الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعثته صلى الله عليه وسلم وأن هذه الآيات قد تكرر فيها لفظ «أم» خمس عشرة مرة، بعدد هذه السنين، ولذا قالوا: إن ذلك فيه إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة. بتوجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل التسلية والتكريم، حيث أمره- سبحانه- بالإعراض عنهم، لأنه- سبحانه- هو الذي سيتولى حسابهم وعقابهم.. فقال- تعالى-:
[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)
والفاء في قوله- سبحانه-: فَذَرْهُمْ
…
واقعة في جواب شرط مقدر. أى: إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- فاتركهم في طغيانهم يعمهون..
حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ أى: فدعهم يخوضوا ويلعبوا حتى يأتيهم اليوم الذي فيه يموتون ويهلكون.
قال القرطبي: قوله يُصْعَقُونَ بفتح الياء قراءة العامة. وقرأ ابن عامر وعاصم بضمها. قال الفراء: هما لغتان: صعق وصعق مثل سعد وسعد. قال قتادة: يوم يموتون.
وقيل: هو يوم بدر، وقيل: يوم النفخة الأولى. وقيل: يوم القيامة يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم
…
«1» .
وقوله: يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً
…
بدل من قوله: يَوْمَهُمُ. أى:
اتركهم- أيها الرسول الكريم- ولا تكترث بهم. وامض في دعوتك إلى الحق، فعما قريب سيأتيهم اليوم الذي لن ينفعهم فيه مكرهم السّيئ، وكيدهم القبيح..
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ فيه من عقابنا من أى جهة من الجهات، أو من أى شخص من الأشخاص.
(1) تفسير القرطبي ج 17 ص 77.
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا وهم هؤلاء الكافرون عَذاباً دُونَ ذلِكَ أى: عذابا آخر دون ذلك العذاب الذي سينزل بهم عند موتهم وفي حياتهم
…
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لا يعلمون ذلك، لجهلهم بما سينتظرهم من عقاب.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بتلك التسلية الرقيقة لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال:
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا....
أى: واصبر- أيها الرسول الكريم- لِحُكْمِ رَبِّكَ إلى أن ننزل بهم عقابنا في الوقت الذي نشاؤه ونختاره فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا أى: فإنك بمرأى منا وتحت رعايتنا وحمايتنا وحفظنا
…
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ أى: وأكثر من تسبيح ربك وتنزيهه عن كل مالا يليق به حين تقوم من منامك، أو من مجلسك، أو حين تقوم للصلاة..
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أى: ومن الليل فأكثر من تسبيح ربك وَإِدْبارَ النُّجُومِ أى:
وأكثر من تسبيحه- تعالى- وقت إدبار النجوم وغروبها، وذلك في أواخر الليل.
وبذلك ترى أن الله- تعالى- قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإكثار من التسبيح له- عز وجل في كل الأوقات، لأن هذا التسبيح يجلو عن النفس همومها وأحزانها..
وبعد: فهذا تفسير لسورة «الطور» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده
…
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القاهرة- مدينة نصر مساء الثلاثاء 16 جمادى الأولى 1406 هـ 25/ 2/ 1986 م كتبة الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى