المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وجوب للشهادة إذا طلبت ويحرم كتمانها - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٣

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ الأصل في طعام أهل الكتاب الحل

- ‌ حكم أكل ذبائح النصارى

- ‌ حكم شحم الخنزير

- ‌ حكم أكل اللحوم التيتباع في أسواق الدول غير الإسلامية

- ‌ حكم ذبائح أهل الكتاب إذا عرفت طريقة ذبحهم

- ‌ حكم الدجاج المستورد

- ‌ حكم الدجاج المجمد

- ‌ حكم اللحوم المستوردةمن البلاد الشيوعية والمجوسية والوثنية

- ‌ حكم اللحوم المجهولة في بلاد الكفار

- ‌ الأصل في الأجبانوغيرها من الأطعمة الحل

- ‌ الحكمة في تحريم لحم الخنزير

- ‌ لحم الخنزير وشحمه حرام

- ‌ حكم دهن الخنزير

- ‌ تحريم ذبائح الوثنيين والاشتراكيين والملاحدة

- ‌ مسألة في حكماللحوم المستوردة من بلاد وثنية

- ‌ ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب

- ‌ حكم أكل الضبع

- ‌ حكم النيص

- ‌ حكم أكل الميتة

- ‌ حكم أكل المسلم مع الكافر

- ‌ حكم الأكل مع من لا يصلي

- ‌ حكم الدسم الذي في الأيدي والأواني

- ‌ حكم وضع بقايا الطعام في النفايات واستخدام الجرائد سفرة للأكل

- ‌ حكم شرب الدخان والشيشة

- ‌ من أضرار الدخان

- ‌ تحريم الدخان وبيان مضاره

- ‌ حكم مجالسة المدخنين

- ‌ حكم السجائر والشيشة

- ‌ التدخين بكل أنواعه محرم

- ‌ حكم شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌ مسألة في حكم شرب الشيشة والدخان

- ‌ حكم القات والدخان وصحبة من يتناولهما

- ‌ القات محرم وليس بنجس

- ‌ هل الشاي من الخمور

- ‌ حكم شرب البيرة ونحوها

- ‌ حكم الجلوس على موائد الخمر

- ‌ ما الفرق بين خمر الدنيا والآخرة

- ‌باب الذكاة

- ‌ حل ذبيحة كل من يدين بدين الإسلام

- ‌ حكم ذبيحة من لا تعرف عقيدته

- ‌ صفة تذكية بهائم الأنعام

- ‌ توجيه الذبائحإلى القبلة سنة وليس بواجب

- ‌ الرقبة محل للذبح والنحر

- ‌ إذا قطع الحلقوم والمريء حلت الذبيحة

- ‌ حكم تذكية المرأة

- ‌ حكم ذبائح النصارى التيذبحت بالصرع الكهربائي أو قصف الرقبة

- ‌حكم الحيوان المذبوح بالصعق الكهربائي

- ‌باب الصيد

- ‌ حكم نسيان التسمية عند رمي الطيور وغيرها

- ‌كتاب الأيمان

- ‌ مسألة في الحلف بغير الله

- ‌ المشروع للمؤمنين أن تكون أيمانهم بالله وحده

- ‌ الحلف بأحد المخلوقات منكر عظيم

- ‌ مسألة في القسم بالنبي عليه الصلاة والسلام

- ‌ لا يجوز الحلف بغير الله كائنا من كان

- ‌ حكم الحلف بالكعبة

- ‌ لا يجوز الحلف بالصلاة ولا بالذمة

- ‌ مسألة في اليمين

- ‌ حكم قول (حشا عن ألف يمين)

- ‌ حكم من حلف على شيء ورأى غيره خيرا منه

- ‌ إذا حلفت على شخص ولم يفعل فعليك الكفارة

- ‌ حلف ألا يفعل فاضطر إلى الفعل

- ‌ من حلف ألا يفعل وفعله ناسيا

- ‌ من حلف كاذبا هل عليه كفارة

- ‌ حكم من حلف على شيء وفعله

- ‌ مسألة في كفارة اليمين

- ‌ حكم الأم التي تحلف على أولادها فيخالفونها

- ‌ حكم من حلف لا يدخل بيتا ثم اشتراه

- ‌ حكم من حلف وهو في حالة غضب

- ‌ حكم الحلف وهو في حالة لا يملك شعوره

- ‌ مسألة في الحلف المنكر

- ‌ مسألة في الحنث في اليمين

- ‌ حكم من حلف وحنث في يمينه

- ‌ إذا كانت اليمين على أشياء متعددة من جنس واحد هل يكفي فيها كفارة واحدة أم لا

- ‌ هل تتعدد الكفارة إذا كرر الحلف وكان المحلوف عليه من أجناس متعددة

- ‌ بيان كفارة الحلف

- ‌ الأحوط التتابع في صيام كفارة اليمين

- ‌ حكم تأخير الإطعام في الكفارة

- ‌ لا يجوز البدء بالصيام قبل الإطعام

- ‌ ماذا يفعل من لديه كفارات

- ‌ حكم دفع المال بدل الإطعام في الكفارة

- ‌ حكم إخراج كفارة اليمين نقودا

- ‌ حكم دفع كفارة اليمين للمجاهدين

- ‌ التكفير قبل الحنث جائز

- ‌ اللغو في اليمين

- ‌ لا كفارة عليك إذا لم تحلف

- ‌ ما حكم الأيمان المتكررة على فعل شيء واحد

- ‌ ما يلزم من كان كثير الحلف

- ‌ مسألة في تكرار اليمين

- ‌ مسألة في الأيمان المكررة

- ‌ مسألة في توزيع كفارة اليمين

- ‌ حكم من عاهد فخالف العهد

- ‌باب النذر

- ‌ حكم الوفاء بالنذر

- ‌ الوفاء بالنذر على حسب النية

- ‌ حكم الوفاء بنذر الطاعة

- ‌ مسألة في النذر

- ‌ بيان أن النذر ليس من أسباب النجاح

- ‌ حكم الوفاء بالنذرفور حصول ما كان وعدا على الشرط

- ‌ نذر الطاعة يجب الوفاء به

- ‌ ماذا يلزم من عجز عن الوفاء بنذره

- ‌ حكم من نذر ما ليس بقربة

- ‌ حكم صرف النذرلغير الجهة التي نواها الناذر

- ‌ حكم من لم يستطعالوفاء بالنذر لكبر ونحوه

- ‌ حكم الوفاء بالنذر في غير المحل الذي صرح به الناذر

- ‌ ما حكم من نذر أن يحج فمات قبل أن يحج

- ‌ هل يلزم النائب عمن نذر الحج الإحرام من ميقات الناذر

- ‌ ليس في أداء الواجب نذر

- ‌ حكم قول إذا نجحت في الامتحان سوف أحفظ القرآن

- ‌ النذر حسب النية

- ‌كتاب القضاء

- ‌ نصيحة لطلاب المعهد العالي للقضاء

- ‌الأسئلة

- ‌ رجل ولي القضاء وهو قليل العلم هل يتهرب منه أم يلتزم به

- ‌ ما صحة ما ورد من أن «من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين

- ‌ هل ورد أن القضاة يحشرون مع السلاطين والعلماء مع الأنبياء

- ‌ توجيه كلمة بالتزام الدوام والمواعيد للقضاة والموظفين

- ‌الجمع بين حديثينمتعلقين بالقضاء والاجتهاد

- ‌ حكم المضطرللتحاكم إلى القوانين الوضعية

- ‌ طلب القضاء والمناصبالدينية لأجل مصالح المسلمين

- ‌ وجوب العدل بين العامل المسلم وغيره

- ‌ حكم إعطاء من يمانعمن أداء العمل المنوط به إلا بالمقابل

- ‌ تحريم ذهابالمرأة للمحكمة مع رجل أجنبي

- ‌ حكم حرفة المحاماة

- ‌ شروط العمل في المحاماة

- ‌ التحذير من دفع الرشوة

- ‌ من أضرار الرشوة

- ‌ ما حكم الشرع في الرشوة

- ‌ ما آثار الرشوة على عقيدة المسلم

- ‌ مسألة في الرشوة

- ‌ حكم من يعرقلتنفيذ الأوامر حتى يعطى رشوة

- ‌ وجوب للشهادة إذا طلبت ويحرم كتمانها

- ‌أسئلة بعد المحاضرة

- ‌ حكم قراءة الكتب التي ابتلي صاحبها بها، مثل تأويل صفات الله

- ‌أخلاق أهل العلم

- ‌ بيان أهمية الفقه الإسلامي

- ‌ التفقه في الدينوتعلم العلم الشرعي من أهم الواجبات

- ‌ مسئولية طالب العلم

- ‌ موقفنا من مذاهب الأئمة الأربعة

- ‌ على طريق العلم

- ‌ مسائل علمية في الآذان والصلاة

- ‌ أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة

- ‌ العلم بأحكام الله من أهم الواجبات

- ‌ فضل العلم وشرف أهله

- ‌ كلمة بمناسبة مسابقة حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية بالقصيم

- ‌ القرآن الكريم أهم الكتب لطالب العلم

- ‌ الوصية بقراءة القرآن الكريم وتدبره والعمل به

الفصل: ‌ وجوب للشهادة إذا طلبت ويحرم كتمانها

أنه لا بد من التحقق من حال البينة التي يعتمد الحاكم عليها في الحكم ولو أفضى إلى التسلسل حتى يصل إلى العدالة المطلوبة حسب الإمكان، فإذا لم يتيسر ذلك ساغ له الحكم بما يغلب على الظن ثبوت الحق ولو أفضى ذلك إلى تحليف المدعي مع بينته. أما تفريق الشهود عند أداء الشهادة فينبغي أن يعمل به عند الحاجة خوفا من تواطئهم على الكذب.

ص: 240

133 -

‌ وجوب للشهادة إذا طلبت ويحرم كتمانها

س: الأخ ع. ص. ص. من الرياض يقول في سؤاله: سعيت في الصلح بين متخاصمين ولكنهما لم يصطلحا، وبعد مدة رفع أحدهما شكوى على الآخر عند القاضي وجاءني يريد أن أشهد معه بما علمت من أمرهما فما حكم الشرع في ذلك، يعني هل يجوز لي أن أشهد بما سمعته منهما أثناء السعي في الصلح؟ أفتونا مأجورين؟ (1)

(1) من الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) وأجاب عنه سماحته بتاريخ 16\4\1417 هـ

ص: 240

ج: يجب عليك أن تشهد بما علمت إذا طلبت منك الشهادة؛ لقول الله جل وعلا: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (1) والله ولي التوفيق.

(1) سورة البقرة الآية 283

ص: 241

صفحة فارغة

ص: 242

كتاب العلم

ص: 243

صفحة فارغة

ص: 244

134 -

فضل العلم والعمل (1)

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بأبناء كرام وإخوة في الله، في مقر جامعة الإمام محمد بن سعود رحمه الله، للتواصي بالحق، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، وعنوان الكلمة:(فضل العلم والعمل) .

وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا اللقاء لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا وإياكم وسائر المسلمين الفقه في دينه والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن ينصر بهم دينه وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، إنه جل وعلا على كل شيء قدير.

(1) محاضرة ألقاها سماحته في جامعة الإمام بالرياض وقرئت على سماحته بتاريخ 4\ 6\1419 هـ

ص: 245

أيها الإخوة في الله، إن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لهذه الحكمة العظيمة، لدعوة الناس إلى عبادة الله، وبيانها لهم، وإيضاحها لهم، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1){مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (2){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (3)

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (4) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (5)

وقال عز وجل: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (6) والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة (7) » . ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «مثل ما بعثني الله

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة الذاريات الآية 57

(3)

سورة الذاريات الآية 58

(4)

سورة البقرة الآية 21

(5)

سورة النحل الآية 36

(6)

سورة إبراهيم الآية 1

(7)

أخرجه مسلم برقم (8467) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

ص: 246

به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (1) » . متفق على صحته.

وهذا الحديث العظيم يبين لنا أقسام الناس وأنهم ثلاثة:

قسم: تفقهوا في الدين وعلموا وعملوا، فهم مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، تعلموا وتفقهوا في الدين وعلموا الناس.

وقسم: تعلموا وتفقهوا ونقلوا العلم إلى الناس، وليس عندهم من التوسع ما عند الأولين في التعليم والتفقيه في الدين، بل يغلب عليهم الحفظ ونقل الأخبار والروايات.

وقسم ثالث: أعرضوا، فلم يتفقهوا في الدين ولم يحملوه، فمثلهم كمثل القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ.

(1) أخرجه البخاري برقم (77) ، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلم، ومسلم برقم (4232) كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 247

وهذا الحديث يدل على وجوب التفقه في الدين والتعلم على كل مكلف، حتى لا يكون من الطائفة الثالثة، ثم أنت يا عبد الله مخلوق لعبادة الله، مأمور بها، ولا سبيل إلى أن تعرفها وأن تفقه فيها إلا بالعلم، كيف تؤدي عبادة لا تعرفها؟

وأنت مخلوق لها، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وأنت مأمور بها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (2) والرسل بعثوا بها والدعوة إليها، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) ولا سبيل إلى هذه العبادة وأدائها على الوجه المطلوب إلا بالله ثم بالعلم والتفقه في الدين، وهذه العبادة هي دين الإسلام، هي الإيمان والهدى، هي طاعة الله ورسوله، هي توحيد الله واتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام، هي الهدى الذي بعث الله به نبيه في قوله جل وعلا:{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (4) هذه العبادة هي توحيد الله وطاعته، هي اتباع الرسل، هي الانقياد لشرع الله، هي الإسلام، هي الإيمان، هي الهدى، هي التقوى

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة البقرة الآية 21

(3)

سورة النحل الآية 36

(4)

سورة النجم الآية 23

ص: 248

والبر، هذه هي العبادة، فالواجب التفقه فيها والتعلم والتبصر، من منطلق الكتاب العزيز والسنة المطهرة.

وهذان منبعا العلم: القرآن العظيم والسنة المطهرة، هما السبيلان لمنهج الحق واتباعه، ثم إجماع سلف الأمة الذي استند إلى هذين الأصلين، هو الأصل الثالث في معرفة الحق واتباعه، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » . ويقول عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه (2) » . ويقول عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة (3) » ، ويقول عليه الصلاة والسلام:«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (4) » .

(1) أخرجه البخاري برقم (2884) كتاب فرض الخمس، باب قول الله تعالى:(فأن لله خمسه وللرسول) ومسلم برقم (1719) ، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة

(2)

أخرجه البخاري برقم (4639) كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه

(3)

صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، سنن الترمذي القراءات (2945) ، سنن ابن ماجه المقدمة (225) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) ، سنن الدارمي المقدمة (344) .

(4)

أخرجه مسلم برقم (4831) كتاب فضل العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة

ص: 249

ويقول عليه الصلاة والسلام يوما لأصحابه: «أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان - واد في المدينة - فيرجع بناقتين عظيمتين سمينتين، بغير إثم ولا قطع رحم؟ " قالوا: نحب ذلك يا رسول الله، قال: "لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله، خير له من ناقتين عظيمتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل (1) » .

فأنت يا عبد الله مخلوق لهذه العبادة، مأمور بأدائها على الوجه المطلوب الذي شرعه الله، ولا سبيل لك إلى ذلك إلا بالله ثم بالتفقه في الدين.

ووصيتي لنفسي ولإخواني المستمعين، ولكل من بلغته هذه الكلمة، وصيتي للجميع: تقوى الله في السر والعلن، والعناية بالتفقه في الدين، والتبصر في الدين، فعلى كل مكلف أن يتعلم، الواجب على كل مكلف أن يتعلم ما لا يسعه جهله، من الرجال والنساء، حتى يتعلم ما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه، وحتى يؤدي ما أوجب الله عليه على بصيرة، وحتى يمتنع عما نهي الله عنه على بصيرة، هذا واجب الجميع.

(1) أخرجه مسلم برقم (1336) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه

ص: 250

وعلى أهل العلم - وفقهم الله - أن يعلموا ويبينوا، وأن يصبروا، عليهم أن يفقهوا الناس، وأن يعلموا الناس، وأن يبينوا ما عندهم من العلم، يقول الله جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (1){إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2) ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (3) فالله أخذ ميثاق أهل الكتاب أن يبينوا ولا يكتموا، وكما أخذ على أهل الكتاب أخذ علينا؛ فعلينا أن نبين وأن نوضح، وعلى كل مسلم أن يتعلم ويسأل، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (4)

فالواجب التعلم والتبصر والعمل، فلا بد أن تتعلم ما أوجب الله عليك عن طريق الكتاب والسنة، وعن طريق علماء السنة، علماء الحق، وأن تسأل ربك التوفيق والإعانة، ولا بد أن تعمل، لا بد من العمل:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (5)

(1) سورة البقرة الآية 159

(2)

سورة البقرة الآية 160

(3)

سورة آل عمران الآية 187

(4)

سورة النحل الآية 43

(5)

سورة التوبة الآية 105

ص: 251

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} (1) والتقوى هي العمل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2){وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (3)

فأنت مأمور بتقوى الله، مأمور بالإسلام، مأمور بالإيمان، وهذا هو العلم والعمل قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (4) وقال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة - وقد روي: بضع وستون شعبة - فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق (5) » .

قال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} (6) وقال سبحانه: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (7) فأنت مأمور بالتفقه والتعلم، حتى تعرف هذا الدين، تعرف ما هي التقوى، وما هو الإسلام،

(1) سورة النساء الآية 1

(2)

سورة آل عمران الآية 102

(3)

سورة آل عمران الآية 103

(4)

سورة آل عمران الآية 19

(5)

أخرجه مسلم برقم (51) كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها

(6)

سورة البقرة الآية 189

(7)

سورة النجم الآية 23

ص: 252

وما هو الإيمان وما هو البر، وما هو الهدى، وهذه الكلمات كلها ترجع إلى شيء واحد، هو توحيد الله وطاعته، وتوحيد الله وطاعته هما عبادة الله التي خلقنا لها، وهذا هو الإيمان، والهدى، وهذا هو البر والتقوى، وهو الإسلام الذي قال فيه سبحانه وتعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1) أن تعلم ما أوجبه الله عليك، وأصله توحيد الله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم. وأصل الدين كله: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وحقيقتهما: توحيد الله والعبادة وتخصيصه بها عن إيمان وصدق، مع الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، والسير على منهاجه، في كل أمرك، وفي كل عباداتك.

فشهادة أن لا إله إلا الله: توجب عليك الإخلاص لله، وتخصيصه بالعبادة أينما كنت، في السر والعلن، في الشدة والرخاء، في جميع الأحوال.

وشهادة أن محمدا رسول الله: توجب عليك اتباعه، والإيمان بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الله أرسله إلى الناس عامة جنهم وإنسهم، وأن عليك اتباعه والانقياد لشرعه، كما أمر الله بذلك في كتابه في قوله:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (2)

(1) سورة آل عمران الآية 19

(2)

سورة آل عمران الآية 132

ص: 253

وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) ويقول سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2) ويقول جل وعلا: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (3){مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (4) وهو محمد عليه الصلاة والسلام: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (5){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (6)

ويقول عليه الصلاة والسلام: «إني أوتيت القرآن ومثله معه (7) » .

فعلى الأمة جميعا رجالها ونسائها، على جميع المكلفين، على الجن والإنس: أن يوحدوا الله، وأن يخصوه بالعبادة، وأن يؤمنوا بأنه ربهم وإلههم الحق، وأن يؤمنوا بأسمائه وصفاته، ويثبتوها له على الوجه اللائق بجلاله، بلا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وعليهم أن يخصوه بالعبادة، وأن يطيعوا أوامره، وأن ينتهوا عن نواهيه.

(1) سورة الحشر الآية 7

(2)

سورة النور الآية 63

(3)

سورة النجم الآية 1

(4)

سورة النجم الآية 2

(5)

سورة النجم الآية 3

(6)

سورة النجم الآية 4

(7)

أخرجه أحمد برقم (16546) مسند الشاميين

ص: 254

هذا هو الواجب على الجميع، علما وعملا، لهذا خلقوا وبه أمروا، والواجب على الجميع التواصي بهذا الأمر والتناصح فيه، قال جل وعلا:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)

هذه أخلاق المؤمنين والمؤمنات، وهذه أوصافهم:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (2) ليسوا أعداء، وليسوا خصوما، ولكنهم أولياء، وأحباب، هذا وصفهم؛ أحباب فيما بينهم، يتناصحون، ويتواصون بالحق، لا غل بينهم ولا حقد، ولا كذب ولا غش ولا خيانة، ولكن ولاية ومحبة وتعاون وتواص بالحق.

هكذا المؤمنون والمؤمنات، فإذا وجدت من نفسك غلا على أخيك أو كذبا أو ظلما؛ فاعلم أنك قد نقصت إيمانك، وأخللت بإيمانك، وأضعفت إيمانك بهذا الخلق الذميم الذي وجدته من نفسك، من خيانة أو غش، أو غيبة أو نميمة، أو

(1) سورة التوبة الآية 71

(2)

سورة التوبة الآية 71

ص: 255

كذب أو ظلم، قال صلى الله عليه وسلم:«كل المسلم على المسلم حرام بم دمه وماله وعرضه (1) » .

لذا عليك أن تحاسب نفسك وتجاهدها أينما كنت، يروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان في خطبه يقول:(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على الله {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (2)

ويقول الله جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (3) ويقول جل وعلا: {وَالْعَصْرِ} (4){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (5){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (6)

هذه أخلاق المؤمنين، أولياء متناصحون، متعاونون على البر والتقوى، متواصون بالحق والصبر عليه، فإذا وجدت من نفسك خللا في هذا، فاعرف أنه نقص في دينك، ونقص في إيمانك.

(1) أخرجه مسلم برقم (4650) كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وماله وعرضه

(2)

سورة الحاقة الآية 18

(3)

سورة المائدة الآية 2

(4)

سورة العصر الآية 1

(5)

سورة العصر الآية 2

(6)

سورة العصر الآية 3

ص: 256

ويقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا - وشبك بين أصابعه - (1) » . ويقول عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (2) » . ويقول- صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (3) » . متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ويقول صلى الله عليه وسلم:«والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (4) » . أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1) أخرجه البخاري برقم (459) كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، ومسلم برقم (4684) كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم

(2)

أخرجه البخاري برقم (5552) كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ومسلم برقم (4685) كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم

(3)

أخرجه البخاري برقم (2262) كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، ومسلم برقم (4677) كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم

(4)

أخرجه مسلم برقم (4867) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

ص: 257

فالواجب عليك يا عبد الله وعليك يا أمة الله: محاسبة النفس وجهادها في طلب العلم، والتفقه في الدين، وأداء حق أخيك في الله وأختك في الله، فكل واحد هكذا؛ يتفقه، ويتعلم، ويتبصر، ويجاهد نفسه حتى لا يغش أخاه، وحتى لا يظلم أخاه ولا أخته في الله، وحتى يكون وليا لأخيه وأخته في الله، ولا حقد ولا كذب ولا غش ولا خيانة ولا ظلم، وحتى يبذل وسعه في التفقيه في الدين والدعوة، عن طريق حلقات العلم، وكذا عن طريق الإذاعة، وكذلك المكاتبة، وأيضا عن طريق الهاتف، وكذا عن طريق المشافهة.

هكذا المؤمن: ناصح لأخيه أينما كان، وهكذا المؤمنة: ناصحة لأخيها في الله وأختها في الله، فالمؤمن ناصح لإخوانه وأخواته في الله، والمؤمنة كذلك، كما سمعتم في قوله سبحانه في سورة التوبة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} (1) وعدهم الله الرحمة بهذا العمل بالإيمان وسلامة القلوب والولاية بينهم، ومع ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كونك ولي

(1) سورة التوبة الآية 71

ص: 258

أخيك وولي أختك في الله لا يمنع من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل يوجب ذلك.

فالأخوة في الإيمان توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع إقام الصلاة كما أمر الله، وأداء الزكاة كما أمر الله، مع طاعة الله ورسوله في كل شيء، وأنت موعود بالرحمة على هذه الأخلاق، وعلى هذه الأعمال، فدين الإسلام: قول وعمل، علم وعمل، يزداد بالعلم والعمل والتقوى، وينقص بضد ذلك.

والرحمة تحصل للمؤمن بأعماله الصالحة وتقواه لله في الدنيا والآخرة، يرحم في الدنيا بالتوفيق والإعانة والتسديد، ويرحم في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار، بسبب إيمانه وتقواه، وقد جمع الله هذا النصح وهذه الولاية في أربع خصال، في الإيمان والعمل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهذه جماع الدين كله، فالدين كله ينحصر في هذه الأربعة، من جمعها أفلح، وتم ربحه، ومن ضيعها تمت خسارته، ومن ضيع شيئا منها ناله من الخسران بقدر ذلك.

فالناس في خسران قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (1) الجن والإنس، في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (2)

(1) سورة العصر الآية 2

(2)

سورة العصر الآية 3

ص: 259

هؤلاء هم الرابحون: {الَّذِينَ آمَنُوا} (1) يعني علموا الحق وآمنوا به وصدقوا به، وآمنوا بأن الله معبودهم الحق وإلههم، وآمنوا بالرسل واليوم الآخر، والجنة والنار، والحساب والجزاء، وآمنوا بكل ما أخبر الله به ورسوله.

ثم مع هذا الإيمان: حققوا ذلك بالعمل {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (2) آمنوا وعملوا فأدوا ما أوجب الله، واجتنبوا ما حرم الله، هكذا المؤمن.

ثم أمر ثالث، وهو من العمل ومن الإيمان، ولكن خصه الله بالذكر، لعظم شأنه، وهو: التواصي بالحق، والتواصي بالحق عمل وإيمان، داخل في الإيمان، وداخل في العمل، ولكن نص الله عليه بهذه الصورة، لعظم الأمر، ليعلم المكلفون، وليعلم المؤمنون: أنه لا بد من التواصي بالحق.

وأمر رابع وهو: التواصي بالصبر، لأن الإنسان لا يمكن أن يعمل ويتعلم ويتفقه، ويعلم غيره، ويأمر غيره، إلا بالله ثم بالصبر، فمن لم يصبر لم يفعل شيئا، مثل ما قال لقمان لابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (3) ويقول الله جل وعلا:

(1) سورة العصر الآية 3

(2)

سورة العصر الآية 3

(3)

سورة لقمان الآية 17

ص: 260

{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1) ويقول سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) ويقول لنبيه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} (3)

فعلى كل مؤمن ومؤمنة التخلق بهذه الأخلاق الأربعة، والاتصاف بهذه الصفات الأربع: إيمان صادق بالله ورسوله يتضمن الإيمان بالله وأنه معبودك الحق، وأنه ربك، وأنه الخلاق العليم والرزاق لعباده، وأنه سبحانه المسمى بالأسماء الحسنى والموصوف بالصفات العلا، وأنه سبحانه لا شبيه له ولا مثل له ولا ند له، وأنه جل وعلا مستحق لأن يعبد.

ثم الإيمان بالرسل جميعا، من أولهم إلى آخرهم، من آدم ونوح إلى آخرهم، وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، نؤمن بأنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء، وأفضلهم، وأنه الرسول إلى جميع الثقلين الجن والإنس، كما قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (4) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (5)

(1) سورة الزمر الآية 10

(2)

سورة الأنفال الآية 46

(3)

سورة النحل الآية 127

(4)

سورة الأعراف الآية 158

(5)

سورة سبأ الآية 28

ص: 261

وقال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)

فهو رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو رحمة للعالم كله عليه الصلاة والسلام، بشيرا ونذيرا للجميع، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (2){وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (3)

ثم مع الإيمان والعمل: التواصي بالحق التناصح.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} (4) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (5) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (6) إلى غيرها من الآيات داخل في هذا التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

(1) سورة الأنبياء الآية 107

(2)

سورة الأحزاب الآية 45

(3)

سورة الأحزاب الآية 46

(4)

سورة لقمان الآية 8

(5)

سورة الكهف الآية 107

(6)

سورة مريم الآية 96

ص: 262

لكن في سورة العصر نص على ذلك، فقال:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (1) وهذا من إيمانك ومن عملك الصالح أن تتواصى مع إخوانك بالحق والصبر، فالطلبة يتواصون فيما بينهم بالصبر على الحق، فكل واحد ينصح لأخيه، في مذاكراتهم وفي اجتماعهم ليس هناك غل ولا حقد، ولا حسد، يجتمعون ويتذاكرون في الدروس وفي العلم، ويبحثون، عن إخلاص لله ومحبة لله وتعظيم لله، ورغبة في الحق، ثم من كان عنده علم أفاد به أخاه الطالب الآخر وأحب أن يزيده خيرا في مباحثاته ومذاكراته.

وإذا أتوا إلى الأستاذ أتوا بأدب، ورغبة في العلم، وإخلاص وصدق، وسألوه عما أشكل، وأقبلوا على الدرس واعتنوا به قبله وبعده، مع العناية بسؤال الأستاذ عما أشكل بأدب وعن نية صالحة في طلب الحق ومعرفته.

ومن أسباب ذلك أيضا: العناية بالمتون وأعظمها القرآن الكريم، والحرص على حفظه وتدبر معانيه، والإكثار من تلاوته، وهو كتاب الله، وهو حبل الله المتين، وهو الأصل الأصيل، هو أعظم أصل وأعظم كتاب وأشرف كتاب، فالعناية به تكون أهم عناية، تدبرا وتعقلا وعملا.

(1) سورة العصر الآية 3

ص: 263

ثم السنة، العناية بالسنة وحفظ ما تيسر منها، مثل بلوغ المرام، وعمدة الأحكام وغير ذلك، يحرص الطالب على حفظ ما تيسر من السنة، مع العناية بالقرآن الكريم والمذاكرة فيه وتدبر معانيه، ومراجعة كتب التفسير فيما أشكل.

ومع هذا كله: المذاكرة بين الطلبة ومع الأساتذة، عن إخلاص، وعن صدق، ورغبة، لا عن رياء ولا عن سمعة، ولكن عن صدق وعن رغبة في العلم، فإذا علم الله منك ذلك زادك حفظا ووفقك وأعانك، وجعل لك لسان صدق بين إخوانك.

فالوصية للجميع هو النصح للطلبة، والإخلاص لله في ذلك، وحفظ الوقت، كل واحد يحفظ وقته من ليله ونهاره، وقت لشغلك، وقت للمذاكرة، وقت لحاجتك لنفسك، وقت لنومك، فيكون وقته منظما، قد عني به، حتى لا يضيع منه شيء، وقت للعلم والعمل والدرس والمذاكرة، ووقت لحاجة البيت والأهل، ووقت للنوم.

المؤمن الحق يرتب نفسه ويجاهدها في أوقاته كلها، ويحذر ما حرم الله عليه، يحفظ وقته ويحفظ جوارحه عما حرم الله عليه، فيجتهد في حفظ هذه الجوارح حتى تكون في طاعة ربه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته

ص: 264

عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه (1) » . . . (2) . الحديث.

فالمؤمن هكذا، يعتني بما أوجب الله عليه، ويدع ما حرم الله عليه، ويحرص على التقرب إلى الله بما يسر الله من النوافل، عن إخلاص ورغبة فيما عند الله، ويحفظ وقته للعلم والعمل، ومع إخوانه يتواضع ولا يتكبر، يقصد العلم والفائدة، ويكون لين الجانب متواضعا مع إخوانه ومع أساتذته، ويتأدب مع الأستاذ، ويسأل بقصد العلم وبقصد الفائدة، وبالعبارة الحسنة والأدب الصالح.

وعلى العالم أن يتقي الله وأن يبذل وسعه في إيضاح الحق للطلبة، وأن يصبر وأن يتحمل، وأن يجتهد في العبارات الواضحة والأسلوب الواضح، وأن يعتني بكل ما يحتاجون إليه، حتى يتخرج الطالب عن علم وبصيرة، وعن ثقة بما أعطاه الله من العلم.

ومن أهم الأمور: العناية بالعمل، يكون الطالب قدوة لغيره، وهكذا الأستاذ، فالتعليم يكون بالعمل أيضا، فالأستاذ يعلم بعمله الطيب وبأخلاقه الكريمة، حتى يتأسى به الطالب، بالمحافظة على الصلاة والمسارعة إليها والطمأنينة فيها، بمسارعته إلى كل

(1) صحيح البخاري الرقاق (6502) .

(2)

أخرجه البخاري برقم (6021) كتاب الرقاق، باب التواضع

ص: 265

خير، في تواضعه، في حرصه على العلم، في تنبيه الطالب على ما ينفعه، إلى غير ذلك من الأخلاق الجيدة الطيبة، حتى يتأسى به الطالب في أخلاقه وأعماله.

وعلى الطلبة أن يكونوا أيضا قدوة في الخير، يتأسى بهم أهلوهم، يتأسى بهم جيرانهم، يتأسى الطالب الصغير بالطالب الكبير في أخلاقه وأعماله الطيبة، هكذا طالب العلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » ، «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » ، وله مثل عمل أخيه، إذا أرشده وعلمه له مثل أجره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من دل على خير فله مثل أجر فاعله (3) » .

الرسل لهم مثل أجور أتباعهم، ونبينا صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أتباعه، وكل عالم له مثل أجر من هداه الله على يديه، وهكذا الطالب وهكذا غيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من دل على خير فله مثل أجر فاعله (4) » ، «من يرد الله

(1) صحيح البخاري العلم (71) ، صحيح مسلم الإمارة (1037) ، سنن ابن ماجه المقدمة (221) ، مسند أحمد بن حنبل (4/93) ، موطأ مالك كتاب الجامع (1667) ، سنن الدارمي المقدمة (226) .

(2)

صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، سنن الترمذي القراءات (2945) ، سنن ابن ماجه المقدمة (225) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) ، سنن الدارمي المقدمة (344) .

(3)

أخرجه مسلم برقم (3509) كتاب الإمارة، باب إعانة الغازي في سبيل الله بركوب وغيره

(4)

صحيح مسلم الإمارة (1893) ، سنن الترمذي العلم (2671) ، سنن أبو داود الأدب (5129) ، مسند أحمد بن حنبل (4/120) .

ص: 266

به خيرا يفقهه في الدين (1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي لما بعثه إلى خيبر:«لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (2) » .

فالوصية مرة أخرى: تقوى الله، والتواصي بالحق، والتناصح والصبر والعمل، وأن يكون كل واحد مثالا طيبا، معروفا بالأخلاق الطيبة والأعمال الصالحة لزملائه وإخوانه وأهل بيته، والوصية أيضا للمدرسين والعلماء: أن يتقوا الله وأن يصبروا على تعليم الناس، وأن يحرصوا على تثقيفهم بالأساليب الحسنة، بالتواضع والأسلوب الحسن والصبر والمصابرة في ذلك، والله المسئول أن يوفقنا وإياكم جميعا لما يرضيه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين.

ومن الواجب أيضا العناية بأهل البيت، تعليم أهل البيت، من إخوة وأخوات وبنين وبنات وغيرهم، كل واحد من الطلبة والعلماء: الواجب عليه أن يعتني بأهل بيته، وأن يرشدهم ويعلمهم، حتى يستفيدوا من علمه وفضله وأعماله الطيبة.

(1) صحيح البخاري العلم (71) ، صحيح مسلم الإمارة (1037) ، سنن ابن ماجه المقدمة (221) ، مسند أحمد بن حنبل (4/93) ، موطأ مالك كتاب الجامع (1667) ، سنن الدارمي المقدمة (226) .

(2)

أخرجه البخاري برقم (2724) كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس، ومسلم برقم (4423) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

ص: 267