الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تاريخ قدوم عمر الجابية
قال يزيد بن عبيدة: فتحت بيت المقدس سنة ست عشرة. وفيها قدم عمر بن الخطاب الجابية.
وقال الوليد بن مسلم: ثم عاد في العام المقبل، يعني سنة ثمان عشرة، حتى أتى الجابية، يعني بعد عوده من سرغ سنة سبع عشرة، فاجتمع إليه المسلمون، فدفع إليه أمراء الأجناد ما اجتمع عندهم من الأموال، فجند ومصر الأمصار ثم فرض الأعطية والأرزاق ثم قفل إلى المدينة.
وقال عبد الله بن صالح في حديثه: إن عمر قدم لجابية سنة ثمان عشرة. قال: وهذا يدل على أن عمر قدم الجابية مرتين.
وعن عبد العزيز بن مروان أنه قال لكريب بن أبرهة: أخضرت عمر بن الخطاب بالجابية؟ قال: لا. قال: فمن يحدثنا عنها؟ قال: كريب: إن بعثت إلى سفيان بن وهب الخولاني حدثك عنها، فأرسل إليه فقال: حدثني عن خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية قال سفيان: إنه لما اجتمع الفيء أرسل أمراء الأجناد إلى عمر بن الخطاب أن يقدم بنفسه فقدم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن هذا المال نقسمه على من أفاء الله بالعدل إلا هذين الحيين من لخم وحذام فلا حق لهم فيه، فقام إليه أبو حديدة الأجذمي فقال: ننشدك الله يا عمر في العدل. فقال عمر: العدل أريد. أنا أجعل أقواماً أنفقوا في الظهر وشدوا العرض، وساحوا في البلاد مثل قوم مقيمين في بلادهم؟! ولو أن الهجرة كانت بصنعاء أو بعدن ما هاجر إليها من لخم
ولا جذام أحد. فقام أبو حديدة فقال: إن الله وضعنا من بلاده حيث شاء، وساق إلينا الهجرة في بلادنا فقبلناها ونصرناها، أفتلك تقطع حقنا يا عمر؟ ثم قال: لكم حقكم مع السمين ثم قسم. فكان للرجل نصف دينار. فإذا كانت معه امرأته أعطاه ديناراً. ثم دعا ابن قاطورا صاحب الأرض فقال: أخبرني ما يكفي الرجل من القوم في الشهر واليوم فأتى بالمدي والقسط فقال: يكيفيه هذان لمديان في الشهر وقسط زيت وقسط خل. فأمر عمر بمديين من قمح فطحنا ثم عجنا ثم أدمهما بقسطين زيتاً ثم أجلس عليهما ثلاثين رجلاً فكان كفاف شبعهم، ثم أخذ عمر المديين بيمينه والقسط بيساره ثم قال: اللهم لا أخلي لأحد أن ينقصهما بعدي. اللهم فمن ينقصهما فأنقص من عمره.
قال الهيثم بن عمر: إني سمعت جدي يقول:
لما ولي عمر بن الخطاب زار أهل الشام فنزل الجابية، وكانت دمشق تشتعل طاعوناً، فهم أن يدخلها فقال له أصحابه: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حل بكم الطاعون فلا تهربوا منه ولا تأتوه حيث هو، وقد علمت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين معك قرحانون لم يصبهم طاعون قط، فأرسل عند ذلك رجلاً من جديلة ولم يدخلها هو إلى بيت المقدس فافتتحها صلحاً. ثم أتاها عمر ومعه كعب. فقال: أبا إسحاق، الصخرة، أتعرف موضعها؟ قال: إذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً وهي مزبلة ثم احفر فإنك ستجدها، فحفروا فظهرت لهم. فقال عمر لكعب: أين ترى أن نجعل المسجد قال: اجعله خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: ضاهيت اليهودية والله يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها، فبناه في مقدم المسجد.
فبلغ أهل العراق أنه زار أهل الشام فكتبوا إليه يسألونه أن يزورهم كما زار أهل الشام، فهم أن يفعل فقال له كعب؛ أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تدخلها. قال: ولم؟ قال: فيها عصاة الجن وهاروت وماروت يعلمان الناس السحر. وفيها تسعة أعشار الشر وكل داء معضل. فقال عمر: قد فهمت كل ما ذكرته غير الداء المعضل، فما هو؟ قال: كثرة الأموال هو الذي ليس له شفاء. فلم يأتها عمر.
ونزل المسلمون الجابية وهم أربعة وعشرون ألفاً فوقع الطاعون فيهم، فذهب منهم عشرون ألفاً، وبقي أربعة آلاف فقالوا: هاذ طوفان وهذا رجز فبلغ ذلك معاذاً فبعث فوارس يجمعون الناس، وقال: اشهدوا المدراس اليوم عند معاذ. فلما اجتمعوا قام فيهم فقال: أيها الناس، والله لو أعلم أني أقوم فيكم بعد مقامي هذا ما تكلفت اليوم القيام لكم. وقد بلغني أنكم تقولون هذا الذي وقع فيكم طوفان ورجز، والله ما هو طوفان ولا رجز وإنما الطوفان والرجز كان عذب الله به الأمم. ولكنها شهادة أهداها الله لكم استجاب فيكم دعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم. ألا فمن أدرك خمساً فاستطاع أن يموت فليمت: أن يكفر الرجل بعد إيمانه، وأن يسفك الدم بغير حقه، وأن يعطى مال الله بأن يكذب أو يفجر، وأن يظهر التلاعن بينكم، أو يقول الرجل حين يصبح: والله إن حييت أو مت ما أدري ما أنا عليه.
وقوع هذا الطاعون والوباء مصداق ما روي عن معاذ بن جبل قال: ينزل المسلمون أرضاً يقال لها الجابية أو الجويبية فتكثر به أموالهم ودوابهم، فيبعث عليهم جرب كالدمل تزكو فيه أموالهم وتستشهد فيه أبدانهم.
وفي رواية: يصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، فيستشهد الله به أنفسكم وخياركم فيزكي أبدانكم.