الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بعث النبي أسامة بن زيد
وأمره بشن الغارة على مؤتة ويبنى وآبل الزيت
عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعدما قضى حجة التمام، فتحلل به السير وضرب على الناس بعثاً، وأمر عليهم أسامة بن زيد، وأمره أن يوطئ آبل الزيت من مشارف الشام بالأردن، فقال المنافقون في ذلك، ورد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم إنه لخليق لها، أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبله وإن كان لها لخليقاً. وطارت الأخبار لتحلل السير بالنبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتكى، ووثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم الخبر عنهما، ثم وثب طليحة في بلاد بني أسد بعدما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم. ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي توفاه جل وعز فيه.
وعن ابن عباس قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة ولم يستتب لوجع النبي صلى الله عليه وسلم، ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عاصباً رأسه من الصداع، لذلك من الشأن، ولبشارة أريها في بيت عائشة. وقال: إني أريت البارحة فيما يرى النائم في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا. فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة، وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواماً يقولون في إمرة أسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً لها، وإنه لهها لخليق، فأنفذوا بعث أسامة. وقال: لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد.
فخرج أسامة فضرب بالجرف، وأنشأ الناس في العسكرة، ونجم طليحة، وتمهل الناس. وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستتم الأمر. انتظر أولهم آخرهم حتى توفي الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم.
وعن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وجهه وجهاً، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوجه في ذلك الوجه.
ثم استخلف أبو بكر، فقال بأبو بكر لأسامة: ما الذي عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير على أبنى صباحاً وأحرق.
وعن الحسن بن أبي الحسن قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب، وأمر عليهم أسامة بن زيد. فلم يجاوز أخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه يأذن لي فأرجع بالناس فإن فعي وجوه الناس وحدهم، ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثقال المسلمين أن تيخطفهم المشركون. وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن تمضي فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة. فقال أبو بكر: لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه؟! فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت فقي سببكم اليوم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب. وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر، فقال له
أسامة: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركبن أو لأنزلن. فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب. وما علي أن أغير قدمي ساعة في سبيل الله. فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبع مئة حسنة، تكتب له، وسبع مئة درجة ترفع له، وتمحى عنه سبع مئة خطيئة. حتى إذا انتهى قال له: إن رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب، فافعل. فأذن له. وقال: يا أيها الناس، فقوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحو شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمآكله. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على أقوام يأتونكم بآنية فيها ألوا الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها. وسوف تلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقاً. اندفعوا باسم الله. أفناكم الله بالطعن والطاعون.
وفي رواية:
فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا حتى شهدوه. فلما فرغوا أنفذه أبو بكر رضي الله عنه على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى الجرف فاستنفر أسامة وبعثه، وسأله عمر فأذن له، وقال له: اصنع ما أمر به نبي الله صلى الله عليه وسلم، ابدأ ببلاد قضاعة ثم ائت آبل، ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعجلن لما خلفت عن عهده، فمضى أسامة مغذاً على ذي المروة، والوادي. وانتهى إلى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل، فسلم وغنم، وكان فراغه في أربعين يوماً سواى مقامه ومقيله راجعاً.
وحدث زيد بن أسلم قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله على قضاعة: على كلب امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي من بني عبد الله. وعلى القين عمرو بن الحكم. وعلى سعد هذيم معاوية بن فلان الوائلي. فارتد وديعة الكلبي فيمن آزره من كلب، وبقي امرؤ القيس على دينه وارتد زميل بن قطبة القيني
فيمن أزره من بني القين وبني عمرو، وارتد معاوية فيمن أزره من سعد هذيم. فكتب أبو بكر إلى امرئ القيس بن فلان وهو جد سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما فثار بوديعة، وإلى عمرو فأقام لزميل وإلى معاوية العذري فأقام لمعاوية، فلما توسط أسامة بلاد قضاعة بث الخيول قبلهم، وأمرهم أن ينهضوا من أقام على الإسلام إلى من رجع عنه، فخرجوا هراباً حتى أرزوا إلى دومة، واجتمعوا إلى وديعة، ورجعت خيول أسامة إليه فمضى فيها أسامة حتى أغار على الحمقتين، فأصاب في بني الضبيب من جذام. وفي بني حيليل من لخم ولفها من القبيلتين. وجازهم من آبل، ثم انكفأ سالماً غانماً.
وعن عروة قال: لما فرغوا من البيعة واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة: امض لوجهك الذي بعثك له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار، وقالوا: أمسك أسامة وبعثه، فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر وكان أحزمهم أمراً: أنا أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به. ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر بن الخطاب فأستشره واستعن به، فإنه ذو رأي ومناصح للإسلام فافعل، ففعل أسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان وبنو أسد وعامة أشجع، ومسكت طيء بالإسلام. وقال عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك أسامة وجيشه ووجههم نحو من ارتد عن الإسلام من غطفان وسائر العرب، فأبى ذلك أبو بكر أن يحبس أسامة، وقال: إنكم قد علمتم أنه قد كان من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم في المشورة فيما لم تمض من نبيكم فيه سنة، ولم ينزل عليكم به كتاب، وقد أشرتم. وسأشير عليكم. فانظروا أرشد ذلك فائتمروا به. فإن الله لن يجمعكم عن ضلالة. والذي نفسي بيده. ما أرى من أمر أفضل في
نفسي من جهاد من منع منا عقالاً كان يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقاد المسلمون لرأي أبي بكر ورأوا أنه أفضل من رأيهم، فبعث أبو بكر أسامة بن زيد لوجهه الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصاب في العدو مصيبة عظيمة، وسلمه الله وغنمه هو وجيشه، وردهم صالحين، وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حين خرج أسامة حتى بلغ نقعاً حذاء نجد وهربت الأعراب بذراريهم. فلما بلغ المسلمين هرب الأعراب كلموا أبا بكر وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذراري والنساء، وأمر رجلاً من أصحابك على الجيش. واعهد إليه أمرك فلم يزل المسلمون بأبي بكر حتى رجع. وأمر خالد بن الوليد على الجيش. فقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع. ورجع أبو بكر إلى المدينة.
قال الواقدي: قالوا:
لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجداً شديداً، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث ليال بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال: يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحاً على أهل أبني وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون أمامك والطلائع. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدع وحم. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم الله، في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهم اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصبحوا فعليكم بالسكينة والصمت، " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " وقولوا: اللهم، إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت. واعلموا أن الجنة تحت البارقة.
وعن أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يغير على أهل أبنى صباحاً وأن يحرق. قالوا: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة: امض على اسم الله. فخرج بلواثه معقوداً، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أسامة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف، وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم، وجعل الناس يؤخذون بالخروج إلى العسكر، فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة، وسعيد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال من المهاجرين. والأنصار عدة: قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش.
فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولاً عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت القالة في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول، فرده على من تكلم به، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فخرج قد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟! والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله، إن كان للإمارة لخليق، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي. وإن هذا لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول.
وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنفذوا وبعث أسامة. ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تماثل، فإن أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامة، فمضى الناس إلى المعسكر، فباتوا ليلة الأحد. ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور وهو
اليوم الذي لدوه فيه. فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة. قال أسامة: فأعرف أنه كان يدعو لي.
قال أسامة: فرجعت إلى معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله، فودعه أسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح مفيق، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله. واليوم يوم ابنة خارجة فإذن لي، فأذن له، فذهب إلى السنح وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل، وقد متع النهار، فبينا أسامة بن يزد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسوله الله صلى الله عليه وسلم يموت.
فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده.
فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهل باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة، فقال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة.
فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا
في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً. اجعلها عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم. وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذاراري والنساء، فلوا استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ. فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا. قد سمعت مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة، ولكن خصلة، أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا يغنى بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم لا؟ والله إن أبى لا أكرهه، فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة نعم. قال: وخرج فأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتي بأحد أبطأ الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.
وخرج أبو بكر يشيع أسامة والمسلمين. فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جانب أسامة ساعة ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإسلام: جهينة وغيرها من قضاعة. فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يدعى حريثاً، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذاً حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك، وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي اليوم الذي لدوه فيه. فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة. قال أسامة: فأعرف أنه كان يدعو لي.
قال أسامة: فرجعت إلى معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله، فودعه أسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله. واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي. فأذن له، فذهب إلى السنح وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل، وقد متع النهار، فبينا أسامة بن زيد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يموت.
فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده.
فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة، فقال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة.
فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً. اجعلهم عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم. وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذراري والنساء، فلوا استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ. فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا. قد سمعت مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة، ولكن خصلة، أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا غنى بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم لا؟ والله إن أبى لا أكرهه، فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم. قال: وخرج فأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتى بإحد أبطأ الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذي كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.
وخرج أبو بكر يشيع أسامة والمسلمين. فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جانب أسامة ساعة ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإسلام: جهينة وغيرها من قضاعة. فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يدعى حريثاً، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذاً حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك، وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي
أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع للسير قبل أن تجتمع الجموع وأن يشنها غارة.
وروى المنذر بن جهم قال:
قال بريدة لأسامة: يا أبا محمد، إني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أطاعوه خيرهم إن أحبوا أن يقيموا في ديارهم ويكونوا كأعراب المسلمين فلا شيء لهم في الفيء ولا في الغنيمة، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، وإن تحولوا إلى دار الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة: هكذا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي؟ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني، وهو آخر عهده إلي أن أسرع السير وأسبق الأخبار وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء فأحرق وأخرب. فقال بريدة: سمعاً وطاعة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبأ أصحابه وقال: اجعلوها غارة، ولا تمنعوا في الطلب ولا تفترقوا واجمعوا، وأخفوا الصوت واذكروا اسم الله في أنفسكم، وجردوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم. ثم دفع عليهم الغارة. فما نبح كلب، ولا تحرك أحد، ولا شعروا إلا بالقوم قد شنوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم: يا منصور أمت، فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه، وحرق في طوائفها بالنار، وحرق منازلهم وحروثهم ومخلهم، فصارت أعاصير من الدخاخين، وأقام الخيل في عرصاتهم، ولم يمعنوا في الطلب. أصابوا ما قرب منهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة خرج على فرس أبيه الذي قتل عليها أبوه يوم مؤتة، كنت تدعى سبحة، وقتل قاتل أبيه في الغارة. خبره به بعض من سبي، وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهماً وأخذ لنفسه مثل ذلك. فلما أمسوا أمر الناس بالرحيل، ومضى ومضى الدليل أمامه حريث العذري، فأخذوا الطريق الذي جاء منها، ودأبوا ليلتهم حتى أصبحوا بأرض بعيدة ثم طوى البلاد حتى انتهوا إلى وادي القرى في تسع ليال، ثم قصد يغذ السير إلى المدينة وما أصيب من المسلمين أحد فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص، فدعا بطارقته فقال: هذا الذي حذرتكم فأبيتم أن تقبلوه مني، قد صارت العرب تأتي من مسيرة شهر، فتغير عليكم ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم. قال أخوه يناق: فابعث رابطة تكون بالبلقاء فبعث رابطة واستعمل
عليهم رجلاً من أصحابه، فلم يزل مقيماً حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قالوا: واعترض لأسامة في منصرفه قوم من أهل كثكث، قرية هناك، وقد كانوا اعترضوا لأبيه في بدأته، فأصابوا من أطرافه فناهضهم أسامة بمن معه، فظفر بهم وخرق عليهم وساق من نعمهم وأسر منهم أسيرين فأوثقهما وهرب من بقي، فقدم بهما المدينة، فضرب أعناقهما.
وعن يحيى بن النضر أن أسامة بن زيد بعث بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين وأنهم قد أغاروا على العدو وأصابوهم. فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج أبو بكر في المهاجرين وخرج أهل المدينة حتى العواتق، وبشروا بسلامة أسامة ومن معه من المسلمين، ودخل يومئذ على فرسه سبحة، كأنما خرجت من ذي خشب، عليه الدرع واللواء أمامه، يحمله بريدة، حتى انتهى به إلى المسجد فدخل فصلى ركعتين وانصرف إلى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة. فغاب خمسة وثلاثين يوماً سار عشرين في بدائه، وخمس عشرة في رجعته.
وعن أبي هريرة قال: والذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، ثم قال الثانية ثم قال الثالثة، فقيل له يا أبا هريرة! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبع مئة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا أبا بكر، ردها ولا توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة، فقال: والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل الناس ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوجه أسامة. فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.