الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعصىّ السحرة باطل من الأباطيل.. فلما التقت العصا بالعصىّ ألقت بها فى غياهب الظلمات.. فلم يجد أصحابها لها ظلا.. «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (117 118- الأعراف) - وفى قوله تعالى: «وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» تهديد للمشركين، ووعيد لهم بالويل والهلاك، الذي يأتيهم من هذه الأباطيل التي يعيشون معها، بما يصفون به الله سبحانه وتعالى من صفات لا تليق بجلاله وعظمته كنسبتهم الملائكة إلى الله، وقولهم إنهم بنات الله!.
الآيات: (19- 29)[سورة الأنبياء (21) : الآيات 19 الى 29]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
التفسير:
قوله تعالى:
لا يستحسرون: أي لا يملّون، ولا يكلّون..
لا يفترون: أي لا يتراخون، ولا ينقطعون عن العبادة، لحطة، أو فترة.
والآية والآيات التي بعدها، تكشف عن بعض سلطان الله، وتحدث عن بعض ما له من قدرة قادرة على كل شىء، ممسكة بكل شىء..
فهو- سبحانه- المالك لمن فى السموات والأرض، من عوالم.. من الذرة، وما دون الذرة، إلى الكواكب فى مساراتها، والنجوم فى أفلاكها.. إلى الملائكة الذين هم عنده، حافّين بالعرش.. وهو سبحانه المتصرف فى هذه الموجودات، الموجه لها، المقدّر لوضعها الذي تأخذه فى هذا الوجود.
وإذا كان هذا سلطان الله، وتلك قدرته الآخذة بناصية كل شىء، فإنه من غير المعقول أن يكون شىء من خلقه ذا سلطان معه، أو خارجا عن سلطانه..
والملائكة، الذين هم عند الله بهذا المكان الرفيع، لم تخرج بهم منزلتهم هذه عن أن يكونوا عبادا من عباد الله يدينون له بالولاء ويتقربون إليه بالعبادة:
«يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» .. إنهم فى عبادة دائمة متطلة، وذكر لله لا يفترون عنه! والسؤال هنا، هو: إذا كان الملائكة على هذا الصفاء النورانى الذي خلقوا منه، وعلى تلك العبادة الدائبة والطاعة الدائمة، فلم هذا الخوف؟ ولم
تلك الخشيه؟ كما يقول سبحانه: «وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» (13: الرعد) والجواب على هذا، هو أن الملائكة لقربهم من الله سبحانه وتعالى، ولكمال معرفتهم بماله سبحانه وتعالى من جلال وكمال- هم أكثر عباد الله ولاء لله، وانقيادا له، وفناء فيه.. فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومن كان إلى الله أقرب كان لجلاله وسلطانه أرهب.! يقول الله سبحانه وتعالى:
«إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» .. فالعلماء بالله، العارفون به، هم أكثر الناس خشية له، وولاء لذاته.. والملائكة يعلمون أكثر مما يعلم العالمون من جلال الله وسلطانه، وعظمته..
وقوله تعالى:
«أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ» هو تسفيه لعقول هؤلاء المشركين، الذين يعبدون مما على الأرض، من ناطق أو صامت، مثل أولئك الذين اتخذوا من البشر آلهة، أو من الأحجار أصناما ينحتونها ويعبدونها.. فهؤلاء أحمق عقولا، وأغلظ جهلا من أولئك الذين عبدوا الملائكة، وإن كان هؤلاء وأولئك جميعا فى ضلال مبين..
فلا الملائكة المقربون، ولا الجن، ولا البشر، ولا الأحجار، ولا أي شىء مما خلق الله، مما يصح فى عقل عاقل أن يجعل له إلى الله نسبا، فضلا عن أن يجعله إلها مع الله، يشاركه التصريف والتدبير.
وفى قوله تعالى: «مِنَ الْأَرْضِ» إشارة إلى مدى الانحطاط العقلي، الذي وصل إليه أولئك الذين يعبدون ما على هذه الأرض من مخلوقات.. فهى من معدن هذا التراب الذي تدوسه الأقدام، فكيف يكون هذا التراب المشكّل فى أي صورة من الصور، إلها يعبد من دون الله، ويرجى منه ما يرجو المؤمنون بالله، من الله رب العالمين؟.
وقوله تعالى: «هُمْ يُنْشِرُونَ» .. يمكن أن يكون استفهاما.. تقديره أهم ينشرون؟ أي أهؤلاء الآلهة الذين اتخذوهم من الأرض ينشرون الأموات ويبعثونهم من قبورهم، كما يفعل الله؟ والاستفهام هنا إنكارى..
ويمكن أن يكون جملة خبرية، هى صفة للآلهة، وتكون الآية كلها مبنية على الاستفهام الإنكارى، ويدخل فيها إنكار الجملة الخبرية، كذلك..
قوله تعالى:
هذه قضية، هى تعقيب على ما وجه به المشركون الذين يتخذون من عباد الله، فى السماء أو فى الأرض: آلهة، فإن ذلك سفه وجهل، وسوء تقدير لما ينبغى أن يكون للإله المعبود، من صفات الكمال والجلال المطلقين..
وإذا كان الإله الذي يستحق العبادة موصوفا بصفات الكمال المطلق، فإن هذه الصفات- فى إطلاقها- لا تكون إلا لإله واحد، لا يشاركه أحد فيها، إذ لو شاركه غيره فيها، أو كان له مثلها، لما كان له الكمال المطلق، ولما كان له التفرد بالألوهية.. إذ الكمال المطلق صفة واحدة، ولا يتصف بها إلا موصوف واحد، هو الله سبحانه..
ومن جهة أخرى.. فإن هذا الوجود، فى علوه وسفله، وفى سمائه وأرضه- لو قام عليه أكثر من ذى سلطان واحد مطلق، لما استقام أمره، ولما استقرّ نظامه، ولكان لكل ذى سلطان أن يتصرف فيما له سلطان عليه، ولذهب كل منهم مذهبا، فمضى ذا مشرّقا، ومضى ذاك مغرّبا.. وأخذ هذا يمينا، وأخذ ذاك يسارا.. فيتصادم هذا الوجود، وتتضارب الوجودات، وينفرط عقدها، وتتناثر أشلاؤها
فالإنسان مثلا، وهو العالم الأصغر، الذي يناظر العالم الأكبر.. يقوم على ملكة التفكير فيه، عقل واحد.. ويقوم على تغذيته بالدم- الذي هو ملاك حياته- قلب واحد..
وتصوّر أن يكون لإنسان عقلان.. ماذا يكون حاله؟ وكيف يكون مقامه فى عالم البشر؟ إن لكل عقل مدركات، وتصورات وتقديرات.. فبأى عقل يسير؟ وبأى عقل يحكم على الأشياء ويتعامل معها؟ إنه بهذين العقلين إنسانان لا إنسان واحد..
إنه ذو شخصية مزدوجة، تتصارع فيها العواطف والنوازع، وتقتتل فيها الآمال والرغبات، ثم لا يسكن هذا الصراع، ولا ينتهى هذا القتال، حتى يتحطم هذا الكائن العجيب، الإنسان.. له رأسان، أو عقلان..!
وقل مثل هذا فى القلبين، اللذين يفسد أحدهما عمل الآخر، وينقض أحدهما ما بناه صاحبه..
والله سبحانه وتعالى يقول: «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» (4: الأحزاب) .
وقل مثل هذا فى الجماعات البشرية.. إن كل جماعة يجب أن يكون على رأسها رأس واحد.. وإلّا فالتنازع والتصادم، والفساد..!
وقوله تعالى: «فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» ..
هو تنزيه لله سبحانه عما يصفه به الواصفون، من صفات لا تخصّه بالكمال المطلق، بل تجعل له شريكا فيها، ويكون له بمقتضى ذلك سلطان مع سلطان الله، وعرش كعرش الله.. فالله سبحانه منزه عن أن يكون على تلك الصفة..
إنه سبحانه الإله المتفرد بالخلق والأمر..
قوله تعالى:
«لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ» ..
هو أيضا تنزيه لله سبحانه وتعالى عن أن يكون كهذه الآلهة التي يعبدها هؤلاء الضالون.. فهذه الآلهة، هى من مخلوقات الله، وهى خاضعة لمشيئته فيها، يصرّفها كيف يشاء، ويحاسب العاقل منها على ما كان منه.. أما هو سبحانه، فلا يسأل عما يفعل.. إذ لا يسأله إلا من هو فوقه، وهو- سبحانه- فوق كل ذى فوق.. «يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ.. ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» (68: القصص) .
قوله تعالى:
«أَمِ» هنا للإضراب، بمعنى بل..
والمعنى: أنه مع هذه البديهيّات التي تقع فى متناول كلّ عقل، والتي تقضى بما لا يدع مجالا للشك، بأنه لا يمكن أن يكون لهذا الوجود إلا إله واحد، يقوم عليه، ويدبّر أمره- مع هذا، فإن هؤلاء الضالين المشركين قد عموا عن هذه البديهيات، وقصرت أفهامهم عن إدراكها، وساغ لهم أن يعبدوا أكثر من إله، وأن يوزّعوا عقولهم وقلوبهم بين أرباب وأشباه أرباب، ولم يحاولوا أبدا أن يجيبوا على هذا السؤال:«أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ» (39: يوسف) .. كما لم يحاولوا أن يقيموا دليلا يقبله العقل، ويرتضيه المنطق لعبادة هذه الآلهة المتعددة! وفى قوله تعالى:«قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ» دعوة لهؤلاء المشركين أن يرجعوا إلى عقولهم، وأن يأتوا منها بالدليل والحجة على ما يعبدون من دون الله..
«وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» (117: المؤمنون) ..
وقوله تعالى: «هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي» .. هو إشارة إلى القرآن الكريم، الذي بين يدى الرسول، وهو برهانه على الإله الذي يعبده، ويدعو الناس إلى عبادته.. وهذا القرآن كما هو حجة وبرهان للرسول الكريم، هو حجة وبرهان لهؤلاء المشركين الذين يدعوهم الرسول إلى الإيمان بالله، كما أنه حجة وبرهان على أهل الكتاب.. «هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي» .. فمن مع الرسول هم هؤلاء المشركون.. والذين من قبله هم أهل الكتاب.. والقرآن الكريم حجة على هؤلاء وأولئك جميعا..
وقوله تعالى: «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ.. فَهُمْ مُعْرِضُونَ» .. هو اعتذار لكثير من هؤلاء المشركين، الذين عموا عن طريق الحق، فركبوا رءوسهم، وأبوا أن يستمعوا لداعى الحقّ، وأن يستجيبوا له.. ومن ثمّ، فإن الرسول قائم فيهم، لا يتخلى عن مكانه بينهم، ولا يمسك عن دعوتهم، وكشف معالم الطريق لهم، حتى يبصروا من عمى، ويهتدوا من ضلال..
وقد كان.. فما زال الرسول يغادى هؤلاء المشركين، ويراوحهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، على مدى ثلاث وعشرين سنة، حتى استنارت بصائرهم، وتفتحت قلوبهم، وما كادت تختم الرسالة، وتنزل آخر آية من آياتها، حتى آمن هؤلاء المشركون، ودخلوا فى دين الله أفواجا.. وكان مختتم الرسالة قوله تعالى:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» (3: المائدة) .
قوله تعالى:
تلك هى ملاك دعوة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، وهم بشر مثل هؤلاء البشر.. ودعوتهم جميعا هى أنه لا إله إلا الله، وأنه وحده المستحق لأن يفرد بالألوهية والعبادة.. فكانت دعوة كل رسول إلى قومه مفتتحة بهذا النداء:«يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ..
قوله تعالى:
هو إشارة إلى أهل الكتاب، الذين أشار إليهم سبحانه وتعالى فى قوله:
«ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ» فأهل الكتاب هؤلاء، من اليهود والنصارى، قد جاءهم رسولان، كريمان، بشران، من عباد الله هما: موسى، وعيسى، عليهما السلام، فدعواهم إلى الإيمان بالله وحده، ولكنهم قلبوا وجه هذه الدعوة، فجعل النصارى المسيح ابنا الله، وجعل اليهود عزيرا ابن الله. كما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وفى هذا يقول الله تعالى:
«وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ: «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ» أي أن المسيح وعزيرا والأحبار والرهبان، هم من عباد الله، أكرم بعضهم واصطفاه لرسالته، كما أكرم واصطفى كثيرا من عباده ورسله بالنبوّة والرسالة، وكما أكرم كثيرا منهم بالإيمان.
وقوله تعالى: «لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» هو صفة لهؤلاء العباد المكرمين، الذين اتخذهم الضالون آلهة من دون الله، فهؤلاء الرسل، هم على طاعة مطلقة لله.. لا يسبقونه بالقول، فلا يقولون إلا ما يقال لهم من قبل الحق، ولا يعملون عملا إلا ما يأذن الله لهم به.. فكيف يكون من هذا شأنه إلها مع الله؟ وهل يكون إلها من لا يملك من نفسه الكلمة، ولا العمل؟
قوله تعالى:
أي أن هؤلاء العباد المكرمين من رسل الله، لا يعلمون إلّا ما علمهم الله، ولا يملكون إلا ما يأذن الله لهم به.. وهو سبحانه يعلم من أمرهم ما لا يعلمون، فيعلم «ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» أي ما لم ينكشف لهم من مسيرة حياتهم بعد، ويعلم «ما خَلْفَهُمْ» أي ما انكشف لهم من ماضى حياتهم قبل أن يتلبسوا به..
«وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى» أي ولا يملكون الشفاعة لأحد، إلا لمن ارتضى الله سبحانه وتعالى لهم أن يشفعوا فيه، تكريما لهم، ومضاعفة لإحسانه إليهم. «وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» أي وهم- مع هذا الإيمان، وهذا الولاء- على خشية وإشفاق من الله، ومن بأس الله وعذابه..
- وقوله تعالى: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ.. كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» - هو استبعاد لأن يكون من رسل الله قول كهذا القول الذي يقوله فيهم الضالون، الذين اتخذوهم آلهة.. ولو فرض- وهو فرض محال- أن يقول أحد منهم إنى إله من دون الله، فلا يعصمه قربه من الله، وإكرامه إياه، من أن يؤخذ بما يؤخذ به أي عبد من عباد الله، يقول هذا