المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (67- 72) [سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٩

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌21- سورة الأنبياء

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 18) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 29) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 19 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 35) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 47) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 47]

- ‌الآيات: (48- 73) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 48 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 82) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 91) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 الى 91]

- ‌الآيات: (92- 104) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 92 الى 104]

- ‌الآيات: (105- 112) [سورة الأنبياء (21) : الآيات 105 الى 112]

- ‌22- سورة الحجّ

- ‌مناسبتها للسورة التي قبلها

- ‌الآيات: (1- 2) [سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 2]

- ‌الآيات: (3- 5) [سورة الحج (22) : الآيات 3 الى 5]

- ‌الحياة.. وخالق الحياة

- ‌الآيات: (6- 14) [سورة الحج (22) : الآيات 6 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 18) [سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 25) [سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 33) [سورة الحج (22) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[مناسك الحج.. ومشاهد القيامة]

- ‌الآيات: (34- 37) [سورة الحج (22) : الآيات 34 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 48) [سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 59) [سورة الحج (22) : الآيات 49 الى 59]

- ‌[الغرانقة العلى.. قصّتها ومن أين جاءت

- ‌[المأخذ الأول] (ا) توهين أصل الحديث:

- ‌[المأخذ الثاني]

- ‌الآيات: (60- 66) [سورة الحج (22) : الآيات 60 الى 66]

- ‌الآيات: (67- 72) [سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌الآيات: (73- 76) [سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 76]

- ‌الآيتان: (77- 78) [سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

- ‌23- سورة المؤمنون (23)

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 22) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 30) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 41) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 50) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 62) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 51 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 74) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 92) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 75 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 111) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 118) [سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌[الحياة.. والموت وحتمية البعث]

- ‌24- سورة النور

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[الجلد والرجم.. وجريمة الزنا]

- ‌الآيات: (4- 10) [سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 20) [سورة النور (24) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[حديث الإفك.. عبرة وعظة]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة النور (24) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 34) [سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 40) [سورة النور (24) : الآيات 35 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 46) [سورة النور (24) : الآيات 41 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 52) [سورة النور (24) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة النور (24) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الآية. (61) [سورة النور (24) : آية 61]

- ‌الآيات: (62- 64) [سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌25- سورة الفرقان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 16) [سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 20]

- ‌فهرست المجلد الثالث

الفصل: ‌الآيات: (67- 72) [سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

وبهذه الحياة تتم النعمة، نعمة الحياة.. ذلك أنه لو كانت الحياة الدنيا هى كل حياة الإنسان لكانت نعمة ناقصة، بل إنها تكون نقمة لما فيها من معاناة، وأعباء، وشدائد، يلتقى بها الإنسان فى مسيرة الحياة الدنيا، من المولد إلى الممات..

إن الحياة الدنيا هى إعداد للحياة الأخرى، إنها زرع، والأخرى حصاد لثمر هذا الزرع، ومن هنا كان لا بد من الحياة الآخرة، حتى تكون الحياة نعمة تستوجب الحمد والشكران لله..

ولهذا جاء قوله تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ» تعقيبا على تلك النعمة، وتنديدا بالإنسان وكفره وجحوده لها، إذ لم يؤد مطلوب الله منه فى هذه الحياة الدنيا، الموصولة بالحياة الآخرة..

‌الآيات: (67- 72)[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)

ص: 1092

التفسير:

قوله تعالى:

«لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ» .

المنسك: الشريعة، والجمع مناسك، وهى مراسم الشريعة، وأحكامها، وحدودها..

والمعنى أن الله سبحانه وتعالى، جعل لكل أمة من الأمم، شريعتها التي تلائم ظروفها وأحوالها، وذلك رحمة من الله سبحانه، بعباده، إذ لو أخذهم الله جميعا بشريعة واحدة منذ بدء الخليقة، لكان فى ذلك إعنات لهم، وتضييق عليهم، إذ يصبحون بهذه الشريعة فى حال من الجمود، لا يتحركون معه إلى يمين أو شمال، أو أمام أو وراء.. والحياة الإنسانية تتحرك دائما، متقلبة الأحوال.. وهى فى حركتها وتقلبها تتجه إلى الأمام دائما.. فكان من حكمة الحكيم، ورحمة الرحيم، أن جعل شرعة فيهم مناسبا لظروفهم وأحوالهم، يلقاهم أمّة أمّة، وجماعة جماعة، فيعطى كل أمة وكل جماعة، ما يصلح لها، ويسدّد خطوها على طريق الحياة..

- وفى قوله تعالى: «هُمْ ناسِكُوهُ» إشارة إلى أن كل أمة ترتبط بشريعتها التي شرعت لها، وتجرى محاسبتها عليها.. كما يقول سبحانه:«لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» (48: المائدة) .

- وقوله تعالى: «فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ» أي أن الشريعة التي بين يديك أيها النبىّ هى شريعتك التي اختارها الله بعلمه وحكمته، لأمتك، لتكون خاتمة رسالات السماء.. فلا ينازعنك فيها أصحاب الشرائع الأخرى من أهل الكتاب،

ص: 1093

ولا يدخلون على شريعتك بما معهم من شرائع..

- وفى قوله تعالى: «فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ» إشارة إلى أن هذه الشريعة التي بين يدى محمد- صلوات الله وسلامه عليه- هى «الْأَمْرِ» أي الشرع كلّه، وأنه لا أمر ولا شرع بعد هذا.. وهذا هو السرّ فى تعريف «الْأَمْرِ» ..

وفى توكيد الفعل «يُنازِعُنَّكَ» الذي هو نهى لأهل الكتاب، فى حضور النبىّ ومخاطبته، أمران:

أولهما: تيئيس أهل الكتاب من أن يكون لهم شأن فى هذا الأمر، وأنهم إذا أرادوا أن يكون لهم شأن فيه، فليسلموا له، وليأخذوا بما جاء به، وليجعلوا ما بين أيديهم من شرع تبعا لهذا الأمر أو الشرع.

وثانيهما: عزل النبىّ الكريم عن جدل أهل الكتاب، وعن الاستماع إلى مقولاتهم، والنظر إلى ما عندهم.. إذ أن عنده الأمر كله.. ومن كان عنده الأصل، فلا ينظر إلى الفرع..

- قوله تعالى: «وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ» أي وإذا كان ذلك هو موقفك من أهل الكتاب، فلا تلتفت إليهم، ولا تنظر إلى ما يجادلونك به من شريعتهم، وادع إلى ربك بما معك من شريعة.. فإنك لعلى هدّى من ربك.. هدى مستقيم..

وفى وصف الهدى بالاستقامة، إشارة إلى ما فى أيدى أهل الكتاب من شريعة غير مستقيمة، بما أدخلوا عليها من زيف وضلال..

قوله تعالى:

«وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ» ..

هو تأكيد للأمر الذي أمر به النبىّ بالدعوة إلى ربه.. بالكتاب المستقيم

ص: 1094

الذي معه، دون التفات إلى ما فى أيدى أهل الكتاب، ودون استماع لما يلقون إليه من مسائل يريدون بها إثارة الجدل وبعث الشكوك عند المنافقين ومن فى قلوبهم مرض..

فهذه الآية الكريمة، تدعو النبىّ إلى أن يمضى فى طريقه، وأن يدع أهل الكتاب وما يجادلون فيه، وحسبه أن يلقاهم بقوله تعالى:«اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ» أي ليس لى أن أحاسبكم على افترائكم الكذب على الله، فإن الله سبحانه هو أعلم بما أنتم عليه- ظاهرا وباطنا- وهو- سبحانه- الذي يتولى حسابكم وجزاءكم..

قوله تعالى:

«اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» ..

إمّا أن يكون من كلام النبىّ الذي أمره الله سبحانه وتعالى أن يقوله للمجادلين من أهل الكتاب، أي قل لهم:(الله أعلم بما تعملون) وقل لهم (الله يحكم بينكم إلخ) وعلى هذا يكون الخطاب موجها إليهم، وأن الله سبحانه سيحكم بينهم فيما اختلفوا فيه من مقولات، فكانوا فرقا وشيعا، أو فيما اختلفوا فيه مع النبىّ، فكانوا حربا عليه، وعداوة له..

وإمّا أن يكون ذلك استئنافا، وليس من مقول القول.. وعلى هذا يكون الخطاب عاما موجها إلى الناس جميعا.. بمعنى أن الله سبحانه سيفصل بين الناس فيما وقع بينهم من خلاف، سوء أكان خلافا واقعا بين أهل الشريعة الواحدة، أو بينهم وبين غيرهم من أصحاب الشرائع الأخرى.. ويكون هذا تعقيبا على قولة تعالى:«لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ» ..

قوله تعالى:

«أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» هو إلفات إلى سعة علم الله سبحانه وما يقع فى محيط هذا العلم من

ص: 1095

أعمال الناس- ظاهرة وباطنة- وهو بهذا العلم يكشف مستورهم، ويحاسبهم ويقضى بينهم.

فهو سبحانه، يعلم ما فى السماء والأرض.. لأن كل ما فيهما صنعته، والصانع لا يخفى عليه شىء مما صنع «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (14: الملك) - وقوله تعالى: «إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ» أي أن هذا العلم الذي يحيط بأسرار الوجود كله، هو مودع فى كتاب عند الله.. فكل ما كان أو يكون فى هذا الوجود كله- فى أرضه وسمائه، وفيما بين أرضه وسمائه- مودع فى هذا الكتاب.. كما يقول سبحانه:«وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ» (75: النمل) وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي هو أول ما خلق الله بعد القلم..

- قوله تعالى: «إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» هو دفع لما يقع فى بعض العقول القاصرة التي لا تعرف قدر الله- من شعور باستعظام هذه المعلومات التي تحصى كل شىء، وتقدّر كل شىء، لكل مخلوق، صغر أو كبر، وأخذ هذا القول على سبيل المبالغة أو التجوز.. فكان قوله تعالى:«إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» تأكيدا لعلم الله، وسعة هذا العلم وشموله، وأن هذا الوجود كله لا يعدّ شيئا إلى علم الله، الذي أحاط بكل هذا الوجود ولا يحيط الوجود كله بشىء من علمه إلا بما يشاء..

قوله تعالى:

«وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» ..

الضمير فى «يَعْبُدُونَ» يراد به المشركون، الذين يعبدون آلهة دون الله.. ولم يكن للمشركين ذكر هنا حتى يعود هذا الضمير إليهم.. فالحديث عنهم بضمير الغيبة، إبعاد لهم، وإنكار لوجودهم فى مجتمع العقلاء، الذين هم أهل للخطاب.

ص: 1096

- وقوله تعالى: «ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً» - المراد بالسلطان هنا الكتاب السماوىّ، الذي يدعو إلى عبادة المستحق للعبادة، وهو الله سبحانه وتعالى..

وهؤلاء المشركون يعبدون آلهة تنكر الكتب السماوية عبادتها- فهم إذ يعبدونها فإنما يعبدون ما لا دليل فى أيديهم على استحقاقه العبادة: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ» . (8: الحج) - وقوله تعالى: «وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ» - هو اتهام للمشركين بأنهم إنما يعبدون ما يعبدون من دون الله، عن هوى وضلال، وعن جهل وغباء..

فلا دليل فى أيديهم من كتاب، ولا حجة معهم من علم أخذوه عن نظر ودرس فى صحف هذا الوجود.. فقد يهتدى الإنسان إلى الله بعقله ونظره.. فإن لم يكن له عقل ونظر، فهذا كتاب الله، فيه الهدى لكل من ضل، والعلم لكل من جهل.. وهؤلاء المشركون، لم يكن لهم عقول ينظرون بها، أو قلوب يعقلون بها، فلما جاءهم الكتاب، ليبصّرهم من عمى، وليعلمهم من جهل، ردّوه بأيديهم، وأصمّوا آذانهم دونه..

- وقوله تعالى: «وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» هو تهديد لهؤلاء المشركين، الذين ظلموا الحق، فلم يطلبوه من كتاب الله، وظلموا أنفسهم، فلم يستعملوا حواسّهم وملكاتهم فى النظر لما فيه هدايتهم، فركبوا مراكب الضلال، والهلاك.. وليس لهم من يستنقذهم من هذا الضلال، ويدفع عنهم يد الهلاك، وقد وقعوا فى شباكها.

قوله تعالى:

«وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا.. قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» .

ص: 1097

تعرض هذه الآية صورة من عناد المشركين، وتأبّيهم على الحق، وشرودهم عن الهدى.. وذلك أنهم إذا تليت عليهم آيات الله، وقعت كلماتها فى قلوبهم موقع النكر، فاشمأزوا منها، وضاقوا بها، وظهر على وجوههم ما اعتمل فى صدورهم من حنق وغيظ، وكادت أيديهم تتحرك بالتطاول والأذى، ينالون به من يتلو عليهم آيات الله، ويسمعهم إياها..

هذا هو حال أهل الضلال، مع كل دعوة راشدة، وفى وجه كلّ كلمة طيبة.. إنهم يزورّون بالخير، ويضيقون ذرعا بالهدى- شأن المدمن على منكر من المنكرات.. يؤذيه الحديث الذي يكشف له عن وجه هذا المنكر، وعن سوء مغبته، وما يجرّ عليه من فساد لعقله، وجسده، وماله..

- وقوله تعالى: «قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ» .. الإشارة هنا «ذلِكُمُ» إلى المنكر الذي يبدو على وجوه الكافرين، لما يقع فى نفوسهم من ضيق وأذى مما يسمعون من كلمات الله.. فهذا الضيق الذي يجدونه فى صدورهم، هو شرّ وأذى يقع فى أنفسهم.. ولكنه شرّ قليل وأذى محتمل بالإضافة إلى ما يلقون يوم القيامة من عذاب أليم.. فلو أنّهم راضوا أنفسهم على الاستماع إلى كلمات الله، وصبروا قليلا على هذا الدواء المرّ الذي تجده نفوسهم المريضة منه- لوجدوا برد العافية من هذا الضلال الذي هم فيه، ولآمنوا بالله، ولنجوا من عذاب السعير، ولدفعوا بهذا الشرّ الذي يجدونه فى صدورهم شرّا مستطيرا، وبلاء عظيما.. وهو العذاب الأليم فى الآخرة..

وفى تسمية ما يجده المشركون من ضيق فى صدورهم عند الاستماع إلى كلمات الله- فى تسميته شرا، إنما هو بالإضافة إليهم، وحسب نظرتهم إليه..

إنهم يجدون ما تعرضه عليهم آيات الله من دواء لدائهم، وهو الشرّ الذي يصرفهم عن الحياة والعيش مع هذا الداء المتمكن منهم..

ص: 1098