الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما جاء من أخبار ملوك الشام قبل الإسلام
عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب. وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان. فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أما إنهم سيظهرون ". فذكر أبو بكر لهم ذلك فقالوا: اجعل بيننا وبينكم أجلاً، إن ظهروا كان لك كذا وكذا، وإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، فجعل بينهم أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته أراه قال: دون العشرة قال: فظهرت الروم بعد ذلك، فذلك قوله:" ألم غلبت الروم في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بعضع سنين " قال: فغلبت الروم ثم غلبت بعد: " لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ".
قال سفيان: وسمعت أنهم ظهروا يوم بدر.
وعن عبد الله بن عباس.
أنه سمع عمر بن الخطاب يسأل الهرمزان عظيم الأهواز، وكان نزل على حكم عمر
فأسلم فعفا عنه، فسأل عمر عن جيوش فارس التي بعث كسرى مع شهربراز، وما الذي كشف فارس عنهم فقال الهرمزان: كان كسرى بعث شهربراز وبعث معه جنود فارس، فملك الشام ومصر وخرب عامة حصون الروم، وطال زمانه بالشام ومصر وتلك الأرض، فطفق كسرى يستبطئه ويكتب إليه: إنك لو أردت أن تفتح مدينة الروم فتحتها، ولكنك رضيت بمكانك فأردت طول السلطان، فأكثر إليه كسرى من الكتب في ذلك وأكثر شهربراز مراجعته واعتذارا إليه، فلما طال ذلك على كسرى كتب إلى عظيم من عظماء فارس مع شهربراز يأمره بقتل شهربراز ويلي أمر الجنود، فكتب إليه ذلك العظيم يذكر أن شهربراز جاهد ناصح وأنه هو أنبل، وهو أمثل بالحرب منه، فكتب إليه كسرى يعزم عيه ليقتلنه، فكتب أيضاً يراجعه، ويقول إنه ليس لك عبد مثل شهربراز، وإنك لو تعلم ما يوازي من مكابدة الروم عذرته. فكتب إليه كسرى يعزم عليه ليقتلنه وليلين أمر الجنود، فكتب إليه يراجعه أيضاً فغضب كسرى، فكتب إلى شهربراز يعزم عليه ليقتلن ذلك العظيم، فأرسل شهربراز إلى ذلك العظيم من فارس فأقرأه كتاب كسرى فقال له: راجع في، فقال له: قد علمت أن كسرى لا يراجع وقد علمت محبتي إياك، ولكنه قد جاءني مالاً أستطيع تركه، فقال له ذلك الرجل: أفلا تدعني أرجع إلى أهلي فآمرهم بأمري، وأعهد إليهم عهدي؟ فقال بلى، وذلك الذي أملك لك فانطلق إلى أهله، فأخذ صحائف كسرى الثلاث التي كتب إليه، فجعلهن في كمه، ثم جاء حتى دخل على شهربراز ودفع إليه الصحيفة الأولى فاقترأها شهربراز فقال له شهربراز: أنت خير مني، ثم دفع إليه الصحيفة الثالثة فاقترأها. فلما فرغ شهربراز من قراءته قال: أقسم بالله لأسوأن كسرى. فأجمع شهربراز المكر بكسرى، وكاتب هرقل وذكر له أن كسرى قد أفسد فارس، وجهز بعوثها، وابتليت بملكه، وسأله أن يلقاه بمكان نصف يحكمان فيه الأمر ويتعاهدان، ثم يكشف عنه شهربراز جنود فارس ويخلي بينه وبين السير إلى كسرى.
فلما جاء كتاب شهربراز دعا رهطاً من عظماء الروم فقال لهم حين جلسوا؛ أنا اليوم أحزم الناس، أو أعجز الناس، وقد أتاني أمر لا تحسبونه، وسأعرض عليكم فأشيروا
علي فيه، ثم قرأ عليهم كتاب شهربراز، فاختلفوا عليه في الرأي، فقال بعضهم: هذا مكر من كسرى، وقال بعضهم: أراد هذا العبد أن يلقاك كسرى فيشمت بك ثم لا يبالي ما لقي. فقال هرق: إن الرأي ليس حيث ذهبتم، إنه لعمري ما طابت نفس كسرى بأن يشتم هذا الشتم الذي أجد في كتاب شهربراز، وما كان شهربراز ليكتب بهذا الكتاب وهو ظاهر على عامة ملكي إلا لأمر حدث بينه وبين كسرى، وإني والله لألقينه، فكتب إليه هرقل إنه قد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وإني لاقيك، فموعدك كان كذا وكذا، فاخرج بأربعة آلاف من أصحابك فإني خارج في مثلهم، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فضع ممن معك خمس مئة، فإني سأضع بمكان كذا وكذا مثلهم، ثم ضع بمكان كذا خمس مئة، فإني سأضع بمكان كذا مثلهم، حتى نلتقي أنا وأنت في خمس مئة. وبعث هرقل الرسل من عنده إلى شهربراز فأمرهم أن يقوموا على ذلك، فإن فعل شهربراز لم يرسلوا إليه، وإن أبى ذلك عجلوا إليه بكتاب، فرأى رأيه، فافعل ذلك شهربراز. وسار هرقل في أربعة آلاف ومع شهربراز خمس مئة، فلما رآهم شهربراز أرسل إلى هرقل: أغدرت؟ فأرسل إليه هرقل: لم أغدر ولكن خفت الغدر من قبلك، وأمر هرقل بقبة ديباج فضربت لهما بين الصفين، فنزل هرقل فدخلها وأدخل ترجمانه، وأقبل شهربراز حتى دخل عليه، فانتحيا ومعهما ترجمان حتى أحكما أمرهما، واستوثق كل واحد منهما بالعهد والمواثيق، حتى إذا فرغا من أمرهم خرج هرقل، فأشار إلى شهربراز أن يقتل الترجمان لكي يخفى أمرهم وسرهما، فقتله شهربراز ثم انكشف شهربراز فجيش الجنود، وسار جيش هرقل إلى كسرى حتى أغاروا على كسرى ومن بقي معه، فكان ذلك أول هلكة كسرى، ووفى هرقل لشهربراز بما أعطاه من ترك أرض فارس وسببها، فانكشف حين ولى، وقتلت فارس كسرى، ولحق شهربراز بفارس والجنود التي معه.
حدث محمد بن مهاجر الأنصاري، وذكر مسير هرقل إلى بيت المقدس فقال: إن كسرى وفارساً ظهرت على الروم بالشام وما دون خليج القسطنطينية، وسار
بجنوده حتى نزل بخليجها وأخذ في كبسه بالحجارة والكلس ليتخذوا طريقاً يبساً، فبينما هو على ذلك إذ بلغه أن ملك الهند الخزر قد خلفاه في بلاده من العراق. فانصرف عن القسطنطينية وخلف على ما ظهر عليه من مدائن الشام عاملاً في حكمه من أساورته وخيولهم فنزل ذلك العامل حمص وضبط له ما خلفه عليه، ومضى كسرى إلى عراقه، فإذا الحرب قد نشبت بني ملك الهند وبين ملك الخزر، فكتبا إليه كلاهما يسألانه النصرة على كل واحد منهما على أن يرد من والاه على صاحبه جميع ما استباح وسبى من بلاده ويزيده كذا وكذا، فرأى كسرى وأساورته أن يظاهر ملك خزر على ملك الهند لجواره ملك خزر، ومقارعته إياه في كل يوم، ولجرأة ملك الهند عليه، وتناوله الفرصة منه إذا أمكنته من بعد. فوالى كسرى ملك خزر على ملك الهند وقهراه، واستنقذا ما كان أصاب من بلاده من سبي أو غير ذلك. وزاده هدية ثلاثين ألف مملوك، وانصرف عنه جنوده فملك كسرى على الثلاثين ألف مملوك الذين خلفهم ملك خزر عنده، رجلاً، وسيرهم إلى ما خلف القسطنطينية، وأسكنهم تلك البلاد وهي يومئذ خراب.
قال محمد بن مهاجر: فهم اليوم برجان.
وعن العلاء بن الزبير الكلابي عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارساً، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، وظهورهم بالشام والعراق، وكل ذلك في خمس عشرة سنة.