المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب: - محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة

[سامى عامرى]

فهرس الكتاب

- ‌[التصدير]

- ‌الإهداء

- ‌توطئة

- ‌محمّد صلى الله عليه وسلم في أسفار النصارى واليهود

- ‌مقدمة:

- ‌لماذا يبحث المسلم في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌لماذا على غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌شبهات المنصّرين حول البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في" الكتاب المقدس

- ‌اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في التوراة (العهد القديم)

- ‌اعتراضات النصارى على بشارة سليمان النبي بمحمد عليهما الصلاة والسلام لا تخرج عمّا يأتي:

- ‌الردّ على الاعتراض الأول:

- ‌الردّ على الاعتراض الثاني:

- ‌الردّ على الاعتراض الثالث:

- ‌الردّ على الاعتراض الرابع:

- ‌الردّ على الاعتراض الخامس:

- ‌الردّ على الاعتراض السادس:

- ‌ أنبياء يفترون على الله الكذب

- ‌ كتبة الوحى يحرفون كلام الله:

- ‌ أمّة بني إسرائيل تحرّف الوحى:

- ‌ الصالحون من بنى إسرائيل يحبّون الكذب على الله:

- ‌ نقلة كلام الأنبياء يحرفون الوحى:

- ‌أعداء الأنبياء يحرفون الوحى:

- ‌ قصّاصون يخترعون وحيا مزعوما:

- ‌ ظهور أناجيل كثيرة بعد رفع المسيح:

- ‌ مدح تحريف كلام الله

- ‌شهادة اقتباسات كتّاب أسفار العهد الجديد:

- ‌شهادة أقدم المخطوطات:

- ‌شهادة واقع حفظ مخطوطات الكتاب المقدس:

- ‌شهادة تراجم الكتاب المقدس:

- ‌شهادة علماء اللغات:

- ‌شهادة الكنائس ضد بعضها:

- ‌شهادة المجامع الكنيسة:

- ‌شهادة آباء الكنيسة:

- ‌شهادة" الشواهد

- ‌شهادة الكنيسة المعاصرة:

- ‌شهادة البابا شنوده:

- ‌شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب:

- ‌ إنجيل برنابا

- ‌من الشبهات التي يزعم النصارى أنّها تطعن في أصالة هذا الإنجيل

- ‌الشبهة الأولى: لا يوجد سند لهذا الإنجيل

- ‌الشبهة الثانية: نحن لا نملك النسخة الأصلية المكتوبة باللغة اليونانية

- ‌الشبهة الرابعة: ظاهر مما جاء في هذا الإنجيل تأثر صاحبه بتعاليم إسلامية جاء ذكرها في القرآن والسنة

- ‌الشبهة الخامسة: وجود مصطلحات فلسفية يونانية في إنجيل برنابا

- ‌الشبهة السادسة: مخالفة إنجيل برنابا لأسفار الكتاب المقدس

- ‌الشبهة السابعة: إحالة مؤلف إنجيل برنابا إلى أقوال للأنبياء لا نجد لها ذكرا في العهد القديم

- ‌الشبهة الثامنة: جاء في إنجيل برنابا ذكر قصص وحوادث وقعت في أيام الأنبياء السابقين

- ‌الشبهة التاسعة: جاء في إنجيل برنابا ذكر تعاليم وأحداث لم ترد في الأناجيل

- ‌الشبهة العاشرة: جاء في إنجيل برنابا ما يظهر أنّ المؤلف عاش في القرون الوسطى زمن النظام الاقطاعي، إذ نسب ملكية أراض واسعة إلى أفراد (لعازر الذي أحياه عيسى)

- ‌الشبهة الحادية عشر: ورد ذكر" الرطل" في إنجيل برنابا كوحدة وزن، وقطعة الذهب كوحدة نقدية

- ‌الشبهة الثانية عشر: جاء في إنجيل برنابا ذكر عقوبة القتل شنقا

- ‌الشبهة الثالثة عشر: جاء ذكر مقاطع الأحجار (المقالع) في إنجيل برنابا، رغم أنّها صنعة أوروبية متأخرة

- ‌الشبهة الرابعة عشر: جاء ذكر أوقات الصلوات في إنجيل برنابا في غير ما موضع

- ‌الشبهة الخامسة عشر: جاء وصف المسيح بأنّه نبي الناصريين، ووصف أتباعه بالناصريين. ولا حجة لهذا الزعم

- ‌الشبهة السادسة عشر:

- ‌من البشارات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في إنجيل برنابا

- ‌البشارة في كتب الهندوس

- ‌البشارة في كتب الصابئة

- ‌البشارة في كتب البوذية

- ‌البشارة في كتب المجوس*

الفصل: ‌شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب:

14-

النقطة السابقة تمثّل طعنا صريحا في الكنائس العربية الأخرى، وخاصة الكنيسة المارونية، لأنّها لم تعترض على هذه التراجم ولأنّها تعتمدها بين رعاياها وفي عباداتها.

15-

البابا شنودة ترك رعاياه يقرؤون نسخا محرفة للكتاب المقدّس، دون أن يتخّذ موقفا عمليا للقضاء على هذا التحريف!

‌شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب:

تقرّر المصادر الموسوعية، التي تمثّل زبدة الفكر الغربي، أنّ وقوع التحريف أمر يقيني، وتفصّل في هذا الأمر.. فتقول الموسوعة الأمريكية طبعة 1959 م المجلّد الثالث ص ص 615 وما بعدها: " لم تصلنا أيّ نسخة بخطّ المؤلف الأصلي لكتب العهد القديم، أمّا النصوص التي بين أيدينا فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة والنساخ.

ولدينا شواهد وفيرة تبين أنّ الكتبة قد غيّروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها أو نقلها.

وقد حدث التغيير بدون قصد حين أخطؤوا في قراءة أو سماع بعض الكلمات، أو في هجائها، أو أخطؤوا في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وما يجب أن يكون تركيبا واحدا.

كذلك فإنّهم كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين، وأحيانا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها.

وأما تغييرهم في النص الأصلي عن قصد فقد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصوّرون أنها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم. كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات، أو يزيدون على النصّ الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية.

ص: 136

وهكذا لا يوجد سبب يدعو للافتراض بأنّ وثائق العهد القديم لم تتعرّض للأنواع العادية من الفساد النسخي، على الأقل في الفترة التي سبقت اعتبارها أسفارا مقدّسة.

لقد كتبت أسفار العهد القديم على طول الفترة من القرن 11 ق م إلى 1 ق م.

وأخذ (العهد القديم) صورته النهائية في القرن الأول ميلادي.

وعلى مدى القرون الطويلة التي كتبت فيها أسفار العهد القديم نجد أنّ نصوصه قد نسخت مرارا وأعيدت كتابتها باليد. ولقد حدثت أخطاء في عملية النسخ، وكان يحدث أحيانا أنّ بعض المواد التي كتبت على هامش النصّ تضاف إليه.

ولقد أكّد اكتشاف وثائق البحر الميت ضرورة إدخال بعض التغييرات على النسخة العبرية الحديثة، في سفر إشعياء. "

أما فيما يتعلّق بالعهد الجديد فقد جاء في الموسوعة البريطانية (الطبعة 12) المجلد الثالث ص 643 أنّه باستثناء الرسائل الأربع الكبرى لبولس فإنّ بقيّة أسفار العهد الجديد قد تعرّضت للأخذ والردّ والتحريف.

من صور التحريف: لقد عبثت أيادي النساخ ورجال اللاهوت بأسفار" الكتاب المقدس" حتى نالت قلب العقيدة النصرانية بالتبديل والتحريف.. وكلنا يعلم ما أجمع عليه كبار النقاد من أنّ الحجة الوحيدة على كتابية عقيدة التثليث، وهي التي جاءت في رسالة يوحنا الأولى 5: 7: " فإن هناك ثلاثة شهود في السماء، الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد. " هي زيادة تحريفية في النص وهي كما جاء في التعليق المعروف على الكتاب المقدس =Peake s Commentary of the Bible =قد أدخلت في الرسالة الأولى ليوحنا في آخر القرن الرابع ميلادي. وقال المنصّر المعروف جون جلكرايست في ردّه على الشيخ أحمد ديدات، في كتابه" نعم الكتاب المقدس كلام

ص: 137

الله": " ويظهر أنّ هذه الآية قد وضعت أولا كتعليق هامشي في إحدى الترجمات الأولى، ثم وبطريق الخطأ اعتبرها نسّاخ الإنجيل في وقت لاحق جزء من النص الأصلي.

وقد حذفت هذه الآية من جميع الترجمات الحديثة، لأنّ النصوص الأكثر قدما لا تورد هذه الآية. "

ووباء التحريف لم يقتصر تمدده إلى العقيدة بل انساح على جميع جوانب الدين النصراني، حتى الجانب العبادي فيها، وبالذات، الصلاة، التي يطالب النصارى بآدائها بصورة دورية ومكثّفة. إذ فضلا عن الاختلاف بين صورة الصلاة في إنجيل متّى 6: 9 13 ومقابلها في إنجيل لوقا 11: 2- 4، فإنّ التراجم الحديثة قد كشفت أنّ هذه الصلاة قد تعرّضت هي أيضا للتحريف (!!) فقد حذف من الصلاة من إنجيل متّى 6:

9-

13 في أهمّ التراجم الحديثة ك "=The New American Bible ="الكتاب المقدس الأمريكي الجديد": " لأنّ لك الملك والقوّة والمجد إلى الأبد. آمين" (العدد 13) . وقد تمّ هذا الحذف لغياب هذه الجملة في شواهد هامة ك I B D: أما الصلاة في إنجيل لوقا 11: 2- 4، فقد حذفت أهم التراجم الحديثة كالترجمة السابقة: " الذي في السماوات" و" لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" (العدد 2) و" لكن نجّنا من الشرير" (العدد 4) . من التراجم الحديثة الأخرى التي حذفت هذه النصوص: " الترجمة القياسية المراجعة، =Standard Version =The Revised =و" الترجمة الإنجليزية الجديدة، English Translation "The New =و" الترجمة العالمية الجديدة

=International Version =The New "

ولا تغفل عما جاء في موسوعة الكتاب المقدس Biblica Encyclopeadia =Cheynes ص 2818 من أنّه قد تمّ تحريف" الصلاة" في

ص: 138

إنجيل لوقا حتى توافق الصيغة الواردة في إنجيل متّى.. لتعلم أنّها" تحريفات بعضها فوق بعض".

ولأنّ تحريف الصلوات صار" موضة" كنسية مباركة من الروح القدس (!) ، فقد نشرت في روما بتاريخ 31 آذار 1965 م، بموافقة البابا بولس السادس، تعديلات جديدة للصلوات الكاثوليكية أيام" الجمعة العظيم". وقد جاءت هذه التعديلات تنفيذا لروح وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح التي أقرّها المجمع في دورته الثالثة. فغيّرت عناوين عدد من الصلوات، فالصلاة التي كان عنوانها" صلاة لتنصير اليهود" أصبح عنوانها" صلاة اليهود"، وحذفت من الصلاة عبارة" المذنبين" أو" المخطئين" عند إشارتها إلى غير النصارى، وكلمتا" الظلمة" و" العمى" اللتان ترمزان إلى حال اليهود (أنيس القاسم، نحن والفاتيكان وإسرائيل، ص 65) ..

والسؤال الذي نوجّهه الآن إلى كلّ نصراني لم يتكلّس عقله ولم يتلوّث قلبه ولم ينحر أشواق روحه إلى تنسّم فوائح الحقيقة..: أيصحّ في الأذهان القول بأنه من المحال تحريف بشارة بنبيّ لم يحن زمانه أو ظهر بين الناس وخالف فكرهم ومنهجهم..؟؟!

الإجابة هي في المزيد من الأدلة التفصيلية على ثبوت التحريف الفاحش:

قال صاحب كتاب" خواطر مسلم.."- محمد جلال كشك- ص ص 150- 153: " والإنجيل الحالي ليس فقط ثمرة عملية انتقاء، وبل وتعرض أيضا لعمليات تنقيح وتعديل وتبديل ومراجعة شاملة ومثيرة. فعلى سبيل المثال، اكتشف عام 1958 م البروفسير" مورتون سميث" من جامعة كولومبيا في دير قرب القدس، خطابا يحتوي على فصل مفقود من إنجيل مرقس". وهذا الجزء المختفي لم يفقد بل، ألغي عمدا بإيعاز إن لم يكن بإلحاح الأسقف كليمنت أسقف الإسكندرية وأحد أبرز آباء الكنيسة الأوائل. ويبدو أنّ كليمنت هذا، تسلّم خطابا من شخص يدعى

ص: 139

تيودور، يشكو فيه جماعة غنوصية" الكربوكراتيين"، الذي لم يفهموا من الخطاب أنهم فسروا بعض الفقرات من إنجيل مرقس في ضوء مبادئهم، التي لم تكن تتفق مع فهم كليمنت أو تيودر هذا، الذي كان يهاجمهم وأبلغ عنهم كليمنت وفي الخطاب الذي عثر عليه البروفسور سمث ردّ عليه الأسقف بالتالي: قد فعلت خيرا بإخفاء تعاليمهم الخرساء (

) مثل هؤلاء يجب معارضتهم بكلّ الوسائل، فحتى لو قالوا شيئا صحيحا فإنّ محبّ الحقيقة يجب أن لا يقرّهم حتى ولو كان متفقا مع قولهم. " (مع شيء من التصرف)

وقد جاء في رسالة كليمنت: " وعند ما مات مرقس ترك" مؤلفاته" لكنيسة الاسكندرية. حيث لا تزال تحت حراسة شديدة، تقرأ فقط من قبل هؤلاء الذين تأهّلوا لقبول وفهم الأسرار الكبرى، ولكن بما أنّ الشياطين الخبيثة تهدف دائما إلى تدمير الجنس البشري لذلك فإنّ الكربو كراتيين بإيعاز من الشياطين، ومستخدمين الخداع، استطاعوا أن يستعبدوا أحد الكهنة في كنيسة الاسكندرية حصلوا منه على نسخة من الإنجيل السرّي (؟!) ثم عمدوا إلى تفسيرها وفقا لمعتقداتهم الدنسة الكافرة، بل وأيضا خلط الأكاذيب بلا حياء، بالكلمات المقدسة. "

ويعلق المؤلفون المسيحيون (أصحاب الكتاب المثير" الدم المقدس والوعاء المقدس") : " وهكذا يعترف كلمينت بكلّ صراحة بوجود إنجيل سرّي معترف به أو موثوق به لمرقس. ثم يعطي تعليماته لتيودور لإنكار هذا الإنجيل..".

قلت: إذن، الأمر لا يقتصر على حذف أو إضافة بعض الألفاظ والجمل.. بل هو يصل إلى إخفاء أسفار بأكملها!

" من شبّ على شيء شاب عليه": إنّ المتتبع لعلاقة النصارى بأسفارهم ليقسم بالأيمان المغلّظة أنّ التحريف عند هؤلاء ليس فعلا يبحث عنه في الدراسات التاريخية

ص: 140

القديمة، إنه ليس حدثا تاريخيا قد مضى وانقضى، وإنما هو" عادة" شبّ عليها النسّاخ والكتّاب والمترجمون ورجال الكنيسة، ورجال اللاهوت.. و" لكلّ فتى من دهره ما تعوّد". وقد باءت محاولات الكنيسة بالتطبّع بما ليس عندها بالفشل" والطبع يغلب التطبع"!!

لقد عشّش فيروس التحريف في عقول الثالوثيين وفي قلوبهم وفي أطراف أصابعهم واستحكم أمره في ألياف أعصابهم

إنّ ما نقرؤه هذه الأيام، ومنذ أيام، بل منذ شهور، بل منذ سنين وعقود وقرون من تحريفات متجددة للكتب المقدسة عند النصارى ليكشف الحالة الوبائية المستعصية التي وصلت إليها الكنائس.. ومن هذه الأخبار:

جاء في أخبار الصحافة منذ فترة قصيرة أنّه" لتمثيل الحوار النصراني الكاثوليكي- اليهودي، ولنزع كل ما هو" معاد" لليهود، قام البابا بخطوة جريئة، وذلك بزيارته المعبد اليهودي" سيفوغا" في العاصمة روما، وطالب بإعادة تفسير العلاقة النصرانية- اليهودية بدء من إعادة دراسة الكتاب المقدس والعهد القديم والطقوس والشعائر والصلوات والتراتيل التي تمارس داخل الكنائس بقصد إعادة تأويلها بما يفيد تبرئة اليهود من" خطيئة قتل المسيح وصلبه" وإعادة صياغة التراث الكاثوليكي، والكتاب المقدس بما يناسب النظر إلى اليهود نظرة جديدة" أكثر تفاهما وأكثر تسامحا" والتأكيد على الأصول المشتركة بين الدينين.

وأعلن الفاتيكان" أن توبة النصارى تجاه اليهود يجب أن تكون فردية وجذرية وشاملة، وأنه لا تكفي التصريحات الصحافية والمراجعات النقدية لمحو خطايا الماضي التي أدّت إلى المحرقة النازية".

ص: 141

وصرّح أحد أعضاء لجنة الصياغة لهذه الوثيقة لصحيفة الفاتيكان الرسمية" المراقب الروماني" أنّ الفاتيكان سيراجع ويعدّل عدة نصوص دينية في العهد الجديد لتحاملها على اليهود، كما سيتمّ تعديل في إنجيل متّى وقصة الحواريين برمّتها إرضاء لليهود!!!

قال سهيل التغلبي، النصراني، في كتابه" الصهيونية تحرّف الإنجيل" ص ص 50- 80: " جرت في السنين الأخيرة محاولات كثيرة لتحريف الكتاب المقدّس، وكان أهمها مستوحى من الحركة الصهيونية (

) . ومن أعوام عقد في مدينة سبليبريج في سويسرا مؤتمر اشترك فيه بعض رجال البدع المسيحية الجديدة المتطرفة مع فريق من ممثلي الهيئات الدينية اليهودية، وقرّر المجتمعون مكافحة أعداء اليهود في العالم المسيحي، وقرّروا أيضا حذف الآيات والفصول الواردة في الإنجيل بنوع أخصّ التي تصف اعتداء اليهود على السيد المسيح وصلبه (

) "

ولقد صدرت هذه الطبعة المحرفة لأسفار العهد الجديد عن" دار النشر اليهودية" بالقدس في عام 1970 م. تقول مقدمة الترجمة المحرّفة لأسفار العهد الجديد: " إنّ هذه الترجمة اليهودية والمعتمدة للعهد الجديد يمكن وصفها بأنها: العهد الجديد خاليا من معاداة السامية. "

لّخص سهيل التغلبي خطّة التحريف في هذه الترجمة، في هذه النقاط:

1-

محو كلمة" اليهود" من أسفار العهد الجديد، وهي الكلمة التي تكرّر ذكرها 159 مرة. ثم استبدالها بكلمات مختلفة تساعد على تمييع المسؤولية التي تكون قد علقت باليهود من جرّاء قول أو فعل نسبته إليهم تلك الأسفار. لذلك نجد كلمة" اليهود" قد محيت ثم استبدلت بكلمات أخرى مثل: مواطني ولاية اليهودية- وفيهم اليهود وغير اليهود- وهؤلاء قد أطلق عليهم" أهل اليهودية". كذلك

ص: 142

استبدلت كلمة كلمة" الرعاع" أو" المنعزلين" أو" العامة" محلّ كلمة" اليهود"- بل إنّ هذه الكلمة استبدلت بكلمة" الوثنيين".

2-

محو ما يتعلّق بالشعب اليهودي باعتباره جماعة دينية ترتبط ب" الناموس" و" المجمع" يقوم عليها الشيوخ و" رؤساء الكهنة" وتعرف بينها طوائف" الفرّيسيين" وجماعة" اللاويين".

3-

التخلّص من كلمة" الصليب" وما يشتق منها وذلك بتحريفها إلى كلمات أخرى قد تقترب منها في المعنى أو لا تقترب على الاطلاق مثل وضع عبارة" خذه" أو" أبعده" أو" انفه" أو" اشنقه" مكان" اصلبه، صلبه".

4-

تجنّب كلمة" القتل" وما يشتقّ منها، وذلك بوضع كلمات أخرى أقلّ منها حدّة مكانها ك" يدين" أو" ينفي" أو" يأخذ" أو" يضايق" أو" ينكر" أو" يقاوم".

5-

محو الكلمات التي تلقي مسؤولية دم يسوع على اليهود وأولادهم من بعدهم، ووضع مكانها فقرات أخرى تحمّل المصلوب وزر دمه المرق.

تحميل الرومان مسؤولية حادث الصلب بعد تخليص اليهود منه، وذلك بتحريف الفقرات التي تلصق المسؤولية باليهود، رغم صراحة الأناجيل في قولها إنّ بيلاطس أراد تخليص المسيح من مؤامرة اليهود، وانّه لمّا أصرّ اليهود على موقفهم، غسل يديه، وقال:" إنّي بريء من دم هذا البار. "

تحريف الفقرات التي خاطب بها تلاميذ المسيح اليهود مباشرة وأدانوهم فيها لمواقفهم الإجرامية من المسيح، وذلك بتحويلها من صيغة ضمير المخاطب الحاضر إلى صيغة ضمير الغائب، من" أنتم" إلى" هم".

ص: 143

وكانت حصيلة التحريف كما يقول سهيل التغلبي:

إنجيل متّى: 91 تحريف.

إنجيل مرقس: 52 تحريف.

إنجيل لوقا: 73 تحريف.

إنجيل يوحنا: 135 تحريف.

أعمال الرسل: 165 تحريف.

الرسالة إلى روما: 62 تحريف.

الرسالة إلى كورنثوس: 17 تحريف

" أصدر المركز المسيحي القبطي في مصر طبعة جديدة من الكتاب المقدس أطلق عليها إسم" ترجمة تفسيرية" وقد وجدت فيها بعض التحريفات عن بقية الطبعات المعتمدة مثل طبعة الكتاب المقدس المعتمدة من قبل مطران بيروت للكاثوليك أغناطيوس زيادة وطبعة نسخة الملك جيمس باللغة الانجليزية المعتمدة لدى الكنيسة البروتستانتية وطبعة الكتاب المقدس التي أصدرها الآباء اليسوعيين باللغة العربية وهي الطبعة التقليدية والشائعة الانتشار والمعتمدة لدى الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية في الشرق الأوسط.

والغريب أن طبعة المركز القبطي حاولت تصحيح بعض الأخطاء والأرقام الواردة في الكتاب المقدس وتركت أخطاء أخرى دون تصحيح، فعلى سبيل المثال نجد أن العدد" أربعين" في سفر صموئيل الثاني (15: 7) هو عدد مغلوط فيه لأنّ فترة حكم داود كلها كانت أربعين سنة كما في سفر الملوك الأول (2: 11) فأبدلوا هذا العدد

ص: 144

وجعلوه في هذه الطبعة العدد" أربع"، والخطأ الآخر هو ما ورد في سفر الملوك الأول 15: 10 من أن إسم أم الملك أسا هو معكة بنت ابشالوم والصحيح هو أنها جدته أم أبيه كما في الفصل نفسه العدد 2 فعمدوا إلى تبديل كلمة" أمه" بكلمة" جدته"".

قال الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه" التزوير المقدس" ص 86: " تقوم مؤسسة" ريدرز دايجست" بإخراج طبعة جديدة من الكتاب المقدس تختصر منها خمسين في المئة من العهد الجديد وخمسة وعشرين في المئة من العهد القديم

!

ومن أغرب الأخبار التي أذيعت حول هذه الطبعة المقترحة أنّ النساء في الولايات المتحدة يعترضن على الصلاة المسيحية التي تقول: " أبانا الذي في السموات

" إذ يرون في هذا النص تفرقة بين المرأة والرجل.. فلماذا لا تبدأ الصلاة مثلا بيا.." أمنا" التي في السموات أيضا

؟!

وقد اتفق القائمون على أمر هذه الطبعة أن تغير كلمة" أبانا" بكلمة" الخالق" حتى لا تثور المرأة

؟ "

" ورد في صحيفة" واشنطن بوست" أنّ جمعية الكتاب المقدس الدولية أعلنت أنها سوف تصدر ترجمة جديدة للكتاب المقدس، تتسم ألفاظها بالحيادية في مخاطبة الرجل والمرأة- الجندر (النوع الاجتماعي) -، ويأتي ذلك بالرغم من الانتقادات السابقة لتلك الفكرة من قبل" المحافظين"، وتجري هذه التعديلات اللغوية على أكثر ترجمات الكتاب المقدس مبيعا في الأسواق الأمريكية وهي" الترجمة العالمية الجديدة =The New International Version ="ويشمل هذا التعديل استبدال الألفاظ التي تصلح لمخاطبة الجنسين، بالألفاظ التي تخاطب الذكور، وستعرف الترجمة المعدلة ب" ترجمة اليوم العالمية الجديدة".

ص: 145

يذكر أنّ مبيعات الترجمة الأصلية التي ستجري عليها التعليقات فاقت 150 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم منذ 1978 م، وستظل مطروحة في الأسواق مع الترجمة الجديدة. وسوف تصدر الترجمة المعدلة للعهد الجديد فقط، في أبريل القادم، ومن المتوقع أن يصدر الكتاب المقدس كاملا في 2005 م.

" تأتي الترجمة الحديثة لطبعة الكتاب المقدس لتلقى رواجا كبيرا في الولايات المتحدة، خالية من تحديد" الجنس اللفظي" بتجنب قصره دائما على المذكر، وإن احتفظت دائما بصيغة المذكر في الإشارة للذات الإلهية. ولكنها برغم ذلك أثارت ضجة كبيرة بين النصارى الناطقين باللغة الانجليزية.

فالنسخة الجديدة تحول في العهد الجديد لفظ" الإخوة" إلى" الإخوة والأخوات"، و" أولاد الله" إلى" أبناء الله"، بما يحتمل المذكر والمؤنث معا. ولكنها تبقى كل إشارة إلى الله والسيد المسيح في صيغة المذكر دائما.

وتنتقد مجموعات كنسية محافظة مثل" المجلس الكتابي للرجال والنساء" الترجمة الجديدة وتعتبرها معيبة وبمثابة تشويه لكلمة الله.

ويقول الناشرون أنهم يسعون إلى مخاطبة جمهور ينتمي إلى عصر مختلف!!!

كما تمّ تغيير كلمة" اليهود" إلى" زعماء اليهود" في المواضع التي لم يكن النص الأصلي يشير فيها إلى الشعب اليهودي ككل، بل لقادته- بزعمهم-!!

يشار إلى أنه قد استخدمت صيغ محايدة أخرى من حيث التذكير والتأنيث بهذا المفهوم، للكتاب المقدس منذ سنوات عديدة، ومنها" الطبعة الموحدة المراجعة الجديدة" سنة 1989 م وطبعة" الكتاب المقدس لأورشليم الجديدة"

ص: 146

الكاثوليكية اعتبارا من سنة 1985 م والنصوص التي يستخدمها اليهود المحدثون والإصلاحيون!

قام مارتن لوثر بكتابة ترجمة ألمانية للكتاب المقدس، وطبعها أكثر من مرة في حياته. وقبل أن يتوفى، أوصى بألّا يغيّر أحد في هذه الترجمة لعلمه بحال القوم. وقد سبق أن حذف لوثر منها النص الوحيد الذي يدلّ على عقيدة التثليث في الكتاب المقدس: 1 يوحنا 5: 7، ولكن بعد وفاته حرّف من قاموا بإعادة طبع هذه الترجمة ما جاء في النسخة الأصلية، مرجعين هذا النص المحذوف إلى رسالة يوحنا وذلك في طبعة 1574 م التي قام بها أهل فرنكفورت، وطبعتا 1596 م و 1599 م لأهل وتنيرك، وطبعة 1596 م لأهل هيميرك!!

قام المنصّرون سنة 1950 م بدعوة" الاسكيمو" إلى النصرانية، فلما قرأ الاسكيمو الأناجيل المتداولة" خبزنا كفانا" امتنعوا عن الطعام، حتى أهلكهم الإعياء، فتمّ سحب هذه الأناجيل، وجيء لهم بطبعة أحدث تحمل عبارات ذات مدلول أشمل من الخبز، حتى لا يموتوا جوعا!!

ونختم هذا الحديث بما قرّره الدكتور بروس متزغر في مواضع متعددة من كتابه" نص العهد الجديد

" في تفصيل أسباب التحريف، لخنق أنفاس الشك وفتح روزنة في جدار الإيمان العجائزي في عقل كلّ نصراني:

تغييرات قصدية: 1- بسبب خطأ في الرؤية أو عدم اهتمام كاف بالمخطوطات الأصلية:

تغيير الحروف ودمجها (مثال: الرسالة الثانية لبطرس 2: 13، 2: 18) .

حذف كلمات بين جمل مكررة (مثال: الرسالة الأولى ليوحنا 2: 23) .

ص: 147

إضافة حروف خطأ بسبب التكرار (الرسالة الأولى إلى تسالونيكي 2: 7) .

بسبب تشابه في النطق أو خطإ في النطق (مثال: متّى 11: 16، الرؤيا 1: 5، الرسالة إلى روما 1: 5) .

2-

بسبب خطأ في التذكر أو التوقع:

وضع مترادفات (مثال: متّى 2: 17، 10: 23)

وضع الكلمات في ترتيبها الكلاسيكي في الاستعمال رغم عدم ورود الكلمات في المخطوطة المنقول منها على تلك الصورة (مثال: الرسالة إلى روما 1: 1، متّى 15:

1) .

تغيير موضع الحروف من الكلمة مما يغير شكل الكلمة وبالتالي مقابلها في لغتها وحتما في اللغات الأخرى وهذا التحريف يشمل جميع أشكال التحريف السابقة واللاحقة (مثال: مرقس 14: 65) .

إضافة كلمات من نصوص موازية (مثال: متّى 25: 7 من العددين 21 و 33)

إضافة ضمائر، متوقعة (مثال: متّى 14: 15 وهو أمر تكرر كثيرا)

3-

إدخال نصوص من الهوامش إلى المتن بزعم التصحيح، خطأ:

إضافة هوامش مختصرة إلى المتن للتفسير (مثال: متّى 10: 3) .

إضافة عظات دينية (الرسالة إلى روما 8: 1، 11: 6، متّى 27: 35) .

إضافة تعليقات لها دلالات دينية وتعبدية (مثال لوقا 7: 31، متّى 6: 31) .

ص: 148

إضافة تعليقات تحيل إلى نصوص العهد القديم (مثال: لوقا 23: 38 من يوحنا 19: 20، الرسالة إلى العبرانيين 12: 20 من سفر الخروج 19: 13) .

بسبب تأويلات باطلة لتصحيحات في الهامش (مثال: الرسالة إلى روما 6:

12) .

تغييرات قصدية: 1- لجعل المعنى أكثر وضوحا (متّى 12: 35، 6: 4، 6)

2-

لموائمة نصوص الأناجيل (مثال: متّى 19: 17* مرقس 10: 18)

3-

إزالة صعوبات قد تحتاج إلى تفسير ممل (مثال: مرقس 1: 2: تغيير" كما قال إشعياء" إلى" كما قال الأنبياء".، يوحنا 1: 28: " بيت عنيا" غيّرت إلى" بيت بارا"، متّى 24: 36: حذف" ولا الابن") .

4-

التأكيد على تعاليم مهمة، أو حمايتها:(مثال: لوقا 2: 33 جعلت كلمة" يوسف" مكان" أبوه"، لوقا 2: 43: حلّت" يوسف وأمه" محلّ" أبواه")

5-

لإظهار أو ترويج عادات رهبانية (مرقس 9: 29: إضافة" الصوم" بعد" الصلاة") .

ص: 149

شبهة: الحقيقة التي لا يجانبها منصف ولا يجتويها من من النار أعتق، هي أنّ عيسى هو ربّ للعالمين، وقد نزل ليخلّص الناس من خطيئة آدم، فتروله هو إعلان لنهاية التاريخ وختم الرسالات ونسخ النبوّات.. فكيف يزعم رغم ذلك أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم قد بعث بعد رفع المسيح إلى السماء عليه السلام ، وأنه قد أتى بشريعة ناسخة لما سبقها، إنّ" الكتاب المقدس" لا يمكن أن يناقض نفسه فيقرّر الشيء وضدّه!!

إنّ القبول بالبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في" الكتاب المقدس" يعني إهدار كفارة الربّ المخلّص والتفريط في المنحة المجّانيّة التي حبانا بها!!

الردّ: إنّ هذه الشبهة مبنية على مجموعة من المغالطات" المعلوم من العقل بالضرورة" أنها أباطيل، بل أساطير عتيقة حرقها وهج العلم حتى صارت شوهاء منبوذة من ذوي النهى، وهي لا يراد منها الإسفار عن وجه الحقيقة أو خرق حجب الأباطيل، وإنما غاية الأمر عند" الشبهاتيين" هي محاولة التلبيس على الذين يريدون أن يردوا مورد الحقيقة لينالوا شربة لا ظمأ بعدها ولا أذى.

إنّ هذه الشبهة تقوم على مقدمات يتصور النصارى، أو يزعمون، أنها حقائق لا يرقاها الشك ولا يملك لها نقبا.. وهي أنّ:

1-

عيسى عليه السلام إله ربّ للعالمين!

2-

وأنه قد صلب!

3-

وأنّه مخلّص!

4-

وأنّه قد نسخ شريعة التوراة بعمله الكفاري على الأرض!!

ص: 150

كما هو ملاحظ، فإنّ النصارى يبنون مقرراتهم على أرض متحركة مرتّجة لا يمكن أن يستقرّ عليها هدى أو يرتفع عليها بناء، وهو المنهج القديم المتجدد الذي يعتمد على التلبيس والتمويه وخداع القارئ بإيهامه ببداهة المقدمات ووضوح الأصول وثبات الأرضية، حتى أنّه ليقع في خلد العجل أنّ المسائل المذكورة هي محل يقين وإجماع بين النصارى وبين مخالفيهم!!

وهاك البيان.. وعلى الله التكلان:

1-

المسيح إله!؟ لقد أصبح الزعم بإلوهية المسيح أثرا بعد عين حتى في بلاد الغرب" النصراني"، بين المثقفين خاصة، بعد أن كان يستأثر بالأرض والهواء بسطوة الحرمان الكنسي من الجنة والإهمال البابوي للمهرطق في الجحيم، تحت تهديد النار والحديد والخازوق الأحد من النصل!، بل لقد لفظه كثير من رجال الكنيسة بعد أن أنفقوا بضع سنوات في الكليات اللاهوتية أين أخبروا أنّ ثقافة العامة المروّج لها في المواعظ الساخنة والصاخبة، وفي مدارس الأحد، ما هي إلا بضاعة كاسدة لا تروج إلا بين السوقة والعوام ولا مكان لها في منصات الدراسات الأكاديمية الجديّة.

لقد ولّى المثقفون الغربيون بعيدا عن أسطورة ألوهية المسيح، بل وأضحى الخوض في موضوع صدق النصرانية بينهم علامة على طفولية، إن لم تكن جنينية، عقل المتحدّث، فالنصرانية بهذه الربوبية اليسوعية المزعومة أدنى من أن تكون مجال بحث بين أصحاب الشهادات وروّاد المكتبات!!

أمّا في ما يتعلّق برجال الدين النصارى، فالأخبار تتتالى مؤكدة كفر الكثير منهم باللاهوتية المزعومة للمسيح!! .. خذ مثلا:

صدور كتاب بعنوان" أسطورة الإله المتجسّد" الذي أثار ضجّة كبيرة، ووضع الكنيسة في حرج شديد، إذ أنّ مؤلفيه السبعة هم من كبار رجال الكهنوت وعلى

ص: 151

رأسهم القس موريس ويلز رئيس لجنة المعتقدات في كنيسة انجلترا، وأستاذ الإلهيات في جامعة أكسفورد. هؤلاء القساوسة أعلنوا في كتابهم ذاك، إنكارهم لأيّ قول في أسفار النصرانية يزعم أنّ عيسى قد أعلن أنه إله.

وقد جاء في مجلة" الأبسرفور" الانجليزية تعليقا على هذا الكتاب الذي صدر سنة 1977 غ: "

هناك أيضا علماء يناصرون، ولو من بعيد، ما ورد في الكتاب، ومن بينهم القس دافيد ادوارز من كنيسة وستمنستر".

ثم أصدر ثمانية من علماء اللاهوت في بريطانيا كتابا اسموه" المسيح ليس ابن الله"، أكدوا فيه ما جاء في الكتاب الأول، وقالوا:" إن إمكانية تحول الإنسان إلى إله لم تعد بالشيء المعقول والمصدق به هذه الأيام. "

ومن آخر ما كتب في هذا الباب ما خطته أنامل القسيس الأمريكي المتقاعد لنزو بريبل في كتابه الحديث: " اللاهوت مبسطا: الله، ابنه، وروحه، =God ،His Son ،and His Spirit Theology Simplified: "وقد جاء على غلافه" لماذا عقيدة التثليث غير معقولة ولا كتابية. إبطال كلّ حجج المثلثة. "

جاء في صحيفة" التايمز" بتاريخ 24 مايو 1976 م: " غادرت 3500 راهبة أمريكية وظائفهن الدينية وفي بعض الأحيان غادرن الكنيسة نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة لألف قس، وفيهم أساقفة بارزين، في هجرة كبيرة. بعضهم فعل ذلك صراحة للتزوّج، وآخرون بسبب خيبة أمل أو فقد الإيمان، وفريق آخر لاعتقاد أفراده أنه بإمكانهم خدمة الله والبشرية بصورة أكثر فاعلية في العالم المدني. "!!

جاء في مجلة" التايمز" عدد 27 فبراير 1978 م في مقال طويل بأحرف كبيرة تحت عنوان: " جدل جديد حول ألوهية عيسى: =Debate Over Jesus Divinity =New "

ص: 152

" ظهرت الكرستولوجيا (دراسة طبيعة المسيح) الجديدة في جامعة نجمجان، في هولندا، بين المفكّرين من الروم الكاثوليك، سنة 1966 م، عند ما أصدر الأغوسطيني المتأخر، أنسفريد هولسبوش، بيانا ضد مجمع الخلقديونية (الذي انعقد سنة 451 م) . وقد كتب أنّ الكنيسة يجب" ألا تتحدث من اليوم فصاعدا عن اتحاد الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص له وجود قديم". واحد من قائدي التيار الألماني كان زميلا له في جامعة نجمجان، اليسوعي بييت شووننبرج. في كتابه الصادر سنة 1969 م، والصادر باللغة الإنجليزية تحت عنوان: " المسيح" (دار هردر وهردر، م 1971 م) ، أهمل مفهوم الطبيعتين، وتحدث بدلا عن ذلك عن" الوجود الكامل لله في الشخص البشري عيسى المسيح". اللاهوتي الكندي برنارد. ج. ف. لونرجان ذكر بعد ذلك أنّ كتاب شوننبرج من الممكن أن يقود إلى النتيجة المنطقية أنّ عيسى كان" إنسانا لا غير". الباحث الألماني الليبرالي الآخر هو دومينيكان ادوارد شلوبيكس، الذي سينشر له سيبوري أول مجلّد حول الكرستولوجيا باللغة الإنجليزية في آخر هذه السنة. وصف الكتاب الإهليجي (بيضاوي) ، عيسى على أنه كائن بشري ارتفع بصورة تدريجية إلى مرتبة قريبة من الله.

بعض الكتابات الحديثة في فرنسا تعتبر أكثر جرأة. الدومينيكاني في المؤسسة الكاثوليكية في باريس، جاك بوهييه، قال:" في الآخر، انّه من الحماقة القول إنّ الله قد جعل نفسه بشرا. ليس بإمكان الله أن يكون غير الله". الأب بيير مادي بوود من مركز الدراسات اللاهوتية في كاين يعتقد أنّ القادة الأول للكنيسة كان عليهم أن" يقتلوا أبوهم عيسى" ليصلوا إلى النضج، في حين كتب الأب ميشال بنشون، صاحب صحيفة" عيسى"، حول تحرره من" العبادة الوثنية" لعيسى الذي" لم يقدّم نفسه كأزلي أو مطلق".

ص: 153

في إسبانيا، جوزي رامون جيريرو، مدير التعليم الكاثوليكي في المؤسسة الرسولية بمدريد ومؤلف الكتاب الذي صدر سنة 1976 م" عيسى الآخر"، صرّح للتايمز أنّ عيسى هو" رجل مصطفى من الله ومرسل منه، وجعله الله ابنا له". في المدرسة اللاهوتية اليسوعية في برشلونا، أكّد جوزي إغناسيو جونزالوس فوس أنّ عيسى، في حياته الأرضية لم يكن منتبها إلى أنه إله (..) .

نفس النقاط السابقة أثارها الباسكي الذي تعلّم في ألمانيا، جون سبرينو، الذي كتب أوسع دراسة حول طبيعة المسيح معتمدة على" اللاهوت التحرري" في أمريكا اللاتينية وستنشره مريكنول فاذرز أوربز بوكس باللغة الإنجليزية في جون بعنوان" الكريستولوجيا في مفترق الطرق". سوبرينو، هو يسوعي وأستاذ في جامعة جوزي سيمون كانس في السالفدور (

) يعتقد أنّ عيسى عليه أن يتحمّل ثقل" تحول" نظرته لله".

نشرت جريدة" الديلي نيوز" بتاريخ 25- 6- 1984 الخبر التالي: " حسب تقرير نشر اليوم، فإنّ أكثر من نصف أساقفة بريطانيا يقولون إنّ المسيحيين ليسوا مضطرين إلى أن يؤمنوا بأنّ عيسى كان إلها.

لقد أظهر التصويت الذي جرى اليوم وشمل 31 أسقفا من أصل 39، أنّ أكثرية الأساقفة يعتقدون أنّ معجزات المسيح ومولده العذري والقيامة (من الموت) قد لا تكون حدثت كما جاءت في الأناجيل.

الأساقفة الذي قالوا إنّه على المسيحيين أن يعتبروا المسيح إلها وإنسانا، كانوا 11 أسقفا فقط، بينما 19 أسقفا قالوا يكفي اعتبار المسيح رسولا عظيما لله، بينما رفض أسقف واحد أن يعطي رأيا محددا"!!!!؟

ص: 154

- التصريح العلني من أكبر الرموز النصرانية ببطلان دعوى ألوهية المسيح.. ففي مقابلة تلفزيونية جرت في إبريل 1984 م في بريطانيا، ذكر الأسقف دافيد جنكتر والذي يحتل المرتبة الرابعة بين تسعة وثلاثين أسقفا يمثلون هرم الكنيسة الأنجليكانية، أن ألوهية المسيح ليست حقيقة مسلما بها!!!؟

البابا بندكت السادس عشر (جوزيف رتزنغر) كتب في المقدمة الحديثة بتاريخ أبريل سنة 2000 م لكتابه "=Einfuhrung in das Christentum =مقدمة للنصرانية" الذي ألّفه سنة 1968 م، ص ص 20- 22 من الترجمة الانجليزية ": =Introduction to Christianity =العقيدة المسيحية تغيّرت بصورة راديكالية (متطرفة)، خاصة في مقامين جوهريين في رسالتها الأساسية:

(1)

شخصية المسيح قد أوّلت بطريقة جديدة تماما، لا فقط بالرجوع إلى العقيدة، بل أيضا بالرجوع، بالضبط، إلى الأناجيل. الإيمان بأنّ المسيح هو الابن الوحيد لله، وأنّ الله يقيم بيننا حقا فيه كبشر، وأنّ الإنسان يسوع هو في الله للأبد، وأنه هو الله نفسه، وبالتالي فهو، ليس شخصية ظهر فيها الله، ولكن بالحري الإله الفرد الذي لا يستبدل- بهذه الطريقة قد ألغي هذا الإيمان. بدل من أن يكون المسيح الرجل الذي هو الله، أصبح المسيح المرء الذي جرّب الله بطريقة ما. إنّه امرء مستنير وبذلك ما عاد متميّزا بصورة أساسية عن بقية الأشخاص المستنيرين (

) .

(2)

مفهوم الله تغيّر بصورة راديكالية. السؤال حول ما إذا كان الله يجب أن يعتبر كذات أم لا (قلت: أي كمفهوم أو فكرة مجرّدة) يبدو اليوم وأنّه يحمل أهميّة ثانوية.

ما عاد بالإمكان ملاحظة خلاف جوهري بين الأشكال الدينية المؤمنة بالله وتلك غير المؤمنة به

".

ص: 155

انّ خلاصة قول البابا يمكن إجمالها في أنّ النصرانية اليوم تتفتت وتتشظّى وتترف ذاتيها وتتكسر حدودها لتنساب الأصول اللاهوتية في مسارات جديدة ومسارب بعيدة، ولا يمكن التخمين بنهايتها، بل لا يمكن ضبط أصولها ومنابعها!

كما يعتبر كتاب البابا السابق نفسه، علامة على الحال البئيسة التي آلت إليها النصرانية، حيث كتب البابا مدخلا للنصرانية ضمّنه تفسيرا لعقيدة الإيمان النيقوي بأسلوب هلامي ونفس سفسطي يجعل القارئ يقطع أنّ هذا" المدخل" لم يكتب كمنفذ إلى النصرانية وإنما هو محاولة لمنطقة" المستحيل" بلا منطق، بل بأسلوب القفز المحموم الذي لا يمكن متابعته أو تعقّله.. إنّه كتاب يكشف حقا، سقوط الإيمان النصراني، بما فيه إلوهية المسيح المزعومة!

ذكر الكاردينال دانييلو (الكاردينال مرتبة مباشرة بعد البابا) في بحث نشره في مجلة" دراسات" سنة 1967 م أنّ الجماعة المسيحية الأولى والمسماة في أيامنا ب" اليهودية- المسيحية"، والتي كانت إلى سنة 70 م تمثّل غالبيّة أتباع المسيح، كانت تعتقد بشرية المسيح، وأنّ" بولس ظلّ معزولا". وكان يعقوب هو الرئيس وكان معه في البداية بطرس ويوحنا.

إنّ الأناجيل الكنسيّة نفسها لا تقرّر ربوبية- إلوهية ابن مريم عليهما السلام، ويكفي أن نستشهد في هذا السياق بقول لأحد رؤوس النصرانية فهو السيف الذي يمزّق ادعاءات المنصّرين: فقد قال يوحنا الدمشقي (676 م- 749 م) - وهو يعدّ أوّل رؤوس النصرانية الطاعنين في الإسلام حتى اعتبره الدكتور البدراوي زهران من رواد الاستشراق- وهو صاحب كتاب" محاورة مع مسلم" وكتاب" إرشادات النصارى في جدل المسلمين"، قال في ردّه على طوائف من النصارى أنكروا وضع الأيقونات في الكنائس لعدم ذكر جواز هذا الأمر في" الكتاب المقدس"، إنّ إلوهية المسيح لا يوجد لها ذكر هي أيضا في" الكتاب المقدس". ومع ذلك فالنصارى يعتقدون وجود

ص: 156

هذه الألوهية ويجعلونها أسّ دينهم (وقد نقل قول يوحنا أصحاب كتاب" اسطورة الإله المتجسّد") !!

إنه لا توجد شهادة واحدة تثبت أنّ أيا من معاصري المسيح كان يعتقد أنّ عيسى قد نسب نفسه إلى الإلوهية..

وقد جمع الفيلسوف السويسري بولس شميدل Paul Schmiedel مجموعة من النصوص في الأناجيل مما يراها أصلية، من الممكن أن تكون" اعمدة لتأسيس علم حقيقي لحياة عيسى"، وكانت كلّها تقدّم عيسى على أنه بشر لا إله!

وكشف عن وثيقة نصرانية قديمة نشرت في جريدة" التايمز" في 15 يوليو 1966 م وتقول: إن مؤرخي الكنيسة يسلمون أن أكثر أتباع المسيح في السنوات التالية لوفاته اعتبروه مجرد نبي آخر لبني إسرائيل.

وتقول دائرة المعارف الأمريكية: " لقد بدأت عقيدة التوحيد كحركة لاهوتية بداية مبكرة جدا في التاريخ أو في حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين"!

وقد أنكر هذه الإلوهية الموهومة عدد كبير من كبار النصارى ك: أريجن (185 م- 254 م) ولوسيان (ت 312 م) وآريوس (250 م- 336 م) ومايكل سرفتوس (1511 م- 1553 م) وفرنسيس ديفيد (1510 م- 1579 م) وليليو فرنسيسكو سوزيني (1525 م- 1562 م) وفوستو باولو سوزيني (1539 م- 1604 م) وجون بيدل (1615 م- 1662 م)

وها هم اليهود الأوائل لا يذكرون هذه الإلوهية المزعومة، فقد جاء في" موسوعة غرولير =Grolier Encyclopdia ="أنّ:" المصادر اليهودية المعتبرة تخبرنا أنه (أي عيسى) كان معلما يهوديا قد قتل بسبب الشعوذة وادعاء النبوة باطلا"!!

ص: 157

وذكر" هيام كوهن =Haim Cohn ="قاضي المحكمة العليا للكيان الصهيوني في كتابه" محاكمة عيسى وصلبه =The Trial and Death of Jesus ="الذي ألّفه في موضوع نقد القصة الإنجيلية للقبض على المسيح ومحاكمته وقتله في ضوء المعلومات المتاحة عن القوانين والإجراءات اليهودية والرومانية القديمة، ص 298 أنّ النص اليهودي التلمودي" باريثا"، الذي ربّما قد ألّف في النصف الأول من القرن الثاني ميلادي، قد قرّر أنّ عيسى قد حوكم بسبب ممارسته السحر (المعجزات) وبسبب تضليله بني إسرائيل"، كما نقل هيام كوهي عن جستين المسمى" جستين الشهيد" (المولود كما جاء في الموسوعة الكاثوليكية قرابة سنة 100) قوله في محاورته ل" تريفون جديكوس" أنّ اليهود كانوا ينظرون إلى عيسى على أنه ساحر.

فمن أين للنصارى الزعم بإلوهية ابن مريم عليهما السلام؟!!!

لقد خالفهم جميع المعاصرين للمسيح عليه السلام سواء كانوا أتباعا له أم أعداء أم محايدين!!!

.. ولكن.. ما زال أئمة الكنيسة في زماننا يكررون الإسطوانة الممجوجة والشنشنة الموقوذة.. والتي يعبّر عنها أحد" الأقطاب الأبدال"، جوش مكوديل McDowell Josh في كتابه المعروف" البرهان الجديد الذي يطلب قرارات New Evidence That Demands Verdicts =The "في قوله:" يحتاج جوابك على سؤال" من هو المسيح؟ " إلى ذهن قوي متيقظ. إنّك لا تقدر أن تقول ببساطة إنّه معلّم عظيم وكفى، فهذا غير ممكن. إمّا أن يكون مضللا أو مجنونا أو إلها. ويجب أن تختار. "!!!!

بل ويقول هذا المسكين الذي يحتلب البسطاء في الغرب أموالهم، أثناء المناقشة والردّ على الاحتمالات الثلاثة السابقة:" وأخيرا فلا بدّ أنّه (المسيح) كان أحمقا أيضا، لأنّ ادّعاء الألوهية هو الذي أفضى به إلى الصلب. ".. لا علم ولا

ص: 158

أدب حتى أنّه يطرح احتمال: " الربّ يسوع، أأحمق هو! ".. بل دجل و" ثلاث ورقات" محترقة.. لأنّ الحق الذي يريد ماكدويل الفرار منه والتعمية عليه هو أنّ عيسى عليه السلام، بكلّ بساطة، نبي كموسى والمعمدان وإبراهيم.. عليهم السلام!

ولعلّ أطرف وأعسر ما قيل في إثبات إلوهية المسيح، ما ادعاه حليم حسب الله في كتابه:" المسيح بين المعرفة والجهل" في ردّه على استدلال المعارضين لدعوى إلوهية المسيح، بقول المسيح نفسه على الصليب:" إلهي، إلهي، لماذا تركتني! "(إنجيل متّى 27: 46..) .

فالعاقل يقول: " إنّ قول المسيح لغيره" إلهي" يعني أنّه هو بشر.."!!

لقد قال حسب الله معترضا: " لا يا عزيزي، إنه ابن الله في كل وقت حتى في ساعة الألم لأن علاقته بالآب. لم تنقطع لحظة واحدة (!!؟) . ولكن النداء الذي كان يتفق مع موقفه كحامل الخطايا عن الإنسان على الصليب هو «إلهي إلهي» وليس أبي أبي، لأن الذي كان يتعامل معه في هذا الموقف هو الله القدوس الديان (؟؟!)، والمسيح كان النائب عن البشر (؟؟!) الذي وضع الله عليه إثم جميعنا (إشعياء 53: 6) (؟؟!) .

مع ملاحظة أن الآب لم يترك ابنه على الإطلاق بل بينما كان الابن يحتمل الآلام الكفارية على الصليب كان في نفس الوقت في حضن الآب (؟؟؟؟؟!) أي موضوع محبته وسروره كما هو مكتوب «أمّا الرب فسر (قلت: آآآآآآه) بأن يسحقه بالحزن، إذ جعل نفسه ذبيحة إثم» (إشعياء 53: 10) . كما يجب أن نلاحظ أن هذه الصرخة التي صرخها «إلهي إلهي لماذا تركتني» أعلنت أنه البار القدوس الطاهر (!!!!) ولكنه بسبب خطايا البشرية التي حملها في جسده بصفته النائب والبديل حجب الله وجهه (آآآآآآآآآآ هين) عنه لأنه قد صار

ص: 159

ذبيحة خطية. وذبيحة إثم اقرأ (إشعياء 52: 13- 15، 53: 1- 6، 2 كورنثوس 5: 21، رومية 3: 21، 26، 1 بطرس 2: 22- 24) . "

قلت: " خلطبيطة".. اللهم احفظ لنا عقولنا من حبوب الهلوسة و" الشخبطة"!!

2-

المسيح قد صلب!؟ نقول ابتداء للذين يزعمون أنّ عيسى قد مات على الصليب: أثبتوا العرش ثمّ انقشوا!! أثبتوا الأمانة التاريخية للأناجيل في روايتها لقصة المسيح.. ثمّ تحدّثوا عن الصلب إن كان في الأناجيل حجة!!

إنّ الثوابت العلمية اليوم عند الدارسين للأناجيل، تصرّح أنّ هذه الكتب غير جديرة بأن تكون مصدرا تاريخيا موثوقا فيه لمعرفة حياة المسيح.. بل إنّ كبار الباحثين الغربيين قد كشفوا زيف تاريخية يسوع الإنجيلي، ومن هؤلاء ماركوس بورغ Marcus Borg في جلّ كتبه التي تفرّغ فيها لبحث تاريخية" يسوع الإنجيلي"،، وجون دومينيك كروسان John Dominic Crossan في كتبه عموما، وخاصة في كتابه" عيسى التاريخي، =The Historical Jesus ="وأورل دهرتي Earl Doherty =في كتابه" لغز عيسى: هل بدأت المسيحية بمسيح أسطوري، A MyThical Christ ==The Jesus Puzzle:Did Christianity Begin With؟ وقبلهم أئمة النقد الحديث للكتاب المقدّس كألبرت شفايتزر، Albert Schweitzer وبرنارد فايس، Bernard Weiss ورودلف بولتمان..Rudolf Bultmann

وقد قال الناقد الفرنسي البارز س. ج. كادو C.J.Cadoux ملخصا نتائج البحث عن" يسوع التاريخي في الأناجيل": " إنّ الأناجيل الأربعة مليئة بالشكوك والمستحيلات والخرافات"، وإنّ كل محاولة لفصل ما هو تاريخيا صحيح، عمّا هو

ص: 160

خرافة وأساطير فيها وإعادة كتابة رسالة المسيح الحقيقية، ونبذ ما هو مخالف لها، يعتبر اليوم أمرا مستحيلا. " (" حياة عيسى =The Life of Jesus ="ص ص 16- 17) .

وقال الناقد ويرد Werde إنّ المسافة بين عيسى التاريخي ومسيح الكنيسة أصبحت عظيمة لدرجة أنّ أية وحدة بينهما أصبحت مستحيلة.

إنّ الادعاء بصلب المسيح قد ذوى وأصابه البلاء، إذ قد تكاثرت الدلائل التاريخية على بطلانه، ومن هذه الدلائل اكتشاف مخطوطات أناجيل في نجع حمادي في مصر بعد الحرب العالمية الثانية وهي ثلاثة وخمسين نصا تقع في 1153 صفحة، ومن هذه النصوص ما تحدث عن نجاة المسيح، وأنه لم يصلب ولم يرد في هذه المخطوطات أي ذكر لمحاكمة المسيح وصلبه، بل جاء في إنجيل بطرس على لسان بطرس:" رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: " ما هذا الذي أراه يا سيد؟ هل هو أنت حقا من يأخذون؟ .. أم أنهم يدقون قدمي ويدي شخص آخر؟ .. قال لي المخلّص.. من يدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار! انظر إليه، وانظر إليه. ". وفي مخطوطة أخرى من هذه المخطوطات وهي كتاب" سيت الأكبر" جاء على لسان المسيح:" كان شخص آخر، هو الذي شرب المرارة والخل، لم أكن أنا.. كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه، كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه. وكنت أنا مبتهجا في العلا.. أضحك لجهلهم. "

وقال الناقد دنيس اريك نينهام، D.E.Nineham أستاذ اللاهوت بجامعة لندن، ورئيس تحرير سلسلة" بليكان" لتفسير الإنجيل، في كتابه" القديس مرقس =Saint Mark ="ص 422: " في الوقت الذي كتب فيه الإنجيل الرابع (

ص: 161

100 م- 125 م) (المقصود: إنجيل يوحنا) كان الادعاء بأنّ سمعان قد حلّ محلّ يسوع وصلب بدلا عنه، لا يزال ساريا في الدوائر الغنوصية التي كانت لها الشهرة فيما بعد. "

ولا يخفى على المطّلع على الدراسات النصرانية الحديثة، هلامية تهمة الانتماء للتيار الغنوصي وضبابية أصوله (إنجيل يوحنا نفسه مصنّف ضمن الأناجيل الغنوصية) ، ويكفي الباحث المعتدل القول أنّ قصة صلب سيمون محلّ المسيح قد تبنّاها الكثير من النصارى حتى بداية القرن الثاني ميلادي.

من الفرق النصرانية القديمة التي أنكرت صلب المسيح: الباسيليديون والكورنثيون والكاربوكرايتون والساطرينوسية والماركيونية والبارديسيانية والسيرنثييون والبارسكاليونية والبولسية والماينسية، والتايتانيسيون والدوسيتية والمارسيونية والفلنطانيائية والهرمسيون. ومن أهم الفرق المنكرة لصلب المسيح الباسيليديون، الذين نقل عنهم كل من" سيوس" والمفسر" جورج سايل" القول بنجاة المسيح، وأن المصلوب هو سمعان القيرواني، وسماه بعضهم سيمون السيرناي.

ومن الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلا عنه: الكورنثيون والكربوكراتيون والسيرنثيون. يقول جورج سايل: " السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرق النصارى، قالا: إن المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبها تاما، وهناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصا آخر صلب بدلا من المسيح. "

3-

المسيح هو المخلّص!؟

ص: 162

الادعاء أنّ المسيح هو المخلّص الذي طهّر بدمه الإلهي، البشرية من أدران الخطيئة الأصلية الموروثة وأسقط بذلك العمل بالشريعة، باطل من نصوص الأسفار النصرانية المقدّسة ذاتها.

فها هي التوراة تقرّر أنّ الشريعة الموسوية أبدية لا نهاية لها (ونحن هنا نبطل الزعم أنّ المسيح هو الذي نسخ بتروله على الأرض صلاحية الشريعة، وإن كنّا ننكر أبدية الشريعة الموسوية إذ أنّه قد نسختها الشريعة المحمدية، كما ننكر أبدية أسطورة الخلاص اليسوعي!!) . فقد جاء ذكر أبدية شريعة التوراة في سفر الخروج 27: 21، 43: 28، 29: 28، 30: 21، 31: 17، وسفر اللاويين 6: 18- 22، 7: 34، 36، 10: 9، 15، 17:7.. وسفر العدد 10: 8، 15:15.. وغيرها كثير!!!!

ثمّ.. ها هو المسيح يقرّر أنّ الخلاص يوم القيامة لا يكون إلا بالتزام تطبيق أحكام الله التشريعية لمّا سأله أحد اليهود عن الطريق إلى نوال الحياة الأبدية فقال له: "

إن أردت أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا (متّى 17: 19) .

" ليس كل من يقول لي: يا ربّ، يا ربّ! يدخل ملكوت السّماوات، بل من يعمل بإرادة أبي الّذي في السّماوات"(متّى 7: 21) .

وها هو العهد الجديد يقرّر أنّ كلّ إنسان يحاسب على عمله ولا يحمل أحد وزر أحد: " إنّ الله يعاقب الذين ينغمسون في خطايا الدعارة والزنا"(الرسالة إلى العبرانيين 13: 4)

" إنّ كلّ كلمة باطلة يتكلّم بها الناس، سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة"(متّى 12: 36)

وغيرها!

ص: 163

وهو ما قرّره أيضا العهد القديم: " لا يقتل الآباء عوضا عن الأبناء، ولا يقتل الأبناء بدلا من الآباء، فكلّ إنسان يتحمّل وزر نفسه"(تثنية 24: 16)

" يكافأ البار ببرّه ويجازى الشرير بشرّه"(حزقيال 18: 20)

" وفي تلك الأيّام لن يقول أحد: قد أكل الآباء الحصرم فضرست أسنان الأبناء، بل كلّ واحد يموت بإثمه، ومن يأكل حصرما تضرس أسنانه"(سفر إرمياء 31: 29- 30) .

لقد أعلن الله في العهد القديم أنه هو المخلّص لا غيره:

" لأني أنا هو الربّ إلهك، قدّوس إسرائيل مخلّصك، قد جعلت مصر فدية عنك وكوش وسبا عوضا عنك أنا هو الربّ، ولا مخلص غيري"(إشعياء 43: 3، 11)

والربّ هو غافر الذنب في العهد القديم- وغفران الذنوب يعني فتح الباب على مصراعيه للمغفور له-:

" أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها"(إشعياء 43: 3، 11)

" ونادى الربّ: «الربّ إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطيّة"(خروج 34: 6- 7)

" وأنت إله غفور وحنان ورحيم طويل الرّوح وكثير الرّحمة"(نحميا 9: 17)

" طرحت وراء ظهرك كلّ خطاياي"(إشعياء 38: 17) .

" لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيّتهم بعد" (إرمياء 31:

34) .

ص: 164

ونضيف ردا على الزعم بأنّ الإيمان بيسوع الإله المخلّص يقتضي إنكار كلّ رسالة تالية لخلاص البشرية.. فنقول إنّ العهد الجديد نفسه يقرّر أنّ بعثة المسيح عليه السلام ليست هي نهاية النبوات، فقد جاء في متّى 7: 15- 17: " احذروا الأنبياء الدجّالين (

) من ثمارهم تعرفونهم، هل يجنى من الشوك عنب، أو من العليق تين؟ (

) كلّ شجرة جيّدة تثمر ثمرا جيدا، أمّا الثمرة الرديئة، فإنها تثمر ثمرا رديئا. " وهنا يحدّد المسيح الطريق إلى معرفة النبيّ الحقّ وتمييزه من الأنبياء الكذبة، مما يعني أنّ باب النبوّة لم يقفل، إذ لو أقفل لبطل معنى تحذير المسيح من الأنبياء الكذبة وتمييزه للنبي من الدجّال.

وها هو الدكتور ميجيل ايرناندث، الذي قدّم بحثا في مؤتمر قرطبة الذي عقد في قرطبة بإسبانيا سنة 1977 بعنوان" الجذور الاجتماعية والسياسية للصورة المزيفة التي كوّنتها المسيحية عن النبي محمّد".. ها هو يقول في هذا البحث: " (

) إنه لم يحدث أن قال نبيّ بصورة بيّنة وقاطعة أنّ عالم النبوّة قد أغلق. وفيما يتعلّق بالشعب اليهودي، فإنّ عالم النبوّة ما يزال مفتوحا ماداموا ينتظرون المسيح المخلّص. أما فيما يتعلّق بالمسيحية فإنّه لا يوجد أيّ تأكيد قطعي يدلّ على انتهاء عالم النبوّة. وأيّ قارئ لرسائل القديس بولس وآثار الحواريين وسفر الرؤيا يعلم ذلك جيدا. وفيما يتعلّق بي، فإنّ يقيني أنّ محمدا نبي لدرجة أنّي حاولت في دراسة لي، كتبت سنة 1968، أن أشرح أنّ محمدا كان نبيّا حقا من وجهة النظر الدينية المسيحية. "

وهذا، Hanz أحد أكبر النقاد في الكنيسة الكاثوليكية وهو ممن يحظون باحترام كبير عند القوم- يقول: " تحدّث الله إلى الإنسان، عبر الإنسان:

محمّد" (نقل هذه الشهادة المنصّر المهتدي إلى الإسلام غاري ميلر Gary miller في كتابه" القرآن المدهش. " (=The Amazing Quran

ص: 165

ثمّ نقول، إنّه لو صحّت هذه الشبهة المفتراة فإنّه يصبح من اللغو القول أنّ يوحنا المعمدان (يحي عليه السلام نبيّ مرسل من عند الله، وتصبح دعوته عليه السلام بلا معنى وبلا هدف، فقد بعث المعمدان في نفس زمن بعثة المسيح عليه السلام. وقد بعث المعمدان داعيا إلى التوبة لمغفرة الخطايا. فهل غفل الإله الآب عن كونه قد بعث نبيا من أنبيائه داعيا إلى الخلاص عن طريق الكفّ عن مقارفة الآثام في نفس الوقت الذي" رمى" فيه ابنه على الأرض ليخلّص البشر عن طريق الإيمان بصلبه الكفّاري دون توبة عن الآثام!!

بعثتان متصادمتان متضادتان من إله واحد.. سبحانك هذا بهتان عظيم!!

4-

نسخ المسيح للشريعة!؟ الادعاء أنّ المسيح قد نسخ بعمله الفدائي شريعة التوراة لا يستقيم لأسباب عديدة، أهمها أنّ الأناجيل قد نصّت على أنّ المسيح ما بعث لينسخ شريعة موسى وإنما جاء ليتممها وليحافظ عليها:

متّى 5: 17- 19: " لا تظنّوا أنّي جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء. ما جئت لألغي، بل لأكمل فالحق أقول لكم: إلى أن تزول الأرض والسّماء، لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة، حتّى يتمّ كلّ شيء فأيّ من خالف واحدة من هذه الوصايا الصّغرى، وعلّم النّاس أن يفعلوا فعله، يدعى الأصغر في ملكوت السّماوات. وأمّا من عمل بها وعلّمها، فيدعى عظيما في ملكوت السّماوات. "

لوقا 10: 25- 28: وتصدّى له أحد علماء الشريعة ليجربه، فقال:«يا معلم، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ "» فقال له: «ماذا كتب في الشريعة؟ وكيف تقرأها؟ " فأجاب:

«أحبّ الرّبّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكل قدرتك وكل فكرك،

ص: 166

وأحبّ قريبك كنفسك" فقال له: «جوابك صحيح. فإن عملت بهذا، تحيا".

متّى 22: 34- 40: ولكن لمّا سمع الفريسيّون أن يسوع أفحم الصّدوقيّين، اجتمعوا معا، وسأله واحد منهم، وهو من علماء الشريعة، يحاول أن يستدرجه:«يا معلم، ما هي الوصيّة العظمى في الشريعة؟» فأجابه: «أحبّ الربّ إلهك بكل قلبك وكلّ نفسك وكلّ فكرك! هذه هي الوصيّة العظمى الأولى والثانية مثلها: أحبّ قريبك كنفسك! بهاتين الوصيّتين تتعلّق الشريعة وكتب الأنبياء! "

متّى 23: 23: " الويل لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون! فإنّكم تؤدّون حتّى عشور النّعنع والشبث والكمّون، وقد أهملتم أهمّ ما في الشريعة: العدل والرّحمة والأمانة وكان يجب أن تفعلوا هذه ولا تغفلوا تلك. "

لوقا 5: 12- 14: " وإذ كان يسوع في إحدى المدن، إذا إنسان يغطّي البرص حسمه، ما إن رأى يسوع حتى خرّ على وجهه وتوسّل إليه قائلا: «يا سيّد، إن شئت فأنت قادر أن تطهّرني". فمدّ يسوع يده ولمسه قائلا: «إنّي أريد، فاطهر!» وفي الحال زال عنه البرص. فأوصاه: «لا تخبر أحدا، بل اذهب واعرض نفسك على الكاهن، وقدم لقاء تطهيرك ما أمر به موسى، فيكون ذلك شهادة لهم. "

لوقا 6: 1- 5: " وذات سبت مر يسوع بين الحقول، فأخذ تلاميذه يقطفون سنابل القمح ويفركونها بأيديهم ثمّ يأكلون ولكنّ بعض الفريسيّين قالوا لهم: «لماذا تفعلون ما لا يحلّ فعله في السّبت؟ " فردّ عليهم يسوع قائلا: «أما قرأتم ما فعله داود حينما جاع مع مرافقيه؟ كيف دخل بيت الله وأخذ خبز التقدمة وأكل منه، وأعطى مرافقيه، مع

ص: 167

أن الأكل من هذا الخبز لا يحل إلّا للكهنة وحدهم؟ ثمّ قال لهم: «إنّ ابن الإنسان هو ربّ السّبت".

وقد كان تلاميذ المسيح أيضا يتابعون شريعة موسى عليه السلام: فهم كانوا في كلّ حين في الهيكل. يسبحون الله ويمجّدونه ويعلمون الناس، حتى بعد قيامته:

" وكانوا يذهبون دائما إلى الهيكل، حيث يسبّحون الله ويباركونه"(لوقا 24: 53) .

حتى بعد أن امتلؤوا بالروح القدس: " ولمّا جاء اليوم الخمسون، كان الإخوة مجتمعين معا في مكان واحد، وفجأة حدث صوت من السّماء كأنّه دويّ ريح عاصفة، فملأ البيت الّذي كانوا جالسين فيه. ثمّ ظهرت لهم ألسنة كأنّها من نار، وقد توزّعت وحلّت على كل واحد منهم، فامتلأوا جميعا من الرّوح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغات أخرى، مثلما منحهم الرّوح أن ينطقوا"(أعمال الرسل 2: 1- 4) .

وقد قرّر الباحث توم هاربر Tom Harpur في كتابه" من أجل المسيح Christs Sake =For "ص 35 أنّ: " جلّ دعوة المسيح كانت في شمالي مقاطعة إسرائيل، والجليل، وظاهر أنّ المسيح كان يعتقد أنّ دعوته موجّهة إلى اليهود، لا إلى العالم أجمع".. وقد شارك الباحث الحجّة س. ج. كادو C.J.Cadoux فيما كتبه، والنقاد المنضوون تحت لواء" ندوة عيسى =Jesus Seminar ="في كتابهم" الأناجيل الخمسة=The Five "..

Gospels =

ص ص 24- 25، توم هاربر قوله.. وغيرهم كثير.

والقول بقصر دعوة المسيح على بني إسرائيل يمنع إثبات ادعاء النصارى أنّ المسيح نسخ الشرائع السابقة ومنع ظهور شرائع جديدة، لأنّ دعوته غير عالمية وإنما هي منحصرة في طائفة بشرية صغيرة!!

ص: 168

شبهة: يقوم المسلمون، عنادا واستبدادا، في سبيل إثبات بشارة الكتاب المقدس بنبيّهم، بتحريف معاني نصوص العهد القديم، باترينها عن سباقها ولحاقها، مسقطين البشارات بعيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم زاعمين أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم هو المبشّر به في أسفار الأنبياء الأوائل!

الرد:

لك الخير، لم نفسا عليك ذنوبها

ودع لوم نفس ما عليك تليم

وكيف ترى في عين صاحبك القذى

ويخفى قذى عينيك وهو عظيم

إنّ هذه الشبهة لو قلبت على النصارى ورموا هم بدائها لاستقام قوام الاعتراض ولا تضح المبطل من المحق والسقيم من السليم: إنّ حقيقة الأمر هي أنّ النصارى هم الذين حرّفوا البشارات المتعلّقة بمحمد صلى الله عليه وسلم بحملها على عيسى عليه السلام حتى لكأنّ رسالة المسيح هي غاية الغايات ومنتهى الإرادات ومجمع الآمال والرغبات!

وهاك الردّ مفصلا: أكثر أصحاب الأناجيل والرسائل من الزعم أنّ العهد القديم قد تنبّأ ببعثة المسيح، وزاد رجال الكنيسة في تضخيم هذا الادعاء فقالوا إنّ في العهد القديم مئات بل آلاف البشارات بالبعثة المسيحانية الخلاصية!! .. والمتتبع لما جاء ذكره في العهد الجديد عن هذه البشارات المزعومة، والتي بالغ صاحب" إنجيل متّى" في" توليدها" و" تفريخها" و" استنساخها" من العهد القديم، ليلاحظ أنّ الأمر لا يعدو أن يكون تقوّلا على" العهد القديم" وافتراء ظاهرا على نصوصه بإثقاله بمعان لا يمكن أن تصله بها صلة سياقية أو تاريخية، وهذا

ما قطع به النقاد الغربيون والمسلمون على السواء.

من النقاد الغربيين الذين تحدثوا في هذا الشأن رندل هاريس في كتابه" الشهادات"

ص: 169

(سنة 1916، 1920) . وقد بيّن أنّ شهادات العهد القديم التي ذكرت تصريحا أو تلميحا في أسفار العهد الجديد يمكن، حسب رأيه، تصنيفها كالآتي:

1) فقرات يستشهد بها أكثر من كاتب من كتاب العهد الجديد، وتختلف نصوصها المنقولة عمّا في الترجمة الإغريقية لأسفار العهد القديم التي تعرف بالسبعينية، ما تختلف عمّا في النسخة العبرية. ومن النادر تحديد مصادر تلك الترجمة.

2) فقرات مركبة تظهر في أكثر من كتاب من كتب العهد الجديد وقد تكونت خليطا من فقرتين أو أكثر، ويرجح أنها عن مصدر خلطت فيه من قبل، ويبدو هذا واضحا من الأمثلة التي نجد فيها" أنّ الكاتب قد نقل خطأ فقرتين لمؤلفين مختلفين، ثم نسبهما لمؤلف واحد كما في إنجيل مرقس (1: 2- 5) الذي اقتبس فقرة مركبة وهي عبارة عن خليط من سفر ملاخي وإشعياء، ثم نسبها خطأ إلى إشعياء.

إنّ هذا الخطأ يمكن أن يحدث بسهولة عند ما ينقل الكاتب شهاداته من مقتطفات أدبية لمؤلف خلط النبوءتين معا، ولا يحدث ذلك الخطأ لو كان الكاتب قد نقل عن السفرين المشار إليهما".

3) فقرات ارتبطت بكلمة متميزة أو فكرة مثل الفقرات التي تتكلم عن حجر، ومنها الحجر الذي رفضه البنّاؤون- حجر الزاوية- حجر عثرة، وهذه نقلت إلى أسفار العهد الجديد بتأويلات مختلفة. "

وقال الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه" حقيقة الكتاب المقدس تحت مجهر علماء اللاهوت": " من التناقضات الكثيرة أيضا التي يحتويها الكتاب المقدس والتي لا تتفق مع العقل الذي يقول إن الله هو مؤلفه هي استشهادات العهد الجديد بجمل من العهد القديم لا توجد فيه، واستشهاده بجمل أخرى قيلت بصورة مغايرة تماما. "

ص: 170

وجاء في كتاب التفسير الحديث للكتاب المقدس (إنجيل متى) صفحة 31: " ولا شك أن ثمة اقتباسات أخرى كثيرة من العهد القديم، لكن هذه المجموعة تتميز بصيغتها الثابتة. وكلها، عدا واحدة فقط، لم ترد إلا في إنجيل متى. وإذا ما حذفنا الاقتباسات من كل هذه الحالات، لا تتأثر القصة على أى نحو، وهذا ما يوحي بأنها تعليقات أضيفت إلى القصة الموجودة.. ولقد أثير الكثير من الجدل بشأن مصدر صيغة الاقتباسات وأثرها. ومعظم الدارسين حاليا يعتبرونها إسهاما خاصا من متى أكثر من كونها عناصر تقليدية في قصة السيد المسيح. "

وقال جون فنتون في تعليقه على إنجيل متى: ".. لقد استخدم متّى في إنجيله عشر مرات، صيغة يقدم بها للاستشهاد من العهد القديم، وهذه الصيغة تقول: وهذا كان لكي يتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل. (انظر متّى 1: 22، 2: 15، 17، 23، 4: 14، 8: 17، 12: 17، 13: 35، 21: 4، 27: 9)

إنّ هذه الشهادات التي قدّم لها متّى بتلك الصيغة، إنّما هي إضافات من عمل متّى لمصدره ونعني به إنجيل مرقس، وهي واحدة من أهمّ ما يتميّز به إنجيل متى.

وبجانب ذلك فإنه توجد مواضع كثيرة في هذا الإنجيل نستطيع أن نجزم فيها بأنّ متّى كان يكتب وفي تفكيره إحدى فقرات العهد القديم، على الرغم من أنّه لم يشر إليها بصراحة.

وعلى سبيل المثال فإنّ قول متّى: " أعطوه خلا ممزوجا بمرارة" (27:

34) ، يمكن مقارنته بما في المزمور الذي يقول:" يجعلون في طعامي علقما وفي عطشي يسقونني خلا"(69: 21) .

ولو أنّ هذا يخالف نظيره في إنجيل مرقس: " وأعطوه خمرا ممزوجة بمرّ ليشرب"(15: 23) .

إنّ الدراسة الحديثة للعهد القديم لا تؤيد مفهوم متّى لما فيه، كما أنّها لا توافقه على الفقرات التي استخرجها من أسفاره، عند ما كان يكتب إنجيله.

ص: 171

وقد أصبح واضحا الآن أنّ العهد القديم لم يكن تجميعا لتنبؤات أحداث المستقبل يمكن أن تفهم فقط بعد أن تمضي عدة قرون. "

استعمل النصارى وسائل سخيفة وحيل مكشوفة لإيهام الناس أنّ العهد القديم قد أفاض في الحديث عن عيسى عليه السلام: مولده، صفاته، دعوته، صلبه، قيامته من الموت، رفعه إلى السماء، عودته إلى الأرض

فما ترك صغيرة ولا كبيرة من حياته إلا وأتى على ذكرها حتى بلغ الأمر ب" عالم" نصراني بارز كالقس" هورن"، صاحب كتاب" مقدمة الدراسة النقدية والتعريف بالأسفار المقدسة"، أن ادعى أنّ الذين يشككون في الوجود التاريخي للمسيح ابن مريم في زمان هذا القس، حجّتهم داحضة لأنه بإمكان النصارى أن يثبتوا أنّ المسيح قد وجد وعاش على الأرض، فقط بما جاء عن خبره مفصلا في العهد القديم!

من الوسائل التي استعملها القوم:

اختراع أحداث تاريخية تجعل نصّ العهد القديم ينطبق على المسيح.

تحريف نصّ العهد القديم نفسه ليوافق ما عرف عن عيسى.

افتراض الطبيعة التنبئية في غير موضعها.

اختراع نص في العهد القديم.

تركيب نبوءة من نصوص متباعدة من أسفار مختلفة لتكون الولادة" قيصرية" قسرية

!!!

اختراع أحداث تاريخية:

جاء في متّى 2: 16- 18: " وعند ما أدرك هيرودس أن المجوس

ص: 172

سخروا منه، استولى عليه الغضب الشديد، فأرسل وقتل جميع الصّبيان في بيت لحم وجوارها، من ابن سنتين فما دون، بحسب زمن ظهور النّجم كما تحقّقه من المجوس.

عندئذ تمّ ما قيل بلسان النّبي إرميا القائل: " صراخ سمع من الرّامة: بكاء ونحيب شديد! راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزّى، لأنّهم قد رحلوا. "

لم يذكر أيّ من المؤرخين الذين عاشوا في القرن الأوّل ميلادي هذه المجزرة المزعومة.. وهذا أهم مؤرخي القرن الأول ميلادي، والمرجع التاريخي الأول للباحثين في تلك الفترة الزمنية، والذي يعترف له الباحثون النصارى بهذا المقام:

" يوسيفوس"، والذي فصّل الحديث عن فلسطين وتاريخها، بل وأطنب في الحديث عن هيرودس في أربعين فصلا، لم يذكر شيئا عن هذه القصة الدموية التي لا يعقل مهما كانت الأسباب أن يتجاهلها مؤرخو القرن الأول ميلادي، بل هي حدث لا بدّ أن تؤرخ به الأحداث والوقائع السابقة واللاحقة. والأمر بالمثل مع المؤرخ كورنليوس تاسيتوس (110 م..Cornelius Tacitus (ولكنّ القصة مفتراة!!!

من الاشكالات الأخرى في هذه النبوءة المزعومة:

" النبوءة" المزعومة لا تطابق ألفاظها في سفر إرمياء 31: 15، ألفاظ إنجيل متّى 2: 18:

الترجمة السبعينية" للنبوءة" في سفر إرمياء 31: 15:

ص: 173

نص" النبوءة" في إنجيل متّى 2: 18 (والاختلاف بيّن) :

أبرز اختلاف بين النصين: نصّ متّى يقول" تأبى أن تتعزّى" في حين يقول نصّ إرمياء يقول" تأبى أن تتوقف (عن البكاء) "!!

قصة راحيل قد وقعت قبل ولادة المسيح بستة أو سبعة قرون!

القصة المزعومة في إنجيل متّى، " وقعت" في بيت لحم لا الرامة المذكورة في سفر إرمياء.

كيف سمع صوت النحيب والبكاء من الرامة رغم أنها تبعد عن بيت لحم أميالا لا أمتارا!

لا يظهر من فعل راحيل، أو نص إرمياء، أنّ فعل راحيل له دلالة تنبئية!

نصّ إرمياء يتحدّث عن شعب بني إسرائيل المشرّد في السبي، لا المقتول!

تقع بيت لحم في أرض يهوذا (متّى 2: 6) وينسب أبناؤها إلى لينة الزوجة الأولى ليعقوب لا إلى راحيل الزوجة المفضلة عند يعقوب.

ص: 174

- شعر حرّاس الكنيسة بسذاجة الكذبة التي حاول مؤلف إنجيل متّى تمريرها، فاعتذروا باعتذارات باردة أشد بلادة، و" ربّ عذر أقبح من ذنب"

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى

إلى بعض ما فيه عليك مقال

فقال جوش مكدويل، مثلا، في كتابه:" البرهان الجديد الذي يطلب قرارات": " يتكلم إرميا عن أحزان السبي في (إرميا 31: 17 و 18)، فما صلة هذا بقتل هيرودس لأطفال بيت لحم؟ ترى هل أخطأ متّى فهم ما قصده إرميا (متى 2: 17 و 18) ، أم أن قتل الأطفال يشبه قتل أبرياء يهوذا وإسرائيل؟

يقول لايتش: كلا بكل يقين! إن الحديث في إرميا 30: 20 إلى 33: 26 حديث نبوي عن المسيا، وتتحدث الفصول الأربعة عن اقتراب خلاص الرب، وعن مجيء المسيا الذي سيقيم مملكة داود على عهد جديد أساسه مغفرة الخطايا (31: 31- 34) . وفي هذه المملكة ستجد كل نفس حزينة متعبة تعزيتها (أعداد 12- 14 و 25) . وكنموذج لهذا يعطي الله تعزية للأمهات اللاتي فقدن أطفالهن لأجل المسيح.

". (250 ،BCJ ،Laetsch)

إذن، إنجيل متّى كان يعرض نموذجا.. داخل" فترينة"!!!

تحريف النص المقتبس

أ- جاء في متّى 13: 33- 35: " وضرب لهم مثلا آخر، قال:

«يشبه ملكوت السّماوات يخميرة أخذتها امرأة وأخفتها في ثلاثة مقادير من الدّقيق، حتّى اختمر العجين كلّه".

هذه الأمور كلّها كلّم بها يسوع الجموع بأمثال. ويغير مثل لم يكن يكلّمهم،

ص: 175

ليتمّ ما قيل بلسان النّبيّ القائل: «سأفتح فمي بأمثال، وأكشف ما كان مخفيّا منذ إنشاء العالم. "

زعم مؤلف إنجيل متّى أنّ ما جاء في المزمور 78: 2 هو حديث عن عيسى عليه السلام.. ولكن بعد تحريفه:

يقول المزمور 78: 2: " أفتح فمي بمثل وأنطق بألغاز قديمة جدا"

كما ترى، لقد حرّف مؤلف إجيل متّى المزمور، فحوّل:

" مثل" إلى" أمثال"

" ألغاز قديمة جدا" إلى" ما كان مخفيا منذ إنشاء العالم"!!

جملة قصيرة جدا، حرّفت تحريفا فاحشا.. على المكشوف.. ولكنّ عوام النصارى لا يقرؤون!!!

من الاشكالات الأخرى المطروحة في هذه" النبوءة" ما جاء في تفسير آدم كلارك Adam Clark من أنّ العديد من المخطوطات تذكر اسم إشعياء باعتباره صاحب البشارة بالمسيح في العهد القديم في هذا النص، ويضيف آدم كلارك أنّ هذا خطأ ظاهر (ذكر إشعياء) ، ونقل عن جيروم قوله ربما كان اسم آساف (صاحب المزمور 78!) مذكورا في النص الأصلي، ولمّا رأى ناسخ جاهل اسم آساف وما عرفه، كتب اسم النبي إشعياء باعتباره صاحب" النبوءة"، فوقع في خطإ لمّا أراد أن يتلافى خطأ متوهما (بزعم كلارك) !!

هذا التوجيه من آدم كلارك وجيروم، كما هو ظاهر، لا يستقيم. إذ أنّ ذكر" إشعياء" قد وقع في الكثير من المخطوطات، بالإضافة إلى أنّ ذلك قد كان في

ص: 176

القرون الأولى للنصرانية فقد ذكره جيروم الذي ولد في منتصف القرن الرابع ميلادي.. فمتى تمّ إقحام اسم" إشعياء"؟؟!

ب- جاء في إنجيل متّى 1: 22- 23: " وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: " هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. "

النص المقتبس من سفر إشعياء 7: 14 كما هو في التراجم العربية الحالية: " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ما العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل".

نصّ إشعياء يذكر الكلمة العبرية" علما" أي" شابة".. لكنّ نصّ إنجيل يوحنا حوّلها إلى" عذراء" بيثولا" ليوائم حال مريم أمّ المسيح عليهما السلام.

وقد استعملت التراجم اليونانية: أكيلا Aquila وسيماشوس Symachus وتيودوشين، Theodotion العبارة اليونانية" نيانس =neanis ="والتي تعني فتاة شابة لا عذراء!

وقد أصلحت الكثير من التراجم الحديثة التحريف الذي لحق سفر إشعياء ليوائم التحريف المقصود الذي مارسه مؤلف إنجيل متّى، فعادت كلمة" شابة" مكان" عذراء" في:

التراجم الإنجليزية:

noisreV dradnatS desiveR ehT

noisreV dradnatS desiveR weN ehT

The New English Translation

ص: 177

The New Life Translation التراجم الفرنسية:

La Bible De Semeur

Louis Segond

التراجم الإسبانية:

Nueva Version Internacional

وأنكر اليهود على النصارى منذ القرن الثاني تحريفهم للنص، كما هو ظاهر من إنكار تريفو اليهودي على جستين فيما نقله جستين نفسه في كتابه" المحاورة"!

لخّص الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah ="ص 147 اعتراضات النقّاد على هذا الاقتباس في هذه النقاط:

بشارة إشعياء متعلّقة بخلاص مملكة الملك آحاز من أعدائها، ومضمونها من المفروض أنّه قد وقع في زمان هذا النبيّ.

الطفل المولود ليس هو المسيح، وان اختلف النقاد في تحديده، والراجح أنّه أمير داودي سيخلّص يهوذا من أعدائها. وقد نقل جستين (في حواره مع تريفو) عن اليهود في زمانه أنّ هذا الطفل هو حزقيا ابن الملك آحاز وخليفته.

اليهود ما زعموا أبدا أنّ نص إشعياء هو بشارة ب" المسيح المنتظر".. ولم تظهر الطبيعة المسيانية في ذاك النص إلا على يد النصارى، رغم أنّ اليهود قد أسبغوا الصبغة المسيانية على الكثير من نصوص التوراة الأخرى!

كلمة" علما" تستعمل لوصف الفتة الشابة التي بلغت سنّ الزواج، ولا تعني حرفيا" عذراء"!

ص: 178

- وجود أداة التعريف" ال" في عبارة" الشابة"، يدلّ على أنّ هذه الفتاة كانت معلومة لدى إشعياء وآحاز، وربما هي فتاة تزوجها آحاز حديثا.

وكخلاصة، يقول، ريموند براون:" فإنّ النص العبري لإشعياء 7: 14 لا يشير إلى ميلاد عذري في المستقبل البعيد. "

قلت.. أيضا:

لا ذكر" للمسيح" في هذه القصة.

لم يسمّ المسيح من معاصريه ب" عمانوئيل"، بل تقول الأناجيل إنّه سمّي" يسوع".

جاءت ترجمة إشعياء 7: 14 في" الترجمة الإنجليزية الجديدة: =English Translation The New =

= you، young woman، you will name him=

Immanuel=

: ".. أنت، أيتها المرأة الشابة، ستسمّيه عمانويل. ".. وما سمّت مريم يسوع ب" عمانويل"!

يزعم النصارى أنّ المسيح إله، في حين أنّ البشارة في سفر إشعياء تخبر عن ترقّي هذا الطفل المولود في معرفة الخير والشرّ، وهو ما لا يتّسق مع صفات الإله.

ت- جاء في إنجيل متّى 2: 3- 6: " فلما سمع هيردوس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه.

فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح.

ص: 179

فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا مكتوب بالنبي:

" وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل. "

نص متّى يشير إلى سفر ميخا 5: 2: " أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل. "

حذف مؤلف إنجيل متّى كلمة" أفراته".

حوّل" أنت صغيرة" إلى" لست صغيرة".

حوّل ألوف (يهوذا) إلى رؤساء (يهوذا) .

وقد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 184 إنّ اقتباس متّى يتمثل في الجمع بين نصين: ميخا 5: 1 وصموئيل الثاني 5: 2 (" وفي الأيام الغابرة عند ما كان شاول ملكا علينا كنت أنت قائدنا في المعارك، وقد قال الربّ لك: " أنت ترعى شعبي إسرائيل وتتولى حكمه")، وأضاف أنّ:" الاقتباس المدمج (أي ميخا 5: 1 وصموئيل الثاني 5: 2) لا يعكس بالضبط النصوص العبرية القياسية ولا اليونانية القياسية. ". ونقل بعد ذلك النصوص:

نص متّى:

= And you، O Bethlehem (in the) land of Judah،

ص: 180

who will shepherd my people israel. =for from you will come forth a ruler (hegoumenos) are by no means least among the rulers (hegemon) of Judah ;

" وأنت يا بيت لحم (في) أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء (هجيمون) يهوذا، لأن منك يخرج حاكم (هيجومنوس) سيرعى شعبي إسرائيل".

النص اليوناني:

= And you، O Bethlehem، House of Ephrathah،

Are too small to be among the thousands (chilias) of JudaH;

From you there will come forth for me a leader (archon) of Israel=

= you will shepherd my peopl Israel=

. " أما أنت، يا بيت لحم، بيت أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف (شيلياس) يهوذا، فمنك سيخرج لي الذي يكون قائدا (أركون) اسرائيل. "

" أنت سترعى شعبي إسرائيل".

النص العبري:

= And you، O Bethlehem Ephrathah،

ص: 181

Small to be among the clans (Literally ،=thousands =) of Judah ;

From you there will come forth for me one who is to be a ruler in

Israel،=

= you will shepherd my people israel،=

" أما أنت، يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين عشائر (حرفيا و" ألوف") يهوذا، فمنك سيخرج لي الذي يكون قائدا في إسرائيل. "

" أنت سترعى شعبي إسرائيل".

من الاشكالات الأخرى في هذه البشارة المزعومة:

يتحدث ميخا في النص المقتبس عن شخص يظهر من سلالة أصلها من بيت لحم ينقذهم من الآشوريين الذين ما عاد لهم وجود في فلسطين زمن المسيح!

ميخا 5: 6 يقول: " فبرعون أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها فينقذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا". ويسوع لم يحارب الأشوريين ولم يذد عن فلسطين بالسيف.

نص ميخا يتحدّث عن قبيلة أصلها من بيت لحم (ويظهر الأمر بوضوح في الترجمة السبعينية) لا عن منطقة اسمها بيت لحم كما هو فهم مؤلف إنجيل متّى.

القول إنّ" بيت لحم" في ميخا يقصد بها مدينة لا قبيلة، يجعلنا نسأل:" وهل يوجد في يهوذا ألوف المدن؟!!! "

ص: 182

- لو كان يسوع من بيت لحم لسمّي ولو مرة واحدة" يسوع البيتلحمي"..

علما بأنّ والد داود قد سمّي" البيتلحمي" كما هو في سفر صموئيل الأول 16: 1.

نسب يسوع إلى الجليل لا إلى بيت لحم في أكثر من موضع في الأناجيل: متّى 26: 69، 21: 11، لوقا 23: 6

نصّ ميخا لا يشير إلى الأزل وإنما يشير فقط إلى التاريخ القديم الذي له بداية، فلفظة" أولام""" تعني أزمنة قديمة ولا تعني الأزل، ومما يؤكد هذه الحقيقة أنّ هذه الكلمة قد عرّبت في سفر التثنية 32: 7 على أنّها تعني" أيام القدم": " أذكر أيام القدم وتأمّلوا سني دور فدور اسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولوا لك. "

ويسوع في المعتقد الكنسي إله أزلي لا كائن حادث!

افتراض الطبيعة التنبئية:

إنجيل متّى 2: 15: " وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني. "

نصّ إنجيل متّى يشير إلى سفر هوشع 11: 1: " لما كان اسرائيل غلاما احببته ومن مصر دعوت ابني. "

نصّ هوشع يتحدّث صراحة عن بني إسرائيل، كما هو ظاهر من السياق ومن الكلام التالي، لكنّ صاحب الإنجيل جعل الحديث: نبوءة، وألصقه بالمسيح. والغرض

ص: 183

من هذا الصنيع هو جعل عيسى عليه السلام مثل موسى، وذلك لأن موسى خرج ببنى إسرائيل من مصر قبل أن يبدأ أخطر مراحل دعوته، وكذلك يسوع فعل!

النصوص كما نقلها الأب الكاثوليكي ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 220:

متّى 2: 15:

= Out of Egypt have I called (Kalein) my son (huios) =

" من مصر ناديت (كلين) ابني"

النص اليوناني:

= Out of Egypt have I summoned (metakalein) his

children (tekna) .

" من مصر استدعيت (متكلين) ابناؤه (تكنا) . "

النص العبري:

= From (or out of) Egypt have I called my son=

" من (أو من خارج) مصر ناديت ابني. "

لاحظ أنّ مؤلف إنجيل متّى قد ترك النص اليوناني السبعيني للعهد القديم الذي كان ينقل عنه في الأغلب، إلى النص العبري أو أحد تراجمه اليونانية، لأنّ النص اليوناني السبعيني لا يمكن أن يسخّر لهدفه!!!

ص: 184

وعلى كلّ، وكما هو قول ريموند براون (ص ص 219- 220) وغيره، فالسياق متعلّق باسرائيل لا بيسوع، والنص اليوناني السبعيني يؤكد أنّ اليهود لم يفهموه إلا على هذه الصورة!

- اختراع نصّ في العهد القديم:

جاء في إنجيل متّى 2: 23: " فوصل بلدة تسمّى «النّاصرة» وسكن فيها، ليتمّ ما قيل بلسان الأنبياء إنّه سيدعى ناصريّا. "

اعترف كبار المفسرين النصارى بعدم ورود هذه النبوءة في العهد القديم.. وقال بعضهم أنّ هذه البشارة كانت موجودة في العهد القديم وقام اليهود بحذفها..

وما يهمنا في هذا الادعاء هو اعترافه بعدم وجود هذه البشارة في العهد القديم اليوم!!

جاء هذا الاعتراف في كثير من المراجع النصرانية، ومنها:

التعليق على ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد =American Bible =The New =ص 1012: " مدينة الناصرة لم تذكر في العهد القديم، ولا توجد نبوءة كهذه فيه. العبارة الغامضة" بلسان الأنبياء" ربما تعود إلى اعتقاد متّى وجود صلة بين الناصرة وبعض النصوص التي فيها كلمات تشابه بصورة بعيدة اسم تلك المدينة..".

قال حليم حسب الله في كتابه: " المسيح بين المعرفة والجهل": " إن الآية الواردة في (متى 2: 23) نصها كالآتي: «وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصريا» ومع أنه قيل لكي يتم ما قيل بالأنبياء لكننا بالبحث لا نجد بحصر اللفظ نبوة تقول إنه «سيدعى ناصريا» . "

ص: 185

- قال المنصّر الأمريكي في الشرق الأوسط، بنيامين بنكرتن، في تعليقه على إنجيل متّى:" مدينة الناصرة ليست مذكورة في التوراة. "

جاء في هامش الترجمتين الألمانيتين =Zurcher Bible =طبعة 1982 و =729087531nheitsubersetzung =طبعة 1990: " إنّ مثل هذه النبوءة لا وجود لها في الكتاب المقدّس كلّه. "

قال وليم باركلى فى تفسيره لإنجيل متّى ص 37: " وهذه النبوة تواجه المفسرين بصعوبة كبيرة، ذلك لأنه لا توجد آية في العهد القديم بهذا المعنى- وحتى مدينة الناصرة نفسها غير مذكورة على الاطلاق فى العهد القديم. ولم يوجد حل كاف لهذه المشكلة. "

قال المعلقون على ترجمة دار المشرق: " يصعب علينا أن نعرف بدقة ما هو النص الذي يستند إليه متّى. "

ذكر جون فنتون عميد كليّة اللاهوت بليتشفيلد بإنجلترا في كتابه: " تفسير إنجيل متّى" ص 51 أنّ النقاد متفقون على" أنّ مصدر هذه النبوءة غير معلوم"!!

قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 223: " سيدعى ناصريا، هو أصعب اقتباس في الإنجيل، إذ أنّه ليس هناك خلاف أنّه غير مرتبط بنصّ معلوم. "

ومع تلك الشهادات، نقول: إنّ الحقائق التاريخية كلّها تقف ضد تاريخية" ناصرة" القرن الأول ميلادي، من ذلك:

ص: 186

- جاء في موسوعة بورداس Bordas أنّه ما من نصّ يهودي قديم يذكر مدينة" الناصرة" قبل القرن الثاني ميلادي. وقول هذه الموسوعة" نص يهودي" يشمل العهد القديم وغيره من الكتب المقدسة وغير المقدسة..!!

سفر يشوع الذي يذكر أين استقر سبط زبولون، يذكر 12 مدينة و 6 قرى، ولا يذكر" الناصرة"!

التلمود، رغم أنّه ذكر 63 مدينة جليلية، لم يشر إلى" الناصرة".

بولس، صاحب الجزء الأكبر من أسفار العهد الجديد، لم يذكر الناصرة!

يذكر أنه لم يشر أيّ مؤرخ أو جغرافي إلى" الناصرة" قبل القرن الرابع ميلادي!

رحلة الحج النصرانية التي تعود إلى القرن الرابع ميلادي، والتي تذكر المناطق التي يمرّ عبرها الحاج، على مدى أميال كثيرة، مخلّدة ذكرى أعمال المسيح والأنبياء في فلسطين، لا تذكر الناصرة!!!. وهذه هي خريطة هذه الرحلة التعبديّة الطويلة:

ص: 187

ولعلّ أصل كلمة" الناصرة" هو من كلمة" الحقيقة". ولا علاقة ل" ناصرة" متّى بمنطقة تسمى بهذا الاسم، ومما يؤيد هذا القول ما جاء في إنجيل فيليب الذي ترفضه الكنيسة (الترجمة الإنجليزية ضمن كتاب" مكتبة نجع حمادي =Hammadi Library =The Nag "لجيمس م. روبنسون James M.

Robinson

ص 147 (الطبعة المراجعة) :

= The apostles who were before us had these names for him:=

Jesus، the Nazorean، missiah

". =Nazara =is =the Truth =)

("،

the Nazarene=

"then ،is =the Truth =، الرسل الذين كانوا قبلنا سمّوه بهذه الأسماء: " يسوع، الناصري، مسيّا (

) " نصارى" هي" الحقيقة".

" ناصري" هي إذن" الحقيقة".

إنّه، إذن، خطأ اخترعت منه نبوءة مسيانية!!!!

ص: 188

- تركيب نص من طرف مؤلف الإنجيل:

أ- جاء في مرقس 1: 2- 3: " كما كتب في كتاب إشعياء: «ها أنا أرسل قدامك رسولي الّذي يعد لك الطّريق؛" صوت مناد في البريّة: أعدّوا طريق الربّ، واجعلوا سبله مستقيمة. "

تتكوّن هذه" النبوءة" من جزأين: " صوت مناد في البرية، أعدّوا طريق الربّ واجعلوا سبله مستقيمة"، وهذا الجزء من من سفر إشعياء 40:3. و" ها أنا أرسل قدّامك رسولي الذي يعدّ لك الطريق"، وهو من سفر ملاخي 3: 1..

وللعلم فإنّ الكثير من المخطوطات القديمة قد حذفت كلمة" إشعياء" من نصّ مرقس كما هو منقول في" الترجمة الإنجليزية الإنجليزية) =Translation =The New English "ومن هذه المخطوطات (A E F G H P W S: للحرج الشديد الذي أحدثته هذه الكلمة للنصارى، إذ كشفت أنّ مؤلف إنجيل مرقس مزوّر محترف!!

إذن هي ليست نبوءة من عند إشعياء، وإنما هي نبوءة مركّبة من طرف مؤلف إنجيل مرقس. وقد ذكر آدم كلارك في تعليقه على هذا النصّ أنّ أحد المخطوطات السريانية تذكر إشعياء وملاخي!!

ب- جاء في إنجيل متّى 2: 4- 6: " فجمع إليه رؤساء كهنة اليهود وكتبتهم جميعا، واستفسر منهم أين يولد المسيح.

فأجابوه: «في بيت لحم باليهوديّة، فقد جاء في الكتاب على لسان النّبيّ:

ص: 189

" وأنت يا بيت لحم بأرض يهوذا، لست صغيرة الشأن أبدا بين حكّام يهوذا، لأنّه منك يطلع الحاكم الّذي يرعى شعبي إسرائيل"

علّق جون فنتون في كتابه" القدّيس متّى" ص 46 على هذا الاستنباط، بقوله:" إنّ النبوءة من سفر ميخا 5: 2، لكنها ليست في الترجمة السبعينية الإغريقية، كما أنّها ليست ترجمة صادقة عن النص العبري (ويستطيع القارئ ملاحظة ذلك بسهولة) ومن المحتمل أن يكون سفر صموئيل الثاني 5: 2 قد ضمّ إلى نبوءة ميخا"!!!؟

وقال إدوارد شفايتزر فى تفسيره لإنجيل متّى ص 17: " وبالنسبة لاستشهاده بميخا، فهو يشير في اليهودية إلى المسيا، وأقحم أيضا في التراجم إلى الأرامية، كما أنّه لا توجد كلمة" أرض يهوذا" فى النص العبراني ولا فى النص اليوناني، ويمكن أن يكون مصدرها هو متى نفسه. وكذلك أخطأ متّى فى قراءة" لست الصّغرى"، بينما هى فى العهد القديم" الصّغرى""!!!

ولمّا حاول المنصّر بنيامين بنكرتن في تعليقه على إنجيل متّى الدفاع عن أصالة هذا الاقتباس، قال:" هذه النبوة واردة في (ميخا 5: 2) وهى مقتبسة لا بحروفها بل بمعناها. "!!؟

ت- جاء في إنجيل متّى 27: 9- 10: " حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النّبيّ: " وأخذوا الثّلاثين من الفضّة ثمن المثمّن الّذي ثمّنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخّاريّ كما أمرني الرّب. "

بالإضافة إلى ما ذكره جميع النقاد من أنّ هذه النبوءة بهذه الصيغة لم ترد في سفر إرمياء، حتى قال المفسّر هورن فى ص ص 385 و 386 من المجلد الثانى من تفسيره المطبوع سنة 1822 م إنّ فى هذا النقل إشكال كبير؛ لأنه لا يوجد فى كتاب إرمياء

ص: 190

مثل هذا، ويوجد فى زكريا 11: 13 لكن لا تطابق هذه الفقرة الألفاظ التى وردت فى متى، وأقر بعض المحققين على أنه وقع الغلط فى نسخة متى وكتب الكاتب" إرميا" بدلا من" زكريا" أو أن هذا اللفظ زائد.. بالإضافة إلى ذلك قال الباحث الاعتذاري ر. جندري R.Gundry إن متّى رأى أنه قد تمت في هذه الحادثة نبوأتان منفصلتان، إحداهما رمزية (إرميا 19: 1- 13) والثانية حرفية (زكريا 11: 13) ، ولكنه اكتفى بالإشارة إلى إرمياء!! (طبعا اعتذار يحتاج إلى اعتذار) .

أمّا هامش الكتاب المقدس الألماني الكاثوليكي 873287531nheitsubersetzung فقال بصراحة: " هذه العبارة لم تذكر في إرمياء، ولكنها ربط حر لمواضع من زكريا وإرمياء والخروج. "(ربط حرّ) ..!!

وجاء في الكتاب المقدس ":Zurcher Bible إن الكلمات المستشهد بها هنا قد أخذّت من زكريا 11: 13، أما الكلام الذى ذكر هنا عن الفخار فهذا خطأ كتابى أقحم فى النص العبرانى، أما إحالة النص إلى سفر إرمياء فيوضح لنا اعتماد الكاتب على الذاكرة، حيث تكلم إرمياء 18: 2 عن الفخار، ولكن ليس هذا هو الموضع المقصود من كلام متى. "!!!!

الخلاصة: البشارات المزعومة في الأناجيل، عن ظهور يسوع المسيح، ما هي إلا دعاو باطلة من كيس الإنجيليين الذي وصل بهم حماسهم إلى الوقوع في أخطاء مضحكة، حتى قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="هامش ص 97:" يوحنا 15: 25 (لكي تتمّ الكلمة المكتوبة في ناموسهم أنّهم أبغضوني بلا سبب) التي تحدثت عن تحقق الناموس ليست مستلة من الناموس، بل من المزمور 35: 19 و 69: 46. "!!!

ص: 191

أعمى يقود بصيرا لا أبا لكم

قد ضلّ من كانت العميان تهديه

يعترف النصارى بأنّ العهد القديم يتنبّأ ببعثة من تسمّيه" النبيّ" وهو: نبيّ آخر الزمان، ولكنّهم يزعمون أنّه عيسى عليه السلام، وهذا من أعجب العجب وأبطل الباطل، إذ كيف يكون عيسى عليه السلام ربا للعالمين وفي نفس الوقت نبيا مربوبا مبلغا عن خالقه!!

ثمّ، إنّ هذا" النبي" لم يبعث إلى زمن عيسى عليه السلام بشهادة أسفار النصارى ذاتها، إذ أنه وكما جاء في إنجيل يوحنا، فإنّ اليهود من مدينة القدس قد أرسلوا وفدا منهم إلى المعمدان (يحي عليه السلام ليسألوه:" أو أنت النبيّ؟ "(يوحنا 1: 21) ..

من أهم البشارات التي يدندن حولها النصارى زاعمين أنها مصرّحة بمقدم عيسى بن مريم عليهما السلام، لا بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كما يقول المسلمون، بشارة" العبد الصالح"، وبشارة" ابن الإنسان"، وبشارة" شيلون"، وبشارة" الحجر الذي رفضه البنّاؤون".

ص: 192

بشارة" العبد الصالح"

جاء في سفر إشعياء 42: 1- 17 قول الربّ:

" هوذا عبدي الّذي أعضده، مختاري الّذي ابتهجت به نفسي. وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل.

لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطّريق.

لا يكسر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخنة لا يطفيء. إنّما بأمانة يجري عدلا.

لا يكلّ ولا تثبّط له همّة حتّى يرسّخ العدل في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته.

هذا ما يقوله الله، الرّبّ خالق السّماوات وباسطها، وناشر الأرض وما يستخرج منها. الواهب أهلها نسمة، والمنعم بالرّوح على السّائرين عليها:

" أنا هو الربّ قد دعوتك بالبر. أمسكت بيدك وحافظت عليك وجعلتك عهدا للشعب ونورا للأمم.

لتفتح عيون العمي، وتطلق سراح المأسورين في السّجن، وتحرر الجالسين في ظلمة الحبس

أنا هو الربّ وهذا اسمي. لا أعطي مجدي لآخر، ولا حمدي للمنحوتات.

ها هي النّبوّات السّالفة تتحقق، وأخرى جديدة أعلن عنها وأنبيء بها قبل أن تحدث. "

غنوا للربّ أغنية جديدة، سبّحوه من أقاصي الأرض أيّها المسافرون في عباب البحر وكل ما فيه وياسكان الجزائر

ص: 193

لتهتف الصّحراء ومدنها، وديار قيدار المأهولة.

ليتغن يفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال

وليمجّدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر

يبرز الربّ كجبّار، يستثير حميّته كما يستثيرها المحارب، ويطلق صرخة حرب داوية، يظهر جبروته أمام أعدائه (

)

أما المتوكّلون على الأصنام القائلون للأوثان: " أنتم آلهتنا" فإنّهم يدبرون مجلّلين بالخزي. "

النص الماسوري (نسبة إلى الماسورة أي النص العبري المشكول والمعتمد اليوم) :

ص: 194

يدّعي النصارى أنّ هذه البشارة هي خاصة ب" يسوع الكنيسة"، ناقلين ما جاء إنجيل متّى 12: 17- 22: " ليتمّ ما قيل (قلت: في يسوع) بلسان النّبيّ إشعياء القائل: " ها هو فتاي الّذي اخترته، حبيبي الّذي سرّت به نفسي! سأضع روحي عليه، فيعلن العدل للأمم لا يخاصم ولا يصرخ، ولا يسمع أحد صوته في الشوارع قصبة مرضوضة لا يكسر، وفتيلة مدخنة لا يطفيء، حتّى يقود العدل إلى النّصر، وعلى اسمه تعلق الأمم رجاءها! " ثمّ أحضر إليه رجل أعمى وأخرس يسكنه شيطان، فشفاه حتّى أبصر وتكلّم. "

هذه البشارة التي دندن حولها النصارى كثيرا لا تنطبق على المسيح، خاصة في صورته الكنسية، بل هي تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم بصورة دقيقة، وهذا هو فهم الصحابة لهذا النصّ منذ زمن النبوّة، فعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال:" أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: " يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا" وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولكن يقبضه الله

ص: 196

حتى يقيم به الملة والعوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا" (البخاري) .

وقد قال كاهن كنيسة العذاء" عبد المسيح بسيط أبو الخير" في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟ " ص 117 تحت عنوان: " عبد الربّ، من هو؟ وما هي صفاته وأعماله؟ " معاندا الفهم الحقّ:

" ورد في سفر إشعياء مجموعة من النبوّات في الإصحاحات (42 إلى 62) ، عن شخص دعي ب" عبد الربّ" ولم تذكر له، هذه النبوّات، إسما محددا، وقد أجمع المفسّرون المسيحيّون على أنّ هذا الشخص المذكور في هذه النبوّات هو الربّ يسوع المسيح، المسيّا الآتي والمنتظر. كما رأت الغالبية العظمى من الربيّين اليهود، خاصّة القدماء الذين كتبوا في فترة ما قبل المسيح وما تلاها وحتى القرن الخامس عشر الميلادي، سواء في التلمود أو المشناه أو الجمارا أو المدارش، وكل كتب التقليد اليهوديّ بكافة أنواعها أن هذا العبد هو" المسيّا"، وعلى سبيل المثال يقول ترجوم بسيدو يوناثان: " ها هو عبدي المسيا، سأقربّه إليّ، مختاري الذي يتبارك به شعبي" (!!!)

قلت: لا أدري كيف من الممكن الجمع بين المسيح اليهودي البشري العنصري وبين المسيح النصراني المألّه المثلث العالمي..!!؟ .. ولكن..

رأيت اللسان على أهله

إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا!

إنّ مسيح اليهود صورة أخرى بعيدة تماما عن مسيح الكنيسة. إنّه لا يعدو أن يكون تشابها في الألقاب مع تغاير أو تقابل المضمون!!

ص: 197

ويكفي حتى نثبت أن مسيح الكنيسة ليس هو المعني بحديث نبي الله إشعياء، أن نذكر أنّ مؤلف إنجيل متّى قد اضطر إلى تحريف نص سفر إشعياء ليلبسه المسيح، وقد قال البحّاثة جون فنتون، John Fenton عميد كلية اللاهوت بلتشفيلد بإنجلترا، في تعليقه على إنجيل متّى =Saint Matthew =ص 195: " من الواضح أنّ متّى لم يتّبع نصّ أيّ من النسختين العبرية أو الإغريقية، لكنه سار على أخذ نصوص حسبما رآها تناسب رأيه من أنّ النبوءة تحققت في عيسى وفي الكنيسة.

ولقد حذف متّى سطرين من إشعياء 42: 1- 4، ولكنّه أبقى على السطر الأخير الذي رأى أنّه يخقّق هدفه. "!!

قلت: " من حفر جبّا" لقارئه"، نزلت بداره بوائقه"!!! -

وبعيدا عن حذلقات الكنيسة، لنناقش أهم معالم هذه البشارة:

" هذا هو عبدي": من المتفق عليه بين أهل الملل الأرضية والسماوية أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم ما ادّعى أنه فوق مرتبة العبودية لله سبحانه. أما يسوع الإنجيلي، فإنّ الكنيسة تنسبه إلى الإلوهية وتسحبه من عرشه السماوي إلى خشبات الصليب الروماني ليكون إلها بشريا وبشرا مؤلها!!

" الذي أعضده": ومحمد صلى الله عليه وسلم هو النبيّ المؤيد من الله سبحانه، الذي أفاض عليه بمعجزات هائلة نصره بها على أعداء التوحيد. أما يسوع الإنجيلي فتقدّمه الكنيسة على أنّه هو نفسه المعبود المستجار بسلطانه والملتجأ إلى قدرته.

" مختاري": أي الذي اصطفاه الله من خلقه ليكون المبلّغ عنه وليكون حجّته على العالمين وليختم به عقد النبوة البديع، ومعلوم أنّ من اسماء نبي الإسلام

ص: 198

صلى الله عليه وسلّم: " المصطفى"، وقد قال الإمام ابن حجر في شرحه لحديث جبير بن مطعم في صحيح البخاري:".. ومن أسمائه المشهورة" المختار والمصطفى والشفيع والمشفّع والصادق والمصدوق. " أمّا يسوع الإنجيلي، فهو طبق اعتقاد الكنيسة، المنوط به اصطفاء الأنبياء والرسل ولا يصطفيه غيره فهو صاحب القول والأمر.

" الذي ابتهجت به نفسي": أي الذي جعله الله سبحانه أعظم خلقه، إذ قد بلغ ذرى سنام العبادة ومنتهى. أما يسوع فهو عند النصارى، المعبود.. فهل ابتهجت نفس الربّ بنفسه ذاتها؟!

" وضعت روحي عليه": أيّ أيّدته بالروح القدس ومن معه من الملائكة.

وقد كان ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم في معركة بدر وفي معارك أخرى له ولأمته من بعده. كما أنّ هذه العبارة تدلّ على أنّ المتحدّث عنه نبيّ، فقد جاء مثلا في سفر أخبار الأيام الثاني 15: 1: " وحلّ روح الربّ على عزريا بن عوديد" وجاء في سفر العدد 11: 29: ".. ليت كلّ شعب الربّ يصبحون أنبياء يحلّ عليهم الربّ بروحه". وجاء في القرآن قوله تعالى: " وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا". (سورة الشورى 52) . أمّا يسوع الإنجيلي فقد صرخ على الصليب بعد أن تمكّن منه أعداؤه: " إلهي! إلهي! لماذا تركتني! "(متّى 27: 46، مرقس 15: 34) . كما أنّه إله معبود لا نبيّ مربوب!

" ليسوس الأمم بالعدل": ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل رحمة للعالمين" وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ"(الأنبياء 107) . أما يسوع فما تجاوزت رسالته بني إسرائيل: " لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة"(متّى 15: 14) .

ص: 199

كما أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم كان حاكما أرضيا ساس الأمم من عرب وغيرها، أمّا يسوع فقد كانت مملكته سماوية لا أرضية!

" لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطريق": أي صاحب حجة وبيان، لا يستقطب الأتباع بالصراخ والتهديد وإنما بالدليل والبرهان. ومما يوضّح انطباق هذا الأمر على محمد صلى الله عليه وسلم، قول الحق سبحانه له صلى الله عليه وسلم:" ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(سورة النحل 125) . أما يسوع الكنيسة فقد كان يبتعد عن المحاججة والمناظرة في غير ما موقف (متّى 22: 21، مرقس 12: 14- 17، لوقا 20: 22- 25) .

" لا يكسر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخنة لا يطفئ"..

المقصود ب" القصبة المرضوضة": " مصر"، ففيها ينبت النوع الجيد من القصب..

وقد جاء في سفر حزقيال 29: 6- 7: " فيدرك كلّ أهل مصر أنّي أنا الربّ، لأنهم كانوا عكّاز قصب هشة لشعب إسرائيل، ما إن اعتمدوا عليك بأكفّهم حتّى انكسرت ومزّقت أكفافهم، وعند ما توكأوا عليك تحطّمت وقصفت كلّ متونهم. ".. وجاء في سفر إشعياء 36: 6: " أنت تتكلّ على عكّاز هذه القصبة المرضوضة مصر التي تثقب كفّ كلّ من يتوكّأ عليها..""..

وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بمصر وأهلها خيرا فقال: " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإنّ لهم ذمة ورحما. "

(صححه الألباني) . أما يسوع، فما كان صاحب سلطة زمنية أرضية وما كان بالتالي متسلطا على مصر، بل فرّ يوسف النجار به وبأمّه إلى مصر لما كان صغيرا كما هو مدّعى في إنجيل متّى 2: 13- 19.

ص: 200

والإشارة إلى مصر في هذه النبوءة لها صلة بالعلاقة بين بني إسرائيل ومصر، إذ أنّ أهل مصر قد ساءت علاقتهم ببني إسرائيل وأنبيائهم، وكان من المنتظر أن يكون النبي الآتي منتقما من أهل مصر لا مكرّما لهم. فكان أن نبّه الله سبحانه بني إسرائيل ومن بعدهم من الأمم أنّ هذا النبيّ لن يكون عدوا لمصر، بل سيكون رحمة بها وبأهلها. وقد كان.. فقد بعث هذا النبي رحمة بأبناء هاجر، وكان الأبناء كنانة أمّة الإسلام على مدى التاريخ.

" وفتيلة مدخنة لا يطفئ": المقصود بالفتيلة المدخنة، نور العلم والمعرفة. فهذا النبي لن يصدّ عن العلوم المفيدة ولن يهدر الخير الذي في الديانات السابقة وإن حرّفت، وهذا ينطبق بالحرف على محمد صلى الله الذي قال:" طلب العلم فريضة على كلّ مسلم"(مسند أبي يعلى..) والذي قال أيضا:

" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"(متفق عليه) كما أنّه هو من حافظ على الخير الذي دعا إليه الأنبياء السابقون كالصلاة والصوم والحج والبر بالوالدين وصلة الرحم وأهم من ذلك توحيد المعبود سبحانه. أما يسوع الكنيسة فقد ألغى بموته على الصليب العمل بالشرائع السابقة بل ودعا إلى عقيدة تثليثية لم يعرفها أيّ من الأنبياء السابقين.

" إنما بأمانة يجري عدلا": لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم حاكما بين قومه وجاء بشريعة تسوس الأمم بالقسط والبر. أما يسوع الإنجيلي فما كان حاكما على قومه كما أنّه لم يرسل إلى غير بني إسرائيل.

" لا يكلّ ولا تثبط له همة حتى يرسّخ العدل في الأرض".

والتاريخ شاهد أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم قد جاهد باللسان والسنان وجمع بين المجادلة والمجالدة 23 سنة ليقيم شرع الله سبحانه على الأرض. ومحمد صلى الله عليه

ص: 201

وسلم هو الذي ختمت رسالته بقول الله تعالى: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً"(سورة المائدة 3) . أما يسوع الإنجيلي فقد قال لأحد تلاميذه: ".. إنّ الذين يلجأون إلى السيف، بالسيف يهلكون"(إنجيل متّى 26: 52) .

" وتنتظر الجزائر شريعته": لقد وصلت شريعة الإسلام إلى أقصى الجزائر. أما يسوع فلا شريعة له، إذ هو قد نسخ جميع الشرائع السابقة بدمه المهدور على الصليب. وهو الذي قال في آخر وصاياه:" على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنّهم يقولون ولا يفعلون. "(إنجيل متّى 23: 1) .

" أمسكت بيدك وحافظت عليك وجعلتك عهدا للشعب ونورا للأمم". قال تعالى: " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"(المائدة 67) مبشرا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أنّه لن يناله عدوه بالقتل. أما يسوع الإنجيلي فقد هلك على الصليب الروماني بتحريض يهودي.

" غنوا للربّ أغنية جديدة، سبّحوه من أقاصي الأرض". الأغنية الجديدة (والحديث هنا على المجاز) هي الأذان من الجبال والمنارات إعلانا لدخول وقت الصلاة.. أما يسوع فلم يأت بأيّ نداء للصلاة أو التسبيح أو التتريه.

" لتهتف الصحراء ومدنها، وديار قيدار المأهولة.

ليتغنّ بفرح أهل سالع وليهتف من قمم الجبال وليمجّدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر. ". " الصحراء" في النص العبري هي" مدبار" وقد جاءت الإشارة في سفر إرمياء 3: 2 إلى الصحراء العربية: " ارفعي

ص: 202

عينيك إلى الهضاب وتأملي، أهناك مكان لم تضاجعي فيه؟.

قد جلست لهم على قارعة الطريق كالأعرابي (العبارة في التراجم الإنجليزية والفرنسية ك Segond English Standard Version ،Darby Translation ،Louis The New American Standard Bible ،The: تذكر كلمة" عربي" مكان" أعرابي"، علما بأنّ المقابل العبري لهذا النص يذكر الكلمة العبرية" عربي" (!!!) كما هي في اللغة العربية) في البادية (بعض التراجم الإنجليزية تذكر" صحراء" لا" بادية"!!) ودنست الأرض بزناك وعهارتك. " والمقابل العبري للصحراء هنا أيضا" مدبار".. وديار قيدار بن إسماعيل (جزيرة العرب) لم تنتشر فيها النصرانية (وإن ظهر فيها بعض النصارى قبل ظهور الإسلام) بل هي معقل الإسلام وحصنه الحصين.. وسالع رغم أنّ النصارى يزعمون أنّها تقع في وادي موسى فإنّ البحاثة فديارتي يذكر أنّ المؤرخ يوسفوس قد ذكر أنّ" بترا" التي يقرر كثير من النصارى أنّها" سالع" نفسها، كانت عاصمة البلاد العربية. وهو أيضا ما ذهب إليه المؤرخ الإنجليزي ب.

جوفرسن. وورد في" قاموس الكتاب المقدس" تحت كلمة" سالع": ".. ويقول التقليد المسيحي أنّ بولس الرسول زار سالع هذه عند ما ذهب إلى البلاد العربية (غلاطية 1: 17) . وجاء في موسوعة الكتاب المقدس Biblica Encyclopaedia لشاين أنّ" بترا" هي مكان هجرة وسلام وتجارة، ومن الملاحظ أيضا في هذا المقام أنّ" سلع" هو جبل في باب المدينة، كما في مراصد الاطلاع لياقوت، والقاموس وغيرهما من كتب الجغرافيا واللغة.. والظاهر أنّ الألف حصلت من إشباع الفتحة في اللغة العبرانية.. وهذه" الألف" غير موجود في هذه الكلمة باللغة الانجليزية واللغة الفرنسية. =Sela =:

إنّها أرض محمد صلى الله عليه وسلم لا أرض يسوع المسيح الإنجيلي.

ص: 203

-" يبرز الربّ كجبار، يستثير حميّته كما يستثيرها المحارب، ويطلق صرخة حرب داوية، يظهر جبروته أمام أعدائه. ".

وهذا النصّ يشير إلى الحروب التي يقودها نبيّ الملحمة. أما يسوع فهو كما يصوّره النصارى: " الحمل الوديع" الذي لم يرفع سيفا، بل كان يدعو إلى تقديم الخدود للصفع!!

" أما المتوكّلون على الأصنام، القائلون للأوثان:

" أنتم آلهتنا" فإنهم يدبرون مجلّلين بالخزي". ومحمد صلى الله عليه وسلم هو من عاداه الوثنيون وحاربوه عن يد واحدة، فانتقم منهم الله سبحانه وهدّ باطلهم ونصر عبده ومصطفاه وأعزّ جنده الكرام. أما يسوع فقد كان أعداؤه يهودا لا وثنيين، فهم الذين أرسل إليهم وهم الذين رفضوا قبول رسالته وهم الذين سعوا إلى قتله. كما أنّ يسوع الإنجيلي ما انتصر على أعدائه بل هم هزموه و" جلّلوه" بالخزي!!

إنّها بشارة صريحة، فصيحة، تكاد تنطق باسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. وقد حقّ لمن يخشى على النصارى لظى النيران وقرص الزمهرير أن يطلب من الكنيسة الكفّ عن عجن النصوص على هواها واستحلاب سيل السراب من ضرع الخيال.. ولكن.. كما قال الشاعر:

ومكلّف الأيام ضدّ طباعها

متطلّب في الماء جذوة نار

وإذا رجوت المستحيل فإنما

تبني الرجاء على شفير هاو

ص: 204

بشارة" ابن الإنسان"

جاء في سفر دانيال التبشير ببعثة من سمّي ب" ابن الإنسان".. ولنأخذ واحدة من هذه البشارات من هذا السفر وللنظر هل هي بشارة بيسوع الكنيسة أم بمحمد عليه الصلاة والسلام!

في السنة الثانية لحكم" بلشاصر بن نبوخذ نصر" رأى دانيال رؤيا قريبة مما رآه" نبوخذ نصر" وقد قصّ الرؤيا في سفره على النحو التالي:

" قال دانيال: «شاهدت في رؤياي ليلا، وإذا يأربع رياح السّماء قد هجمت على البحر الكبير،

وما لبث أن صعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة يختلف بعضها عن بعض.

فكان الأوّل كالأسد بجناحين كجناحي النّسر. وبقيت أنظر إليه حتّى اقتلع جناحاه، وانتصب على الأرض واقفا على رجلين كإنسان، وأعطي عقل إنسان.

ورأيت حيوانا آخر شبيها بالدبّ، قائما على جنب واحد، وفي فمه بين أسنانه ثلاث أضلع وقيل له:" انهض وكل لحما كثيرا"

ثمّ رأيت بعد هذا حيوانا آخر مثل النّمر، له على ظهره أربعة أجنحة كأجنحة الطائر، وكان لهذا الحيوان أربعة رؤوس، وفوّضت إليه سلطات.

وشهدت بعد ذلك في رؤى اللّيل وإذا يحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدّا، ذي أسنان ضخمة من حديد، افترس وسحق وداس ما تبقى برجليه. وكان يختلف عن سائر الحيوانات الّتي قبله وله عشرة قرون.

ص: 205

وفيما كنت أتأمّل القرون إذا يقرن آخر صغير نبت بينها، واقتلعت ثلاثة قرون من أمامه، وكان في هذا القرن عيون كعيون الإنسان وفم ينطق بعظائم.

وفيما كنت أنظر، نصبت عروش واعتلى الأزليّ كرسيّه وكانت ثيابه بيضاء كالثلج، وشعر رأسه كالصّوف النّقيّ، وعرشه لهيبا متوهّجأ وعجلاته نارا متّقدة.

ومن أمامه يتدفق ويجري نهر من نار، وتخدمه ألوف ألوف الملائكة، ويمثل في حضرته عشرات الألوف. فانعقد مجلس القضاء وفتحت الأسفار.

وبقيت أراقب القرن من جراء ما تفوّه به من عظائم، حتّى قتل الحيوان وتلف حسمه وطرح وقودا للنّار.

أمّا سائر الحيوانات فقد جردت من سلطانها، ولكنّها وهبت البقاء على قيد الحياة لزمن ما.

وشاهدت أيضا في رؤى اللّيل وإذا يمثل ابن الإنسان مقبلا على سحاب حتّى بلغ الأزليّ فقرّبوه منه.

فأنعم عليه بسلطان ومجد وملكوت لتتعبّد له كلّ الشعوب والأمم من كل لسان. سلطانه سلطان أبديّ لا يفنى، وملكه لا ينقرض. " (سفر دانيال 7: 2- 14)

ويقول دانيال في تفسير هذه النبوءة: " أمّا أنا دانيآل فقد ران الحزن على روحي في داخلي وروّعتني رؤى رأسي.

فاقتربت من أحد الواقفين أستفسر منه حقيقة الأمر، فأطلعني على معنى الرّؤيا قائلا:

" هذه الحيوانات الأربعة العظيمة هي أربعة ملوك يظهرون

ص: 206

على الأرض غير أن قديسي العليّ يستولون على المملكة ويتملّكونها إلى أبد الآيدين.

حينئذ أردت أن أطّلع على حقيقة الحيوان الرّابع الّذي كان يختلف عن سائر الحيوانات، إذ كان هائلا جدّا ذا أسنان من حديد ومخالب من نحاس، وقد افترس وسحق وداس ما تبقى برجليه.

وعن القرون العشرة النّامية في رأسه، وعن القرن الآخر الصّغير الّذي نبت، فاقتلعت أمامه ثلاثة قرون. هذا القرن ذو العيون النّاطق بالعظائم ومنظره أشدّ هولا من رفاقه وقد شهدت هذا القرن يحارب القديسين ويغلبهم..

إلى أن جاء الأزليّ وانعقد مجلس القضاء الّذي فيه تبرّأت ساحة قديسي العليّ، وأزف الوقت الّذي فيه امتلكوا المملكة.

فأجاب: إنّ الحيوان الرّابع هو رمز للمملكة الرّابعة على الأرض، وهي تختلف عن سائر الممالك لأنّها تستولي على كلّ الأرض وتخضعها وتسحقها.

أمّا القرون العشرة من هذه المملكة فهي عشرة ملوك يتولّونها، ثمّ يقوم بعدهم ملك آخر يختلف عن الملوك السّالفين، ويخضع ثلاثة ملوك،

ويعيّر العليّ وينكل بقديسيه، ويحاول أن يغيّر الأوقات والقوانين، فيذلّ القديسين ثلاث سنوات ونصف السّنة

ولكن ينعقد مجلس القضاء، فيجرّد من سلطانه فيدمّر ويفنى إلى المنتهى وتوهب المملكة والسّلطان وعظمة الممالك القائمة تحت كل السّماء إلى شعب قديسي العليّ، فيكون ملكوت العليّ ملكوتا أبديا، وتعبده جميع السّلاطين

ص: 207

ويطيعونه إلى هنا ختام الرّؤيا. أمّا أنا دانيآل فقد روّعتني أفكاري كثيرا وتغيّرت هيئتي، ولكني كتمت الأمر في قلبي" (سفر دانيال 7: 15- 28) .

وفقا للتفسير الذي قدّمه الملاك، فإنّ كلّ واحد من الوحوش الأربعة يمثل امبراطورية- والحديث الآتي هو من كتاب" محمد في الكتاب المقدس" للقسيس المهتدي دافيد كلداني باختصار:

الوحش الذي على شكل نسر مجنّح يمثّل الامبراطورية الكلدانية، التي كانت قوية نشطة، كالنسر المنقض على عدوّه.

يمثّل" ماداي بارس" أو الامبراطورية المادية الفارسية التي امتدت غزواتها حتى البحر الأدرياتيكي وأثيوبيا، وهكذا تحمل بين أسنانها ضلعا من جسم كلّ من القارات الثلاث في نصف الكرة الشرقي.

أما الوحش الثالث، فبناء على طبيعته النمرية الشرسة وذات القفزات السريعة، فإنّه يرمز إلى زحوف الإسكندر الأكبر الظافرة، والذي انقسمت إمبراطوريته بعد موته إلى أربع ممالك.

يعنى الملاك أساسا ببيان تفاصيل الوحش الرابع، فيصفه بأنه وحش كبير وهائل ويرمز به إلى الإمبراطورية الرومانية في عنفوان قوتها وازدهارها.

(قلت: قد اعترف بأنّ المملكة الرابعة هي المملكة الرومانية، الآباء اليسوعيون (الكاثوليك) في تعليقهم على سفر دانيال)

أما القرون العشرة فيمثلون الأباطرة العشرة الأوائل الذين اضطهدوا شعوبهم وما عليك إلا أن تقلّب صفحات أي تاريخ للكنيسة خلال القرون الثلاثة الأولى، وحتى

ص: 208

زمن ما يسمى باعتناق قسطنطين الكبير النصرانية، فلن تعثر على شيء سوى أهوال الاضطهادات العشرة الشهيرة.

أما القرن الصغير الذي طلع بين القرون العشرة، فهو إمبراطور يظهر للوجود بعدهم، وينافسه على السلطة ثلاثة أباطرة، وهذا القرن الصغير هو الإمبراطور قسطنطين.. وقد عاشت الإمبراطورية الرومانية في عهده صراعا مريعا بين أربعة متنافسين، وكان قسطنطين واحدا منهم، وكانوا كلّهم يتصارعون من أجل اللباس الأرجواني (الإمبراطوري) ، ومات الثلاثة الآخرون في المعركة، وبقي قسطنطين وحده حاكما على الإمبراطورية الضخمة وليس باستطاعة أحد اختراع أربعة متنافسين بعد الاضطهادات الأربعة للكنيسة إلا قسطنطين وأعدائه الذين تساقطوا أمامه كما تساقطت القرون الثلاثة أمام القرن الصغير.

وحتى تزداد وثوقا أنّ القرن الصغير مخالف للآخرين، فهو وحش مخيف ولكن له فم وعينان، أي يملك المنطق والقدرة على الكلام:

هذا القرن له فم متكلّم بعظائم.

هذا القرن اضطهد قدّيسي العلي.

هذا القرن يظنّ أنّه يغيّر الأوقات والسنة.

هذا القرن أعلن الحرب على أولياء الله لمدة (الزمن أو العصر والعصور والأزمان ونصف الزمن) أي ثلاثة قرون ونصف قرن.

هذه الصفات الخمس تنطبق بصورة دقيقة على قسطنطين، فقسطنطين هو الذي كان يملك المنطق والقدرة على الكلام، بل والكلام الذي غيّر مجرى التاريخ. وهو الذي حرّف النصرانية ونقلها من الوحدانية إلى الشرك فكان بذلك متكلما بكلام

ص: 209

ضد الله العليّ. وقسطنطين هو الذي حارب أولياء الله المؤمنين" قدّيسي العلي"، فقد قتّل الموحدين وحرّق كتبهم.. وهو أيضا الذي حاول تغيير" القانون والزمان": فقد ألغى مرسوم قسطنطين، الوصيتين الأولتين من شريعة موسى حول وحدانية الله.

وخالف المنع الصارم لاتخاذ الصور والتماثيل، وهو الذي خرق الوصية الرابعة بتقديس يوم السبت، وهو الذي اضطهد الموحدين لفترة ثلاثة قرون ونصف.

وفي آخر الرؤيا قال دانيال: " وتوهب المملكة والسّلطان وعظمة الممالك القائمة تحت كل السّماء إلى شعب قديسي العليّ، فيكون ملكوت العليّ ملكوتا أبديّا، وتعبده جميع السّلاطين ويطيعونه. "(سفر دانيال 7: 27) .

يعني دانيال بقوله قديسي العلي هنا عباد الله وأوليائه من المسلمين الذين تفضّل الله عليهم بالرسالة والدين الكامل، فأقاموا مملكة الله الدائمة على الأرض.

كما ترى إذن.. تنطبق هذه النبوءة على محمد صلى الله عليه وسلم الذي حطّم الإمبراطورية الرومانية، بصورة دقيقة.. ولا يمكن، مهما توسّعنا في التأويل، الزعم أنّها تخصّ المسيح ابن مريم عليهما السلام، لأنّ المسيح قد عاش زمن عزّ الإمبراطورية الرومانية، ورفع إلى السماء وهي في أوجّها، بل تزعم الأناجيل أنه دعا إلى طاعة قيصر والخضوع لحكمه!!!

وإن كنت مازلت تشكّ فتعال لنقرأ نبوءة أخرى من سفر دانيال:

ألهم الله تعالى الملك" بختنصر" برؤيا منامية كشف له فيها عن الدول والممالك التي ستعقب ملكه، ومصير كلّ دولة ومملكة إلى أن تظهر للوجود دولة يدوم ملكها وسلطانها إلى الأبد، ولم يشأ الملك الإفصاح عن رؤياه لئلا تفسّر على حسب هواه،

ص: 210

فلا يظهر بحقيقتها، لذا أمر بإحضار الكهنة والمنجمين من أقاليم المملكة وسألهم عن الرؤيا وتأويلها. فقالوا له اذكرها لنا حتى نبين تأويلها، فأمر بقتلهم جميعا.

وكان دانيال من ضمن هؤلاء، فاستمهل الملك في أمرهم، ورغب إلى الله تعالى في اطلاعه على الرؤيا وتأويلها، فأطلعه الله تعالى عليها فجاء إلى نبوخذ نصر وقال له:

" رأيت أيّها الملك وإذا بتمثال عظيم ضخم كثير البهاء واقفا أمامك وكان منظره هائلا.

وكان رأس التمثال من ذهب نقي، وصدره وذراعاه من فضّة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه من حديد، وقدماه خليط من حديد ومن خزف.

وبينما أنت في الرّؤيا انقض حجر لم يقطع بيد إنسان، وضرب التمثال على قدميه المصنوعتين من خليط الحديد والخزف فسحقهما،

فتخطم الحديد والخزف والنّحاس والفضة والذهب معا، وانسحقت وصارت كعصافة البيدر في الصّيف، فحملتها الريح حتّى لم يبق لها أثر. أمّا الحجر الّذي ضرب التمثال فتحوّل إلى جبل كبير وملأ الأرض كلّها.

هذا هو الحلم. أمّا تفسيره فهذا ما نخبر به الملك:

أنت أيّها الملك هو ملك الملوك، لأنّ إله السّموات أنعم عليك بمملكة وقدرة وسلطان ومجد، وولّاك وسلّطك على كلّ ما يسكنه أبناء البشر ووحوش البر وطيور السّماء. فأنت الرأس الّذي من ذهب.

ص: 211

ثمّ لا تلبث أن تقوم من بعدك مملكة أخرى أقلّ شأنا منك، وتليها مملكة ثالثة أخرى ممثلة بالنّحاس فتسود على كل الأرض.

ثمّ تعقبها مملكة رابعة صلبة كالحديد، فتحطم وتسحق كلّ تلك الممالك كالحديد الّذي يدق ويسحق كلّ شيء.

وكما رأيت أنّ القدمين والأصابع هي خليط من خزف وحديد، فإنّ المملكة تكون منقسمة فيكون فيها من قوّة الحديد، بمقدار ما شاهدت فيها من الحديد مختلطا بالخزف.

وكما أنّ أصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فإن بعض المملكة يكون صلبا والبعض الآخر هشا

وكما رأيت الحديد مختلطا يخزف الطين، فإنّ هذه المملكة تعقد صلات زواج مع ممالك النّاس الأخرى، إنّما لا يلتحمون معا، كما أنّ الحديد لا يختلط بالخزف.

وفي عهد هؤلاء الملوك يقيم إله السّماوات مملكة لا تنقرض إلى الأبد، ولا يترك ملكها لشعب آخر، وتسحق وتبيد جميع هذه الممالك. أمّا هي فتخلد إلى الأبد.

لأنّك رأيت أن الحجر المنقض الّذي لم يقطع من الجبل بيدين، قد سحق الحديد والنّحاس والخزف والفضّة والذهب.

إنّ الله العظيم قد أطلع الملك عمّا سيحدث في الأيّام الآتية؛ فالحلم حقيقة وتفسيره صدق. " (سفر دانيال 2: 31- 45)

من رؤيا نبوخذ نصر ومن تفسير دانيال لها، يتبيّن أنّ الممالك الأربعة هي

ص: 212

، كما يقول القس عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه:" هل تنبّأ الكتاب المقدسعن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح" ص ص 133- 135:

" الإمبراطوريّة الأولى (بابل 626- 539 ق. م.) . قال دانيال في تفسيره لنبوخذ نصر" أنت أيّها الملك ملك ملوك لأنّ إله السّماوات أعطاك مملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السّماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرّأس من ذهب. " (دانيال 37: 2- 38) ، وكما يقول دانيال النبي أنّ الله" يغيّر الأوقات والأزمنة. يعزل ملوكا وينصّب ملوكا" (دانيال 2: 21) . وكما يقول موسى النبي أيضا بالروح" حين قسم العليّ للأمم حين فرق بني آدم نصب تخوما لشعوب" (تثنية 32: 8) . يؤكّد الكتاب أيضا أنّ الله بحسب إرادته الإلهية وتدبيره الأزلي وعلمه السابق هو الذي أعطى نبوخذ نصر هذا السلطان. "

" الإمبراطورية الثانية (مادي وفارس 539- 331 ق م) . " وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك" (الآية 39) هذه المملكة، كما أجمع التقليد اليهودي والتقليد المسيحي هى مملكة" مادي وفارس". (..) يقول (السفر) لبيلشاصر ابن نبونيدس آخر ملوكها" قسمت مملكتك وأعطيت لمادي وفارس" (دانيال 5: 28) . وقد وصفت في رؤيا دانيال الثانية بكبش ذو قرنين قال له الملاك" أمّا الكبش الّذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس" (دانيال 8: 20) . وهذا ما جاء بتفسيره كل من القديس جيروم والقديس هيبوايتوس وما قاله المؤرّخ والكاهن اليهودي يوسيفوس. ويصفها البعض بالمملكة الفارسية نظرا لسيادة الفرس، كما جاء في سفر الأخبار" إلى أن ملكت

ص: 213

مملكة فارس" (سفر الأخبار الثاني 36: 20) ، وكما يقول القديس هيبوليتوس أيضا. "

" الإمبراطورية الثالثة (اليونان 331- 323 ق م) : " ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلّط على كل الأرض" (دانيال 2: 39) .

هذه المملكة أو الإمبراطورية الثالثة مذكورة بالاسم في سفر دانيال النبي وأنها ستخلف مادى وفارس" والتيس العافي" الذي هزم الكبش الذي يرمز إلى مادي وفارس" ملك اليونان"(دانيال 8: 21) ، وهذا ما قال به القديس هيبوليتوس، والقديس جيروم وغيره من المفسّرين. "

الإمبراطورية الرابعة (روما 58 ق م- 476 م) : " وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأنّ الحديد يدق ويسحق كلّ شيء.

وكالحديد الّذي يكسّر تسحق وتكسّر كل هؤلاء" (دانيال 2: 40) ، ويشير الحديد إلى القوة الصلبة الجبارة التي لا تقهر، وهو يسحق ويفنى كل ما عداه من معادن أخرى، كما يشير إلى السيادة والتسلط. وقد رمز بالحديد هنا إلى المملكة الرومانية لقوتها الشديدة التي سحقت بها كل إمبراطوريات التي سبقتها. وقد قارن أحد الكتاب القدماء الإمبراطورية الرومانية بإمبراطوريات العالم العظيمة التي سبقتها، وقد برهن على أنّ الإمبراطورية الرومانية كانت أكثر قوة وأكثر سيادة من كل الممالك التي سبقتها. فقد سحقت هذه الإمبراطورية بغزواتها الكثيفة في أوربا وآسيا وأفريقيا وكسرت كل الأمم التي كانت ما تزال محتفظة بعناصر السلالات الآشورية البابلية والمادية الفارسية واليونانية الماضية. وقد عرفت الجيوش الرومانية بالجيوش الحديدية، واستخدم دانيال النبي كلمة" حديد" في وصف هذه الإمبراطورية 14 مرة. ومن ثمّ اعتقدت الكنيسة منذ فجرها بأنّ هذه الإمبراطورية هى الإمبراطورية الرومانية، وكان هذا هو رأى أقدم الآباء الذين وصلتنا كتاباتهم عن سفر دانيال؛ مثل القديس إيريناؤس

ص: 214

في القرن الثاني الميلادي والقديس هيبوليتوس في القرن الثالث والقديس جيروم في القرن الرابع وذهبي الفم في القرن الرابع أيضا (347 م- 403 م) ، ويقول أحد المفسّرين ويدعى جوزيف ميدى =Joseph Mede اعتقدت الكنيسة اليهودية قبل زمن مخلصنا أنّض الإمبراطورية الرابعة في سفر دانيال هي الإمبراطورية الرومانية، وهذا المعتقد تسلّمه تلاميذ الرسل وكل الكنيسة المسيحية لمدة 300 سنة".

ثم رأى نبوخذ نصر حجرا انقطع من جبل عظيم من غير قاطع، فضرب ذلك التمثال على قدميه اللتين هما من حديد وخزف، وكانت الضربة من القوة حتى أنه قد تفتت التمثال كلّه بذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وخزفه، وصار هشيما ورفاتا عصفت به الريح، فلم ير له أثرا، أما الحجر الذي هشّم التمثال فصار جبلا عظيما عاليا امتلأت منه الأرض كلّها.

ويرمز بالحجر هنا إلى دولة الإسلام التي اصطدمت في بداية توسعها بالدولة الرومانية التي بسطت سلطانها على المملكة الإغريقية، وبالدولة الفارسية التي بسطت سلطانها على مملكة بابل، وكانت ضربة الدولة الإسلامية لهما من القوّة حتى تلاشت الدولتان كعاصفة البيدر في الصيف.

وتتوسع الدولة الإسلامية على حساب هاتين المملكتين حتى تعمّ الأرض المعمورة بهما.. وتفسير دانيال للرؤيا صريح في أنّ الدولة الإسلامية هي التي سيقيمها الله تعالى محلّ هذه الممالك والدول، وهي دولة باقية ودائمة إلى يوم القيامة ولا تدع لغيرها سلطانا على الناس والأرض، ولذلك ختمت الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم تنبيها على قفل النبوّة، وإيذانا بأنه لا حكم إلا لشريعة الإسلام.. ولا ملك إلا لدولته.

يدّعي النصارى أنّ هذه النبوءة هي خاصة بالمسيح.. وينكر عليهم شيخ الإسلام

ص: 215

ابن تيمية نوّر الله قبره زعمهم السقيم ورأيهم الفطير قائلا في" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": " فهذا نعت محمد لا نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق جميع ملوك الأرض وأممها حتى امتلأت الأرض منه ومن أمته في مشارق الأرض ومغاربها وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود وزال ملك النصارى عن خيار الأرض وأوسطها. "

ونقول أيضا: إنّ طبيعة دعوة المسيح لا تسمح بالتحريض على تحطيم الامبراطورية الرومانية، فهي لم تدع إلى إقامة دولة أو إنشاء إمبراطورية، كما أنّ أناجيل النصارى لا تضمّ تصورا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا لدولة المسيح وشعبها.. بخلاف ما جاء في قرآن نبيي الإسلام صلى الله عليه وسلم وسنته من تفصيل لجميع نواحي الدولة التي تحكم بالوحي!

ولكن يصرّ القس" بسيط" على أنّ ما جاء في سفر دانيال هو بشارة ب" يسوع المخلّص" الذي ولد أيام الإمبراطورية الرومانية، والذي تبنّت هذه الإمبراطورية" ملّته" منذ القرن الرابع.

وأضاف قائلا: " وكانت الإمبراطورية الرومانية أكثر استمرارية من الإمبراطوريات التي سبقتها، فقد دامت واستمرّت 500 سنة كإمبراطورية موحّدة وغير منقسمة، سواء عند ما كانت وثنية أو بعد ما تحولت إلى المسيحية، واستمرت بقسميها الشرقي والغربي إلى سنة 1453 م عند ما استولى الأتراك على القسطنطينية، واستمر القسم الغربي المسيحي منها من خلال بقية دول أوربا حتى اليوم، وهذه الدول نقلت حضارتها وديانتها المسيحية وجزء كبير من شعبها إلى الأمريكتين واستراليا بعد اكتشافها، حتى صاروا كجزء منها، بل ونقلوا حضارتهم وديانتهم المسيحية إلى كل المسكونة. ولم تتوقف المسيحية عن الانتشار بظهور الإسلام حتى يمكن أن يقال أنه حل

ص: 216

محلها، بل العكس تمامّا (!!!) حيث ينضم إلى المسيحية في كل بلاد العالم، حاليا، مئات الألوف في اليوم الواحد، كما أن نسبة نمو المسيحية في العالم اليوم هي 9. 6، بما يعادل نسبة نمو السكان ثلاثة أضعاف. "

قلت:

لا يكذب المرء إلا من مهانته

أو عادة سوء أو من قلة أدب

لجيفة الكلب عندي خير رائحة

من كذبة المرء في جد وفي لعب

بعض أوجه الكذب في قول القس" بسيط":

بشارة النبي دانيال تشير إلى ملكوت جديد يحطم الممالك السابقة، ولا تذكر تحوّل الملكوت الرابع إلى ملكوت جديد، كما يزعم القس البسيط!

كيف تكون المملكة الأخيرة هي دولة الرومان، على زعم القس، وهي" تسحق وتبيد جميع هذه الممالك"، ومع ذلك يخبرنا" البسيط" في نفس الآن أنّ الأتراك (المسلمون) قد استولوا على الجانب الشرقي من هذه الإمبراطورية.. و" ليس للكذب أرجل"، كما يقول العامة عندنا!

جاء في البشارة الدانيالية أنّ المملكة الأخيرة" تخلد إلى الأبد". وهذا يمنع وصل مملكة الرومان بها، لأنها مملكة قد اندثرت، وصارت أثرا بعد عين، وما عاد أحد يطالب بإعادتها إلى الوجود.

زعم القس" البسيط" أنّ دول أوروبا وأمريكا واستراليا تمثّل دولة المسيح المخلّص.. يخالفه تبرّؤ هذه الدول من أن تكون دولا دينية، كما أنّ تبنّيها للمذهب البراغماتي يصادم دعوى" مستر سنبلستي".. وها هم رجال الدين في هذه البلاد ينعون على دولهم تنكّرها لمبادئ المسيح!!

ص: 217

- أشار الأب الكاثوليكي ريموند براون Raymond Brown في كتابه: " وفاة المسيّا =The death of Te Messiah ="ص ص 507- 508 إلى مجموعة اعتراضات تشكك في كون المسيح هو" ابن الإنسان":

* لم يسمّ أحد المسيح بهذا الاسم في الأناجيل.

* لم يفسّر المسيح عبارة: " ابن الإنسان".. قلت: لم ينسب المسيح نبوءة دانيال عن" ابن الإنسان" إلى نفسه.. رغم ادعاء الأناجيل أنّه كان يطلق على نفسه هذا الاسم!

* النصارى الأوائل لم يذكروا أنّ المسيح هو" ابن الانسان" في صلواتهم وعقائدهم.

* استهزئ بالمسيح وهو على الصليب بأنّه يدّعي أنه سيهدم الهيكل وأنه المسيح وأنه ابن الله.. ولم يستهزأ بادعائه أنّه" ابن الإنسان" الهادم للامبراطورية الرابعة!

المسيح نفسه قد ختم التراع، ورفع مبرر الاختلاف بقوله:" ليست مملكتي من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان حرّاسي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود.."(يوحنا 18: 36) وليس بعد هذا البيان، للمراء مجال!

ذكر ريموند براون في كتابه السابق ص 513 أنّ بولتمان Bultmann وهاهن Hahn وتودت Todt وفولر) Fuller وهم من كبار النقاد) قد ذهبوا إلى أنّ المسيح قد تحدث عن" ابن الإنسان" على أنّه شخصية تظهر بعده لتدين الناس.

ص: 218

- التغنّي بانتشار النصرانية، ومحاولة إيهام القارئ أنّ النصرانية أسرع انتشارا من الإسلام، يؤكدان" بساطة" القس" بسيط".. وقد نقلنا في أوّل هذا الكتاب الشهادة، من غير المسلمين، لسرعة انتشار الإسلام التي لا نظير لها في عالمنا. ومن الذين أكّدوا هذا الأمر البابا يوحنا بولس الثاني المتوفى في بداية هذا القرن والذي سيلقي ربّا عادلا، في كتابه "=Crossing The Threshold of Hope =تخطّي عتبة الأمل"(وهو في الأصل لقاء صحفي مع البابا) ، في فصل" أقلية عند سنة 2000". إذ لم يملك هذا البابا" الذكي" أن ينكر ملاحظة الصحفي" المؤدب" من أنّ المسلمين، ولأوّل مرة في التاريخ، سيصبحون سنة 2000 م (اللقاء الصحفي كان قبلها بسنوات) أكثر من الكاثوليك، وإن كان قد عقّب على هذه الحقيقة بقوله أنّ العبرة ب" الكيف" لا ب" الكم" (ولا أدري عن أيّ" كيف" يتحدّث وهو نفسه الذي صرّح في نفس الكتاب في فصل" محمّد" أنّ:" تديّن المسلمين يثير الاحترام. إنّه من المستحيل ألّا تعجب بإخلاصهم للصلاة. إنّ صورة المؤمنين بالله، وهم لا يبالون بالزمان أو المكان، وهم يركعون ويستغرقون بأنفسهم في الصلاة، يبقى نموذجا للمبتهلين إلى الإله الحق، خاصة لهؤلاء النصارى الذين، وقد هجروا كاتدرائيتهم البديعة، يصلّون نادرا أو لا يصلّون البتة"The religiosity of =.

Muslims deserves respect.It is impossible not to admire

for example ،their fidelity to prayer.The image of،

believers in Allah who، without caring about time or

place، fall to their knees and immerse themselves in

prayer remains a model for all those who invoke the true

God، in particular for those Christians who، having

deserted their magnificent cathedrals، pray only a little

or not at all! =)

ص: 219

الأدلة على أنّ دولة" الملكوت الأخير" هي دولة الإسلام تؤكدها أيضا الكتب الدينية اليهودية القديمة التي لا تعترف بها الكنيسة اليوم، فقد جاء مثلا في كتاب ديني قديم اكتشف سنة 1861 م في مدينة ميلانو الإيطالية داخل مكتبة، =Ambrosian Library =وتعود المخطوطة إلى القرن السادس ميلادي وهي باللغة اللاتينية عن أصل عبري أو آرامي ويرجح أنه تابع" للأسينيين"، واسمه" عهد موسى =The Testament of Moses ="وترفض الكنيسة الاعتراف بقانونيته، أنّ موسى أعطى لتابعه يوشع بن نون" كتابا قبل موته ينبىء بما سيحدث لليهود في العصور اللاحقة". وجاء فيه الحديث عن" خراب أول لليهود نتيجة فساد على يد ملك من الشرق حيث يحرق معبدهم العظيم ويسبيهم لبلاده. ثم يعيدهم الله للأرض الموعودة على يد ملك يرأف بهم ويعاد بناء الهيكل ويمدهم الله بالبنين والنفير. لكنّ الإسرائيليين يعودون لمعصية الله فيبعث عليهم ملكا من المغرب فيخرب بيت المقدس خرابا ثانيا ويحرق جزء من الهيكل المقدس. وهذا الخراب الثاني أشدّ من الخراب الأول. ثم تمر بعض الأحداث، ثم يظهر النبي المنتظر ومملكته الإلهية بعد 250 أسبوعا من وفاة موسى عليه السلام. "

يقول صاحب كتاب" محمد صلى الله عليه وسلم في الترجوم والتلمود والتوراة.." ص ص 32- 37 إنّه بالرجوع إلى توراة اليهود، نفهم أنّ:

الخراب الأول الذي حدث على يد ملك من الشرق لن يعدو خراب المملكة الإسرائيلية الشمالية على يد الملك الآشوري شلمناسر (ملوك ثاني 17) أو خراب مملكة يهوذا لجنوبية على يد نبوخذ نصر البابلي (ملوك ثاني 21) كلا الملكين من الشرق (شرق فلسطين لكن المرجح جدا هو الملك البابلي لأنّ تلك الحادثة أعظم وأشهد وهي التي خرب فيها الهيكل كما ذكرت النبوءة

ص: 220

نصف قرن حاسم فيما يتعلق بالديانات (تأليف كيث و. ستامب) نحن نلقى الضوء على أهم تطورات الأديان الكبرى فى العالم سنة 1934 م- 1984 م

العدد عام 1984 «2» العدد عام 1934 «1»

(1) المصدر: التقويم العالمى وكتاب الحقائق 1935 مجلة الحق الواضح

(2)

المصدر: التقويم والكتاب السنوى لمجلة «ريدرز دايجست» 1983.

ص: 221

الخراب الثاني هو الذي حدث على يد قياصرة الروم سنة 70 م طيطس وسنة 135 م القيصر هدريان وهما من ملوك الغرب كما ذكرت النبوءة.

حدد كتاب" عهد موسى"" الأسبوع" الذي يولد فيه النبي المنتظر، وهو بعد 250 أسبوعا من وفاة موسى. والأسبوع في اصطلاح أهل الكتاب أنفسهم هو" 7 سنين".

لا يعرف التاريخ الدقيق لموت موسى عليه السلام، لكنه، بعد حساب زمن موت رمسيس الثاني وزمن تيه بني إسرائيل، تكون وفاة موسى سنة 1183 ق م.

زمن ميلاد النبي المنتظر: 1183 ق م (أي سنة 1183 سلبا) 250 أسبوع (1750 سنة) - 1750- 1183- 567 (م) . وإذا أضفنا أسبوعا آخر (الأسبوع 251) ، 7 سنوات، لنحصّل المدة التي يظهر خلالها النبيّ المنتظر، تكون النتيجة أنّ النبي المنتظر سيظهر بين سنة 567 م وسنة 567 7- 574 م، وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم سنة 570 م!

أورد عبد الحق الإسلامي المغربي، وهو من أحبار اليهود الذين أسلموا، في كتابه" الحسام الممدود في الردّ على اليهود"- المؤلف عاش في القرن الثامن هجري- النص العبري لرؤيا دانيال فقال:" ورأيت عند سحائب السماء كإبن آدم طالع محمد هو، ووصل إلى الربّ الأزلي، وبين يديه تقرب". قال".. محمد هو

"!!!

ص: 222

بشارة" شيلون"

لما حضر يعقوب عليه السلام الموت، وصّى بنيه وباركهم، وتحدّث عن كلّ ولد، وقال عن بنيه جميعا في شخص يهوذا:" لا يزول صولجان الملك من يهوذا ولا مشترع من صلبه حق يأتي شيلوه فتطيعه الشعوب"(سفر التكوين 49: 10) .

النص الماسوري:

النص السامري:

الترجمة اليونانية:

ص: 223

الترجمة السريانية الشرقية:

حيّرت هذه البشارة اللاهوتيين النصارى واليهود على السواء، حتى جاء في كتاب" قاموس الكتاب المقدس"- الذي أعده" نخبة من الأساتذة واللاهوتيين" والصادر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، ط 2، بيروت 1971 م، ص 536:" وقد حار العلماء في تفسير شيلون (ويكتبونه أيضا" شيلوه") ، وفهم المقصود منها".. وهو ما وقع فيه أيضا الدكتور ج. هـ. هرتز Hertz.H.J.Dr زعيم الربيّين اليهود، فقد كتب في الصفحة 407 من تعليقه على التوراة أنّ تفسير هذه النبوءة، وخاصة المقطع العبري" عد كي يبو شيلوه" من الصعب فكّ معناه! ..

أما معجم الكتاب المقدس Dictionary ==Zondervan s Compact Bible ص 547 فقد قال في التعليق على هذه الكلمة: "

كلمة غامضة المعنى يعتبرها كثير من اليهود والمسيحيين إشارة إلى المسيّا"!!!؟

الحبر المهتدي عبد السلام- أسلم في عهد السلطان بايزيد الثاني- كانت ترجمته للنص هكذا: " لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من بين رجليه، حتى يجيء الذي له، وإليه تجتمع الشعوب. "

ص: 224

وقد قال في كتابه" الرسالة الهادية": " وفي هذه الآية دلالة على أن يجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد تمام حكم موسى وعيسى، لأنّ المراد من" الحاكم" هو موسى، لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى إلا موسى، والمراد ب" الراسم" هو عيسى لأنه بعد موسى إلى زمان عيسى ما جاء صاحب شريعة إلا محمد، فعلم أنّ المراد من قول يعقوب في آخر الأيام، هو نبينا محمد عليه السلام لأنه في آخر الزمان بعد مضي حكم" الحاكم" و" الراسم" ما جاء إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ويدل عليه أيضا قوله" حتى يجيء الذي له" أي" الذي له الحكم" بدلالة مساق الآية وسياقها، وأما قوله" وإليه تجتمع الشعوب" فهي علامة صريحة ودلالة واضحة على أنّ المراد منها هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه ما اجتمعت الشعوب إلا إليه وإنما لم يذكر" الزبور" لأنه لا أحكام فيه وداود النبي تابع لموسى والمراد من يعقوب هو صاحب" الأحكام".

وقد سار بهذا الاتجاه في فهم النص أيضا البحاثة محمد رضا أحد علماء اليهود الإيرانيين الذي أسلم سنة 1237 هـ في كتابه الذي يحمل اسم" منقول الرضائي" وقد كتبه بالعبرية ثم ترجمه إلى الفارسية علي بن حسين الحسيني الطهراني وسماه" إقامة الشهود في ردّ اليهود" وقد طبعت الترجمة طبعة حجرية والنص موضع البحث في الصفحة 132 منها-، والعلامة رحمة الله الكيرانوي.. وكذلك البحاثة محمد صادق فخر الإسلام أحد علماء النصارى الإيرانيين الذي أسلم في بداية القرن 14 هجري في كتابه" أنيس الأعلام في نصرة الإسلام" بالفارسية ج 5: 73- 76 طبع سنة 1354 هجرية شمسية.

ص: 225

وأشار القسيس المهتدي عبد الأحد داود إلى أنّ الكلمة العبرية" شيلوه"(شيلون) لم تتكرّر في العهد القديم. وأثار ثلاثة احتمالات للحروف الأربعة التي تتألف منها كلمة شيلوه" ش. ي. ل. هـ":

الاحتمال الأول: هو الاحتمال الذي تبناه مترجمو ال" بشيطتا" وهو ان الكلمة أصلها" شلو" وتعني" الذي تخصه"" الذي تعود له"، وحسب ذلك فإن معنى النبوءة سيظهر ببساطة ووضوح على النحو التالي:" أنّ الطابع الملكي المتنبيء لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب"

الاحتمال الثاني: وهو ان تقرأ" شلواه" التي تعني المسالم، الهادئ، الوديع، الموثوق. مشتقة من الفعل" شله".

الاحتمال الثالث: وهو أن يكون أحد الناسخين عن طريق السهو او الخطأ بانزلاق القلم قد فصل الجانب الايسر من الحرف الاخير" حاء" فتحول إلى الحرف" هاء" لان الحرفين متشابهان جدا مع فرق ضعيف في الجانب الايسر.

واذا ما نقل خطأ كهذا إلى المخطوط العبري، سواء عمدا او سهوا- فالكلمة عندئذ تكون مشتقة من" شلح" بمعنى" أرسل" ويكون اسم المفعول" شلوح" وتعني" المرسل، الرسول".

وبيّن بعد ذلك المصداق الواقعي لهذه النبوءة، بقوله:" وبالطبع لا جدال في أنّ كلا من اليهود والنصارى يؤمنون بأن هذه البركة احدى أبرز التنبوءات المسيحانية".

ويمكن طرح الحجة التالية لتأييد ان هذه النبوءة القديمة جدا قد تحققت حرفيا

ص: 226

وعمليا في" محمد صلى الله عليه وسلم فالتعابير المجازية مثل" الصولجان" و" المشرع" هناك إجماع بين المعلقين أو الشراح أن ذلك معناه السلطة الملكية والنبوة على التوالي.

تطبيق الاحتمال الأول: ولنحاول اتباع الاحتمال الاول ل" شيلوه" كما جاء في ترجمة" البشيطتا" وهو: " الشخص الذي تخصه". وهذا يعني عمليا" صاحب الصولجان والشريعة" او الذي يمتلك السلطة وحق التشريع وتخضع له الشعوب.

إذن من يكون هذا الامير القوي والمشرع العظيم

بالتأكيد ليس موسى، لانه كان اول منظّم لاسباط إسرائيل الاثني عشر، ولم يظهر قبله أي نبي أو ملك في سبط يهوذا؟

وحتما، ليس داود لأنه كان أول ملك نبي ينحدر من نسل يهوذا. ومن الواضح أنه ليس عيسى المسيح، لانه هو نفسه رفض الفكرة القائلة ان المسيح الذي كانت تنتظره اسرائيل كان احد ابناء داود: إنجيل متى 22: 44- 45، وإنجيل مرقس 12: 35- 37، وإنجيل لوقا 20: 41- 44. ولم يترك قانونا مكتوبا، كذلك فإن عيسى لم ينقض شريعة موسى بل أعلن بوضوح انه قدم لتحقيقها. كما أنه لم يكن آخر الانبياء، لأن بولس يتحدث بعده عن أنبياء عديدين في الكنيسة.

أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء بالقوة العسكرية، وحل القرآن محل الصولجان اليهودي القديم البالي والشريعة القديمة غير العملية، التي تقوم على الرهبنة الفاسدة. ونادى" محمد" بأنقى الاديان وهو توحيد الإله الحق، ووضع أفضل القواعد العملية والضوابط الأخلاقية والسلوكية للبشر.

تطبيق الاحتمال الثاني: والاحتمال الثاني: للكلمة أي أنها كانت" شلواه" أي" الهادئ المسالم، الأمين الوديع" فهو ذو أهمية مساوية لصالح محمد صلى الله عليه

ص: 227

وسلم.

ومن الحقائق المعروفة جيدا في تاريخ نبي بلاد العرب أنه قبل دعوته إلى الرسالة كان كثير الهدوء والمسالمة ومحلا للثقة. وكان أهل مكة يسمونه" محمد الأمين" وعند ما خلع عليه أهل مكة لقب الأمين هذا، لم تكن لديهم أدنى فكرة عن" شلواه".

اما بالنسبة للاحتمال الثالث أي أن تكون محرفة عن" شلوح" أي" الرسول أو المبعوث" وفي هذه الحالة فإنه يتطابق حتما مع اللقب العربي للنبي، والذي يتكرر كثيرا في القرآن وهو" الرسول" و" شلوح الوهيم" بالعبرية هي بالضبط" رسول الله" وهذه العبارة ترتل خمس مرات كل يوم عند ما يؤذن المؤذنون للصلاة فوق جميع المآذن في العالم.

والآن فمهما كانت وجهة النظر التي نحاول أن ندرس ونمحص فيها نبوءة يعقوب هذه، فإنا مضطرون بحكم تحققها في محمد صلى الله عليه وسلم أن نسلم بأن اليهود ينتظرون عبثا مجيء" شيلوه" آخر، وأن النصارى مصرون على خطئهم في الاعتقاد ان عيسى كان هو المقصود ب" شيلوه".

ويحدثنا الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه الفذ" الفصل في الملل والأهواء والنحل" أنه كان لليهود في الأندلس رئيس عليهم من نسل داود عليه السلام، وأنه لما قال ابن حزم لرأس الجالوت (رأس الجالوت: منصب يتعهد من تولاه بتنظيم شؤون اليهود) : إنّ الملك قد زال من اليهود، وبما أنه قد زال فإنّ النبي المنتظر قد جاء- لأنّ يعقوب عليه السلام تنبّأ عن مجيء" شيلون" إذ زال الملك من اليهود- قال رأس الجالوت: إنّ الملك إلى الآن لم يزل:

ص: 228

قال ابن حزم في قول يعقوب عليه السلام ليهوذا ابنه: " لا ينقطع من يهوذا المخصرة، ولا من نسله قائد، حتى يأتي المبعوث الذي هو رجاء الأمم"(سفر التكوين 49: 10) : " وقد قرّرت على هذا الفصل أعلمهم وأجدلهم وهو شموئيل بن يوسف اللاوي، الكاتب المعروف بابن النغرالي في سنة أربع وأربعمائة (ابن حزم توفي عام 456 هـ) . فقال لي: لم تزل رؤوس الجالوت ينتسلون من ولد داود وهم من بني يهوذا. وهي قيادة وملك ورياسة. فقلت: هذا خطأ، لأنّ رأس الجالوت لا ينفذ أمره على أحد من اليهود ولا من غيرهم"..

زعم القس عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ " ص 29- 44 أن الأمر كان شديد الوضوح بالنسبة لليهود ولنصارى، من أنّ هذه البشارة هي خاصة بالمسيح المنتظر. وأنّ موضوع البشارة" شيلوه" هو عند النصارى منذ القديم، " يسوع". وأنّه قد ظهر على الأرض مع زوال ملك اليهود سنة 6 م- 7 م!

ونقول:

ما نقلناه في بداية الحديث عن هذه البشارة يكذّب زعم القس" البسيط" أنّ اليهود كانوا على بيّنة لا يشوبها شك منها.

هذه النبوءة لا يمكن أن تتعلق بعيسى عليه السلام، ويكفي أن نذكر، كما نقل ذلك البحّاثة فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار المقدسة العالمية =Muhammad in World Scriptures =هامش ص 161، أنّ المؤرخين النصارى الأوائل ما زعموا انطباق هذه النبوءة على عيسى عليه السلام.. وإنما ظهر هذا الزعم بين النصارى منذ سنة 1538.. وقد دخل بعد ذلك في الكتاب المقدس

ص: 229

الألماني =Sebastian Munsters German Bible =الذي رفضه جلّ النقاد النصارى ومنهم أسقف وستمنستر!!!؟

فالنبوءة عند النصارى تتلوّن" بتلوّن" الأمزجة، وتتغيّر بتغيّر الأزمنة، وتتبدلّ بتبدّل الأقنعة!!

يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن

وإن لاقيت معدّيا فعدناني

من المعلوم أنّ عيسى ما كانت له سلطة دنيوية في زمانه، فهو أبعد الأنبياء عن هذه النبوءة الشيلونية.

إنّ الأناجيل التي كرّرت في أكثر من مرّة، ودون داع، أنّ عيسى هو موعود التوراة، ما أشارت إلى كون" يسوع" هو" شيلون".. فكيف يدرك الأحفاد المتأخرون ما لم يدركه الأصحاب الذين وصلوا مباشرة بالروح القدس، والذين نقلوا بأمانة (!!!) أخبار يسوع الكنيسة!!

هل غفل الروح القدس عن إعلام النصارى وعلى رأسهم البابا المعصوم بالحقيقة المخفية لهذه البشارة الخلاصية في القرون الميلادية الأولى؟!!

من الكذب الصريح، الزعم أنّ اليهود قد فقدوا سلطانهم الأرضي (السياسي) في التاريخ الذي ادّعاه القس البسيط.. لأنّ الرومان هم الذي كانوا يحكمون القدس في ذاك الزمان وإن منحوا اليهود بعض السلطات التي لا تخرجهم عن كونهم تابعين للرومان، وكذاك كان حالهم بين المسلمين.

ظاهر أنّ هذا" الشيلوه" سيكون صاحب سلطان مادي وصولجان أرضي مخضع لشعوب الأرض، وهو ما فهمه أيضا فريق من اليهود (وقد أفرط القس" البسيط" في الاستسهاد بتفسيراتهم!!؟) .. فقد جاء مثلا في ترجوم ":Yerushalymi لن

ص: 230

يتوقف الملوك من بيت يهوذا

حتى مجئ الملك المسيّا

الذي ستخضع له كل سيادات الأرض". وهو ما لم ينله يسوع المسيح الكنسي صاحب الملكوت السماوي!

ص: 231

" الحجر الذي رفضه البنّاؤون"

تحدّث عيسى عليه السلام عن انتقال" ملكوت الله" من بني إسرائيل إلى غيرهم من خلال ما جاء في سفر التكوين 21: 13- 18، فقال واصفا هذا" الغير" بما جاء في سفر التكوين بأنه" الحجر الذي رفضه البنّاؤون".. قال في إنجيل متّى 21: 33- 46:

" اسمعوا مثلا آخر: غرس إنسان ربّ بيت كرما، وأقام حوله سياجا، وحفر فيه معصرة، وبنى فيه برج حراسة. ثمّ سلّم الكرم إلى مزارعين وسافر.

ولمّا حان أوان القطاف، أرسل عبيده إلى المزارعين ليتسلم ثمر الكرم.

فقبض المزارعون على العبيد، فضربوا أحدهم، وقتلوا غيره، ورجموا الآخر بالحجارة.

ثمّ أرسل ربّ البيت ثانية عبيدا آخرين أكثر عددا من الأوّلين. ففعل المزارعون بهؤلاء ما فعلوه بأولئك.

وأخيرا أرسل إليهم ابنه، قائلا: سيهابون ابني!

فما إن رأى المزارعون الابن حتّى قال بعضهم لبعض:

هذا هو الوريث! تعالوا نقتله فنستولي على ميراثه.

ثمّ قبضوا عليه، وطرحوه خارج الكرم، وقتلوه!

فعندما يعود ربّ الكرم، ماذا يفعل بأولئك المزارعين؟ "

أجابوه: «أولئك الأشرار، يهلكهم شرّ هلاك. ثمّ يسلم الكرم إلى مزارعين آخرين يؤدّون له الثمر في أوانه. "

ص: 232

فقال لهم يسوع: «ألم تقرأوا في الكتاب: الحجر الذي رفضه البناة، هو نفسه صار حجر الزاوية الأساسي. من الربّ كان هذا، وهو عجيب في أنظارنا

لذلك أقول لكم: إنّ ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره.

فأيّ من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا! "

ولمّا سمع رؤساء الكهنة والفريسيّون المثلين اللّذين ضربهما يسوع، أدركوا أنّه كان يعنيهم هم.

" ومع أنّهم كانوا يسعون إلى القبض عليه، فقد كانوا خائفين من الجموع لأنّهم كانوا يعتبرونه نبيّا".

وقد ورد ذكر هذا" الحجر المرفوض" أيضا في:

مزمور 118: 21- 22: " أشكرك لأنّك استجبت لي وصرت لي مخلصا. الحجر الذي رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية. "

إشعياء 8: 14: " فيكون لكم مقدسا. أمّا لبيتي إسرائيل، فيكون حجر صدمة وصخرة عثرة، وفخّا وشركا لساكني أورشليم. "

يزعم النصارى أنّ" الحجر الذي رفضه البنّاؤون" هو" يسوع الناصري"، لكنّهم يتخبّطون للوصول إلى مرادهم من خلال هذا المثل، إذ يفسّرونه على غير ما تقتضيه قواعد فهم النصوص، نازعين منه غاية معناه وهو البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته من ورائه.

ص: 233

إنّ رموز هذا المثل ناطقة بحقيقة المعنى الصادق ولكنّ من استوطن قلبه التعصّب للمواريث النصرانية يتأبّى على الفهم السليم ويستعصي على إسلام روحه للدليل.

إنّ الرموز واضحة ناطقة بالحقيقة:

ربّ البيت: ربّ الأرض والسماء.

غرس الكرم: توضيح العقائد وإنزال الشرائع.

الكرّامون: بنو إسرائيل.

الثمر: العمل الصالح النابع من الاعتقاد السليم.

السياج والمعصرة والبرج: الأوامر والنواهي ورعاية الله لهذا الشعب.

العبيد: أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام.

سافر: تركهم فترة ليرى مدى تمسّكهم بعقيدة التوحيد والتزامهم بشريعة الله.

يأخذ أثماره: طالبهم بالالتزام.

جلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بها: أي فعلوا ذلك بالأنبياء.

عبيدا آخرين: أنبياء آخرين فعلوا بهم ما فعلوه بالأنبياء السابقين.

أرسل ابنه: كلمة" الابن" مدسوسة، والدليل ورود نفس المثل في إنجيل برنابا الفصل 46 ص 72 ترجمة الدكتور خليل سعاده، دون ذكر كلمة" الابن".

ومن الواضح أنّ المقصود بهذه الكلمة" عيسى بن مريم" عليهما السلام، ولن نناقش هنا كيف أدخلت كلمة" الابن" في الأناجيل. والحمد الله على أنّ محرّف أقوال المسيح

ص: 234

لم يفرط في تغيير الصورة الأصلية لهذا المثل، فلم يفسد معناه، وبقيت البشارة فيه واضحة صريحة.

كرّامون آخرون: أمّة أخرى غير أمّة بني إسرائيل.

يعطونه الأثمار: يلتزمون بعقيدة التوحيد والشريعة الإلهية، ويحملون هذه الدعوة إلى جميع الناس.

الحجر المرفوض: رجل من نسل إسماعيل الذي لم يخرج من عقبه نبي (وقد خرج من نسل أخيه إسحاق عدد كبير جدا من الأنبياء والرسل)، وقد جاءت البشارة لإسماعيل بالمباركة في نسله في سفر التكوين 17: 20، ومعلوم أنّ هذه المباركة لا تكون بنسل (أمم) كافر وإنما بنسل ملتزم بدعوة الله سبحانه، ومما لا بدّ منه في هذه الصورة هو خروج نبي يهدي قومه- من نسل إسماعيل- إلى دين الله الحق: دين التوحيد، ملّة إبراهيم الخليل عليه السلام.

حجر الزاوية الأساسي: أهم لبنات البناء: أعظم الأنبياء.

ملكوت الله: الملك الأرضي الذي يحكم بما أنزل الله من شرع.

هو عجيب في أنظارنا: أهل الملكوت ما كانوا يتصوّرون انتقال الملكوت منهم إلى غيرهم.

الأصل اليوناني لكلمة" عجيب" هو" ثوماستوا =Thaumastoa ="ومن معاني هذه الكلمة كما هو في معجم ":Lexicon ==The KJV New Testament Greek: مستحق الحمد"!!

من يقع على هذا الحجر يتكسّر: يحاول أعداء النبي الموعود اغتياله لكنهم يفشلون، وتتهشّم محاولاتهم على صخرة عصمة الله لدمه.

ص: 235

من يقع عليه الحجر يسحقه سحقا: إذا توجّه هذا النبي وأتباعه لغزو قوم، هزموهم وحطّموا دولتهم وسحقوا إفكهم.

هذه الرموز ناطقة بالحقيقة، مصرّحة بصورة ليس فيها التباس أنّ هذا المثل هو بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبأمّته، وما هو بحديث من عيسى عليه السلام عن نفسه.

أمّا أنّ هذا المثل ما هو إلا بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنّ شخوصه وأحداثه، تفاصيلها وتسلسلها، يكشفان أنّ الحديث هو عن خاتم النبيّين وأمّته، مما يجعل كلّ زعم مخالف لذلك مجرّد لغو وافتراء على هذا المثل الإنجيلي.

الشرح الواقعي لمثل" المزارعين القتلة":

أرسل الله سبحانه (ربّ البيت) إلى بني إسرائيل (المزارعين) أنبياءه (عبيده) بالشرائع والعقائد وطالبهم بالالتزام بها (لأخذ أثماره) ، لكنّ بني إسرائيل (المزارعون..

القتلة) قبضوا على هؤلاء الأنبياء (العبيد) فضربوا البعض وقتلوا البعض ورجموا البعض الآخر بالحجارة. ثم أرسل الله سبحانه (ربّ البيت) أنبياء آخرين (عبيدا آخرين) إلى بني إسرائيل (المزارعين) ففعل بهم بنو إسرائيل ما فعلوا بالسابقين. وأخيرا أرسل الله نبيّه الحبيب عيسى (إبنه!) وأيّده بالمعجزات الباهرة التي تؤكد صلته بالله سبحانه مما من شأنه أن يكبح جماح الترعة الدموية عند بني إسرائيل (قائلا: سيهابون إبني) لكنّ بني إسرائيل لم يترددوا في استئناف إشباع نهمتهم المرضية لسفك دماء الأنبياء قائلين لبعضهم: هذا هو المسيح، وقد ظنوا بعد تحريفهم لصفات هذا المسيح أنه سيكون صاحب سلطة دنيوية تخضع له بسببها الشعوب (هذا هو الوريث) تآمروا فيما بينهم لقتله (تتناقض الأناجيل في هذه النقطة، ففي إنجيل متّى 21: 39 وإنجيل لوقا 20: 15 جاء أنّ المزارعين قد أخذوا الإبن خارج" الكرم" ثم قتلوه، في حين

ص: 236

جاء في إنجيل مرقس 12: 8 أنّ المزارعين قد قتلوا الابن ثمّ أخذوه خارج" الكرم"

) وظنوا أنهم قتلوه.

يزعم المثل قتل" الابن".. وهذا تحريف للصورة الأصلية لهذا المثل. وقد جاء ذكر هذا المثل في إنجيل توما والذي هو أقدم تأليفا من جميع هذه الأناجيل الأربعة بصورة غير مطابقة لما جاء في إنجيل متّى، وهذا ما يرفع عصمة النقل الحرفي عن إنجيل متّى لهذا المثل-

بعد ذلك منح الله السلطة الدينية والدنيوية (دولة تحكم بشرع الله)(ملكوت الله) لنبي يبعث من نسل إسماعيل (الحجر الذي رفضه البنّاؤون) لينشر الحق في الأرض ومن بعده تتولّى أمته تنفيذ هذه المهمة وآداء الرسالة (شعب يؤدي ثمره) ومن يحاول أن يغتال نبي الإسلام يفشل في ذلك (من يقع على هذا الحجر يتكسّر) ومعلوم من دراسة سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم أنّه قد تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة، وجاءته من الله طمأنة له أنّ أحدا لا يستطيع قتله في قوله سبحانه" والله يعصمك من النّاس" (سورة المائدة 67) - وقد أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت" والله يعصمك من الناس" فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. قال الحاكم في المستدرك: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه- وإذا أراد هذا النبي الكريم، وأمّته من بعده ما استقامت على قرآنه وسنّته، سحق طائفة من أهل الباطل فهم قادرون على ذلك، بإذن الله (ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا) .

وللأمانة نقول أنّ العدد 44 من الفصل 21 من إنجيل متّى مضاف مزيّد في النص النصّ، لا أصل له في أقدم المخطوطات، ومنها it 33 D: ولذلك حذف من أهم

ص: 237

التراجم الحديثة للكتاب المقدّس كترجمة" ندوة عيسى"" المسماة" ترجمة النقاد =Scholars Version =و" الترجمة القياسية المراجعة.Standard Version ==The Revised "وجاء في هامش ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد ": =The New American Bible =جلّ الشواهد النصيّة أسقطت هذا النص، وهو ربما إضافة مبكّرة في إنجيل متّى من إنجيل لوقا 20:18.."..

وعلى كلّ حال فهذا العدد" فأيّ من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا" موجود في إنجيل لوقا 20: 18 في نفس المثل" مثل المزارعين القتلة": " من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا". فلا إشكال في الاستشهاد به لتفسير هذه النبوءة..

لكن، يزعم النصارى أنّ هذا المثل يشير في خاتمته إلى عيسى عليه السلام أو يسوع على حد تعبيرهم الباطل تاريخيا- إذ أنّ عيسى هو حجر الزاوية، الذي رفضه البنّاؤون، من يقع عليه يتكسّر، ومن يقع هو عليه يسحقه، سحقا معنويا بخسارة أرباحه الدنيوية وتجارته الدينية.

هذا الزعم الكنسي باطل، مخالف لمعنى المثل، ونحن نرفضه لأسباب عدّة منها:

خاطب عيسى بني إسرائيل قائلا لهم: " إنّ ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره".. ومعلوم أنّ عيسى إسرائيلي (من بني إسرائيل: متّى 15: 24، يوحنا 4: 9، متّى 10: 5- 7، متّى 15:

26) وخطابه لقومه (بني إسرائيل) يعني صراحة أنّ من سيسلّمون" ملكوت الله" هم أمّة أخرى غير بني إسرائيل، وبالتالي يخرج هذا المثل في خاتمته عن أن يكون بشارة بعيسى عليه السلام لأن عيسى ليس" من غير بني إسرائيل"، أي أنه ليس من الأمة الموعودة باستلام الملكوت.

ص: 238

- جليّ أنّ" الابن" الذي هو عيسى قد جاء قبل الشعب الأخير الذي" يعمل أثماره"، ومعلوم أنّ الشعب الأول الذي منه" الابن" هو" بني إسرائيل". فالبشارة إذن بأمة أخرى غير بني إسرائيل وبنبي آخر يظهر بعد محاولة قتل" الابن".

يقول داود عليه السلام في المزمور 118: 22- 23: " الحجر الذي رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية. من لدى الربّ كان هذا وهو مدهش في أعيننا". فلو كان" الحجر" رأس الزاوية" هو عيسى لما كان هذا الأمر مثيرا للدهشة المذكورة في المزمور إذ أن بني إسرائيل قوم بعثت إليهم أعداد كثيرة من الأنبياء، وإنما الدهشة تكون من نبي آخر الزمان الذي تقفل بعده النبوّات، ويكون من النسل" المنسيّ": من نسل إسماعيل!

" من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا! ". وقوع الحجر كما هو ظاهر من التراجم الانجليزية للكتاب المقدس خاصة، يعني إعلان الحرب أو الصراع وما يترتب على ذلك من هزيمة وانكسار.. انظر مثلا: سفر القضاة 15: 12، سفر التكوين 43: 18، سفر الخروج 5:3..

لا تصحّ نسبة هذا الأمر إلى عيسى الذي كاد اليهود والرومان أن يقتلوه (وهو قد قتل عند النصارى الذين ألهوه!!؟) لولا معجزة إلهية انتشلته من بين أيديهم.

وعيسى أيضا هو الذي قال في إنجيل يوحنا 12: 47: " وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم".. أما نبي الإسلام فقد حطّم صلوات الله عليه وسلّم وأمّته من بعده الامبراطورية الفارسية العريقة وحجّموا الامبراطورية الرومانية المترامية الأطراف. لقد كان مدّ الإسلام عاتيا انهدّت أمامه القلاع وتهاوت الجبال الرواسي مع أوّل قعقعاته.

ص: 239

إنّ النصارى يعتقدون أنّ اليهود قد وقعوا على عيسى فحطّموه (قتلوه) ، فكيف ينسبون هذه البشارة إلى كونها حديثا عن انتصار المسيح على أعدائه.

وأخيرا تأمل هذا الحديث النبوي الشريف من لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: " مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا، فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت هاهنا لبنة، فيتم بنيانك، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: " فكنت أنا اللبنة" (أخرجه البخاري ومسلم) .

أظنّ أننا قد وصلنا الآن إلى خاتمة الشبهات الكليّة (لا التفصيلية المتعلقة بكلّ بشارة على حده وهو ما سنعرض له في ما سيأتي إن شاء الله!) وأخرسنا بحمد الله وساوس النصارى وشبهاتهم حول حقيقة البشارة بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه في ما يسمّى" الكتاب المقدس" وأصبح الأمر واضحا لكلّ ذي عينين.. وما للمحادين للنور إلا الكيد والمكر وإثارة غبار الشبهات وإذكاء نار الشهوات.

ما عندهم عند التناظر حجّة

أنّى بها لمقلّد حيران

لا يفزعون إلى الدليل وإنما

في العجز مفزعهم إلى" الشيطان"!

ص: 240

بشارات من" الكتاب المقدس"

ابن وجه قول الحقّ في صدر سامع

ودعه، فنور الحقّ يسري ويشرق

ص: 241

نعرض بين يديك باقة منتقاة ونخبة مجتباة من بشارات الأنبياء الأوائل عليهم السلام، ببعثة سيّد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، علما أنّنا لم نستوعب كلّ البشارات لكي لا نثقل على القارئ:

ص: 242

" أحمد" جاء في سفر حجّي 2: 7: " ويأتي مشتهى كلّ الأمم".

بعد قرنين من الزمان، وبعد أن سقطت مملكة إسرائيل الوثنية الجاحدة، وبعد أن تمّ نفي جميع الأهالي من القبائل العشرة إلى بلاد الآشوريين وقام الكلدانيون بتدمير القدس وتدمير هيكل سليمان تدميرا كاملا، ونجاة البقية المتبقية من أبناء يهوذا وبنيامين من الذبح فقد نقلوا إلى بلاد بابل، وبعد مدة سبعين سنّة من النفي، سمح لليهود بالعودة إلى بلادهم، مع منحهم الصلاحية الكاملة لإعادة بناء مدينتهم المحطمة وهيكلهم. وعند ما وضعت الأساسات لبناء بيت الربّ الجديد، قامت صيحات من الصخب والفرح والتهليل بين المجتمعين من اليهود، بينما قام الكبار من الشيوخ والنساء الذين شاهدوا من قبل هيكل سليمان الراسخ، بالعويل والبكاء المرير، وخلال تلك الفرصة النادرة أرسل الله خادمه النبي" حجّي" ليسرّي عن هؤلاء المحزونين ومعه هذه الرسالة الهامة:

" ولسوف أزلزل كلّ الأمم، وسوف يأتي" حمدا" لكل الأمم، وسوف أملأ هذا البيت بالمجد، كذلك قال ربّ الجنود، ولي الفضة، ولي الذهب، هكذا يقول ربّ الجنود، وإنّ مجد ذلك البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، هكذا يقول ربّ الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام، هكذا يقول ربّ الجنود".

قبل أن نمضي في تفسير هذه النبوءة، لا بدّ أن نشير إلى اختلاف تراجم الكتاب المقدس في عبارة" ويأتي مشتهى كلّ الأمم" فقد جاء هذا المقطع على هذه الصيغة في تراجم كثيرة:

ص: 243

" الترجمة العالمية الحديثة"

:The New International Version

= and the desired of all nations will come=

والترجمة التقليدية" ترجمة الملك جيمس =and the desire of all nations =:The King James Version =وهو أيضا ما جاء في ترجمة" داربي

The Darby Translation

= And the desire of all te nation shall come=

وترجمة" يونغ":

:Youngs Translation

the desire of all the nations and they have come

لكنّ تراجم انجليزية أخرى ك" الترجمة القياسية والمراجعة، Revised standard version ==The "والترجمة الكاثوليكية" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد، =The New American Bible ="تقول تقريبا نفس ما جاء في الترجمة العربية للكتاب المقدس" كتاب الحياة" سفر حجي 2: 7: " فتجلب نفائسها إلى نفس المكان".

كما ترى، اضطرب مترجمو الكتاب المقدس إلى الإنجليزية في ضبط هذه العبارة

ص: 244

في لغة القوم. ومما لا شكّ فيه أنّ هذا الاضطراب والعجز يعودان إلى إهمال هؤلاء الباحثين ضبط النصّ على وجهه السليم.. ولو أنهم عقلوا وتدبّروا لما ساحوا في بيداء هذه المعاني التي يخترعونها كلّما أرادوا إصلاح ترجماتهم المحرّفة.. زعموا إصلاحا وما بلغوه لأنهم لم يسلكوا طريقه!

والحق في هذه المسألة هو ما ذكره عبد الأحد داود في كتابه" محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس" ص ص 51- 54 (بتصرف) .. إذ يقول مؤكدا أنّ ما جاء في سفر حجّي ما هو إلا نبوءة عن مقدم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم" أحمد":

لنأخذ كلمة" حمدا"(وهي الأصل العبري لكلمة" مشتهى" الموجودة في النص الذي بين أيدينا) ، ولعلّي لست مخطئا، فإنها تقرأ باللغة العبرية الأصلية هكذا" في يافو حمداث كول هاجوييم" والتي تعني حرفيا:" وسوف يأتي حمدا لكل الأمم". والحرفان" ها" في اللغة العبرية يقابلهما في اللغة العربية" ال" للتعريف، أو" ل" عند ما تكون في حالة الجرّ، والكلمة مأخوذة من اللغة العبرية القديمة أو لعلها الآرامية وفي الأصل" حمد" بالحرف الساكن، ويلفظ بدون التسكين" حمد". وفي اللغة العبرية" حمد" تستعمل عادة لتعني" الأمنية الكبيرة" أو" المشتهى" أو" الشهية" أو" الشائق". وقد جاء في الوصية التاسعة من الوصايا العشر" لو تاهمود إيش رايخا" ومعناها" لا تشته زوجة جارك" وفي اللغة العبرية يأتي الفاعل" حميدا" من نفس الحرف الساكن" حمد" ومعناها" الحمد" وهكذا..

وهل هناك شيء أكثر من المدح أو حسن الأحدوثة يتوق إليه البشر ويشتهيه الإنسان أو يرغب فيه؟

وأيّا من المعنيين تختار، فإنّ الحقيقة الناصعة تبقى بأنّ كلمة" أحمد" هي الصيغة

ص: 245

العربية لكلمة" حمدا" وهذا التفسير هو تفسير قاطع لا مراء فيه ولا شكّ.

إنّ القرابة، والعلاقة والتشابه بين هذين التعبيرين" حمدا" و" أحمد" وكذلك التشابه في الأصل ل" ح م د" الذي اشتق الاسم منهما، لا يترك أدنى جزء من الشك بأنّ المفهوم من الجملة" وسوف يأتي حمدا لكلّ الأمم" إنما هو" أحمد" أي" محمد" ولا توجد أدنى صلة في أصل الألفاظ ولا في تعليلها بين كلمة" حمد" وبين الاسماء الأخرى مثل" يسوع" أو المسيح أو المخلّص، حتى ولا في أيّة ناحية من توافق الأصوات أو التشابه بينها.

أما فيما يتعلّق بكلمة" شالوم" فإنّ أي عالم في السامية يعرف تماما أنّ" شالوم" و" إسلام" هما كلمتان مشتقتان من أصل واحد، وتعنيان نفس المعنى، وهو السلام والإذعان والاستسلام.

إذا أخذنا هذه النبوءة بالصيغة التجريدية لكلمتي" حمدا" و" شالوم" على أنهما" الأمنية" و" السلام"، فحينئذ تصبح تلك النبوءة بلا معنى. "

قلت: ذكر جودفري هجيتر Godfrey Higgins في كتابه الهام في الآثار =Anacalypsis ==ص 679 أنّ كلمة" حمد" هي بشارة صريحة باسم نبي الإسلام، ونقل عن باركهرست Parkhurst قوله:" مدّعي النبوّة" محمد" أخذ اسمه من هذه الكلمة". وهذا اعتراف صريح من رجل كافر بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بأنّ هذه الكلمة الواردة في سفر حجّي ما هي إلا اسم نبي الإسلام، ولا يلتفت قطعا إلى هذره في قوله إنّ نبي الإسلام قد" اقتبس" اسمه من هذه النبوءة! إذ لا حجّة له وإنما دفعه يقينه بحقيقة هذه البشارة إلى ردّها بهذا الاعتراض الأجوف، الذي ولد مخنوقا!!

ص: 246

يعترض النصارى على هذه النبوءة، بزعمهم أنها تشير إلى الهيكل الذي سيتمجّد عند ظهور المسيح الذي سيدخله. وهذا الاعتراض باطل لا يصح، وهش لا يثبت، لعدم وجود الإشارة إلى المسيح في هذا النص، في حين أنّه قد جاء ذكر اسم نبي الإسلام فيه تصريحا لا تلميحا، فزعم النصارى إسقاط لوهم سابق على نص حجّي النبي!

ص: 247

" محمّد" درج اليهود على الكتابة بالأرقام، خاصة عند ما يريدون" تشفير" الأمور المهمة والتي يخشى من الأعداء أن يعلموها أو يبدوها.. فكانوا يحوّلون الكلام إلى أرقام، وقد يقوم الكتّاب بعد ذلك بتحويل تلك الأرقام إلى كلام ثان يشترك مع الأوّل في مجموع محصّلة أرقام الحروف.. ويعرف حساب هذه الأعداد بحساب الجمّل.

وصل الاهتمام بهذا الحساب إلى النصارى أيضا.. من ذلك قول وليم أدي الأمريكي في تعليقه على سفر الرؤيا 3: 8: " ستمائة، وستة، وستون في الأصل اليوناني ثلاث أحرف معناها: ست مئة وستة وستون وليست هذه الأحرف كلّها تفيد معنى. بل كلّ منها يشير إلى عدد. فالحرف الأول من اليسار إلى اليمين يشير إلى ستمائة، والحرف الثاني إلى ستيين، والحرف الثالث إلى ستة. والثلاثة معا تشير إلى 666. ولا يخفى أنّ الأرقام الهندية المستعملة اليوم في الحساب هي من القرن الرابع عشر، وكان القدماء يكتبون الأعداد بألفاظ. أو يعبرون عنها بالأحرف الهجائية. "

اعترف الكثير من الأحبار والربّانيين من الذين أسلموا بأنّ اسم نبي الإسلام" محمد" صلى الله عليه وسلم قد ورد في التوراة بحساب الجمّل في عبارة" بماد ماد" وعبارة" لجوي جدول":

قال شموئيل بن يهوذا بن أيوب، المتوفّى عام 570- وهو من اليهود العبرانيين الذين أسلموا- ما نصّه:" الإشارة إلى اسمه صلى الله عليه وسلم في التوراة: قال الله تعالى في الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة مخاطبا إبراهيم عليه السلام: " وأما في إسماعيل فقد قبلت دعاءك. قد باركت فيه. وأثمره. وأكثره جدا جدا" ذلك قوله: " وليشماعيل شمعتيخا هنى بيراختي أوثو وهفريتي أوثو وهربيتي بماد ماد" فهذه الكلمة" بماد ماد" إذا عددنا حساب حروفها بالجمّل وجدناه اثنين

ص: 248

وتسعين. وذلك عدد حروف" محمد" صلى الله عليه وسلم، فإنّه أيضا اثنان وتسعون. " (بذل المجهود في إفحام اليهود ص 34- 35) .

قال بنفس القول السابق الحبر المهتدي عبد السلام، الذي أسلم في زمن السلطان بايزيد خان، وصنّف رسالة صغيرة سمّاها بالرسالة الهادية. وأضاف عن يهود عصره:" واعترضوا على هذا الدليل بأنّ الباء في" بماد ماد" ليست من نفس الكلمة. بل هي أداة وحرف جيء به للصلة (حرف جرّ) ، فلو أخرج منه اسم محمد لاحتاج إلى باء ثانية ويقال" بماد ماد" قلنا: من المشهور عندهم: إذا اجتمع الباءان أحدهما أداة والآخر من نفس الكلمة تحذف الأداة وتبقى التي هي من نفس الكلمة.

وهذا شائع عندهم في مواضع غير معدودة فلا حاجة إلى إيرادها. "

قال الإمام ابن القيم في كتابه: " جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام" ص ص 89- 90: " ورأيت في بعض شروح التوراة ما حكايته بعد هذا المتن، قال الشارح: هذان الحرفان في موضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لأنّك إذا اعتبرت حروف اسم محمد وجدتها في الحرفين المذكورين لأنّ ميمي محمد وهي الحاء ودالة بإزاء بقية الحرفين وهي الباء، والألفان والدال الثانية. "

جاء في كتاب" ثورة الإسلام وبطل الأنبياء" لمحمد لطفي جمعة ص 319- 320: " في 21 أغسطس سنة 1933 م نشر العالم المحقق المرحوم أحمد زكي باشا المشهور بتدقيقه وسعة إطلاعه قبل وفاته بعام (4 يوليو سنة 1934 م) في جريدة البلاغ أنّه استطاع أن يصل إلى نسخة قديمة من التوراة ذكر فيها اسم محمد رسول الله، وروى أن شلبي السامري من طائفة" السمرة" (قلت: يقصد اليهود السامرين) عنده نسخة من التوراة منقولة عن أقدم نسخة من التوراة تحتفظ بها طائفة السامريين المتوطنة في مدينة نابلس، فاشتراها المرحوم نور الدين بك مصطفى، وأن زكي باشا ذهب إلى جبل جرزيم بنابلس في

ص: 249

سنة 1922 واجتمع بشلبي سامري، وبكبير كهنة الطائفة اسحاق بن عمران، وهي التي أشار إليها أحمد باشا. وقد رآها شاهد عيان، ووصفها بأنّها مجلّد يحتوي 615 صفحة من قطع الورق الصغير، وأنّ الله أمر الناس بالعمل بها، ولم يبق من يعمل بها إلى اليوم سواهم وأنّهم وحدهم على الحق، أما غيرهم فعلى خلاف ذلك، وهم في نظرهم أجناس ومنبوذون. فالسامريون لا يتناولون منهم شيئا إلا الماء.

وفي الصفحة الأخيرة من هذا المجلد ما يأتي:

" كان النجاز من كتابت (قلت: هكذا وردت دون تاء مربوطة) هذه التوراة المقدّسة في نهار الأحد الموافق إلى أربعة خلت من شهر صفر الخير من شهور سنة 1320 عربية الذي هو الشهر الثاني عندنا الموافق إلى خمسة عشر من الخماسين المفروض عددهم على بني إسرائيل. على يد عبده وابن عبده: اسحق ابن عمران بن سلامة بن غزال بن اسحق بن إبراهيم هكهن (كاهن) هلوى بشكم (قلت: نابلس التي هي شكيم) عفى الله عنه، وغفر له، ولمن علمه. آمين، وسلام الله على من هو سيد الأوّلين والآخرين (قلت:

يقصد موسى عليه السلام . آمين آمين. "

وكلّ صفحات الكتاب مكتوبة بلغة عربية، وقد تخللتها كتابات باللغة السامرية.

ومن هذه العبارات جملة من الاصحاح السابع عشر، أي في الصفحة ال 39 من الكتاب.

وقد كتب الكاهن السامري الأعظم بخطّ يده على هامشها عبارات رتّبها كما يأتي:

بماد ماد أي محمد أي جدا جدا لجوى جدول 400 3 4 أي شعب عظيما

ص: 250

أي محمد

92 ثم وضع في ذيلها الجملة الآتية:

" انظر يا زكي. كيف أنّ الله في كلمة من كلامه تعالى فيها أسرار مدموجة، وآيات عظيمة؟ حرره العبد الفقير اسحق الكاهن السامري".

ص: 251

المقبل من" فاران"

قال موسى عليه السلام في آخر وصاياه حين موته: " أقبل الربّ من سيناء، وأشرق عليهم من سعير، وتألّق في جبل فاران.

جاء محاطا بعشرات الألوف من الملائكة وعن يمينه يومض برق عليهم" (سفر التثنية 33: 2) .

النصّ باللغة العبرية كما نقله الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه" المسيّا المنتظر" ص 67: " ويومر يهوه سينأئى به وزارح مسعير لامو هو فيع مهر باران وأنامر بيوث قورش ميمينو ايش واث لامو"

وهو، كما نقله عبد الحق فديارتي في كتابه:" محمد في الأسفار العالمية الدينية" ص ص 199- 200: " ويومر يهووه مسيناتي به وزارح مسعير لامو هو فيع مهرباران وأتامر ببوث قودش حيميفو أيش داف لامو".

الترجمة الحرفية لهذين النصّين: " وقال: إنّ الربّ جاء من سيناء، ونهض من سعير لهم، وسطع من جبل فاران. وجاء مع عشرة آلاف قديس، وخرج من يمينه نار شريعة لهم. "

وجاء في طبعة الكتاب المقدس الفرنسي لسنة 1860 ما تعريبه: " جاء الربّ من سيناء وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران وخرج من بين العشرة آلاف من القدّيسين. ومن يمينه خرجت نار الشريعة تجاههم. "

وجاء في الترجمة الانجليزية لمخطوطات البحر الميت تثنية 33: 2 (ترجمة وتعليق

ص: 252

مارتن أبيج Martin Abegg وبيتر فلنت Peter Flint وأوجين أولريش (Eugene Ulrich ص 193:

Lord [came from Sinai، rose from Seir=

upon them; he shone forth from Mount paran، and

came [from the ten thousand of holy ones; at his right

hand was a fiery law for them=

وتعريبها: " جاء الربّ من سيناء، وأشرق عليهم من ساعير. وتلألأ من جبل فاران. وجاء من العشرة آلاف قدّيس، وبيمينه شرعة نارية لهم. "

وجاء في ترجمة" ترجمة الملك جيمس: =King James Version ="

The Lord came from Sinai، and rose up form Seir=

unto them، he shined forth from mount paran، and he

came With ten thousands of saints:from his right hand

Went a fiery law for them=

وهي بنفس المعنى السابق باستثناء كون هذا الآتي سيظهر" مع" عشرة آلاف قديس لا" من بينهم".

وجاء نفس المعنى السابق لنص سفر التثنية 33: 2 في ترجمة.Amplified Bible =The

ووردت عبارة" عشرة آلاف قدّيس" أيضا في ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي القياسي الجديد، "=The New American Standard Bible =وترجمة" الترجمة الإنجليزية الحديثة،. =The New English Translation =

ص: 253

وجاءت عبارة" شريعة من نار" في ترجمة" دربي

Translation ==Darby

جليّ من اختلاف التراجم التي نقلناها والتراجم الأخرى لنفس النصّ، أنّ هناك يدا خفية تريد أن تطمس روعة هذه النبوءة، ولكنّ وضوح البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم لا يخفى على كلّ ذي بصيرة.

اعتبر القسيس المهتدي إلى الإسلام" إبراهيم خليل" أنّ هذه النبوءة تتطابق مع قوله تعالى: " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ"(التين 1- 3) فالله قد أقسم بنفس الأماكن الثلاثة التي ذكرت في التوراة نظرا لأهميتها:

فالقسم بالتين والزيتون: مجاز عن منابتهما في فلسطين، حيث سكن عيسى عليه السلام، وتقابل ساعير.

والقسم بطور سينين: قسم بالجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام.

والقسم بالبلد الأمين: مكّة المكرمة وتقابل فاران.

لقد جاء الحديث عن التين كتشبيه لبني إسرائيل في الكثير من المواضع في الكتاب المقدس.

فقد قال النبيّ هوشع: " وجدت إسرائيل كعنب في البرية، ورأيت آباءهم كباكورة ثمر شجرة التين في أول موسمها"(هوشع 9: 10) .

ص: 254

وقال النبيّ إشعياء: " وتضحى زهرة جمالها المجيد التي تكلّل رأس الوادي الخصيب كباكورة التين قبل موسم الصيف التي يراها الناظر فيقتطفها ويبتلعها"(إشعياء 28: 4) .

وجاء الحديث عن التين كإشارة إلى بني إسرائيل في مواضع أخرى (هوشع 2:

12، إرمياء 24: 2، سفر الملوك الأول 4: 25، إشعياء 52: 8) .

وجاء ذكر" الزيتون" كعلامة على النمو والارتقاء في بني إسرائيل:

فقد ورد في المزمور 52: 8 أنّ داود قال: " أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله وثقت برحمة الله إلى الدهر والأبد".

وقال النبيّ إرمياء: " قد دعاك الربّ مرّة زيتونة خضراء ذات ثمر بهيج المنظر

" (إرمياء 11: 16، هوشع 14: 6) .

وموسى وعيسى عليهما السلام من بني إسرائيل، أمّا سيّد البلد الأمين فهو محمد" الفاراني" صلى الله عليه وسلم.

وقد ذهب فديارتي إلى أنّ الحديث عن ساعير في نصّ هذه النبوءة هو إشارة إلى الدعاء الذي دعا به النبي إسحاق لابنه عيسو ولنسله بالبركة (تكوين 27: 39- 40) .. وقد سكن أدوم بن عيسو ونسله من بعده في ساعير.

لا إشكال في أنّ سيناء مرتبطة بموسى عليه السلام، إذ أنّ التوراة قد أنزلت عليه في أرض سيناء في جبل الطور. كما لا إشكال في ربط ساعير بالمسيح فقد كان المسيح من سكان الشام، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس Bible Dictionary of the لجون ل. ماك John L.McKenzie ص 783 أنّ ساعير مرتبطة بسلسلة جبال شمال البحر الميت وغربه تمتد عبر القدس وبيت لحم وقد امتدت فيما

ص: 255

بعد حتى الجبال في الجهة الشرقية. وجاء في دائرة عارف البستاني (النصراني) طبعة 1887 ج 9 ص 623 ان سعير أو أرض سعير أو سير هي سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة من البحر الميت إلى خليج العقبة وسميت كذلك نسبة إلى سعير الحوري.

الإشكال الوحيد، يتعلّق ب" فاران". وأهل الكتاب لم يجادلوا في تحديد مكان فاران إلا رغبة منهم في إبهام هذه النبوءة وطمس دلالاتها العظيمة. فهم يزعمون أنّ" فاران" لا تقع في بلد العرب وأنّ" فاران" و" سيناء" و" ساعير" هي مناطق متقاربة.. والردّ هو:

قال الإمام القرافي في كتابه" الأجوبة الفاخرة

" ص 165: " وفاران مكّة باتفاق أهل الكتاب". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": " وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أنّ فاران هي مكة"..

لقد كان الأمر محلّ اتفاق في الماضي لكن مع تقلّص المسافات بين الأمم، وظهور الطباعة، وبروز كتابات إسلامية عن النصرانية بلغة أهل التثليث، ظهر المراء بالباطل عند الحديث عن" فاران"!!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "

وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة" حراء" الذي ليس حول مكّة أعلى منه، وفيه ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه وحوله جبال كثيرة وذلك المكان يسمّى فاران إلى هذا اليوم". ففاران اسم كان معروفا في بلاد العرب حتى بضعة قرون سالفة.

نقل فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية Scriptures Word ==Muhammed in "ص 70- 71 (الطبعة الأمريكية) عن الترجمة العربية للتوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851، أنّ اسماعيل" سكن بريّة فاران

ص: 256

(الحجاز) ، وأخذت له أمّه امرأة من أرض مصر"- وقد حذف التعليق الوارد بين قوسين في الترجمة السامرية، في الطبعات التالية بعد أن اعتمده المسلمون لتوضيح البشارة!!!

نقل فديارتي ص 71 من كتابه السابق عن موسوعة الكتاب المقدس =Encyclopedia Biblica =ما أوردته عن اثنين من أشهر رموز الكنيسة في القرنين الرابع والخامس: جيروم وأزوبيوس من" أنّ فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من إيله".

قال الإمام ابن القيم في كتابه" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان": " وهم يعلمون أنّ جبل سيعير هو جبل السراة الذي يسكنه بنو العيص الذين آمنوا بعيسى ويعلمون أنّ في هذا الجبل كان مقام المسيح ويعلمون أنّ سيناء هو جبل الطور.

وأما جبال فاران فهم يحملونها على جبال الشام وهذا من بهتهم وتحريف التأويل، فإنّ جبال فاران هي جبال مكّة وفاران اسم من أسماء مكة وقد دلّ على هذا نص التوراة: أنّ إسماعيل لّما فارق أباه سكن بريّة فاران وهي جبال مكة ولفظ التوراة أنّ إسماعيل أقام في برية فاران وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر. "

جاء في سفر التكوين 25: 12- 18: " وهذا سجل مواليد إسماعيل بن إبراهيم الّذي أنجبته هاجر المصريّة جارية سارة لإبراهيم. وهذه أسماء أبناء إسماعيل مدوّنة حسب ترتيب ولادتهم: نبايوت يكر إسماعيل، وقيدار وأدبئيل ومبسام، ومشماع ودومة ومسّا، وحدار وتيما ويطور ونافيش وقدمة. هؤلاء هم بنو إسماعيل، وهذه هي أسماؤهم حسب ديارهم وحصونهم، وقد صاروا اثني عشر رئيسا لاثنتى عشرة قبيلة. ومات إسماعيل وله من العمر مئة وسبع وثلاثون سنة، ولحق بقومه. أمّا ذريّته فقد انتشرت من خويلة إلى

ص: 257

شور المتاخمة لمصر في اتجاه أشور، وكانت على عداء مع بقيّة إخوتها".

فأرض أبناء إسماعيل تقع بين حويلة وشور.

شور: تقع كما يظهر من النص السابق، في الجزيرة العربية مقابلة لمصر في الطريق بين مصر وآشور (العراق) .

حويلة: هو اسم أحد أبناء يقطان (قحطان أبو اليمنيين: العرب البائدة)(سفر التكوين 10: 29) .

وقد جاء في سفر التكوين 10: 26- 30:

" وأنجب يقطان ألموداد وشالف وحضرموت ويارح،

وهدورام وأوزال ودقلة،

وعوبال وأبيمايل وشبا، وأوفير وحويلة ويوباب. وهؤلاء جميعهم أبناء يقطان وقد استوطنوا في الأراضي الواقعة بين ميشا والتّلال الشّرقيّة من جبل سفار"

الكلمات المعلّمة في النص السابق من المعلوم أنّها أسماء لأماكن تقع في بلاد اليمن في مواضع معروفة. وحويلة تقع في منطقة الخيمة الداخلية.

وقد جاء في معجم الكتاب المقدس =Wycliffe Bible Dictionary =أنّ معظم المراجع العلمية المعتبرة (أي كبار المختصين) تقرر أن حويلة Havilah تقع

ص: 258

وسط البلاد العربية شمال اليمن، وذلك لارتباط ذكرها مع حضرموت وسبأ (سفر التكوين 10: 26- 29) وأجزاء من جنوب البلاد العربية.

إذن، استقر نسل إسماعيل في ما بين بلاد اليمن وجنوب الأردن، وهو المكان المعروف إلى اليوم ب" الحجاز"!

سفر العدد 10: 12 من العهد القديم يفرّق بين برية سيناء وبرية فاران (النصارى يزعمون أنّ" فاران" تقع في سيناء!) إذ جاء فيه أنّ بني إسرائيل ارتحلوا" من برية سيناء فحلّت السحابة في بريّة فاران" ولم يسكن أبناء إسماعيل قطّ في غرب سيناء فيقال إنّ جبل فاران واقع إلى غربها.

سفر التكوين 14: 6 ميّز بين جبل ساعير وجبل فاران.

سفر العدد 12: 16 أظهر أنّه للوصول إلى فاران تمّ العبور عبر حضيروت، وفي طريق الرجوع إلى كنعان، تقع فاران قبل قادش التي يظهر، إذن، أنها تقع شمالي فاران.

يخبرنا سفر الملوك الأول 11: 18 أنّ فاران تقع في الطريق إلى مديان ومصر.

ومديان هي أرض المديانيين الذي عرّفهم معجم aryDiction ==Eastons Bible أنّهم" قبيلة عربية من أبناء مديان. سكنوا أساسا في الصحراء، في المنطقة الشمالية من شبه الجزيرة العربية".

الفصل الثالث من سفر حبقوق ذكر أنّ" الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران" فهو إذن إلى الجنوب حيث تقع تيمان بموضعها الذي تقع فيه اليمن مرادفتها باللغة العربية.

يربط الفصل الواحد والعشرين من سفر إشعياء بين بلاد العرب وقيدار بن إسماعيل مما يدلّ على أنّ بلاد العرب هي موطن أبناء إسماعيل.

ص: 259

قال شارلز غور ":Charles Gore فاران هي الأرض التي سكنتها القبائل الإسماعيلية "=A New Commentary on Holy Scriptures) ص 53) .

جاء في كتاب" محمد في الكتاب المقدس" لعطاء الله عليم أنّه قد ورد في كتاب 1862) =Geographishes Worterbusch =المجلد الثالث، ص 834) أنّ فاران هي اسم مكة.

جاء في تعليق الترجمة اليسوعية على الكتاب المقدس: " أحفاد إسماعيل هم عرب الصحراء وحياتهم حياة الترحال والاستقلال. وهذا ما يذكرنا بالشعر الجاهلي. "(هامش ص 91- ط 6) .

قال القس عبد المسيح بسيط في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح": " تبيّن لنا الخرائط الجغرافية أنّ سيناء وسعير وفاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه جزيرة سيناء وجنوب الأردن على بعد مئات من الأميال من مكة".

ونقول: لو فتح الباب لنسبة هذه الأماكن إلى أرض واحدة لقلنا إنّ هذه المواقع توجد في الجزيرة العربية، ولاستدللنا بما جاء عن بولس في نسبته" سيناء" إلى بلاد العرب (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 24- 26) . ولكننا لا نقول بذلك.. وإنما هي أماكن متباعدة، كما سبق بيانه!

ثم إنّه كيف تكون هذه الأماكن بقاعا متجاورة، وتكون فاران في نفس الوقت جزء من سيناء؟!!!

ص: 260

يضيف القس" البسيط" معترضا على فهم المسلمين لنصّ البشارة على أنّه متعلّق ببعثة أنبياء رغم أنّ الفعل فيه منسوب إلى الله سبحانه: " الذي جاء هو الرب (يهوه) وهو إسم الله ولا يطلق على بشر"!!

ونقول: حديث هذا النصّ عن" إقبال" الله و" إشراقه" و" تألّقه" لا يعني أنّ الله هو نفسه سوف يتولى القيام بهذه الأفعال وإنما هو سبحانه سوف ينيب من يتولى عنه ذلك ولهذا الأمر شواهد في الكتاب المقدس مثل صموئيل الثاني 12: 12

كما أنّ الترجمة التي تذكر أنه يأتي" من" العشرة آلاف قديس، تبيّن أنّه بشر قديس لا إله!

وقد نقل د. محمد علي البار في كتابه: " المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم" ص 259 عن محاضرات الدكتور عمر الفاروق (أمريكي مسلم) لطلبة كليّة الآداب، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، قوله إنّ مخطوطات البحر الميت المكتشفة حديثا تظهر أنّ الجماعة التي كانت تملكها، والتي من الراجح أنها جماعة" الأسينيين"، كانت تنتظر نبيّا يخرج من فاران.

فالتألّق إذن هو ظهور هذا النبي!

قال مستر" بسيط" منكرا على المسلمين زاعما أنّهم مترددون في تحديد موقع فاران، هل هي أرض الحجاز أم هي جزء من أرض الحجاز!

" رمتني بدائها وانسلّت! ".." البسيط" يعيب على المسلمين ما هو به سقيم..

بل ويبالغ في التثريب والتقريع.. وهو إمام في التدليس!

وعيّابة للشرب لو أنّ أمّه

تبول نبيذا لم يزل يستبيلها!

لقد قلب علينا القس" البسيط" التهمة.. رغم أنّه قد أورد في كتابه السابق ما يدينه، فقد قال:" وجاء في دائرة المعارف الكتابية (ج 6 ص ص 1- 2) "

ص: 261

فاران"، ومعناها" موضع المغاير"، وهي بريّة شاسعة في أقصى جنوبي فسطين، بالقرب من قادش برنيع. ويرجّح كثيرون من العلماء أنّها كانت تقع في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء. ويقول آخرون إنها هي" بريّة التيه" في وسط هضبة سيناء. ويقول" بينو روتنبرج =Beno Rothenberg ="في كتابه" بريّة الله"، إنّ" بريّة فاران" كان الإسم القديم لكلّ شبه جزيرة سيناء في العصور الكتابية".

ونضيف ما يزيد خرق" الراقع البسيط" اتساعا:

جاء في هامش حبقوق 3: 3 في ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد..": =The New American Bible ="مرتفع فاران: في أرض أدوم: أو الجزء الشمالي من صحراء سيناء

" (!!!) . ويظهر هذا الاضطراب بصورة أجلى في موسوعة الكتاب المقدس.Encyclopedia ==The International Standard Bible

بل لقد صرّحت موسوعة الكتاب المقدس Biblica ==Encyclopedia بقولها: " إنّه من العسير فهم كلّ النصوص المتعلّقة بفاران في العهد القديم"!!

وهذه الموسوعة اليهودية 1925) =The Jewish Encyclopdia =م) م 9 ص 523 تذكر تحت كلمة" فاران" ثلاثة مواضع:

صحراء، توافق بادية التيه اليوم.. (تكوين 21:21..)

منطقة بين إسرائيل وأدوم، توافق اليوم منطقة قلعة النحل (تثنية 1: 1، ملوك الأول 1: 1811) .

جبل أو سلسلة جبال. وذكرت الموسوعة عند هذه النقطة منطقة فاران المشار

ص: 262

إليها في سفر التثنية 33: 2 وحبقوق 3: 3. وأضافت: " هذا الجبل أو سلسلة الجبال قد تعرّف بأنّها الجبال التي تحيط بما يعرف اليوم بوادي عربه. "

ولاحظ هنا أنّ هذه الموسوعة أنّها" قدقدت" عند محاولة تحديد مكان فاران المتعلق مباشرة بنبوأتنا، وهي" قدقدة" تكشف غياب الحجة القاطعة عند مؤلفي هذه الموسوعة، وهم نخبة من الباحثين المختصين. وفي المقابل نرى قطعيات" مستر بسيط" الذي يحسب القرّاء هبلا لا يفهمون وعميا لا يبصرون!

كما يلاحظ أيضا أنّ الموسوعة اليهودية قد ميّزت فاران سفر التثنية عن بقية" فارانات" الكتاب المقدس مما يكشف أنّ نص سفر التثنية (وسفر حبقوق) لم يتحقق معناه في" فاراني" النصوص الأخرى. ونحن نقرّر أنّ فاران" مكة" هي التي تحقق فيها تألّق الربّ. والإثبات، كما يقول أهل التحقيق، مقدّم على النفي لأنّ المثبت عنده زيادة علم. لقد جهلوا وعلمنا وتحيّروا وقطعنا وترددوا وثبتنا!

تتحدّث هذه النبوءة عن عشرة آلاف قدّيس، وهم قطعا المؤمنون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كان عددهم" عشرة آلاف" مؤمن. وكما قال القسيس المهتدي عبد الأحد داود، فإنّ هذا العدد لم يذكر في تاريخ الجزيرة العربية إلا في حادثة فتح مكّة.

وقد جاء ذكر ال 000. 10 قدّيس أيضا في رسالة يهوذا 14، في حديث عن قدوم الرب والأمر بالمثل في سفر نشيد الإنشاد 5: 10.

يعترض النصارى بقولهم:

" هذا النصّ يتحدّث عن" ملائكة" لا بشر، ولا يصحّ على هذه الحال الزعم أنّ هذه الملائكة هي صحابة محمد صلى الله عليه وسلم ؟! .. ويضيف القس البسيط

ص: 263

في الاحتداد علينا بقوله ردا على د. منقذ السقار- حفظه الله ونفع به-" ومن أين أتيت بالقول أن كلمة ملائكة تعني الأتباع؟!! "!!

الردّ: لنا مع هذا الاعتراض 3 وقفات" بسيطة":

الأولى: الكلمة العبرية المعرّبة في ترجمة الكتاب المقدس العربي المسمّى" كتاب الحياة": " الملائكة" هي" قوديش"(كما نقل ذلك البحاثة عبد الحق فديارتي ص 206) وتعريبها" قديسين"، لا" ملائكة" كما هو ظهر من تشابه الألفاظ بين العربية والعبرية!!

وعبارة" ربوث قودش" تعني عشرة آلاف قديس.. فمن" ربوث" اشتقت العبارات العبرية التي تعني هذا العدد في الكتاب المقدس (سفر أخبار الأيام الأول 29: 7، عزرا 2: 64، نحميا 7: 7) .. أما كلمة" قودش" فتعني" مقدّس" أي صالح أو طاهر، وتطلق على كل رجل أو مكان طاهر.. فمن العبارات العبرية التي تؤكد هذا الأمر" أداما قودش" أي أرض مقدّسة، و" مقوم قودش" أي مكان مقدّس، و" مقوم قوديش" أي رجال مقدّسون.

الثانية: التراجم الانجليزية المعتبرة ك" الترجمة القياسية المنقّحة، Revised Standard Version ==The "و" الترجمة الإنجليزية الحديثة، New English Translation ==The وغيرها من التراجم تذكر عبارة =Holy ones =أي" قدّيسين"، و" القديس" في اصطلاح الكتاب المقدس يعني: الرجل أو المرأة الصالحة، انظر مثلا في العهد الجديد: أعمال الرسل 9: 13، 41، الرسالة إلى روما 1: 7، 12: 13، 15: 25، 26، 16: 15، الرسالة الأولى إلى كورنثوس 1: 2، 14: 33، الرسالة الثانية إلى كورنثوس 2: 1، 8: 4، الرسالة إلى إفسس 1: 1، 1: 16، 3: 8 الرسالة إلى فليمون 4: 22

الخ

ص: 264

الثالثة: ترجمة" كتاب الحياة" التي أنقل أغلب النصوص منها، طبعت في نسخة واحدة مع الترجمة الانجليزية الشهيرة، =The New International Version =ولكن مع ذلك نقرأ في هذه الترجمة الإنجليزية كلمة =Holy one s ="في مقابل كلمة" ملائكة" في الترجمة العربية" العدد 2 من الفصل 33 من سفر التثنية، في حين أنّه لما ذكرت نفس الكلمة الانجليزية في العدد 3 من نفس الفصل وفي نفس السياق، كان مقابلها في تلك الترجمة العربية" قدّيسين"..!!

أظنّ أنّك أدركت الآن أنّ المعرّبين قد استمرؤوا العكوف على تحريف أسفارهم.

و" القس" لا يترك أخلاقه

حتى يوارى في ثرى رمسه

إذا ارعوى عاد إلى جهله

كذي الضنى عاد إلى نكثه

وبعيدا عن" هوايات" المترجمين والمعرّبين" البسطاء"، نقول: لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّيسين طاهرين تواترت الأنباء عن عظيم مآثرهم وعجيب كراماتهم.. وهاك واحدة من هذه الكرامات تكشف أمام عينيك مقام هؤلاء الرجال عند الله سبحانه. ولن نحيلك إلى كتاب ينقل عن قرون مضت، وإنما اقرأ هذا الخبر عن أمر وقع في أيامنا، ينقله رجلان معروفان لا يمكن أن يكذبا في أمر شهده عدد من الرجال الأحياء اليوم بيننا:

ذكر الدكتور طارق السويدان- داعية مشهور وهو مسلم من الكويت، حاصل على دكتوراه في هندسة البترول من جامعة تلسا- أو كلاهوما- الولايات المتحدة الأمريكية- في سلسلة أشرطته الذائعة الصيت" قصة النهاية" نقلا مباشرا عن الشيخ محمود الصواف- وهو داعية إسلامي معروف- الحادثة العظيمة التي تشرف بها بعض العلماء في إعادة دفن بعض الصحابة من شهداء أحد (التي شارك فيها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وكيف أنّ هؤلاء العلماء قد شاهدوا الصحابة

ص: 265

رضوان الله عليهم بعد مضي 1400 سنة من استشهادهم رضوان الله عليهم، وكيف أنّ أجسادهم باقية كما هي لم تتغير ولم تتعفن ولم تتحلل.

وقد قال في أحد أشرطة هذه السلسلة، عن هذه الحادثة بالحرف:" وقد حدثنا الشيخ محمود الصواف رحمه الله أنّه دعي في من دعي من كبار العلماء لإعادة دفن شهداء أحد من الصحابة رضي الله عنهم في مقبرة شهداء" أحد" مقبرة معروفة أصابها سيل فانكشفت الجثث فدعي مجموعة من كبار العلماء لإعادة دفن هؤلاء الصحابة ويحدثنا الشيخ محمود الصواف أنه حضر ذلك بنفسه فيقول ممن دفنت..

دفنت حمزة رضي الله عنه فيقول ضخم الجثة مقطوع الأنف والأذنين بطنه مشقوق وقد وضع يده على بطنه فيقول فلما حرّكناه ورفعنا يده سال الدم ويقول دفنته مع من دفنت من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من شهداء أحد.

وأضاف الدكتور طارق السويدان قائلا: " فهذا أمر ثابت بالتواتر وبرؤية العين، بلغنا الله وإياكم مكانة الشهداء وقد حدثنا (أي الشيخ) عن ريح المسك التي فاحت لّما سال الدم (أي من جسد حمزة رضي الله عنه . "

الله أكبر.. الله أكبر

الله أكبر!!! -

محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بالشريعة النارية التي حرقت الشرائع السابقة: بتدمير الشرائع البشرية ونسخ الشرائع السماوية.. أما عيسى عليه السلام فقد قال في إنجيل متّى 5: 17: " لا تظنوا أني جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء. ما جئت لألغي، بل لأكمل" فما جاء المسيح بشريعة جديدة ناسخة لما نزل سابقا بخلاف ابن خالته محمد عليهما الصلاة والسلام!

خروج الشريعة النارية من" اليمين" دليل على أنّ ما في هذه الشريعة يحمل كلّ

ص: 266

خير وبركة ونعمة. وهذا معلوم في الإسلام بالضرورة من تكريم اليمين وأهل اليمين

والأمر بالمثل في الأدب النصراني كما هو مذكور في" قاموس التراث الكتابي في الأدب الإنجليزي in English Literature ==A Dictionary of Biblical Tradition =للكتاب دافيد ليل جفري Jeffrey David Lyle ص 442.

ونسأل النصارى الآن: هل من الممكن أن تكون هذه البشارة خاصة بموسى عليه السلام؟

لا بدّ أن تكون إجابتكم: لا، لأنّ موسى لم يظهر في مكة بل تلقّى الوحي في" سيناء" كما لا تنطبق عليه الأوصاف السابقة!

هل هذه البشارة خاصة بعيسى عليه السلام؟

لا بدّ أن تكون الإجابة: لا، لأنّ عيسى لم يظهر في مكة، بل عاش ودعا الناس في" ساعير"، وهو أيضا لا تنطبق عليه الصفات السابقة!

وأخيرا: هل ظهر نبي بعد موسى عليه السلام، تنطبق عليه هذه البشارة، في مكة، غير محمد صلى الله عليه وسلم، نبي المسلمين؟

لا بدّ أن تكون الإجابة ما تعلم

!

ولكن.. أهل المكابرة قد" وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا"(النمل 14) !! .. فاحذر أن تكون منهم!

ص: 267

ابن قيدار الآتي من فاران

جاء في النبوءة الواردة في سفر حبقوق 3: 3: " قد أقبل الله من أدوم (قلت: التراجم الإنجليزية ك:

The Revised Standard Version

The New International Version

The New American Bible

The Amplified Bible

The New American Standard Bible

The King James Version

تذكر كلها كلمة "=Teman =تيمان" والأمر بالمثل مع مخطوطات البحر الميت"، وهو ما جاء أيضا في الترجمتين الفرنسيتين =Louis Segond و =La Bible de Semeur =والترجمتين الإيطاليتين =Conferenza Episcopale Italiana ==Diodati =La Nuova: وقد سارت التراجم العربية الأخرى على ذكر لفظ" تيمان" كترجمة الفانديك والترجمة الكاثوليكية والترجمة المشتركة، لكنّ ترجمة" كتاب الحياة" وضعت كلمة" أدوم" محلّ كلمة" تيمان" علما بأنّ" تيمان" هي مجرّد جزء من أرض أدوم!) وجاء القدوس من جبل فاران. غمر جلاله السماوات وامتلأت الأرض من تسبيحه. "

النص الماسوري:

ص: 268

بالإضافة إلى هذه البشارة نقرأ في سفر إشعياء 42: 11- 12: " لتهتف الصحراء ومدنها وديار قيدار المأهولة. ليتغنّ بفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال، وليمجدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر. "

النص الماسوري:

كما جاء أيضا في سفر إشعياء 21: 13- 17: " نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية: ستبيتين يا قبائل الددانيين فاحملوا يا أهل تيماء الماء للعطشان، واستقبلوا الهاربين بالخبز.

لأنهم قد فروا من السيف المسلول، والقوي المتوتر، ومن وطيس المعركة، لأنّ هذا ما قاله لي الربّ: في غضون سنة مماثلة لسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار، وتكون بقية الرماة، الأبطال من أبناء قيدار، قلة لأنه الربّ إله إسرائيل قد تكلّم".

النص الماسوري:

ص: 269

إذا جمعنا هذه النبوءات وجدنا أنها تشير بصورة واضحة إلى محمد صلى الله عليه وسلم:

" بنو قيدار": هم العرب، ومما يستدلّ به لإثبات هذه الحقيقة:

قيدار هو إبن إسماعيل جدّ العرب، كما هو مذكور في الكتاب المقدس (سفر التكوين 25: 13- 15) .

جاء في الترجمة الفرنسية للعهد القديم"" الكتاب المقدس الأورشليمي =La Bible de Jerusaleme ="في تفسير كلمة =Onagre =في الهامش ص 45: ".. أنّ سلالة إسماعيل هم عرب الصحراء..".

ذكر س. فورستر C.Forster في كتابه =Geography of Arabia =The Historical ص ص 244- 265 أنّ بني قيدار قد سكنوا الحجاز، وعرّفهم بأنهم قريش.

ص: 270

- جاء في تعليق دميلّو Dummelow على الكتاب المقدس =Commentary on the Holy Bible =ص 441 أنّ عبارة" قيدار" تشير إلى القبائل العربية" (انظر أيضا =Peaks Commentary on the Bible ص 447) .

تذكر موسوعة الكتاب المقدس =Encyclopedia Bibilca =ل ت. ك. شاين T.K.Cheyne تحت إسم" إسماعيل": ".. في نقش لأسور- باني- بال، استعمل الإسم (أي إسم قيدار) كمرادف للبلاد العربية. "

ورد في معجم سميث للكتاب المقدس ":Smiths bible Dictionary نعرف القليل عن حياة إسماعيل المتأخرة. لقد حضر مع أخيه إسحاق لدفن أبيهما إبراهيم. ومات وقد بلغ 137 عاما.

وسكن أبناؤه شمال وجنوب شبه الجزيرة العربية مكنونين البذرة الأولى (العنصر الأساسي) للأمة العربية، قبائل البدو الرحل. إنهم الآن معظم أتباع محمد الذين ينظرون إلى إسماعيل أنه الأب الروحي لهم كما ينظر اليهود لأبيهم إبراهيم. ولغتهم التي انتشرت لتكون المجتمع العربي قد اعتمدت ببعض الاستثناءات البسيطة في الجزيرة العربية. "

جاء في معجم العهد القديم Lexicon to the old Testament =GeseniusHebrew -Chaldee =ل هـ. و. ف. جينيسيوس H.W.F Gesenius ص 724 أنّ قيدار هو ابن لإسماعيل، ومنه ظهرت قبيلة عربية، وأنّ أحبار اليهود ينادون كلّ العرب في كلّ مكان بهذا الإسم=.Rabbins call all the Arabians universally by this name =The

" سالع": إشارة إلى المدينة المنوّرة كما سبق بيانه من قبل.

محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي تلقّى الوحي، النبوة من جهة بلاد العرب.

ص: 271

" ديدان": هي أرض العرب في الحجاز كما تقول خرائط الكتاب المقدس، أو هي أحد القبائل العربية كما هو مذكور في هامش الترجمة الفرنسية للكتاب المقدس. =La Bible de Semeur =

وجاء في هامش سفر إشعياء 21: 13 ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد ": =The New American Bible =: "بلاد العرب: هي البلاد البدوية.

الددانيون: قبيلة عربية مرتبطة بأدوم وتيماء. وتقيم شرق البحر الميّت".

" أهل تيماء": جاء في موسوعة =Standard Bible Encyclopedia The International =: تحت كلمة تيماء: " اسم ابن إسماعيل (تكوين 24: 15، أخبار الأيام الأول 1: 30)، لقبيلة من نسله (إرمياء 25:

23) ، ولمكان سكنت فيه هذه القبيلة (أيوب 6: 19، إشعياء 21: 14) .

وهذه الأخيرة تقع في البلاد العربية. "

وورد في" قاموس الكتاب المقدس"(ضمن المجموعة الإلكترونية" البشارة") تحت اسم" تيما وتيماء": " إسم عبري ربما كان معناه" الجنوبي" وهي قبيلة إسماعيلية تسلسلت من تيما فكانت تقطن بلاد العرب (تكوين 25: 15 و 1 أخبار 1: 30) وتسمّى ايضا الجهة التي يسكنون فيها تيماء (اشعياء 21: 14) وكانت القوافل معروفة جيدا في هذه البقعة (اي 6: 19) وتيماء في بلاد العرب في منتصف الطريق بين دمشق ومكة وعلى مسافة متساوية من بابل إلى مصر وقد ذكرت تيما مع سباء (اي 6: 19) ومع ددان (اشعياء 21: 13 و 14 وار 25: 23) . "

وجاء في قاموس الكتاب المقدس ل ج. هاستنج J.Hastings

Dictionary of the Bible

أنّ تيماء هي واحة شمال المدينة.

ص: 272

" المدينة" هي التي خرج إليها محمد صلى الله عليه وسلم" هاربا" بدعوته المستضعف أهلها من طرف أهل مكّة (بني قيدار) إلى قوم ذوي منعة آمنوا به وصدّقوا خبره (أهل تيماء) ، أعطوه صفقة أيديهم وثمرة أفئدتهم والسمع والطاعة المطلقتين في المنشط والمكره (خبزه) - الهروب هنا يقصد به الخروج سرا من بين أظهر الظالمين حذر طغيان الظالمين والتحاقا بطائفة الحقّ لقيادتها إلى خيري الدنيا والآخرة لا الفرار جزعا وفرقا من بطش الجبارين للنجاة بالنفس!

محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي عاد بعد عام من" هجرته"، وقد قابله" أبناء قيدار" في موقعة" بدر" وانهزموا أمامه وهم الذين كانوا يحملون الأقواس وقد فنى مجدهم الجاهلي، ليبدأ مجد المسلمين بتعدد أجناسهم وأعراقهم.

جاء في سفر حبقوق 3: 3 أنّ" الله" قد أقبل من" تيماء" المدينة، في حين جاء القول أنّ" القدّوس" أي الرجل الصالح، قد جاء من جبل مكة- جبل النور الذي فيه غار حراء-، والمغايرة هنا بين" الله" و" القدوس" سببها أنّ تترّل الرسالة على" القدّوس" محمد صلى الله عليه وسلم كان في غار حراء وكانت تلك الفترة المكية التي استمرت 13 سنة، سنوات استضعاف ومحاصرة من طوائف الكفر لدعوة الهداية للتوحيد، فما ظهرت آثار الرسالة في تلك الفترة على الصورة المراد لها لتكاتف المبطلين على التنكيل بضعاف مكة الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما أشرقت الرسالة على أرجاء الأرض إلا في المدينة" تيماء" حيث ظهر أمر" الله".. فما أجمل هذه النبوءة الحبقوقية!!!

ولا يملك النصارى أن يظهروا اعتراضا على هذه النبوءات المتلاحمة الظاهرة المعنى لما في هذه النصوص من تحديد لأماكن لم يطأها المسيح عليه السلام وإنما عاش فيها محمد صلى الله عليه وسلم!

ص: 273

المجد الساطع

قال القسيس المهتدي إبراهيم خليل في كتابه" محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن" ص ص 70- 71:

" في سنة 701 ق م، وفي أرض السبي، وفي بابل تنبّأ النبي الإسرائيلي إشعياء بالإسلام دينا ودولة:

ففي إشعياء 60: 1- 7: " قومي استنيري، لأنه قد جاء نورك ومجد الربّ أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الربّ، ومجده عليك يرى، فتسير الأمم في نورك، والملوك في ضياء إشراقك. ارفعي عينيك حواليك. وانظري، قد اجتمعوا كلهم، جاؤوا إليك يأتي بنوك من بعيد، تحمل بناتك على الأيدي. حينئذ تنظرين وتنيرين. يخفق قلبك ويتسع، لأنه تتحول إليك ثروة البحر، ويأتي إليك غنى الأمم. تعطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا. وتبشر بتسابيح الربّ كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك. تصعد إليك مقبولة على مذبحي وأزين بيت جمالي"

النص الماسوري:

ص: 274

وفي إشعياء 42: 10- 13: " غنّوا للربّ أغنية جديدة.

تسبيحة من أقصى الأرض، أيها المنحدرون في البحر ومائه والجزائر وسكانها، لترفع البرية ومدنها وصونها، الديار التي سكنها قيدار، لتترنم سالع، من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا مجدا، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر. الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه".

النص الماسوري:

ص: 275

وهنا نتساءل: أين الرسول الكريم في تلكم الآيات التي وردت آنفا؟

وللإجابة عن هذا نجد صلة نسب الرسول الكريم من نبايوت بن إسماعيل بن إبراهيم عليهم أفضل الصلوات والسلام، وهذه السلسلة النبوية الكريمة يدونها موسى عليه السلام هكذا: " وهذه اسماء بني إسماعيل حسب نبايوت بكر إسماعيل، وقيدار

اثنى عشر قبيلة".

ويزداد الأمر وضوحا وإشراقا بذكر رموز خاصة" كثرة الجمال"، " يأتي إليك غنى الأمم"، " غنم قيدار"، " كباش نبايوت"، " تصعد مقبولة على مذبحي"، إشارة إلى يوم النحر بمنى، و" جبل عرفات بمكة"، و" الجزائر وسكانها"، " الديار التي سكنها قيدار"، " الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض". ولقد قال الغرب: إنّ الإسلام قام غازيا كجبّار، يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. "

قلت: تأمّل في عبارة" غنّوا للربّ أغنية جديدة"، إنها إشارة إلى الأذان المنطلق من رؤوس الجبال ومن السهول.. وهل عرفت" أغنية"(والحديث على المجاز الشائع في أسفار أهل الكتاب) جديدة غير أذان المسلمين الصادر من نسل قيدار من سالع والجزائر!

اعتراض النصارى: هاتان البشاراتان متعلقتان بالمسيح عليه السلام، تتحدث

ص: 276

الأولى عن الهيكل في أورشليم عند ظهور المسيح، أما الثانية فتتحدث عن فرح اليهود والأحبار بظهور المسيح.

هذان زعمان باطلان، إذ أنّ هيكل أورشليم لم يمجّد منذ بعثة المسيح، بل العكس هو الصحيح فقد تسلّط عليه الرومان بعد رفع المسيح، ثم انطوى ذكره مع فتح المسلمين لبلاد الشام، كما أنّ العطايا والبعوث ما عرفت بالسير زرافات ووحدانا إلى الهيكل من البلاد البعيدة وإنما صار هذا حال كعبة إبراهيم عليه السلام بعد ما كانت مهجورة، فقد أصبحت تأتيها الوفود من كلّ فجّ عميق

ثم إنّ المسيح عليه السلام قد رفضه قومه وحاولوا صلبه، ولولا عناية الله ورحمته لنالوا منه ولقتلوه، والمتأمل في تاريخ أثر دعوة المسيح يجد أنها لم تؤثّر إلا في قلة قليلة من الناس على مدى بضعة قرون!!!

ص: 277

تاريخ فتح بيت المقدس

جاء في الفصل التاسع من سفر دانيال: " سبعون أسبوعا مقضية على شعبك وعلى مدينتك المقدّسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبرّ الأبدي ولختم الرؤيا والنبوّة ولمسح قدّوس القديسين.

فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح. وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة، وإلى النهاية حرب وخراب..

وعلى جناح الأرجاس".

فسّر مؤلفا كتاب" فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام"(أحمد ترجمان ومحمد حبيب) هذه النبوءة بعد ذكر ما جاء في سفر إشعياء حول هذه الخاتمة" على يد شعب بعيد من أقصى الأرض" وما جاء في سفر التثنية: " إنّ الربّ يجلب أمة من بعيد من أقصى الأرض.. ثم يردّهم إلى مصر في سفن".

قالا: وقد تمّ ذلك حين استدعى الرومان حاكم بريطانيا الكبرى ومعه جيش نكّل باليهود وحمل طائفة منهم أسرى إلى مصر وطائفة إلى روما من طريق البحر سنة 132 م. فلم تنته حرب الرومان سنة 70 م بل جاءت بعدها تلك الحروب التالية مصدّقة لنبوءة الدمار على يد القادم من بعيد ونبوءة النقل على السفن إلى الديار المصرية وما وراءها.

ص: 278

إذا أخذنا بما أجمع عليه شرّاح الكتاب المقدس من أنّ اليوم من أسابيع دانيال سنة، وإننا إذا أضفنا 490 سنة إلى 132 فتلك 622 سنة التي هاجر فيها محمد صلى الله عليه وسلم إلى مدينة يثرب، وبعد 14 سنة دخل جيش الإسلام القدس الشريف وبني المسجد الأقصى في مكان الهيكل، وكان الفرس قد ملكوا فلسطين 14 سنة أباحوا فيها لليهود إقامة شعائرهم ثم عاد الرومان وتلاهم المسلمون. فكانت السنون التي مضت بعد الهجرة النبوية مقابلة لتلك السنين التي ارتفع فيها الحجر عن اليهود، على عهد الدولة الفارسية.

اعتراض النصارى: هذا الحساب غير صحيح.. والنبوءة هي بظهور المسيح عليه السلام منذ أكثر من عشرين قرنا من الآن!

الردّ: هذه دعوى دون بيّنة، بل وتاريخكم يكذّبها:

ذكر الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" أنّ واطسن في المجلد الثالث من كتابه نقل عن رسالة الدكتور جريب Grib تصريحه" أنّ اليهود حرّفوا هذا الخبر بزيادة الوقت تحريفا لا يمكن أن يصدّق على عيسى. ".. وهذا اعتراف نصراني بعدم انطباق المدة المذكورة على واقع ظهور المسيح، وإن كان قد عاد بالأئمة على اليهود المحرّفين للوحي!!

جاء في كتاب تاريخ العرب المطول للدكتور فيليب حتى وآخرون ص 208 القسم الثاني ما نصّه: " ولما سلمت القدس جاءها" عمر" زائرا وأنفذ صلح أهلها وكتب لهم به، فاستقبلهم البطريرك" صفرونيوس" الملقب ب" حامي الكنيسة المعسول اللسان" وطاف به على أنحاء البلدة وأراه الأماكن المقدسة. وكان لهيئة الخليفة البسيطة ولباسه الرثّ، أثر عظيم في نفس" صفرونيوس" فالتفت إلى أحد

ص: 279

مرافقيه وكلّمه باليونانية قائلا: حقا. هذا رجس الخراب الذي تكلّم عنه النبي دانيال ورآه قائما في المقدس"

وكتب أصحاب كتاب" تاريخ العرب المطول" في الهامش هذا المرجع:

Theophotes.P.933 Coustantione Porphyrogenitus.

= De administrando imperio= in I.P.Migne.Patrologia

Watson Vol.ex 3 (Paris، 1981) col 901.

ص: 280

" مكة"

جاء ذكر" مكّة" في المزامير في النسخ الإنجليزية المتداولة الآن، في هذا النصّ:

" طوبى لأناس أنت قوتهم. المتاهفون لأتباع طرقك المفضية إلى بيتك المقدس. وإذ يعبرون في وادي البكاء الجاف، يجعلونه ينابيع ماء، ويغمرهم المطر الخريفي بالبركات.

ينمون من قوة إلى قوة، إذ يمثل كل واحد أمام الله في صهيون. يا ربّ إله الجنود اسمع صلاتي، واصغ إليّ يا إله يعقوب. " (المزامير 84: 6- 8) ، والترجمة الكاثوليكية تقول: " يجتازون

في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأنّ المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلّى لهم إله الآلهة في صهيون" (7- 8) .

كلمة" البكاء" في النص السابق هي في الأصل العبري: " بكه. =Bacah ="

وكما هو ظاهر في التراجم الشهيرة كالترجمة الفرنسية" لويس سوجن =Segond =Louis "والترجمة الإنجليزية" الترجمة العالمية الجديدة "

International Version ==The New "فإنّ الحرف الأول قد كتب كبيرا Capital مما يدلّ على أنّ هذه الكلمة هي اسم لمكان لا مجرّد معنى للفظ. ونحن نعلم أنّ هذا الاسم هو أحد اسماء مكّة مكرّمة، وقد جاء هذا الاسم بهذا المعنى في سورة آل عمران الآية 96: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ".

الترجمة الانجليزية للعدد الخامس من الفصل 84 من نفس المزمور في" الترجمة العالمية الحديثة =The New International Version ="تذكر صراحة كلمة "=Pilgrimage =حج". وقد اعترف بتعلق النص بالحج المعلّقون على

ص: 281

الترجمة الانجليزية" ترجمة الملك جيمس Bible ==King James Version Study =وغيرهم ممن علّق على المزمور.

وفي الحديث هنا عن الحج إشارة ودلالة لا تخطئهما العين على بعثة نبي صاحب أهمية خاصة، وأنّ مكان بعثته سيكون قبلة للناس. علما وأنه كما يقول عبد الأحد داود في كتابه" محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس" فإنّ كلمة" حج" العربية مرادفة تماما من حيث المعنى والأصل لنفس الكلمة في العبرية واللغات السامية الأخرى. فكلمة" حجاج =Hagag ="العبرية هي نفس كلمة" حجاج" العربية =Hajaj =والفرق الوحيد لفظ الحرف الثالث من الأبجدية السامية وهو الجيم التي يلفظها العرب جيما. وشريعة موسى تستخدم هذه الكلمة بعينها وهي =Hagag =أو" حجاج =haghagh ="وذلك عند ما تأمر بآداء طقوس الإحتفال. وتعني الكلمة الدوران حول بناء أو مذبح أو حجر، بخطوات مهرولة منتظمة ومدرّبة، تأدية لطقس أو عيد ديني يحتوي على السرور والإنشاد"!!

أمّا النبع فهو بئر زمزم، النبع الفياض، علما وأنّه قد جاء في هامش الترجمة الفرنسية =La Bible de Semeur =أنّ" العديد من المخطوطات العبرية والترجمة اليونانية القديمة جاء فيها:" هو (الله) أنشأ واحة". ونسبة الفعل إلى الله تؤكد تمحور الحديث هنا عن زمزم الذي نبع بمعجزة إلهية.

أما حديث الترجمة الكاثوليكية عن" المشترع" ففيه إشارة بارزة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم هو صاحب شريعة جديدة أفاضت بركاتها على المسلمين باعتراف مشاهير القانونيين في زماننا، حتى تحوّلوا من" قوة إلى قوة".

ويدلّل عبد الحق فديارتي على هذا المعنى الواضح لهذه البشارة بقوله إنّ:

ص: 282

1-

بيت الربّ المذكور في هذا النص لا يمكن أن يكون غير الذي في مكة، لأنّ الهيكل المقدس لم يكن قد بني بعد في القدس، وما كان هناك بيت آخر مقدس غير بيت إبراهيم في مكة أثناء كتابة هذا المزمور.

2-

كان داود النبي عليه السلام ينتظر الأمر الإلهي بغزو فلسطين، وحتى ينال مراده من الله، ذهب إلى مكة حيث البيت الذي بناه إبراهيم الأب عليه السلام ليدعو الله هناك.

قلت: وقد جاء في مخطوطات معينة لفظ" صهيون" بعد" طرقك المفضية إلى بيتك المقدس" في العدد الخامس، وكما رأيت فإنّ هذه الكلمة غير موجودة في الترجمة الكاثوليكية، كما أنها غير موجودة في" النص العبري الساكن للنص الماسوريي للعهد القديم" كما هو مذكور في هامش المزمور 68: 5 في التعليق الشهير على الكتاب المقدس=The Harper Collins Study Bible =

ثم إنّه قد جاء في هامش بحث للدكتور عبد المجيد الزنداني بعنوان" البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة: " تعليقا على الكلمة الانجليزية" صهيون": " المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله، أو المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس =Dictionary Webster s Seventh New Collegiate: وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. وعند الرجوع إلى أصل الكلمة (Zion) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني: جفاف، صحراوي، أجرد (أرض أو مكان) جاف، مكان مقفر، برية.

وهذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه Zion في النص الإنجليزي هو برية مكة الجرداء المقفرة الجافة، راجع كتاب The New Strongs =

ص: 283

Exhautive Concordance of the Bible = لجيمس سترنغ Strong James والمعجم العبري ص 99 فقره: رقم 6723. "

ويقول فديارتي في كتابه: " محمد في الأسفار العالمية" ص ص 131- 133 إنّ" صهيون" هي بالعبرية" سييون" وهي من الجذر العبري" سياه" الذي يعني" جاف" وتعني صهيون" جاف" و" أرض صحراوية". بالإضافة إلى ذلك يوجد صهيونان (أورشليم عتيقة وأورشليم جديدة) .

وقد كتبت لفظة أورشليم في سفر نشيد الإنشاد 5: 16 في النص العبري في صيغة المثنّى، وجاء في رسالة بولس إلى العبرانيين 12: 22: " ولكنّكم قد اقتربتم إلى جبل صهيون، إلى مدينة الله الحيّ، أورشليم السّماويّة. بل تقدّمتم إلى حفلة يجتمع فيها عدد لا يحصى من الملائكة"، وجاء في رسالة بولس إلى غلاطية 4: 25: " ولفظة هاجر تطلق على جبل سيناء، في بلاد العرب، وتمثل أورشليم الحاليّة، فإنّها مع بنيها في العبوديّة".. فهناك إذن أورشليمان.. وصهيونان.

وقد قال سهيل التغلبي، النصراني، في كتابه" الصهيونية تحرّف الإنجيل" هامش ص 6 بعد أن ذكر أنّ صهيون الأولى تقع في القدس:" نسخ السيد المسيح هذا المفهوم وأصبح" صهيون" يعني ملكوت السموات التي بشّر بها وبأورشليم الجديدة التي ستكون في اليوم الأخير مأوى للصالحين والأبرار. ".. وهذا القول يظهر وجود أورشليمين، وإن كان قد ظهر خطؤه في معرفة أورشليم الثانية.

ومما يظهر أنّ صهيون المذكورة هي مكّة، ما جاء في سفر إشعياء 52: 1- 2: " استيقظي، استيقظي تسربلي بقوّتك يا صهيون، ارتدي ثياب بهائك يا أورشليم، المدينة المقدّسة، إذ لن يدخلك بعد

ص: 284

اليوم أغلف ولا نجس. انفضي عنك الغبار، وانهضي واجلسي وفكي عن عنقك الأغلال يا أورشليم، أيّتها المسبيّة ابنة صهيون. "

الأوصاف المذكورة في هذه النبوءة لا تنطبق إلا على مكة:

ثياب البهاء التي تحلّت بها مكّة هي التحلّل من الأوثان والأزلام، في حين أنّ القدس كانت معمورة بأوثان الرومان قبل المسيح وبعده بقرون.

مكّة هي التي لا يدخلها غير المختونين، أمّا القدس فقد عاش فيها أيام المسيح وإلى اليوم الكثير من الذين لا يختتنون كالنصارى والوثنيين، وقد اضطر النصارى إلى الزعم أنّ كلمة" الأغلف" لها دلالة مجازية!

قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا"(سورة التوبة 28) . أما القدس فأخلاط الناس يرتعون فيها، وقد فرّخ فيها الكثير من المارقين عن الحق، أديانهم الباطلة (شهود يهوه، القاديانية، البهائية

) .

كما تنطبق الصفات الواردة حول" صهيون" في سفر إشعياء 2: 3 على مكّة لا على القدس: " ويحدث في آخر الأيّام، أنّ جبل هيكل الربّ يصبح أسمى من كلّ الجبال، ويعلو فوق كلّ التلال، فتتوافد إليه جميع الأمم. ":

الحديث عن آخر الزمان، وظهور أمر مكّة واجتماع الناس حولها جاء بعد علو شأن القدس.

ص: 285

أمر مكّة هو الذي ازداد علوا وقدرا بتوسيع دائرة أرض الإسلام، في حين أنّ القدس قد انتقلت ملكيتها بين أمم عدّة على مدى القرون التي بيننا وبين النبي إشعياء.

تحجّ شعوب كثيرة إلى مكّة كلّ سنة. ويعتبر الحج أحد خمس قواعد بني عليها الإسلام. أمّا القدس فلا" يحجّ" إليها إلا عدد قليل من النصارى. كما أنّ أمر الحجّ في النصرانية غير ذي بال عند القوم ولا يذكر أبدا في أصول الملّة عند الكنيسة.

من مكّة خرجت" شريعة الأمم". وما خرجت من القدس شريعة يسوعية وإنما تمّ فيها، طبق اعتقاد الكنيسة، إلغاء الشريعة لأنها كما قال بولس" معيبة"!!!!

كلمة الربّ (القرآن والسنّة النبوية) قد أعلنت من مكة حيث نزلت الكثير من السور القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. أما أناجيل النصارى ورسائل بولس، فلم تكتب في القدس كما هو معلوم.

وجاء في سفر إشعياء 33: 19- 24: " لن ترى الشعب الشرس فيما بعد، الّذي يتكلّم لغة أجنبيّة لا تفهمها.

التفت إلى صهيون مدينة أعيادنا، فتكتحل عيناك بمرأى أورشليم، المسكن المطمئنّ والخيمة الثابتة الّتي لا تقلع أوتادها إلى الأبد ولا تنقطع حبالها

هناك يكون الربّ لنا بجلاله مكان أنهار وجداول واسعة لا يبحر فيها قارب ذو مجداف، ولا تمخر فيها سفينة عظيمة،

لأنّ الربّ هو قاضينا، الربّ هو مشترعنا، هو ملكنا وسيخلصنا

ص: 286

لقد استرخت حبال أشرعتك، فلا يمكنها شدّ قاعدة السّارية أو نشر الشراع، حينئذ نقسم الغنائم الوفيرة.

حتّى العرج ينهبون السّلب.

لن يقول مقيم في صهيون إنّه مريض، وينزع الربّ إثم الشعب السّاكن فيها. "

صهيون هنا أيضا هي مكة لا القدس، ومن الأدلة على ذلك:

بيت الربّ يقع في أرض قوم يتكلّمون لغة أجنبية، أي غير لغة بني إسرائيل.

وقد كان عرب مكة يتكلمون اللغة العربية، أما بيت المقدس فقد كانت أهم أماكن تواجد بني إسرائيل زمن المسيح ابن مريم عليهما السلام.

صهيون الموعودة ستكون مقرّ أمان إلى يوم القيامة، ومعلوم بالاضطرار حرمة الحرب في مكة، كما أنّها لم تعرف الحروب عامة، في حين أنّ القدس قد حلّت بها الكثير من الحروب والمجازر.

ظهرت الشريعة الإلهية والحكم والسلطان الأرضي لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في مكة، وما عرفت القدس سلطة المسيح عليها.

ظهرت الغنائم الوفيرة لأهل مكة مع ظهور الإسلام، أما القدس فقد عرفت صلب المسيح كما هو معتقد النصارى.

وجاء في سفر إشعياء 40: 9- 11: " اصعدي إلى جبل شامخ يا حاملة البشارة إلى صهيون. ارفعي صوتك بقوّة يا مبشرة أورشليم. اهتفي ولا تجزعي. قولي لمدن يهوذا: ها إلهكم قادم

ص: 287

بقدرته وقوّته، وذراعه تحكم له، وها أجرته معه ومكافاته أمامه.

يرعى قطيعه كراع، ويجمع الحملان بذراعه، وفي أحضانه يحملها ويقود المرضعات برفق".

ويظهر من هذه النبوءة أنّ المنتظر في صهيون:

سيكون قويا جلدا، لا ضعيفا مهينا.

سيكون صاحب ذراع قوي يقيم بها دولة.

سيرى ثمرة جهادة في أيام حياته.

سيرعى بنفسه قومه وسيكون قائدهم الحقيقي.

سيكون رفيقا بالضعفاء، خافضا لجناح الرحمة لمن هم تحت أمره.

هذه الصفات دقيقة في وصف محمد صلى الله عليه وسلم القائد الحاكم في أمة الإسلام الذي أقام دولة الإسلام في حياته

ولا تنطبق على يسوع الكنيسة الذي عاش مستضعفا ومات مقتولا!!

وجاء في سفر إشعياء 60: 1- 7: " قومي استضيئي، فإنّ نورك قد جاء، ومجد الربّ أشرق عليك.

ها إنّ الظلمة تغمر الأرض، واللّيل الدّامس يكتنف الشعوب، ولكنّ الربّ يشرق عليك، ويتجلّى مجده حولك،

فتقبل الأمم إلى نورك، وتتوافد الملوك إلى إشراق ضيائك.

ص: 288

تأمّلي حولك وانظري، فها هم جميعا قد اجتمعوا، وأتوا إليك. يجيء أبناؤك من مكان بعيد، وتحمل بناتك على الأذرع.

عندئذ تنظرين وتتهلّلين، وتطغى الإثارة على قلبك، وتمتلئين فرحا لأنّ ثروات البحر تتحوّل إليك وغنى الأمم يتدفق عليك.

تكتظ أرضك بكثرة الإبل. من أرض مديان وعيفة تغشاك بكران، تتقاطر إليك من شبا محمّلة بالذهب واللّبان وتذيع تسبيح الربّ.

جميع قطعان قيدار تجتمع إليك، وكباش نبايوت تخدمك، تقدم قرايين مقبولة على مذبحي، وأمجد بيتي البهيّ. "

إنّ دواب ابنا إسماعيل: قيدار، ونبايوت (البكر: سفر التكوين 25: 13) ، لم تجتمع لغير بيت الله الكعبة. وما اجتمعت قط لهيكل أورشليم. ولم تتدفق ثروات الأرض وخيرات الأمم البعيدة على أرض غير أرض مكّة. أما أورشليم فقد انهكتها الغزوات والحروب وانفض عنها أهلها، بالإضافة إلى أنّها" الأرض المقدسة لبني إسرائيل" لا" الأمم"!

وجاء في سفر إشعياء 60: 10- 22: " يعمّر الغرباء أسوارك، ويخدمك ملوكهم، لأنّي في غضبي عاقبتك، وفي رضاي رحمتك.

تنفتح أبوابك دائما ولا توصد ليل نهار، ليحمل إليك النّاس ثروة الأمم، وفي موكب يساق إليك ملوكهم،

لأنّ الأمّة والمملكة الّتي لا تخضع لك تهلك، وهذه الشعوب تتعرّض للخراب السّاحق.

ص: 289

يأتي إليك مجد لبنان بسروه وسنديانه وشريينه لتزيين موضع مقدسي، فاجعل موطيء قدميّ مجيدا.

ويقبل إليك أبناء مضايقيك خاضعين، وكلّ الّذين احتقروك ينحنون عند قدميك، ويدعونك مدينة الربّ، صهيون قدوس إسرائيل.

وبعد أن كنت مهجورة ممقوتة لا يعبر بك أحد، سأجعلك بهيّة إلى الأبد، وفرح كل الأجيال،

وتشربين لبن الأمم، وترضعين ثديّ الملوك، وتدركين أنّي أنا الربّ مخلصك وفاديك عزيز يعقوب.

وعوضا عن النّحاس أجلب لك الذهب، وبدل الحديد آتي لك بالفضة، وعوض الخشب نحاسا، وبدل الحجارة حديدا، وأجعل ولاتك مصدر سلام، ومسخريك يعاملونك بالعدل.

ولا يسمع بظلم في أرضك، ولا بدمار أو خراب داخل تخومك، وتدعين أسوارك خلاصا، وبوّاباتك تساييح.

ولا تعود الشمس نورا لك في النّهار ولا يشرق ضوء القمر عليك لأنّ الربّ يكون نورك الأبديّ، وإلهك يكون مجدك.

ولا تغرب شمسك من بعد، ولا يتضاءل قمرك، لأنّ الربّ يكون نورك الأبديّ، وتنقضي أيّام مناحتك.

ويكون شعبك جميعا أبرارا ويرثون الأرض إلى الأبد، فهم غصن غرسي وعمل يديّ لأتمجّد.

ويضحى أقلّهم ألفا، وأصغرهم أمّة قويّة، أنا الربّ أسرع في تحقيق ذلك في حينه. "

ص: 290

إنها صفات متزاحمة متلاحمة، تؤكدّ أنّ البشارة المذكورة متعلقة بمكة كما يقول المسلمون، لا أورشليم القدس كما يزعم النصارى، إذ مكة هي التي فتحت أبوابها ليل نهار ولم توصد حتى أنّ الواحد ليس بإمكانه أن يطوف بالكعبة لوحده ولو كان في آخر الليل لكثرة الطائفين ولاستمرار هذه العبادة منذ قرون طويلة، أما القدس فقد تعرّضت إلى نكبات شديدة وتوقفت العبادة في الهيكل مرات عديدة.

مكة (الكعبة) هي التي أقبلت إليها الشعوب حاملة الخيرات، وهي التي خضع لها الملوك والجبابرة، وكان نور العدل والخير ملازما لها ولأهلها. أما القدس فلم تتوجّه لها الأمم قبل ظهور النصرانية، وما توجّه لها النصارى توجّه المسلمين إلى مكة، بل الحجّ عند القوم شعيرة مهملة وعبادة منسية.

ومكة (الكعبة) هي التي أشرق عليها نور التوحيد وامتنع على ظلمة الشرك أن تقتحم حصونها إلى الأبد وأنزل الله سبحانه قوله: " وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً"(سورة الإسراء 81) ، أما القدس فقد عربد فيها المشركون قرونا طوالا قبل المسيح وبعده..

جاء في سفر إشعياء 65: 8- 10: " ولكن هذا ما يقوله الربّ:

كما أنّ (الكرام) لا يطرح العنقود الفاسد إذ يقال له إنّ في عنبه بعض الخمر الطيّب، كذلك لن أطرح من أمامي كلّ إسرائيل لئلّا أقضي على خدامي جميعا.

بل أخرج من صلب يعقوب ذريّة، ومن يهوذا وارثا لجبالي، فيملكها مختاريّ، ويقيم فيها عبيدي،

وتصبح أرض شارون مرعى للقطعان، ووادي عخور مريض بقر لشعبي الّذي طلبني. "

ص: 291

سفر إشعياء 65: 14- 15: " ويترنّمون في غبطة القلب وأنتم تعولون من أسى القلب، وتولّولون من انكسار الرّوح، وتخلفون اسمكم لعنة على شفاه مختاريّ، ويميتكم الربّ ويطلق على عبيده اسما آخر. "

سفر إشعياء 65: 17- 19: " لأنني ها أنا أخلق سماوات جديدة وأرضا جديدة، تمحو ذكر الأولى فلا تعود تخطر على بال إنّما افرحوا وابتهجوا إلى الأبد بما أنا خالقه، فها أنا أخلق أورشليم بهجة، وشعبها فرحا. وأبتهج بأورشليم وأغتبط بشعبي، ولا يعود يسمع فيها صوت بكاء أو نحيب. "

يفهم من هذه النصوص أنّ من أبناء يعقوب ويهوذا من سيرثون" جبال الله"..

وقد كان، فقد أسلم طائفة من أبناء يعقوب ويهوذا، وملكوا جبالا كثيرة ما ملكها من بقوا على اليهودية من بني إسرائيل.

أما" شارون" فهي أرض خصبة في فلسطين معروفة بزهورها الحمراء، وقد ربطت شارون هذه ببلاد العرب في سفر إشعياء 33: 9 حيث جاء النص العبري" ها شارون ك عربه" أي- كما يقول فديارتي-" شارون هي مثل البلاد العربية" ولكن حولت" البلاد العربية" إلى" البرية" في التراجم المتداولة. وقد أعطيت خصوبة شارون إلى البلاد العربية كما هو قول النبي إشعياء في سفره 35: 1- 2:

" ستفرح الصّحراء والقفر الأجرد، وتبتهج البريّة وتزهر كالورد.

تزدهر ازدهارا، وتبتهج أشدّ بهجة ويضفى عليها مجد

ص: 292

لبنان وجلال الكرمل وشارون ويشهدون مجد الربّ وبهاء إلهنا. "

وقد اختلفت الآراء فيما يتعلّق ب" وادي عخور"، لكنّ معناها الحرفي هو" أرض حزن وفقر" وهي ستصبح أرض طمأنينة وأمن، وكذلك كانت مكة وصارت مع ظهور نبي الإسلام.

من رفضوا الإسلام من بني إسرائيل بكوا من سويداء قلوبهم وولولوا من انكسار أنفسهم، أمّا من قبلوا الإسلام منهم فقد ترنّموا في غبطة القلب.

السماء والأرض الجديدتان: هما أمة وشريعة تظهران بعد خمول ذكر بني إسرائيل. الأمة: أمة الإسلام، والشريعة هي شريعة الإسلام.

الوادي الذي اسمه" بكّه" هو في الأصل العبري =Bacah =بكه" و" الهاء" في آخر الكلمة دليل على أنّ هذا المكان معروف بين الناس.

نازلو هذا الوادي سيسبّحون ربهم دائما. وهذا يصحّ بالحرف على سكان مكّة أهل التعبّد والتبتّل وكذلك الحجّاج والمعتمرون المتوافدون على مكة للتعبّد والتبتّل.

الظهور أمام الربّ في صهيون دليل على الحجّ السنوي في مكة.

وليسمح لي معرّبو الكتاب المقدّس أن أسألهم أن" يتّقوا الله!! " وأن يسايروا التراجم الانجليزية الحديثة في ما ذهبت إليه من وضع كلمة" بكة" بدل" وادي البكاء!!!؟؟! ".

إنّ مكة التي استفاض الخبر عن أنه سوف يخرج منها الله سبحانه، نبي آخر الزمان، والتي أصبحت قبلة آخر الأمم، ومركز المتعبدين في الأرض، وهي التي تهوى إليها الأفئدة

هي أيضا مركز العالم، وهذه حقيقة علمية تمّ اكتشافها أخيرا:

ص: 293

يروي العالم المصري الدكتور حسين كمال الدين قصة الاكتشاف الغريب فيذكر: " أنه بدأ البحث وكان هدفه مختلفا تماما، حيث كان يجري بحثا ليعدّ وسيلة تساعد كلّ شخص في أي مكان من العالم، على معرفة وتحديد مكان القبلة، لأنه شعر في رحلاته العديدة للخارج أنّ هذه هي مشكلة كلّ مسلم عند ما يكون في مكان ليست فيه مساجد تحدد مكان القبلة، أو يكون في بلاد غريبة، كما يحدث لمئات الآلاف من طلاب البعثات في الخارج، لذلك فكّر حسين كمال الدين في عمل خريطة جديدة للكرة الأرضية لتحديد اتجاهات القبلة عليها.

وبعد أن وضع الخطوط الأولى في البحث التمهيدي لإعداد هذه الخريطة، ورسم عليها القارات الخمس، ظهر له فجأة هذا الاكتشاف الذي أثار دهشته.. فقد وجد العالم المصري أنّ موقع مكة المكرمة في وسط العالم. وأمسك بيده" برجلا" وضع طرفه على مدينة مكة، ومرّ بالطرف الآخر على أطراف جميع القارات فتأكد له أنّ اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة توزيعا منتظما.. ووجد مكة- في هذه الحالة- هي مركز الأرض اليابسة. " (محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام- السنة ص 143- 144)

يذكر العلماء أنّ الأرض شأنها شأن أي كوكب أخر تتبادل مع الكواكب والنجوم قوة جذب تصدر من باطنها.. وهذا الباطن يتركّز في مركز لها يصدر منه ما يمكن أن نسمّيه إشعاعا، وقد اكتشف عالم أمريكي في علم الطوبوغرافيا أنّ مركز تلاقي الإشعاعات الكونية هو مكّة وهو عالم غير مسلم! (المصدر السابق ص 145) .

اعتراض النصارى: جاء الاعتراض في كتاب" ردّا على د. جمال بدوي" محمد في الكتاب المقدس Muhammad in te Bible =Answering Dr Jamal Badawi: ""للمنصّر المعروف والذي يعدّ أوقح الطاعنين في

ص: 294

الإسلام في أمريكا، " سام شمعون =Sam Shamoun ="ص 13 (من الترجمة العربية) :

" يدّعي بدوي أنّ سفر المزامير 84: 6 يشير إلى حجّ المسلمين إلى الكعبة في مكّة، ذلك أنّ كلمة" البكا" هي اسم آخر لمكة في القرآن.

مرة أخرى تظهر القراءة الدقيقة للنص الاعتقاد الخاطئ من وراء هذا التفكير. فالعهد القديم يذكر أنّ" البكا" لا تقع في الجزيرة العربية بل شمالي إسرائيل وهذا ما ذكر في النص: " يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون. "(المزامير 84: 7) .

كما أن كلمة" البكا" تعني بالغة العربية" الانتحاب" أو" شجر البلسم".

لذلك أمكن ترجمة" وادي البكا" على أنّه وادي أشجر البلسم ونجد إشارة إلى هكذا مكان في وادي الرفائيّين وهي منطقة تبعد حوالي 3- 4 أميال جنوبي غربي أورشليم:

" ثم عاد الفلسطينيون فصعدوا أيضا وانتشروا في وادي الرفائيّين. فسأل (الصواب" فسئل"، خطأ من المعرّب) داود من الربّ فقال: " لا تصعد، بل در من ورائهم وهلمّ عليهم مقابل أشجار البكا" (سفر صموئيل الثاني 5: 22- 23) .

وبما أنّ وادي البكا لا يبعد أكثر من خمس (الصواب" خمسة" وهذا خطأ من معرّب الكتاب!) أميال عن أورشليم، أمكن لكاتب المزامير أن يذكر حجاجا يجتازون وادي البكا للمثول أمام الله في صهيون (الأعداد 5- 7) .

ص: 295

والقارئ مدعوّ لمراجعة المسافة بين أورشليم ومكّة ومن ثمّة استعمال المنطق ليستنتج احتمال دعوة كاتب المزامير للحجاج الإسرائيليين أن يعرّجوا على مكة في طريقهم إلى موسم الحجّ السنوي في جبل صهيون. "

الردّ من وجوه:

هيكل أورشليم لم يكن موجودا في زمن داود صاحب المزمور.

لم يرد في الكتاب المقدس أنّ وادي البكا يقع شمالي إسرائيل.

ذكرنا من قبل معنى" صهيون".

لماذا قام شمعون بترجمة كلمة" بكه" رغم أنّ المترجمين الأوائل لم يفعلوا ذلك!!!

كلمة" بكّة" دليل على اسم المكان، والحجة هي ورود أمر شبيه بهذه الصورة في الكتاب المقدس، فقد جاء ذكر، Valley of Ajalon ،Valley of Eshcol ،Valley of Zared ،Valley of Gerar والمقابل العربي لهذه الأسماء في تراجم الكتاب المقدس: وادي جرار، وادي زرد، وادي اشكول، وادي ايلون.. وكما ترى لم تترجم أسماء هذه الأماكن.. ولكن انقلب الأمر مع" بكة" التي تحوّلت على أيدي أقطاب الكنيسة العربية إلى" بكاء"!!

هل أمر ضبط مكان" وادي البكا" عند النصارى، بهذه البساطة التي ذكرها" شمعون"؟!

اقرأ ما جاء في طائفة من أشهر التعليقات على الكتاب المقدس حول المزمور السابق الذكر:

ص: 296

- جاء في كتاب) =The Harper Collins Study Bible =وهو تعليق على الترجمة الشهيرة، =Standard Version The New Revised =وقد وصفه الباحث بيل مويرز بقوله:" ليس بإمكان أيّ أحد يبحث عن معنى في الكتاب المقدس دون أن يكون هذا الكتاب بين يديه") ، في الصفحة 879 تعليقا على المزمور 84: 6: " وإذ يعبرون في وادي البكاء الجاف": " وادي بكة" مجهول، لكن يظهر أنها منطقة قاحلة في الطريق إلى أورشليم. "

جاء في كتاب of the Entire Bible ==The New John Gill Exposition أنّ بعض المعلّقين قالوا أنّ أرض" بكه" تقع في المكان المذكور في سفر صموئيل الثاني 5: 22- 23 وقال آخرون أنّها تقع في المكان المذكور في سفر القضاة 2: 1- 5 (!!) .. ثم أضاف هذا التعليق الموسّع أنّ هذا المكان هو كلّ منطقة يمرّ عبرها الحجاج إلى صهيون!!!

في التعليق المسمى "=The International Bible Commentary جاء عنوان هذا المزمور هكذا: " شهادة حاج".. ورغم أنّ المشرف على هذا التعليق هو الاعتذاري الشهير ف. ف. بروس صاحب الجدليات الباطلة في الانتصار للكتاب المقدس فإننا لم نقرأ أيّ تعليق على كلمة" بكه"!! .. ولو أنّها كانت تعني ذاك المكان في فلسطين لما تردّد في ذكره!

ترجمة =The New American Bible =وهي الترجمة الانجليزية الرسمية للكنيسة الكاثوليكية. وقد طبعت معها دراسة مقتضبة هامة (مقدمات وشروح) . جاء في التعليق في الهامش: " وادي بكة: عبرية غامضة، ربما هو وادي في الطريق إلى أورشليم".

ص: 297

- جاء في كتاب=C.H.Spurgeons The Treasury of

David=

: " من الراجح أنّه توجد هنا إشارة إلى مكان، وهو مكان لن يفكّ (مبنيّ للمجهول) لغزه (أي: لن يعرف) ، لكنّ المعنى العام واضح بصورة كافية.

هناك فرحة الحجاج

"

التعليق المسمى) Bible ==The International Study وهو تعليق على أكثر التراجم الإنجليزية استعمالا في الولايات المتحدة (كما تدلّ على ذلك الاحصائيات)

وقد لاقى هذا التعليق المرافق رواجا ونجاحا. جاء في الصفحة 868 تعليقا على ورود كلمة" بكّة": " المكان مجهول وربما هو رمزي"!!!!

خلاصة هذه النقطة:

* اعترفت هذه الشروح التي يشرف عليها أئمة الدراسات الكتابية في الغرب، على اختلاف مشاربهم المعرفية وتوجهاتهم، أنّ" بكّة" هي أرض لا يعلمون مكانها..

ولو أنّها كانت المكان الذي أشار إليه النصراني المعترض لقطعوا بذلك!

* غاية ما استطاعه المعلّقون هو الاجتهاد.. الفضفاض.. الذي يظهر أنّه لا حجّة لهم في اجتهادهم.

* أوردت جلّ التراجم الإنجليزية الحديثة هذه الكلمة على صورتها الأولى دون ترجمتها.

* اعترفت الشروح السابقة بأنّ نص المزمور متعلق بالحج.

* لا يملك النصارى تفسيرا يقينيا لورود كلمة" بكه" في نص المزمور.

ص: 298

الحقائق الثلاث الأخيرة تقوي حجة المسلمين الذي يقررون أنّهم يعرفون أين تقع" بكّة"(دون حاجة إلى ترجمة معناها) .. كما أنهم قادرون على ربط هذا المكان بالحج و" النبع الفيّاض"(بئر زمزم) .

جاء في معجم الكتاب المقدس Knowledge ==The Treasury of Scripture: حول عبارة" بكا" في هذا المزمور: " بكا: ربما هي شجيرة عريضة، ما زال العرب يسمّونها بهذا الإسم (انظر سفر صموئيل الثاني 5: 23) .."

وجاء في التعليق الكلاسيكي (في 10 مجلدات) على العهد القديم ل س. ف.

كيل Keil.F.C وفرنز دليتزش Franz Delitzsch والمسمى:

= Commentary on the Old Testament=

والذي نشرت أول طبعاته سنة 1866 م وأظهر فيه مؤلفاه معرفة باللغة العربية بالإضافة إلى اتقانهما للغة العبرية، أنّ كلمة" بكا" هي اسم لشجرة معروفة في" مكة". وهي باللغة العربية شجرة" التوت".

ونقول: شجرة البكا كانت معروفة ومشهورة في مكة العربية.. وهي اسم لواد في فلسطين لم يستطع أساطين الدرسات الكتابية في الغرب القطع بمكانه!! كلام يستعصي على الائتلاف.. بل الحق أنّ مكّة العربية كانت تسمى" بكه" بسبب كثرة شجر التوت فيها. ولا داعي للقفز من بلاد العرب إلى بلاد الشام فرارا من بشارة النبي داود عليه السلام بحج المسلمين إلى مكة!

أمر مكة والكعبة قد جاء خبره أيضا في كتب دينية ظهرت قبل الإسلام، وإن كانت كنيسة اليوم لا تراها وحيا، من ذلك ما جاء في كتاب" آدم وحواء" قول آدم لابنه شيث: إنّ الله سوف يدلّ الناس الأمناء على المكان الذي يبنون فيه بيته (بيت الله)(كتاب آدم وحواء 29: 5- 7) .

ص: 299

وقد علّق البحاثة تشارلز- صاحب الكتاب الذي حوى الترجمة الإنجليزية لهذا السفر- على هذا النص بقوله: عدم ذكر معبد أورشليم في الفصل 29 (المذكور فيه بيت الله) يدلّ على أنّ هذا الكتاب قد ألّف في مدينة غربية، واكتفاء الكتاب بقوله: المكان الذي اعتاد الصلاة فيه هو الذي تعلم المسلمون أن يبنوا عليه احترامهم للكعبة.

ويظهر كما ترى أنّ هذا الباحث غير المسلم قد أدرك هذا التشابه والتطابق بين كعبة المسلمين وبيت الله في سفر آدم وحواء!

مما يؤكد أنّ المكان الذي سيحجّ إليه الناس هو في غير فلسطين، ما جاء في أحد مخطوطات البحر الميت ":(4 q -174) سأختار مكانا لشعبي إسرائيل وأزرعهم فيه فيقيمون فيه، فلا يزعجهم بعد ذلك أعداؤهم، ولن يؤذيهم مرة أخرى أي أحد من أبناء الضلال.. إنّه هذا هو البيت الذي سيبنيه لهم في آخر الأيام (الزمان) كما هو مكتوب في كتاب موسى، في الحرم الذي أقامته أيديهم Dead Sea Scrolls in English ،3 rd) ".

edition، by G.vermes، P 392

) . وهيكل سليمان ما بني في آخر الزمان، كما أنّ اليهود قد نالهم" أذى" شديد فيه!

زعم شمعون أنّ رحلة الحج إلى أورشليم غير معقولة لبعد المسافة.. والردّ هو أنّ سليمان بن داود عليهما السلام (وداود هو صاحب المزمور) كان عليه أن يمرّ على مكّة لبلوغ أرض شيبا ليتزوج ملكتها.. وقد حكم عليه السلام منطقة شيبا، وهذا يدلّ على صلة قومه بمكة والعبور إليها وعلى أنّ الرحلة ليست شاقة على

ص: 300

الصورة التي يصورها شمعون، كما أنّ المشقة لا تمنع من آداء الفرئض وإظهار الإذعان لأمر الله..

ثم، إنّ داود نفسه قد انتقل إلى بلاد العرب (صحراء فاران) بعد موت صموئيل كما هو مذكور في سفر صموئيل الأول 25: 2 (كما هو في كثير من التراجم العربية والإنجليزية..) .

قال القس لبيب ميخائيل في كتابه" أعظم من جميع الأنبياء" معترضا على المسلمين:

" وقالوا أن (قلت: الصواب: " إنّ") الكلمات المذكورة في المزمور الرابع والثمانين والتي تقول" طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك فى قلوبهم.

عابرين فى وادى البكاء يصيّرونه ينبوعا.. يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله فى صهيون" (مزمور 84: 5- 7) هي نبوة عن محمد، لأن وادي البكاء ممكن أن ينطق وادي" بكة"، و" بكة" هي" مكة"، ومحمد جاء من مكة، ولست أرى نفسي بحاجة للتعليق على هذا التفسير، لأنه يحمل فى كلماته ما يخرجه عن أي قواعد للتفسير.."

قلت: هي عثرة ليس لها مقيل، مشعرة بخلو صاحبها من التحصيل، تثير في ذهني" ترنيمة" عاقل يقول فيها:

لقلع ضرس وضرب حبس

ونزع نفس وردّ أمس

وقرّ برد وقود فرد

ودبغ جلد بغير شمس

وأكل ضبّ وصيد دبّ

وصرف حبّ بأرض خرس

ونفخ نار وحمل عار (!)

وبيع دار بربع فلس

ص: 301

وبيع خفّ وعدم ألف

وضرب ألف بحبل قلس

" أهون من وقفة المرء ي

رجو جوابا بباب قسّ! "

أيها القارئ.. إنّ واقع الحال هو أنّ الأصل العبري يقول" بكه"، لا أنّ" وادي البكاء" يمكن أن ينطق" بكه" بزعم المسلمين كما يدّعي هذا الفسل الفلس من حلية العلم والأدب.. فمن المحرّف؟!! .. إنّ بقية النصارى يقرّرون أنّ" العبارة العبرية تنطق كما تنطق كلمة" بكه".. ويزعمون أنّ" بكاء" تفسير للكلمة العبريّة.. والقس" غير اللبيب" يجعل ترجمته العربية المحرّفة، الأصل المتحاكم إليه.. ولكن..

تصدّر للتنصير كلّ مهوّس

بليد تسمّى بالصليبي الألمعي

فحق لأهل الحق أن يتمثّلوا

ببيت قديم شاع في كلّ مجلس

"

لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها، وحتى سامها كلّ مفلس"

مع الاعتذار للآمدي صاحب الأبيات الأصلية-

ص: 302

النبي الأمّي

من أشهر ما وصف به نبي الإسلام وعرف به، " أميّته" صلى الله عليه وسلم.

وإذا كانت الأميّة في غيره نقيصة، فإنّها فيه حجّة مدعمّة لنبوّته، فهو الذي أتى بالقرآن المعجز ببيانه وبلاغته، وإخباره بالمغيبات وبالشرائع المذهلة والضوابط الأخلاقية المتقنة. وإذا كان العالم المتمرّس بالعلوم عاجزا عن يأتي بمثل هذا القرآن، فكيف برجل أمّي لا يقرأ ولا يكتب!

وقد وصف الله سبحانه نبيّه صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع من القرآن الكريم بالأميّة: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ"(الأعراف 157) ، " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"(الأعراف 158) أي الذي لم يكن يكتب أو يقرأ. وهو صلى الله عليه وسلم لم يتعلّم هذا القرآن ولم يعلّمه، وقد وعده ربّه بأن يحفظ له كتابه هذا في صدره:" لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ"

(سورة القيامة 16- 17) .

وتركيز القرآن على صفة الأميّة في نبي الإسلام، وذكره أنه قد جاء التنصيص على هذه الصفة في أسفار النصارى يجعلنا نطمئنّ لوجود ما جاء ذكره في القرآن في ما بين أيدي هؤلاء. ولا نحتاج إلى كبير عناء للعثور على مرادنا في الكتاب المقدّس، إذ ها هي أعداد سفر إشعياء تنبئنا بما نريد:" أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة. "

(سفر إشعياء 29: 12)

ص: 303

قبل أن نضع هذا النص على مشرحة البحث بين يدي العقل المنصف، علينا أن نلفت الانتباه إلى أنّ هذا النص في صورته العربية التي نقلناها، محرّف، والسبب أنّ أصحاب الترجمة العربية التي بين أيدينا يعلمون معنى هذا النصّ، ولذلك شوّهوه، والمقارنة بين التراجم الإنجليزية والفرنسية

وبين النصّ العربي السابق سيكشف لك الأمر:

The New International Version:

Or if you give the scroll to someone who cannot

read، and say،

"dont know how to read.I "he will answer ،"Read this ،please ،"

The New American Standard Bible:

Then the book will be given to the one who is

illiterate، saying،

And he will say ،=I "Please read this. "

cannot read.=

The New American Bible:

When it is handed to one who can not who can not read، with the

request:= read this

، he replies،= i can not read=

Louis Segond:.

ص: 304

Je ne sais pas lire =:Et qui repondne sait pas lire ،en disant:Lis donc cela! Ou comme un livre que Ion donne A un homme qui

وتعريب هذه النصوص، على اختلاف طفيف بينها:" أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، مع الرجاء: " اقرأ هذا" فيجيب:

" لا أعرف القراءة".

من أهم مواضع الخلاف بين هذه التراجم وبين النص العربي، إضافة عبارة" مع الرجاء"، وهذه الزيادة لا تعنينا في هذا المقام.. وإنما الذي يعنينا هو استعمال كلمة" القراءة" في هذه

التراجم محلّ كلمة" الكتابة" في المقابل العربي.. وسترى في ما سيأتي إن شاء الله، سبب تحريف هذا النص.

ويبدو أنّ آباء الكنيسة الأوّلين لم يجدوا لهذه الكلمات معنى، فها هو القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لسفر إشعياء (نشر كنيسة مارجرجس باسبرتنج) والذي جمع مادته من" نخبة ممتازة من تفسيرات آباء الكنيسة الأوّلين"، قد فسّر الفصل 29 من سفر إشعياء بأكمله إلا العدد موضوع حديثنا، ولكنّ نصارى اليوم يعرفون معنى هذا النص ولذلك حرفوا ترجمته العربية!!

حتى نفهم معنى ما جاء في نبوءة إشعياء، علينا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء، إلى ما قبل 14 قرن سلف:

أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: " أول ما بدئ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه-

ص: 305

وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن يترع إلى أهله، ويتزود إلى ذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك.

فقال: اقرأ.

قال: ما أنا بقارئ.

قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد.

ثم أرسلني

فقال: اقرأ.

فقلت: ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني

فقال: اقرأ.

فقلت: ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطني الثالثة

ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ

الحديث"

إنّه من البيّن لكل ذي عينين، التطابق الواضح بين ما جاء في هذا الحديث الذي خرّجه أيضا الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما، وبين ما جاء في سفر اشعياء 29: 12" لقد دفع كتاب الوحي إلى نبي الإسلام ليقرأه: " اقرأ".. فقال هذا النبي:

" ما أنا بقارئ" أي أنا أمّي لا أعرف القراءة. ملاحظة أخرى لا بدّ من ذكرها وهي

ص: 306

أنّ الكلمة العبرية المستعملة في النص العبري هي" اقرأ"، وهي نفس الكلمة الواردة في الحديث سابق الذكر.. فتأمل!!!

لقد انتشر خبر" قرآن"" النبي الخاتم" في أسفار الأوّلين لعظيم مقام هذا الكتاب المعجز ولعجائبه التي لا تنقضي.. وهو حقا كتاب لا نظير له بين الكتب المقدسة.. واقرأ هذه الوقائع الثلاث لتزداد يقينا بهذا الأمر:

قال الشيخ أبو بكر جومي (عالم مسلم من نيجيريا) - الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لسنة 1987 م- في محاضرة له ألقاها في دولة" السعودية"، نشرت في كتاب بعنوان" محاضرات الموسم الثقافي لعامي 1406 هـ 1407 هـ (نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية سلسلة النشاط الثقافي (2) ، والكتاب يضم مقالات أخرى للدكتور حسن ظاظا وباحثين آخرين..) ص 158: ".. في السنة الماضية حصل شيء في نيجيريا يبين معجزة الإسلام. اجتمع رؤساء الكنيسة في ولاية جنجلة يتشاورون، ورأوا في تلك الولاية عربيا بيده مصحف مترجم باللغة الإنجليزية.

فسأله أحدهم: أي كتاب هذا؟

قال: القرآن.

قال: هاته.

فأخذه منه وأراد أن يبين أنّ القرآن ليس فيه شيء، فسكب عليه البترين وأوقد عليه النار فاحترقت يده. بعد ذلك غاب الكتاب ولا يعرف أين ذهب الله به.

وهذا جعل جميع الأوروبيين هناك يخرجون من البلاد. وجميع القسيسين الذين

ص: 307

اجتمعوا هناك يعتنقون الإسلام. ونحن رأينا منهم من جاءنا بالأخبار وأخبرنا، وكلامه صحيح. "

قال الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي- رئيس قسم الدراسات القرآنية في كلية إعداد المعلمين بالرياض في كتابه" خصائص القرآن الكريم"، في هامش ص 177:" نشرت الصحف أنّ نسخة القرآن الكريم التي كان يحملها الرئيس الباكستاني ضياء الحق ظلت على حالها ولم يمسّها أي ضرر في حين احترق كلّ شيء عند انفجار طائرة الرئيس رحمه الله تعالى وقد كتب الأستاذ عبد الكريم طويان في جريدة الجزيرة العدد 5821 في 24- 1- 1409 هـ ص 19 مقالا جيدا ذكر فيه عددا من الأحداث المماثلة ولا شكّ أنّ هذا من الآيات العجيبة. "

نقل الشيخ محمد سيد محمود، عضو هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في كتابه" علاج المسحور من الكتاب والمأثور" ص ص 59- 60، هذه الواقعة عن الداعية المعروف أحمد القطان: "..

يقول الداعية الإسلامي الشهير الشيخ أحمد القطان، من التجارب الشخصية لي في هذا المجال من ناحية الحديث والرؤية والمشاهدة، فقد اشتكى صاحب بيت بأنّه لّما نزل في بيته الجديد أصبح هناك من ينغّص عليهم الحياة في هذا البيت، حيث أنّهم لّما وضعوا طعامهم وجدوا حفنة من طين أو تراب فجأة تظهر وسط طبق الطعام، ولا يرون من يضعها.. ذلك يتكرّر كلّ يوم ثلاث مرّات عند الإفطار وعند الغذاء وعند العشاء

فلمّا أصبحت بهذا الوضوح والتكرار أصبح الأولاد عند ما يضعون السفرة في خوف ورعب وعند ما يضعون الإناء يتظرون إليه جميعا وفجأة تظهر حفنة التراب فيفرون هذا إلى غرفته وهذا إلى المطبخ، يصرخون ويبكون، ممّا جعل صاحب الدار يأخذ زوجته وأولاده ويذهب بهم إلى بيت أهل الزوجة، ومكث هو وأمّه وعمّته في البيت.. فكان كلّما جلست أمّه أو عمّته وجد من يحثو على رأسها التراب، فلمّا

ص: 308

أخبرني بذلك ذهبت أنا ورجال أفاضل منهم مستشار في القضاء، ومنهم إمام مسجد، ومنهم إمام وخطيب، وأخذنا نقرأ بعد أن توضّأنا سورة البقرة وأذكر أنّها في ليلة الاربعاء بعد العشاء، وهو اليوم الذي يشتدّ عليهم فيه، فلمّا وصلنا عند آية الكرسي وكانت العجوز تجلس في فناء الدار في فصل الصيف، فنادانا ولدها وقال:

تعالوا انظروا، فتركنا أخا يقرأ وخرجنا ننظر، وإذا المرأة تلبس عباءتها وهي جالسة في الفناء والتراب ينزل من رأسها وكأنّه يخرج من الرأس ويترل على عباءتها إلى الأرض، ولّما أنهينا سورة البقرة انتهى التراب واختفى ولم يعد مرة أخرى. "

ولله الحمد!

اعتراض النصارى: جاء في هامش الترجمة الكاثولكية" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد =The New American Bible ="أنّ نص إشعياء 29:

9-

12 متعلق بالقدس (أورشليم) ، وهو يشير إلى رفض القدس (أهلها) تصديق أنّ الله سيخلّصها..

الردّ: أسطورة خلاص القدس على يد المسيح (النصراني) لم تتحقق، بل قام القائد الروماني تيتوس سنة 66 م باحتلال القدس وتخريب المعبد، وقام الإمبراطور الروماني أدريانوس سنة 135 م بإزالة معالم القدس والهيكل تماما، ثمّ أصبحت المدينة وما جاورها قرونا طوالا في ملك المسلمين الموحدين، ثمّ ها هي اليوم مأسورة في قفص اليهود الذين وصفهم المسيح بأنهم" أولاد الأفاعي"..

إنّ حمل نصّ إشعياء على محمد صلى الله عليه وسلم يحافظ على المعنى التنبئي الحرفي للنصّ، في حين أنّ حمله على" القدس" وأهلها ينقله إلى المعنى المجازي.. البعيد.. والأوّل أولى بل هو الحق!

ص: 309

راكب الجمل

جاء في سفر إشعياء 21: 6- 10: " لأنّه هكذا قال الربّ لي:

اذهب وأقم رقيبا ليعلن ما يراه.

وعند ما يشاهد راكبين فرسانا أزواجا أزواجا، أو راكبين على حمير، وراكبين على جمال، فليصغ إصغاء شديدا.

ثمّ هتف الرّقيب: ها أنا أقف على برج المراقبة يوما بعد يوم أيّها الربّ، وأقوم على المحرس طوال اللّيل.

فها ركب قادم، فرسان أزواج أزواج. فأجاب: سقطت سقطت بابل وتحطمت سائر أصنامها على الأرض.

آه يا شعبي المطحون والمشتّت، لقد أنبأتكم بكل ما سمعته من الربّ القدير إله إسرائيل. "

النص الماسوري:

ص: 310

تخبر هذه الأعداد عن قدوم طائفتين: أصحاب الراكب على حمار، وأصحاب الراكب على جمل.

لا يتردد أي نصراني في القول إنّ ما جاء في هذه الأعداد عن الراكب على الحمار ما هو إلا نبوءة عن عيسى عليه السلام لما جاء في إنجيل يوحنا 12: 14: " ووجد يسوع جحشا فركب عليه، كما قد كتب: " لا تخافي يا بنت صهيون، فإنّ ملك قادم إليك راكبا على جحش أتان". والإشارة في" قد كتب" إلى سفر إشعياء 40: 9 وسفر زكريا 9: 9 كما هو منصوص عليه في هامش" الترجمة الأمريكية الجديدة.merican BibleA ==The New "

فالبشارة بالمسيح في العهد القديم، كما يقول النصارى، هي بركوب الحمار.

أما الراكب على الجمل فهو بلا ريب محمد صلى الله عليه وسلم. فهو الراكب على الجمل" القصواء". وهو صلوات الله عليه وسلّم الذي تحطمت سائر أصنام العراق (بابل) على يدي أمّته المباركة، ولم تبلغها يد أمة أخرى قبلها بإزالة أو إبادة..

فالبشارة إذن هي بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ولا يمكن نسبتها إلى نبي آخر.

وقد فهم هذا النص على هذه الصورة النجاشي النصراني، فقد قال الإمام ابن القيم في الجزء الثالث من" زاد المعاد":

".. وكتب إلى النجاشي: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة أسلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم

ص: 311

البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.

وبعث بالكتاب مع عمرو بن أمية الضمري فقال ابن إسحاق: إن عمرا قال له يا أصحمة إن علي القول وعليك الاستماع إنك كأنك في الرقة علينا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور وفي ذلك موقع الحز وإصابة المفصل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه بخير سالف وأجر ينتظر.

فقال النجاشي: أشهد بالله أنه النبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب وأن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر ثم كتب النجاشي جواب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم" بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما ذكرت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قربنا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين". والثفروق علاقة ما بين النواة والقشر. "

وستقرأ أنّ هذا الوصف لمحمد صلى الله عليه وسلم موجود حتى في كتب المجوس

ص: 312

وكتب الهندوس (كتاب آثر فيدا: 20: 127 في حديثه عن ركوب" نارشنجزا" على جمل) .

ص: 313

الأمة العظيمة

جاء في سفر التكوين 21: 13، 18:

" وسأقيم من ابن الجارية (هاجر) أمّة أيضا لأنّه من ذريّتك (

)

قومي واحملي الصّبيّ، وتشبّثي به لأنّني سأجعله أمّة عظيمة. "

النص الماسوري:

هذه بشارة صريحة من الله سبحانه أن يجعل من بين نسل إسماعيل أمّة عظيمة..

ونحن نسال كلّ نصراني: " من هي الأمة العظيمة التي كانت من نسل إسماعيل..

انظر يمينا وانظر شمالا.. ثم ارجع البصر كرّتين.. افتح كتب التاريخ.. قلّب صفحاتها.. إنك لن تجد غير أمة الإسلام بنبيها العربي الإسماعيلي!! ". وقد قال دومّلو Dummelo في تعليقه على الكتاب المقدس of the Bible ==Dummelos Commentary ص 125: " الوعد لهاجر تمّ بالجنس العربي".

قال القس عبد المسيح البسيط أبو الخير في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح" ص ص 25- 26 بكلّ" بساطة": " لم تتضمن وعوداته (وعود الله) لإبراهم أي إشارة عن نبوة أو نبي يأتي من أبناء إسماعيل، بل على

ص: 314

العكس ففي قول الملاك لهاجر تكثيرا أكثّر نسلك فلا يعدّ من الكثرة. وقال لها ملاك الربّ: ها أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل لأنّ الرّبّ قد سمع لمذلّتك.

وإنّه يكون إنسانا وحشيّا يده على كلّ واحد ويد كلّ واحد عليه" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!! ".

وقال في ص ص 26- 27: " كما أن استشهادهم (يقصد المسلمين) بقوله" وابن الجارية أيضا سأجعله أمّة لأنّه نسلك" (تكوين 21: 13) ، لا يفهم إلا من خلال النص الكامل للحديث والذي يقول" فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها لأنّ ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق. فقبح الكلام جدّا في عيني إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كلّ ما تقول لك سارة اسمع لقولها لأنّه بإسحاق يدّعى لك نسل. وابن الجارية أيضا سأجعله أمّة لأنّه نسلك. " (تكوين 21: 10- 13) .

فالنسل الموعود الذي تتبارك من خلاله جميع الأمم هو إسحق. أمّا إسماعيل فسيجعله الله أمّة كبيرة العدد. وهذا ما أكده الله تكرارا؛" ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا". و" اثني عشر رئيسا يلد واجعله أمة كبيرة" و" سأجعله أمة لأنّه نسلك" و" سأجعله أمة عظيمة". وهذه الأقوال، جميعها، لا تشير لا إلى أفراد ولا إلى فرد بعينه بل إلى أمّة كثيرة العدد فقط، ولا توحي بأي شكل من الأشكال عن بركة نبوّة، كما أنّ قول الملاك لهاجر عن إسماعيل يكون إنسانا وحشيّا يده على كلّ واحد ويد كلّ واحد عليه" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!! ".

ونقول: إنّ وعد الله أن يجعل من بين نسل إسماعيل" أمة عظيمة" لا يمكن أن يحمل إلا على أنّ الله سيخرج من هذا النسل نبيا عظيما تتبعه أمة كثيرة السواد، لأنّ

ص: 315

المقابل لهذا الفهم هو أنّ الله سبحانه سيخرج من نسل اسماعيل أمة كثيرة العدد لا تعبد الله ولا ترفع بالتوحيد رأسا، لا تنكر منكرا ولا تعرف معروفا، فقد حصرت النبوة والوحي في نسل إسحاق وانحسر مدّ الهداية عند سواحلهم!!؟

إنّ معنى البشارة هو الخبر السار وكيف يكون الخبر سارا بالإخبار عن ذرية كافرة ضالة.

ويؤيّد ما نقول القس" البسيط" نفسه، فقد قال في مفتتح الفصل الثاني في كتابه التالف (بالتاء) والذي عقده للتشغيب على التبشير بالنبي الإسماعيلي ولإهالة تراب الشكوك الذابلة والأوهام الواهنة على الحق المشرق:" بعد أن زاغت البشريّة واتّجهت لعبادة الأصنام، سواء مع الله، أي أشركوا به، أو من دون الله، أي عبدوها كآلهة أو كما يقول الكتاب المقدّس" الّذين استبدلوا حقّ الله بالكذب واتّقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الّذي هو مبارك إلى الأبد" (رومية 1: 25) . كان الله قد رتب، بحسب مشورته الإلهيّة وعلمه السابق، أن يحفظ لنفسه شعبا مختارا يؤمن به ولا يحيد عن عبادته لكي يأتي منه، بحسب ما سبق أن عينت ورتبت مشورته الإلهيّة، نسل تتبارك به جمع القبائل والأمم والشعوب في وقت سبق أن عينه أسماه" ملء الزمان" (غلاطية 4: 4) . "

.. فإذا كان الربّ، لمّا رأى أنّ أهل الأرض جميعا قد وقعوا في الكفر، قد اختار أن ينقذ أبناء يعقوب بن إسحاق فقط، ألا يكون بذلك، بزعم" البسيط"، قد رضي إهلاك بني إسماعيل إلى يوم القيامة وإغراقهم في بحر الشرك بعد إقراره احتكار الإسرائيليين لنور الوحي.. ليكون قد تناقض، ووعد فأخلف.. ولا مخرج من التناقض وإخلاف الوعد غير إرسال نبي عظيم في بني إسماعيل للهداية والرحمة في هذا النسل" المحروم"!

ص: 316

ومما يؤكد ظهور نبيّ من بني إسماعيل، ما جاء في سفر اشعياء 11: 1- 5:

" ويفرخ برعم من حذع يسّى، وينبت غصن من جذوره،

ويستقر عليه روح الربّ، روح الحكمة والفطنة، روح المشورة والقوّة، روح معرفة الربّ ومخافته

وتكون مسرّته في تقوى الربّ، ولا يقضي بحسب ما تشهد عيناه، ولا يحكم بمقتضى ما تسمع أذناه،

إنّما يقضي بعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويعاقب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه،

لأنّه سيرتدي البر ويتمنطق بالأمانة. "

تشير هذه النبوءة إلى نبيّ عظيم يخرج في آخر الزمان. ولا تخدعن بكلمة" يسّى" الذي هو والد داود النبي، إذ قد جاء في موسوعة الكتاب المقدس Encyclopaedia Biblica ل ت. ك. شاين T.K.Cheyne تحت اسم" يسّى ": =Jesse ="يسىّ: اختصار لكلمة إسماعيل".

والاختصار بشهادة هذه الموسوعة معروف في الكتاب المقدس.. وهو موجود في أيامنا في البلاد الانجلوسكسونية حيث تتغير صورة الكلمة بطريقة واضحة: مثال:

كلمة" بوب" هي اختصار لاسم" روبرت" وكلمة" ديك" هي اختصار لكلمة" ريتشارد"..

وقد يقول، وسيقول قطعا، النصارى، إنّ نصّ إشعياء 11: 1 يذكر موعودا من نسل يسّي ولم يذكر إسماعيل صراحة.. ونقول أنّ الاختصار بضاعة من الكتاب المقدس ذاته، ولو أنّ المعنيّ بهذه البشارة في عبارة" يسّي" كان والد داود لكان

ص: 317

الأولى أن يبدأ الفصل ب" ويفرخ برعم من جذع داود" لأنّ داود كما هو ظاهر من الكتاب المقدس أعظم من أبيه، ومن نسله ظهر سليمان النبي وأنبياء آخرون كثر.

والنصارى يصرّون على أنّ المعني ببشارة إشعياء 11 هو المسيح. ونقول بعدما سبق، إنّ يسّى نفسه لم يحصر نسله في داود بل له من الأولاد الكثير، فقد جاء في سفر أخبار الأيام الأول 2: 13- 17 أنّ داود هو الابن السابع ليسّى، بل لداود أختين، احداهما اسمها أبيجايل، وقد تزوّجت يثر الإسماعيلي وأنجبت منه عماسا.. إذن، حتى على فرض أنّ يسّى المذكور هو والد داود فإنّ النبوة تبقى مرتبطة بنبيّ الإسلام الذي تحققت فيه أيضا بقية علامات البشارة!

وفي بشارة قريبة ممّا سبق قال شيخ الإسلام ابن تيمية في" الجواب الصحيح..":

" ومن ذلك ما في التوراة التي بأيديهم في السفر الأول منها وهي خمسة أسفار في الفصل التاسع في قصة هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين أقبلت وإلى أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون وها أنت تحبلين وتلدين ابنا نسميه إسماعيل لأن الله قد سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحشي الناس ويكون يده فوق الجميع ويد الكل به ويكون على تخوم جميع إخوته.

قال المستخرجون لهذه البشارة معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد لم تكن فوق أيدي بني إسحاق بل كان في بني إسحاق النبوة والكتاب وقد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد ثم خرجوا منها لما بعث موسى وكانوا مع موسى أعز أهل الأرض لم يكن لأحد عليهم يد ثم مع يوشع بعده إلى زمن داود وملك سليمان الذي لم يؤت أحد مثله وسلط عليهم بعد ذلك بختنصر فلم يكن لبني إسماعيل عليهم يد ثم بعث المسيح وخرب بيت المقدس الخراب الثاني حيث

ص: 318

أفسدوا في الأرض مرتين ومن حينئذ زال ملكهم وقطعهم الله في الأرض أمما وكانوا تحت حكم الروم والفرس لم يكن للعرب عليهم حكم أكثر من غيرهم فلم يكن لولد إسماعيل سلطان على أحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا الأميين فلم يكن يد ولد إسماعيل فوق الجميع حتى بعث الله محمدا الذي دعا به إبراهيم وإسماعيل حيث قالا: " رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"(البقرة 129) .

فلما بعث صار يد ولد اسماعيل فوق الجميع فلم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانهم وقهروا فارس والروم وغيرهم من الأمم وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والصابئين فظهر بذلك تحقيق قوله في التوراة وتكون يده فوق الجميع ويد الكل به وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر.

فإن قيل هذه بشارة بملكه وظهوره قيل الملك ملكان ملك ليس فيه دعوى نبوة وهذا لم يكن لبني اسماعيل على الجميع وملك صدر عن دعوى نبوة فإن كان مدعي النبوة كاذبا:

:" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ"(الأنعام 93)

وهذا من شر الناس وأكذبهم وأظلمهم وأفجرهم وملكه شر من ملك الظالم الذي لم يدع نبوة كبختنصر وسنجاريب.

ومعلوم أن الإخبار بهذه لا يكون بشارة ولا تفرح سارة وإبراهيم بهذا كما لو قيل يكون جبارا طاغيا يقهر الناس على طاعته ويقتلهم ويسبي حريمهم ويأخذ أموالهم

ص: 319

بالباطل فإن الإخبار بهذا لا يكون بشارة ولا يسر المخبر بذلك وإنما يكون بشارة تسره إذا كان ذلك يعدل وكان علوه محمودا لا إثم فيه وذلك في مدعي النبوة لا يكون إلا وهو صادق لا كاذب. "

ص: 320

المنتصر.. صاحب السيف

قال العلامة رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" ص ص 433- 435 إنه جاء في المزمور 45:

" فاض قلبي كلمة صالحة أنا أقول أعمالي للملك

لساني قلم كاتب سريع الكتابة

بهي في الحسن أفضل من بني البشر

انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الدهر

تقلد سيفك على فخذك أيها القوي بحسنك وجمالك

أستله وأنجح وأملك من أجل الحق والدعة والصدق وتهديك بالعجب يمينك

نبلك مسنونة أيها القوي في قلب أعداء الملك الشعوب تحتك يسقطون

كرسيك يا الله إلى دهر الداهرين عصا الاستقامة عصا ملكك

أحببت البر وأبغضت الإثم لذلك مسحك الله إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك

المر والميعة والسليخة من ثيابك من منازلك الشريفة العاج التي أبهجتك

بنات الملوك في كرامتك قامت الملكة من عن يمينك مشتملة بثوب مذهب موشى

ص: 321

اسمعي يا بنت وانظري وأنصتي بأذنيك وانسي شعبك وبنت أبيك

فيشتهي الملك حسنك لأنه هو الرب إلهك وله تسجدين

بنات صور يأتينك بالهدايا لوجهك يصلي كل أغنياء الشعب

كل مجد ابنة الملك من داخل مشتملة بلباس الذهب الموشى يبلغن إلى الملك عذارى في أثرها قريباتها إليك يقدمن يبلغن بفرح وابتهاج يدخلن إلى هيكل الملك

ويكون بنوك عوضا من آبائك وتقيمهم رؤساء على سائر الأرض

سأذكر اسمك في كل جيل وجيل من أجل ذلك تعترف لك الشعوب إلى الدهر والى دهر الداهرين".

قلت: هذا هو النص الماسوري:

ص: 322

وهذا الأمر مسلّم عند أهل الكتاب أن داود عليه السلام يبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه، ولم يظهر إلى هذا الحين عند اليهود نبي يكون موصوفا بالصفات المذكورة في هذا الزبور، ويدعى علماء بروتستنت أن هذا النبي عيسى عليه السلام، ويدعي أهل الإسلام سلفا وخلفا أن هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

فأقول أنه ذكر في هذا الزبور من صفات النبي المبشّر به هذه الصفات:

[1]

كونه حسنا. [2] كونه أفضل البشر. [3] كون النعمة منسكبة على شفتيه. [4] كونه مباركا إلى الدهر. [5] كونه متقلدا بالسيف. [6] كونه قويّا.

[7]

كونه ذا حق ودعة وصدق. [8] كونه هداية يمينه بالعجب. [9] كون نبله مسنونة. [10] سقوط الشعب تحته. [11] كونه محبا للبر ومبغضا للإثم. [12]

خدمة بنات الملوك إياه. [13] إتيان الهدايا إليه. [14] انقياد كل أغنياء الشعب له.

[15]

كون أبنائه رؤساء الأرض بدل آبائهم. [16] كون اسمه مذكورا جيلا بعد جيل. [17] مدح الشعوب إياه إلى دهر الداهرين.

وهذه الأوصاف كلها توجد في محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه.

أما الأول: فلأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: " ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه وإذا ضحك يتلألأ في الجدار" وعن أم معبد رضي الله عنها قالت في بعض ما وصفته به: " أجمل الناس من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب".

وأما الثاني: فلأن الله تعالى قال في كلامه المحكم: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" الآية. وقال أهل التفسير أراد بقوله" ورفعهم بعضهم

ص: 324

درجات" محمّدا صلى الله عليه وسلم أي رفعه على سائر الأنبياء من وجوه متعددة، وقد أشبع الكلام في تفسير هذه الآية الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير.

وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" أي لا أقول ذلك فخرا لنفسي بل تحدثا بنعمة ربي.

وأما الثالث: فغير محتاج إلى البيان حتى أقر بفصاحته الموافق والمخالف، وقال الرواة في وصف كلامه: إنه كان أصدق الناس لهجة فكان من الفصاحة بالمحل الأفضل والموضع الأكمل.

وأما الرابع: فلأن الله تعالى قال: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" وألوف ألوف من الناس يصلون عليه في الصلوات الخمس.

وأما الخامس: فظاهر وقد قال هو بنفسه أنا رسول الله بالسيف.

وأما السادس: فكانت قوته الجسمانية على الكمال، كما ثبت أن ركانة خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم فقال: يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه. فقال: لو أعلم والله ما تقول حقا لاتبعتك. فقال:

أرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال: نعم، فلما بطش به صلى الله عليه وسلم أضجعه لا يملك من أمره شيئا، ثم قال: يا محمد عد فصرعه أيضا فقال: يا محمد إن ذا لعجب. فقال صلى الله عليه وسلم: وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله وتبعت أمري. قال: ما هو قال: أدعو لك هذه الشجرة فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يديه صلى الله عليه وسلم. فقال لها: ارجعي مكانك. فرجع ركانة إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف ما رأيت أسحر منه ثم أخبرهم بما رأى. وركانة هذا كان من الأقوياء والمصارعين المشهورين. وأما شجاعته فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: " ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود من رسول الله صلى الله عليه

ص: 325

وسلم" وقال علي كرم الله وجهه: " وإنا كنا إذا حمى البأس، واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. ولقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا".

وأما السابع: فلأن الأمانة والصدق من الصفات الجليلة له صلى الله عليه وسلم، كما قال النضر بن الحارث لقريش:" قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة. حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم إنه ساحر، لا والله ما هو بساحر".

وسأل هرقل عن حال النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قال: لا. قال: لا.

وأما الثامن: فلأنه رمى يوم بدر وكذا يوم حنين وجوه الكفار بقبضة تراب، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا وتمكن المسلمون منهم قتلا وأسرا فأمثال هذه من عجيب هداية يمينه.

وأما التاسع: فلأن كون أولاد إسماعيل أصحاب النبل في سالف الزمان، غير محتاج إلى البيان وكان هذا الأمر مرغوبا له وكان يقول:" ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه". ويقول: " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا". ويقول عليه السلام: " من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا".

وأما العاشر: فلأن الناس دخلوا أفواجا في دين الله في مدة حياته.

وأما الحادي عشر: فمشهور يعترف به المعاندون أيضا (

) .

ص: 326

وأما الثاني عشر: فقد صارت بنات الملوك والأمراء، خادمة للمسلمين في الطبقة الأولى، ومنها شهربانو بنت يزدجرد، كسرى فارس، كانت تحت الإمام الهمام الحسين رضي الله عنه.

(قلت: قد تزوّج محمد صلى الله عليه وسلم السيدة صفيّة بنت حيي بن أخطب، وهي بنت سيد بني النضير وملكهم، والسيدة جويرية بنت الحارث، وأبوها كان سيد بني المصطلق وملكهم) .

وأما الثالث عشر والرابع عشر: فلأن النجاشي ملك الحبشة ومنذر بن ساوى ملك البحرين وملك عمان انقادوا وأسلموا، وهرقل قيصر الروم أرسل إليه بهدية، والمقوقس ملك القبط أرسل إليه ثلاث جوار، وغلاما أسود وبغلة شهباء، وحمار أشهب، وفرسا وثيابا وغيرها.

وأما الخامس عشر: فقد وصل من أبناء الإمام الحسن رضي الله عنه إلى الخلافة، وألوف في أقاليم مختلفة من الحجاز واليمن ومصر والمغرب والشام وفارس والهند وغيرها. وفازوا بالسلطنة والإمارة العلية، وإلى الآن أيضا في ديار الحجاز واليمن، وفي غيرهما توجد الأمراء والحكام من نسله صلى الله عليه وسلم، وسيظهر إن شاء الله المهدي رضي الله عنه من نسله، ويكون خليفة الله في الأرض، ويكون الدين كله لله في عهده الشريف.

وأما السادس عشر والسابع عشر: فلأنه ينادي ألوف ألوف جيلا بعد جيل في الأوقات الخمسة، بصوت رفيع في أقاليم مختلفة:" أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" ويصلي عليه في الأوقات المذكورة الغير المحصورين من المصلين، والقراء يحفظون منشوره، والمفسرين يفسرون معاني فرقانه، والوعاظ يبلغون وعظه، والعلماء والسلاطين يصلون إلى خدمته، ويسلمون عليه من وراء الباب (

) .

ص: 327

ولا يصدق هذا الخبر في حق عيسى عليه السلام. كما يدعيه علماء بروتستنت ادعاء باطلا، لأنهم يدعون أن الخبر المندرج، في الباب الثالث والخمسين من كتاب اشعيا، في حق عيسى عليه السلام، ووقع في هذا الخبر في حقه هكذا:" ليس له منظر وجمال ورأيناه ولم يكن له منظر واشتهيناه مهانا، وآخر الرجال رجل الأوجاع مختبرا بالأمراض، وكان مكتوما وجهه ومزدولا ولم نحسبه، ونحن حسبناه كأبرس ومضروبا من الله ومخضوعا، والرب شاء أن يستحقه".

وهذه الأوصاف ضد الأوصاف التي في الزبور المذكور، فلا يصدق عليه كونه حسنا، ولا كونه قويا. وكذا لا يصدق عليه كونه متقلدا بالسيف (قلت: جاء في مرقس 12: 17: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. ") ، ولا كون نبله مسنونة (قلت: جاء في متّى 26: 52 أنّ المسيح قال لأحد تلاميذه لّما أراد هذا التلميذ أن يدافع عنه: ردّ سيفك إلى غمده! فإنّ الذين يلجأون إلى السيف، بالسيف يهلكون! "، ولا انقياد الأغنياء، ولا إرسالهم إليه الهدايا، بل هو على زعم النصارى، أخذوه وأهانوه واستهزؤوا به، وضربوه بالسياط، ثم صلبوه. وما كان له زوجة ولا ابن، فلا يصدق دخول البنات في بيته، ولا كون أبنائه بدل آبائه رؤساء الأرض. "

قلت: يزعم النصارى أنّ المزمور 45 هو نبوءة صريحة في وصف المسيح: قال الآباء اليسوعيون في تعليقهم على هذا المزمور: " في هذا المزمور احتفال زفاف الكنيسة الطاهرة إلى السيد المسيح. فعبر عن المسيح بالملك. وعن الكنيسة بالملكة.

والمراد بها: الكنيسة الجامعة، والعذارى: هنّ الكنائس الخاصة اللائي غدون بالمعمودية قرائن محبوبات للملك العظيم. "

وهذا ادعاء باطل، لما سبق أن ذكره الشيخ رحمة الله الهندي، رحمه الله، ولأسباب

ص: 328

أخرى أهمها:

المعنى الذي تدعيه الكنيسة غال في تفلّته من ألفاظ نص النبوءة، وهذا المنهج في التفسير والتأويل، غال في باطنيته، يفتح الباب على مصراعيه لإفساد الأديان وتمييع الحقائق.

حمل النبوءة على محمد صلى الله عليه وسلم فيه محافظة على المعاني الحرفية للمزمور 45.. وهذا الأولى دائما في التعامل مع النصوص إلا إذا تعذّر ذلك وتوفّرت القرينة الناقلة إلى المجاز.. ولا تعذر.. ولا قرينة!!!

جاء في كتاب" مخطوطات البحر الميت وجزيرة قمران" للدكتور أسد رستم (النصراني) ص 72 أنّ مخطوطات مغاور قمران، والتي أحدثت ثورة في فهم النصرانية، تظهر أنّ عيسى عليه السلام ما كان يمارس التعميد.

ص: 329

الرسول المسرى به إلى المسجد الأقصى

جاء في سفر ملاخي 3: 1: " ها أنا أرسل رسولي فيمهد الطريق أمامي ويأتي الربّ الذي تطلبونه فجأة إلى هيكله ويقبل أيضا ملاك العهد الذي تسرون به، يقول الربّ القدير"(سفر ملاخي 3: 1) .

النص الماسوري:

من هو" الرسول الممهد"؟

يقدّم لنا المسيح الردّ في قوله: " إذن، ماذا خرجتم لتروا؟

أنبياء؟ نعم، أقول لكم، وأعظم من نبي. فهذا هو الذي كتب عنه: ها إنّي مرسل قدّامك رسولي الذي يمهّد لك طريقك! " (متّى 11: 9- 11) .

إذن، يوحنا المعمدان هو ذاك الملاك المبشّر به، فمن هو السيّد الذي يأتي بغتة إلى" هيكله" ويسرّ به الناس؟

أسفار النصارى تزعم أنّ هذا السيد هو المسيح ابن مريم عليهما السلام، ولكنّ هذا الزعم خال من الحجة، فاقد لكل مصداقية، لأنّ عيسى لم" يأت بغتة" إلى الهيكل وإنما كان يزوره بين الحين والحين، وكان مرتادو الهيكل يعرفونه منذ طفولته، باعتراف النصارى أنفسهم.

ص: 330

إنّ الذي زار الهيكل بغتة هو محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (سورة الإسراء 1) .

وقد جاء في التعليق الشهير على الكتاب المقدّس Commentary on the Bible ==Peaks ص 517: " ملاخي ما كان يتنبّأ بالمسيح".

وجاء في تعليق دوملو Dummelow على الكتاب المقدس ص 613: " لا توجد نبوءة مسيانية (أي عن المسيح) في سفر ملاخي بالمعنى الاعتيادي"!

ثم، إنّ النصارى سيجدون حرجا شديدا في إثبات أنّ المسيح هو الربّ وأنّ المعمدان هو الملاك المرسل ليمهد لقدومه. لأنه يفهم من إنجيل متّى أنّ المعمدان ما كان واثقا من أنّ عيسى هو من كان ينتظره؟!:" ولما سمع يوحنا، وهو في السجن، بأعمال المسيح، أرسل إليه بعض تلاميذه، يسأله: " أأنت هو الآتي، أم ننتظر غيرك؟ " (إنجيل متى 11: 2- 3) ..

ومات المعمدان، حسبما يفهم من الأناجيل، مقتولا في السجن ولم يؤمن أو يتبع المسيح.. فكيف يقال إنّ المعمدان هو الملاك الذي كانت وظيفته الرئيسية هي التمهيد لمجيء" الآتي". لقد كان المعمدان يعلّم التلاميذ، ويعظ الناس، ويعمّد التائبين، ويوبّخ الملك هيرودس، ويقرّع الطبقات الحاكمة ويتنبأ بمجيء نبي آخر أقوى-" أنا أعمّدكم بالماء لأجل التوبة، ولكنّ الأتي بعد هو أقدر مني، وأنا لا أستحق أن أحمل حذاءه"(متّى 3: 11) - دون أن يعلن لتلاميذه ولسكان فلسطين، في مسيرته الدعوية، أنه قد قرّر أنّ المسيح هو" هذا الآتي" وأنه قد بعث للتبشير بمجيئه مقررا تسخير حياته لهذا الأمر.

لقد كان يوحنا المعمدان يهيء الطريق أمام سيد قادم بعده، لا سيد معاصر له، وهذا السيد القادم ليس بالمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، ولكنه محمد صلى الله عليه وسلم.

ص: 331

ومما يدعم قولنا، ما جاء في الترجمة العبرية التي بين أيدي اليهود- كما نقلها لنا عبد الرحمن البغدادي في كتابه" الفارق بين المخلوق والخالق"-:" ها أنا سوف أرسل رسولي، فيعزل طريقا بحضوري، وحينئذ يأتي إلى هيكله الولي الذي أنتم ملتمسون، ورسول الختان الذي أنتم راغبون أيضا. هو ذا آت. قال الله ربّ الجيوش. "

ومعلوم أنّ رسول الختان هو محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه قد سنّ الختان بعد ما أبطلته القساوسة والرهبان تبعا لما ذهب إليه بولس. ولا يجوز أن يقال إنّ عيسى هو رسول الختان لأنه كان تابعا لشريعة موسى عليه السلام، التي تدعو إلى الختان.

كما لا يصحّ قول النصارى بأنّ المسيح هو رسول الختان لأنّ بولس قد نسخ هذا الحكم!!!

لا بدّ في هذا المقام من الإشارة إلى أنّ كلمة" ملاخي" تعني" رسولي" كما ذكر ذلك الباحث إسحاق أزيموف في كتابه =Bible =Azimov s Guide To The ص 670. ومما يرجّح كون هذا" الملاك الممهد"- الذي هو في" الترجمة العالمية الجديدة "messenger of the convenent ==The: "=The New International Version "أي" رسول العهد"- هو ملاخي ذاته لا المعمدان، ما يفهم من القرآن الكريم (آل عمران 81) من أنّ كلّ نبي يبعث كان يمهّد الطريق لمجيء الآتي- جاء في تفسير الإمام الطبري لهذه الآية: "

عن علي بن أبي طالب قال: لم يبعث إليه عز وجل آدم فمن بعده- إلا أخذ عليه العهد في محمد: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال:" وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" الآية. " وهو ما خرّجه الإمام الطبري عن السدي أيضا. -

وسواء كان هذا ال" الرسول الممهد" هو" يوحنا المعمدان" أو" النبي ملاخي"

ص: 332

، فإنّ هذا الأمر لا يمنع من تقرير النتيجة وهي أنّ محمدا هو هذا المنتظر الممهّد له الطريق.

ص: 333

" ملكوت السماوات" في الإنجيل

أخبر عيسى عليه السلام عن الأمّة الأخيرة التي تنال من الأجر أكثر مما نالته الأمم الصالحة السابقة في قوله في هذا المثل: "

فإنّ ملكوت السّماوات يشبّه بإنسان ربّ بيت خرج في الصّباح الباكر ليستأحر عمّالا لكرمه، واتّفق مع العمّال على أن يدفع لكل منهم دينارا في اليوم، وأرسلهم إلى كرمه.

ثمّ خرج نحو السّاعة التّاسعة صباحا، فلقي في ساحة المدينة عمّالا آخرين بلا عمل، فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضا واعملوا في كرمي فأعطيكم ما يحقّ لكم! فذهبوا.

ثمّ خرج إلى السّاحة أيضا نحو السّاعة الثانية عشرة ظهرا. ثمّ نحو الثالثة بعد الظهر، أرسل مزيدا من العمّال إلى كرمه.

ونحو السّاعة الخامسة بعد الظهر، خرج أيضا فلقي عمّالا آخرين بلا عمل، فسألهم: لماذا تقفون هنا طول النّهار بلا عمل؟

أجابوه: لأنّه لم يستأحرنا أحد. فقال: اذهبوا أنتم أيضا إلى كرمي!

وعند ما حلّ المساء، قال ربّ الكرم لوكيله: ادع العمّال وادفع الأجرة مبتدئا بالآخرين ومنتهيا إلى الأوّلين.

فجاء الّذين عملوا من السّاعة الخامسة وأخذ كلّ منهم دينارا.

ص: 334

فلمّا جاء الأوّلون، ظنّوا أنّهم سيأخذون أكثر. ولكن كلّ واحد منهم نال دينارا واحدا.

وفيما هم يقبضون الدينار، تذمّروا على ربّ البيت، قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة فقط، وأنت قد ساويتهم بنا نحن الّذين عملنا طول النّهار

تحت حر الشمس!

فأجاب واحدا منهم: يا صاحبي، أنا ما ظلمتك؛ ألم تتفق معي على دينار؟

خذ ما هو لك وامض في سبيلك: فأنا أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك.

أما يحقّ لي أن أتصرف بمالي كما أريد؟ أم أنّ عينك شريرة لأنّني أنا صالح؟

فهكذا يصير الآخرون أوّلين، والأوّلون آخرين. " (متّى 20: 1- 16)

وقد جاء نفس المعنى عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في الحديث عن أجر أمّة الإسلام مقارنة مع الأمم السابقة:

روى البخاري في صحيحه أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " نحن الآخرون السابقون. "

وروى أيضا في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت

ص: 335

النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى فقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء قال هل نقصتكم من حقكم قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء. "

وبمزيد مراجعة النصوص المتعلّقة ب" ملكوت السماوات"" ملكوت الله"..

تتضح الصورة بصورة أجلى:

متّى 6: 33 (لوقا 12: 31) : " أمّا أنتم، فاطلبوا أوّلا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلّها تزاد لكم"

لوقا 10: 9- 11، 11: 20: " واشفوا المرضى الّذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله! وأيّة مدينة دخلتم ولم يقبلكم أهلها، فاخرجوا إلى شوارعها، وقولوا: حتّى غبار مدينتكم العالق بأقدامنا ننفضه عليكم، ولكن اعلموا هذا: أنّ ملكوت الله قد اقترب"

متّى 21: 43: " لذلك أقول لكم: إنّ ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلّم إلى شعب يؤدي ثمره"

متّى 21: 31: " فقال لهم يسوع: «الحق أقول لكم: إنّ جباة الضّرائب والزّانيات سيسبقونكم في الدّخول إلى ملكوت الله" مرقس 1: 15: " قد اكتمل الزّمان واقترب ملكوت الله.

فتوبوا وآمنوا بالإنجيل"

ص: 336

مرقس 4: 11: " فقال لهم: «قد أعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله. أمّا الّذين من خارج، فكلّ شيء يقدم لهم بالأمثال"

مرقس 4: 26: " وقال: «إنّ ملكوت الله يشبّه بإنسان يلقي البذار على الأرض

"

مرقس 4: 30- 32: " وقال: «بماذا نشبّه ملكوت الله، وبأيّ مثل نمثله؟ إنّه يشبّه ببزّرة خردل، تكون عند بذرها على الأرض أصغر من كل ما على الأرض من بزور، ولكن متى تمّ زرعها، تطلع أغصانا كبيرة، حتّى إنّ طيور السّماء تستطيع أن تبيت في ظلها. "

مرقس 9: 47: " وإن كانت عينك فخا لك، فاقلعها: أفضل لك أن تدخل ملكوت الله وعينك مقلوعة من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنّم النّار".

مرقس 10: 14- 15: " فلمّا رأى يسوع ذلك، غضب وقال لهم: «دعوا الصّغار يأتون إليّ، ولا تمنعوهم، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت الله الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله كأنّه ولد صغير، لن يدخله أبدا".

مرقس 10: 24: " فدهش التلاميذ لهذا الكلام. فعاد يسوع يقول لهم: «يا بنيّ، ما أصعب دخول المتّكلين على المال إلى ملكوت الله! ".

ص: 337

لوقا 4: 34: " روح الربّ عليّ، لأنّه مسحني لأبشر الفقراء؛ أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعميان بالبصر، لأطلق المسحوقين أحرارا، وأبشر بسنة القبول عند الربّ".

والنتيجة المستخلصة من النصوص السابقة:

ملكوت الله، أو السماوات، هو ليس ملكوت عيسى عليه السلام.

عيسى عليه السلام، هو مجرّد مبلغ عن ظهور هذا الملكوت.

بعث عيسى للإخبار بنقل الملكوت من بني إسرائيل إلى أمة أخرى (بني إسماعيل) .

سيدخل الكثير من الفقراء وأهل الشرك الملكوت قبل بني إسرائيل (فقراء مكة دخلوا الإسلام قبل الكثير من اليهود الذين أسلموا) .

اقتراب ظهور الملكوت (لا نبيّ بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم) .

من علامات هذا الملكوت نموه وتعاظمه السريع.

سيبسط ملكوت الله سلطانه على القلوب وسيطهّر أتباعه من ذنوبهم.

الملكوت الجديد يبسط سلطانه وينشر وارف ظله على الكثير من الأمم، بخلاف الملكوت القديم القاصر على بني إسرائيل.

وزبدة القول هي تكذيب مزاعم الكنيسة وظهور حقيقة ملكوت الإسلام السماوي. ويزداد هذا الأمر وضوحا إذا لحظنا تطابق المثل القرآني عن أمّة الإسلام مع المثل الوارد في الكتاب الديني النصراني المكتشف في نجع حمادى سنة 1945 م، والذي

ص: 338

لا تعترف الكنيسة اليوم بشرعيته، وهو" رسالة يعقوب السريّة.Apocryphon of James ==The "

المثل القرآني::" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً". (سورة الفتح 29) .

المثل كما هو في" رسالة يعقوب السريّة": شبّه ملكوت السماء بنخلة خرج منها برعم (شطأ) ثم تدلّت من هذا البرعم ثمار حوله، وأخرجت هذه الثمار ورقا. وحين استوت واستغلظت هذه الثمار جفّ منبعها. وأصبحت هذه الثمار الخارجة من البرعم مع تلك الخارجة من الشجرة الأصلية. "

وهذا المثل كما هو في رسالة يعقوب أقرب إلى المثل القرآني منه إلى مثل إنجيل مرقس 4: 30- 32، كما أنّه يعرّف" الشجرة" المثمرة بأنها النخلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شيء ينفعك".

ص: 339

بشارة من عرفات

ذكر الباحث عصام راشد الصدقي في كتابه" البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم" الكشف عن نص قديم مفقود من ثلاثة آلاف سنة اشتمل على البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وعما ورد في هذا الكتاب قالت جريدة الراعي الصادرة عن الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند الهند العدد 504- سنة 1412 هـ- ص 11:

" كشف حديثا عن نص في التوراة اختفى منذ 3000 عام يبشر بالرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر الأستاذ عصام راشد الصدقي في كتاب له صدر حديثا بعنوان" البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، في التوراة" أنّ المزمور 68 من مزامير داود يحمل البشارة بمحمد مبيّنا أنّ الترجمات الخمس للنص خاصة الآية الخامسة من المزمور استبدلت كلمة" عرفات" بالنص العبري، وجاءت بكلمة" الغمام أو الغفار أو البراري".

وأكد المؤلف أنّ الخطأ في الترجمات لم يكن سهوا لأنه لو كان كذلك لما تكرر مشيرا إلى أنّ اليهود أنفسهم في شرحهم ذكروا أنّ عرفات هي اسم لعلم ولينفوا أيّ علاقة له بالأرض، قالوا إنه اسم السماء السابعة.

وبين الأستاذ عصام راشد الصدقي أنّ كثيرا من الكلمات العبرية والعربية ذات أصل مصري قديم، " هيروغليفي" وإن عرفات هي المكان والعلامة المميزة الكبرى للمسلمين يحجون إليه كل عام لا يظلهم إلا الله سبحانه وتعالى.

ص: 340

ويسرد المؤلف الصفات الواردة في المزمور 68 من مزامير داود وبعد أن يأتي بما يؤكدها في القرآن الكريم يقول إنّ هذه الصفات" أب اليتامى"" قاضي الأرامل" تنطبق انطباقا تاما على الهادي البشير المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

ويفيد الأستاذ عصام في كتابه أنّ عرفات هي المكان الوحيد الذي يجتمع فيه البشر منذ القدم وهي ميقات معلوم ومكان معلوم وهدف معلوم، فأما الميقات فهو من زوال شمس يوم التاسع إلى فجر العاشر من ذي الحجة من كل عام، وأما المكان فهو الوادي الذي تحفه الجبال على مسافة 22 كيلومترا شرقي مكة المكرمة، وأما الهدف فهو وقوف ضيوف الرحمن ملبّين نداء الحق سبحانه وتعالى متضرعين" لبيك اللهم لبيك".

ص: 341

خاتم النبوة

تواتر الخبر في كتب السير عن الإخبار عن" خاتم النبوة" الذي بين كتفي الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي كان علامة بارزة لهذا النبيّ المنتظر.

وقد جاء في وصف هذا الخاتم في صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزا ولحما.

أو قال: ثريدا. فقلت: يا رسول الله، غفر الله لك. قال:

" ولك". فقلت له: أستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولكم. ثم تلا هذه الآية:" واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات". قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا، عليه خيلان كأمثال الثآليل".

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن سرجس قال: ترون هذا الشيخ؟ يعني نفسه، كلمت نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه، ورأيت العلامة التي بين كتفيه، وهي في طرف نغض كتفه اليسرى، كأنه جمع- بمعنى الكف المجتمع، وقال بيده فقبضها- عليه خيلان كهيئة الثآليل. "

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

أغرّ عليه للنبوة خاتم

من الله ميمون يلوح ويشهد

وقد ذكر الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" ص 458 أنّ القسيس الأرمني أو سكان قد ترجم سفر إشعياء من النص العبري القديم إلى اللغة الأرمنية سنة 1666 م، فجاءت ترجمته للاسم كما هي عليه في اللغة العربية، فقد كتب مترجما: " سبحوا الله تسبيحا جديدا، وأثر سلطنة على

ص: 342

ظهره واسمه أحمد.."، وطبعت هذه الترجمة سنة 1733 م بمطبعة أنتوني بورتلي.

ورد النص السابق في التراجم الحالية في سفر إشعياء 9: 6- 7 هكذا: " لأنّه يولد لنا ولد ويعطى لنا ابن يحمل الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا، رئيس السّلام. ولا تكون نهاية لنمو رياسته وللسّلام اللّذين يسودان عرش داود ومملكته، ليثبّتها ويعضدها بالحقّ والبر، من الآن وإلى الأبد. إن غيرة الربّ القدير تتمّم هذا. "

ومما يلاحظ أنّ كلمة" عجيب" تقابلها في الترجمة اللاتينية" الفولجات" كلمة =Admirabilis =والتي هي بالفرنسية، =Admirable =وإذا نظرت إلى ترجمة إنجيل برنابا بالفرنسية، فستجد أنّ المترجم قد وضع هذه الكلمة =Admirable =كمقابل لكلمة" أحمد" العربية:

الفصل 97 (ترجمة ميشال فريمو Michel Fremaux ولويجي سيريلّو: (Luigi cirillo

Le nom du Messie est Admirable، car Dieu lui- meme

le lui donna quand il eut cree son ame et quilIeut place

dans une splendeur celesteL

" اسم المسيّا أحمد، لأنّ الله نفسه قد سمّاه بهذا الاسم عند ما خلق روحه وجعله في المجد السماوي. "

ص: 343

واكتشف مخطوط ضمن" مخطوطات البحر الميت =1: 2 Mess ar 04 =: "جاء فيه أنّ هناك علامات على جسد النبي المنتظر تشبه حبات العدس، لتؤكد صحة الترجمة السابقة.

وجاء في أحد الكتب اليهودية القديمة =Seper Assap =أنّ هذه العلامات الجسدية بعضها مثل حبات العدس وبعضها مثل بذور الخيار.

انّه خاتم النبوّة لخاتم الأنبياء!

ص: 344

أهم اكتشاف حديث!

جاء في صحيفة" المسلمون" الشهيرة عدد 1229 الصفحة الخامسة بتاريخ الاثنين 1 ربيع الأول 1412 هـ الموافق ل 9 سبتمبر (أيلول) 1991 م، تحت عنوان" الدكتور محمد معروف الدواليبي- الذي كان عضوا في الحوار- يروي قصة الحوار بين الإسلام والمسيحية، كيف بدأ وعلام انتهى"- ونحن ننقل ما في هذه الصحيفة من كتاب د. شوقي أبو خليل" الحوار دائما.." ص 11. (دار الفكر) مع بعض التصرف- أنّه قد عثر في مغاور قمران شمالي البحر الميت على مجموعة من المخطوطات، نجد بينها سفر إشعياء الصحيح بكامله، في حين أنّ المنشور في العهد القديم هو جزء منه.

وفي سفر إشعياء المكتشف جاء حرفيا: " بعد المسيح يأتي نبيّ عربي من بلاد فاران- بلاد إسماعيل- وعلى اليهود أن يتّبعوه، وعلامته أنّه إن نجا من القتل، فإنه النبي المنتظر، لأنّه يفلت من السيف المسلول على رقبته، ويعود إليها بعد ذلك بعشرة آلاف قدّيس".

لقد أصدر البابا بولس السادس سنة 1965 م وثيقة هامة، كانت بمثابة اعتراف رسمي نصراني بالدين الإسلامي، ولأول مرّة، جاء فيها:" إنّ كلّ من آمن بعد اليوم بالله الخالق السموات والأرض، وربّ إبراهيم وموسى، فهو ناج عند الله، وداخل في سلامه، وفي مقدّمتهم المسلمون".

وبدعوة رسميّة سافر وفد إسلامي إلى الفاتيكان، واجتمع بالكاردينال بيمونللي وزير الدولة في حكومة الفاتيكان فيما يتعلّق بالعلاقات بين الإسلام والنصرانية، وبدأ الحوار على الرغم من طلب السفير" الإسرائيلي" في روما وقف الحوار، وبعد انتهاء اللقاءات المتعددة بين عدد من العلماء المسلمين وكبار مسؤولي الفاتيكان، وقف

ص: 345

الكاردينال بيمونللي مخاطبا العلماء: في هذا اليوم أوقف التنصير الكاثوليكي في العالم الإسلامي، ثمّ قرأ بشارة سفر إشعياء التي تنطبق تماما على الواقع.

ولكن مع الأسف، فإنّ هذا البابا لم يلبث أن توفي في ظروف لا ندريها، كما توفي من بعده بقليل الكاردينال بيمونللي في ظروف غامضة، وبوفاتهما توقّف الحوار بين الإسلام والنصرانية".

ص: 346

بشارة مخفية

من البشارات الأخرى المكتشفة حديثا ما ذكره الشيخ ابن خليفة عليوي في كتابه" معجزات النبي المختار من صحيح الأخبار" ص 58 (دار الكتب العلمية) من أنه قد عثر في دير" سانت كاترين" بسيناء على نسخة قديمة من التوراة جاء فيها ذكر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ثم اختفت هذه النسخة، ولم تعد مرة أخرى للظهور!

وأضاف قائلا: " هكذا درّست الطلاب هذه العبارة في المملكة العربية السعودية الصف الثاني ثانوي، مادة التربية الإسلامية، بحث تحريفات الكتب السابقة، وهو صحيح مئة بالمئة"!!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله!!!

ص: 347

إنجيل برنابا

ص: 348

الصفحة الأولى من الترجمة الإيطالية لإنجيل برنابا

ص: 349

صفحة من الترجمة الإيطالية لإنجيل برنابا

ص: 350

اختار النصارى في القرن الرابع ميلادي، من بين عشرات الأناجيل التي تداولتها أيدي الناس، أربعة فقط. ويؤكد كبار الباحثين المتخصصين في دراسة تاريخ الأناجيل أنه لا علاقة

لثبوت" التواتر" أو" الشهرة"

أو تماسك المتن أو معقوليته باختيار أسلاف نصارى اليوم لهذه الأسفار، لإسباغ صفة القانونية عليها.

يتميّز إنجيل برنابا، من بين الكم الهائل من الأناجيل المرفوضة كنسيا، بكونه أكثر الأناجيل إثارة للنقاش والأخذ والردّ، وممن نافح عنه الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه" دفاع عن إنجيل برنابا"(نشر مكتبة الثقافة الدينية بمصر)، والباحث محمد عبد الرحمن عوض كتاب" الاختلاف والاتفاق بين إنجيل برنابا والأناجيل الأربعة" (دار البشير) . والدكتور م. هـ. دورّاني -M.H.Durrani وقد كان قبل إسلامه قسيسا في كنيسة إنجلترا والهند وسيلون وباكستان- في كتاب لطيف بعنوان: " الإنجيل المنسي للقديس برنابا=The Forgotten Gospel of S.T

Barnabas=

. وقد قال تولاند الإنجليزي حين رأى نسخة هذا الإنجيل سنة 1817 م في مكتبة البرنس أوجين سافوى: " سأقول على النصرانية السلام. " وذلك لأنّ هذا الإنجيل يتحدّث صراحة عن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى نقضه المباشر لعقيدة الكنيسة. وقال في كتابه" نزاريوس" إنّ تيار تقدّم النصرانية وقف منذ ذلك الحين: أي من حين ظهور نسخة إنجيل برنابا.

ويبدو أنّ مكتبة الفاتيكان بروما ما زالت تحوي بين جدرانها أناجيل، غير هذه الأربعة التي بين أيدينا، تنبّأت في صفحاتها ببعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.. وقد ذكر الشيخ محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره" محاسن التأويل" سورة الصف الآية 6 أنّ الشيخ محمد بيرم نقل عن رحّالة إنجليزي أنه رأى في دار الكتب

ص: 351

البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة نبي اسلام صلى الله عليه وسلم، وفيها يقول المسيح:" ومبشرا برسول يأتي من بعد اسمه أحمد"!!

وذكرت مجلة الأيكونومست البريطانية، وهي من أوسع المجلات السياسية والاقتصادية انتشارا ونفوذا في العدد الصادر بتاريخ 27 مارس سنة 1965 م تحت عنوان:" ثروة الفاتيكان": إنّ أول عمل مقدس يؤديه المرشح لوظيفة في" الكوربا" أي الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية هو أن يقسم اليمين المقدّسة على كتمان كل شيء يصل إلى علمه أو يقع تحت بصره من معلومات خصوصا عن ثروة الكنيسة ومواردها. ومعلوم أنّ أهم هذه الثروات نسخ الأناجيل الأبو كريفية (أي المرفوضة لدى الكنيسة التقليدية) وذكرت الصحافة في أيامنا فتح مكتبة الفاتيكان للباحثين غير المرتبطين بهيكلها.. ونحن نجزم أنّ هذا الأمر قد تمّ بعد" تنظيف" هذه المكتبة الضخمة من" البشارة بنبي الإسلام"، على الأقل في الكتب الشهيرة!

هل هناك مبرر لرفض هذا الإنجيل؟:

كنت قد أعددت بحثا حول هذه النقطة لعرضه في الصفحات التي بين يديك، لكنني بعد أن قرأت ما كتبه الدكتور وديع أحمد المهتدي إلى الإسلام- قصة إسلامه في الملحق-، رأيت أن أورد ما كتبه في موقعه على الانترنت تحت عنوان" دراسة في إنجيل برنابا تؤكد صحته"، مع إضافة ما يفيد على موضوعه الأصلي:

قال وفقه الله إلى كل خير: " قرأت كتاب إنجيل برنابا الذي نشره محمد رشيد رضا، عليه رحمة الله، ومن أمانة الناشر اعتمد على مترجم نصراني: خليل سعادة، الذي كتب مقدمة كبيرة

ص: 352

ينتقد فيها هذا الإنجيل. ومن أمانة النشر أيضا أنه نشر مقدمة المترجم النصراني كاملة. ولقد وجدت الكثير من الأدلة على تلاعب المترجم النصراني في الترجمة لكي يثبت فيها بعض عقائد النصارى ويفسد الكتاب ويجعل المسلمين أيضا يرفضونه.

ويتضح من هذه المقدمة أن أصل هذا الكتاب- عثر عليه راهب بالصدفة في مكتبة بابا الفاتيكان- كان باللغة الإيطالية، ثم قام رئيس كهنة- مطران- إنجليزي بترجمته إلى الإنجليزية، ومن هذه الترجمة الإنجليزية ترجم خليل سعادة إلى اللغة العربية، وأرى أنه من المستحيل أن يقوم نصرانيان بترجمة مثل هذا الكتاب المناهض لعقيدتهما بدون التلاعب فيه، كما أنهم اعتادوا على تغيير كلام كتبهم في كل عصر.

ومن أدلة تلاعب المترجم النصراني في ترجمة هذا الكتاب- وهي أكثر من 50 دليل-:

أنه ذكر في الهوامش أنه ترجم من الأصل الإيطالي والأصل الأسباني لهذا الإنجيل، بينما هو قام بالترجمة من النسخة الإنجليزية، بينما الأصل الإسباني مطموس وناقص باعتراف المترجم في المقدمة، بل وقال أنه لا وجود له، وكذلك الأصل الإيطالي لا وجود له بعد أن أخذه الراهب الذي أسلم بعد أن قرأه (كما ذكر المترجم في المقدمة أيضا) .

اعتراف المترجم في الهوامش، مرارا عديدة، أنه غير كلام النسخة الأصلية عند الترجمة، بحجة عدم وضوح الأصل، وفي هامش فصل 199 كتب المترجم" وجرينا على ذلك في هذه الترجمة" أي أنه فعل ذلك كثيرا، وغيّر كل ما لا يعجبه.... (هذه عدم أمانة) .

ص: 353

- ترجم كلمات كثيرة بأسلوب غريب لتشويه معاني الكتاب. مثل: بدلا من القسم" بالله الحي" كما جاء في التوراة يكتب" لعمر الله" وكتب" غناء الله" بدلا من" غني الله"

وغير ذلك الكثير.

ويعترض النصارى على ذلك الكتاب زاعمين أن مؤلفه مسلم. لعدة أسباب منها:

لأنه أكد مرارا وتكرارا على أن المسيح عبد الله ورسوله، وأنه قال إنه يخشى الله ويخضع لدينونة الله يوم القيامة.

لأنه كتب شهادة المسيح للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وللإسلام والمسلمين.

لأنه قال أن بولس مؤسس المسيحية ضال ومضل، بينما المسيحين يحترمون كلام بولس أكثر من كلام المسيح. "

قلت:

أصدر النصارى (العرب خاصة) عددا كبيرا من المؤلفات لإثبات بطلان نسبة هذا الإنجيل إلى برنابا، من هذه المؤلفات:

عوض سمعان" إنجيل برنابا في ضوء التاريخ والعقل والدين"

إسكندر جديد" إنجيل برنابا شهادة زور"

د. ف. صموئيل" إنجيل برنابا بين المؤيدين والرافضين"

القس عبد المسيح بسيط أبو الخير" خمسون دليلا على أنّ إنجيل برنابا خرافي ومزيّف"

ص: 354