الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُقدِّمة
الحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، مَنْ لَا تُدْرِكُهُ الأَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَْبْصَارَ، جَاعِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَذْكِرَةً لأُِولِي النُّهَى وَالأَْبْصَارِ، مُرْسِلِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ الْهَادِي الْمُصَطَفى الْمُخْتَارِ، إِمَامِ الذَّاكِريِنَ الْمُتَّقِينَ الأَبْرَارِ، مَنْ أَعْلَمَنَا بِسَبْقِ الْمُفَرِّدِينَ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ كُلُّ رَاغِبٍ فِي الْجَنَّةِ وَعَائِذٍ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، فَأَدَامُوا ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ
النَّهَارِ، صلى الله عليه وسلم مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَعَلَى إِخْوَانِهِ الْمُرْسَلِينَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَْخْيَارِ، وَآلِ كُلٍّ، وَكُلِّ ذَاكِرٍ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَعْظَمُ حَقٍّ لِلّهِ عَلَيْنَا تَوْحِيدَهُ تَعَالَى، وَخَيْرُ ثَوَابٍ مُدَّخَرًا لِمَنْ ذَكَرَهُ كَثِيراً، فَلَمْ يَسْبِقِ الذَّاكِرِينَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ، وَلَمَّا كَانَ أَفْضَلُ قُرْبَةٍ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ حُسْنَ اتِّبَاعِ نَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَحْبَبْتُ إهْدَاءَ أُمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم
قَبَسَاتٍ مِنْ أَنْوَارِ الأَْذْكَارِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَلَمْ أَتَوَخَّ فِي ذَلِكَ اسْتِقْصَاءَهَا - فَهِيَ تَكَادُ لَا تُحْصَى -، بَلْ قَصَدْتُ انْتِقَاءً مِنْ كَثِيرِهَا وَاخْتِيَاراً مِنْ صَحِيحِهَا، كَيْ تَكُونَ زَاداً للْمُقِلِّ، وَرَأْفَةً بِمَنْ قَدْ يَمَلُّ، ثُمَّ لَا يَسَعُهُ الإِتْيَانُ بِالْكُلِّ، رَاجِياً فِي ذَلِكَ حُسْنَ الأُْسْوَةِ بِرَأْفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَحْمَتِهِ بِالْمُؤمِنِينَ. وَقَدْ سَمَّيْتُهُ - بِعَوْنِ اللهِ تَعَالَى - «مُنْتَقَى الأَذْكَارِ» عَازِماً على أَنْ يَكُونَ الْحَلْقَةَ الأُْولَى مِنْ حَلَقَاتِ
سِلْسِلَةِ [زَادِ الْمُؤْمِنِ] ، نَفَعَ اللهُ بِهَا، وَالَّتِي سَتَأْتِي تِبَاعاً، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
أَمَّا تَقْسِيمُ الْكِتَابِ، فَقَدْ جَعَلْتُ ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ بَعْدَ الْمُقدِّمَةِ، وَهِيَ:
الأَوَّلُ:
…
فِي ذِكْرِ الصِّفَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِي:
…
فِي بَيَانِ بَعْضِ آدَابِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ.
الثَّالِثُ:
…
فِي أَذْكَارٍ مَشْرُوعَةٍ فِي أَحْوَالٍ وُمُنَاسَبَاتٍ.
الرَّابِعُ:
…
فِي أَذْكَارٍ خَاصَّةٍ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.
الْخَامِسُ:
…
فِي أَذْكَارٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْعِبَادَاتِ [الصَّلاةِ وَمَا لَازَمَهَا، الزَّكَاةِ، الْصِّيامِ، الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] .
السَّادِسُ:
…
فِي أَذْكَارٍ غَيْرِ مُقَيَّدَاتٍ بِأَوْقَاتٍ أَوْ مُنَاسَبَاتٍ.
وَقَدِ اسْتَفَدتُّ فِي طَرِيقَتِي هَذِهِ مِنْ مَنْهَجِ الإِْمَامِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فِي تَصْنِيفِ كِتَابِهِ الْجَامِعِ الْفَذِّ فِي بَابِهِ (الأَذْكَارِ)(1) ، عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ عَوْناً لِمَنْ ضَعُفَتْ
(1) اسم الكتاب - كاملاً كما سمّاه الإمام النوويّ _ح -: «حِلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار» .
هِمَّتُهُ عَنِ الاسْتِفَادَةِ مِنْ أُمَّاتِ الْمُصَنَّفَاتِ فِي الأَذْكَارِ.
وَقَدْ حَرَصْتُ فِي كِتَابِي هَذَا عَلَى الضَّبْطِ التَّامِّ لِلرِّوَايَاتِ، عِنْدَ إِيَرادِهَا فيِ الْمَتْنِ، مُلْتَزِماً كَوْنَهَا صَحِيحَةً أَوْ حَسَنَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ -، ثُمَّ عَمَدتُّ إِلَى تَأْخِيرِ تَخْرِيجِهَا، قَاصِداً - مَعَ حُسْنِ الاخْتِيارِ للقارِئ - صَرْفَ هِمَّتِهِ لِلرِّوَايةِ، يَحْفَظُهَا وَيَعْمَلُ بِهَا، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ تَيَسَّرَ - بِحَمْدِ اللهِ - تَسْجِيلُ مُحْتَوَى هَذَا الْكِتَابِ مِنَ
الأَْذْكَارِ صَوْتِيًّا؛ كَيْمَا يَتَسَنَّى لِلْقَارِئِ حِفْظُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا.
هذَا، وَإِنْ يَسَّرَ اللهُ لَكَ - أَخِي الْمُؤمِنَ - الاسْتِزَادَةَ، فَالذِّكْرُ خَيْرُ الزَّادِ، وَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرةٌ، وَلَدَيْهِ الْمَزِيدُ. قَالَ تَعَالَى:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزَاب: 35]، وَقَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزَاب: 41-42] وَقَالَ سُبْحَانَهُ {لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] . وَقَالَ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» (2) .
هذَا، وَإِنِّي مُتَضَرِّعٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ لِعَمَلِي هَذَا قَبُولاً عِنْدَهُ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ يُلْهِمَ كُلَّ مَنْ قَرَأَهُ وَعَمِلَ بِهِ أَنْ يَخُصَّنِي وَوَالِدَيَّ بِدَعْوَةٍ صَالِحَةٍ، تَكُونُ لَنَا ذُخْرًا يَوْمَ نَلْقَاهُ عز وجل.
د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي
(2) أخرجه مسلم؛ كتاب: الذِّكر والدعاء، باب: الحث على ذِكر الله تعالى، برقم (2676)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وجُمدان: جبل في طريق مكة، كما في نصّ الرواية:(كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ) .