المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على الاعتراض السادس: - محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة

[سامى عامرى]

فهرس الكتاب

- ‌[التصدير]

- ‌الإهداء

- ‌توطئة

- ‌محمّد صلى الله عليه وسلم في أسفار النصارى واليهود

- ‌مقدمة:

- ‌لماذا يبحث المسلم في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌لماذا على غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌شبهات المنصّرين حول البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في" الكتاب المقدس

- ‌اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في التوراة (العهد القديم)

- ‌اعتراضات النصارى على بشارة سليمان النبي بمحمد عليهما الصلاة والسلام لا تخرج عمّا يأتي:

- ‌الردّ على الاعتراض الأول:

- ‌الردّ على الاعتراض الثاني:

- ‌الردّ على الاعتراض الثالث:

- ‌الردّ على الاعتراض الرابع:

- ‌الردّ على الاعتراض الخامس:

- ‌الردّ على الاعتراض السادس:

- ‌ أنبياء يفترون على الله الكذب

- ‌ كتبة الوحى يحرفون كلام الله:

- ‌ أمّة بني إسرائيل تحرّف الوحى:

- ‌ الصالحون من بنى إسرائيل يحبّون الكذب على الله:

- ‌ نقلة كلام الأنبياء يحرفون الوحى:

- ‌أعداء الأنبياء يحرفون الوحى:

- ‌ قصّاصون يخترعون وحيا مزعوما:

- ‌ ظهور أناجيل كثيرة بعد رفع المسيح:

- ‌ مدح تحريف كلام الله

- ‌شهادة اقتباسات كتّاب أسفار العهد الجديد:

- ‌شهادة أقدم المخطوطات:

- ‌شهادة واقع حفظ مخطوطات الكتاب المقدس:

- ‌شهادة تراجم الكتاب المقدس:

- ‌شهادة علماء اللغات:

- ‌شهادة الكنائس ضد بعضها:

- ‌شهادة المجامع الكنيسة:

- ‌شهادة آباء الكنيسة:

- ‌شهادة" الشواهد

- ‌شهادة الكنيسة المعاصرة:

- ‌شهادة البابا شنوده:

- ‌شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب:

- ‌ إنجيل برنابا

- ‌من الشبهات التي يزعم النصارى أنّها تطعن في أصالة هذا الإنجيل

- ‌الشبهة الأولى: لا يوجد سند لهذا الإنجيل

- ‌الشبهة الثانية: نحن لا نملك النسخة الأصلية المكتوبة باللغة اليونانية

- ‌الشبهة الرابعة: ظاهر مما جاء في هذا الإنجيل تأثر صاحبه بتعاليم إسلامية جاء ذكرها في القرآن والسنة

- ‌الشبهة الخامسة: وجود مصطلحات فلسفية يونانية في إنجيل برنابا

- ‌الشبهة السادسة: مخالفة إنجيل برنابا لأسفار الكتاب المقدس

- ‌الشبهة السابعة: إحالة مؤلف إنجيل برنابا إلى أقوال للأنبياء لا نجد لها ذكرا في العهد القديم

- ‌الشبهة الثامنة: جاء في إنجيل برنابا ذكر قصص وحوادث وقعت في أيام الأنبياء السابقين

- ‌الشبهة التاسعة: جاء في إنجيل برنابا ذكر تعاليم وأحداث لم ترد في الأناجيل

- ‌الشبهة العاشرة: جاء في إنجيل برنابا ما يظهر أنّ المؤلف عاش في القرون الوسطى زمن النظام الاقطاعي، إذ نسب ملكية أراض واسعة إلى أفراد (لعازر الذي أحياه عيسى)

- ‌الشبهة الحادية عشر: ورد ذكر" الرطل" في إنجيل برنابا كوحدة وزن، وقطعة الذهب كوحدة نقدية

- ‌الشبهة الثانية عشر: جاء في إنجيل برنابا ذكر عقوبة القتل شنقا

- ‌الشبهة الثالثة عشر: جاء ذكر مقاطع الأحجار (المقالع) في إنجيل برنابا، رغم أنّها صنعة أوروبية متأخرة

- ‌الشبهة الرابعة عشر: جاء ذكر أوقات الصلوات في إنجيل برنابا في غير ما موضع

- ‌الشبهة الخامسة عشر: جاء وصف المسيح بأنّه نبي الناصريين، ووصف أتباعه بالناصريين. ولا حجة لهذا الزعم

- ‌الشبهة السادسة عشر:

- ‌من البشارات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في إنجيل برنابا

- ‌البشارة في كتب الهندوس

- ‌البشارة في كتب الصابئة

- ‌البشارة في كتب البوذية

- ‌البشارة في كتب المجوس*

الفصل: ‌الرد على الاعتراض السادس:

القول إنّ ال" محمديم" صفة لا اسم، لا يستقيم مع ربط الكنيسة هذا اللفظ بشخص بعينه (يسوع) ، كما لا يستقيم مع تطابق الصفات المذكورة في هذه النبوءة مع الصفات المنقولة عن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم. ثم إنّ السياق يظهر أنّ اللفظ السابق قد استعمل للدلالة على الحمد المشتق منه اسم محمد صلى الله عليه وسلم. ويضاف إلى ذلك أنّ وجود الياء والميم يمنعان ترجمة المعنى ويفرضان إبقاءه كاسم علم.

‌الردّ على الاعتراض الخامس:

سبق الردّ على هذه الشبهة، ونضيف أنّ من الأسماء الأخرى التي استعمل فيها التفخيم والتعظيم: أديثايم وأدورايم وإجلايم وكيليزايم وميزرايم وجدروثايم. كما أنّ مترجمي نص نشيد الإنشاد إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والعربية قد ترجموا" يورشلايم" إلى" أورشليم" معتبرين الياء والميم المضافان إلى كلمة" أورشليم" دالتين على التعظيم لا الكثرة.. فلم الكيل بمكيالين؟!!!

‌الردّ على الاعتراض السادس:

القول أنّ" محمديم" بعد حذف أداة التفخيم منها تصبح" محمود" لا" محمد" لا قيمة له لأسباب منها:

أولا: هو اختلاف طفيف، إن صح جدلا، قد ينتج عن عدم حفظ النصّ الأول ومعلوم تخبط اليهود والنصارى حول نطق اسم الربّ: هل هو" يهوه"؟ أم" جيهوفاه"؟ أم..؟؟ ولا أحد من أهل الكتاب بإمكانه أن يقطع بالصورة الأولى لهذا الإسم المقدس. والأمر بالمثل فيما يتعلق باسم النبي" داود"، هل هو" داود" بضم الواو؟ أم بكسرها؟ أم هو باستبدال فاء بالواو؟؟؟

ص: 60

ثانيا: وهو الأهم أنّ تشكيل الحروف في اللغة العبرية لم يعرف إلا في القرن الثامن ميلادي أي بعد قرن من ظهور الإسلام. ولاحظ أنّ الخلاف مصدره الحركات الطارئة على اللغة العبرية:

محمد محمّد إنّها، إذن، بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن رغمت أنوف.. إنّه محمد صلى الله عليه وسلم العظيم، والجميل، والذي أوتي جوامع الكلم..!

وصدق القائل:

الحق شمس والعيون نواظر

لكنها تخفى على العميان

ص: 61

اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في الإنجيل (العهد الجديد)

فيما يتعلّق بذكر اسم نبي الإسلام في" الإنجيل"(أي الأناجيل الحالية) فإننا نحيل كلّ نصراني إلى ما جاء في هذه النصوص:

يوحنا 14: 15- 17: " إن كنتم تحبونني فاعملوا بوصاياي.

وسوف أطلب من الآب أن يعطيكم معينا آخر يبقى معكم إلى الأبد. وهو روح الحق، الذي لا يقدر العالم أن يتقبّله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه في وسطكم، وسيكون في داخلكم"

ترجمة العهد الجديد الصادرة عن" دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط" لنفس النص السابق: " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه.

وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم. "

يوحنا 14: 26: " وأما الروح القدس، المعين الذي سيرسله الآب باسمي، فإنّه يعلّمكم كلّ شيء، ويذكّركم بكلّ ما قلته لكم"

يوحنا 15: 26: " وعند ما يأتي المعين، الذي سأرسله لكم من عند الآب، روح الحق الذي ينبثق (التراجم العربية: الإنجليزية، الفرنسية

تقول" يأتي" لا" ينبثق"!) من الآب، فهو يشهد لي"

يوحنا 16: 7- 16: " صدقوني، من الخبر لكم أن أذهب، فإن كنت لا أذهب لا يجيئكم المعزي. أمّا إذا ذهبت فأرسله إليكم.

ومتى جاء وبّخ العالم على الخطيئة والبر والدّينونة: أما على الخطيئة فلأنّهم لا يؤمنون بي، وأما على البر فلأني

ص: 62

ذاهب إلى الآب ولن تروني، وأما على الدّينونة فلأنّ سيّد هذا العالم أدين وحكم عليه. عندي كلام كثير أقوله لكم بعد، ولكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه. فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كلّه، لأنّه لا يتكلّم بشيء من عنده، بل يتكلّم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث. سيمجّدني لأنّه يأخذ كلامي ويقوله لكم. وكلّ ما للآب هو لي، لذلك قلت لكم: يأخذ كلامي ويقوله لكم. بعد قليل لا ترونني، ثم بعد قليل ترونني. "

كلمة" المعين" هنا ترجمة لأصل مفقود، لكن البحث والتنقيب عن المعاني الخفية كشفا لنا الحقيقة التي كادت توأد على أيدي الكتبة والرهبان.

لقد سارت التراجم العربية في القرون الأخيرة على اعتماد كلمة" المعزّي" مقابل الأصل اليوناني المتأخر المتاح" باراكليتوس". وهذه الكلمة في النصّ العربي في ترجمتنا هي" المعين".

جلّ التراجم العربية الأخرى، والتراجم الإنجليزية والفرنسية تفضّل كلمة" المعزّي" على غيرها من الكلمات. وقد كانت النصوص العربية في القرون السابقة تذكر في نصّ إنجيل يوحنا كلمة" فارقليط" بدل كلمة" معزّي" أو" معين"- عندنا- أو" محامي" أو" مدافع"، دون تعريبها، كطبعات الكتاب المقدس لسنة 1591 م (رومية) ، وسنة 1671 م (طبعة البروباغندا) ، وسنة 1776 م (طبعة دير يوحنا الصابغ) ، وسنة 1821 م، وسنة 1823 م، وسنة 1831 م، وسنة 1844 م وترجمة الخوري يوسف عون، وهو ما يشعر أنّ هذه الكلمة اسم علم لا صفة لشخص، إذ حوفظ على اللفظ الأجنبي دون تعريبه، ولو أنّه كان صفة لعرّب بصورة آلية، علما بأنّ أوّل طبعة عربية ذكر فيه لفظ" المعزّي" بدل" الفارقليط" هي طبعة 1825 م و 1826 م!!!!

ص: 63

إنّ الدلائل اللغوية والحقائق التاريخية كلّها تؤكد أنّ" الفارقليط" هو" أحمد" صلى الله عليه وسلم، نبي الإسلام المنتظر.. أمّا" المعزّي" فمخرج من ورطة..

وحفرة، لرأس النعامة الفزعة.. وقد صرّح الدكتور القس أ.. ب. سمبسون بقوله:" الاسم المعزّي: ليست الترجمة مدققة جدا"(الروح القدس أو قوة من الأعالي ص 206 ج 2- نقله إلى العربية يوسف اسطفان) .

اعترف بحقيقة البشارة غير واحد من النصارى، ومن هؤلاء:

المستشرق الدكتور كارلونلينو في النقاش الذي كان بينه وبين الشيخ عبد الوهاب النجار الذي نقل وقائعه في كتابه" قصص الأنبياء" ص ص 397- 398 وقد قال للشيخ أنّ كلمة" بيركليتوس" تعني" الذي له حمد كثير".

ذكر" جودفري هيجتر 1773) =Godfrey Higgins ="م- 1833 م) - وهو أركيولوجي. وقد أنفق 20 سنة من حياته في البحث في الأشياء العتيقة المتعلقة بالديانات، وله عدد من الكتب السياسية. وكان قد رشّح ليكون في البرلمان في زمانه، ويصرّح أنّه نصراني- في كتابه =Anacalypsis =الذي جمع فيه آثار الأمم.. في الصفحة 679 أنّ المطران مارش Marsh قال إنّ كلمة Paraclete =باراكليت" (التي هي الكلمة الأصل) لا بدّ أن تكون من الأصل السرياني أو العربي =Prqlit ب ر ق ل إ ط (Peryclyte) المترجمة إلى اللغة اليونانية. ثم أضاف هجتر أنه إذا كانت كلمة =Prqlit =هي الكلمة التي نطق بها عيسى وأنها تعني: محمد، فإنه من الخطئ ترجمة هذه الكلمة إلى كلمة "=Comforter =المعزّي".

ص: 64

- اعترف المستشرق جورج سيل في كتابه Discourse to the Quran ==Preliminary: أنّ كلمة "=Peryclyte =بيريكليت" تعني" محمد" باللغة العربية.

جاء في كتاب" تاريخ الكنيسة المسيحية =Christian Church =A History of the "ل الارس ب. كوالبن ص 145: " أرسل الله أنبياء كآدم وإبراهيم وموسى وعيسى. لكن أكبرهم هو محمد، الباراقليط الموعود من طرف عيسى".

ذكر الباحث جعفر السحباني أنه قد جاء في دائرة المعارف الفرنسية الكبرى ج 23 ص 4174" محمد مؤسس دين الإسلام، ورسول الله وخاتم النبيين" كلمة" محمد" بمعنى محمود بكثرة، ومصدرها" حمد" التي تعنى التمجيد والتجليل والعجيب وعلى وجه الصدفة إن اسما آخر يترادف مع لفظ محمد ينتمي إلى نفس المصدر" حمد" وهو" أحمد" الذى يحتمل احتمالا قويا بأنه هو المستخدم من قبل العيسويين الذين كانوا يقطنون شبه الجزيرة العربية والذين كانوا يبحثون عنه لتعيين" فارقليط"، فأحمد تعنى محمودا جدا وجليلا جدا وهو ترجمة للفظ" باراكليتوس" والتى تقرأ خطأ" بريكليتوس" ولقد طرق سمعنا هذا الترتيب للكتاب المسلمين مرار حيث قالوا إن المراد من هذا اللفظ هى البشارة على ظهور رسول الإسلام وقد أشار القرآن المجيد أيضا وبشكل علني إلى هذه الآية العجيبة في سورة الصف. (نقلا عن كتاب" بشارة أحمد في الإنجيل" إعداد محمد الحسيني الريس) .

قال المنصّر الحاقد على الإسلام ويليام موير في كتابه" حياة محمد" طبعة لندن 1871 م، ص 5 إنّ بعض الترجمات العربية للعهد الجديد استعملت كلمة" أحمد" كمقابل لكلمة" باراكليتوس"!

ص: 65

- الباحث النصراني ويليام سنت كلير تسدل ST.Clair William

Tisdall

، وقد كان منصرا في إيران، ترجم إنجيل يوحنا إلى اللغة الفارسية، وقد كتب في هامش إنجيل يوحنا حول كلمة" باركليت" أنّه من الخطأ ترجمتها إلى" أحمد" لأنه لا يوجد معجم يوناني يترجم هذه الكلمة إلى ذاك الاسم، وأضاف أنّه توجد كلمة يونانية أخرى هي التي تعني" أحمد" وهي" باريكليتوس"، لكنّ هذا المنصّر نفسه ألّف كتابا آخر، ضد الإسلام، ترجمه إلى الإنجليزية ويليام موير تحت عنوان" مصادر الإسلام =The Sources of Islam ="ص 190 وقال فيه إنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم قد خدع عن طريق جاهل مرتد عن النصرانية خلط بين الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا وبين كلمة يونانية أخرى تعني" أحمد" باللغة العربية!!!

الأنبا إثناسيوس أسقف بني سويف لما ضاقت أمامه الحيل قال في تفسيره لإنجيل يوحنا في كتاب" دراسات في الكتاب المقدس" ص 119: " إنّ لفظ بارقليط إذا حرّف نطقه قليلا يصير بيركليت ومعناه الحمد أو الشكر وهو قريب من لفظ أحمد".!!

الدكتور أدوين جونس اعترف في كتابه" نشأة الديانة المسيحية" أنّ تلك الكلمة تعني" محمّد"، لكنه ليمنع نفسه من الاقرار بصدق هذا البشارة في انطباقها على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قال إنّ النصارى أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلا منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين!!؟

جاء في تفسير محمد جمال الدين القاسمي" محاسن التأويل" في تفسير قول المسيح عليه السلام في سورة الصف الآية 6: "

وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ":

ص: 66

" وذكرت جريدة المؤيد عدد 3284 صفحة 2 تحت عنوان" لا يعدم الإسلام منصفا":

وقال مسيو مارسيه من" مدرسة اللغات الشرقية" ما يأتي:

إنّ محمدا هو مؤسس الدين الإسلامي، واسم محمد جاء من مادة حمد. ومن غريب الاتفاق أنّ نصارى العرب كانوا يستعملون اسما من نفس المادة يقرب في المعنى من محمد، وهو أحمد، لتسمية البراكلية به. ومعنى أحمد صاحب الحمد، وهذا ما دعا علماء الدين الإسلامي أن يثبتوا بأنّ كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبي محمد. وقد أشار القرآن نفسه إلى هذا بقوله عن المسيح:" ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".

وقد قال اسبرانجيه: إنّ هذه الآية تشير إشارة خاصة إلى عبارة إنجيل يوحنا حيث وعد المسيح تلامذته ببعثة صاحب هذا الاسم. انتهى بالحرف. "

من آخر الاعترافات بكون هذه الكلمة تعني" أحمد" ما جاء في موقع" مؤسسة الكتاب المقدس الآرامي) =Aramiac Bible Society ="الآرامية كما سبق ذكره هي لغة أهل فلسطين في القرن الأول ميلادي) على الشبكة العنكبوتية.. وهو موقع غير إسلامي!! والنص بالإنجليزية بتمامه في الملحق.

ومن أفضل ما يكشف حقيقة البشارة في إنجيل يوحنا باسم نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم، هذه القصة التي ينقلها لنا القسيس الإسباني المهتدي إنسلم تورميدا في كتابه" تحفة الأريب في الردّ على الصليب" ص ص 33- 34 وص ص 37- 39 في سبب إسلامه وذهابه إلى تونس زمن أبي العباس أحمد بن المستنصر الحفصي الذي حكم بين عامي 772 هـ- 769 هـ، وهو تحققه من معنى كلمة" البارقليط" في النص العربي لإنجيل يوحنا (الباريكليتوس) في زمانه.

ص: 67

تلقى إنسلم دراسة الكتاب المقدس منذ نعومة أظفاره، ثم انقطع لطلب العلم فترة طويلة استطاع أن يصحب فيها أساطين العلم بالديانة النصرانية أمثال نقلاد مارتيل الذي كانت له منزلة في العلم والدين رفيعة جدا. وقد قرأ هذا الرجل علم أصول الدين النصراني وأحكامه، ولم يزل يتقرّب إليه بخدمته حتى صار أخصّ خواصه ومكث على ذلك عشر سنين. ثم أصاب القس الكبير مرض، فتخلف عن مجلسه العلمي.

وتذاكر أهل المجلس في مسائل إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول عيسى عليه السلام: " يأتي من بعدي البارقليط"" فبحثوا في تعيين هذا النبي، وقال كلّ منهم بحسب علمه وفهمه.

يقول إنسلم: " فأتيت مسكن صاحب الدرس، فأخبرته باختلاف القوم.

فقال: إنّ تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل.

فبادرت إلى قدميه أقبلهما، وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصّلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعلّ من جميل إحسانكم أن تكمل علمي بمعرفة هذا الاسم الشريف.

فبكى وقال: ولدي، والله إنّك لتعزّ عليّ كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليّ، وإنّ في معرفة هذا الاسم فائدة عظيمة، لكن أخاف أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك النصارى.

فقلت له: والله العظيم، وحقّ الإنجيل ومن جاء به، لا أتكلّم بشيء مما تسرّه لي إلا عن امرك.

فقال: اعلم يا ولدي أنّ البارقليط اسم من اسماء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه أنزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال، فقد أخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأنّ دينه دين الحقّ، وملّته هي الملّة البيضاء المذكورة في الإنجيل.

قلت: يا سيدي، وما تقول في دين النصارى؟

ص: 68

قال: لو أنّ النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله، لأنّ عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله تعالى. ".

لقد كانت التراجم القديمة واضحة في تنصيصها على هذا الاسم، واقرأ إن شئت ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه" هداية الحيارى" عن ترجمات الإنجيل في زمانه، فقد قال مثلا أنّ المسيح قال للحواريين:" من أبغضني فقد أبغض الربّ. ولولا أنّي صنعت لهم صنائع لم يصنعها أحد لم يكن لهم ذنب. ولكن من الآن بطروا. فلا بدّ أن تتمّ الكلمة في الناموس، لأنّهم أبغضوني مجانا. فلو قد جاء" المنحمنا" هو الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ، روح القسط، فهو شهيد عليّ، وأنتم أيضا، لأنّكم قديما كنتم معي. هذا قولي لكم لكي لا تشكّوا إذا جاء. "

علّق الإمام ابن القيّم في كتابه" هداية الحيارى" على هذا النصّ الذي أورده: " والمنحمنا هو الحامد أو المحمود باللغة السريانيّة".

ثمّ نقل قول ابن قتيبة: " الفارقليط من ألفاظ الحمد، إما أحمد أو محمد أو محمود نحو ذلك. وهو في الإنجيل الحبشي" برنقطيس. "

وقال الباحث" عودة مهاوش الأردني" في كتابه" الكتاب المقدس تحت المجهر"(الطبعة الأولى، 1412، دار أنصاريان) : " عند مراجعتي لأحد الأناجيل الأسكندنافية المتداولة اليوم، والتي طبعت قبل حقبة من الزمن بالنرويجية، وجدت أنّ كلمة أحمد لازالت موجودة بالشكل التالي" أمات =amat ="وهذا الاسم لازال يستعمل إلى يومنا هذا من قبل الأمريكيين نرويجيي الأصل، ويكتب بالشكل التالي =amodt =: في نفس الإصحاح".

ص: 69

اعتراضات المنصّرين على انطباق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم

شبهة: زعم النصارى أنّ الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا، إنما تعني" المعزّي" لا" أحمد" ولذلك فإنّ التراجم العربية تنصّ على كلمة" معزّي"!

الردّ: جاء في" معجم الكتاب المقدس =Dictionary of the Bible ="لجيمس هاستنج، James Hasting م 3، ص 668، تحت كلمة" بارقليط ": =Paraclete ="بارقليط. ربما من الأفضل نقل (هذه) الكلمة بصورة حرفية، كما كان الأمر في العديد من التراجم، بما في ذلك الأقدم، وكما فعلت جميع التراجم الإنجليزية ب" كرايست) =Christ ="أي مسيح) ، " رسول "، Apostle ""شمّاس =Deacon ="وكلمات أخرى. "

ولو كانت كلمة المعزّي هي الترجمة البديهية للكلمة اليونانية لما تردد أمثال هستنج في استعمالها وتبنّيها.

ذكر القسيس المهتدي عبد الأحد داود المتقن للغة اليونانية أنّ المقابل اليوناني لكلمة" معزي" هو" باراكلون" و" باريجوريتس" لا" باراكليتوس".

النص اليوناني استعمل كلمة" أونوما" وهي تعني" اسمه" ولكن النصارى عرّبوا نصّها في الأناجيل الحالية: " يرسله الآب باسمي" في حين أنّ الترجمة الصحيحة: "

ص: 70

وأما النبي الحق الذي سيبعثه الله اسمه أحمد" وعلى هذه الصورة فلا معنى للزعم بأنّ الكلمة موضوع البحث تعني" معزّي"!

ذكر فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار المقدسة العالمية" ص 411 (الطبعة الأمريكية المنقحة) أنّه قد جاء التصريح باسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في الكتب الهندوسية في أثارفا فيدا، كندا 20، سوكت 127، منترا 8، حيث الاسم في اللغة السنسكريتية:" باركشيت. =parikshit =وهذه الكلمة موافقة للكلمة الواردة في إنجيل يوحنا من ناحية المعنى. وبيّن أنّ المختصين في مقارنة اللغات القديمة والنحو يعلمون أنّ" كشي" السنسكريتية (لغة الهند) تتحول إلى" كلي" في اللغة اليونانية (انظر كتاب البروفسور بوب Grammar Bopps Comparative في النحو في كثير من اللغات العالمية كالسنسكريتية واليونانية والزندية والاسكندنافية والألمانية القديمة، وهو في ثلاثة مجلدات كبيرة) . وهذا المسمّى ب" باركشيت" موصوف بأنّه" ملك على كلّ البشر، مقدّس وطاهر بين الناس، قائد البشر، باركشيت، اسمعوا لتحميده"، وبيّن فديارتي أنّ هذا الباركشيت لم يظهر قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وأنّ صفاته تنطبق على نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم.

أو ليس من المثير أن نرى توافق كتب النصارى والهندوس حول ذكر اسم نبي الإسلام" أحمد" بصورة صريحة وبنفس الشكل؟!!

شبهة: يزعم النصارى (ومنهم جوش مكدويل Josh McDowell ودون ستيوارت Don Stewart في كتابيهما الشهير Answers to Tough =

= questions=

" إجابات على أسئلة صعبة

" الذي تتبّعا فيه بزعمهما (!) جميع الأعداد التي يقول" المخالفون" أنّها تثبت أنّ الكتاب المقدّس ليس وحيا من عند الله

ص: 71

سبحانه، وهو" الصورة الإنجليزية الأصلية" لأشهر كتاب للاعتذاريين العرب في الدفاع عن الأسفار النصرانية المقدسة" شبهات وهمية حول الكتاب المقدّس" قبل التهذيب!؟) أنّه لا توجد مخطوطة واحدة تؤيدة زعم المسلمين أنّ الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا هي" باريكليتوس"، التي لا شكّ أنها تعني" أحمد"، لا" باراكليتوس" لتؤيد اعتراضهم.

الردّ: المخطوطات المتاحة التي تعود إلى ما قبل بعثة نبي الإسلام قليلة جدا، فكيف يزعم النصارى أنّ المخطوطات القديمة كلها قد استعملت كلمة" باراكليتوس" رغم ندرتها؟!!!

لا بدّ من تقديم أسماء المخطوطات وتاريخ تأليفها.. لا مجرد دعاوى منتفخة لا يسندها برهان ولا يعضدها بيان.

لقد جربنا عليكم الكذب مرارا، وقد كان أئمتكم منذ الزمان القديم يؤيدون الكذب لنشر النصرانية وردّ المخالفين، ومنهم كليمنت كما هو ظاهر من الرسالة التي اكتشفها البروفسور مورتون سميث سنة 1958 م في دير قرب القدس، والتي حذّر فيها كليمنت أصحابه من فرقة الكربو كراتيين بقوله:".. فحتى لو قالوا شيئا صحيحا فإنّ محبّ الحقيقة يجب ألا يقرهم حتى ولو كان متفقا مع قولهم..".. فلا بدّ لنا أن نطالبكم بالبيّنة على أنّ جميع المخطوطات المتاحة تؤيد زعمكم

وهو ما لا تملكونه!

الخطأ في كتابة الاسماء كثير جدا في مخطوطات الكتاب المقدس كما بيّنه غير واحد من النقّاد.. والتشابه في كتابة الكلمتين منفذ إلى التحريف غير القصدي.

ص: 72

مما يدل على أنّ الكلمة الأصلية هي اسم نبي الإسلام: أن حروف المد- وهي: الألف والياء والواو- لم تكن قبل القرن الخامس الميلادي. ف" باراكليتوس" ترسم بغير حروف المد كما ترسم الكلمة التي تعني" أحمد" والخلاف لم يطرأ إلا مع ظهور هذه الحروف.. فلا حجة اذن في المخطوطات المحفوظة اليوم عند النصارى!

ترجمة الكلمة المتأخرة الواردة في إنجيل يوحنا إلى اليونانية عند النصارى:

" باراكليتوس".. وإضافة الواو والسين للكلمة التي يرى النصارى أنها الأصل" باراكليت" دليل على أنها اسم علم إذ لا يدخل هذان الحرفان إلا على اسماء الأعلام.. وعلى هذه الحال فلا يمكن الزعم أنّ المقصود هو" معزّ" إذ التعزية صفة، والواو والسين لا يدخلان على الصفات!

ص: 73

- جاء في تعليق بيك على الكتاب المقدس) on the Bible Peakes Commentary الطبعة الجديدة، 1962 م) ص 861، قسم 752 أ:" إنّه من غير المؤكد معرفة كيف تترجم (كلمة باراكليت) ، ولذلك يوجد الكثير مما يقال حول نطق (transliterating) هذه الكلمة كباراكليت. "

جاء في معجم جودفري هجتر Godfrey Higgins dictionary النقل عن القديس موريس Moriss قوله إنّ كلمة" باراكليت =paraclete ="ليست كلمة يونانية وإنما هي كلمة سريانية.

أشار أبو الأعلى المودودي في تفسيره لكتاب الله سبحانه، م 14 ص 216 وما بعدها (الترجمة الانجليزية (=The Meaning of the Quran =تحت سورة الصف الآية 6 إلى أنّ المسيح قد أشار إلى" الباراكليتوس".. ولمعرفة الكلمة الأصلية التي فاه بها ابن مريم عليهما السلام فإنه علينا أن نعرف اللغة التي تكلمها عليه السلام.. وأضاف أنّ الدلائل التاريخية تذكر أنّ المسيح كان يتكلم السريانية (قلت: السريانية هي أحد اللهجات الآرامية الشرقية

ومما يؤكد أنّ المسيح كان يتكلّم السريانية، الألفاظ السريانية التي نقلها أصحاب الأناجيل عنه باللغة الأصلية: مرقس 15: 34: " إلوي، إلوي، لما شبقتني"، متّى 5: 22: " رقا"، مرقس 7: 34: " إفّاثا") بل كانت هذه اللغة هي لغة أهل فلسطين حتى القرن التاسع ميلادي.. وبيّن أنّه قد جاء في كتاب السيرة المعروف" سيرة ابن هشام"، لابن هشام الذي اعتمد فيه على روايات ابن إسحاق- رحمهما الله-، النقل عن إنجيل يوحنا 15:

23-

27 و 16: 1 من ترجمة زمانه، قال:" قال ابن إسحاق: " وقد كان، فيما بلغني عمّا كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أثبته يحنس (يقصد يوحنا) الحواري لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول صلى الله عليه

ص: 74

وسلم إليهم أنه قال: من أبغضني فقد أبغض الربّ، ولولا أنّي صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي، ما كانت لهم خطيئة، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزّونني، وأيضا للربّ، ولكن لا بدّ من أن تتمّ الكلمة التي في الناموس: أنهم أبغضوني مجانا، أي باطلا. فلو قد جاء المنحمنّا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ، (و) روح القدس، هذا الذي من عند الرب خرج، فهو شهيد عليّ وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي. في هذا قلت لكم: لكيما لا تشكوا. "

ونقل مرزا ماسوم بج في كتابه =The Gospel of Barnabas =إنجيل برنابا" ص 17 أنّ وستنفلز) Westenfels وهو باحث نصراني بارز بالإضافة إلى أنّه نحوي) قد بيّن أنّ الكلمة التي اعتمدها المسيح هي" محمنا" الآرامية باللغة التي كان عليه السلام يتحدثها وهي تعني" محمد".

وقد ذكرنا سابقا ما نقله الإمام ابن القيم بخصوص هذه الكلمة باللغة السريانية.. علما بأنّ ابن هشام قد عاش في القرن 9 ميلادي أما ابن إسحاق فقد عاش في القرن 8 ميلادي أي أنهما قد عاصرا الزمن الذي كان فيه نصارى فلسطين يقرؤون الأناجيل بلغة المسيح.

قال الباحث المعروف في الآثار جودفري هجتر في كتابه: " اعتذار إلى محمد Apology to Mohamed ="ص 718: ": " حجّة المحمّديين (يقصد المسلمين) في أنّ ترجمة الكلمة إلى اليونانية هي" باريكليتوس" بدل" باراكليتوس"، تجد سندا قويا من الأسلوب الذي تبناه القديس جيروم في ترجمة (الكتاب المقدس) الفولجات اللاتينية في ترجمته الكلمة إلى اللاتينية" باراكليتوس =Paraclitus ="بدل" باراكلوتوس. =paracletus ="وهذا يظهر أنّ النسخة التي ترجم منها

ص: 75

القديس جيروم لا بدّ أنها تحتوي على كلمة" بيريكلوتس "=periklutos ="لا" باراكليتوس. =paraklytos ="

فما أعظم هذه الشهادة التي يقدّمها أحد آباء الكنيسة بل وصاحب أشهر ترجمة نصرانية للكتاب المقدس أعدّها (في القرن الرابع ميلادي) بعد جمعه لأهم المخطوطات، وأوثقها، وأقربها إلى زمن تأليف الأسفار المقدّسة!!

شبهة: يزعم النصارى أنّ المبشر به هو روح، وهذا الأمر يمنع صدق ادعاء المسلمين أنّ محمدا، صلى الله عليه وسلم، هو هذا المبشّر به.. إنّ المبشّر به هو" الروح القدس" الأقنوم الثالث!

الردّ: لقد روّج النصارى للقول بأنّ" البارقليط" هو الروح القدس بالاعتماد خاصة على ما جاء في إنجيل يوحنا 14: 26: " وأما الروح القدس المعين الذي سيرسله الآب باسمي، فإنّه يعلّمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم. "

وهذا النص هو الوحيد الذي جاء فيه وصف" البارقليط" بأنه" روح القدس" أما في غير هذا الموضع فقد وصف المبشّر به بأنه فقط" روح"، لكن هذا الزعم قد انكشف أمره وانجلى عنه غبار التحريف، فقد اكتشفت أجنس س. لويس مخطوطة سريانية مشهورة تسمّى اليوم ب =Codex Syriacus =: سنة 1811 م في دير سيناء، تعود إلى قرابة القرن الخامس ميلادي- فهي إذن من أقدم المخطوطات- وهي تقول" البارقليط، الروح" لا" البارقليط، الروح القدس"..

من المعلوم أنّ العهد الجديد يستعمل كلمة" الروح" للحديث عن الأنبياء-

ص: 76

انظر مثلا رسالة يوحنا الأولى 4: 1: " أيها الأحباء، لا تصدّقوا كلّ روح، بل امتحنوا الأرواح لتعرفوا ما إذا كانت من عند الله أم لا، لأنّ عددا كبيرا من الأنبياء الدجّالين قد انتشر في العالم. "(انظر أيضا إلى الرسالة الأولى ليوحنا 4: 6)، أو انسانا ملهما: انظر مثلا الرسالة الأولى إلى كورنثوس 10: 2 والرسالة الأولى لتسالونيكي 2: 2

وفي نبوءة حزقيال 37: 21 في العهد القديم أنّ روح الحق هو النبي الحق وروح الضلال هو المسيح الدجال ومن على شاكلته.

جاء في سفر أعمال الرسل 4: 36: " ومن هؤلاء يوسف، الّذي دعاه الرّسل برنابا أي ابن التّشجيع، وهو من سبط لاوي، ويحمل الجنسيّة القبرصيّة. "

الكلمة اليونانية التي عرّبت" تشجيع" هي" باراكليزس =Paraklesis ="وهي فعل أن يكون" باراكليت"، لكن كما يقول عبد الحق فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية"(الطبعة الأمريكية) ص 399 إنّ كلمة" برنابا Barnabas ""باللغة الآرامية يمكن أن تعني أيضا" ابن نبيّ"، وهو ما يظهر أنّ كلمة" باراكليت" يمكن أن تعني" نبيّ" إذ أنّ كلمة" برنابا" قد ترجمت في العهد الجديد اليوناني إلى" ابن باراكليزس".

وجاء في كتاب" إنجيل يوحنا =The Gpspel of john ="لرودلف بولتمان Rudolf Bultmann ص 567 أنّ كلمة" باراكليت" تعني" رسول. =Messenger ="

ثار عدد من كبار النقاد في الغرب على الزعم التقليدي الكنسي لمعنى ما جاء في إنجيل يوحنا.. ومن هؤلاء سبيتا، Spitta ودلفوس، Delafosse ووندش

ص: 77

، Windisch وساس، Sasse وبولتمان، Bultmann وبوتز، Betz وغيرهم

مقرّرين أنّ البارقليط شخص بشري تمّ بصورة متأخرة الادعاء أنّه الروح القدس (انظر التفسير الشهير للكتاب المقدس =Anchor Bible =طبعة 1970 المجلّد 29 أ، ص 1135) !!)

شبهة: يزعم النصارى أنّ قول المسيح" ماكث معكم"(يوحنا 14: 17) دليل على أنّ المبشّر به هو الروح القدس، الأقنوم الثالث في الثالوث المقدس!

الردّ: قال الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" ص ص 455- 456":

أقول: إن هذا القول في التراجم الأخرى هكذا: ترجمة عربية سنة 1816 م، وسنة 1825 م:" لأنه مستقر معكم، وسيكون فيكم".

والتراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 م، وسنة 1828 م، وسنة 1841 م.

وترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 م، وسنة 1839 م، كلها مطابقة لهاتين الترجمتين.

وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 م هكذا: " ماكث معكم ويكون فيكم".

فظهر أن المراد بقوله ثابت فيكم الثبوت الاستقبالي يقينا، فلا اعتراض به لوجه من الوجوه، وبقي قوله مقيم عندكم فأقول: لا يصح حمل هذا القول على معنى" هو مقيم عندكم الآن"، لأنه ينافي قوله:" أنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر"، وقوله:" قد قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنون"، وقوله:" إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط"، وإذا

ص: 78

أول نقول أنه بمعنى الاستقبال، كما أن القول الذي بعده بمعنى الاستقبال، ومعناه يكون مقيما عندكم في الاستقبال، فلا خدشة في صدقة أيضا على محمد صلى الله عليه وسلم. والتعبير عن الاستقبال بالحال بل بالماضي في الأمور المتيقنة كثير في العهدين، ألا ترى أن حزقيال عليه السلام أخبر أولا عن خروج يأجوج ومأجوج، في الزمان المستقبل، وإهلاكهم حين وصولهم إلى جبال إسرائيل.

ثم قال في الآية الثامنة من الباب التاسع والثلاثين من كتابه هكذا: " ها هو جاء وصار يقول الرب الإله هذا هو اليوم الذي قلت عنه"

فانظروا إلى قوله ها هو" جاء وصار"، وهذا القول في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 م هكذا:" ابنك رسيد وبوقوع يبوست" فعبر عن الحال المستقبل بالماضي لكونه يقينا لا شك فيه وقد مضت مدة أزيد من ألفين وأربعمائة وخمسين سنة ولم يظهر خروجهم.

وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا: " الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" فانظروا إلى قوله وهي الآن وقد مضت مدة أزيد من ألف وثمانمائة ولم تجيء هذه الساعة وإلى الآن أيضا مجهولة لا يعرف أحد متى تجيء".

شبهة: يزعم النصارى أنّ الحواريين، الذين لا يكذّبهم المسلمون ويعتقدون أنهم ثقاة لا يكذبون، كانوا ينتظرون ظهور" الباراكليتوس" في زمانهم!

الرد: من أوجه بطلان هذا الاعتراض:

ص: 79

- لا دليل على أنّ ما في الأناجيل هو نقل صادق عن الحواريين بل الشواهد كثيرة على عكس ذلك.

تزعم أناجيل الكنيسة أنّ الحواريين لم يفهموا الكثير من أحاديث المسيح. فلم الإصرار في هذا المقام على تنزيه الحواريين عن الخطإ في فهم هذه النبوءة الخاصة بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟!!

جاء في إنجيل متّى 26: 64: " أقول لكم أيضا إنكم منذ الآن سوف ترون إبن الإنسان جالسا عن يمين القدرة ثم آتيا على سحب السماء! ".. فهل رأى صحابة المسيح، معلّمهم، في حياتهم، آتيا على سحب السماء، إلا أن يكون الأمر إخبارا عن أمر يحدث في المستقبل؟!!!

شبهة: يزعم النصارى أن" الباراكليتوس" قد جاء قبل نبي الإسلام بأكثر من خمسة قرون، في القرن الأول ميلادي، بعد رفع المسيح، في عيد الخمسين Pentecost ونزل على التلاميذ فتكلّموا بلغات عديدة ما كانوا يعرفونها من قبل (أعمال الرسل 2: 4) .

الرد: بعد مراجعة النبوءات السابقة الواردة في حق الفارقليط يتبيّن لنا أنّ ما زعم حدوثه يوم الخمسين (في عيد العنصرة) لا يمكن أن يكون تحقيقا لنبوءة المسيح في إنجيل يوحنا، لعدة أسباب:

الروح القدس الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين، لم يبق مع النصارى، بل كان نزوله سريعا وانقضى في لمح البصر.

ص: 80

- روح القدس نزل على التلاميذ، ونزل قبل ذلك على الأنبياء الأوّلين.

نزل الروح القدس على الحواريين قبل يوم الخمسين، كما هو مذكور في إنجيل يوحنا 20: 22: ".. قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: " اقبلوا الروح القدس..".

اتصال الروح القدس بالمؤمنين لم يكن رهين ذهاب المسيح.

لم يأت الروح القدس بتعزية أو خلاص للتلاميذ أو الرسل. فقد وقع التلاميذ وأتباعهم تحت سوط العذاب من طرف السلطة الرومانية من جهة واليهود من جهة أخرى.

الروح القدس لم يهد النصارى ولم ينر لهم طريق معرفة الله سبحانه، بل لقد دبّ الخلاف الشديد بين الأتباع وظهرت فرق عقدية كثيرة جدا، كلّ منها يدّعي أنّه على طريق المسيح، ويزعم أنّ مخالفيه هراطقة ضالين.

إذا قلنا أنّ الروح القدس هو موضوع بشارة المسيح، فكيف من الممكن أن نفهم قول المسيح أنّ هذا الآتي يوبّخ العالم؟!!!

ذكر المسيح أنّ التلاميذ ليس بإمكانهم إطاقة تلقّي الكثير من الحقائق دينية في تلك الأيام: " عندي كلام كثير أقوله لكم بعد، ولكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه. فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كلّه..".. فكيف امتلك التلاميذ هذه القدرة بعد عشرة أيام فقط من رفع المسيح، مع أنّ ظاهر كلام المسيح أنّ جيل الحواريين بأكمله عاجز عن فهم الكلام وتحمّله!!!

ما هو" الحق كلّه" الذي ناله التلاميذ يوم السبعين؟ .. لا إجابة!!

ص: 81

- إذا كان التلاميذ لم يعرفوا الحقّ إلا بعد رفع المسيح بأيام بعد أن كانوا جاهلين به تمام الجهل.. فلماذا كان المسيح يكثر من الوعظ والخطابة والمعجزات إذن؟؟ لماذا لم يؤجّل البيان إلا ما بعد قيامته من الموت ورفعه إلى السماء..؟! أليس الأحرى القول أنّ الحق الكامل هو الدين الأوسع والأشمل الذي يكون في آخر الزمان!!

إذا كان الآب والابن وروح القدس، ثلاثة في واحد.. فلم لم يقل المسيح" الابن"، إنّني سأرجع بعد قيامتي بعشرة أيام لأكمل المهمة؟!!! أم أنّ أقنوم الروح القدس أكمل من الابن؟!!!

جاء في لوقا 11: 13: " فإن كنتم، أنتم الأشرار، تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيّدة، فكم بالأحرى الآب، الذي في السماء يهب الروح القدس لمن يسألونه؟ ". يعني هذا القول انّ هبة الروح القدس رهينة طلب العبد وليست هي مقرونة بزمن معين، كما أنّها ليست مشروطة بذهاب المسيح، مما يخالف ما جاء عن" الفارقليط" سابقا.

إذا كان الثالوث الالهي النصراني واحدا، فكيف بإمكاننا أن نفهم نصّ لوقا السابق؟؟ أي كيف من الممكن أن يعطي الآب، الروح القدس.. وهما واحد..؟!!

كيف من الممكن أن يكون المعطي هو نفسه المعطى؟!!!

إذا كانت الآلهة النصرانية المثلثة واحدة، فهل يصحّ القول إنّ الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين هو الآب؟؟ وهل يصحّ القول أنّه روح المسيح؟؟ طبعا النصارى يجيبون بالنفي.. ويقعون مرة أخرى في التناقض!

كيف من الممكن فهم قول المسيح" لا يتكلّم بشيء من عنده، بل يتكلّم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث. " في دائرة اعتقاد النصارى أنّ الآب والابن والروح القدس هم ثلاثة أقانيم متوحدة!

ص: 82

- تظهر التراجم الإنجليزية أنّ المسيح قد استعمل ضمير العاقل =He =لا =It =التي تكون لغير العاقل، في الحديث عن" الفارقليط".. في حين أنّنا نقرأ في رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ذكر الروح القدس دون تأنيث ولا تذكير. (gender neuter)

نصوص الأناجيل وكتابات رموز النصرانية في القرون الأولى تظهر اضطرابا كبيرا حول تحديد طبيعة" الروح القدس".. هل هو ذات.. أم هو شيء معنوي.. أم هو غير ذلك!! والناظر في نصوص الأناجيل يفهم من الكثير منها أنّ" الروح القدس" ليس ذاتا وإنما هو حالة أو طاقة!!!

شبهة: يزعم النصارى أنّه لم يدّع أحد طوال التاريخ النصراني أنّ" الباراكليتوس" هو غير الروح القدس؟

الردّ: قال الأب متّى المسكين في كتاب" الباراكليت الروح القدس في حياة الناس" ص ص 12- 13: " توجد وثيقة في كنيسة فيينا ليوسابيوس القيصري وردت فيها كلمة الباراكليت كصفة أطلقت على شخص تبنى مسؤولية الدفاع عن المسيحيين المتهمين بمسيحيتهم. وهي مقالة ممتعة فيها ينعت المسيحيون على هذا الشخص واسمه:

فيتوس. ايب. أجاتوس. بالبراكليتي لأنه حامى عنهم، وتشفع لهم جهارا معرضا حياته للهلاك وهذه الوثيقة تصور كلمة الباراكليت تصويرا واقعيا حيا. إنما على مستوى بشري. "

قال الفونسوس ماريا دي ليكوري: مونتياس ولد كما أخبر أورسى (مجلد

ص: 83

2 ك 4 عدد 17) في اردابا، وكان يقول هو وابنتيه" إنهم قبلوا بالتمام الباراقليط الذي وعد به يسوع المسيح. "

وقال عن رجل آخر اسمه ماني: " ماني كان أبا المانيين، ودعي كذلك لأنه نسب إلى ذاته لقب الباراقليط كما فعل مونتانوس".

تحدث زكي شنودة في" تاريخ الأقباط" ج 1 ص 149 عن المشابهة التامة بين شخصية المسيح وبين الباراكليت فقال عن ماني: " أشاع بين الناس منذ سنة 268 ميلادية أنّ المسيح ترك عمل الخلاص ناقصا، وأنه هو الذي سيتمه لأنه هو" الباراقليط" وتشبّه بالمسيح فاتخذ لنفسه اثنى عشر تلميذا، واثنين وسبعين اسقفا وأرسلهم على بلاد الشرق حتى الهند والصين ليذيعوا تعاليمه. "

كان لفظ" المعزي" ضمن أبحاث المؤتمر اليهودي النصراني مع البابا بانوا الثاني عشر سنة 1400 م، على أنه اسم من اسماء" المسيّا" أي المسيح.

جاء في" موسوعة الدين والآداب =Religion and Ethics =The Encyclopaedia of =ل ج. هاستنج J.Hasting م 11 ص 795 تحت كلمة" روح (قدس) ، روح الله" أنّ القول بأنّ" البارقليط، روح الحق، شخص أو غير ذلك، كان محلّ جدل حام. ". أي أنّ النصارى اختلفوا اختلافا جديا حول طبيعة الباراكليتوس: هل هو شخص (بشر) أم هو أقنوم إلهي!! فهو خلاف واقعي تاريخي.. لا مجرّد تأملات في مكان قصيّ عن أرض النصارى أو في ضحاضح الأحلام!

شبهة: يزعم النصارى أنّ الصفات التي جاءت في وصف" الباراكليتوس" لا يمكن أن تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم؟

ص: 84

الردّ: بل ما جاء في الأناجيل يؤكد أنّ المبشّر به هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، لا الروح القدس، ونكتفي بهذه الأدلة:

1-

جاء في إنجيل يوحنا 16: 13: ".. ولكن، عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كلّه، لأنه لا يقول شيئا من عنده، بل يخبركم بما يسمعه، ويطلعكم على ما سوف يحدث. "

فما هو الحق الذي أرشد الروح القدس الحواريين إليه؟

وما الذي قاله الروح القدس للحواريين؟!

وما الذي أخبر به؟!

وما الذي سمعه ليخبر به؟!

وما هي هذه النبوءات؟!!!

لا شيء!

أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرشد الصحابة والبشرية إلى دين التوحيد وشريعة الصلاح، وهو الذي أخبر بما أوحاه الله إليه، وهو صاحب النبوءات المعروفة من بعثته إلى يوم القيامة!

2-

" يتكلّم بما يسمع": الكلمة اليونانية المقابلة ل" يسمع" هي" أكووا" والكلمة اليونانية المقابلة ل" يتكلم" هي" لليهو". هاتان الكلمتان تحملان مفهوما ماديا لا يصدق على روح وإنما يصدق على بشر (مادي) ، نبي.

ص: 85

3-

" ولكني أقول لكم الحق: من الأفضل لكم أن أذهب، لأني إن كنت لا أذهب، لا يأتيكم" الباراكليتوس".

يفهم من هذا النص أنّ" الباراكليتوس" لا يأتي إلا بعد رفع المسيح، و" الروح القدس" قد أتى قبل" تجسّد" المسيح وأثناء حياته على الأرض.. اقرأ مثلا:

سفر صموئيل الأول 10: 10: " وعند ما وصل حبعة قابلته مجموعة من الأنبياء، فحلّ عليه روح الله وتنبّأ في وسطهم. "

سفر صموئيل الأول 11: 6: " فحلّ عليه روح الله عند ما سمع الخبر وثار غضبه"

سفر إشعياء 63: 11: " ثمّ تذكّروا الأيّام القديمة، أيّام موسى عبده وتساءلوا: أين من أصعدنا من البحر مع راعي قطيعه؟ أين من أقام روحه القدّوس في وسطنا؟ "

لوقا 1: 15: " وسوف يكون عظيما أمام الربّ، ولا يشرب خمرا ولا مسكرا، ويمتليء بالرّوح القدس وهو بعد في بطن أمّه"

لوقا 1: 41: " ولمّا سمعت أليصابات سلام مريم، قفز الجنين داخل بطنها. وامتلأت أليصابات من الرّوح القدس"

لوقا 1: 67: " وامتلأ زكريّا أبوه من الرّوح القدس.."

لوقا 2: 25: " وكان في أورشليم رجل اسمه سمعان، وهو رجل بار تقيّ ينتظر العزاء لإسرائيل وكان الرّوح القدس عليه"

ص: 86

يوحنا 20: 21- 22: " فقال لهم يسوع: «سلام لكم. كما أنّ الآب أرسلني، أرسلكم أنا"

قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: «اقبلوا الرّوح القدس"..

4-

" ما زال عندي أمور كثيرة أقولها لكم، ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها. ولكن، عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كلّه، لأنه لا يقول شيئا من عنده، بل يخبركم بما يسمعه، ويطلعكم على ما سوف يحدث. " (يوحنا 16:

12-

13)

في هذا النص ما يدلّ على أنّ ما في رسالة الوحي ما لم يحن أوانه ليعرض أمام الناس حتى يفهموه.

جاء في الأناجيل وصم الحواريين بقلة الفهم أو عدمه!

متّى 8: 26: " فقال لهم: «لماذا أنتم خائفون، يا قليلي الإيمان؟» ثمّ نهض وزجر الرّيح والبحر، فساد هدوء تام".

متّى 14: 31: " فمد يسوع يده في الحال وأمسكه وقال له: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟ ".

متّى 16: 8: " وعلم يسوع بذلك، فقال لهم: «يا قليلي الإيمان، لماذا تحاجّون بعضكم بعضا لأنّكم لم تتزوّدوا خبزا؟ ".

ص: 87

لوقا 8: 25: " ثمّ قال لهم: «أين إيمانكم؟» وإذ خافوا، ذهلوا، وقال أحدهم للآخر: «من هو هذا إذن حتّى إنّه يأمر الرّياح والماء فتطيعه؟ ".

متّى 15: 16: " وقال له بطرس: " فسّر لنا ذاك المثل! ".

فأجاب: " وهل أنتم أيضا بلا فهم؟ ".

ونحن نلزم النصارى بهذه النصوص التي لا نعتقد صدقها، أنّ الحواريين ليسوا هم من سيستقبل الرسالة!!

5-

جاء في يوحنا 16: 14 أنّ" الباراكليتوس" سيمجّد المسيح، فهل مجّد أحد المسيح أكثر مما مجّده محمد صلى الله عليه وسلم!!!

إنّ من يقرأ سورة" مريم" فقط، يدرك المقام العالي والمنزل السامي لعيسى عليه السلام في الإسلام..

وقد جاء تمجيد المسيح أيضا في الحديث النبوي، من ذلك ما أخرجه الحاكم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم:" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحي بن زكريا"(قال الألباني: سنده صحيح) .. وهل هناك تمجيد للمسيح أبلغ من أن يكون سيد شباب أهل الجنة!!

وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلّ بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب. "

ص: 88

وأخرج الشيخان عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق. فقال له: أسرقت؟ قال: كلّا، والله! الذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني".

وقد جاء هذا التكريم للمسيح في الإسلام، بعد أن امتلأ التلمود اليهودي بذمّ المسيح وتحقيره، وقد قام الباحث النصراني الاعتذاري المعروف" جوش مكدويل" في كتابه" برهان يتطلّب قرارا =Evidence that Demands Verdicts ="ص ص 75- 87 بالإشارة إلى الكثير من الشتائم التلمودية لابن مريم عليهما السلام.. وجمع قبله جون كريستوف فجتريل في كتابه =Tela Ignea Satanae =العديد من النصوص والكتابات اليهودية التي تحقّر المسيح والنصرانية.. بل لقد ظهر كتاب يهودي في القرن الثاني أو الثالث يحكي قصة المسيح اسمه" سفر حياة يشوع" وقد ترجمه مارتن لوثر إلى الألمانية. وهذا الكتاب يمثّل خلاصة الحقد اليهودي على المسيح بما فيه من أوصاف شديدة البشاعة رمي بها الطاهر ابن الطاهرة عليهما السلام!! .. ومن الكتب العربية التي عنت بكشف صورة المسيح في التلمود، كتاب" تلفيق صورة الآخر في التلمود" لزياد متّى، ومن الكتب الانجليزية" التلمود دون قناع =The Talmud Unmasked ="للأب الكاثوليكي إ. ب. برانيتس) I.B.Pranaitis عن أصل لاتيني) .

من الافتراءات التلمودية على المسيح وأمّه:

* يسوع الناصري، هو ابن زنا ولدته أمّه من علاقة مع الجندي الروماني" بندورا" (انظر: كلّه 1 ب (18 ب) ، سنهدرين 67 أ) .

* ولدته أمّه وهي في فترة الحيض (انظر: تولداث جاثو) .

ص: 89

*" الناصري هو الذي يتّبع تعاليم كاذبة، يبتدعها رجل يدعو إلى العبادة في اليوم الأول التالي للسبت. "(انظر: أبهوداه زراه 6 أ) .

*" لقد ضلّل يسوع، وأفسد إسرائيل وهدمها"(انظر: سنهدرين 107 ب) .

* كان ساحرا (انظر شاباث) .

*" قالوا (شيوخ اليهود) له (للعيزر) : " كان مجنونا، ولا أحد يعير انتباها إلى المجانين". (انظر: شاباث 104 ب) .

*" إنّ تعاليم يسوع كفر، وتلميذه يعقوب كافر، وإنّ الأناجيل كتب الكافرين"

* تعلّم يسوع ما كان يقوله للناس على يد" يوشيا بن برخيا". ولمّا علم يوشيا بما يقوله يسوع حرمه، وألقاه بين قرون 400 كبش.

* تقمّصته روح" إيسو" الشيطان.

* اسم يسوع الأصلي قلما يظهر في الكتب التلمودية. وهو يختصر دائما باسم" جيشوا" الذي اقتبس- بحقد- في الواقع من تركيب الأحرف الأولي للكلمات الثلاث: «إيماش شيمو فيزيكرو Immach Schemo Vezikro أي ليمح اسمه وذكره.

* دفن في جهنّم.

* قال إسرائيل شاحاك في كتابه الخطير: " الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود"(تعريب حسن خضر) ص 28: " ينبغي الاقرار من البداية ان التلمود والادب التلمودى يحتوي على مقاطع معادية جدا ووصايا موجهة أساسا ضد المسيحية

ص: 90

على سبيل المثال، إضافة للاتهامات الجنسية البذيئة ضد يسوع، ينص التلمود أن عقوبة يسوع في الجحيم هى إغراقه في غائط يغلي"!!

* أمّه امرأة ساقطة، وكانت مصفقة لشعور النساء (انظر: شيغاغاه 4 ب) .

* كانت بغيا متجوّلة في الأسواق. (قال تعالى في تبرئتها: ".. وقولهم على مريم بهتانا عظيما" (سورة النساء 156) .

ولم يقتصر أمر تلويث سمعة المسيح وأمّه، على اليهود بل قد أنكر عذرية مريم الكثير من النقاد النصارى ومنهم، في أمريكا، الأسقف المعروف ج. س. سبونج J.S.Spong في كتابه" ولد من إمرأة =Born of a Woman ="حيث زعم أنّ الميلاد العذري لعيسى عليه السلام لا يعدو أن يكون خرافة.

وها هي أحد كنائس النصارى في العالم تتجرّأ على إعلان هذا الكذب.. فقد نشرت صحيفة الديلي نيوز بتاريخ 22- 5- 1990 م أنّ كنيسة استكتلندا قد حذفت" عذرية مريم" من منشوراتها بسبب انقسام القساوسة حول هذا الأمر!

ص: 91

جريدة دبلى نيوز- دربان الثلاثاء 22 مايو 1990 الولادة من عذراء تحذف بواسطة كنبسة اسكتلاندا.

قلت: ولا عجب أن يشكّك أقطاب النصرانية في الولادة العذرية للمسيح، فقد قالت" الأم تيريزا" أشهر منصرة عرفها العالم في القرون الأخيرة، بل في تاريخ

ص: 92

النصرانية، ما هو أعظم من ذلك، فقد كتبت معترفة أنها تشكّ في وجود الله سبحانه، كما هو منقول عنها في كتاب" أسرار الأم تيريزا =Teresa =Il Segreto di Madre "حيث نقل قولها: " الملعونون يعانون عذابا أبديا لأنهم جربّوا خسارة الله.

أشعر في داخل نفسي بألم حاد لهذه الخسارة. أشعر انّ الله لا يريدني، انّ الله ليس الله (!؟) ، انّ الله لا يوجد (!!!!) ". (أعوذ بالله من هذا الكفر الزعاف!)

وكتب البابا شنوده قصيدته" ترنيمة تائه في غربة" سنة 1961 م وهي طافحة بالفلسفة العدمية المتّشحة بسوداوية" سارتر"، والتي تختصر معالمها في انّ الحياة مزبلة وانّ وجودنا هو مجرّد رحلة تائهة عبر أنفاق العبث القاتل ومسارب القدر اللاهي..

ومما قال فيها:

يا صديقي لست أدري من أنا

أو تدري أنت ما أنت هنا

أنت مثلي تائه في غربة

وجميع الناس أيضا مثلنا

نحن ضيفان نقضي فترة

ثم نمضي حين يأتي يومنا (!!!)

وأضاف في نفس القصيدة:

لست أدري كيف نمضي أو متى

كلّ ما أدريه إنا سوف نمضي

في طريق الموت نجري كلنا

في سباق بعضنا في إثر بعض

ص: 93

كبخار مضمحل عمرنا

مثل برق سوف يمضي مثل ومض" (!!!؟)

(ولا حول ولا قوّة إلا بالله!) .

وقال رأس التنصير في العالم اليوم، وأشدّهم تحريضا على الإسلام، المدعو" أنيس شرّوش" في لقاء على" البالتوك" واصفا" يسوع" إلهه ومعبوده أنّه كان" مهرّجا"..

نعم" مهرّج"!!! .. والعجيب أنّ هذا الشريط قد نزّله المنصّرون على الانترنت لدعوة المسلمين إلى" الحقّ".. فهل يريد منّا شرّوش أن نعبد إلها" مهرّجا"؟؟!!! النصّ بالحرف كما قاله شرّوش في الدقيقة 45 من الشريط كما هو على الانترنت، وهو بين يديّ الآن صوتيا وقد طفح بالبذاءة، ومنه أنقل:".. أنا مهرّج، لأنّ يسوع كان مهرّج في بعض الأوقات". قلت: صدقتنا وأنت كذوب.. إنك قطعا" مهرج"،.. وخذ هذا البيت في وصف" محاسنك" وتمجيد" مناقبك"، وهو أقلّ ما يقال في شخصك:

جنونك مجنون ولست بواجد

طبيبا يداوي من جنون جنون!؟ -

وفي المقابل قال الأب د. ماكسويل: " قرأت في كتابات المسلمين تعابير رقيقة عن الاحترام والتبجيل لعيسى لدرجة أنه غاب عن ذهني أنّي لم أكن أقرأ كلمات كاتب مسيحي. إنّه لمن المحزن حقا أن نقول اليوم كم كان الفرق بين ما كتبه المسيحيون وقالوه عن محمد. دعونا نرجع ذلك إلى سببه الحقيقي، الجهل".

وقال الفيلسوف برنار دشو: " إنّ أتباع محمد أوفر أدبا في كلامهم عن المسيح. "

وأظهر المفسر المعروف دومّلو Dummelow في تعليقه على الكتاب المقدس =Commentary on the holy Bible "إعجابه بموقف نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم من عيسى عليه السلام ورفضه للافتراءات اليهودية حول المسيح، فقال

ص: 94

في ص 668: " من المهم أن نلاحظ أنّ محمدا رفض بكل احتقار هذه الافتراءات اليهودية".

6-

جاء في يوحنا 16: 13: " عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كلّه" ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبر الناس بالحق كلّه عقيدة مفصّلة وشريعة موسّعة، أمّا" روح القدس" النصراني ثالث الثلاثة، فإنه ما أنقذ الكنائس المتناحرة والمشرذمة، والمجامع المذبذبة، والآباء الأوّلين المتصادمة أقوالهم وفلسفاتهم!!؟؟

7-

مما يؤكّد أنّ المبشّر به في العهد الجديد هو محمد صلى الله عليه وسلم، قول يوحنا المعمدان عن هذا الآتي: "

هو سيعمّدكم بالروح القدس وبالنار" (إنجيل متّى 3: 11، إنجيل لوقا 3: 16) . ولفظ" التعميد" هو من الأصل اليوناني" ببتيزموس" الذي يعني" التغميس في الماء". وقد كان اليهود يمارسون التعميد بالانغماس وقوفا في ماء نقي بارد، ويفضلون أن يكون بخارا، أما النصارى فقد اختلفوا في طريقة التعميد، فذهب فريق إلى أنها تكون بالتغميس الكامل وذهب فريق آخر إلى أنّ التعميد يكون بالرشّ، وذهب البعض إلى أنّ التعميد يكون أساسا بماء نهر الأردن، وقالت طائفة أخرى أنّ المياء سواء في التعميد..

ولم يشارك المسيح في تعميد أيّ أحد بيديه، وقد جاء في إنجيل يوحنا 4: 2 أنّ المسيح لم يعمّد وإنّما الذي عمّد هم التلاميذ. وهذا الأمر مهم في إبعاد نبوءة المعمدان عن المسيح، إذ أنّ عيسى عليه السلام ما كان مهتما بتعميد الناس بل إنّ المسيح نفسه قد تعمّد على يد يوحنا المعمدان.. أمّا الآتي المنتظر ف" التعميد" هو ملخّص رسالته ولبّها، وعماد دينه الصلاة التي قال في أصلها اللغوي النحوي ابن فارس: " إنها من

ص: 95

صليت العود، إذا ليّنته، لأن المصلي يلين ويخشع".. فالصلاة أشبه ب" التعميد" بالنار الموعود بها من طرف النبي يوحنا.

وأخيرا قل للنصارى ما قال الشاعر الفطن بتلبيساتهم:

بيّنته توراتكم والأناجي

ل وهم في جحوده شركاء

من هو الفاراقليط والمنحمنا

ء وبالحق تشهد الخصماء

أن يقولوا ما بينته فم

ازالت بها عن قلوبهم عشواء

ص: 96

شبهة: بعيدا عن الدندنة والهينمة حول ذكر اسم نبي الإسلام في الكتاب المقدس، نحن نعلن أنه لا يمكن قبول القول ببشارة التوراة والإنجيل ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، لغموض المعاني التي يدعيها المسلمون من النصوص التي يقرّرون أنّها تتنبأ ببعثة نبيهم صلى الله عليه وسلم

فالخوض في تفسير النصوص المقدسة دون ضوابط محكمة وأصول متقنة هو بحق مزلة العقول ومدحضة الأفهام!

الرد: مصدر الشبهة في هذا الاعتراض هو الزعم أنّ البشارة بالنبيّ الآتي في الكتاب المقدّس لا بدّ أن تكون صريحة، محكمة، مفصّلة، لا تتنازع الأفهام تفسيرها ولا تتضارب في تأويلها، فلا يغشاها طارئ وهم ولا يقربها ظلّ شك..!

إنّ تبديد هذه الشبهة في غاية اليسر لو انّ المعترض تحلّى بالإخلاص وولّى وجهه شطر الحقّ وحطّ الرحل عند باب العدل! .. وهاك البيان في هذه النقاط:

لقد جاء ذكر اسم نبي الإسلام صراحة في الكتاب المقدس، كما أسلفنا توضيحه، وليس بعد ظهور الشمس في كبد السماء لمكابر أن يشكّ في إدبار الليل وإقبال النهار.

وليس يصحّ في الأفهام شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

إنّ الحقيقة التي يجب أن تستعلن هنا هي أنّ التفسير الصحيح والتأويل السليم والفهم الصائب هو ما كان مجانبا للتكلّف، ملتزما لأصول فهم الخطاب الإلهي على الوجه الوسطى القويم.. ولا اعتبار لبلاغة المتحدّث أو رسوخ علمه باللغات القديمة إذا كان يعوز تفسيره للنصوص وضوح الحجّة وقوّتها، ونزاهة البحث، والاستسلام للحقيقة المتجليّة أمام عينيه سافرة ناصعة.

ص: 97

- يزعم النصارى أنّ في العهد القديم بشارات يبلغ عددها المئات أو الآلاف تحدثت عن جميع تفاصيل حياة عيسى، ولكن إذا نظرنا إلى موقف بني إسرائيل- أصحاب التوراة- من المسيح عليه السلام، لاحظنا، كما تعترف بذلك الأناجيل، أنّ الإسرئيليين لم يؤمنوا بعيسى، وأنهم أنكروا كونه هو المسيح المنتظر، هذا رغم أنهم كانوا في ذاك الزمان في انتظار" المسيح" الذي سيخلّصهم، بزعم أسفارهم، من حال الذلّ والصغار، ليقيم لهم مملكتهم الأثيلة المجد. وهذا المسيح نفسه يقول إنّه قد جاء إلى خاصته لكنّ خاصته لم تقبله (يوحنا 1: 11) . والشاهد مما ذكرنا هو أنّ البشارة بهذا الآتي كانت موجودة لكن علماء اليهود وأحبارهم كانوا ما بين جاهل بها، ومعاند لحقيقة انطباقها على المسيح رغم علمه بأنّ الحقيقة في غير ما يقول..

وما ذكرناه ينطبق أيضا على موقف علماء اليهود وأحبارهم من بعثة يحي عليه السلام (يوحنا المعمدان)، إذ جاء في إنجيل يوحنا 1: 19- 25: " وهذه شهادة يوحنّا حين أرسل اليهود من أورشليم بغض الكهنة واللّاويّين يسألونه: «من أنت"" فاعترف ولم ينكر، بل أكّد قائلا: «لست أنا المسيح" فسألوه:

«ماذا إذن؟ هل أنت إيليّا؟» قال: «لست إيّاه!» ؛ «أوأنت النّبيّ؟» فأجاب، " لا! " فقالوا: «فمن أنت، لنحمل الجواب إلى الّذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ فقال «أنا صوت مناد في البريّة: اجعلوا الطّريق مستقيمة أمام الرّبّ، كما قال النّبىّ إشعياء! " وكان هؤلاء مرسلين من قبل الفريسيّين، فعادوا يسألونه: «إن لم تكن أنت المسيح، ولا إيليّا، ولا النّبيّ، فلماذا تعمّد إذن؟ "

كما ينطبق أيضا على الحواريين الذين جهلوا هم أيضا انطباق النبوءات الخاصة ب" إيليا" على يحي عليه السلام، فقد جاء في إنجيل متّى 17: 9- 13: " وفيما هم نازلون من الجبل، أوصاهم يسوع قائلا: «لا تخبروا أحدا بما

ص: 98

رأيتم حتّى يقوم ابن الإنسان من بين الأموات فسأله تلاميذه:

«لماذا إذن يقول الكتبة إنّ إيليا لا بدّ أن يأتي قبلا؟ " فأجابهم قائلا: «حقّا، إنّ إيليّا يأتي قبلا ويصلح كلّ شيء. على أنّي أقول لكم: قد جاء إيليّا، ولم يعرفوه، بل فعلوا به كلّ ما شاءوا. كذلك ابن الإنسان أيضا على وشك أن يتألّم على أيديهم". عندئذ فهم التّلاميذ أنّه كلّمهم عن يوحنّا المعمدان. "

بل ها هو نبي من أنبياء الله يعلن عدم معرفته بحقيقة النبوءات المتعلقة بالمسيح (!!؟) . فقد جاء في إنجيل يوحنا 1: 33 أن يوحنا المعمدان قال: " ولم أكن أعرفه، ولكنّ الّذي أرسلني لأعمد بالماء هو قال لي: الّذي ترى الرّوح ينزل ويستقرّ عليه هو الّذي سيعمد بالرّوح القدس".

ونحن نقول: أإذا عجز المعمدان عن فهم البشارات الخاصة بعيسى عليه السلام، فترة من الزمان (!!) ، ولم يطعن ذلك في صدقها (نحن نظهر هذا القول من باب التنزّل في الحوار، وإلا فالحقيقة هي أنّ التوراة لم تتنبّأ ببعثة ابن مريم عليهما السلام إلا عرضا، وفي مواطن قليلة) .. فهل يطعن عدم فهم النصارى للنبوءات الخاصة بمقدم النبي الخاتم المنطبقة على محمد انطباق القفاز على اليد في فهم المسلمين لهذه النبوءات؟!

لا يشترط في نبوءات الكتاب المقدس الخاصة ببعثة الأنبياء أن تكون صريحة واضحة لا تحتمل الشك أو العناد كأن تذكر الاسم أو الكنية أو سنة الميلاد

وذاك واضح من الشك الذي طرأ على الذين تمّ ذكرهم في النقطة السابقة.

وها هو يحي عليه السلام، الذي لم تلد النساء مثله كما هو مذكور في إنجيل متّى 11: 11، تنبئ التوراة عن بعثته (على زعم النصارى) في كلمات سائبة، فضفاضة تحتمله كونه هو المعني بها، كما تحتمل أنّ شخص غيره هو المقصد.. فقد جاء في

ص: 99

سفر إشعياء 40: 3: " صوت صارخ ويقول: " أعدوا في البريّة طريق الربّ، وأقيموا طريقا مستقيما لإلهنا

".

لقد خرج أكثر من نبي من البرية ولم يمنع ذاك النصارى من ربط هذه النبوءة المزعومة بالمعمدان.. كما أنّ الجماعة القمرانية التي عاشت قبل المسيح بقرنين كانت تنسب نص إشعياء السابق إلى حالها كما هو مذكور في كتابها" قانون الجماعة! Community Rule =""

خلاصة الردّ هو أنّه يصحّ الاعتماد على هذه الشبهة ضد المخالف، ولكن ليس من النصارى ضد المسلمين، وإنما من المسلمين ضد النصارى في زعمهم تنبأ التوراة بنزول المسيح" ربّ العالمين!!! "، لعدم ورود اسم المسيح: يسوع أو عيسى، وعدم ذكر سنة ميلاده، ورفعه، وهيأته، ودعوته..

وقد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah ="هامش ص 96: " العبارة الألمانية =Reflexionszitate =والتي تظهر منذ تعليق هـ. ج. هولتزمان H.J.Holtzman على الأناجيل السينابتية (متى ومرقس ولوقا) بتاريخ 1889 م، تؤكد أنّ الاقتباسات قد تمت إضافتها للمادة العامة للإنجيل كرؤى شخصية. "

فهي اجتهادات فردية خاضعة للهوى والخلفيات اللاهوتية الخاصة.

وأضاف في ص 99: " ذهب نقّاد ككيلباتريش Kilpatrich وسلتان Soltan وفاجاني Vaganay إلى أنّ تلك النبوءات المزعومة هي التي أنشأت قصة طفولة المسيح. فمنها تمّ اختراع أحداث وهمية لتلك الطفولة. "

ص: 100

إنّ جميع البشارات والنبوءات التي يزعم أصحاب الأناجيل والرسائل أنها قد جاءت في العهد القديم للتنبأ بيسوع الناصري، ما هي إلا أوهام واختلاقات مكشوفة أمام كلّ ذي بصيرة، لا يكلّ العقل ليدرك أنّها زيوف ريشية الوزن، حتى قال عالم الانثروبولوجيا والناقد الكتابي الدكتور رفائيل باتي في كتابه" نصّ مسيّاني" ص ص 1 2:" من الملاحظ أنّ كثيرا من النبوءات المسيّانية (أي المتعلقة ب" المسيّا" أي" المسيح") هي فقط مسيّانيّة من ناحية التأويلات المتأخرة. يبدو أن هذه النصوص كانت تحمل زمن تأليفها معان أخرى".

قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah ="هامش ص 97: " عند ما تكون اقتباسات يوحنا من العهد القديم، فإنّها ليست دائما سهلة التحديد. "

.. أي يعسر العثور على النص الذي اقتبسه مؤلف الإنجيل الرابع، عند مراجعة أسفار العهد القديم.. فكيف يحقّ بعد ذلك للنصراني أن يحاجنا بالزعم أنّ بشارات" الكتاب المقدس" بمحمد صلى الله عليه وسلم، غير صريحة!

ص: 101

شبهة: يحتج النصارى على المسلمين، لإنكار ما قرّره علماء الإسلام من أنّ أهل الكتاب قد حرّفوا أسفارهم في كثير من المواضع ومنها ذكر بعثة نبي الإسلام، بقولهم: إنّ اعتراضكم بلا دليل لأنّكم لم تقدّموا حجة تعضد دعواكم. وأنتم أعجز من أن تجيبوا على هذه الأسئلة:

من قام بهذا التحريف؟

متى تمّ هذا التحريف؟

كيف تمّ هذا التحريف؟

لم تمّ هذا التحريف؟

ثمّ، إنّ زعمكم أنّ" الكتاب المقدس" قد حرّف، هو زعم يرفضه العاقل والتاريخ:

فقد انتشرت أسفار الكتاب المقدس بين الناس في أنحاء واسعة من العالم مما يجعل القول بأنّ إرادة كلّ من ملكوا نسخة من نسخ هذه الأسفار قد اجتمعت على حذف ذكر نبي الإسلام منها، باطل، خاصة مع معرفتنا بأنه من غير المعقول أن يتفق اليهود والنصارى، أو الفرق النصرانية المتنافرة على هذا الأمر!

ويضيف النصارى في ختام هذا الاعتراض، قولهم إنّ جميع المحاولات التي سعت إلى إثبات تحريف الكتاب المقدس قد باءت بالفشل الذريع، وهي كما يقول ناشد حنا في كتابه" خمس حقائق عن الإيمان الحقيقي":" تهمة جزافية باطلة غير مقبولة شكلا أو موضوعا، لأنّها غير مدعّمة بأسانيد الاتهام الواجبة. "!!!

الردّ: إنّ كشف هذا اللغو هيّن، ليس بمستعص على المسلمين، فلا داعي إلى هذه" العنتريات الكرتونية".. وها سيأتيك الردّ بشيء من الاستفاضة حتى تنتفي عن شهادتنا الظنون وتنجلي عنها الشبهات.

ص: 102

نقول: لم يزعم المسلمون أنّ جميع هذه البشارات قد حذفت من نص الكتاب المقدس، وإنما هم يقولون إنه قد تمّ حذف أصرحها، ومع ذلك فقد كشفنا في ما سبق، صراحة بعض ما هو موجود اليوم فيما يتعلّق بتحديد اسم نبي الإسلام ومازال للحديث بقيّة.

وها هو شيخ الإسلام ابن تيميّة (661 هـ- 728 هـ) ، رحمه الله، يقول في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح" الجزء الثالث ص ص 50- 51:

" وقد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد باسمه ورأيت نسخة أخرى بالزبور فلم أر ذلك فيها وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي ما ليس في أخرى. "

ومن يقرأ كتب علماء الإسلام القديمة، يرى أنها ذكرت بشارات لا نجد اليوم لها أثرا في التراجم المتاحة في الأسواق. ولا يستطيع المخالف أن يتهم علماء الإسلام بالكذب لأنّ هؤلاء العلماء كانوا يصرّحون بوجود هذه البشارات في كتبهم التي يقرؤها المسلمون وأهل الكتاب على السواء، ولو أنها كانت غير موجودة في النسخ المتاحة بين أيديهم لأنكر عليهم علماء أهل الكتاب ذلك ولشنعوا عليهم فعلهم.. بل إنّ علماء الإسلام كانوا يناظرون النصارى في فهم هذه البشارات لا في ثبوتها في الأسفار المقدسة عندهم.. هذا بالإضافة إلى أنّ رجال الدين اليهود والنصارى المهتدين إلى الإسلام كانوا يعددون هذه البشارات في كتبهم بعد انخلاعهم من أديانهم الباطلة وقبولهم الإسلام.

فيما يتعلّق بالسؤال عمّن حرّف الكتاب المقدس فإننا نقول إنّ المحرّفين هم الكتبة والمترجمون عموما، وفيهم من هو منخرط في سلك القساوسة. وقد تواتر القول عن

ص: 103

كبار النقاد في الغرب بنسبة هذا الفعل إليهم، وأقوالهم طويلة عريضة لا تكاد تحصر ولو في مجلدات ضخمة!!

فيما يتعلّق بالسؤال عن كيفية وقوع هذا التحريف، نقول إنّ هؤلاء الكتبة قد حذفوا مجموعة هامة من البشارات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم

كما قاموا بتحريف تراجم الكتاب المقدس لطمس الشهادات المتكررة لهذا النبي.

من الأمثلة التي تظهر هذا الأمر قول الإمام ابن القيم تعليقا على سفر إشعياء 42: 1- 4، في كتابه" هداية الحيارى.." نقلا عن نسخة سفر إشعياء في زمانه:" هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي ابتهجت به نفسي. وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل. لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطريق. لا يقصر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخّنة لا يطفئ. إنما بإمانة يجري عدلا، لا يكلّ ولا تثبّط له همة حتى يرسّخ العدل في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته. "

قال رحمه الله وطيّب ثراه: ".. وقد ترجموه أيضا بترجمة أخرى فيها بعض الزيادة:

عبدي ورسولي الذي سرّت به نفسي، أنزل عليه وحيي فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم بالوصايا، لا يضحك، ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور، والآذان الصمّ ويحي القلوب الغلف، وما أعطيه لا أعطيه أحدا، يحمد الله حمدا جديدا يأتي به من الأقطار، وتفرح البرية وسكانها، يهللون الله على كلّ شرف، ويكبرونه على كلّ رابية، لا يضعف، ولا يغلب، ولا يميل إلى الهوى مشفح، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوي الصديقيين وهو ركن المتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفى، أثر سلطانه على كتفيه.

وقوله: مشفح بالشين المعجمة والفاء المشددة بوزن مكرم، وهي لفظة عبرانية مطابقة لاسم محمد معنى ولفظا مقاربا (

) ، ولا يمكن للعرب أن يتلفظوا بها بلفظ

ص: 104

العبرانية فإنها بين الحاء والهاء، وفتحة الفاء بين الضمة والفتحة، ولا يستريب عالم من علمائهم منصف أنها مطابقة لاسم محمد.

قال أبو محمد ابن قتيبة: مشفح محمد بغير شكّ، واعتباره أنهم يقولون شفحلاها.

إذا أرادوا يقولوا الحمد لله، وإذا كان الحمد شفحا، فمشفح محمد بغير شكّ، وقد قال لي ولغيري بعض من أسلم من علمائهم إنّ" مئذ مئذ"* هو محمد، وهو بكسر الميم والهمزة، وبعضهم يفتح الميم ويدنيها من الضمّة، وقال: لا يشكّ العلماء منهم بأنه محمد وإن سكتنا عن إيراد ذلك، وإذا ضربنا عن هذا صفحا فمن هذا الذي انطبقت عليه وعلى أمته هذه الصفات سواه؟! ومن هذا الذي أثر سلطانه وهو خاتم النبوة على كتفيه رآه الناس عيانا مثل زر الحجلة".

ولا يبعد أيضا أن يخطئ النسّاخ، عن غير قصد، في نسخهم لأسفار الكتاب المقدس، فيقوموا بتصحيف اسم النبي، أو تحريفه بترجمته إلى غير معناه.

أمّا بالنسبة للنقطة الأولى فإنّ خطأ النساخ عند إعادة كتابتهم لما بين أيديهم من الأسفار المقدسة هو أمر ليس بحاجة إلى إثبات أو سرد شهادات العلماء والباحثين المحققين.. لاتفاق النصارى ومخالفيهم عليه!

من صور هذا الخطإ، وكما وضّح ذلك النقاد الغربيون الذين كتبوا في هذا الباب، إسقاط كلمة أو إسقاط فقرة أو دمج كلمتين في بعضهما أو كتابة الكلمة على غير صورتها الأصلية كحذف حرف أو أكثر أو إضافة حرف أو أكثر.. وتقع هذه الأخطاء عند النسخ أو عند الترجمة.

(*) وردت هذه الكلمة في سفر التكوين 17: 20 وهي في التراجم الحديثة" كثيرا جدا".

ص: 105

فيما يتعلّق بالنقطة الثانية، وهي تحريف اسم النبي بترجمة معناه، وهذه الترجمة طريق أول إلى طمسه، فالأمثلة من أسفار اليهود والنصارى التي تؤيد هذا الأمر بوضع معنى الكلمة بدل أصلها كثيرة جدا في الكتاب المقدس نذكر منها:

سفر التكوين 16: 14 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 م وسنة 1831 م وسنة 1844 م: " لذلك دعت اسم تلك البير ببر الحي الناظرني" فترجموا اسم البئر من العبرانية إلى العربية.

سفر التكوين 22: 14 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " سمّى إبراهيم اسم الموضع مكان يرحم الله زائره". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م: " دعا إسم ذلك الموضع الرب يرى" فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم الله زائره، والمترجم الثاني بالرب يرى.

سفر الخروج 3: 14 في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 م وسنة 1844 م فقال الله لموسى" أهيه أشراهيه". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " قال له الأزلي الذي لا يزال" فلفظ" أهيه أشراهيه" كان بمنزلة اسم الذات، فترجم المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال.

سفر الخروج 30: 23 في الترجمة العربية لسنة 1625 م وسنة 1844 م: " من ميعة فائقة". وفي الترجمة المطبوعة سنة 1811 م: " من المسك الخالص" وبين الميعة والمسك فرق بيّن، وقد قام أصحاب هذه التراجم بتفسير الاسم بما ترجّح عندهم.

سفر يوشع 10: 13 في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م: " أليس هذا مكتوبا في سفر أبرار". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م

ص: 106

:" أليس هو مكتوبا في سفر المستقيم". وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 م لفظ" ياصار" مكان" الأبرار" أو" المستقيم"، وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1835 م لفظ" ياشر" وفي الترجمة الأردية المطبوعة سنة 1825 م لفظ" ياشا"، ولعلّ ياصار أو ياشر أو ياشا اسم مصنف الكتاب، فترجم أصحاب الترجمة العربية هذا الاسم على ما فهموه" الأبرار"" الأبرار"

سفر إشعياء 8: 1- 3 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " وقال لي الربّ خذ لك مدرجا عظيما واكتب فيه بكتابة إنسان انتهب مستعجلا أسلب سريعا. ادع اسمه أغنم بسرعة وانهب عاجلا. ".

وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " وقال لي الربّ خذ لك مدرجا صحيحا صحيفة جديدة كبيرة واكتب فيها بكتابة إنسان حاد ليضع نهب الغنائم لأنه حضر. ادع اسمه اغنم بسرعة وانهبوا نجده".

فيما يتعلق بزمن وقوع التحريف، فالإجابة هي أنّ تحريف البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم قد تمّ على أربع فترات:

الفترة الأولى: ما بين زمن نزول هذه الأسفار من السماء (لما كان وحيا في أصله) ، وبعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. وقد خفّت حدّة التحريف بعد القرن السادس قبل الميلاد أي ما بعد السبي البابلي الذي تمّت فيه إعادة كتابة العهد القديم والتوسع الفاحش في إضافة نصوص وأسفار لم يكتبها الأنبياء!!

وقد تمّ هذا التحريف في تلك الفترة التاريخية لعدّة أسباب منها:

فقدان أصول أسفار العهد القديم لضعف همّة اليهود في حفظ أسفارهم.. ولما لحقهم من تشريد ولأسفارهم من تحريق.

ص: 107

- بثّ اليهود آمالهم وأشواقهم وأحزانهم في وعاء النصوص الدينية المقدّسة فخلطوا النبوءات الحقّة بأحلامهم وأمانيهم العنصرية.

غلط النساخ.

سهو النسّاخ.

الخطإ في الترجمة..- وما أخطر الخطأ في الترجمة في إفساد معاني البشارات والنبوءات- وفي هذا الشأن يقول الأب يوسف قوشاقجي في مقدمة كتابه" تعريب الأناجيل وأعمال الرسل": " عرّب الإنجيل وطبع مرارا منذ أن وجدت الطباعة وقد طالعنا تسع طبعات آية آية، فوجدناها في كل منها القليل أو الكثير من العبارات الجيدة، فحفظناها. ولكننا وجدنا أيضا أنّ الذين قاموا بها لم يحسنوا فهم المعنى غير مرة، وخالفوا كثيرا من قواعد التعريب"

ثم يضيف: " أجمع الأدباء من مختلف اللغات في كلّ مكان وزمان على أنّ الترجمة فنّ صعب، والذين يجيدونها قلة من كثرة، وذهب بعضهم إلى القول أنّ كلّ مترجم خائن، فليس من ترجمة مطابقة للأصل، مطابقة تامة. ذلك أنّ المعاني سمّيت بحق بنات فكر الإنسان، فهي كالإنسان روح وجسد. يولد روحها وجسدها معا كما يولد روح الإنسان وجسده معا. ويحاول المترجم أن يستل الروح من جسد اللغة، ليجعلها في جسد آخر. وكلا الأمرين عسير. فاللغات يشبه بعضها بعضا على قدر ما يختلف بعضها عن بعض، كما تشبه الأمم والأشخاص بعضها بعضا في أمور وتختلف في أخرى. ومقياس نجاح المترجم في عمله أن تكون ترجمته أمينة على الجوهر، وعلى أقل ما يكون من الخيانة للعرض.

ص: 108

ويتكلم عن لغة عيسى عليه السلام التي تحدث بها فيقول: " السيد المسيح كلم الناس بالآرامية- أي العبرية الشائعة بين العامة- وقد تناقل المسيحيون الأوائل أقواله ورواية أعماله بتلك اللغة، ثم دوّنوا كثيرا منها بتلك اللغة نفسها، وترجمت بعدئذ إلى اليونانية، وضاع الأصل الأرامي".

ويشير إلى حيرة المترجم بين الآراء المتعارضة، فيقول:" إن كانت الصعوبة في ترجمة أكثر الكتب القديمة هي قلة ما يسهل للمترجم تفهّم المعنى، فالصعوبة الكبرى في الترجمة هي كثرة الأبحاث وتشعّب آراء أهل الاختصاص. فالمترجم يرى نفسه تجاه آراء مختلفة من أناس متّصفين جميعا بالعلم الغزير هذا يؤيد رأيه بالحجج والبراهين، وذلك يؤيد رأيه بما لا يقل قوة عن ذاك الرأي. فأنّى للمترجم وهو أقلّ علما من الاثنين أن يرجّح رأيا على رأي، فهو يضطر أحيانا إلى إثبات الرأيين. أولهما في المتن، والآخر في ذيل الصفحة. وهذا ما شاهدناه في الترجمة الفرنسية للكتب المقدسة التي قام بنشرها الآباء الدومينكان في القدس، والغريب أنّ المترجم الواحد يبدّل رأيه، فيختار ترجمة يثبتها في الطبعة الأولى ويتركها في الطبعة الثانية. "

الفترة الثانية: ما بين بعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم إلى القرن العاشر ميلادي، وفيها تمّ تحريف بشارة إطلالة الحق وإشراقة النور في جنبات الأرض المظلمة، بصورة قصدية. وقد حصرنا هذه الفترة بين البعثة المباركة والقرن العاشر لكون أسفار الكتاب المقدس كانت محتكرة بين أيدي اليهود والنصارى ولم تكن الترجمة العربية لهذه الأسفار على فرض وجودها. منتشرة بين الناس لحداثة عهدهم بها.

لم يقتصر التحريف في هذه الفترة على موضوع البشارة ببعثة نبي الإسلام، وإنما امتد التحريف إلى مسائل عقدية، وتفاصيل تاريخية كثيرة. وبإمكاننا الكشف على هذا الأمر من خلال المقارنة بين التراجم العربية الكلاسيكية والتي اعتمد منجزوها

ص: 109

على مخطوطات تعود إلى ما بعد القرن العاشر ميلادي، وبين التراجم التي تعتمد على مخطوطات تعود إلى القرنين الرابع والخامس (الفاتيكانية، والسينائية

) والتي من بينها:

The New Revised Standard Version

The New American Bible

The New International Version

الفترة الثالثة: من القرن العاشر إلى ظهور الطباعة. والتحريف في هذه الفترة في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم كان باستبدال الكلمات الأصلية بأخرى، وتمييع معاني النصوص باحداث تراجم غامضة لها. ويكشف هذا الأمر وجود تراجم مختلفة لنصوص البشارات في الكتاب المقدس في تلك الفترة.

امتد التحريف إلى زمن الطباعة التي سحبت البساط من تحت يد النسّاخ المبدّلين والمغيّرين للنصوص المقدسة.. ليصبح الأمر، ظاهرا، في" الأيادي الأمينة" لآلات الطباعة.

الفترة الرابعة: منذ ظهور الطباعة إلى اليوم، حيث تأثّر تحريف البشارات بقراءة النصارى لمؤلفات علماء الإسلام التي كشفت المعنى الحق لنصوص من الكتاب المقدس، فغيّر المترجمون الألفاظ والتراكيب محادة للحق الذي تبيّن من تحليل علماء الإسلام للتراجم السابقة.

يمكن تقسيم التحريف من زاوية الرؤية الكميّة إلى فترتين:

1-

من زمن التأليف إلى السبي البابلي.

2-

من بعد السبي البابلي (4 ق م) إلى أيامنا هذه-

ص: 110

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى موضوع خطير وهو التحريف الأكبر الذي وقع في القرن الأول ميلادي بإخفاء" إنجيل المسيح"، الذي نزل على هذا النبي من السماء وظهور أناجيل تنسب إلى أتباعه وأتباع أتباعه.. ومن الأدلة غير الإسلامية التي تؤكد وجود هذا الإنجيل، ما جاء في العهد الجديد نفسه من نسبة" إنجيل" إلى المسيح نفسه:

الرسالة إلى غلاطية 1: 7: ".. بل إنّما هنالك بعض (المعلّمين) الّذين يثيرون البلبلة بينكم، راغبين في تحوير انجيل المسيح".

الرسالة الأولى إلى كورنثوس 9: 12: " إن كان لغيرنا هذا الحق عليكم، أفلا نكون نحن أحقّ؟ ولكنّنا لم نستعمل هذا الحق؟

بل نتحمّل كل شيء، مخافة أن نضع أيّ عائق أمام انجيل المسيح! "

الرسالة الثانية إلى تسالونيكي 1: 8: ".. غير المطيعين لإنجيل ربنا يسوع"

وشهد لهذا الإنجيل العديد من النقاد الألمان، كما ذكر ذلك رحمة الله الهندي في القرن التاسع عشر، ومنهم اكهورن Eichhorn الذي قال:" إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال رسالة المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال انها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم، ولم يروا أحواله بأعينهم، وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب".

ص: 111

أما لماذا وقع التحريف. فالإجابة هي أنّ هذا التحريف قد تمّ لصرف الناس عن اتباع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وحجز المخدوعين عن الانسلاخ من دين التثليث.

هذا في ما يتعلّق بالتحريف القصدي، أما التحريف غير القصدي، فقد وقع فيه النسّاخ أو المترجمون نتيجة قصور في أفهامهم أو نتيجة غلط أو قلّة تركيز.

آخر هذا الاعتراض جاء فيه أنّ القول بأنّ الأسفار المقدّسة للنصارى من المحال تحريفها، من الناحية العقلية ومن الناحية التاريخية.. وأكّد هذا المجادل زعمه هذا بأنّ جميع" المحاولات" لإثبات وجود هذا التحريف قد باءت بالفشل.

قبل أن نهدم لبنات هذا الاعتراض ونجعله قاعا صفصفا، نحيل إلى كتابين أجادا في عرض هذا الموضوع وتحليله وتأكيده: الأول للباحث البارز ريتشارد إليوت فريدمان، وهو متعلق بالعهد القديم، وهو تحت عنوان" من ألف الكتاب المقدس، =Wrote the Bible =Who "؟ والثاني متعلق بالعهد الجديد وعنوانه" نصّ العهد الجديد: تداوله وتحريفه وإصلاحه. =Restoration Testament:It s Transmission ،Corruption and =The Text of The New "للباحث الشهير الذي يعتبر أحد رؤوس النقد الكتابي المعاصر بروس متزغر.. فعليك بهذين الكتابين إن كنت تريد التوسع في القراءة في موضوع تحريف الكتاب المقدس!

الردّ التفصيلي على دعوى عصمة الكتاب المقدس من التحريف:

يكرر النصارى، أنّ القول بتحريف العهد القديم والعهد الجديد، ما هو إلا افتراء إسلامي محض

وهذا القول النصراني هو الكذب بعينه، وهو الزور الباهت، لأنّ أي طويلب علم يقرأ في تاريخ الأسفار النصرانية المقدسة يعلم أنّ هناك آلاف

ص: 112