الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر اهتمام أبي بكر بفتح الشام
وحرصه عليه
قال ابن إسحاق: كان فتح اليمامة واليمن والبحرين، وبعث الجنود إلى الشام في سنة ثنتي عشرة.
وقال أيضاً:
إن أبا بكر لما حدث نفسه بأن يغزو الروم فلم يطلع عليه أحداً إذ جاءه شرحبيل بن حسنة، فجلس إليه فقال: يا خليفة رسول الله، أتحدث نفسك أن تبعث إلى الشام جنداً؟ فقال: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أطلعت عليه أحداً. وما سألتني عنه إلا لشيء. قال: أجل، إني رأيت يا خليفة رسول الله فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق خرشفة من الجبل، ثم أقبلت تمشي حتى صعدت فيه من القنان العالية، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة، فيها الزرع والقرى والحصون، فقلت للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة، فشد المسلمون وأنا فيهم معي راية، فتوجهت بها إلى أهل قرية، فسألوني الأمان فأمنتهم ثم جئت، فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم، ففتح الله لك، وألقوا إليك السلم. ووضع الله لك مجلساً فجلست عليه، ثم قيل لك يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ " إذا جاء نصر الله والفتح " إلى آخرها. ثم انتبهت، فقال له أبو بكر: نامت عيناك، خيراً رأيت، وخيراً يكون إن شاء الله، ثم قال: بشرت بالفتح ونعيت إلي نفسي، ثم دمعت عينا أبي بكر ثم قال: أما الخرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حق صعدنا إلى القنة العالية، فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه، ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا، وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب
والمعاش. وأما قولي للمسلمين: شنوا على أعداء الله الغارة، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة فإن ذلك دنو المسلمين إلى بلاد المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم، وقبولهم. وأما الراية التي كانت معك، فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها، واستأمنوا فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك. وأما الحصن الذي فتح الله لي، فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالساً فإن الله يرفعني ويضع المشركين. قال الله تبارك وتعالى:" ورفع أبويه على العرش " وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ علي السورة فإنه نعى إلي نفسي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة، وعلم أن نفسه قد نعيت إليه، ثم سألت عينا فقال: لآمرن بالمعروف ولأنهين عن المنكر ولأجهدن فيمن ترك أمر الله، ولأجهزن الجنود إلى العادلين بالله في مشارق الأرض ومغاربها حتى يقولوا: الله أحد أحد لا شريك له، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. هذا أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا توفاني الله عز وجل لا يجدني الله عاجزاً ولا وانياً ولا في ثواب المجاهدين زاهداً. فعند ذلك أمر الأمراء. وبعث إلى الشام البعوث.
وعن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: لما أراد أبو بكر غزو الروم دعا علياً وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبا عبيدة بن الجراح، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم فدخلوا عليه. قال عبد الله بن أبي أوفي وأنا فيهم فقال: إن الله عز وجل لا تحصى نعماؤه ولا يبلغ جزاء الأعمال، فله الحمد، قد جمع الله كلمتكم وأصلح ذات بينكم وهداكم إلى الإسلام ونفى عنكم الشيطان، فليس يطمع أن تشركوا به ولا تتخذوا إلهاً غيره، فالعرب اليوم بنو أم وأب، وقد رأيت أن أستنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين، ويجعل الله كلمته العليا مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الوافر لأنه من هلك منهم هلك شهيداً. وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً على الله ثواب المجاهدين، وهذا رأيي الذي رأيت، ما شار امرؤ علي برأيه، فقام عمر بن
الخطاب فقال: الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه. والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه، " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " قد والله أردت لقاءك بهذا الرأي الذي رأيت. فما قضى أن يكون حتى ذكرته، فقد أصبت أصاب الله فيك سبيل الرشاد، سرب إليهم الخيل في إثر الخيل، وابعث الرجال بعد الرجال، والجنود تتبعها الجنود. فإن الله ناصر دينه، ومعز الإسلام وأهله.
ثم إن عبد الرحمن بن عوف قام فقال: يا خليفة رسول الله، إنها الروم وبنو الأصفر، حد حديد وركن شديد، ما أرى أن تقحم عليهم إقحاماً. ولكن نبعث الخيل فنغير في قواصي أرضهم ثم نرجع إليك. فإذا فعلوا ذلك بهم مراراً أضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم فقووا بذلك على عدوهم، ثم تبعث إلى أرضي أهل اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعاً إليك، فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وإن شئت أغزيتهم ثم سكت وسكت الناس. قال: فقال لهم أبو بكر: ماذا ترون؟ فقال عثمان بن عفان: إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحاً فاعزم على إمضائه، فإنك غير ظنين. فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمضه، فإنا لا نخالفك، ولا نتهمك. وذكروا هذا وأشباهه، وعلي في القوم لم يتكلم. قال أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء الله فقال: بشرك الله بخير! ومن أين علمت ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون. فقال: سبحان الله ما أحسن هذا الحديث. لقد سررتني به سرك الله.
ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأكرمكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين على كل دين فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام، فإني مؤمر عليكم أمراء، وعاقد لكم، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم لتحسن نيتكم وشربكم وأطعمتكم. ف " إن الله مع الذين
اتقوا والذين هم محسنون " فسكت القوم، فوا لله ما أجابوا فقال عمر: يا معشر المسلمين، مالكم لا تجيبون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد " دعاكم لما يحييكم ". أما إنه " لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً " لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال: يا بن الخطاب، ألنا تضرب الأمثال أمثال المنافقين؟! فما منعك مما عبت علينا فيه أن تبتدئ به؟! فقال عمر: إنه يعلم أني أجيبه لو يدعوني، وأغزو لو يغزيني. قال عمرو بن سعيد، ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا، إنما نغزو لله. فقال عمر: وفقك الله فقد أحسنت. فقال أبو بكر لعمرو: اجلس رحمك الله فإن عمر لم يرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى الأرض إلى الجهاد فقام خالد بن سعيد فقال: صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اجلس ابن أخي. فجلس. وقال خالد: الحمد لله الذي لا إله إلا هو الذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فالله منجز وعده ومظهر دينه ومهلك عدوه، ونحن غير مخالفين ولا مختلفين، وأنت الوالي الناصح الشفيق، تنفر إذا استنفرتنا ونطيعك إذا أمرتنا. ففرح بمقالته أبو بكر وقال: جزاك الله خيراً من أخ وخليل، فقد كنت أسلمت مرتغباً وهاجرت محتسباً، وقد كنت هربت بدينك من الكفار لكيما يطاع الله ورسوله وتعلو كلمته، وأنت أمير لناس، فسر يرحمك الله ثم إنه نزل، ورجع خالد بن سعيد فتجهز، وأمر أبو بكر بلالاً فأذن في الناس أن انفروا أيها الناس إلى جهاد الروم بالشام، والناس يرون أن أميرهم خالد بن سعيد، وكان الناس لا يشكون أن خالد بن سعيد أميرهم، وكان أول خلق الله عسكر، ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة وعشرين وثلاثين وأربعين وخمسين ومئة، كل يوم، حتى اجتمع أناس كثير. فخرج أبو بكر ذات يوم. ومعه رجال من الصحابة حتى انتهى إلى عسكرهم فرأى عدة حسنة لم يرض عدتها للروم، فقال لأصحابه: ما ترون في هؤلاء؟ أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدة؟ فقال عمر: ما أرضى هذه العدة لجموع بني الأصفر. فقال لأصحابه: ماذا ترون فقالوا: نحن نرى ما رأى عمر، فقال: ألا
أكتب كتاباً إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد فنرغبهم في ثوابه، فرأى ذلك جميع أصحابه. قالوا: نعم ما رأيت. افعل. فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم: من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن: سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فإن الله تعالى كتب على المؤمنين الجهاد وأمرهم أن ينفروا خفافاً وثقالاً ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. والجهاد فريضة مفروضة، والثواب عند الله عظيم، وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام وقد سارعوا إلى ذلك. وقد حسنت في ذلك نيتهم وعظمت حسبتهم، فسارعوا عباد الله إلى ما سارعوا إليه ولتحسن نيتكم فيه، فإنكم إلى إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما الفتح والغنيمة، فإن الله تبارك وتعالى لم يرض من عباده بالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحق ويقروا بحكم الكتاب. حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكا أعمالكم، ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين. وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال ابن حزم: ولما أجمع أبو بكر أن يبعث الجيوش إلى الشام كان أول من سار من عماله عمرو بن العاص وأمره أن يسلك على أيلة عامداً لفلسطين، فقدم عمرو أمامه مقدمة عليهم سعيد بن الحارث السهمي ودفع لواءه إلى الحجاج بن الحارث السهمي وكان جند عمرو الذين خرجوا معه من المدينة ثلاثة آلاف فيهم ناس كثير من المهاجرين والأنصار. وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمشي إلى جنب راحلة عمرو بن العاص وهو يوصيه ويقول: يا عمرو اتق الله في سر أمرك وعلانيته. واستحيه فإنه يراك ويرى عملك، وقد رأيت تقديمي إياك على من هو أقدم سابقة منك، ومن كان أعظم غناء عن الإسلام وأهله منك، فكن من عمال الآخرة. وأرد بما تعمل وجه الله. وكن والداً لمن معك ولا تكشفن الناس عن أستارهم، واكتف بعلانيتهم. وكن مجداً أمرك، واصدق اللقاء إذا لاقيت، ولا تجبن،
وتقدم في الغلول وعاقب عليه، وإذا وعظت أصحابك فأوجز وأصلح نفسك تصلح كل رعيتك. في وصية له طويلة وعهد عهده إليه يعمل به.
وفي رواية: قال أبو بكر لعمرو بن العاص: إني قد استعملتك على من مررت به من مررت به من بلي وعذرة وسائر قضاعة ومن سقط هناك من العرب، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل الله ورغبهم فيه، فمن تبعك منهم فاحمله وزوده. ورافق بينهم، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل اله ورغبهم فيه، فمن تبعك منهم فاحمله وزوده. ورافق بينهم، واجعل كل قبلية على حدتها ومنزلتها.
وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثلاثة أمراء إلى الشام: عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة. فكان عمرو هو الذي يصلي بالناس إذا اجتمعوا، وإن تفرقوا كان كل رجل منهم على أصحابه. وكان أمر الناس إلى عمرو بن العاص يوم أجنادين ويوم فحل، وفي حصار دمشق حتى فتحت.
ورد في الأصل: فحل بكسر الحاء. قال: والمحفوظ بسكونها.
ولما رأى عمرو بن العاص كثرة الجموع بالشام كتب إلى أبي بكر يذكر أمر الروم وما جمعوا ويستمده، فشاور أبو بكر من عنده من المسلمين. فقال عمر بن الخطاب: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب إلى خالد بن الوليد، يسير بمن معه إلى عمر بن العاص فيكون له مدداً، ففعل أبو بكر. وكتب إلى خالد بن الوليد. فلما أتاه كتاب أبي بكر قال: هذا عمل عمر. حسدني على فتح العراق. وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مدداً لعمرو بن العاص وأصحابه فأكون كأحدهم فإن كان فتح شركنا فيه، أو أن أكون تحت يدي بعضهم فإن كان فتح كان ذكره له دوني، وكتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص أني كتبت إلى خالد بن الوليد يسير إليك مدداً لك. فإذا قدم عليك فأحسن مصاحبته، ولا تطاول عليه، ولا تقطع الأمور دونه لتقديمي إياك عليه، وعلى غيره. وشاورهم ولا تخالفهم.
وعن موسى بن عقيبة قال:
ثم بعث أبو بكر ثلاثة أمراء إلى الشام: خالد بن سعيد على جند، وعمرو بن العاص السهمي على جند، وشرحبيل بن حسنة على جند. ثم نزع خالد بن سعيد وأمر على جنده
يزيد بن أبي سفيان، فأدركه بذي المروة، فكأن عمراً وجد على خالد بن سعيد. ولما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة جاءه كتاب أبي بكر يأمره بالمسير إلى الشام، فمضى خالد على وجهه وسلك على عين التمر فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالاً، وهزمهم وسبى ابنه الجودي، ثم مضى حتى قدم الشام به فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالاً، وهزمهم وسبي ابنة الجودي، ثم مضى حتى قدم الشام وبه يومئذ أبو عبيدة بن الجراح على جند، ويزيد بن أبي سفيان على جند، وعمرو بن العاص على جند وشرحبيل بن حسنة على جند، فقدم عليهم خالد بن الوليد فأمدهم يوم أجنادين وهزم الله عدوه.
وحج أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة. فلما قفل من الحج جهز الجيوش إلى الشام فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، فأخذ الطريق المغربة على أيلة، وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا التبوكية من علياء الشام. ولما بعث أبو بكر الجيوش لقتال أهل الردة وأتته وفود العرب مقرة بما كانت أنكرت راجعة إلى ما كانت خرجت منه، ورأى أبو بكر حسن خلافة ربه نبيه صلى الله عليه وسلم في تركته وجماعة أمته ومنه عليهم بنصره وكفايته مؤونته على كل مرتد ومرتاب، وقوته عليهم جميعاً واجتماع كلمتهم على الإيمان بالله والعمل بفرائضه دعاهم إلى جهاد قيصر وكسرى ومن يليهما من أهل ملكهما، وإقامة فريضة الله عليهم بذلك، والعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من مسيره بنفسه وجماعة أمته إلى قيصر ومن يليهم، فأجابه إلى ذلك جماعة من المهاجرين والأنصار ومهاجرة الفتح وأمداد أهل العالية واليمن فاجتمع ل منهم أربعة وعشرون ألفاً. وولى عليهم الأمراء، وعقد لهم الألوية وجهزهم بما قدر عليه من الأموال والظهر. ولم يرض ببعثه السرايا ولا الاقتصار عليها فمضوا لما وجههم له، فوليهم الله بحسن الصحبة في العاقبة وسعة الرزق والتمكين في البلاد والنصر والفلج والظهور على من تعرض قتالهم بأجنادين ثم فحل ثم مرج الصفر ثم نزلوا على دمشق وحاصروا أهلها.
وأمر أبو بكر خالداً أن ينزل تيماء ولا يبرحها، وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه وألا يقبل إلا ممن لم يرتد، ولا يقاتل إلا من قاتله حتى يأتيه أمره. فأقام واجتمع إليه جموع كثيرة. وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على العرب الضاحية البعوث بالشام إليهم.
فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك وبنزول من استنفرت الروم، ونفر إليهم من بهراء وكلب وسلح وتنوخ ولخم وجذام وغسان من دون زيزاء بثلاث، فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم، واستنصر الله، فسار إليهم خالد. فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم. فنزله خالد. ودخل عامة من كان تجمع له في الإسلام.
وكتب خالد إلى أبي بكر بذلك. فكتب إليه أبو بكر: أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك، فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به في طرف الرمل حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل، فسار إليه بطريق منن بطارقة الروم يدعى باهان، فهزمه وقتل جنده. وكتب بذلك إلى أبي كبر واستنفره. وقدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ومن بين مكة وبين اليمن وفيهم ذو الكلاع. وقدم عليه عكرمة قافلاً وغازياً فيمن كان معه من تهامة وعمان والبحرين والسرو، فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصداقات أن يبدلوا من استبدل، فكلهم استبدل، فسمي ذلك الجيش جيش البدال. وقدموا على خالد بن سعيد، وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشام، وعناه أمره. وقد كان أبو بكر رد عمرو بن العاص على عمالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاها إياه من صدقات سعد هذيم، وعذرة ومن لفهم من جذام وحدس قبل ذهابه إلى عمان، فخرج إلى عمان وهو على عدة من عمله إذا هو رجع، فخرج إلى عمان فأنجز له ذلك أبو بكر. فكتب أبو بكر عند اهتياجه للشام إلى عمرو أني قد كنت رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة وسماه لك أخرى، مبعثك إلى عمان إنجازاً لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وليته ثم وليته وقد أحببت، أبا عبد الله، أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك، فكتب إليه عمرو: إني سهم منن سهام الإسلام. وإنك بعد الله للرامي بها، والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئاً إن جاءك من ناحية من النواحي، وكتب إلى الوليد نحو ذلك فأجابه بإيثار الجهاد.
قال سعيد بن المسيب: لما بعث أبو بكر الجنود نحو الشام: يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة قال: لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنية الوداع فقالوا: يا خليفة رسول الله، أتمشي ونحن ركبان؟! فقال: إني احتسبت خطاي هذه في سبيل الله. وفي رواية: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ". ثم جعل يوصيهم فقال: أوصيكم بتقوى الله. اغزوا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله، فإن الله ناصر دينه ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تجبنوا ولا تفسدوا في الأرض، ولا تعصوا ما تؤمرون، فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم: ادعوهم إلى الإسلام. فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم فعلوا فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجري، وعليهم ما على المهاجرين. وإن هم دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين، وليس لهم في الفيء الغنائم شيء حتى يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فادعوهم إلى الجزية، فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم. وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم فقاتلوهم. إن شاء الله، ولا تعزقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فقدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين اتخذ الشيطان في أوساط رؤوسهم أفحاصاً، فإذا وجدتم أولئك فاضربوا أعناقهم إن شاء الله.
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير وقال لي: هل تدري لم فرق أبو بكر وأمر بقتل الشمامسة يلقون القتال فيقاتلون، وأن الرهبان رأيهم ألا يقاتلوا. وقد قال تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ".
وقال إسحاق بن أبي قروة: إن خالداً ومن معه هبطوا من ثنية الغوطة، تقدمهم راية رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء التي يقال لها العقاب، فبها سميت يومئذ ثنية العقاب.
قال ابن إسحاق: وسار خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط ثم سار حتى نزل على قناة بصرى، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان فاجتمعوا فرابطوها، حتى صالحت بصرى على أخذ الجزية، وفتحها الله على المسلمين فكانت أول مدينة من مدائن الشام فتحت في خلافة أبي بكر.
قال: وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر، ومر على حوارين فقتل وسبى.
وعن عبد الرحمن بن جبير أن أبا بكر الصديق كان جهز بعد النبي صلى الله عليه وسلم جيوشاً على بعضها شرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، فساروا حتى نزلوا الشام فجمعت لهم الروم جموعاً عظيمة. فحدث أبو بكر بذلك فأرسل إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق، وكتب أن انصرف بثلاثة آلاف فارس فأمد إخوانك بالشام، والعجل العجل، فأقبل خالد مغذاً جواداً، فاشتق الأرض بمن معه حتى خرج إلى ضمير فوجد المسلمين معسكرين بالجابية، وتسامع الأعراب الذين كانوا في مملكة الروم بخالد ففزعوا له، ففي ذلك يقول قائلهم: من الطويل:
ألا يا اصبحينا قبل خيل أبي بكر
…
لعل منايانا قريب وما ندري
فنزل خالد على شرحبيل بن حسنة ويزيد وعمرو فاجتمع هؤلاء الأربعة أمراء. وسارت الروم من أنطاكية وحلب وقنسرين وحمص وما دون ذلك، وخرج هرقل كراهية لمسيرهم متوجهاً نحو الروم وسار باهان الرومي أبي الرومية إلى الناس بمن كان معه.
روي عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن المسلمين ساروا وعليهم هؤلاء الأمراء: يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة. كل على عسكر، ومن كانت الواقعة مما يلي عسكره فهو على أصحابه، وساروا، معهم النساء والذرية بالخيل والسلاح، ليس معهم حمار ولا شاة، فأخذوا على طريق فلسطين حتى نزلوا بقرية يقال لها: ثادن من قرى غزة. ومما يلي الحجاز، فلقيهم بها بطريق من بطارقة الروم فأرسل إليهم أن يخرجوا إليه أحد القواد ليكلمه. قال: فتواكلوا ذلك وقالوا لعمرو بن العاص: أنت لذلك. فخرج إليه عمرو فرحب به البطريق ومت إليه بقرابة العيص بن إسحاق بن إبراهيم. وقال: ما الذي جاء بكم، فقد كانت الآباء اقتسمت الأرض، فصار لكم ما يليكم، وصار لنا ما يلينا، وقد عرفنا أنم إنما أخرجكم من بلادكم الجهد، وسنأمر لكم بمعروف، وتنصرفون. فقال عمرو: أما القرابة فهي على ما ذكرت، وأما القسمة فإنها كانت قسمة شططاً علينا، فنحن نريد أن نزاد حتى تكون قسمة معتدلة، لنأخذ نصف ما في أيديكم من الأنهار والعمارة ونعطيكم نصف ما في أيدينا من الشوك الحجارة. وأما ما ذكرت من الجهد الذي أخرجنا، فإنا قدمنا فوجدنا في هذه البلاد شجرة يقال لها الحنطة، فعذقنا منها طعاماً لا نفارقكم حتى نصيركم عبيداً أو تقتلونا تحت أصول هذه الشجرة. قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: صدقوا، وافترقا، فاقتتلوا فكانت بينهم معركة انصرف القوم على حامية، ومضى المسلمون في آثارهم حتى طووهم عن فلسطين والأردن إلا ما كان من إيلياء وقيسارية تحصن فيها أناس فتركوهم ومضوا إلى ناحية البثينة ودمشق.
وحدث أبو عثمان الصنعاني شراحيل بن مرثد قال: بعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته خالد بن الوليد إلى أهل اليمامة، وبعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام. قال: فكنت ممن سار مع خالد إلى اليمامة. فلما
قدمنا قاتلنا قتالاً شديداً وظفرنا بهم، وهلك أبو بكر واستخلف عمر بن الخطاب فبعث أبا عبيدة بن الجراح إلى الشام، فقدم دمشق فاستمد أبو عبيدة عمر، فكتب عمر إلى خالد أن سر إلى أبي عبيدة بالشام فدعا خالد بن الوليد الدليل فقال: في كم نأتي إلى الحيرة؟ فقال: في كذا وكذا. قال: فعطش خالد الإبل ثم سقاها، واستقى وسقى الخيل، ثم كعم أفواه الإبل وأدبارها، وقال له الدليل: إن أنت أصبحت عند الشجرة نجوت ونجا من معك، وإن أصبحت دون الشجرة فقد هلكت وهلك من معك فسار خالد بمن معه فأصبح عند إضاءة الفجر عند الشجرة فنحر الإبل، وسقى ما في بطونها الخيل، وأطعم لحومها المسلمين، وسقى المسلمين من المزاد التي كانت تحمل معه، ثم أتى الحيرة أو الكوفة، فصالحه أسقفها.
قال ابن عساكر: كذا قال، وإنما كان هذا بعد رجوعه عن الحيرة. وأبو عبيدة كان بالشام في أيام أبي بكر.
وكان أبو بكر قد وجه خالد بن الوليد إلى العراق وأوصاه بمثل الذي أوصى به خالداً. وإن خالد بن سعيد سار حتى نزل على الشام ولم يقتحم، واستجلب الناس وعز فهابته الروم وأحجموا عنه، فلم يصبر عليه بعدما أمن، فوافقوا ابنه سعيد بن خالد مستمطراً فواقعوه فقتلواه ومن معه، وأتى الخبر خالداً فخرج هارباً حتى أتى البر فتنزل منزلاً، واجتمعت الروم إلى اليرموك فنزلوا به. وقالوا: والله لنشغلن أبا بكر في نفسه عن تورد بلادنا بخيوله. وكتب خلاد بن سعيد إلى أبي بكر بالذي كان، فكتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص وكان في بلاد قضاعة بالسير إلى بلاد اليرموك ففعل. وبعث أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وأمر كل واحد منهما بالغارة. وألا تغلوا حتى لا يكون وراءكم أحد من عدوكم. وقدم عليه شرحبيل بن حسنة بفتح من فتوح خالد فسرحه نحو الشام في جند، وسمى لكل رجل من أمراء الأجناد كورة من كور الشام، فتوافوا باليرموك. فلما رأت الروم توافيهم ندموا على الذي ظهر م (نهم،
ونسوا لذي كانوا يتواعدون أبا بكر به، واهتموا وهمتهم أنفسهم وأشجوهم وشجوا بهم. ثم نزلوا الواقوصة، وقال أبو بكر: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد. فكتب اله بالمسير إلى أبي عبيدة بالشام، وأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة على العراق في نصف الناس. فإذا فتح الله على المسلمين الشام فارجع إلى عملك بالعراق.
وبعث خالد بالأخماس إلا ما نفل منها مع عمير بن سعد الأنصاري، وبمسيره إلى الشام، ودعا خالد الأدلة، فارتحل من الحيرة سائراً إلى دومة ثم طعن في البر إلى قراقر ثم قال: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم؟ فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين، فكلهم قال: لا نعرف إلا طريقاً لا تحمل الجيوش يأخذه الفذ والراكب فإياك أن تغرر بالمسلمين. فعزم عليه ولم يجبه إلى ذلك إلا رافع بن عميرة على تهيئة شديدة. فقال له خالد وللمسلمين: لا يهولنكم، فإنا عباد الله، وفي سبيل الله، وعلى طاعة خليفة رسول الله، ونحن وإن كثرنا بعد أن نتزود كالقليل المنكمش، فناشدوه فثاب فيهم فقال: لا يختلفن هديكم، ولا يضعفن يقينكم، واعلموا أن المعونة تأتي على قدر النية، والأجر على قدر الحسبة، وإن المسلم لا ينبغي له أن يكترث لشيء يقع فيه مع معونة الله له، فقالوا له: أنت رجل قد جمع الله لك الخير، فشأنك فطابقوه ونووا واحتسبوا واشتهوا مثل الذي اشتهى خالد.
ولما سار خالد من الحيرة يمد أهل الشام استعمل على الضعفاء عمير بن سعد، واستعمل على من أسلم بالعراق المثنى بن حارثة الشيباني، ثم سار حتى نزل عين التمر وأغار على أهلها، ورابط حصونها مقاتلة كانت لكسرى وضعهم فيها حتى استنزلهم، فضرب أعناقهم وسبى من عين التمر بشراً كثيراً، فبعث بهم إلى أبي بكر. وذلك أول سبي قدم المدينة. من ذلك السبي أبو عمرة جد عبد الله بن أبي عمرة وعبيد مولى المعلى وأبو عبيد الله مولى بني زهرة وخير مولى أبي داود ويسار مولى قيس بن مخرمة.
قال ابن إسحاق:
وكان فيهم عمير بن زيتون الذي ببيت المقدس، ويسار مولى أبي بن كعب، وهو أبو الحسن بن أبي الحسن البصري، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري. ووجدوا في
كنيسة اليهود صبياناً يتعلمون الكتابة في قرية من قرى عين التمر يقال لها نقيرة. وكان فيهم حمران بن أبان مولى عثمان، وقتل هلال بن عطية بن بشر النمري وصلبه. ثم سار ففوز من قراقر وهو ماء لكلب إلى سوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليلا، فلم يهتد الطريق، فطلب دليلاً فدل على رافع بن عميرة الطائي، فأتاه رافع فاستدله على الطريق فقال: أنشد الله في نفسك وجيشك، فإنها مفازة خمس ليال ليس فيها ماء مع مضلتها، وإن الراكب المنفرد يسلكها فيخاف على نفسه التهلكة، وما يسلكها إلا مغرور. ما علمت رأيك ونصيحتك. ومرنا بأمرك. قال رافع: فابغني عشرين من الإبل سمان عظام، فأتي بهن فظمأهن حتى جهدن، فأوردها الماء فشربن حتى تملأن ثم أمر بمشافرها فقطعن ثم كعمهن كيلا تجتررن، ثم حل أذنابهن، ثم قال لخالد: تزود واحمل من أطاق أن يصر على أذن ناقته ماء فليفعل فإنها المهالك، ففعل، وساروا فسار معهم وسار خالد معه بالخيول والأثقال. فكلما سار يوماً وليلة اقتطع منهن أربعة فأطعم لحمانها. وسقى ما في أكراشها الخيل، وشرب الناس ما كانوا حملوا. وبقي منزل واحد ونفدت الإبل وخشي خالد على أصحابه في آخر يوم، فأرسل خالد إلى رافع أن الإبل قد نفدت فما ترى؟ قال: قد انتهيت إلى الري فلا بأس عليك. اطلبوا شجرة بمثل قعدة الرجل، فعندها الماء. ورافع يومئذ رمد، فطلبوها فلم يصيبوها فرجعوا إلى رافع، فقالوا: إنا لم نصبها، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. هلكتم وهلكت لا أبا لكم. اطلبوها فطلبوها فأصابوها قد قطعت الشجرة وقد بقي منها بقية، فكبر وكبر الناس. فقال: احتفروا فاحتفروا عيناً عذبة مروية، فتزودوا وسقوا وحملوا. فقال رافع: إن هذه المفازة ما سلكتها قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام.
وفي رواية: فقال رافع. والله ما وردت هذا الماء مذ ثلاثين سنة. فقال شاعر من المسلمين: قيل هو أبو أحيحة القرشي: من الرجز
لله عينا رافع أن (ى اهتدى
…
فوز من قراقر إلى سوى
خمساً إذا ما سارها الجبس بكى
…
ما سارها من قبله إنس يرى
ثم إن خالد بن الوليد أغار على أهل سوى، وهو ماء بهراء، قبل الصبح، وهم يشربون شراباً لهم في جفنة قد اجتمعوا عليهم ومغنيهم يقول: من الطويل
ألا عللاني قبل جيش أبي بكر
…
لعل منايانا قريب وما ندري
فزعوا أن ذلك المغني قتل تحت الغارة، فسال دمه في الجفنة.
ثم استقام بخالد الطريق فتواصلت به امياه، حتى إذا أغار على مرج العذراء وبه ناس من غسان فأصاب منهم، ثم مضى حتى نزل مع أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة على قناة بصرى فنزل معهم حتى صالحت بصرى على الجزية، وكانت أول جزية وقعت بالشام في عهد أبي بكر.
وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد: أما بعد. فدع العراق وخلف أهله فيه الذين قدمت عليهم وهم فيه. ثم امض مخففاً في أهل القوة من أصحابنا الذين قدموا معك العراق من اليمامة، وصحبوك من الطريق وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتي الشام فتلقي أبا عبيدة بن الجراح، ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.