذى فخلعتها)) (2) .
وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان إن يلبس شيئاً نجساً، ولكن لو أن أحداً صلى بثوب نجس وهو لا يدري أنه نجس، فصلاته صحيحه، مثل أن لا يعلم بالنجاسة إلا بعد أن صلى فصلاته صحيحة، ودليل ذلك قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(3) .
وكذلك الحديث السابق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة.
ولو علم الإنسان بالنجاسة وهو يصلي، فإن كان يمكن أن يخلعه مع بقاء العورة مستور فليفعل، أما إذا كان لا يمكن أن يخلعه إلا بانكشاف العورة، فيجب عليه أن ينصرف من صلاته، وأن يلبس ثوباً آخر.
ومن شروط الساتر أن يكون الثوب مباحاً، فيحرم على
(1) أخرجه البخاري: كتاب المغازي / باب من شهد الفتح.
(2)
تقدم تخريجه ص 303.
(3)
سورة البقرة، الآية:286.
الرجل أن يلبس ثوب حرير، فإن الحرير محرم على الرجال، فإذا صلى الإنسان بثوب حرير فإن صلاته لا تصح، لأنه غير مأذون في لبسه، وكذلك لا تصح الصلاة في ثوب مغصوب أو مسروق، أو ثوب فيه تصاوير.
ومن الشروط أيضاً أن لا يصف البشرة، أي لا يكون خفيفاً بحيث يرى من ورائه لون الجلد، وهنا أنبه على مسألة خطيرة يفعلها بعض الناس في أيام الصيف، يلبس ثوباً خفيفاً وسروالاً قصيراً إلى نصف الفخذ يرى من ورائه لون الجلد،فإذا صلى الإنسان على هذا الوجه فصلاته باطلة، لأنه لم يتم الستر، ولا يتم الستر إلا بثوب صفيق.
ثالثاً استقبال القبلة:
ومن إقامة الصلاة استقبال القبلة لقول الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(1) .
قال أهل العلم: فمن أمكنه مشاهدة الكعبة، وجب عليه أن يتجه إلى نفس الكعبة، ومن لا يمكنه وجب عليه أن يتجه إلى جهتها، فالبعيد عن الكعبة ولو كان في مكة فرضه أن يتجه إلى جهة الكعبة، لأنه لا يمكنه مشاهدتها.
وهنا أنبه على ما نشاهده في المسجد الحرام: نشاهد كثيراً من المصلين في المصابيح – أي في الجانب المسقوف بل ويصلون أحياناً في الصحن – أي الجانب المكشوف – فتجدهم يتجهون إلى غير
(1) سورة البقرة، الآية:150.
عين الكعبة، وهذا يقتضي أن تكون صلاتهم باطلة، لأنه لابد أن يتجهوا إلى عين الكعبة – أي إلى البناية نفسها. .
وهنا سؤال هل يصح الاتجاه إلى الحجر.
قال العلماء: الحجر ليس كله من الكعبة بل الذي من الكعبة مقدار ستة أذرع ونصف تقريباً، الزائد ليس من الكعبة، فإذا اتجهت إلى طرف الحجر مما يلي البناية القائمة، فإن اتجاهك صحيح وسليم.
هذا الحجر يسميه كثير من العوام حجر إسماعيل، ولكن هذه التسمية خطأ ليس لها أصل، فإن إسماعيل لم يعلم عن هذا الحجر، لأن سبب هذا الحجر أن قريشاً لما بنت الكعبة، وكانت في الأول على قواعد إبراهيم ممتدة نحو الشمال، فلما جمعت نفقة الكعبة وأرادت البناء، قصرت النفقة فصارت لا تكفي لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فقالوا نبني ما تحتمله النفقة، والباقي نجعله خارجاً ونحجر عليه حتى لا يطوف أحد من دونه، ومن هنا سمى حجراً، لأن قريشاً حجرته حين قصرت بها النفقة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة – رضى الله عنها -: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابين، باب يدخل منه الناس، وباباً يخرجون منه)) (1) .
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي وهي على ما كانت عليه، لها باب مرتفع من جانب واحد، ولها هذا الحجر.
والحمد لله الذي كان الأمر على ما كان عليه، لأنه لو بنيت الكعبة على ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم – لولا المانع – لكان في هذا مشقة عظيمة على
(1) تقدم تخريجه ص 387.
الناس، لاسيما في مثل زماننا هذه، أزمان الجهل والغشم وعدم المبالاة بعاد الله، ولو كانت الكعبة كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم لها بابان يدخل منه الناس وباب يخرجون منه لتقاتل الناس عند الخروج والدخول.
ولكن ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام من كون الكعبة يكون لها بابان أحدهما للدخول والآخر للخروج، فإنه قد تحقق في الواقع، فالحجر الآن له بابان، أحدهما للدخول والآخر للخروج، مع أنه مكشوف واسع، وهذا من نعمة الله.
واستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ولكن بشروط:
الأول: أن يكون الإنسان قادراً عليها، فإن كان عاجزاً لم يجب عليه استقبال القبلة، مثل أن يكون مريضاً وليس عنده من يوجهه إلى القبلة، فنقول له: اتجه حيثما كان وجهك؟
الثاني: إذا كان الإنسان خائفاً لو استقبل القبلة، مثل أن يكون هارباً من عدون، أو هارباً من سيل، أو هارباً من نار، فحان وقت الصلاة وهو هارب على وجهه، ففي هذه الحال نقول: صلى على حسب حالك، وأتجه حيثما كان وجهك، والسبب في ذلك أنه يعتبر عاجزاً عن القبلة في هذه الحال.
الثالث: أن يكون في تطوع في سفر، فإن كان متطوعاً في سفر، فإنه يصلي حيث كان وجهه، ولا يجب عليه استقبال القبلة.
وبناء على ذلك فإن كنت في السيارة وأردت أن تطوع، فلك أن تصلي حيث كان وجهك، ولا حرج عليك سواء كنت راكباً أو سائقاً، إلا أن السائق يخشى إذا اشتغل بالصلاة أن يغفل عن واجب الانتباه في القيادة، ويكون معرضاً نفسه ومن معه للخطر.
وإذا كان الإنسان في الطائرة، وحان وقت الفريضة، فإن أمكن أن يأتي بالفريضة مستقبلاً القبلة، يقوم في القيام، ويركع في الركوع، ويسجد في السجود، فليصل في الطائرة ولا حرج، أما إذا كان لا يمكنه الاستقبال، ولا يمكن القيام، والركوع، ولا السجود، فإنه يصلي الفريضة، إلا إذا خاف الوقت، فإذا لم يخف فوات الوقت، فلينظر حتى يهبط ويصلي الفريضة على الأرض.
وأما النافلة، فله أن يصليها على الطائرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به.
وإذا كان الإنسان في بلد وهو لا يعرف القبلة فليسأل، ولا يجتهد كما قال بعض العلماء، لأن الاجتهاد إنما يصار إليه عند الحاجة إليه.
وإن صلى الإنسان باجتهاده ثم تبين الخطأ فإن المعروف عند أهل العلم أنه يعيد، قالوا: لأن الحضر ليس محلاً للاجتهاد، بخلاف ما إذا كان في السفر واجتهد متحرياً القبلة وتبين الخطأ فإنه لا يعيد لقول الله تعالى:(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(1) .
رابعاً: الطمأنينة:
ومن إقامة الصلاة أن يأتي بها الإنسان مطمئناً في القيام، والقعود والركوع والسجود.
ومعنى الطمأنينة: التأني بحيث يستقر كل فقار في مفصله، فإن أسرع في الصلاة على وجه لا طمأنينة فيها، فإن صلاته باطلة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان الرجل لا يطمئن في صلاته قال له:((أرجع فصل فإنك لم تصل)) . فرجع
(1) سورة البقرة، الآية:115.
الرجل وصلى ثم رجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فسلم عليه فقال له:((أرجع فصل فإنك لم تصل)) فرجع فصلى ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((أرجع فصل فإنك لم تصل)) . فرجع الرجل فصلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((إذا قمت للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم أركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تطمئن قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) (1) .
والشاهد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول له في كل ركن: ((حتى تطمئن)) إذن لابد من الطمأنينة.
ونحن نشاهد كثيراً من الناس لا يطمئنون، ولاسيما في القيام بعد الركوع، أو في الجلوس بين السجدتين، هؤلاء لو صلوا ألف مرة على وجه لا طمأنينة فيه، فإنه لا صلاة لهم، ولذلك من حقهم علينا إذا رأيناهم أن نبين لهم، لأنهم قد يكونون على جهل، فنبين لهم الحق.
ثم إن الواجب في حال الصلاة أن يتدبر الإنسان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينف الصلاة في قوله: ((لم تصل)) إلا لأنتقاء واجب فيها، لأن الشئ لا يمكن أن ينفى إلا بانتفاء واجب فيه، فلا ينفى لانتفاء مستحب)) اللهم إلا بدليل يدل على ذلك.
(1) أحرجه البخاري: كتاب الصلاة / باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((أقرأ ما تيسر معك من القرآن)) ليس معناه أن يقرأ الإنسان آية أو آيتين، ثم يركع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أقرأ ما تيسر معك من القرآن)) وبين في أحاديث أخرى أنه لابد من قراءة الفاتحة حيث قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) (1) . وفي حديث آخر: ((كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)) (2) . والخداج: الشيء الفاسد الذي لا نفع فيه.
ولا تسقط الفاتحة إلا في صورة واحدة فقط، وهي ما إذا جاء الإنسان إلى المسجد ووجد الإمام راكعاً، فإنه في هذه الحال يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يركع وتسقط عنه الفاتحة في هذه الصورة.ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة – رضى الله عنه - أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فأسرع ثم ركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم سأل من الذي فعل ذلك؟ فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(زادك الله حرصاً ولا تعد)) (3) . والشاهد قوله: (لا تعد) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي الركعة التي أسرع إليها ليدرك ركوعها، ولو كان لم يدركها لبين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.
ولهذا لما صلى الرجل الذي لا يطمئن قال له: ((أرجع فصل فإنك
(1) أخرجه البخاري: كتاب صفة الصلاة / باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها،ومسلم: كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2)
أخرجه مسلم: كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(3)
أخرجه البخاري: كتاب صفة الصلاة / باب إذا ركع دون الصف.
لم تصل)) (1) . وهذا القول هو مقتضى الحديث من حيث الدلالة كما أنه مقتضى النظر من حيث القياس، لأن قراءة الفاتحة إنما تجب في حال القيام، والقيام في هذه الصورة قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط ماوجب فيه، وهو قراءة الفاتحة، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
أما إذا كان الإنسان مأموماً فهل يكتفي بقراءة الإمام؟
الجواب: إن فيه خلافاً بين العلماء فمنهم من قال: إن قراءة الإمام تكفي عن قراءة المأموم مطلقاً، في السرية والجهرية، ومنهم من قال: إنها لا تكفي عن قراءة المأموم،لا في السرية ولا في الجهرية، ومنهم من قال: إنها تكفي عن قراءة المأموم، في الجهرية والسرية.
والذي يظهر لي من الأدلة أن قراءة الإمام لا تسقط القراءة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية، وأن الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية، لعموم الأدلة الدالة على ذلك التي ذكرناها آنفاً، مثل حديث ((كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج)) (2) وهذا مطلق.
فإن قال قائل: لماذا لا نختار القول الوسط في هذه المسألة ونقول إن الإمام يتحملها في الصلاة الجهرية لقول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 204)(3) . فإذا قرأ الإمام فأنا مأمور بالإنصات وقراءتي على خلاف هذا الأمر؟
(1) تقدم تخريجه ص 494.
(2)
تقدم تخريجه ص 495.
(3)
سورة الأعراف، الآية:204.
فالجواب: أن هذا القول يجب المصير إليه، لولا أن أهل السنن رووا من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما انصرف قال:((لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) (1) .
وهذا الحديث نص في أن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم في الصلاة الجهرية، ومادام الحديث قد دل على ذلك فإن الآية المشار إلها تحمل على غير قراءة الفاتحة، وإن الإمام إذا كان يقرأ فإنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ سوى الفاتحة، كالآيات أو السور التي يقرؤها الإمام أو غيرها.
خامساً: صلاة الجماعة:
ومن إقامة الصلاة إن يصليها الإنسان في جماعة، فإن الجماعة واجبة على الرجال في الحضر وفي السفر، لأن الأدلة الدالى على وجوبها لم تقيد ذلك في الحضر، بل إن الله أمر بإقامة الجماعة في حال القتال فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ)(2) .
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قتاله خارج المدينة في سفر، ولم يسقط الله سبحانه وتعالى الجماعة عنهم في حال القتال، فدل هذا على
(1) أخرجه الإمام أحمد 5/313، و321 و322، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (824)، والترمذي: أبواب الصلاة، باب ما جاء في القراءة خلف الإمام (311) وقال: هذا حديث حسن.
(2)
سورة النساء، الآية:102.
وجوب الجماعة على المسافر كما تجب على المقيم.
وما نشاهده كثيراً من وجود أناس مسافرين عند المساجد في الأسواق فإذا قلت له: هيا للصلاة قال لك إنه مسافر. يظن أن الجماعة تسقط عن المسافر، هذا خطأ، بل الواجب أن يصلي المسافر وغير المسافر مع جماعة المسلمين.
حال المأموم مع الإمام
حال المأموم مع إمامه تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: مسابقة.
الثاني: تخلف.
الثالث. موافقة.
الرابع. متابعة.
القسم الأول: المسابقة:
وهي أن يصل المأموم إلى الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع قبل ركوع الإمام، أو يسجد قبل سجود الإمام، أو يرفع من الركوع قبل رفع الإمام، أو يرفع من السجود قبل رفع الإمام.
وهذا الذي يسبق الإمام قد عرض نفسه للعقوبة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي: ((أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يحول صورته صورة حمار)) (1) . وظاهر الحديث أنه حسا يعني أن يكون رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار.
(1) أخرجه البخاري: كتاب الجماعة والإمامة، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام، ومسلم: كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بذلك التحويل المعنوي بأن يجعل رأسه رأس حمار أي رأساً بليداً، لأن الحمار من أبلد الحيوانات، ولهذا وصف الله اليهود الذين حملوا التوارة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب بأنه مثل الحمار يحمل أسفاراً.
وعلى كل حال فالحديث دال على أن مسابقة الإمام محرمة بل يوشك أن تكون من كبائر الذنوب.
ولكن هل تبطل الصلاة بذلك أو لا؟
الصحيح أنه إذا تعمد السبق فإن صلاته تبطل سواء سبقه بركن أو سبقه إلى الركن، فإذا تعمد السبق مع علمه بالنهي فإن صلاته تبطل، لأنه أتى محظوراً من محظورات العبادات على وجه يختص بها، والقاعدة أن من فعل محظوراً من محظورات العبادة على وجه يختص بها فإنها تبطل.
القسم الثاني: التخلف:
يعني أن يتأخر عن إمامه، مثل أن يركع الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من الركوع، أو يسجد الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من السجود أو يقوم الإمام من السجود ويبقى المأموم ساجداً حتى ربما ينتصف الإمام بقراءة الفاتحة أو يكلمها.
وحكم التخلف أنه حرام، لأنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إذا
ركع فأركعوا، وإذا سجد فأسجدوا)) (1) . فإن الفاء في قوله ((فأركعوا)) وقوله:((فاسجدوا)) تدل على التعقيب، أي على أن فعل المأموم يقع عقب فعل الإمام لأن قوله:((فاركعوا فاسجدوا)) جواب الشرط، وجواب الشرط يلي المشروط مباشرة ولا يجوز أن يتخلف عنه.
القسم الثالث: الموافق:
بمعنى أن يشرع المأموم مع الإمام في أفعاله يركع معه، ويسجد معه ويقوم معه، وهذا أقل أحواله أن يكون مكروهاً، وتحتمل أن يكون محرماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد)) (2) . والأصل في النهي والتحريم، إلا الموافقة في تكبيرة الإحرام فإن أهل العلم يقولون إنه إذا وافقه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته فتكون باطلة، بل يجب أن ينتظر حتى يكمل الإمام تكبيرة الإحرام، ولا يجوز أن يشرع في تكبيرة الإحرام قبل أن يكمل الإمام تكبيرة الإحرام، ويستثنى أيضاً التسليم فإن بعض أهل العلم يقول إذا سلم الإمام التسليمة الأولى وهي التي على اليمين فللمأموم أن يسلم التسليمة الأولى وإن لم يسلم الإمام التسليمة الثانية، ثم يتابع التسليمة الثانية.
القسم الرابع: المتابعة:
بأن يفعل المأموم ما فعله الإمام بعد الأمام مباشرة، بدون تخلف، وهذا هو الموافق للسنة ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، لأن صفة المؤمن إذا أمر الله ورسوله بأمر أن يقول سمعنا وأطعنا.
(1)(1) تقدم تخريجه ص 450.
(2)
تقدم تخريجه.
كما قال الله تعالى (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)(1) . كما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(2) .
بيان كيف يأتم مفترض بمتنفل:
هناك مسألة يسأل عنها الناس كثيراً وهي إذا جاء شخص والإمام يصلي صلاة التراويح، وهذا الشخص لم يصل صلاة العشاء فهل يدخل مع الإمام بنية صلاة العشاء أو يصلي وحده؟
والجواب: على ذلك أن نقول إنه يدخل مع الإمام بنية صلاة العشاء فإذا دخل معه في أول ركعة وسلم الإمام فإن كان مسافراً سلم معه، لأن المسافر يصلي العشاء ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام وقد صلى معه ركعتين يقوم فيأتي بما تبقى أي بالركعتين الباقيتين، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة.
فإن قال قائل: كيف يأتم مفترض بمتنفل؟ الفرض أعلى من النفل.
قلنا: هذا لا يؤثر إنما الذي يؤثر هو الاختلاف على الإمام في الأفعال كالموافقة، والتأخر والمسابقة. وأما الاختلاف في النية فلا يؤثر.
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن معاذ بن جبل – رضى الله عنه – أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه
(1) سورة النور، الآية:51.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:26.
فيصلي بهم تلك الصلاة (1) فهي له نافلة ولهم فريضة وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأره الله فهو حجة.
ولا يقول قائل من الناس لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به؟
فإننا نجيب على ذلك بأنه على فرض بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فإن الله قد علم به فإذا لم ينكره الله علم أنه موافق لشريعة الله.
ودل على أن إقرار الله للشئ حجة أن الصحابة – رضى الله عنهم – استدلوا على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل. ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ)(2) . فإن هؤلاء الذين يبيتون ما لا يرضى من القول يستخفون من الناس ولا يظهرون للناس ولا يعلم بهم الناس ولما كانوا يخفون المنكر فضحهم الله فقال تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً 108) .
سادساً: الخشوع في الصلاة:
ومن إقامة الصلاة أن يكون الإنسان فيها خاشعاً لله تعالى بظاهره وباطنه، فالخشوع في الباطن حضور القلب، والخشوع في الظاهر السكون وعدم الحركة.
أقسام الحركة في الصلاة:
وهنا نبين أن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام:
(1) تقدم تخريجه ص 443.
(2)
سورة النساء، الآية:108.
أولاً: الحركة الواجبة: وتجب الحركة إذا كان يتوقف عليها صحة الصلاة، أي إذا كان ترك الحركة مبطلاً للصلاة، فإن الحركة تكون حينئذ واجبة.
مثال: رجل كان يصلي إلى غير القبلة فجاءه آخر فقال: إن القبلة على يمينك، فهنا يجب أن ينحرف إلى اليمين، لأنه لو بقي على اتجاهه الأول، لكانت صلاته باطلة، فيجب أن يتجه إلى اليمين.
مثال آخر: رجل ذكر أن في غترته نجاسة فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة، ونظير ذلك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل فأخبره أن في نعليه أذى فخلعهما (1) .
ثانياً: الحركة المستحبة: وهي الحركة التي يتوقف عليها فعل مستحب.
مثال: أن يتقدم الإنسان إلى الصف الذي أمامه إذا انفرج فهذه حركة مستحبة، لأن فيه وصلاً للصف وسداً للفرج وتقدماً إلى المكان الفاضل.
مثال آخر: كذلك أيضاً لو أن الصف قرب بعضه من بعض فإنك تقرب إلى الصف وهذه الحركة نعتبرها مستحبة،لأنه يتوقف عليها فعل مستحب.
ثالثاً: الحركة المكروهة: وهي الحركة اليسيرة بلا حاجة، هي مكروهة لأنها عبث مناف للخشوع، كما نشاهده في كثير من الناس ينظر إلى الساعة وهو يصلي، أو يصلح غترته، أو يذكره الشيطان وهو في
(1) تقدم تخريجه ص 303.
صلاته أمراً نسيه فيخرج القلم ويكتب الذي نسيه لئلا يضيعه بعد ذلك، وأمثلتها كثيرة.
رابعاً: الحركة المحرمة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة.
فقولنا (الحركة الكثيرة) خرج به الحركة اليسيرة، فإنها من المكروهات.
وقولنا (المتوالية) خرج به الحركة المتفرقة، فلو تحرك الإنسان في الركعة الأولى حركة يسيرة، وفي الثانية حركة يسيره، وكذلك الثالثة والرابعة لو جمعنا هذه الحركات لوجدناها كثيرة لكن لتفرقها صارت يسيرة، فر تأخذ حكم الحركة الكثيرة.
وقولنا (لغير ضرورة) احترازاً من الحركة التي للضرورة، مثل أن يكون الإنسان في حالة أهبة للقتال، يحتاج إلى حركة كثيرة في حمل السلاح وتوجيهه إلى العدو، وما أشبه ذلك. وقد قال الله تبارك وتعالى:(فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)(1) وهذا أمر لابد منه للمجاهد في سبيل الله.
ومن ذاك لو أن عدواً لحقه وهو هارب منه، فإن هذه الحركة الكثيرة مغتفرة، لأنها للضرورة.
وكذلك أيضاً لو هاجمته حية وهو يصلي، وحاول مدافعتها عن نفسه فإن هذه الحركة وإن كثرت فلا بأس بها، لأنها ضرورة.
(1) صورة النساء، الآية:102.
خامساً: الحركة المباحة: وهي الحركة اليسيرة للحاجة أو الحركة الكثيرة للضرورة.
مثال: لو كانت الأم عندها صبي ويصيح، فإذا حملته سكت، فلا خرج عليها حينئذ أن تحمله حال القيام، وتضعه في حال السجود، فهذه الحركة يسيره ولحاجة فهي مباحة ويدل لذلك أن النبي كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها (1) . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
تم بحمد الله تعالى المجلد الثاني عشر
ويليه بمشية الله عز وجل المجلد الثالث عشر
(1) أخرجه البخاري: كتاب سترة المصلي / باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، ومسلم: كتاب المساجد / باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.