الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطيبة، كفؤها من هو أطيب منها طيبا..
وثالثا: الإشارة فى قوله تعالى: «أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ» .. تشير إلى من مسهم شىء من هذا الحديث الآثم، وهم الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- وعائشة- رضى الله عنها، وأبواها، وصفوان بن المعطل.. فهؤلاء قد برأهم الله من كل دنس، وعافاهم من كل سوء، ودمغ بهذا القول الزائف الآثم أهله.. على حين أجزل الثواب العظيم، والرزق الكريم لمن مسهم هذا القول بضرّ:«لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» ..
الآيات: (27- 29)[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29)
التفسير:
جاءت هذه الآيات الثلاث، بعد حديث الإفك، الذي كان المدخل إليه، هو هذا الحديث الذي شغل السيدة عائشة عن أن تكون فى الركب، وقد لقيها على الطريق صفوان بن المعطل، فحملها على بعيره، وألحقها بكرب الرسول..
فكان المنافقين، ومن فى قلوبهم مرض أن ينظروا إلى هذه الحادثة بنفوس
مريضة، وأهواء متسلطة، وأن يعموا عن هذا الجوهر الكريم المصفّى الذي ينظرون إليه.. سواء فى ذلك أم المؤمنين، أو الصحابىّ الذي كان فى خدمتها..
نقول- جاءت هذه الآيات الثلاث، بعد حديث الإفك لتقيم المسلمين على أدب خاص، يتصل بالبيوت وحرمتها، حتى لا تكون مظنّة لريبة، أو موضعا لتهمة.. ذلك والنفوس- إذ تستقبل هذه الآيات- مهيأة لقبول كل ما يدفع التهم، وينفى الرّيب، بعد تلك التجربة القاسية التي عاشها النبىّ، وزوجه، وصديقه الصديق، وصحابته، وصالحو المؤمنين..
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» فهذا أول مادة فى دستور هذا الأدب الربانىّ، فى تزاور المسلمين، وتواصلهم بلقاء بعضهم بعضا فى البيوت.. وهو ألّا يدخل أحد بيتا غير بيته حتى يستأنس، ويسلم على أهله..
والاستئناس، هو طلب الأنس، وإزالة الوحشة، وذلك باستئذان أهل البيت، ولقاء من يلقاه منهم على باب الدار، فإذا لقيه أحد سلم عليه.. فإن أذن له بالدخول دخل، وإن لم يأذن له رجع.. وهذا ما يشير إلى قوله تعالى:
وفى قوله تعالى: «فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ» أي لا دخول
أبدا إلا بعد إذن.. فإن لم يكن أحد فى البيت فلا دخول أبدا.. وإن كان فى البيت أحد، فلا دخول إلا بعد التسليم، والإذن..
وفى قوله تعالى: «هُوَ أَزْكى لَكُمْ» أي هذا الموقف هو أزكى لكم، وهو أن لا دخول أبدا إذا لم يكن أحد، وأن لا دخول إذا كان أحد إلا بعد تسليم وإذن.
والضمير «هو» يعود إلى مصدر مفهوم من قوله تعالى «فَارْجِعُوا» أي فالرجوع أزكى لكم، فإن الدخول بغير إذن هو تطفّل، وعدوان على حرمات غيركم، فقد يكون عدم الإذن لكم راجعا إلى أن الذي تريدون لقاءه لا يريد لقاءكم، أو قد يكون لأنه فى أمر لا يحبّ أن تطلعوا عليه منه.. أو نحو هذا..
فالبيوت ستر لأهلها، ودخولها بغير إذن ابتداء، هو أشبه باللصوصية، أما إن كان الدخول بعد طلبكم الإذن، ثم لم يؤذن لكم فهو اعتداء صارخ، فوق أنه تطفّل وصغار! - وفى قوله تعالى:«وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» تحذير لمن تحدثهم أنفسهم بانتهاك حرمات الله، أو لا يأتمرون بهذا الأمر، الذي أمرهم الله به، وأدّبهم بأدبه.
قوله تعالى:
هذا استثناء من الأمر العام بالاستئذان قبل دخول البيوت، وبهذا الاستثناء يفهم أن المراد بهذه البيوت هى البيوت المسكونة، وهى التي يكون الحرج واقعا على من يدخلها بغير إذن..
أما البيوت غير المسكونة، كالأمكنة العامة، مثل النّزل، والمطاعم، ونحوها