الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد يرد على لسان بعض الناس.. وهو: لماذا أهان الله هؤلاء الذين لم يؤمنوا به؟ ولماذا لم يدعهم إلى الإيمان، كما دعا المؤمنين وأراد لهم الإيمان؟
فكان الجواب: «إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» ! فمن كان له حيلة فليحتل، ومن كان له مع الله شىء فليأت به! .. فلتخرس الألسنة إذن، وليحمد المؤمنون الله أن هداهم إلى الإيمان، وليدع الضالون ربّهم أن يهديهم.. «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً» (17: الكهف)
الآيات: (19- 25)[سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 25]
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25)
التفسير:
قوله تعالى:
«هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.. فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ
مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ
بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ..» .
الخصمان: هما المؤمنون، والكافرون على اختلاف ضلالاتهم..
واختصامهم فى ربهم، هو اختلافهم فيه.. فالمؤمنون على طريق إلى الله، والمشركون والكافرون ومن على شاكلتهم، على طرق شتى تختلف عن هذا الطريق.. فهذا الاختلاف، هو أشبه بالخصام الذي يفرّق بين المتخاصمين..
ثم بينت الآيات بعد هذا، ما أعدّ الله لكل من هذين الخصمين المختصمين فى الله، من عذاب، أو نعيم.
- «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ» أي أنهم يلبسون النار، أو تلبسهم النار، فيكونون كيانا واحدا معها، بحيث تشتمل على الجسد كلّه، وتغطيه، كما يغطى بالثوب! ثم مازال هناك شىء من الجسد لا تغطيه الثياب، وهو الرأس، الذي يغطى بالعمائم، والتيجان، ونحو هذا..
وإذن فلتتوج رءوسهم، ولكن بتيجان من نار، وبعمائم من جهنم.
- «يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ» ، وهو الماء الذي يغلى فيشوى وجوههم ثم يتخلل تلك الثياب، فيصهر ما فى بطونهم من أمعاء، وأكباد، وقلوب، وغيرها مما تحويه البطون.. كما يصهر الجلود، ويذيبها فتكون كتلة مذابة مع اللحم والعظم..
وليس هذا فحسب.. بل إن لهم طرائف يطرفون بها، كما كانوا
يطرفون فى الدنيا بألوان النعيم الذي شغلهم عن الله.. فهناك «مَقامِعُ» أي مطارق من حديد.. لعلها تعمل تلقائيا من نفسها.. كلما أرادوا أن يخرجوا من ثيابهم النارية تلك، أخذوا بهذه المقامع، فردّوا فيها.. وقيل لهم اخسئوا، وذوقوا عذاب الحريق..
وهذه الصور من ألوان العذاب، هو مما يتصوره الناس فى الدنيا، بل ومما يأخذون به بعضهم بعضا.. فكم من صور هذا العذاب الجهنّمى استخدمه الجبابرة والظلمة فى تعذيب من يخرج على سلطانهم، ويتحدّى تسلطهم وجبروتهم..
فهذا العذاب الدنيوي يجده المجرمون يوم القيامة حاضرا عتيدا، فيما يجدون من صور شتى من عذاب الآخرة، وذلك ليذوقوا ما أذاقوه للناس فى دنياهم، وليسقوا بكأس كانوا يجدون اللذة فى أن يتجرع الناس مرارتها، سواء أكان عذاب الآخرة حسيا أو معنويا، جسديا أو نفسيا، وليست هذه الصور الحسيّة التي ذكرها القرآن لعذاب الآخرة، من ثياب من نار، ومن مقامع من حديد، ومن سلاسل وأغلال، ليست بالتي تتنافى مع العذاب النفسي، فما أكثر ما تتجسد صور العذاب فى النفس، ويجد الإنسان للآلام النفسية وقعا مثل ما يجده من الآلام الجسدية.. وأقرب مثل لهذا ما يقع للإنسان فى حال النوم من رؤى وأحلام مزعجة، أو مسعدة.. إنه يعيش فيها بكيانه كله، جسدا وروحا، وإن كان الواقع أن الروح هى التي تتلقى هذه الرؤى وتلك الأحلام، وتتعامل بها، وهى فى انطلاقها بعيدا أو قريبا من الجسد..
قوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ» .
فى ذكر الله سبحانه وتعالى هنا، هذا الذكر المؤكد، تكريم للمؤمنين، واحتفاء بهم، وأن الله تبارك وتعالى هو الذي يتولى إدخالهم الجنة، ولا يدع هذا لملائكته.. مبالغة فى تكريمهم، فضلا منه، وكرما، ورحمة..
فإذا أدخلهم الله سبحانه وتعالى الجنة، حلّوا فيها بأساور من ذهب، ولؤلؤا، فى مواضع شتّى، من أجسامهم، كأن يكون لهم من اللؤلؤ قلائد، أو تيجان، ونحو هذا، هذا إلى ما يلبسون من ملابس رقيقة، من حرير..
وهذه الحلىّ، وتلك الملابس، هى مما كان يشتهيه المؤمنون فى الدنيا، وقد فاتهم أن ينالوه فيها. فكان مما ينعمون به فى الجنة أن ينالوا ما كانت نفوسهم متطلعة إليه.. فهو غائب ينتظرهم.. وليس هذا كل ما يلبسون، أو يتزينون..
بل هناك ما لا حصر له من ألوان الملابس والزينة، مما لم يخطر على قلب بشر..
فهذه الألوان من صنوف الطعام والشراب، والملابس، والأنهار، والظلال، والقصور وغيرها، مما جاء ذكره فى القرآن، مما يلقاه أهل الجنة- هو مما كانوا يطلبونه فى الدنيا، ولا يأخذون حظهم منه، أو ينالون منه شيئا.. وكان من تمام الإحسان إليهم، أن يعرض عليهم كل هذا فى صورته الكاملة، كمالا مطلقا..
قوله تعالى:
«وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ» .
أي أنهم كما طاب وحسن ظاهرهم، طاب وحسن كذلك باطنهم..
فلا ينطقون لغوا، ولا يسمعون لغوا.. «تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
والصراط الحميد، هو صراط الله.. وقد هدوا إلى أن يحمدوه حمدا دائما متصلا، لأنه هو سبحانه المستأهل للحمد، ولأن نعمه التي أفاضها عليهم تستوجب منهم أن يلزموا هذا الصراط، ولا يحيدوا عنه لحظة..
قوله تعالى:
خبر إن محذوف دل عليه قوله تعالى: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» .. أي أن هؤلاء الذين كفروا، ولم يقفوا عند كفرهم، بل وقفوا للناس بالمرصاد، يصدونهم عن سبيل الله، ويحولون بينهم وبين الاتصال بالمسجد الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، وجعل فيه للبادين- وهم أهل البادية- مثل ما للعاكفين- وهم المقيمون من أهل مكة- من حقّ فى الاتصال بهذا البيت، والطواف به، والصلاة فيه..
هؤلاء الذين كفروا، ويصدّون عن سبيل الله والمسجد الحرام.. هم أشنع الناس جرما، وأغلظهم إثما.. إنهم ليسوا كافرين وحسب، بل إنهم أضافوا إلى كفرهم الوقوف فى وجه المتجهين إلى الله، وإلى بيت الله- هؤلاء لهم عذاب مضاعف، فوق عذاب الكافرين.. أما هذا العذاب فقد عرفوا بعضا منه، وهو ما أعد للكافرين، كما بيّنه سبحانه وتعالى فى قوله:«فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ» يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ