المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (15- 18) [سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 18] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٩

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌21- سورة الأنبياء

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 18) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 29) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 19 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 35) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 47) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 47]

- ‌الآيات: (48- 73) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 48 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 82) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 91) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 الى 91]

- ‌الآيات: (92- 104) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 92 الى 104]

- ‌الآيات: (105- 112) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 105 الى 112]

- ‌22- سورة الحجّ

- ‌مناسبتها للسورة التي قبلها

- ‌الآيات: (1- 2) [سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 2]

- ‌الآيات: (3- 5) [سورة الحج (22) : الآيات 3 الى 5]

- ‌الحياة.. وخالق الحياة

- ‌الآيات: (6- 14) [سورة الحج (22) : الآيات 6 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 18) [سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 25) [سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 33) [سورة الحج (22) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[مناسك الحج.. ومشاهد القيامة]

- ‌الآيات: (34- 37) [سورة الحج (22) : الآيات 34 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 48) [سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 59) [سورة الحج (22) : الآيات 49 الى 59]

- ‌[الغرانقة العلى.. قصّتها ومن أين جاءت

- ‌[المأخذ الأول] (ا) توهين أصل الحديث:

- ‌[المأخذ الثاني]

- ‌الآيات: (60- 66) [سورة الحج (22) : الآيات 60 الى 66]

- ‌الآيات: (67- 72) [سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌الآيات: (73- 76) [سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 76]

- ‌الآيتان: (77- 78) [سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

- ‌23- سورة المؤمنون (23)

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 22) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 30) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 41) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 50) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 62) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 51 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 74) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 92) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 75 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 111) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 118) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌[الحياة.. والموت وحتمية البعث]

- ‌24- سورة النور

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[الجلد والرجم.. وجريمة الزنا]

- ‌الآيات: (4- 10) [سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 20) [سورة النور (24) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[حديث الإفك.. عبرة وعظة]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة النور (24) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 34) [سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 40) [سورة النور (24) : الآيات 35 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 46) [سورة النور (24) : الآيات 41 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 52) [سورة النور (24) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة النور (24) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الآية. (61) [سورة النور (24) : آية 61]

- ‌الآيات: (62- 64) [سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌25- سورة الفرقان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 16) [سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 20]

- ‌فهرست المجلد الثالث

الفصل: ‌الآيات: (15- 18) [سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 18]

قوله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ» .

هو صورة مقابلة للمشركين والكافرين، وما حصلوه من التعبد لغير الله.. فقد كان جزاؤهم الخزي فى الدنيا، والعذاب الأليم فى الآخرة..

أما الذين تعبدوا لله، وأعطوه ولاءهم، ودانوا له بالطاعة، وتقربوا إليه بالأعمال الصالحة، فقد ربحوا ربحا عظيما، حيث أعزهم الله فى الدنيا، وأنزلهم فى الآخرة منازل الرضوان، فى جنات تجرى من تحتها الأنهار.

وفى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ» إشارة إلى سلطان الله وقدرته ومشيئته المطلقة، وأنه يفعل ما يريد، دون معترض أو معوق، أو معقب..

وفى هذا تعريض بالآلهة التي يعبدها الضالون من دون الله، حيث هى فى قيد العجز، لا تملك ضرّا ولا نفعا..

‌الآيات: (15- 18)[سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 18]

مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18)

ص: 999

التفسير:

قوله تعالى:

«مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ» .

هذه الآية تعرض تجربة عملية، تدعو إليها أولئك الذين يعبدون الله على حرف فيؤمنون به إن أصابهم خير، ويكفرون به إن مسهم ضر..

وهذه التجربة وإن لم يمكن إجراؤها إجراء واقعيا، فإنه يمكن أن تمثّل وتتصور تصورا..

وهو أن يمد الإنسان سببا، أي حبلا إلى السماء وأن يتخذ من هذا الحبل سلّما يصعد به إلى أعلى، ويرقى إلى منازل العزة والسيادة- فإن فعل هذا، وحدثته نفسه أن هذا لا يحقق له شيئا مما يريد، فليقطع هذا الحبل، ثم لينظر هل ينفعه كيده.. هذا فى قطع الحبل؟ إنه قطع السبب الذي كان من الممكن أن يصعد به، وإنه ليس من وسيلة إلى ذلك إلا بمثل هذا الحبل الممدود.. وأما وقد قطع الحبل، فإنه سيهوى إلى الأرض، ويسقط جثة هامدة لاصقا بالأرض، لا يبرحها أبدا..

والصورة- كما قلنا- قائمة على التمثيل، والتخيل..

فالذى يؤمن بالله، هو كمن مدّ حبلا بينه وبين ربه، وأمسك بالسبب الذي

ص: 1000

يستطيع به أن ينال من الله ما وعده، من عزة ونصر فى الدنيا، وخير ونعيم كبير فى الآخرة..

فإذا شك هذا المؤمن فى أن ينال من الله ما وعده، وهو ممسك بهذا السبب الذي بينه وبين ربه، فليقطع هذا السبب، وليخل يده منه.. ثم لينظر ماذا يكون من أمره؟ أنه سيجد نفسه قد سقط على هذا التراب، ولصق به، ثم لا يكون له بعد ذلك سبيل إلى أن يتحرك نحو هذا الخير القائم على طريق هذا السبب الممدود بينه وبين السماء! ..

إن الإيمان بالله هو السبب- ولا سبب غيره- الذي يمكن أن ينال به الإنسان القرب من ربه، والتعرض لفضله وإحسانه.. فإذا قطع هذا السبب، فقد قطع كل سبب يدنيه من الله، ويفتح له مغالق السعادة والرضوان..

فإذا وقع لهذا المؤمن بالله، ما تضيق به نفسه من البلاء، وما يظنّ به الظنون بربّه، فليكفر بالله، ثم لينظر ماذا يجدى عليه كفره؟ هل يكشف عنه البلاء الذي نزل؟ وهل يدفع عنه الضرّ الذي وقع به؟ إن يكن قد نفعه ذلك- وهذا محال- فليمسك بكفره، وإلا فليعد إلى الإيمان، وليشدّ يده عليه، وإن أضرّه الضرّ، وكربه الكرب.. إنه ممسك بحبل النجاة فى متلاطم الموج، وإن من الضلال أن يقطع هذا الحبل مختارا، ففى ذلك ضلال محقق، على حين أنه يكون فى معرض النجاة ما دام ممسكا بحبل النجاة! قوله تعالى:

«وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ» .

الإشارة هنا إلى هذه الآية الكريمة، وما فيها من حجة قاطعة، ومثل واضح بيّن، على أن طريق النجاة هو الإيمان بالله، وأن هذا الإيمان هو حبل النجاة،

ص: 1001

فمن لم يمسك به فهو فى الهالكين، ومن أمسك به، ثم قطعه فهو فى الهالكين أيضا.

والضمير فى «أَنْزَلْناهُ» يعود إلى القرآن الكريم، وأن آياته كلّها آيات بيّنات كهذه الآية البيّنة، التي صورت الإيمان بالله هذا التصوير الواضح البين.

وفى قوله تعالى: «وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ» - إشارة إلى أن آيات الله مع وضوحها وبيانها، لا يهتدى بها، إلا من أراد الله له الهداية، وفتح بصره وقلبه إليها، وأراه الهدى والنّور منها.. «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً» (17: الكهف) .

قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا.. إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ.. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» .

هذا بيان للناس جميعا، على اختلاف معتقدهم فى الله.. وهم:

الذين آمنوا إيمانا خالصا بالله. وهم المؤمنون.

والذين هادوا.. وهم اليهود.

والصابئون.. وهم من أنكروا وجود الخالق أصلا..

والنصارى.. وهم الذين عبدوا المسيح من دون الله.

والمجوس.. وهم الذين عبدوا النّار، تقربا إلى الله، كما عبد المشركون الأصنام، تقربا إلى الله.

- هؤلاء هم الناس جميعا، وهؤلاء جميعا يفصل الله بينهم يوم القيامة، ويميز المهتدين من الضالين منهم، ويجزى كلّا بما كسب.. «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» فهو- سبحانه- عالم بكل فريق منهم، وبكل فرد من كل طائفة فيهم، لا تخفى عليه خافية، من كبير أعمالهم وصغيرها.

ص: 1002

هذا، ويلاحظ هنا:

أولا: «أن الذين هادوا والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا.. هؤلاء جميعا ليسوا فى عداد المؤمنين بالله.. وذلك لما شاب إيمانهم من قليل أو كثير، من الضلال والفساد.. ولهذا جاء ذكرهم كأصناف أخرى، خارجة عن صنف المؤمنين.

وثانيا: جاء نظم هذه الآية فى سورة المائدة هكذا:

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (الآية: 69) .

والناظر فى الآيتين يرى:

أولا: أن الآية الأولى- آية الحج- لم تعتدّ بإيمان غير إيمان المؤمنين بالله. وأن الآية الثانية- آية المائدة- قد دعت المؤمنين وغير المؤمنين من هؤلاء الطوائف إلى الإيمان بالله والعمل الصالح، وأن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. وذلك لأن الإيمان- لكى يكون إيمانا صحيحا- لا بد أن يصحبه عمل، فالإيمان بلا عمل، كلا إيمان..

ومن هنا كان على المؤمنين لكى يدخلوا فى الحكم الذي قضت به الآية، وهو قوله تعالى:«فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» - كان عليهم أن يكملوا إيمانهم بالعمل الصالح، فهم بغير العمل الصالح مؤمنون، وغير مؤمنين!.

وثانيا: أن الآية الأولى- آية الحج- عطفت «الصَّابِئِينَ» عطف نسق على ما قبلها، كما عطفت ما بعدها عطف نسق عليها، حيث دخل الجميع تحت حكم النصب بأداة النصب «إن» .. على خلاف ما جاء فى آية المائدة، حيث انقطع «الصابئون» قبلهم ومن بعدهم.. فما السرّ فى هذا؟

والسرّ- والله أعلم- أن آية المائدة تدعو المؤمنين وغير المؤمنين إلى

ص: 1003

منزلة لا ينالها إلا من يحقق الأمرين معا: الإيمان، والعمل الصالح.

والمؤمنون.. مؤمنون ولا شبهة فى إيمانهم.

واليهود.. مؤمنون، وفى إيمانهم شبهة، وهى أنهم يؤمنون بالله، ولا يؤمنون باليوم الآخر.

والنصارى مؤمنون بالمسيح ابنا لله، فهو إيمان مشبوه.

أما «الصَّابِئُونَ» فهم لا يعترفون بإله قائم على هذا الوجود، بل هم دهريّون، أو طبيعيون.

ولهذا، عزلوا عن هذه الطوائف الثلاث، لأنهم أبعد الناس عن الإيمان، ومع هذا فإن شأنهم شأن هؤلاء المؤمنين على اختلاف وضعهم من الإيمان، وأنهم إذا آمنوا بالله وعملوا الصالحات- دخلوا فى هذا الحكم العام:

«فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» .. أما من ذكروا فى آية الحجّ فهم على منزلة واحدة فى الحكم الذي يؤخذون به يوم القيامة، وهو أن الله يفصل بينهم، على الحال التي يكون عليها كل منهم..

وثالثا: لم تذكر آية المائدة، المجوس، ولا المشركين، على حين ذكرتهم آية الحج..

والسرّ فى هذا- والله أعلم- أن المجوس والذين أشركوا، هم على صورة مشابهة لليهود والنصارى فى إيمانهم إيمانا مشوبا بالضلال.. فلم يذكروا عند الدعوة إلى تصحيح إيمانهم، لأن فساد إيمانهم أظهر من فساد إيمان اليهود والنصارى، إذ كان مع اليهود والنصارى شبهة إيمان بالكتب السماوية التي معهم، على حين لم يكن المجوس والمشركين شىء من هذا، فهم مطالبون- من باب أولى- بتصحيح إيمانهم، بصورة ألزم من مطالبة اليهود والنصارى

ص: 1004

بتصحيح معتقدهم فى الله، وإيمانهم به.. ففى ذكر اليهود والنصارى ذكر ضمنىّ- ومن باب أولى- للمجوس والذين أشركوا.

أما فى موقف الفصل والحساب والجزاء، فكل طائفة على منزلتها..

فكان لا بدّ من ذكر المؤمنين، ومن ذكر من معهم شبهة من الإيمان، وهم اليهود، والنصارى، والمجوس، ومن لا شبهة من إيمان معهم، وهم الصابئة والمشركون.. وذلك حتى لا يقع فى وهم المجوس والذين أشركوا، أنهم غير مأخوذين بهذا الحكم، وأنهم ناجون من الحساب والجزاء..

ففى موقف الفصل والجزاء يأخذ كلّ مكانه، لا مع الطائفة التي ينتمى إليها وحسب، بل سيأخذ مكانه الخاصّ به فى الطائفة التي هو منها قوله تعالى:

«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» .

فى هذه الآية تعريض بالكافرين والمشركين، وغيرهم، ممن لا يعطون ولاءهم خالصا لله.. فعلى حين أن الوجود كلّه قائم على هذا الولاء المطلق الخالص لله- فإن كثيرا من الناس- والناس وحدهم فى عالمنا- يخرجون على هذا الولاء العام المطلق لله، ويأبون أن يسجدوا له، فإن سجدوا كان سجودهم لغير الله.. وهذا فوق أنه كفر بالله، وجحود بآلائه ونعمه، هو شرود وضلال عن الاتجاه العام، الذي يتجه إليه الكون كلّه، وسباحة متحدية للتيار الهادر الذي لا يغالب، والذي لا يلبث أن يغرق فيه كلّ من سبح فى غير مجراه!

ص: 1005

إن من فى السموات ومن فى الأرض، من عوالم ومخلوقات كبيرة أو صغيرة، عاقلة، أو غير عاقلة، حيّة أو جامدة.. كلها تسبح بحمد الله، وتنقاد لمشيئته، وتخضع لأمره.. إلّا هذا الصنف الشقىّ الضالّ من بنى الإنسان! وإن هؤلاء الأشقياء، لفى عزلة عن هذا الوجود، بل وفى حرب معه.. إنهم أشبه بجماعة من الخارجين على نظام المجتمع والعابثين بحرماته ومقدّساته..

فالمجتمع كله حرب عليهم، وإنهم لن يفلتوا من عقابه!.

وتسبيح الكائنات بحمد الله، هو فى جريانها على سنن الله التي أقامها عليها.. فهى لا تخرج أبدا عن هذه السّنن، ولا تفلت من عقد الوجود الذي انتظمت فى سلكه، وكانت حبّة من حبّاته.. «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ!» (40: يس) وفى هذا انقياد لله، وولاء له..

والإنسان وحده- فيما يظهر لنا- هو الذي منحه الله إرادة عاملة، ومشيئة تسمح له بأن يختار الطريق الذي يرضاه، دون قهر أو إلزام..

وليست كذلك الكائنات الأخرى، التي لا تملك هذه الإرادة، ولا تجد تلك المشيئة، إنها مسخّرة، على حين أن الإنسان مخيّر ومريد.. إنها لا تملك من أمرها شيئا، على حين أن الإنسان هو سيد نفسه، ومالك أمره.. وهذا تكريم من الله له، إذ جعله سبحانه وتعالى على صورة أقرب إلى صورته، فجعله مريدا، عالما، مختارا.. كما يشير إلى ذلك الحديث:«خلق الله آدم على صورته» .

وهذا التكريم، هو ابتلاء لآدم، وهو الأمانة التي حملها، وأبت السموات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها.. وكان عليه أن يثبت لهذا الامتحان، وأن يؤدى الأمانة التي حملها، حتى يكون أهلا لهذا التكريم،

ص: 1006

وإلّا كان عليه أن يتحمل تبعة نكوصه وتخاذله، وأن يتجرع مرارة هذا الإخفاق، وأن يخلع ثوب الإنسانية، ليعيش مسخا قزما، مشوّه الخلق بين أبناء جنسه، الذين اعتدل خلقهم، وسلمت لهم فطرتهم، وذلك هو الشقاء الأليم والعذاب المهين..

- قوله تعالى: «وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» معطوف على قوله سبحانه: «يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» .. أي ويسجد له كثير من الناس..

- وفى قوله تعالى: «وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ» هو استئناف، أي وكثير من الناس لا يسجدون لله، فحق عليهم العذاب.. أي وجب ولزم..

وفى قوله تعالى: «عَلَيْهِ» بدلا من «عليهم» إشارة إلى أن هذا الصنف من الناس الذي أبى السجود لله، هو فى عداد غير العقلاء.. «أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ» (179: الأعراف) فهم وإن كانوا أعدادا كثيرة، أشبه بكيان واحد يجمع كتلة متضخمة من الضلال والفساد..

قوله تعالى: «وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ» - هو موجّه إلى تلك الجماعات التي شردت عن الحق، وضلّت عن سواء السبيل، وهى كلّ الطوائف غير المؤمنة التي أشار إليها سبحانه وتعالى فى قوله:«وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ» .. فهؤلاء ممن أهانهم الله، إذ لم يدعهم إليه، ولم ينزلهم منازل رضوانه، فشردوا وضلّوا.. فالكفر بالله هو أمارة الإهانة من الله للكافر، إذ لم يكن أهلا لأن يدعى إلى جناب الله، مع من دعوا إليه من عباده الذين آمنوا، لما اشتمل عليه كيانه من داء خبيث، لا ينبغى له أن يخالطه الأصحّاء ومعه هذا المرض، الذي يفتال إنسانيته، ويفسد معالمها.

- وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» هو ردّ على سؤال أو تساؤل،

ص: 1007