المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مسائل علمية في الآذان والصلاة - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٣

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ الأصل في طعام أهل الكتاب الحل

- ‌ حكم أكل ذبائح النصارى

- ‌ حكم شحم الخنزير

- ‌ حكم أكل اللحوم التيتباع في أسواق الدول غير الإسلامية

- ‌ حكم ذبائح أهل الكتاب إذا عرفت طريقة ذبحهم

- ‌ حكم الدجاج المستورد

- ‌ حكم الدجاج المجمد

- ‌ حكم اللحوم المستوردةمن البلاد الشيوعية والمجوسية والوثنية

- ‌ حكم اللحوم المجهولة في بلاد الكفار

- ‌ الأصل في الأجبانوغيرها من الأطعمة الحل

- ‌ الحكمة في تحريم لحم الخنزير

- ‌ لحم الخنزير وشحمه حرام

- ‌ حكم دهن الخنزير

- ‌ تحريم ذبائح الوثنيين والاشتراكيين والملاحدة

- ‌ مسألة في حكماللحوم المستوردة من بلاد وثنية

- ‌ ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب

- ‌ حكم أكل الضبع

- ‌ حكم النيص

- ‌ حكم أكل الميتة

- ‌ حكم أكل المسلم مع الكافر

- ‌ حكم الأكل مع من لا يصلي

- ‌ حكم الدسم الذي في الأيدي والأواني

- ‌ حكم وضع بقايا الطعام في النفايات واستخدام الجرائد سفرة للأكل

- ‌ حكم شرب الدخان والشيشة

- ‌ من أضرار الدخان

- ‌ تحريم الدخان وبيان مضاره

- ‌ حكم مجالسة المدخنين

- ‌ حكم السجائر والشيشة

- ‌ التدخين بكل أنواعه محرم

- ‌ حكم شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌ مسألة في حكم شرب الشيشة والدخان

- ‌ حكم القات والدخان وصحبة من يتناولهما

- ‌ القات محرم وليس بنجس

- ‌ هل الشاي من الخمور

- ‌ حكم شرب البيرة ونحوها

- ‌ حكم الجلوس على موائد الخمر

- ‌ ما الفرق بين خمر الدنيا والآخرة

- ‌باب الذكاة

- ‌ حل ذبيحة كل من يدين بدين الإسلام

- ‌ حكم ذبيحة من لا تعرف عقيدته

- ‌ صفة تذكية بهائم الأنعام

- ‌ توجيه الذبائحإلى القبلة سنة وليس بواجب

- ‌ الرقبة محل للذبح والنحر

- ‌ إذا قطع الحلقوم والمريء حلت الذبيحة

- ‌ حكم تذكية المرأة

- ‌ حكم ذبائح النصارى التيذبحت بالصرع الكهربائي أو قصف الرقبة

- ‌حكم الحيوان المذبوح بالصعق الكهربائي

- ‌باب الصيد

- ‌ حكم نسيان التسمية عند رمي الطيور وغيرها

- ‌كتاب الأيمان

- ‌ مسألة في الحلف بغير الله

- ‌ المشروع للمؤمنين أن تكون أيمانهم بالله وحده

- ‌ الحلف بأحد المخلوقات منكر عظيم

- ‌ مسألة في القسم بالنبي عليه الصلاة والسلام

- ‌ لا يجوز الحلف بغير الله كائنا من كان

- ‌ حكم الحلف بالكعبة

- ‌ لا يجوز الحلف بالصلاة ولا بالذمة

- ‌ مسألة في اليمين

- ‌ حكم قول (حشا عن ألف يمين)

- ‌ حكم من حلف على شيء ورأى غيره خيرا منه

- ‌ إذا حلفت على شخص ولم يفعل فعليك الكفارة

- ‌ حلف ألا يفعل فاضطر إلى الفعل

- ‌ من حلف ألا يفعل وفعله ناسيا

- ‌ من حلف كاذبا هل عليه كفارة

- ‌ حكم من حلف على شيء وفعله

- ‌ مسألة في كفارة اليمين

- ‌ حكم الأم التي تحلف على أولادها فيخالفونها

- ‌ حكم من حلف لا يدخل بيتا ثم اشتراه

- ‌ حكم من حلف وهو في حالة غضب

- ‌ حكم الحلف وهو في حالة لا يملك شعوره

- ‌ مسألة في الحلف المنكر

- ‌ مسألة في الحنث في اليمين

- ‌ حكم من حلف وحنث في يمينه

- ‌ إذا كانت اليمين على أشياء متعددة من جنس واحد هل يكفي فيها كفارة واحدة أم لا

- ‌ هل تتعدد الكفارة إذا كرر الحلف وكان المحلوف عليه من أجناس متعددة

- ‌ بيان كفارة الحلف

- ‌ الأحوط التتابع في صيام كفارة اليمين

- ‌ حكم تأخير الإطعام في الكفارة

- ‌ لا يجوز البدء بالصيام قبل الإطعام

- ‌ ماذا يفعل من لديه كفارات

- ‌ حكم دفع المال بدل الإطعام في الكفارة

- ‌ حكم إخراج كفارة اليمين نقودا

- ‌ حكم دفع كفارة اليمين للمجاهدين

- ‌ التكفير قبل الحنث جائز

- ‌ اللغو في اليمين

- ‌ لا كفارة عليك إذا لم تحلف

- ‌ ما حكم الأيمان المتكررة على فعل شيء واحد

- ‌ ما يلزم من كان كثير الحلف

- ‌ مسألة في تكرار اليمين

- ‌ مسألة في الأيمان المكررة

- ‌ مسألة في توزيع كفارة اليمين

- ‌ حكم من عاهد فخالف العهد

- ‌باب النذر

- ‌ حكم الوفاء بالنذر

- ‌ الوفاء بالنذر على حسب النية

- ‌ حكم الوفاء بنذر الطاعة

- ‌ مسألة في النذر

- ‌ بيان أن النذر ليس من أسباب النجاح

- ‌ حكم الوفاء بالنذرفور حصول ما كان وعدا على الشرط

- ‌ نذر الطاعة يجب الوفاء به

- ‌ ماذا يلزم من عجز عن الوفاء بنذره

- ‌ حكم من نذر ما ليس بقربة

- ‌ حكم صرف النذرلغير الجهة التي نواها الناذر

- ‌ حكم من لم يستطعالوفاء بالنذر لكبر ونحوه

- ‌ حكم الوفاء بالنذر في غير المحل الذي صرح به الناذر

- ‌ ما حكم من نذر أن يحج فمات قبل أن يحج

- ‌ هل يلزم النائب عمن نذر الحج الإحرام من ميقات الناذر

- ‌ ليس في أداء الواجب نذر

- ‌ حكم قول إذا نجحت في الامتحان سوف أحفظ القرآن

- ‌ النذر حسب النية

- ‌كتاب القضاء

- ‌ نصيحة لطلاب المعهد العالي للقضاء

- ‌الأسئلة

- ‌ رجل ولي القضاء وهو قليل العلم هل يتهرب منه أم يلتزم به

- ‌ ما صحة ما ورد من أن «من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين

- ‌ هل ورد أن القضاة يحشرون مع السلاطين والعلماء مع الأنبياء

- ‌ توجيه كلمة بالتزام الدوام والمواعيد للقضاة والموظفين

- ‌الجمع بين حديثينمتعلقين بالقضاء والاجتهاد

- ‌ حكم المضطرللتحاكم إلى القوانين الوضعية

- ‌ طلب القضاء والمناصبالدينية لأجل مصالح المسلمين

- ‌ وجوب العدل بين العامل المسلم وغيره

- ‌ حكم إعطاء من يمانعمن أداء العمل المنوط به إلا بالمقابل

- ‌ تحريم ذهابالمرأة للمحكمة مع رجل أجنبي

- ‌ حكم حرفة المحاماة

- ‌ شروط العمل في المحاماة

- ‌ التحذير من دفع الرشوة

- ‌ من أضرار الرشوة

- ‌ ما حكم الشرع في الرشوة

- ‌ ما آثار الرشوة على عقيدة المسلم

- ‌ مسألة في الرشوة

- ‌ حكم من يعرقلتنفيذ الأوامر حتى يعطى رشوة

- ‌ وجوب للشهادة إذا طلبت ويحرم كتمانها

- ‌أسئلة بعد المحاضرة

- ‌ حكم قراءة الكتب التي ابتلي صاحبها بها، مثل تأويل صفات الله

- ‌أخلاق أهل العلم

- ‌ بيان أهمية الفقه الإسلامي

- ‌ التفقه في الدينوتعلم العلم الشرعي من أهم الواجبات

- ‌ مسئولية طالب العلم

- ‌ موقفنا من مذاهب الأئمة الأربعة

- ‌ على طريق العلم

- ‌ مسائل علمية في الآذان والصلاة

- ‌ أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة

- ‌ العلم بأحكام الله من أهم الواجبات

- ‌ فضل العلم وشرف أهله

- ‌ كلمة بمناسبة مسابقة حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية بالقصيم

- ‌ القرآن الكريم أهم الكتب لطالب العلم

- ‌ الوصية بقراءة القرآن الكريم وتدبره والعمل به

الفصل: ‌ مسائل علمية في الآذان والصلاة

142 -

‌ مسائل علمية في الآذان والصلاة

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. خ. من حائل، وفقه الله وزاده من العلم والإيمان سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . أما بعد:

فقد وصلني كتابكم الكريم بدون تاريخ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن الجماعة الذين يوجدون لديكم في منطقتكم، الذين يزعمون أنه لا يوجد على وجه الأرض أحد يعرف شريعة محمد وأمر محمد ونهي محمد صلى الله عليه وسلم سواهم ومن على نهجهم، ويزعمون أن الناس على غير طريقة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أيدوا أحدا من العلماء إلا الألباني، وهم يفتون بضد فتوى علماء الإسلام وجمهور العلماء. . إلخ، ورغبتكم الإفادة عما شبهوا به عليكم والجواب عن شبهتهم كان معلوما؟ (1)

والجواب: لا شك أن هؤلاء الجماعة علموا شيئا من الشريعة، وفاتتهم أشياء كثيرة، فنسأل الله أن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم وأن يمنحنا وإياهم العلم النافع والبصيرة النافذة واتهام الرأي والرجوع إلى الحق، فقد قال بعض السلف: يفسد الدين نصف متعلم، ويفسد الأبدان نصف طبيب، ويفسد اللغة نصف

(1) رسالة جوابية من سماحة إلى الأخ غ. م. ح. من حائل برقم (1\35) في 2\1\1398 هـ.

ص: 380

نحوي، وما ذاك إلا بسبب الجهل، فإن هؤلاء وأشباههم بسبب علمهم ببعض الأشياء وجهلهم أشياء كثيرة من الشرع، يعتقدون أنهم مصيبون فيما ذهبوا إليه مما خالفوا فيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وخالفوا فيه ما درج عليه سلف الأمة. . ونحن إن شاء الله نجيبك عما نقلته عنهم في كتابك بالتفصيل فنقول: -

أولا: قولهم: شروط الصلاة، وأركان الصلاة، وواجبات الصلاة، ومبطلات الصلاة كل هذا لم يثبت عن الرسول منه شيء. . إلخ، جوابه: أن هذا الكلام يدل على جهلهم العظيم وقلة معرفتهم بالشريعة، فإن شروط الصلاة المعتبرة، كالطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة والنية، والإسلام، والعقل، والتمييز، ودخول الوقت. كلها عليها أدلة ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، يعرفها صغار الطلبة، وهكذا أركان الصلاة المعتبرة وواجباتها ومبطلاتها، كلها أدلتها واضحة من الكتاب والسنة، ومن راجع كلام أهل العلم وراجع كتب الحديث، كبلوغ المرام، ومنتقى الأخبار، عرف تفصيل ذلك.

وأما قولهم: وأن الصلاة لا يبطلها العبث الكثير والالتفات وغيره، فهذا مخالف لإجماع أهل العلم، فإن العبث الكثير المتواصل المتعمد يبطل الصلاة عند جميع أهل العلم لأن فاعل ذلك يعتبر متلاعبا بصلاته غير مطمئن فيها ولا خاشع، وقد دل القرآن الكريم

ص: 381

على أن من صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي لم يطمئن في صلاته بإعادتها.

وأما احتجاجهم على ما قالوه من عدم بطلان الصلاة بالعبث الكثير بالتفات الصديق في صلاته لما أكثر الناس من التصفيق حين صلى بالناس عند غيبة النبي صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف للإصلاح بينهم، فجاء عليه الصلاة والسلام وقد كبر الصديق بالناس تكبيرة الإحرام فلما علم الناس به أكثروا في التصفيق، فالتفت الصديق فرآه عليه الصلاة والسلام، فأشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت في مكانه فحمد الله وأثنى عليه ثم تأخر، والقصة معروفة في الصحيحين، فهذا لا حجة فيه على أن العبث الكثير المتعمد لا يبطل الصلاة، بل يدل على أن الالتفات للحاجة لا حرج فيه وهذا بالعنق لا بالبدن، واحتجاجهم بهذا الأمر على جواز العبث الكثير أو على أنه لا يبطل الصلاة يدل على جهل عظيم.

ثانيا: اكتفاؤهم بتسليمة واحدة على اليمين، هذا يقوله أكثر أهل العلم وليس خاصا بهم، ولكن الصواب من جهة الدليل أنه لا بد من تسليمتين، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 382

بالأحاديث الصحيحة أنه كان يسلم تسليمتين، وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » (2) وعما احتجوا به أجوبة معروفة عند أهل العلم ذكرها شراح الحديث كصاحب كتاب (فتح الباري) و (نيل الأوطار) وغيرهما.

ثالثا: قولهم: إنه يزاد في السلام وبركاته، فهذا ليس خاصا بهم، بل قاله بعض أهل العلم، وثبت ذلك من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة ليس فيها هذه الزيادة، والصواب: أنه لا بأس بهذه الزيادة إذا فعلها الإمام أو المنفرد أو المأموم بعض الأحيان جمعا بين الأحاديث، ولكن الأفضل أن يقتصر غالبا على (ورحمة الله) عملا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم زادها في بعض الأحيان، فإذا فعل المسلم ذلك في بعض الأحيان فقد استعمل الأحاديث كلها، ومن تركها فلا بأس كما تركها علماؤنا وجمهور أهل العلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا محذورة بالترجيع في الأذان بمكة وهو شيء ثابت، ومع ذلك لم يأمر به بلالا

(1) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .

(2)

أخرجه البخاري برقم (595) كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة.

ص: 383

وهو يؤذن بين يديه صلى الله عليه وسلم في المدينة، والجمع بين الأحاديث في ذلك أن أذان بلال مشروع بدون ترجيع، وأذان أبي محذورة مشروع بالترجيع، فمن فعل هذا أو هذا فلا حرج، وهكذا كان بلال يوتر الإقامة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ما عدا التكبير ولفظ الإقامة. . أما أبو محذورة فكان يشفع الإقامة بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وكل سنة، ولا منافاة بين الحديثين، لكن ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الأفضل هو ما فعله بلال بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله، لأن الله سبحانه لا يختار لنبيه إلا الأفضل، ولا إنكار على من فعل هذا أو هذا، ويسمي أهل العلم هذا الاختلاف اختلاف التنوع وهو جائز، ومن هذا الباب تنوع الاستفتاح والتعوذ والتشهد وكل نوع من ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز العمل به، وإنما الاختلاف في الأفضل من ذلك كما تقدم في أنواع الأذان والإقامة، ومثل هذه المسائل لا ينبغي فيها الاختلاف والتشويش على الناس، لأنها مسائل معلومة عند أهل العلم والأدلة فيها معروفة والاختلاف فيها لا يضر، لأن كل نوع منها جائز بحمد الله، ولكن الجهل يضر أهله ويدخلهم فيما لا يعنيهم.

ص: 384

رابعا: أما زعمهم أن الخط لا يجوز جعله سترة فهذا تقليد منهم لمن ضعف حديث الخط وزعم أنه مضطرب، كابن الصلاح والعراقي، والصواب أنه حديث حسن ليس فيه اضطراب، كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام) حيث قال لما ذكره: رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان، ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن.

خامسا: أما قولهم إن الركعة لا تدرك بالركوع فهو قول ضعيف مخالف للحديث الصحيح، ولما عليه الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم، وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه، «أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدركه في ركوعها، وما ذاك إلا لأنه معذور بسبب عدم إدراكه القيام؛ لأن القيام هو محل قراءة الفاتحة، فلما فات، سقطت الفاتحة عند الأكثرين لهذا الحديث الصحيح، مع أن الجمهور يرون عدم وجوب الفاتحة على المأموم وأن الإمام يتحملها عنه لكن ظاهر الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوبها

(1) أخرجه البخاري برقم (741) كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.

ص: 385

على المأموم لكن إذا لم يدرك القيام وإنما أدرك الركوع فإنها تسقط عنه على كلا القولين، وممن يرى وجوب الفاتحة على المأموم الإمام الشافعي ومع ذلك يسقطها عنه إذا لم يدرك القيام، وذهب بعض السلف إلى أنه يعيد الركعة ولكنه قول ضعيف مرجوح، لأنه مخالف مخالفة صريحة لحديث أبي بكرة المذكور. . وبهذا تعرف أن الخوض في مثل هذا والتشويش به ليس من شأن أهل العلم.

سادسا: أما إلزامهم الناس بجلسة الاستراحة، فهو قول ساقط ولا أعلم به قائلا من أهل العلم، وإنما الخلاف في استحبابها أو عدمه، والصواب أنها مستحبة وليست واجبة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها إنما تستحب عند الحاجة كالمرض وكبر السن، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في آخر حياته لما بدن وثقل، وهذا القول ليس بجيد لعدم الدليل عليه، والصواب أنها من سنن الصلاة لا من واجباتها، ولهذا اختلف الناقلون لصلاته عليه الصلاة والسلام، فمنهم من ذكرها، ومنهم من لم يذكرها، والسبب في ذلك والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها، ولهذا خفيت على بعض النقلة، واستحبها بعض الصحابة رضي الله عنهم، وبعضهم لم يستحبها لما ذكرنا، والله أعلم.

ص: 386

سابعا: أما قولهم إن الجمعة لا شروط لها، وأنها تصلى في البادية، فهذا قول باطل مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمله وعمل أصحابه، ومخالف لإجماع أهل العلم المعتبرين، فقد كانت البوادي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفيما حول المدينة، ولم يكونوا يصلون الجمعة، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجمعة، ولم يأمر من لم يصل معه من المرضى والنساء بأن يصلوا الجمعة، بل كل هؤلاء يصلون ظهرا، وهكذا المسافرون يصلون ظهرا، ومما يدل على ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه في حجة الوداع صادفت حجته يوم الجمعة، فخطب الناس وذكرهم، ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، ثم أقام فصلى العصر ركعتين جمعا وقصرا في وادي عرنة ثم ذهب إلى الموقف، وكان ذلك في يوم الجمعة، ولم يصل بالناس جمعة، ولو صلى بهم جمعة لنقله الصحابة رضي الله عنهم، ويدل على ذلك أن الصحابة سموا صلاته ظهرا ولم يجهر بالقراءة، ولم يجعل الخطبة بعد الأذان ولم يخطب خطبتين، بل خطب خطبة واحدة قبل الأذان، ولو كان صلى الجمعة لسماها الصحابة جمعة ولم يسموها ظهرا، ولجهر فيها بالقراءة، وجعل الخطبة بعد الأذان وخطب خطبتين كعادته صلى

ص: 387

مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة (1) » .

تاسعا: أما زعمهم أن كلمة (الصلاة خير من النوم) إنما تقال في الأذان الأول فهذا محل تفصيل؛ لأن كثيرا من أهل العلم قد اعتقد أن المراد بالأذان الأول هو الأذان الذي ينادى به قبل الصبح، وليس الأمر كذلك، وإنما المراد به فيما نرى الأذان الذي قبل الإقامة، وهو الذي ينادى به عند طلوع الفجر، فيقال له وللإقامة الأذانان كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة (2) » الحديث، فإن المراد بالأذانين هنا الأذان والإقامة، وهو واضح لمن تأمل السنة الواردة في ذلك؛ لأن أبا محذورة كان يؤذن بذلك في أذان الصبح في مكة، وقد أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره

(1) أخرجه مسلم برقم (577) كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه.

(2)

أخرجه البخاري برقم (591) كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة.

ص: 389

أن ينادي بذلك في أذان الصبح، وسماه أبو محذورة الأذان الأول فعلم أن المراد بذلك هو الأذان الذي قبل الإقامة، ولا نعلم في شيء من طرق حديث أبي محذورة أنه كان يؤذن للصبح أذانا آخر قبل الصبح، وإنما هذا معروف من حديث بلال في رمضان خاصة، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم (1) » ولا نعلم أن بلالا كان ينادي قبل الصبح بأذان غير أذانه للصبح في غير رمضان، بل كان يؤذن للصبح إذا طلع الفجر، أما في رمضان فكان يتعاون مع ابن أم مكتوم فيؤذن قبل الصبح بقليل، ثم يؤذن ابن أم مكتوم على الصبح.

وعلى فرض أنه نادى به بلال في أذانه قبل الصبح ونادى به أبو محذورة في أذانه للصبح يكون من باب اختلاف التنوع فلا حرج في ذلك، ولكن ينبغي أن يترك ذلك في أحدهما إذا كان المؤذن واحدا حتى لا يشتبه الأمر على أهل البلد، فإذا اصطلح أهل البلد على جعله في أذان الصبح فلا حرج في ذلك كما عليه العمل الآن في هذه المملكة، وقد درج عليه علماء الدعوة، ولم يكن عندهم في ذلك إشكال، وهم من العلماء المعروفين بتعظيم السنة والمحافظة عليها والدعوة إلى ترك ما خالفها، ولو اصطلح بعض

(1) أخرجه البخاري برقم (586) كتاب الأذان، باب الأذان قبل الفجر.

ص: 390

الناس على جعله في الأول دون الآخر لم يكن في ذلك محذور من حيث المعنى؛ لعدم الاشتباه، ولأن كل واحد منهما يسمى أذان الفجر، ولكن العمل بظاهر السنة يقتضي أن جعله في الأذان الذي ينادى به بعد طلوع الفجر أولى وأوفق للأحاديث الواردة في ذلك عند من تأملها، وعرف أن الإقامة تسمى أذانا ثانيا وأن الأذان يسمى أذانا أولا، وقد جاء في بعض الأحاديث تسمية الأذان الذي ينادى به يوم الجمعة بعد جلوس الإمام على المنبر بالأذان الأول؛ لأن بعده الإقامة وهي الأذان الثاني، وقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على أن أذان الصبح يسمى الأذان الأول والإقامة تسمى الأذان الثاني كما تقدم. . وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح أعمالنا وقلوبنا جميعا، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم إنه سميع قريب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 391