الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ذكر في بنائه واختيار موضعه
في كتاب أخبار الأوائل أن هذه الدار المعروفة بالخضراء مع الدار المعروفة بالمطبق مع الدار المعروفة بدار الخيل مع المسجد الجامع أقاموا وقت بنائها يأخذون الطالع لها ثمان عشرة سنة. وقد حفر أساس الحيطان، حتى وافاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا أن المسجد لا يخرب أبداً ولا يخلو من العبادة. وأن هذه الدار إذا بنيت لا تخلو من أن تكون دار الملك أو السلطنة والضرب والحبس وعذاب الناس والقتل ومأوى الجند والعساكر والبلاء والفتنة، فبني على هذا، والله أعلم. وكانت في ذلك الزمان كلها داراً واحدة.
ولما أراد الوليد بن عبد الملك بناء مسجد دمشق احتاج إلى صناع كثير، فكتب إلى الطاغية أن وجه إلي بمئتي صانع من صناع الروم فإني أريد أن أبني مسجداً لم يبنى من مضى قبلي ولا يكون بعدي مثله. فإن أنت لم تفعل غزوتك بالجيوش وأخربت الكنائس في بلدي وكنيسة بيت المقدس وكنيسة الرها وسائر آثار الروم في بلدي، فأراد الطاغية أن يفضه عن بنائه ويضعف عزمه، فكتب إليه: والله لئن كان أبوك فهمها فأغفل عنها إنها لوصمة عليه، ولئن كنت فهمتها وغيبت عن أبيك إنها لوصمة عليك، وأنا موجه إليك ما سألت. فأراد أن يعمل له جواباً فجلس له عقلاء الرجال في حظيرة المسجد يفكرون في ذلك، فدخل عليهم الفرزدق فقال: ما بال الناس! أراهم مجتمعين حلقاً، فقيل له: السبب كيت وكيت، فقال: أنا أجيبه من كتاب الله. قال الله تعالى: " ففهمناها سليمان، وكلاً أتينا حكماً وعلمناً " فسري عنهم.
وروى أبو حفص أن هود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم أسس الحائط الذي قبلة دمشق.
ولما بنى الوليد بن عبد الملك القبة يعني: قبة مسجد دمشق فلما استقلت وتمت وقعت فشق ذلك عليه، فأتاه رجل من البنائين فقال له: أنا أتولى بنيانها على أن تعطيني
عهد الله ألا يدخل معي أحد في بنيانها ففعل ذلك، فحفر موضع الأركان حتى بلغ الماء ثم بناها، فلما استقلت على وجه الأرض غطاها بالحصر وهرب عن الوليد، فأقام يطلبه ولا يقدر عليه. فلما كان بعد سنة لم يعلم الوليد إلا وهو على بابه فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت! قال: تخرج معي حتى أريك، فخرج الوليد والناس معه حتى كشف الحصر فوجد البنيان قد انحط حتى صار مع وجه الأرض فقال: من هذا كنت تؤتى، ثم بناها بنيانها الذي عليه حتى قامت.
وقيل: لما حفر لأركانها حتى بلغ الحفر إلى الماء ألقى على الماء جران الكرم، وبني الأساس عليه.
قال إبراهيم بن أبى حوشب النصري وكان جده أحد قومة المسجد في بنائه قال: حدثت أن الوليد بن عب الملك بعث إليه يوماً عند فراغه من القبة الكبيرة، فلم يبق منها إلا عقد رأسها فقال له: إني عزمت أن أعمدها بالذهب قال: فقال له: يا أمير المؤمنين، اختلطت؟! هذا شيء تقدر عليه؟! قال له: يا ماجن تقول لي هذا؟! فأمر به فشق عنه وضرب خمسين سوطاً. قال: ثم قال: اذهب فافعل ما أمرت به قال: فذكر لي أنه عمل لبنة من ذهب فحملها إليه، فلما نظر إليه وعرف ما فيها وما تحتاج القبة إلى مثلها قال: هذا شيء لا يوجد في الدنيا، ورضي عنه وأمر له بخمسين ديناراً.
ولما قطع الوليد بن عبد الملك بالرصاص لمسجد دمشق لأهل الكور كانت كورة الأردن أكثرهم في ذلك، فطلبوا الرصاص من النواويس الغادية وانتهوا إلى قبر حجارة في داخله قبر من رصاص، فأخرجوا الميت الذي فيه فوضعوه فوق الأرض، فوقع رأسه في هوة من الأرض وانقطع عنقه فسأل من فيه دم. فهالهم ذلك، فسألوا عنه فكان فيمن سألوا عنه عبادة بن نسي الكندي فقال لهم: هذا القبر قبر طالوت الملك.
وقيل: إنه لما فرغ الوليد بن عبد الملك من بناء المسجد قال له بعض ولده: أتعبت الناس في طينه كل سنة ويخرب سريعاً، فأمر أن يسقف بالرصاص، فطلب الرصاص في
كل بلد وصل إليه، فبقي عليه موضع لم يجد له رصاصاً، فكتب إلى عماله يحرضهم في طلبه، فكتب إليه بعض عماله أن قد وجدنا عند امرأة منه شيئاً، وقد أبت أن تبيعه إلا وزناً بوزن، فكتب إليه: خذه، وإن أبت إلا وزناً بوزن، فأخذه منها وزناً بوزن، فلما وفاها قالت له: هو هدية مني للمسجد. قال لها: أنت أبيت أن تبيعي إلا وزناً بوزن شحاً منك، فتهدينه للمسجد؟! فقالت: أنا فعلت ذلك ظننت أن صاحبكم يظلم الناس في بنائه ويأخذ رحالهم، فلا رأيت الوفاء منكم علمت أنه لم يكن يظلم فيه أحداً ثم، ويبتاع وزناً بوزن، فكتب إلى الوليد في ذلك، فأمر أن يعمل في صفائحه: لله، ولم يدخله في جملة ما عمله. فهو إلى اليوم مكتوب عليه: لله. طبع بطابع على السقف.
وقيل: إن المرأة كانت يهودية، وأنه كتب على الرصاص الذي أعطتهم: للإسرائيلية وذكر أنه رؤي منه شيء قبل الحريق عليه: للإٍسرائيلية.
ولما أراد الوليد بناء المسجد بدمشق كان سليمان بن عبد الله هو القيم مع الصناع.
وكان المشايخ يقولون: ما تم مسجد دمشق إلا بآداء الأمانة. لقد كان بفضل عند الرجال من القوام عليه الفأس ورأس المسمار، فيجيء فيضعه في الخزانة.
وقيل: إن قبة دمشق الرخام التي فيها فوارة الماء أقيمت في سنة تسع وستين وثلاث مئة.
وقيل: أنشئت الفوارة المنحدرة وسط جيرون في سنة ست عشرة وأربع مئة، وجرت ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول من سنة سبع عشرة وأربع مئة، بما أمر بجر القصعة من ظاهر قصر حجاج إلى جيرون وإجراء مائها القاضي فخر الدولة أبو يعلى حمزة بن الحسن بن العباس الحسيني. جزاه الله على ذلك خيراً.
وتحته بخط محمد بن أبي نصر الحميدي: وسقطت في صفر من سنة سبع وخمسين وأربع مئة من جمال تحاكت بها، فأنشئت كرة أخرى، ثم سقطت عمدها وما عليها في حريق اللبادين ورواق دار الحجارة ودار خديجة، في شوال سنة اثنتين وستين وخمس مئة.