المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة: هى إجابة على سؤالين: * هل لا بدّ، للإقرار بنبوة - محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة

[سامى عامرى]

فهرس الكتاب

- ‌[التصدير]

- ‌الإهداء

- ‌توطئة

- ‌محمّد صلى الله عليه وسلم في أسفار النصارى واليهود

- ‌مقدمة:

- ‌لماذا يبحث المسلم في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌لماذا على غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌شبهات المنصّرين حول البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في" الكتاب المقدس

- ‌اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في التوراة (العهد القديم)

- ‌اعتراضات النصارى على بشارة سليمان النبي بمحمد عليهما الصلاة والسلام لا تخرج عمّا يأتي:

- ‌الردّ على الاعتراض الأول:

- ‌الردّ على الاعتراض الثاني:

- ‌الردّ على الاعتراض الثالث:

- ‌الردّ على الاعتراض الرابع:

- ‌الردّ على الاعتراض الخامس:

- ‌الردّ على الاعتراض السادس:

- ‌ أنبياء يفترون على الله الكذب

- ‌ كتبة الوحى يحرفون كلام الله:

- ‌ أمّة بني إسرائيل تحرّف الوحى:

- ‌ الصالحون من بنى إسرائيل يحبّون الكذب على الله:

- ‌ نقلة كلام الأنبياء يحرفون الوحى:

- ‌أعداء الأنبياء يحرفون الوحى:

- ‌ قصّاصون يخترعون وحيا مزعوما:

- ‌ ظهور أناجيل كثيرة بعد رفع المسيح:

- ‌ مدح تحريف كلام الله

- ‌شهادة اقتباسات كتّاب أسفار العهد الجديد:

- ‌شهادة أقدم المخطوطات:

- ‌شهادة واقع حفظ مخطوطات الكتاب المقدس:

- ‌شهادة تراجم الكتاب المقدس:

- ‌شهادة علماء اللغات:

- ‌شهادة الكنائس ضد بعضها:

- ‌شهادة المجامع الكنيسة:

- ‌شهادة آباء الكنيسة:

- ‌شهادة" الشواهد

- ‌شهادة الكنيسة المعاصرة:

- ‌شهادة البابا شنوده:

- ‌شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب:

- ‌ إنجيل برنابا

- ‌من الشبهات التي يزعم النصارى أنّها تطعن في أصالة هذا الإنجيل

- ‌الشبهة الأولى: لا يوجد سند لهذا الإنجيل

- ‌الشبهة الثانية: نحن لا نملك النسخة الأصلية المكتوبة باللغة اليونانية

- ‌الشبهة الرابعة: ظاهر مما جاء في هذا الإنجيل تأثر صاحبه بتعاليم إسلامية جاء ذكرها في القرآن والسنة

- ‌الشبهة الخامسة: وجود مصطلحات فلسفية يونانية في إنجيل برنابا

- ‌الشبهة السادسة: مخالفة إنجيل برنابا لأسفار الكتاب المقدس

- ‌الشبهة السابعة: إحالة مؤلف إنجيل برنابا إلى أقوال للأنبياء لا نجد لها ذكرا في العهد القديم

- ‌الشبهة الثامنة: جاء في إنجيل برنابا ذكر قصص وحوادث وقعت في أيام الأنبياء السابقين

- ‌الشبهة التاسعة: جاء في إنجيل برنابا ذكر تعاليم وأحداث لم ترد في الأناجيل

- ‌الشبهة العاشرة: جاء في إنجيل برنابا ما يظهر أنّ المؤلف عاش في القرون الوسطى زمن النظام الاقطاعي، إذ نسب ملكية أراض واسعة إلى أفراد (لعازر الذي أحياه عيسى)

- ‌الشبهة الحادية عشر: ورد ذكر" الرطل" في إنجيل برنابا كوحدة وزن، وقطعة الذهب كوحدة نقدية

- ‌الشبهة الثانية عشر: جاء في إنجيل برنابا ذكر عقوبة القتل شنقا

- ‌الشبهة الثالثة عشر: جاء ذكر مقاطع الأحجار (المقالع) في إنجيل برنابا، رغم أنّها صنعة أوروبية متأخرة

- ‌الشبهة الرابعة عشر: جاء ذكر أوقات الصلوات في إنجيل برنابا في غير ما موضع

- ‌الشبهة الخامسة عشر: جاء وصف المسيح بأنّه نبي الناصريين، ووصف أتباعه بالناصريين. ولا حجة لهذا الزعم

- ‌الشبهة السادسة عشر:

- ‌من البشارات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في إنجيل برنابا

- ‌البشارة في كتب الهندوس

- ‌البشارة في كتب الصابئة

- ‌البشارة في كتب البوذية

- ‌البشارة في كتب المجوس*

الفصل: ‌ ‌مقدمة: هى إجابة على سؤالين: * هل لا بدّ، للإقرار بنبوة

‌مقدمة:

هى إجابة على سؤالين: * هل لا بدّ، للإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أن تخبر به الكتب السابقة؟

* هل القرائن والأخبار العامة، بعيدا عن البحث التفصيلي في نصوص الأسفار المقدسة للنصارى واليهود تشهد لتنبئ هذه الكتب بخروج محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام؟

يجيب على السؤال الأول شيخ الإسلام، بحر العلوم، ابن تيمية، نوّر الله قبره، في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح":

" والنصارى لهم سؤال مشهور بينهم، وهو أن فيهم من يقول محمد: " لم تبشر به النبوات، بخلاف المسيح فإنه بشرت به النبوات".

وزعموا أن من لم تبشر به فليس بنبي.

وهذا السؤال يورد على وجهين: أحدهما: أنه لا يكون نبيا حتى تبشر به.

والثاني: أن من بشرت به أفضل أو أكمل، ممن لم تبشر به، أو أن هذا طريق يعرف به نبوة المسيح، اختص به.

وأنتم قد قلتم: ما من طريق تثبت به نبوة نبي إلا ومحمد تثبت نبوته بمثل تلك الطريق وأفضل.

فأما هذا الثاني، فيستحق الجواب وأما الأول نجيبهم عنه أيضا لكن هل تجب الإجابة عنه؟ فيه قولان بناء على أصل وهو أنه هل من شرط النسخ الإشعار بالمنسوخ

ص: 12

ولنظّار المسلمين فيه قولان:

أحدهما: أنه لا بد إذا شرع حكما يريد أن ينسخه فلا بد أن يشعر المخاطبين بأنه سينسخه لئلا يظنوا دوامه فيكون ذلك تجهيلا لهم.

والثاني: لا يشترط ذلك.

وأيضا، فمن بعث بعد موسى بشريعة، هل يجب أن يكون مبشرا به؟ فيه قولان.

وبكل حال، فلا ريب عند علماء المسلمين أن المسيح عليه السلام بشّر بمحمد كما قال تعالى" وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ"(سورة الصف 6) .

قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ"(الأعراف 157) .

وقال تعالى: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"(سورة الفتح 29)

وقال تعالى: " الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"(البقرة 146) و (الأنعام 20) (

)

وقال تعالى: " وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ"(سورة البقرة 89)

ص: 13

وقال تعالى: " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ"(سورة الأنعام 114) (

)

وإذا كان كذلك، فيقال: معلوم باتفاق أهل الملل، أنه ليس من شرط نبوة كل نبي أن يبشر به من قبله، إذ النبوة ثابتة بدون ذلك، لا سيما ونوح وإبراهيم وغيرهما لم يعلم أنه بشر بهما من قبلهما، وكذا عامة الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل لم تتقدم بهم بشارات إذ كانوا لم يبعثوا بشريعة ناسخة كداود وأشعيا وغيرهما.

وإنما قد يدعى هذا فيمن جاء بنسخ شرع من قبله، كما جاء المسيح بنسخ بعض أحكام التوراة وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم، ففي مثل هذا يتنازع المتنازعون من علماء المسلمين وغيرهم: هل يشترط أن يكون قد أخبر بذلك قبل النسخ؟ على قولين.

وحينئذ فالمسلمون يقولون: شريعة التوراة والإنجيل، لم تشرع شرعا مطلقا، بل مقيدا، إلى أن يأتي محمد. وهذا مثل الحكم المؤقت بغاية لا يعلم متى يكون، كقوله تعالى:" فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ" وقوله تعالى: " فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا" ومثل هذا جائز باتفاق أهل الملل.

وهل يسمى هذا نسخا؟ فيه قولان.

قيل لا يسمى نسخا، كالغاية المعلومة. كقوله تعالى:" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" فإن ارتفاع وجوب الصيام بمجيء الليل، لا يسمى نسخا باتفاق الناس.

فقيل إن الغاية المجهولة، كالمعلومة.

وقيل: بل هذا يسمى نسخا، ولكن هذا النسخ جائز باتفاق أهل الملل، اليهود وغيرهم.

ص: 14

وعلى هذا، فثبوت نبوة المسيح ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، لا تتوقف على جواز النسخ المتنازع فيه، فإن ذلك إنما يكون في الحكم المطلق، والشرائع المتقدمة لم تشرع مطلقا. وسواء قيل: إن الإشعار بالناسخ واجب، أو قيل: إنه غير واجب، فعلى القولين قد أشعر أهل الشرع الأول، بأنه سينسخ (

) .

وإذا كان هذا هو الواقع، فنبوة المسيح محمد صلى الله عليهما وسلم، لا تتوقف على ثبوت النسخ المتنازع فيه.

وحينئذ فنقول: العلم بنبوة محمد ونبوة المسيح، لا تتوقف على العلم بأن من قبلهما بشر بهما، بل طرق العلم بالنبوة متعددة.

فإذا عرفت نبوته بطريق من الطرق، ثبتت نبوته عند من علم ذلك، وإن لم يعلم أن من قبله بشّر به.

لكن يقال: إذا كان الواجب أو الواقع أنه لا بد من إخبار من قبله بمجيئه، وأن الإشعار بنسخ شريعة من قبله واجب، أو واقع، صار ذلك شرطا في النبوة. ومن علم نبوته علم أن هذا قد وقع وإن لم ينقل إليه.

فإذا قال المعارض: عدم إخبار من قبله به يقدح في نبوته، وأنه إذا قدر أنه لم يخبر به من قبله، والإخبار شرط في النبوة، كان ذلك قدحا.

قيل: الجواب هنا من طريقين: أحدهما: أن يقال: إذا علمت نبوته بما قام عليها من أعلام النبوة، فإما أن يكون تبشير من قبله لازما لنبوته واجبا، أو واقعا، وإما أن لا يكون لازما.

فإن لم يكن لازما لم يجب وقوعه، وإن كان لازما علم أنه قد وقع، وإن كان ذلك لم ينقل إلينا، إذ ليس كل ما قالته الأنبياء المتقدمون علمناه ووصل إلينا. وليس كل ما أخبر به المسيح ومن قبله من الأنبياء وصل إلينا، وهذا مما يعلم بالاضطرار.

ص: 15

ولو قدّر أن هذا ليس في الكتب الموجودة، لم يلزم أن المسيح ومن قبله لم يذكروه، بل يمكن أنهم ذكروه وما نقل، ويمكن أنه كان في كتب غير هذه، ويمكن أنه كان في نسخ غير هذه النسخ فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه، وتكون تلك النسخ التي هو موجود فيها غير هذه، فكل هذا ممكن في العادة لا يمكن الجزم بنفيه.

فلو قدر أنه ليس في هذه الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب، لم يقطع بأن الأنبياء لم يبشروا به، فإذا لم يمكن لليهود أن يقطعوا بأن المسيح لم يبشر به الأنبياء، ولا يمكن أهل الكتاب أن يقطعوا بأن محمدا لم يبشر به الأنبياء، لم يكن معهم علم بعدم ذلك، بل غاية ما يكون عند أحدهم ظن لكونه طلب ذلك فلم يجده.

ودلائل نبوة المسيح ومحمد قطعية يقينية لا يمكن القدح فيها بظن فإن الظن لا يدفع اليقين، لا سيما مع الآثار الكثيرة المخبرة بأن محمدا كان مكتوبا باسمه الصريح فيما هو منقول عن الأنبياء، كما في صحيح البخاري أنه قيل لعبد الله بن عمرو، أخبرنا ببعض صفة رسول الله في التوراة، فقال إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن:" يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزا للأميين. أنت عبدي ورسولي. سميتك المتوكل. لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا تجزي بالسيئة السيئة، ولكن تجزي بالسيئة الحسنة، وتعفو وتغفر. ولكن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء، فأفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، بأن يقولوا لا إله إلا الله".

ولفظ التوراة والإنجيل والقرآن والزبور قد يراد به الكتب المعينة، ويراد به الجنس، فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور وغيره، كما في الحديث الصحيح عن النبي، خفف على داود القرآن، فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن.

والمراد به قرآنه، وهو الزبور، ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إلا على محمد.

ص: 16

وكذلك ما جاء في صفة أمة محمد، أناجيلهم في صدورهم، فسمى الكتب التي يقرؤونها وهي القرآن، أناجيل.

وكذلك في التوراة، إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من اخوتهم، أنزل عليه توراة مثل توراة موسى، فسمى الكتاب الثاني توراة.

فقوله أخبرني بصفة رسول الله في التوراة، قد يراد بها نفس الكتب المتقدمة كلها، وكلها تسمى توراة، ويكون هذا في بعضها.

وقد يراد به التوراة المعينة، وعلى هذا فيكون هذا في نسخة لم ينسخ منها هذه النسخ، فإن النسخ الموجودة بالتوراة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا.

لكن هذا عندهم في نبوة أشعيا، قال فيها: " عبدي الذي سرت به نفسي، أنزل عليه وحيي، فيظهر في الأمم عدلي، ويوصيهم بالوصايا.

لا يضحك، ولا يسمع صوته في الأسواق. يفتح العيون العور، والآذان الصم، ويحيي القلوب الغلف. وما أعطيه لا أعطي أحدا. يحمد الله حمدا جديدا. يأتي من أقصى الأرض، وتفرح البرية وسكانها. يهللون الله على كل شرف، ويكبرونه على كل رابية. لا يضعف، ولا يغلب، ولا يميل إلى الهوى، مشقح. ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوى الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفى، أثر سلطانه على كتفيه".

وهذه صفات منطبقة على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وهي من أجل بشارات الأنبياء المتقدمين به.

ولفظ التوراة، قد عرف أنه يراد به جنس الكتب التي يقرّ بها أهل الكتاب، فيدخل في ذلك الزبور، ونبوة أشعيا، وسائر النبوات غير الإنجيل.

ص: 17

فإن كان المراد بلفظ التوراة والإنجيل في القرآن هذا المعنى، فلا ريب أنّ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة بهذا الاعتبار، كثير متعدد (

) .

الطريق الثاني من الجواب: أن نبين أن الأنبياء قبله، بشروا به. وهذا هو دليل مستقل على نبوته وعلم عظيم من أعلام رسالته. وهذا أيضا يدل على نبوة ذلك النبي، إذ أخبر بأنباء من الغيب مع دعوى النبوة. ويدل على نبوة محمد لإخبار من تثبت نبوته بنبوته، هذا إذا وجد الخبر ممن لا نعلم نحن نبوته ولم يذكر في كتابنا.

وأما من ثبتت نبوته بطرق أخرى، كموسى والمسيح، فهذا مما تظاهر فيه الأدلة على المدلول الواحد، وهو أيضا يتضمن أن كل ما ثبتت به نبوة غيره، فإنه تثبت به نبوته، وهو جواب ثان، لمن يجعل ذلك شرطا لازما لنبوته. "

يجيب عن السؤال الثاني الإمام المجدد، شيخ الإسلام ابن القيم في كتابه الموسوم ب" هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" بقوله، تحت عنوان" إثنا عشر وجها تدلّ على أنه (محمد صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب المنزلة: "

العلم بأنه صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة:

أحدها: أخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بأنه مذكور عندهم في كتبهم فقد أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه إذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاته هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبرة فكيف إذا تطابقت الأدلة على صحة ما أخبر به.

الثاني: أنه جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.

ص: 18

الثالث: أن المؤمنين به من الأحبار والرهبان الذين آثروا الحق على الباطل صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.

الرابع: أن المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة والأخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا وكذا وصفة أمته ومخرجه وشأنه لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة وأنه نبي آخر غيره وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة وامتطوا غارب البهت.

الخامس: أن كثيرا منهم صرح لخاصته وبطانته بأنه هو هو بعينه وأنه عازم على عداوته ما بقي كما تقدم.

السادس: أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد اخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم وقصص الأنبياء المتقدمين وأممهم وشأن المبدأ والمعاد وغير ذلك مما أخبرت به الأنبياء وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عندهم وتلك الاخبارات أكثر من أن تحصى ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها وكانوا أحرص شيء على أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة أو سهو فينادون بها عليه ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه فلم يقل أحد منهم يوما من الدهر انه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك وهم مصرون على عدم إتباعه وهذا من أعظم الأدلة على صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره.

السابع: أنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه فلو كان هذا باطلا لا صحة له لكان ذلك تسليطا للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطا لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطا لاتبعاه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه وهو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه ويجعل

ص: 19

أخباره دليلا على صدقه وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره فكيف وقد علم وجود ما أخبر به.

الثامن: أنه لو قدر أنهم لم يعلموا بشارة الأنبياء به وأخبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى المتأخرين وأحاطوا به علما وهذا مما يلعم بالاضطرار فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده وتكذيبه.

التاسع: أنه يمكن أن يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بأيديهم فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه (

) .

العاشر: أنه استشهد على صحة نبوته بعلماء أهل الكتاب وقد شهد له عدو لهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك قال تعالى: " وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ". وقال تعالى:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". وقال تعالى: " ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ"، وقال تعالى: " الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ". وإذا شهد واحد من هؤلاء لم يوزن به ملء الأرض من الكفرة ولا تعارض شهادته بجحود ملء الأرض من الكفار كيف والشاهد له من علماء أهل الكتاب أضعاف أضعاف المكذبين له منهم وليس كل من

ص: 20

قال من أشباه الحمير من عباد الصليب وأمة الغضب أنه من علمائهم فهو كذلك وإذا كان أكثر من من يظن عوام المسلمين انه من علمائهم ليس كذلك فما الظن بغيرهم وعلماء أهل الكتاب إن لم يدخل فيهم من لم يعمل بعلمه فليس علماؤهم إلا من آمن به وصدقه وإن دخل فيهم من علم ولم يعمل كعلماء السوء لم يكن إنكارهم لنبوته قادحا في شهادة العلماء العاملين بعلمهم.

الحادي عشر: أنه لو قدر أنه لا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته ولا صفته ولا علامته في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب اليوم لم يلزم من ذلك أن لا يكون مذكورا في الكتب التي كانت بأيدي أسلافهم وقت مبعثه ولا تكون اتصلت على وجهها إلى هؤلاء بل حرفها أولئك وبدلوا وكتموا وتواصوا وكتبوا ما أرادوا وقالوا هذا من عند الله ثم اشتهرت تلك الكتب وتناقلها خلفهم عن سلفهم فصارت المغيرة المبدلة هي المشهورة والصحيحة بينهم خفية جدا ولا سبيل إلى العلم باستحالة ذلك بل هو في غاية الامكان فهؤلاء السامرة غيروا مواضع من التوراة ثم اشتهرت النسخ المغيرة عند جميعهم فلا يعرفون سواها وهجرت بينهم النسخ الصحيحة بالكلية وكذلك التوراة التي بأيدي النصارى وهكذا تبدل الأديان والكتب ولولا أن الله سبحانه تولى حفظ القرآن بنفسه وضمن للأمة أن لا تجتمع على ضلالة لأصابه ما أصاب الكتب قبله قال تعالى" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ".

الثاني عشر: إنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الأخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه فإنه قلب العالم وطبق مشارق الأرض ومغاربها واستمر على العالم على تعاقب القرون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ومثل هذا النبأ العظيم لابد أن تتطابق الرسل على الإخبار به وإذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الأرض أربعين يوما قد تطابقت الرسل على الإخبار به وأنذر به كل نبي قومه من نوح إلى خاتم

ص: 21

الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها على السكوت عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبدا هذا مالا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين بل الأمر بضد ذلك وما بعث الله سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد وتصديقه كما قال تعالى: ": " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ". قال ابن عباس ما بعث الله من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه"

ص: 22