المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صيد الحرم - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ١٧

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم من جاوز الميقات دون إحرام

- ‌ حكم من تجاوز الميقات أكثر من مرة دون إحرام

- ‌ من قصد مكة لتجارةأو زيارة لأقاربه فليس عليه إحرام

- ‌ حكم التردد بين الطائف وجدة للعمل بلا إحرام لمن نوى الحج

- ‌ حكم من نوى العمرة لوالده ثم لنفسه قبل الميقات

- ‌ إحرام من هم دون المواقيت

- ‌ حكم من بدا له الحج والعمرة بعد تجاوز الميقات

- ‌ حكم الإحرام من الحرم الشريف

- ‌ ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا

- ‌ بيان خطأ من جعل جدة ميقاتا لحجاج الجو والبحر

- ‌ إبطال دعوى من ادعىأن جدة ميقات لجميع الوافدينإلى مكة من طريقها للحج أو العمرة

- ‌ جدة ليست ميقاتا

- ‌ ميقات القادمين من السودان

- ‌ حكم من يقول للقادمين للحجأو العمرة اجلسوا في جدة ثلاثة أيام ثم أحرموا

- ‌تعقيب على فضيلة الشيخ عبد الله كنونحول تأخير الإحرام لأهل المغرب إلى جدة

- ‌ حكم من نسي وتجاوز الميقات

- ‌ حكم التلبية قبل الوصول للميقات احتياطا

- ‌ من لم يمر بميقات ولم يتمكن من تحريالمحاذاة يحرم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان

- ‌ حكم من ذهب إلى جدة وهو قاصد العمرة

- ‌ الإحرام في الطائرة

- ‌ما قرره مجلس المجمعالفقهي الإسلامي في حقمن أحرم قبل الميقات

- ‌ ليس عليك حرجفي إقامتك بجدة وأنت محرم

- ‌حكم إنشاء نية الإحرام من المنازل القريبة من الميقات

- ‌ حكم من قدم لعمل وأقام دون الميقات وهو ينوي الحج إذا تيسر له ذلك

- ‌ حكم من نوى الحج وهو يدرس في بلد خارج الميقات وأهله في جدة

- ‌باب الإحرام

- ‌ الحكم إذا وقع على الإحرام دم

- ‌ حكم من يحس بخروج شيء أثناء الإحرام

- ‌ يجوز للمرأة الإحرام في أي ثياب بشرط عدم الفتنة

- ‌ حكم استعمال الحبوب التي تمنع الدورة

- ‌ حكم من أحرمت بالعمرة وهي حائض أو نفساء

- ‌ المرأة النفساء تصوم وتصلي وتحج إذا طهرت قبل الأربعين

- ‌ الحائض والنفساء تقرأ الأدعية المكتوبة في مناسك الحج

- ‌ أداء صلاة الإحرام ليس شرطا لانعقاده

- ‌ اختلاف العلماء في استحباب ركعتي الإحرام

- ‌ الحائض لا تصلي ركعتي الإحرام ولا تمس المصحف

- ‌ النية محلها القلب

- ‌ حكم اشتراط نية الصبي

- ‌ الإشتراط إنما يقال عند عقد الإحرام

- ‌ الجهر بالنية يستحب عند الإحرام

- ‌ التلبية سنة مؤكدة ولا شيء على من ينساها

- ‌ حكم تأخير التلبية بعد الإحرام

- ‌ حكم من قال لبيك اللهم عمرة متمتعا بها إلى الحج وهو لا يريد إلا العمرة

- ‌ نوى الحج لنفسه ثم بدا له أن يغير النية لقريب له فهل له ذلك

- ‌ حكم من نسي اسم من حج عنها

- ‌ حكم من ضاعت نقوده وقد أحرم بالحج والعمرة ولم يستطع الهدي

- ‌ حكم الانتقال من الإفراد إلى القران

- ‌ التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي

- ‌ يصح التمتع والقران من أهل مكة

- ‌ القول بنسخ الإفراد قول باطل

- ‌ حكم فسخ الإحرام

- ‌ المشروع لمن أحرم مفردا أن يجعله عمرة

- ‌ الأفضل لمن لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة

- ‌ القران لا يفسخ إلى الإفراد

- ‌ حكم من نوىالتمتع ثم بدا له أن يحرم مفردا

- ‌ من أحرم قارنا وبعد الإحرام حل

- ‌ الإحرام بالتمتع له وقت محدود

- ‌ الفدية تلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج

- ‌ حكم من أدى العمرة في آخر شهر شوال ثم عاد بنية الحج مفردا

- ‌ حكم تمتع من رجع إلى بلده

- ‌ لا بأس بخروج المتمتع إلى جدة وأمثالها ويبقى على تمتعه

- ‌ لا يسقط الهديعن المتمتع بالسفر إلى المدينة

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌ حكم من أخذ من شعره بعد الإحرام جاهلا

- ‌ حكم كد الشعر

- ‌ حكم سقوط الشعر من رأس المحرم

- ‌ حكم إزالة الجلد الجاف للمحرم

- ‌ ضابط تغطية الرأس للمحرم

- ‌ حكم استخدام الكمامات للمحرم

- ‌ تحديد المخيط من اللباس للمحرم

- ‌ يجوز خياط ثياب الإحرام إذا تمزقت

- ‌ حكم من وقف بعرفة بملابسه المخيطة

- ‌ حكم من سافر في مهمة عاجلة فخلع ملابس الإحرام بعد إحرامه

- ‌ لبس الحزام في الإحرام لا حرج فيه

- ‌ حكم لبس الساعة للمحرم

- ‌ حكم وضع الطيب على ملابس الإحرام

- ‌ حكم استعمال الصابون للمحرم

- ‌ حكم الجماع قبل التحلل الأول

- ‌ حكم الجماع قبل طواف الإفاضة

- ‌ حكم مزاولة العادة السرية في الحج

- ‌ حكم تغطيةالمرأة المحرمة لوجهها وكفيها

- ‌ الأفضل للمرأة أن تحرم فيشراب وليس لها الإحرام في قفازين

- ‌ المحاورات والجدالفي الحج تثير النزاع والعداوة

- ‌ احفظوا أوقاتكم عنكل ما يضر دينكم ويغضب ربكم

- ‌ على الحجاج تجنب افتراش الطرقات

- ‌ على الحجاج التقيدبالتعليمات التي تأمر بها الدولة

- ‌ القيام بالمسيراتفي موسم الحج في مكة المكرمةباسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها

- ‌ منافع الحج

- ‌ حج المصر على المعصية

- ‌باب الفدية

- ‌ حكم من ترك الإحرام من الميقات

- ‌ حكم من أحرمت بالعمرة ثم جاءها الحيض وسافرت ولم تؤد العمرة

- ‌ فدية ترك بعض الواجبات

- ‌ من تحرك من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم مع التوبة إلى الله

- ‌ حكم إجزاء الفدية الواحدة لمن أخل بواجب أو فعل محظورا

- ‌ حكم من لم يطف طوافالإفاضة ورجع إلى بلاده وجامع أهله

- ‌باب صيد الحرم

- ‌ مضاعفة السيئة في مكة

- ‌ عرفة ليست من الحرم

- ‌ حكم قطع غرس بني آدم في الحرم

- ‌ حكم رعي الغنم في الحرم

- ‌ خصوصية حمام مكة والمدينة

- ‌ حكم قتل الجراد في الحرم

- ‌ حكم الفدية في الصيد بالقتل المتعمد

- ‌ حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنهأنه أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب دخول مكة

- ‌ السنة للمحرم الاضطباع في طواف القدوم

- ‌ حكم الرمل

- ‌ يجزئ الطواف والسعي عن الطفل وحامله

- ‌ الطواف من داخل حجر إسماعيل غير صحيح

- ‌ الطهارة شرط لصحة الطواف

- ‌ من قطع طوافه لحدث أو لحاجة هل يستأنفه أم يبني على ما مضى

- ‌ حكم طواف من خرج من جرحه دم

- ‌ حكم طواف من لامس امرأة أجنبية

- ‌ الدعاء في الطواف

- ‌ حكم الطواف وراء المقام أو وراء زمزم

- ‌ الإكثار من الطواف والصلاة

- ‌ حكم من شك هل أتم سبعة أشواط أم لا

- ‌ حكم دخول النساء إلى مكة من أجل الطواف وقت الزحام

- ‌ كل طواف يشرع بعده ركعتان

- ‌ ركعتا الطواف خلف المقام سنة وليست واجبة

- ‌ الشرب من ماء زمزم سنة

- ‌ صفة السعي

- ‌ حكم من نسي بعض أشواط السعي

- ‌ لا تشترط الموالاة بين أشواط السعي

- ‌ حكم من بدأ بالمروة في السعي

- ‌ يجب الحلق أو التقصير على الحاج وإن كان ينوي أن يضحي

- ‌باب صفة الحج والعمرة

- ‌ يوم التروية

- ‌ ما يفعله الحجاج يوم الثامن من ذي الحجة

- ‌ حكم ترك المبيت في منى ليلة التاسع من ذي الحجة

- ‌ مكان الإحرام للحاج يوم التروية

- ‌ السنة للحاج أن يحرم يوم الثامن من ذي الحجة قبل الظهر

- ‌ جمع وقصر الصلاة للحاج

- ‌ السنة الصحيحة المعلومة أن جميع الحجاج يقصرون في منى دون جمع

- ‌ يوم عرفة

- ‌ وقت توجه الحاج إلى عرفات والانصراف منها

- ‌ حكم الجمع والقصر يوم عرفة

- ‌ من فاته الوقوف بعرفة في النهار فله الوقوف بها في الليل

- ‌ حكم الوقوف خارج حدود عرفة

- ‌ حكم مغادرة عرفة قبل مغيب الشمس

- ‌ من أتى من بلده يوم عرفة يمكنه التمتع وهو أولى

- ‌ المتمتع إذا ضاق عليه الوقت كيف يكون تحلله من العمرة وإحرامه بالحج

- ‌ نمرة ليست من عرفة على الراجح من أقوال العلماء

- ‌ مكان وقوف الحاج عند جبل الرحمة

- ‌ حكم الوقوف بعرفة قبل التاسع بيوم أو بعده بيوم

- ‌ الدعاء الجماعي في عرفة لا أصل له والأحوط تركه

- ‌ وقت بدء الدعاء في عرفة

- ‌ المبيت بمزدلفة

- ‌ المبيت بمزدلفة واجب ومن تركه فعليه دم

- ‌ من صلى المغرب والعشاءبمزدلفة ثم انصرف لا يعتبر مؤديا للواجب

- ‌ الجمع والقصر في الحج

- ‌ السنة المحافظة على الوترفي الحضر والسفر وليلة مزدلفة

- ‌ يجوز الخروج من مزدلفة في النصف الأخير من الليل

- ‌ حكم المبيت خارج مزدلفة

- ‌ السنة أن يبقى الحاج في مزدلفة حتى يسفر

- ‌ الصبي إذا فاتهالمبيت في مزدلفة فعليه الهدي

- ‌ كيفية الوقوف عند المشعر الحرام

- ‌ المرور بمزدلفة دون المبيت لا يكفي

- ‌ رمي الجمار

- ‌ جمرة العقبة هي التي ترمى بسبع يوم العيد

- ‌ بداية رمي الجمار ونهايته وما يتعلق به

- ‌ حكم رجم جمرةالعقبة بعد منتصف ليلة العيد

- ‌ حكم رمي جمرة العقبةوالطواف قبل منتصف ليلة العيد

- ‌ حكم رمي الجمار إذا كان المرمى مملوءا

- ‌ الحكم فيمن رمى الشاخصدون التأكد من وقوع الجمرات في الحوض

- ‌ حكم الرمي بعد العصر

- ‌ ليس لقادر أن يوكل في رمي الجمرات

- ‌ الوكالة في الرميلا تجوز إلا من عذر شرعي

- ‌ الوكيل في الرمييرمي عن نفسه أولا إذا كان مفترضا

- ‌ حكم من شك فيسقوط الحصى في الحوض

- ‌ حكم الرميمن الحصى الذي حول الجمار

- ‌ العبر المستفادة من رمي الجمار

- ‌ الحلق أفضل من التقصير

- ‌ الأكمل تعميم شعر الرأس بالقص

- ‌ مكان الحلق والتقصير

- ‌ حكم التحلل بعد رمي جمرة العقبة

- ‌ طواف الإفاضة

- ‌ حكم من لم يكمل طواف الإفاضة

- ‌ حكم من رفض إحرامه بعد المبيت بمزدلفة

- ‌ حكم من شك في عدد الأشواط

- ‌ حكم طواف الإفاضة في يوم عرفة

- ‌ حكم لبس المخيط بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير

- ‌ حكم الطواف على غير طهارة

- ‌ الحائض والنفساء يبقىعليهما طواف الحج حتى تطهرا

- ‌ النفساء تكمل الحج إذا طهرت قبل الأربعين

- ‌ حكم جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع

- ‌ من مات قبل طواف الإفاضة لا يطاف عنه

- ‌ السعي

- ‌ حكم السعي

- ‌ المفرد والقارن لا يلزمهما سعي آخر

- ‌ حكم تقديم سعي الحج على طواف الإفاضة

- ‌ السنة أن يكون الطواف أولا ثم السعي

- ‌ حكم من حج ولم يسع

- ‌ حكم الزيادة في السعي

- ‌ حكم الفصل بين الطواف والسعي بزمن طويل

- ‌ لا تشترط الموالاة بين أشواط السعي

- ‌ حكم من قصر ولبس ثيابه قبل إتمام السعي

- ‌ حكم من سافر ولم يكمل سعيه

- ‌ أعمال يوم النحر

- ‌ السنة ترتيب أعمال يوم النحر

- ‌ حكم من حلق قبل صلاة العيد

- ‌ حكم من لم يعمم الرأس بالتقصير

- ‌ حكم تقديم طواف الإفاضة والسعي قبل رمي جمرة العقبة

- ‌ إذا كان الحاج ساكنا في أدنى الحل فلا حرج في الذهاب إلى مسكنه قبل الطواف والسعي

- ‌ التحلل الأول والتحلل الثاني

- ‌ متى تحل المرأة لزوجها الحاج

- ‌ المبيت بمنى أيام التشريق

- ‌ حكم المبيت خارج منى أيام التشريق

- ‌ حكم ترك المبيت بمنى يومين أو ثلاثة

- ‌ حكم من ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لمرض

- ‌ حكم من ترك المبيت بمنى لتعذر المكان

- ‌ حكم الجلوس نهارا خارج منى في يوم العيد وأيام التشريق

- ‌ رمي الجمار أيام التشريق

- ‌ حكم الرمي بالليل

- ‌ حكم من لم يرم اليوم الثاني عشر وهو ينوي التعجل

- ‌ من بقي في منى حتى أدركه الليل من الليلة الثالثة عشرة لزمه المبيت والرمي

- ‌ حكم من لم يستطع رمي الجمرات قبل غروب يوم الثالث عشر

- ‌ حكم الرمي قبل الزوال

- ‌ حكم تأخير رمي الجمار إلى آخر يوم ورميها دفعة واحدة

- ‌ حكم من رمى الجمار دون ترتيب جهلا

- ‌ حكم من رمى الشاخص

- ‌ من ترك الرمي فعليه دم

- ‌ التوكيل في الرمي لمن معها أطفال

- ‌ الحكمة من رمي الجمرات

- ‌ دعوة لعدم التعجل في رمي الجمرات

- ‌ المراد باليومين للمتعجل

- ‌ وقت النفر من منى

- ‌ طواف الوداع

- ‌ حكم طواف الوداع

- ‌ طواف الوداع خاص بالمسافر إلى أهله

- ‌ من ترك طوافالوداع فعليه دم مع التوبة والاستغفار

- ‌ حكم من سافر ولم يكمل طواف الوداع

- ‌ وداع الحائض والنفساء

- ‌ التأخر اليسير عن السفر بعد طواف الوداع يعفي عنه

- ‌ التأخر إلى ما بعدذي الحجة لا يؤثر على طواف الوداع

- ‌ صفة الزيارة

- ‌ ما يفعله الزائر للمدينة المنورة

- ‌ صفة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ زيارة المسجد النبوي سنة

- ‌ زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم تتبع آثار الأنبياء ليصلى فيها أو ليبنى عليها مساجد

- ‌ صفة العمرة

- ‌ أعمال مناسك العمرة

- ‌ أفضل زمان تؤدى فيه العمرة رمضان

- ‌ تكرار العمرة في رمضان

- ‌ عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب

- ‌ حكم التقصير في العمرة

- ‌ حكم من لبس المخيط بعد ستة أشواط جهلا منه

- ‌ حكم من أحس بتعب قبل إكمال الطواف

- ‌ حكم من نسي الحلق أو التقصير في العمرة

- ‌ حكم أخذ حبوب منع نزول الدورة لمن أرادت العمرة

- ‌ حكم طواف الوداع في العمرة

الفصل: ‌باب صيد الحرم

‌باب صيد الحرم

ص: 181

صفحة فارغة

ص: 182

98 -

بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق

وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد (1) :

فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء أعزاء للتواصي بالحق والتذكير به والدعوة إليه، والنصح لله ولعباده، أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعا، وأعمالنا وأن يمنحنا جميعا وجميع المسلمين الفقه في الدين، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفق حكام المسلمين جميعا للتمسك بشريعته، والحكم بها، وإلزام الشعوب بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم أشكر إخواني القائمين على هذا النادي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور راشد الراجح مدير جامعة

(1) محاضرة ألقاها سماحته في النادي الأدبي في مكة مساء الأحد 26 \ 11 \ 1408 هـ.

ص: 183

أم القرى ورئيس النادي، على دعوتهم لي لهذه المحاضرة وعنوانها: حرمة مكة المكرمة ومكانة البيت العتيق، وما ورد في ذلك من الآثار.

أيها الإخوة في الله لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة، ومكانة البيت العتيق؛ لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم، وفي كتب التفسير.

والأمر بحمد الله واضح ولكن لا مانع من التذكير بذلك، والتواصي بما أوجبه الله من حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (1){فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2)

أوضح الله سبحانه في هذه الآيات، أن البيت العتيق، هو أول بيت وضع للناس وأنه مبارك، وأنه هدى للعالمين. وهذه تشريفات عظيمة، ورفع لمقام هذا البيت، وتنويه بذلك.

وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر

(1) سورة آل عمران الآية 96

(2)

سورة آل عمران الآية 97

ص: 184

رضي الله عنه «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: " المسجد الحرام " قلت: ثم أي؟ قال: " المسجد الأقصى " قلت: كم بينهما: قال: " أربعون عاما " قلت: ثم أي؟ قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، فإن ذلك مسجد (1) » .

ويبين هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (2) » . . . . الحديث.

هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه، ويطاف به، هو هذا البيت، وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل.

أما ما روي أن أول من عمره هو آدم فهو ضعيف، والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم أن أول من عمره هو خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأول بيت وضع بعده

(1) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان) برقم (3425) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) أول الكتاب (باب) برقم (520) .

(2)

رواه البخاري في (التيمم) باب قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء) برقم (335) .

ص: 185

للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكان بينهما أربعون سنة، ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه، والطواف به، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب، وغفران الخطايا قال تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1) فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه، والمثابة إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم، ورفيع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ثم جعله آمنا يأمن فيه العباد، وجعله آمنا للصيد الذي فيه، فهو حرم آمن، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الحرم، يأمن فيه حال وجوده به، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل.

(1) سورة البقرة الآية 125

ص: 186

ويقول سبحانه: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (1) يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء، وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمنا، وأوجب على نبييه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (2) والقائم هنا هو المقيم وهو العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم المصلون.

فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك. ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يسفك فيه دم ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف،

(1) سورة آل عمران الآية 97

(2)

سورة الحج الآية 26

ص: 187

ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت. فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجا أو عمارا أو غيرهم.

فالعاكف: المقيم، والطائف: معروف، والركع السجود: هم المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وأن يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضا أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضا، ولا أن يقاتل بعضهم بعضا، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضا، ولا يؤذي بعضهم بعضا، لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة.

والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية.

فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك:

ص: 188

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد. فضمن يرد معنى يهم ولهذا عداه بالباء، بقوله:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (2) أي من يهم فيه بإلحاد بظلم. فإذا كان من هم بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله؟

إذا كان من يهم ومن يريد متوعدا بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم.

ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (3) وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد وهو الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.

وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (4) وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمنا وجعله حرما، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه.

(1) سورة الحج الآية 25

(2)

سورة الحج الآية 25

(3)

سورة الحج الآية 25

(4)

سورة الحج الآية 25

ص: 189

ومن ذلك يعلم أن التعدي على الناس وإيذاءهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر.

ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال:«إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب (1) » وقال: «إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دما، أو يعضد فيه شجرة، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد (2) » أي معرف.

فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم، فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئا مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقادا لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلما لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر،

(1) رواه البخاري في (العلم) باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب برقم (104) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم (1354) .

(2)

رواه البخاري في (الجزية) باب إثم الغادر للبر والفاجر برقم (3189) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم (1353) .

ص: 190

ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر ولا يؤذي أحدا لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (1)

فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم؛ لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبد فيه، ومن ذلك المشاعر عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كله من مقامات إبراهيم.

ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا محمدا بذلك في قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (2) فأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعا. ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعا، وأكملهم بلاغا ونفعا للناس، وتوجيها لهم إلى الخير، وإرشادا لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة.

(1) سورة آل عمران الآية 97

(2)

سورة النحل الآية 123

ص: 191

فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.

فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسئولين أن ينفذوا حكم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائنا من كان من الحجاج أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس.

يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك يعلم أن ما حدث في العام الماضي عام 1407 هـ من بعض حجاج إيران من الأذى، أمر منكر، وأمر شنيع لا تقره شريعة ولا يقره ذو عقل سليم، بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك. وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى، وحمايته من كل معصية، ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير، وكف الأذى عنهم، وأنه لا

ص: 192

يجوز لأحد أبدا لا من إيران ولا من غير إيران أن يؤذوا أحدا من الناس، لا بكلام ولا بفعال، ولا بمظاهرات ولا بمسيرات جماعية تؤذي الناس، وتصدهم عن مناسك حجهم وعمرتهم، بل يجب على الحاج أن يكون كإخوانه المسلمين في العناية بالهدوء والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير والبعد عن كل أذى.

هكذا يجب على الحجيج من كل جنس، ومن كل مكان طاعة لله عز وجل، وتعظيما لبيته العتيق، وإظهارا لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة، وتنفيذا لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرا على منهج رسوله، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم.

هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو من يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه.

وأما من آمن بالله واليوم الآخر، إيمانا صحيحا، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره. فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله، وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.

ص: 193

والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما ودفع الأذى عنهما وعن سكانهما، وعمن يقصدهما من العمار والحجاج، والزوار طاعة لله، ولرسوله، وتعظيما لأمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعونا للجميع على طاعة الله ورسوله وتأمينا لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم، أو يقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم، والله يقول سبحانه وتعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) فلا بد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فإن مكة المكرمة هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هذه هي المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، هي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.

(1) سورة المائدة الآية 2

(2)

سورة العصر الآية 1

(3)

سورة العصر الآية 2

(4)

سورة العصر الآية 3

ص: 194

وأعظم ذلك هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا. وواجب على أهله والوافدين إليه أن يعرفوا قدره، وأن يعرفوا فضله، حتى لا يقعوا فيما حرم الله. وهذا واجب الجميع من المقيم والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه أن يعرفوا قدره وأن يعظموه وأن يحذروا ما حرم الله.

فإذا كان المريد فيه بذنب له عذاب أليم فكيف بالفاعل، وليس الوارد إليه هو المخاطب بهذا الأمر إذ المقيم أولى وأولى، لأنه دائم فيه.

والواجب عليه أن يعلم ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله وأن يكون عونا لإخوانه في مكة وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشدا لهم في الخير، وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قول أو فعل، وأن يكونوا دعاة للحق.

هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين، ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقي الله وأن يعظم حرماته، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، ويجب على ولاة الأمور الضرب

ص: 195

بيد من حديد على كل من خالف أمر الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده، طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين من الحجاج والعمار والزوار وغيرهم واحتراما لهذا البلد العظيم، وهذا البلد الأمين، أن تنتهك فيه حرمات الله، أو يتعدى فيه على حدود الله، أو يؤمن فيه من لا يخاف الله ويراقبه، على إيذاء عباده وتعكير صفو حجهم وأمنهم بفعل سيئ، أو بقول سيئ.

ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يوفق المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 196