الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب كيف كان أمر دمشق في الفتح
فتحت دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وقدم عمر بن الخطاب الشام سنة ست عشرة، فولاه الله فتح بيت المقدس على صلح ثم قفل، وكانت اليرموك سنة خمس عشرة، وعلى المسلمين أبو عبيدة بن الجراح.
قال ابن إسحاق: ثم ساروا إلى دمشق، على الناس خالد، وقد كان عمر عزله وأمر أبا عبيدة، فرابطوها حتى فتح الله عز وجل. فلما قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمرته وعزل خالد استحيا أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق في سنة أربع عشرة في رجب. قال: فأظهر أبو عبيدة إمرته وعزل خالد ثم شتى أبو عبيدة شتيته وفي نسخة: شتيه بدمشق.
قال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد النصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة بن الجراح. وقد حاصرهم أبو عبيدة رجب وشعبان وشهر رمضان وشوال، وتم الصلح في ذي القعدة. ومنهم من قال: حاصروها أربعة عشرة شهراً.
قال أبو عثمان الصنعاني: لما فتح الله علينا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح ففتح الله بنا حمص، ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السمط فأوطأ الله بنا ماء دون النهر، يعني الفرات وحاصرنا عانات وأصابنا لأواء، وقد علينا سليمان في مدد لنا.
وقال أبو عثمان أيضاً:
حاصرنا دمشق، فنزل يزيد بن أبي سفيان على باب الصغير، ونزل أبو عبيدة بن الجراح على باب الجابية، ونزل خالد بن الوليد على باب الشرقي، وكان أبو الدرداء في مسلحة برزة. قال: فحاصرناها أربعة أشهر. قال: وكان راهب دمشق قد طلب من
خالد بن الوليد الصلح. قال: فشرط عليه خالد بن الوليد أشياء أبي الراهب أن يجيب إليها. قال: فدخلها يزيد بن أبي سفيان قسراً من باب الصغير حتى ركبها. قال: وذهب الراهب كما هو على الحائط فأتى خالد بن الوليد ولا يعلم خالد أن يزيد قد دخلها قسراً. فقال له: هل لك في الصلح؟ قال: وتجيبني إلى ما شرطت عليك؟ قال: نعم. فأشهد عليه ففتح له باب الشرقي، فدخل يزيد فبلغ المقسلاط فالتقى هو وخالد عند المقسلاط، فقال هذا: دخلتها عنوة. وقال هذا: دخلتها صلحاً فأجمع رأيهم على أن جعلوها صلحاً. قالوا: ونظروا فإذا ما بين باب الشرقي إلى المقسلاط أبعد مما بين باب الصغير إلى المقسلاط.
قال الأوزاعي: كنت عند ابن سراقة حين أتاه أهل دمشق النصارى بعهدهم فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق، إني أمنتهم على دمائم وأموالهم وكنائسهم ألا تسكن ولا تهدم، شهد يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وقضاعي بن عامر. وكتب في رجب من سنة أربع عشرة.
قالوا: ولما نشب أصحاب خالد بن الوليد القتال دنا رجل منهم وفي يده اليمنى سيف، وفي اليسرى الدرقة فنادى بالبراز فقالوا: ما يقول؟ قيل: يقول إنه يدعو للمبارزة، فأنزلوا حبشياً كالبعير مستلثماً، في سلاحه، فتدانى فضربه المسلم فقتله، ثم نادى بالبراز، فأنزلوا إليه صاحب بندهم، أجلسوه على باب دلوه فتدانى فضربه المسلم فقتله، ثم نادى بالبراز، فقال: قل للشيطان يبارزك.
وقيل: إن أبا عبيدة بن الجراح دخلها من باب الجابية بالأمان، ودخل خالد بن الوليد من باب الشرقي عنوة بالسيف يقتل، فالتقيا عند سوق الزيت فلم يدروا أيهما كان أول العنوة أو الأمان، فأجتمعوا فقالوا: والله لئن أخذنا ما ليس لنا سفكنا الدماء وأخذنا الأموال لنأثمن، ولئن تركنا بعض مالنا لا نأثم. قال: فاجتمعوا على أن أمضوه صلحاً.
قال عباس بن سهل بن سعد: تولى أبو عبيدة حصار دمشق، وولي خالد بن الوليد القتال على الباب الذي كان عليه
وهو الباب الشرقي، فحاصر دمشق بعد موت أبي بكر حولاً كاملاً وأياماً، ثم إنه لما طال على صاحب دمشق انتظار مدد هرقل ورأى المسلمين لا يزدادون إلا كثرة وقوة، وأنهم لا يفارقونه أقبل يبعث إلى أبي عبيدة بن الجراح يسأله الصلح، وكان أبو عبيدة أحب إلى الروم وسكان الشام من خالد، وكان يكون الكتاب منه أحب إليهم، فكانت رسل صاحب دمشق إنما تأتي أبا عبيدة بن الجراح وخالد يلح على أهل الباب الذي يليه فأرسل صاحب الرجال إلى أبي عبيدة فصالحه، وفتح له باب الجابية، وألح خالد بن الوليد على الباب الشرقي ففتحه عنوة، فقال خالد لأبي عبيدة: اسبهم فإني قد فتحتها عنوة، فقال أبو عبيدة إني قد أمنتهم فتمم لهم أبو عبيدة الصلح، وكتب لهم كتاباً وهذا كتابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب لأبي عبيدة بن الجراح ممن أقام بدمشق وأرضها وأرض الشام من الأعاجم، إنك حين قدمت بلادنا سألناك الأمان على أنفسنا وأهل ملتنا، إنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينة دمشق ولا فيما حولها كنيسة ولا ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا شيئاً منها ما كان في خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن توسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلها جاسوساً، ولا نكتم على من غش المسلمين، وعلى ألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولا نظهر الصليب عليها، ولا نرفع أصواتنا في صلاتنا وقراءتنا في كنائسنا، ولا نخرج صليبنا ولا كتابنا في طريق المسلمين، ولا نخرج باعوثاً ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر
النيران معهم في أسواق المسلمين، ولا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً في نادي المسلمين، ولا نرغب مسلماً في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، وعلى ألا نتخذ شيئاً من الرقيق الذين جرت عليهم سهام المسلمين، ولا نمنع أحداً من قرابتنا إن أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم ديننا حيث ملكنا، لوات نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم ولا نتسمى بأسمائهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا، ونفرق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش في خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نجعله في بيوتنا، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشدهم للطريق ونقوم لهم من المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نشارك أحداً من المسلمين إلا أن يكون للمسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل من أوسط ما نجد، ونطعمه فيها ثلاثة أيام، وعلى ألا نشتم مسلماً، ومن ضرب منا مسلماً فقد خلع عهده. ضمنا ذلك لك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما اشترطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق. على ذلك أعطينا الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا، وأقرونا في بلادكم التي أورثكم الله عز وجل عليها. شهد الله على ما شرطنا لكم على أنفسنا، وكفى به شهيداً.
وقيل: إن يزيد بن أبي سفيان دخل دمشق هو ومن معه من باب الصغير قسراً. فكان يقتل هو والمسلمون ويسبون. فلما رأى ذلك الروم دلوا أسقفهم من باب الشرقي في قفة إلى خالد بن الوليد فأخذ لهم الأمان من خالد فأعطاهم وفتحوا له باب الشرقي فدخل خالد ومن معه حتى انتهوا إلى المقسلاط. وأجاز أبو عبيدة أمان خالد وأمضاه.
قالوا: وكان صالح أهل دمشق على شيء مسمى لا يزداد عليهم إن استغنوا، ولا يحط عنهم إن افتقروا، فكان صالح أهل دمشق على دينارين دينارين وشيء من طعام، وبعضهم على الطاقة، إن زاد المال زاد عليهم، وإن نقص ترك ذلك عنهم، وكان اشترط على أهل الذمة بأرض الشام أن عليهم إرشاد الضال، وأن يبنوا قناطر أبناء السبيل من أموالهم، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام، ولا يشتموا مسلماً ولا يضربوه، ولا يرفعوا في
نادي أهل الإسلام صليباً، ولا يخرجوا خنزيراً من منازلهم إلى أفنية المسلمين، ولا يمروا بالخمر في ناديهم، وأن نوقد النيران للغزاة في سبيل الله عز وجل، ولا يدلوا للمسلمين على عورة، وألا يحدثوا بناء كنيسة، ولا يضربوا بناقوسهم قبل أذان المسلمين وألا يخرجوا الرايات في عيدهم، وألا يلبسوا السلاح في عيدهم، وألا ينحروا في بيوتهم، فإن فعلوا شيئاً من ذلك عوقبوا، وأخذ منهم فحسب لهم في جزيتهم.
ومنهم من قال: وقد كان أبو بكر توفي قبل فتح دمشق وكتب عمر إلى أبي عبيدة بالولاية على الجماعة وعزل خالد، فكتم أبو عبيدة الكتاب من خالد وغيره حتى انقضت الحرب. فكتب خالد الأمان لأهل دمشق وأبو عبيدة الأمير وهم لا يدرون. قال: فكان كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بنعي أبي بكر واستعماله أبا عبيدة وعزله خالداً:
بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبيدة بن الجراح. سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فإن أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ورحمة الله وبركاته على أبي بكر الصديق العامل بالحق والآمر بالقسط والآخذ بالعرف، اللين السير، الوادع، السهل القريب الحليم، ونحتسب بمصيبتنا فيه ومصيبتكم ومصيبة المسلمين عامة عند الله، وأرغب إلى الله في العصمة والتقى برحمته والعمل بطاعته ما أحيانا، والحلول في جنته إذا توفانا، فإنه لعلى كل شيء قدير. وقد بلغنا حصاركم لأهل دمشق وقد وليتك جماعة الناس، فاثبت سراياك في نواحي أرض حمص ودمشق، وما سواها من أرض الشام، وانظر في ذلك برأيك ومن حضرك من المسلمين، ولا يحملنك قولي هذا على أن تغري عسكرك فيطمع فيك عدوك، ولكن من استغنيت عنه فسيره، ومن احتجت إليه في حصارك فاحتبسه، وليكن فيمن تحتبس خالد بن الوليد فإنه لا غنى بك عنه.
قالوا: فدفع ذلك الكتاب إلى خالد بن الوليد بعد فتح دمشق بنحو من عشرين ليلة فأقبل حتى دخل على أبي عبيدة فقال: يغفر الله لك، أتاك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلم تعلمني، وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك؟! فقال له أبو عبيدة: وأنت
يغفر الله لك، ما كنت لأعلمك ذلك حتى تعلمه من غيري. وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله، ثم قد كنت أعلمك إن شاء الله. وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل، وأن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله عز وجل، وما يضير الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه. بل يعلم الوالي أنه كاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلا من عصم الله، وقليل ما هم. ودفع أبو عبيدة عند ذلك إلى خالد بن الوليد الكتاب.
قال أبو حذيفة: وولي أبو عبيدة حصار دمشق وولي خالد بن الوليد القتال على باب الشرقي وولاه الخيل إذا كان يوم يجتمع فيه المسلمون للقتال، فحاصروا دمشق بعد هلاك أبي بكر حولاً كاملاً وأياماً. وساق الحديث.
وكان أهل دمشق قد بعثوا إلى قيصر وهو بأنطاكية رسلاً أن العرب قد حاصرونا وليست لنا بهم طاقة، وقد قاتلناهم مراراً فعجزنا عنهم فإن كان لك فينا وفي السلطان علينا حاجة فأمددنا وأعنا، وإلا فإنا في ضيق وجهد، فاعذرنا، وقد أعطانا القوم الأمان ورضوا منا بالجزية اليسيرة، فسرح إليهم أن تمسكوا بحصنكم وقاتلوا عدوكم على دينكم، فإنكم إن صالحتموهم وفتحتم حصنكم لهم لم يفوا لكم وجبروكم على دينهم واقتسموكم بينهم، وأنا مسرح إليكم الجيش في إثر رسولي هذا، فانتظروا جيشه فأبطأ عليهم. وكتب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بالمناهضة.
وذكر سيف بن عمر: إن فتح دمشق كان بعد وقعة اليرموك.
وقيل في حديث آخر: فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأيسوا، وازداد المسلمون طمعاً فيهم، وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك، إذا هجم البرد قفل الناس، وسقط النجم والقوم مقيمون. فعند ذلك انقطع رجاؤهم وندموا على دخول دمشق. وولد للبطريق الذي على أهل دمشق مولود فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا وغفلوا عن مواقفهم ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد. فإنه كان لا ينام ولا ينيم
ولا يخفى عليه من أمورهم شيء، عيونه ذاكية وهو معني بما يليه قد اتخذ حبالاً كهيئة السلاليم وأوهاقاً.
فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنوده الذين قدم بهم عليهم، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وأمثاله من أصحابه في أول نومة، وقال: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا البناء، وانهدوا إلى الباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خندقهم، فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع ومذعور ثم لم يدعا أحبولة إلا أثبتاها، والأوهاق بالشرف، وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثره ماء وأشده مدخلاً، وتوافوا لذلك فلم يبق بمن قدم معه أحد إلا رقي أو دنا من الباب حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه، وانحدر معهم، وخلف من يحمي ذلك المكان لمن يرتقي، وأمرهم بالتكبير، فكبر الذين على رأس السور فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير فوثبوا فيها، وانتهى خالد إلى أول من يليه فأقامهم وانحدر إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل المدينة وفزع سائر النسا، فأخذوا مواقفهم ولا يدرون ما الشأن وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم، فقطع خالد بن الوليد ومن معه أعلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلا أنم. ولما شد خالد على من يليه وبلغ منهم الذي أراد عنوة وأرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلي غيره، وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا، فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح، فأجابوهم وقبلوا منهم، وفتحوا لهم الأبواب، وقال: ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، ودخل خالد مما يليه عنوة. فالتقى خالد والقواد في وسطها هذا استعراضاً وانتهاباً، وهؤلاء صلحاً وتسكيناً، فأجروا ناحية خالد مجراهم وقالوا: قد فروا إلينا ودخلوا معنا، فأجاز لهم ذلك عمر رضي الله عنه، فأجرى النصف الذي أخذ عنوة مجرى الصلح فصار صالحاً. وكان صلح دمشق على المقاسمة، الديار والعقار ودينار عن كل رأس، واقتسموا الأسلاب، فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد، وجرى على الديار ومن بقي في الصلح جريب
من كل جريب أرض، ووقف ما كان للملوك ومن صوب معهم فيئاً وبعثوا بالبشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر بأن اصرف جند العراق إلى العراق وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك، فأمر علي جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري وربعي بن عامر، فصرفوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند أهل العراق. وخرج علقمة ومسروق إلى إيلياء فنزلا على طريقها وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد، وبعث يزيد بن أبي سفيان دحية بن خليفة الكلبي في خيل بعد فتح دمشق إلى تدمر وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران فصالحوهما على صلح دمشق، ووليا القيام على فتح ما بعثا إليه. وكان أخو أبي الزهراء قد أصيبت رجله بدمشق يوم دمشق.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: مدينة دمشق افتتحها خالد بن الوليد صلحاً، وعلى هذا مدن الشام كانت كلها صلحاً دون أرضيا على يدي يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح.
وبينما المسلمون على حصار مدينة دمشق إذا أقبلت خيل عظيمة مخمرة بالحرير هابطة من ثنية السليمة فرآهم المسلمون وهم منحدرون منها، فخرج إليهم جماعة من المسلمين فيما بين بيت لهيا والثنية التي هبطوا منها، فهزمهم الله وطلبهم المسلمون، يترحل هؤلاء وينزل هؤلاء حتى وقفوا على باب حمص، فظن أهلها أنهم لم يأتوا حمص إلا وقد صالحوا أهلها، فقالوا: نحن على ما صالحتم عليه أهل دمشق ففعلوا.
وعن عقبة بن عامر الجهني أنه قال: بعثني بعض أمراء الشام إلى عمر بن الخطاب فقدمت عليه في يوم الجمعة، وعلي خفان فقال: متى أولجت خفيك؟ قال: قلت له: يوم الجمعة الخالية، قال: ثم لم تنزعهما بعد؟ قال: قلت: ثم لم أنزعهما بعد. قال: أصبت.
قال ليث: وذلك رأينا.
وفي رواية أخرى: فقال عمر: أصبت السنة.
وعن عبد الرحمن بن جبير:
أن المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا أبا عبيدة بن الجراح وافداً إلى أبي بكر ومبشراً بالفتح، فقدم المدينة فوجد أبا بكر قد توفي رحمة الله عليه واستخلف عمر بن الخطاب، فأعظم أن يأتمر أحد من أصحابه عليه، فولاه جماعة الناس، فقدم عليهم فقالوا: مرحباً بمن بعثناه بريداً فقدم علينا أميراً.
وقال مكحول: إن الذي أبرد بفتح دمشق رجل من الصحابة ليس بأبي عبيدة بل هو عقبة بن عامر. وهو أصح وعليه الناس.
قال: وفي حديث عبد الرحمن بن جبير خطأ في مواضع ثلاثة: أحدها قوله: إن دمشق فتحت في خلافة أبي بكر، وإنما حوصرت في حياته، ولم تفتح إلا بعد وفاته. والثاني قوله: إن عمر ولى أبا عبيدة بالمدينة. وإنما ولاه وهو مقيم بالشام. فبعث إليه بكتاب توليته وهم محاصرو دمشق، فكتمه أبو عبيدة خالداً حتى تم الفتح. والثالث قوله: إن أبا عبيدة كان البريد بفتح البلد، وإنما كان البريد عقبة بن عامر. ويدل عليه أيضاً إجماع أهل التواريخ على أن فتح دمشق كان سنة أربع عشرة، وبلا خلاف إن أبا بكر توفي سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة. والله أعلم.
عن المغيرة قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه وذلك بأمر أبي عبيدة. وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع، وصالحه أهل بعلبك وكتب لهم كتاباً.
وقال المغيرة: صالحهم على أنصاف منازلهم وكنائسهم ووضع الخراج.
وقال ابن إسحاق وغيره: في سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحاً على يدي أبي عبيدة في ذي القعدة.
قال شباب: ويقال في سنة خمس عشرة.